هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
8 حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى ، قَالَ : أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ : شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وَالحَجِّ ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
8 حدثنا عبيد الله بن موسى ، قال : أخبرنا حنظلة بن أبي سفيان ، عن عكرمة بن خالد ، عن ابن عمر ، رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والحج ، وصوم رمضان
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  عن ابْنِ عُمَرَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ : شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وَالحَجِّ ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ .

Narrated Ibn 'Umar:

Allah's Messenger (ﷺ) said: Islam is based on (the following) five (principles):

1. To testify that none has the right to be worshipped but Allah and Muhammad is Allah's Messenger (ﷺ).

2. To offer the (compulsory congregational) prayers dutifully and perfectly.

3. To pay Zakat (i.e. obligatory charity) .

4. To perform Hajj. (i.e. Pilgrimage to Mecca)

5. To observe fast during the month of Ramadan.

0008 D’après ‘Ikrima ben Khâlid, ibn ‘Umar dit : « Le Messager de Dieu a dit : L’islam est fondé sur cinq chose: l’attestation qu’il n’y a d’autre dieu que Dieu et que Muhammad est le Messager de Dieu; accomplir la prière; payer la zakât; le pèlerinage; le jeûne du mois de ramadan.«   

":"ہم سے عبیداللہ بن موسیٰ نے یہ حدیث بیان کی۔ انھوں نے کہا کہ ہمیں اس کی بابت حنظلہ بن ابی سفیان نے خبر دی۔ انھوں نے عکرمہ بن خالد سے روایت کی انھوں نے حضرت عبداللہ بن عمر رضی اللہ عنہما سے روایت کی کہرسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا اسلام کی بنیاد پانچ چیزوں پر قائم کی گئی ہے۔ اول گواہی دینا کہ اللہ کے سوا کوئی معبود نہیں اور بیشک حضرت محمد صلی اللہ علیہ وسلم اللہ کے سچے رسول ہیں اور نماز قائم کرنا اور زکوٰۃ ادا کرنا اور حج کرنا اور رمضان کے روزے رکھنا ۔

0008 D’après ‘Ikrima ben Khâlid, ibn ‘Umar dit : « Le Messager de Dieu a dit : L’islam est fondé sur cinq chose: l’attestation qu’il n’y a d’autre dieu que Dieu et que Muhammad est le Messager de Dieu; accomplir la prière; payer la zakât; le pèlerinage; le jeûne du mois de ramadan.«   

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [8] .

     قَوْلُهُ  حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ هُوَ قُرَشِيٌّ مَكِّيٌّ مِنْ ذُرِّيَّةِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ الْجُمَحِيِّ وَعِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدٍ هُوَ بن سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيُّ وَهُوَ ثِقَةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِي طَبَقَتِهِ عِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَلَمْ يُخَرِّجْ لَهُ الْبُخَارِيُّ نَبَّهْتُ عَلَيْهِ لِشِدَّةِ الْتِبَاسِهِ وَيَفْتَرِقَانِ بشيوخهما وَلم يرو الضَّعِيف عَن بن عُمَرَ زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ حَنْظَلَةَ قَالَ سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ بْنَ خَالِدٍ يُحَدِّثُ طَاوُسًا أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَلَا تَغْزُو فَقَالَ إِنِّي سَمِعْتُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَائِدَةٌ اسْمُ الرَّجُلِ السَّائِلِ حَكِيمٌ ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ .

     قَوْلُهُ  عَلَى خَمْسٍ أَيْ دَعَائِمَ وَصَرَّحَ بِهِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي رِوَايَتِهِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَلَى خَمْسَةٍ أَيْ أَرْكَانٍ فَإِنْ قِيلَ الْأَرْبَعَةُ الْمَذْكُورَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الشَّهَادَةِ إِذْ لَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْهَا إِلَّا بَعْدَ وُجُودِهَا فَكَيْفَ يُضَمُّ مَبْنِيٌّ إِلَى مَبْنِيٍّ عَلَيْهِ فِي مُسَمًّى وَاحِدٍ أُجِيبَ بِجَوَازِ ابْتِنَاءِ أَمْرٍ عَلَى أَمْرٍ يَنْبَنِي عَلَى الْأَمْرَيْنِ أَمْرٌ آخَرُ فَإِنْ قِيلَ الْمَبْنِيُّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ الْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَجْمُوعَ غَيْرٌ مِنْ حَيْثُ الِانْفِرَادِ عَيْنٌ مِنْ حَيْثُ الْجَمْعِ وَمِثَالُهُ الْبَيْتُ مِنِ الشِّعْرِ يُجْعَلُ عَلَى خَمْسَةِ أَعْمِدَةٍ أَحَدُهَا أَوْسَطُ وَالْبَقِيَّةُ أَرْكَانٌ فَمَا دَامَ الْأَوْسَطُ قَائِمًا فَمُسَمَّى الْبَيْتِ مَوْجُودٌ وَلَوْ سَقَطَ مَهْمَا سَقَطَ مِنَ الْأَرْكَانِ فَإِذَا سَقَطَ الْأَوْسَطُ سَقَطَ مُسَمَّى الْبَيْتِ فَالْبَيْتُ بِالنَّظَرِ إِلَى مَجْمُوعِهِ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَبِالنَّظَرِ إِلَى أَفْرَادِهِ أَشْيَاءُ وَأَيْضًا فَبِالنَّظَرِ إِلَى أُسِّهِ وَأَرْكَانِهِ الْأُسُّ أَصْلٌ وَالْأَرْكَانُ تَبَعٌ وَتَكْمِلَةٌ تَنْبِيهَاتٌ أَحَدُهَا لَمْ يُذْكَرِ الْجِهَادَ لِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَلَا يَتَعَيَّنُ إِلَّا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِوَلِهَذَا جعله بن عُمَرَ جَوَابَ السَّائِلِ وَزَادَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي آخِرِهِ وَإِنَّ الْجِهَادَ مِنَ الْعَمَلِ الْحسن وَأغْرب بن بَطَّالٍ فَزَعَمَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ كَانَ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ قَبْلَ فَرْضِ الْجِهَادِ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ هُوَ خَطَأٌ لِأَنَّ فَرْضَ الْجِهَادِ كَانَ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ وَبَدْرٌ كَانَتْ فِي رَمَضَانَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَفِيهَا فُرِضَ الصِّيَامُ وَالزَّكَاةُ بَعْدَ ذَلِكَ وَالْحَجُّ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ ثَانِيهَا قَوْله شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَمَا بَعْدَهَا مَخْفُوضٌ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ خَمْسٍ وَيَجُوزُ الرَّفْعُ عَلَى حَذْفِ الْخَبَرِ وَالتَّقْدِيرُ مِنْهَا شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَوْ عَلَى حَذْفِ الْمُبْتَدَأِ وَالتَّقْدِيرُ أَحَدُهَا شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَإِنْ قِيلَ لَمْ يَذْكُرِ الْإِيمَانَ بِالْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا تَضَمَّنَهُ سُؤَالُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّهَادَةِ تَصْدِيقُ الرَّسُولِ فِيمَا جَاءَ بِهِ فَيَسْتَلْزِمُ جَمِيعَ مَا ذُكِرَ مِنَ الْمُعْتَقَدَاتِ.

