بَابُ نَاسِخِ الطَّعَامِ وَمَنْسُوخِهِ
361 أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ : { لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ } قَالَ : فَلَمَّا نَزَلَتْ : { وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ } قَالَ الْمُسْلِمُونَ : إِنَّ اللَّهَ قَدْ نَهَانَا أَنْ نَأْكُلَ أَمْوَالَنَا بَيْنَنَا بِالْبَاطِلِ ، وَإِنَّ الطَّعَامَ مِنْ أَفْضَلِ أَمْوَالِنَا فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْكُلَ عِنْدَ أَحَدٍ فَكَفَّ النَّاسُ عَنْ ذَلِكَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ } الْآيَةَ |
362 أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ : كَانَ رِجَالٌ زَمْنَى وَعُمْيَانُ وَعُرْجَانُ وَأُولُوا حَاجَةٍ يَسْتَتْبِعُهُمْ رِجَالٌ إِلَى بُيُوتِهِمْ فَإِنْ لَمْ يَجِدُوا لَهُمْ طَعَامًا يَذْهَبُونَ بِهِمْ إِلَى بُيُوتِ آبَائِهِمْ وَمَنْ مَعَهُمْ ، فَيَكْرَهُ الْمُسْتَتْبَعُونَ ذَلِكَ ، فَنَزَلَتْ : { لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } الْآيَةَ قَالَ : فَأُحِلَّ لَهُمُ الطَّعَامُ حَيْثُ وَجَدُوهُ مِنْ ذَلِكَ |
363 أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ ، عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ : قُلْتُ لِلزُّهْرِيِّ مَا بَالُ الْأَعْمَى ، وَالْأَعْرَجِ ، وَالْمَرِيضِ ذُكِرُوا هَاهُنَا ؟ قَالَ : أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا إِذَا غَزَوْا خَلَّفُوا زَمْنَاهُمْ فِي بُيُوتِهِمْ وَدَفَعُوا إِلَيْهِمُ الْمَفَاتِيحَ وَقَالُوا : قَدْ أَحْلَلْنَا لَكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْهَا ، فَكَانُوا يَتَحَرَّجُونَ مِنْ ذَلِكَ وَيَقُولُونَ . لَا نَدْخُلُهَا وَهُمْ غُيَّبٌ ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ رُخْصَةً لَهُمْ ، أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ ، عَنِ اللَّيْثِ ، عَنْ عُقَيْلٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ نَحْوَ ذَلِكَ وَزَادَ فِيهِ قَالَ : أَنَّهُمْ قَالُوا : نَخْشَى أَلَّا تَكُونَ أَنْفُسُهُمْ طَيِّبَةً وَإِنْ قَالُوهُ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ |
364 أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ : سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ : { وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكِمْ } إِلَى آخِرِهَا ، قَالَ : كَانَتِ الْأَنْصَارُ فِي أَنْفُسِهَا قَزَازَةٌ ، فَكَانَتْ لَا تَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الْبُيُوتِ إِذَا اسْتَغْنَوْا فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ |
365 أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ حِينَ نَزَلَتْ : { وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ } قَالَ : لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْكُلَ عِنْدَ أَحَدٍ ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ |
366 أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ { أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ } قَالَ : هُوَ الرَّجُلُ يُوَكِّلُ الرَّجُلَ بِضَيْعَتِهِ فَرُخِّصَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ ذَلِكَ الطَّعَامِ وَالتَّمْرِ وَيَشْرَبَ اللَّبَنَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : وَقَدْ كَانَ نَاسٌ مِنَ النَّاسِ يَتَأَوَّلُونَ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى الْإِبَاحَةِ لِطَعَامِ الْأَقَارِبِ خَاصَّةً وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ أَرْبَابُهُ ، وَيَحْتَجُّونَ بِأَنَّهُ إِذَا جَاءَ الْإِذْنُ كَانَ وَاسِعًا لَلْأَبَاعِدِ أَيْضًا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : وَهَذَا مَذْهَبٌ فِيهِ مَقَالٌ لِقَائِلِهِ لَوْلَا خَصْلَتَانِ تُفْسِدَانِهِ : إِحْدَاهُمَا أَنَّا وَجَدْنَا هَذِهِ الْأَخْبَارَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا تَصِفُ غَيْرَ ذَلِكَ ، وَالْأُخْرَى : أَنَّ الْآيَةَ إِنَّمَا افْتُتِحَتْ بِإِسْقَاطِ الْحَرَجِ عَنِ الْأَعْمَى وَالْأَعْرَجِ وَالْمَرِيضِ ، ثُمَّ جُعِلَ الْأَقْرَبُونَ تَبَعًا لَهُمْ ، فَمَا سَقَطَ فِيهِ الْحَرَجُ عَنْ هَؤُلَاءِ كَانَ أُولَئِكَ بِهِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُمْ فِي صَدْرِ الْآيَةِ ، فَهَلْ يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَجْعَلَ أَمْوَالَ النَّاسِ مُبَاحَةً لِلْأَعْمَى وَالْأَعْرَجِ وَالْمَرِيضِ مِنْ غَيْرِ إِذْنِ أَصْحَابِهِ ؟ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : وَأَمَّا أَنَا فَإِنَّ الَّذِي عِنْدِي فِيهِ مَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا نَهَى عَنْ أَكْلِ الْأَمْوَالِ بِالْبَاطِلِ تَحَامَى الْمُسْلِمُونَ نَيْلَ كُلِّ مَالٍ وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ رَبِّهِ إِشْفَاقًا أَنْ يُوَاقِعُوا الْمَعْصِيَةَ وَلَا يَشْعُرُوا ، كَخِيفَتِهِمْ كَانَتْ مِنْ أَمْوَالِ الْيَتَامَى حِينَ أَوْعَدَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهَا النَّارَ ، فَاجْتَنَبُوا مِنْ أَجْلِهَا مُخَالَطَتَهُمْ حَذَرًا أَنْ يُخْرِجَهُمْ ذَلِكَ إِلَى مَا نُهُوا عَنْهُ فَنَسَخَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِقَوْلِهِ : { وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ } ثُمَّ أَذِنَ فِيهَا بِمَا هُوَ أَوْسَعُ مِنْهُ ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ } فَأُحِلَّ لَهُمْ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْهَا بِالِاقْتِصَادِ عِنْدَ الْفَاقَةِ ، فَكَانَتْ هَذِهِ أَكْثَرَ مِنَ الْأُولَى ، فَكَذَلِكَ عِنْدِي أَمْرُ الطَّعَامِ أَنَّهُمْ أَمْسَكُوا عَنِ النَّيْلِ مِنْ طَعَامِ النَّاسِ وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِمْ تَوَرُّعًا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنَ الْأَكْلِ بِالْبَاطِلِ إِذْ لَمْ يَسْتَحِقُّوهُ بِعَمَلٍ يَعْمَلُوهُ لَهُمْ وَلَا دَيْنٍ عَلَيْهِمْ حَتَّى أَخْبَرَهُمْ جَلَّ حدثناؤُهُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِمَّا حَرَّمَ وَلَا مِمَّا خَافُوا ، وَأَنَّهُ لَا حَرَجَ عَلَيْهِمْ فِيهِ ، ثُمَّ زَادَ أَهْلُ هَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي ذُكِرَ فِيهَا الزَّمْنَى وَالْفُقَرَاءُ وَالْأَقَارِبُ أَكْثَرَ مِنْ إِبَاحَةِ الطَّعَامِ الْمَأْذُونِ فِيهِ ، فَجَعَلَ لَهُمْ حُقُوقًا فِي أَمْوَالِ الْأَغْنِيَاءِ وَاجِبَةً حِينَ فَرَضَ عَلَيْهِمُ الصَّدَقَاتِ ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ } الْآيَةَ ، وَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْأَقْرَبِينَ ، فَقَالَ : { وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ } فِي آيٍ كَثِيرٍ يَطُولُ بِهَا الْكِتَابُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : فَهَذَا عِنْدِي وَجْهُ هَذِهِ الْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الطَّعَامِ وَنَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ ، وَقَدْ تَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ فِي الْأَعْمَى ، وَالْأَعْرَجِ ، وَالْمَرِيضِ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَتَحَرَّجُونَ مِنْ مُؤَاكَلَتِهِمْ يَقُولُونَ : إِنَّ الْأَعْمَى لَا يُبْصِرُ أَطَايِبَ الطَّعَامِ ، وَإِنَّ الْأَعْرَجَ لَا يُمْكِنُهُ مَدُّ يَدِهِ إِلَى مَا يُرِيدُ ، وَإِنَّ الْمَرِيضَ لَا يَسْتَطِيعُ الطُّعْمَ فَأُبِيحَ لِلنَّاسِ أَنْ يُؤَاكِلُوهُمْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : وَالتَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ أَحَبُّ إِلَيَّ ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءِ إِلَيْهِ يَذْهَبُ ، وَهُوَ مَعَ هَذَا أَصَحُّ فِي الْكَلَامِ وَأَعْرَبُ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ : { لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى } وَلَمْ يَقُلْ : لَيْسَ عَلَيْكُمْ فِي الْأَعْمَى حَرَجٌ ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : عَلَى قَدْ تَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى فِي لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا مُمْتَنِعًا فِي الْعَرَبِيَّةِ إِلَّا أَنَّ وَجْهَ الْكَلَامِ الْمُقَدَّمِ ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا يُحْمَلُ الْقُرْآنُ عَلَى أَعْرَبِ الْوُجُوهِ وَأَصَحِّهَا فِي اللُّغَةِ وَالنَّحْوِ |