     وَقَالَ  الْإِسْمَاعِيلِيُّ مَا مُحَصَّلُهُ هُوَ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِبَعْضِهِ كَمَا تَقُولُ قَرَأْتُ الْحَمْدَ وَتُرِيدُ جَمِيعَ الْفَاتِحَةِ وَكَذَا تَقُولُ مَثَلًا شَهِدْتُ بِرِسَالَةِ مُحَمَّدٍ وَتُرِيدُ جَمِيعَ مَا ذُكِرَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ثَالِثُهَا الْمُرَادُ بِإِقَامِ الصَّلَاةِ الْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهَا أَوْ مُطْلَقُ الْإِتْيَانِ بِهَا وَالْمُرَادُ بِإِيتَاءِ الزَّكَاةِ إِخْرَاجُ جُزْءٍ مِنَ الْمَالِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ رَابِعُهَا اشْتَرَطَ الْبَاقِلَّانِيُّ فِي صِحَّةِ الْإِسْلَامِ تَقَدُّمَ الْإِقْرَارِ بِالتَّوْحِيدِ عَلَى الرِّسَالَةِ وَلَمْ يُتَابَعْ مَعَ أَنَّهُ إِذَا دُقِّقَ فِيهِ بَانَ وَجْهُهُ وَيَزْدَادُ اتِّجَاهًا إِذَا فَرَّقَهُمَا فَلْيُتَأَمَّلْ خَامِسُهَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ تَخْصِيصُ عُمُومِ مَفْهُومِ السُّنَّةِ بِخُصُوصِ مَنْطُوقِ الْقُرْآنِ لِأَنَّ عُمُومَ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي صِحَّةَ إِسْلَامِ مَنْ بَاشَرَ مَا ذُكِرَ وَمَفْهُومُهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يُبَاشِرْهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ وَهَذَا الْعُمُومُ مَخْصُوصٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَالَّذين آمنُوا وأتبعناهم ذرياتهم عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ سَادِسُهَا وَقَعَ هُنَا تَقْدِيمُ الْحَجِّ عَلَى الصَّوْمِ وَعَلَيْهِ بَنَى الْبُخَارِيُّ تَرْتِيبَهُ لَكِنْ وَقَعَ فِي مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَة سعد بن عُبَيْدَة عَن بن عُمَرَ بِتَقْدِيمِ الصَّوْمِ عَلَى الْحَجِّ قَالَ فَقَالَ رجل وَالْحج وَصِيَام رَمَضَان فَقَالَ بن عُمَرَ لَا صِيَامُ رَمَضَانَ وَالْحَجُّ هَكَذَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى فَفِي هَذَا إِشْعَارٌ بِأَنَّ رِوَايَةَ حَنْظَلَةَ الَّتِي فِي الْبُخَارِيِّ مَرْوِيَّةٌ بِالْمَعْنَى إِمَّا لِأَنَّهُ لم يسمع رد بن عُمَرَ عَلَى الرَّجُلِ لِتَعَدُّدِ الْمَجْلِسِ أَوْ حَضَرَ ذَلِكَ ثُمَّ نَسِيَهُ وَيَبْعُدُ مَا جَوَّزَهُ بَعْضُهُمْ أَن يكون بن عُمَرَ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَنَسِيَ أَحَدَهُمَا عِنْدَ رَدِّهِ عَلَى الرَّجُلِ وَوَجْهُ بُعْدِهِ أَنَّ تَطَرُّقَ النِّسْيَانِ إِلَى الرَّاوِي عَنِ الصَّحَابِيِّ أَوْلَى مِنْ تَطَرُّقِهِ إِلَى الصَّحَابِيِّ كَيْفَ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ حَنْظَلَةَ بِتَقْدِيمِ الصَّوْمِ عَلَى الْحَجِّ وَلِأَبِي عَوَانَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ حَنْظَلَةَ أَنَّهُ جَعَلَ صَوْمَ رَمَضَانَ قَبْلُ فَتَنْوِيعُهُ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ رُوِيَ بِالْمَعْنَى وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَقَعَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي التَّفْسِيرِ بِتَقْدِيمِ الصِّيَامِ عَلَى الزَّكَاةِ أَفَيُقَالُ إِنَّ الصَّحَابِيَّ سَمِعَهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ هَذَا مُسْتَبْعَدٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَائِدَةٌ اسْمُ الرَّجُلِ الْمَذْكُورِ يَزِيدُ بْنُ بِشْرٍ السَّكْسَكِيُّ ذَكَرَهُ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيّ رَحمَه الله تَعَالَى ( قَولُهُ بَابُ أُمُورِ الْإِيمَانِ) وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ أَمْرُ الْإِيمَانِ بِالْإِفْرَادِ عَلَى إِرَادَةِ الْجِنْسِ وَالْمُرَادُ بَيَانُ الْأُمُورِ الَّتِي هِيَ الْإِيمَانُ وَالْأُمُورُ الَّتِي لِلْإِيمَانِ .

     قَوْلُهُ  وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْخَفْضِ وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ الْآيَة ومناسبتهالِحَدِيثِ الْبَابِ تَظْهَرُ مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْإِيمَانِ فَتَلَا عَلَيْهِ لَيْسَ الْبِرَّ إِلَى آخِرِهَا وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَإِنَّمَا لَمْ يَسُقْهُ الْمُؤَلِّفُ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى شَرْطِهِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْآيَةَ حَصَرَتِ التَّقْوَى عَلَى أَصْحَابِ هَذِهِ الصِّفَاتِ وَالْمُرَادُ الْمُتَّقُونَ مِنَ الشِّرْكِ وَالْأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ فَإِذَا فَعَلُوا وَتَرَكُوا فَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ الْكَامِلُونَ وَالْجَامِعُ بَيْنَ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ أَنَّ الْأَعْمَالَ مَعَ انْضِمَامِهَا إِلَى التَّصْدِيقِ دَاخِلَةٌ فِي مُسَمَّى الْبِرِّ كَمَا هِيَ دَاخِلَةٌ فِي مُسَمَّى الْإِيمَانِ فَإِنْ قِيلَ لَيْسَ فِي الْمَتْنِ ذِكْرُ التَّصْدِيقِ أُجِيبَ بِأَنَّهُ ثَابِتٌ فِي أَصْلِ هَذَا الْحَدِيثِ كَمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَالْمُصَنِّفُ يُكْثِرُ الِاسْتِدْلَالَ بِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْمَتْنُ الَّذِي يَذْكُرُ أَصْلَهُ وَلَمْ يَسُقْهُ تَامًّا قَوْله قد أَفْلح الْمُؤْمِنُونَ ذَكَرَهُ بِلَا أَدَاةِ عَطْفٍ وَالْحَذْفُ جَائِزٌ وَالتَّقْدِير وَقَول الله قد أَفْلح الْمُؤْمِنُونَ وَثَبَتَ الْمَحْذُوفُ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَكَرَ ذَلِكَ تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِ الْمُتَّقُونَ أَيِ الْمُتَّقُونَ هُمُ الْمَوْصُوفُونَ بِقَوْلِهِ قَدْ أَفْلَحَ إِلَى آخِرِهَا وَكَأَنَّ الْمُؤَلِّفَ أَشَارَ إِلَى إِمْكَانِ عَدِّ الشُّعَبِ مِنْ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ وَشِبْهِهِمَا وَمِنْ ثمَّ ذكر بن حِبَّانَ أَنَّهُ عَدَّ كُلَّ طَاعَةٍ عَدَّهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ مِنَ الْإِيمَانِ وَكُلُّ طَاعَةٍ عَدَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْإِيمَانِ وَحَذَفَ الْمُكَرَّرَ فَبَلَغَتْ سَبْعًا وَسَبْعِينَ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [8] حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ َ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ».
[الحديث طرفه في: 4515] .
وبالسند إلى المؤلف قال: ( حدّثنا عبيد الله) بالتصغير وفي الفرع خلافًا لأصله.
وحدّثنا محمد بن إسماعيل يعني البخاري حدّثنا عبيد الله ( بن موسى) بن باذام بالموحدة والذال المعجمة آخره ميم العبسي بفتح المهملة وتسكين الموحدة الشيعي الغير داعية المتوفى بالإسكندرية سنة ثلاث عشرة أو أربع عشرة أو خمس عشرة ومائتين، ( قال: أخبرنا) وفي رواية الهروي، حدّثنا ( حنظلة بن أبي سفيان) بن عبد الرحمن الجمحي المكي القرشي المتوفى سنة إحدى وخمسين ومائة، ( عن عكرمة بن خالد) يعني ابن العاصي المخزومي القرشي، المتوفى بمكة بعد عطاء وهو توفي سنةأربع عشرة أو خمس عشرة ومائة، ( عن ابن عمر) بن الخطاب عبد الله ( رضي الله عنهما) ، هاجر به أبوه واستصغر يوم أُحُد وشهد الخندق وبيعة الرضوان والمشاهد، وكان واسع العلم متين الدين وافر الصلاح وتوفي سنة ثلاث وسبعين وله في البخاري مائتان وسبعون حديثًا ( قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) : ( بني الإسلام) الذي هو الانقياد ( على خمس) أي خمس دعائم، وقال بعضهم، على بمعنى من أي بني الإسلام من خمس، وبهذا يحصل الجواب عما يقال إن هذه الخمس هي الإسلام، فكيف يكون الإسلام مبنيًّا عليها والمبني لا بدّ أن يكون غير المبني عليه، ولا حاجة إلى جواب الكرماني بأن الإسلام عبارة عن المجموع والمجموع غير كل واحد من أركانه: ( شهادة أن لا إله إلاّ الله و) شهادة ( أن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة) أي المداومة عليها، والمراد الإتيان بها بشروطها وأركانها، ( وإيتاء الزكاة) أي إعطائها مستحقيها بإخراج جزء من المال على وجه مخصوص كما سيأتي البحث فيه إن شاء الله تعالى في محله بعون الله، ( والحج) إلى بيت الله الحرام، ( وصوم) شهر ( رمضان) .
بخفض شهادة على البدل من خمس، وكذا ما بعدها.
ويجوز الرفع خبر مبتدأ محذوف أي وهي والنصب بتقدير أعني، قال البدر الدماميني: أما وجه الرفع فواضح، وأما وجه الجر فقد يقال فيه إن البدل من خمس هو مجموع المجرورات المتعاطفة لا كل واحد منها.
فإن قلت: يكون كل منها بدل بعض، قلت حينئذ يحتاج إلى تقدير رابط اهـ.
"ولا" في قوله: لا إله إلاّ الله، هي النافية للجنس وإله اسمها مركب معها تركيب مزج كأحد عشر، والفتحة فتحة بناء، وعند الزجاج فتحة إعراب لأنه عنده منصوب بها لفظًا وخبرها محذوف اتفافًا تقديره موجود، وإلاّ حرف استثناء، والاسم الكريم مرفوع على البدلية من الضمير المستتر في الخبر، وقيل: مرفوع على الخبرية لقوله لا وعليه جماعة.
وفي هذه المسألة مباحث ضربت عليها بعد أن أثبتها خوف الإطالة، ثم إن هذا التركيب عند علماء المعاني يفيد القصر وهو في هذه الكلمة من باب قصر الصفة على الموصوف لا العكس، فإن إله في معنى الوصف.
فإن قلت: لمَ قدّم النفي على الإثبات فقيل لا إله إلا الله ولم يقل الله لا إله إلاّ هو بتقديم الإثبات على النفي؟ أجيب: بأنه إذا نفى أن يكون ثم إله غير الله فقد فرّغ قلبه مما سوى الله بلسانه ليواطىء القلب وليس مشغولاً بشيء سوى الله تعالى، فيكون نفي الشريك عن الله تعالى بالجوارح الظاهرة والباطنية.
ووجه الحصر في الخمسة أن العبادة إما قولية أو غيرها.
الأولى الشهادتان، والثانية إما تركية أو فعلية، الأولى الصوم، والثانية إما بدنية أو مالية الأولى الصلاة، والثانية الزكاة أو مركبة منهما وهي الحج، وقد ذكره مقدّمًا على الصوم.
وعليه بنى المصنف ترتيب جامعه هذا.
لكن عند مسلم من رواية سعد بن عبيدة عن ابن عمر تأخير الصوم عن الحج، فقال رجل وهو يزيد بن بشر السكسكي: والحج وصوم رمضان.
فقال ابن عمر: لا، صيام رمضان والحج هكذا سمعته من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فيحتمل أن يكون حنظلة رواه هنا بالمعنى لكونه لم يسمع رد ابن عمر على يزيد أو سمعه ونسيه، نعم رواه ابن عمر في مسلم من أربع طرق تارة بالتقديم وتارة بالتأخير.
فإن قلت: لِمَ لم يذكر الإيمان بالأنبياء والملائكة وأسقط الجهاد؟ أجيب: بأن الجهاد فرض كفاية ولا يتعين إلا في بعض الأحوال، وإنما لم يذكر الإيمان بالأنبياء والملائكة لأن المراد بالشهادة تصديق الرسول فيما جاء به، فيستلزم جميع ما ذكر من الاعتقادات.
وفي قوله: بني الخ استعارة بأن يقدر الاستعارة في بني، والقرينة في الإسلام شبه ثبات الإسلام واستقامته على هذه الأركان الخمسة ببناء الخباء على هذه الأعمدة الخمسة، ثم تسري الاستعارة من المصدر إلى الفعل، أو تكون مكنية بأن تكون الاستعارة في الإسلام والقرينة بني على التخييل بأن شبه الإسلام بالبيت، ثم خيل كأنه بيت على المبالغة، ثم أطلق الإسلام على ذلك المخيل، ثم خيل له ما يلزم الخباء المشبه به من البناء، ثم أثبت له ما هو لازم البيت من البناء على الاستعارة التخييلية ثم نسبه إليه ليكون قرينة مانعة من إرادة الحقيقة.
ويجوز أن تكون استعارة بالكناية لأنه شبه الإسلام بمبنيّ له دعائم، فذكر المشبه وطوى ذكر المشبه به وذكر ما هو من خواص المشبه به وهو البناء، ويسمى هذا استعارة ترشيحية، ويجوز أن تكون استعارة تمثيلية، فإنه مثل حالة الإسلام مع أركانه الخمسة بحالة خباء أقيم على خمسة أعمدة وقطبها التي تدور عليه هو شهادة أن لا إله إلاّ الله وبقية شعب الإيمان كالأوتاد للخباء.
وقال في الفتح، فإن قلت: الأربعة المذكورة بعد الشهادة مبنية على الشهادة إذ لا يصح شيء منها إلا بعد وجودها، فكيف يضم مبني إلى مبني عليه في مسمى واحد؟ أجيب: بجواز ابتناء أمر على أمر يبتنى على الأمرين أمر آخر.
فإن قلت: المبني لا بد أن يكون غير المبني عليه.
فالجواب أن المجموع غير من حيث الانفراد عين من حيث الجمع، ومثاله البيت من الشعر يجعل على خمسة أعمدة أحدها أوسط والبقية أركان، فما دام الأوسط قائمًا فمسمى البيت موجود ولو سقط ما سقط من الأركان، فإذا سقط الأوسط سقط مسمى البيت، فالبيت بالنظر إلى مجموعه شيء واحد وبالنظر إلى أفراده أشياء.
وأيضًا فبالنظر إلى أسّه وأركانه الأس أصل والأركان تبع وتكملة، والله الموفق.
ومن لطائف إسناد هذا الحديث جمعه للتحديث والإخبار والعنعنة وكل رجاله مكيّون إلا عبيد الله فإنه كوفي، وهو من الرباعيات وأخرج متنه المؤلف أيضًا في التفسير ومسلم في الإيمان خماسي الإسناد اهـ.
3 - باب أُمُورِ الإِيمَانِ، وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى { لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ - قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} الآيَةَ.
هذا ( باب أمور الإيمان) بالإضافة البيانية لأن المراد بيان الأمور التي هي الإيمان، لأن الأعمال عند المؤلف هي الإيمان، أو بمعنى اللام أي باب الأمور الثابتة للإيمان في تحقيق حقيقته وتكميل ذاته، وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني أمر الإيمان بالإفراد على إرادة الجنس.
( وقول الله تعالى) بالجر عطفًا على أمور، وفي رواية أبوي ذر والوقت والأصيلي عز وجل بدل قوله تعالى، ( ليس البر) وهو اسم لكل خير وفعل مرضي، ( أن تولوا وجوهكم قبل الشرق والمغرب) .
قال القاضي ناصر الدين البيضاوي: أي ليس البر مقصورًا على أمر القبلة أو ليس البر ما أنتم عليه فإنه منسوخ، ( ولكن البر) الذي ينبغي أن يهتم به ( من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب) القرآن أو أعم، ( والنبيين وآتى المال على حبه) تعالى أو حب المال ( ذوي القربى واليتامى) المحاويج منهم، ولم يقيده لعدم الإلباس.
( والمساكين وابن السبيل) المسافر أو الضيف، ( والسائلين) أي الذين ألجأتهم الحاجة إلى السؤال، ( وفي الرقاب) أي تخليصها بمعاونة المكاتبين أو فك الأسارى أو ابتياع الرقاب لعتقها، ( وأقام الصلاة وآتى الزكاة) المفروضتين، والمراد بآتى المال بيان مصارفها، ( والموفون بعهدهم إذا عاهدوا) عطف على من آمن، ( والصابرين في البأساء والضراء) نصب على المدح، ولم يعطف لفضل الصبر على سائر الأعمال.
وعن الأزهري البأساء في الأموال كالفقر، والضرّاء في الأنفس كالمرض.
( وحين البأس) وقت مجاهدة العدو، ( أولئك الذين صدقوا) في الدين واتباع الحق وطلب البر، { وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: 177] عن الكفر وسائر الرذائل، والآية كما ترى جامعة للكمالات الإنسانية بأسرها دالة عليها صريحًا أو ضمنًا، فإنها بكثرتها وتشعبها منحصرة في ثلاثة أشياء: صحة الاعتقاد وحسن المعاشرة وتهذيب النفس.
وقد أشير إلى الأول بقوله: من آمن، إلى والنبيين، وإلى الثاني بقوله: وآتى المال، إلى وفي الرقاب.
وإلى الثالث بقوله: وأقام الصلاة إلى آخرها.
ولذلك وصف المستجمع لها بالصدق نظرًا إلى إيمانه واعتقاده وبالتقوى اعتبارًا لمعاشرته للخلق ومعاملته مع الحق، وإليه أشار عليه الصلاة والسلام بقوله من عمل بهذه الآية، فقد استكمل الإيمان.
وهذا وجه استدلال المؤلف بهذه الآية ومناسبتها لتبويبه.
وفي حديث أبي ذر عند عبد الرزاق بسند رجاله ثقات أنه سأل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الإيمان فتلا عليه هذه الآية، ولم يذكره المؤلف لأنه ليس على شرطه، وقد سقط في رواية الأصيلي وأبي ذر ولكن البر إلى آخر الآية، وسقط لابن عساكر واليوم الآخر.
ثم استدل المؤلف لذلك أيضًا بآية أخرى فقال: ( قد أفلح) أي فاز( المؤمنون) الآية [المؤمنون: 1] .
بإسقاط واو العطف لعدم الإلباس، قال في الفتح: ويحتمل أن يكون ساقه تفسيرًا لقوله هم المتقون تقديره المتقون هم الموصوفون بقوله قد أفلح، وفي رواية الأصيلي، وقد أفلح بإثبات الواو وفي رواية ابن عساكر، وقوله قد أفلح.
قلت: وفيهما ردّ لما قاله في الفتح من احتمال التفسير، والآية يجوز فيها النصب بتقدير اقرأ والرفع مبتدأ حذف خبره.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [8] عكرمة بن خالد عن ابن عمر، عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: " بني الإسلام على خمس: شهادة ألا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان ".
وهذا الحديث دل على أن الإسلام مبني على خمس أركان، وهذا يدل على أن البخاري يرى أن الإيمان والإسلام مترادفان.
ومعنى قوله صلي الله عليه وسلم " بني الإسلام على خمس ": أن الإسلام مثله كبنيان، وهذه الخمس: دعائم البنيان وأركانه التي يثبت عليها البنيان.
وقد روي في لفظ: " بني الإسلام على خمس دعائم ".
خرجه محمد بن نصر المروزي .
وإذا كانت هذه دعائم البنيان وأركانه، فبقية خصال الإسلام كبقية البنيان، فإذا فقد شيء من بقية الخصال الداخلة في مسمى الإسلام الواجب نقص البنيان ولم يسقط بفقده.
وأما هذه الخمس، فإذا زالت كلها سقط البنيان ولم يثبت بعد زوالها وكذلك ( إن) زال منها الركن الأعظم وهو الشهادتان، وزوالهما يكون بالإتيان بما يضادهما ولا يجتمع معهما.
وأما زوال الأربع البواقي: فاختلف العلماء هل يزول الاسم بزوالها أو بزوال واحد منها؟ أم لا يزول بذلك؟ أم يفرق بين الصلاة وغيرها فيزول بترك الصلاة دون غيرها؟ أم يختص زوال الإسلام بترك الصلاة والزكاة خاصة.
وفي ذلمك اختلاف مشهور، وهذه الأقوال كلها محكية عن الإمام أحمد وكثير من علماء أهل الحديث يرى تكفير تارك الصلاة.
وحكاه إسحاق بن راهويه إجماعا منهم حتى إنه جعل قول من قال: لا يكفر بترك هذه الأركان مع الإقرار بها من أقوال المرجئة.
وكذلك قال سفيان بن عيينه: المرجئة سموا ترك الفرائض ذنبا بمنزلة ركوب المحارم، وليسا سواء، لأن ركوب المحارم متعمدا من غير استحلال: معصية، وترك الفرائض من غير جهل ولا عذر: هو كفر.
وبيان ذلك في أمر آدم وإبليس وعلماء اليهود الذين أقروا ببعث النبي صلي الله عليه وسلم ولم يعملوا بشرائعه.
وروي عن عطاء ونافع مولى ابن عمر أنهما سئلا عمن قال: الصلاة فريضة ولا أصلي، فقالا: هو كافر.
وكذا قال الإمام أحمد.
ونقل حرب عن إسحاق قال: غلت المرجئة حتى صار من قولهم: إن قوما يقولون: من ترك الصلوات المكتوبات وصوم رمضان والزكاة والحج وعامة الفرائض من غير جحود لها لا نكفره، يرجى أمره إلى الله بعد، إذ هو مقر، فهؤلاء الذين لا شك فيهم - يعني في أنهم مرجئة.
وظاهر هذا: أنه يكفر بترك هذه الفرائض.
وروى يعقوب الأشعري، عن ليث، عن سعيد بن جبير قال: من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر، ومن أفطر يوما في رمضان ( 179 - ب/ف) فقد كفر، ومن ترك الحج متعمدا فقد كفر، ومن ترك الزكاة متعمدا فقد كفر .
ويروى عن الحكم بن عتيبة نحوه، وحكى رواية عن أحمد - اختارها أبو بكر من أصحابه -، وعن عبد الملك بن حبيب المالكي مثله، وهو قول أبي بكر الحميدي .
وروي عن ابن عباس التكفير ببعض هذه الأركان دون بعض، فروى مؤمل، عن حماد بن زيد، عن عمرو بن مالك النكري، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس - ولا أحسبه إلا رفعه - قال: " عرى الإسلام وقواعد الدين ثلاثة عليهن أسس الإسلام: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وصوم رمضان، من ترك منها واحدة فهو بها كافر حلال الدم، وتجده كثير المال لم يحج فلا يزال بذلك كافرا ولا يحل دمه، وتجده كثير المال لا يزكي فلا يزال بذلك كافرا ولا يحل دمه .
ورواه قتيبة عن حماد بن زيد فوقفه واختصره ولم يتمه.
ورواه سعيد بن زيد - أخو حماد - عن عمرو بن مالك ورفعه، وقال: " من ترك منهن واحدة فهو بالله كافر، ولا يقبل منه صرف ولا عدل وقد حل دمه وماله " ولم يزد على ذلك.
والأظهر: وقفه على ابن عباس، فقد جعل ابن عباس ترك هذه الأركان كفرا، لكن بعضها كفرا يبيح الدم وبعضها لا يبيحه، وهذا يدل على أن الكفر بعضه ينقل عن الملة وبعضه لا ينقل.
وأكثر أهل الحديث على أن ترك الصلاة كفر دون غيرها من الأركان كذلك حكاه محمد بن نصر المروزي وغيره عنهم.
وممن قال بذلك: ابن المبارك، وأحمد - في المشهور عنه -، وإسحاق، وحكى عليه إجماع أهل العلم - كما سبق - وقال أيوب: ترك الصلاة كفر لا يختلف فيه.
وقال عبد الله بن شقيق: كان أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة.
خرجه الترمذي .
وقد روي عن علي وسعد وابن مسعود وغيرهم قالوا: من ترك الصلاة فقد كفر.
وقال عمر: لاحظ في الإسلام لمن ترك الصلاة .
وفي صحيح مسلم " عن جابر عن النبي صلي الله عليه وسلم قال " " بين الرجل وبين الشرك والكفر: ترك الصلاة " .
وخرج النسائي والترمذي وابن ماجه من حديث بريدة، عن النبي صلي الله عليه وسلم قال " العهد الذي بيننا وبينهم: الصلاة، فمن تركها فقد كفر " .
وصححه الترمذي وغيره.
ومن خالف في ذلك جعل الكفر هنا غير ناقل عن الملة كما في قوله تعالى { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] .
فأما بقية خصال الإسلام والإيمان فلا يخرج العبد بتركها من الإسلام عند أهل السنة والجماعة.
وإنما خالف في ذلك الخوارج ونحوهم من أهل البدع.
قال حذيفة: الإسلام ثمانية أسهم: الإسلام سهم، والصلاة سهم، والزكاة سهم، والحج سهم، ورمضان سهم، والجهاد سهم، والأمر بالمعروف سهم، والنهي عن المنكر سهم، وقد خاب من لا سهم له.
وروي مرفوعا، والموقوف أصح .
فسائر خصال الإسلام الزائدة على أركانه الخمسة ودعائمه إذا زال منها شيء نقص البنيان ولم ينهدم أصل البنيان بذلك النقص.
وقد ضرب الله ورسوله مثل الإيمان ( 180 - أ /ف) والإسلام بالنخلة.
قال الله تعالى: { ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهاَ} [إبراهيم: 23 - 24] .
فالكلمة الطيبة هي كلمة التوحيد وهي أساس الإسلام، وهي جارة على لسان المؤمن وثبوت أصلها هو ثبوت التصديق بها في قلب المؤمن، وارتفاع فرعها في السماء هو علو هذه الكلمة وبسوقها وأنها تحرق الحجب ولا تتناهى دون العرش، وإتيانها أكلها كل حين: هو ما يرفع بسببها للمؤمن كل حين من القول الطيب والعمل الصالح، فهو ثمرتها.
وجعل النبي صلي الله عليه وسلم مثل المؤمن أو المسلم كمثل النخلة .
وقال طاوس: مثل ( الإسلام) كشجرة أصلها الشهادة، وساقها كذا وكذا، وورقها كذا وكذا، وثمرها: الورع، ولا خير في شجرة لا ثمر لها، ولا خير في إنسان لا ورع فيه .
ومعلوم أن ما دخل في مسمى الشجرة والنخلة من فروعها وأغصانها وورقها وثمرها إذا ذهب شيء منه لم يذهب عن الشجرة اسمها، ولكن يقال: هي شجرة ناقصة، وغيرها أكمل منها، فإن قطع أصلها وسقطت لم تبق شجرة، وإنما تصير حطبا، فكذلك الإيمان والإسلام إذا زال منه بعض ما يدخل في مسماه مع بقاء أركان بنيانه لا يزول به اسم الإسلام والإيمان بالكلية، وإن كان قد سلب الاسم عنه لنقصه بخلاف ما انهدمت أركانه وبنيانه فإنه يزول مسماه بالكلية، والله أعلم 2 - فصل في أمور الإيمان قال البخاري: وقول الله عز وجل { لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} إلى قوله { وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: 177] وأمور الإيمان: خصاله وشعبه المتعددة.
واستدل البخاري بقوله تعالى { وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: 177] .
وقد سأل أبو ذر النبي صلي الله عليه وسلم عن الإيمان، فتلا عليه هذه الآية .
وهذا يدل على أن الخصال المذكورة فيها هي خصال الإيمان المطلق، فإذا أطلق الإيمان دخل فيه كل ما ذكر في هذه الآية، كما سأل السائل عن الإيمان، فتلا عليه النبي صلي الله عليه وسلم هذه الآية.
وإذا قرن الإيمان بالعمل فقد يكون من باب عطف الخاص على العام، وقد يكون المراد بالإيمان - حينئذ -: التصديق بالقلب، وبالعمل: عمل الجوارح كما ذكر في هذه الآية الإيمان بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين، ثم عطف عليه أعمال الجوارح.
وخرج البخاري من حديث:

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( قَـوْلُهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابُ الْإِيمَانِ)
هُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ هَذَا كِتَابُ الْإِيمَانِ وَكِتَابُ مَصْدَرٌ يُقَالُ كَتَبَ يَكْتُبُ كِتَابَةً وَكِتَابًا وَمَادَّةُ كَتَبَ دَالَّةٌ عَلَى الْجَمْعِ وَالضَّمِّ وَمِنْهَا الْكَتِيبَةُ وَالْكِتَابَةُ اسْتَعْمَلُوا ذَلِكَ فِيمَا يَجْمَعُ أَشْيَاءَ مِنَ الْأَبْوَابِ وَالْفُصُولِ الْجَامِعَةِ لِلْمَسَائِلِ وَالضَّمُّ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَكْتُوبِ مِنَ الْحُرُوفِ حَقِيقَةٌ وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَعَانِي الْمُرَادَةِ مِنْهَا مَجَازٌ وَالْبَابُ مَوْضُوعُهُ الْمَدْخَلُ فَاسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَعَانِي مَجَازٌ وَالْإِيمَانُ لُغَةً التَّصْدِيقُ وَشَرْعًا تَصْدِيقُ الرَّسُولِ فِيمَا جَاءَ بِهِ عَنْ رَبِّهِ وَهَذَا الْقَدْرُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ثُمَّ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ هَلْ يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ مَزِيدُ أَمْرٍ مِنْ جِهَةِ إِبْدَاءِ هَذَا التَّصْدِيقِ بِاللِّسَانِ الْمُعَبِّرِ عَمَّا فِي الْقَلْبِ إِذِ التَّصْدِيقُ مِنْ أَفْعَالِ الْقُلُوبِ أَوْ مِنْ جِهَةِ الْعَمَلِ بِمَا صَدَّقَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ كَفِعْلِ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكِ الْمُنْتَهَيَاتِ كَمَا سَيَأْتِي ذِكْرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْإِيمَانُ فِيمَا قِيلَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْأَمْنِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِتَبَايُنِ مَدْلُولِي الْأَمْنِ وَالتَّصْدِيقِ إِلَّا إِنْ لُوحِظَ فِيهِ مَعْنًى مَجَازِيٌّ فَيُقَالُ أَمِنَهُ إِذَا صَدَّقَهُ أَيْ أَمِنَهُ التَّكْذِيبَ وَلَمْ يَسْتَفْتِحِ الْمُصَنِّفُ بَدْءَ الْوَحْيِ بِكِتَابٍ لِأَنَّ الْمُقَدِّمَةَ لَا تُسْتَفْتَحُ بِمَا يُسْتَفْتَحُ بِهِ غَيْرُهَا لِأَنَّهَا تَنْطَوِي عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِمَا بَعْدَهَا وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ فِي تَقْدِيمِ الْبَسْمَلَةِ عَلَى كِتَابٍ أَوْ تَأْخِيرِهَا وَلِكُلٍّ وَجْهٌ الْأَوَّلُ ظَاهِرٌ وَوَجْهُ الثَّانِي وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ جَعَلَ التَّرْجَمَةَ قَائِمَةً مَقَامَ تَسْمِيَةِ السُّورَةِ وَالْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ بَعْدَ الْبَسْمَلَةِ كَالْآيَاتِ مُسْتَفْتَحَةٌ بِالْبَسْمَلَةِ قَولُهُ بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ سَقَطَ لَفْظُ بَابُ مِنْ رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ وَقَدْ وُصِلَ الْحَدِيثُ بَعْدُ تَامًّا وَاقْتِصَارُهُ عَلَى طَرَفِهِ فِيهِ تَسْمِيَةُ الشَّيْءِ بِاسْمِ بَعْضِهِ وَالْمُرَادُ بَابُ هَذَا الْحَدِيثِ .

     قَوْلُهُ  وَهُوَ أَيِ الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَفِعْلٌ وَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَهُوَ اللَّفْظُ الْوَارِدُ عَنِ السَّلَفِ الَّذين اطلقوا ذَلِك وَوهم بن التِّينِ فَظَنَّ أَنَّ قَوْلَهُ وَهُوَ إِلَى آخِرِهِ مَرْفُوعٌ لَمَّا رَآهُ مَعْطُوفًا وَلَيْسَ ذَلِكَ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ وَرَدَ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَالْكَلَامُ هُنَا فِي مَقَامَيْنِ أَحَدُهُمَا كَوْنُهُ قَوْلًا وَعَمَلًا وَالثَّانِي كَوْنُهُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ فَأَمَّا الْقَوْلُ فَالْمُرَادُ بِهِ النُّطْقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ.

.
وَأَمَّا الْعَمَلُ فَالْمُرَادُ بِهِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ عَمَلِ الْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ لِيَدْخُلَ الِاعْتِقَادُ وَالْعِبَادَاتُ وَمُرَادُ مَنْ أَدْخَلَ ذَلِكَ فِي تَعْرِيفِ الْإِيمَانِ وَمَنْ نَفَاهُ إِنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ إِلَى مَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فَالسَّلَفُ قَالُوا هُوَ اعْتِقَادٌ بِالْقَلْبِ وَنُطْقٌ بِاللِّسَانِ وَعَمَلٌ بِالْأَرْكَانِ وَأَرَادُوا بِذَلِكَ أَنَّ الْأَعْمَالَ شَرْطٌ فِي كَمَاله وَمن هُنَا نشا لَهُم الْقَوْلُ بِالزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ كَمَا سَيَأْتِي وَالْمُرْجِئَةُ قَالُوا هُوَ اعْتِقَادٌ وَنُطْقٌ فَقَطْ وَالْكَرَّامِيَّةُ قَالُوا هُوَ نُطْقٌ فَقَطْ وَالْمُعْتَزِلَةُ قَالُوا هُوَ الْعَمَلُ وَالنُّطْقُ وَالِاعْتِقَادُ وَالْفَارِقُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّلَفِ أَنَّهُمْ جَعَلُوا الْأَعْمَالَ شَرْطًا فِي صِحَّتِهِ وَالسَّلَفُ جَعَلُوهَا شَرْطًا فِي كَمَالِهِ وَهَذَا كُلُّهُ كَمَا قُلْنَا بِالنَّظَرِ إِلَى مَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى أَمَّا بِالنَّظَرِ إِلَى مَا عِنْدَنَا فَالْإِيمَانُ هُوَ الْإِقْرَارُ فَقَطْ فَمَنْ أَقَرَّ أُجْرِيَتْ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ فِي الدُّنْيَا وَلَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ بِكُفْرٍ إِلَّا إِنِ اقْتَرَنَ بِهِ فِعْلٌ يَدُلُّ عَلَى كُفْرِهِ كَالسُّجُودِ لِلصَّنَمِ فَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْكُفْرِ كَالْفِسْقِ فَمَنْ أُطْلِقَ عَلَيْهِ الْإِيمَانَ فَبِالنَّظَرِ إِلَى إِقْرَارِهِ وَمَنْ نُفِيَ عَنْهُ الْإِيمَانَ فَبِالنَّظَرِ إِلَى كَمَالِهِ وَمَنْ أُطْلِقَ عَلَيْهِ الْكُفْرُ فَبِالنَّظَرِ إِلَى أَنَّهُ فَعَلَ فِعْلَ الْكَافِرِ وَمَنْ نَفَاهُ عَنْهُ فَبِالنَّظَرِ إِلَى حَقِيقَتِهِ وَأَثْبَتَتِ الْمُعْتَزِلَةُ الْوَاسِطَةَ فَقَالُوا الْفَاسِقُ لَا مُؤْمِنٌ وَلَا كَافِرٌ.

.
وَأَمَّا الْمَقَامُ الثَّانِي فَذَهَبَ السَّلَفُ إِلَى أَنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ أَكْثَرُ الْمُتَكَلِّمِينَ وَقَالُوا مَتَى قبل ذَلِكَ كَانَ شَكًّا قَالَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ وَإِلَّا ظهر الْمُخْتَارُ أَنَّ التَّصْدِيقَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ بِكَثْرَةِ النَّظَرِ وَوُضُوحِ الْأَدِلَّةِ وَلِهَذَا كَانَ إِيمَانُ الصِّدِّيقِ أَقْوَى مِنْ إِيمَانِ غَيْرِهِ بِحَيْثُ لَا يَعْتَرِيهِ الشُّبْهَةُ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْلَمُ أَنَّ مَا فِي قَلْبِهِ يَتَفَاضَلُ حَتَّى إِنَّهُ يَكُونُ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ الْإِيمَانُ أَعْظَمَ يَقِينًا وَإِخْلَاصًا وَتَوَكُّلًا مِنْهُ فِي بَعْضِهَا وَكَذَلِكَ فِي التَّصْدِيقِ وَالْمَعْرِفَةِ بِحَسَبِ ظُهُورِ الْبَرَاهِينِ وَكَثْرَتِهَا وَقَدْ نَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ فِي كِتَابِهِ تَعْظِيمُ قَدْرِ الصَّلَاةِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ نَحْوَ ذَلِكَ وَمَا نُقِلَ عَنِ السَّلَفِ صَرَّحَ بِهِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وبن جُرَيْجٍ وَمَعْمَرٍ وَغَيْرِهِمْ وَهَؤُلَاءِ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ فِي عَصْرِهِمْ وَكَذَا نَقَلَهُ أَبُو الْقَاسِمِ اللَّالِكَائِيُّ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْةِ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَرَوَى بِسَنَدِهِ الصَّحِيحِ عَنِ الْبُخَارِيِّ قَالَ لَقِيتُ أَكْثَرَ مِنَ أَلْفِ رَجُلٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِالْأَمْصَارِ فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْهُمْ يَخْتَلِفُ فِي أَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَأَطْنَبَ بن أَبِي حَاتِمٍ وَاللَّالِكَائِيُّ فِي نَقْلِ ذَلِكَ بِالْأَسَانِيدِ عَنْ جَمْعٍ كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَكُلِّ مَنْ يَدُورُ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَحَكَاهُ فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ وَوَكِيعٌ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ.

     وَقَالَ  الْحَاكِمُ فِي مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول الْإِيمَان قَول وَعمل يزِيد وَيَنْقُصُ وَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي تَرْجَمَةِ الشَّافِعِيِّ مِنَ الْحِلْيَةِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الرَّبِيعِ وَزَادَ يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ وَيَنْقُصُ بِالْمَعْصِيَةِ ثُمَّ تَلَا ويزداد الَّذين آمنُوا ايمانا الْآيَةَ ثُمَّ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ يَسْتَدِلُّ لِذَلِكَ بِآيَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ مُصَرِّحَةٍ بِالزِّيَادَةِ وَبِثُبُوتِهَا يَثْبُتُ الْمُقَابِلُ فَإِنَّ كُلَّ قَابِلٍ لِلزِّيَادَةِ قَابِلٌ لِلنُّقْصَانِ ضَرُورَةً .

     قَوْلُهُ  وَالْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ مِنَ الْإِيمَانِ هُوَ لَفْظُ حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَلَفْظُهُ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ الْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ وَلَفْظُ أَبِي أُمَامَةَ مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ وَأَبْغَضَ لِلَّهِ وَأَعْطَى لِلَّهِ وَمَنَعَ لِلَّهِ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ نَحْوَ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ وَزَادَ أَحْمَدُ فِيهِ وَنَصَحَ لِلَّهِ وَزَادَ فِي أُخْرَى وَيُعْمِلُ لِسَانَهُ فِي ذِكْرِ اللَّهِ وَلَهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ بِلَفْظِ لَا يَجِدُ الْعَبْدُ صَرِيحَ الْإِيمَانِ حَتَّى يُحِبَّ لِلَّهِ وَيبغض لله وَلَفظ الْبَزَّار رَفعه أوثق عرا الْإِيمَانِ الْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ وَسَيَأْتِي عِنْدَ الْمُصَنِّفِ آيَةُ الْإِيمَانِ حُبُّ الْأَنْصَارِ وَاسْتُدِلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ لِأَنَّ الْحُبَّ وَالْبُغْضَ يَتَفَاوَتَانِ .

     قَوْلُهُ  وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ أَي بن عُمَيْرَةَ الْكِنْدِيِّ وَهُوَ تَابِعِيٌّ مِنْ أَوْلَادِ الصَّحَابَةِ وَكَانَ عَامِلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَلَى الْجَزِيرَةِ فَلِذَلِكَ كَتَبَ إِلَيْهِ وَالتَّعْلِيقُ الْمَذْكُورُ وَصَلَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ لَهُمَا مِنْ طَرِيقِ عِيسَى بْنِ عَاصِمٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَدِيُّ بْنُ عَدِيٍّ قَالَ كَتَبَ إِلَيَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ لِلْإِيمَانِ فَرَائِضَ وَشَرَائِعَ إِلَخْ .

     قَوْلُهُ  إِنَّ لِلْإِيمَانِ فَرَائِضَ كَذَا ثَبَتَ فِي مُعْظَمِ الرِّوَايَاتِ بِاللَّامِ وَفَرَائِضَ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهَا اسْم أَن وَفِي رِوَايَة بن عَسَاكِرَ فَإِنَّ الْإِيمَانَ فَرَائِضُ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ اسْمُ إِنَّ وَفَرَائِضُ خَبَرُهَا وَبِالْأَوَّلِ جَاءَ الْمَوْصُولُ الَّذِي أَشَرْنَا إِلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  فَرَائِضَ أَيْ أَعْمَالًا مَفْرُوضَةً وَشَرَائِعَ أَيْ عَقَائِدَ دِينِيَّةً وَحُدُودًا أَيْ مَنْهِيَّاتٍ مَمْنُوعَةً وَسُنَنًا أَيْ مَنْدُوبَاتٍ .

     قَوْلُهُ  فَإِنْ أَعِشْ فَسَأُبَيِّنُهَا أَيْ أُبَيِّنُ تَفَارِيعَهَا لَا أُصُولَهَا لِأَن اصولها كَانَت مَعْلُومَة لَهُم مجمله عَلَى تَجْوِيزِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ إِذِ الْحَاجَةُ هُنَا لَمْ تَتَحَقَّقْ وَالْغَرَضُ مِنْ هَذَا الْأَثَرِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَ مِمَّنْ يَقُولُ بِأَنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ حَيْثُ قَالَ اسْتكْمل وَلم يستكمل قَالَ الْكِرْمَانِيُّ وَهَذَا عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ.

.
وَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَقَدْ يُمْنَعُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْإِيمَانَ غَيْرَ الْفَرَائِضِ.

.

قُلْتُ لَكِنَّ آخِرَ كَلَامِهِ يُشْعِرُ بِذَلِكَ وَهُوَ .

     قَوْلُهُ  فَمَنِ اسْتَكْمَلَهَا أَيِ الْفَرَائِضَ وَمَا مَعَهَا فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ وَبِهَذَا تَتَّفِقُ الرِّوَايَتَانِ فَالْمُرَادُ أَنَّهَا مِنَ الْمُكَمِّلَاتِ لِأَنَّ الشَّارِعَ أَطْلَقَ عَلَى مُكَمِّلَاتِ الْإِيمَانِ إِيمَانًا .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قلبِي أَشَارَ إِلَى تَفْسِيرِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ وَغَيرهمَا لهَذِهِ الْآيَة فروى بن جَرِيرٍ بِسَنَدِهِ الصَّحِيحِ إِلَى سَعِيدٍ قَالَ .

     قَوْلُهُ  لِيَطمَئِن قلبِي أَيْ يَزْدَادَ يَقِينِي وَعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ لِأَزْدَادَ إِيمَانًا إِلَى إِيمَانِي وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعَ أَنَّ نَبِيَّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُمِرَ بِاتِّبَاعِ مِلَّتِهِ كَانَ كَأَنَّهُ ثَبَتَ عَنْ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا فَصَلَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ وَبَيْنَ الْآيَاتِ الَّتِي قَبْلَهَا لِأَنَّ الدَّلِيلَ يُؤْخَذُ مِنْ تِلْكَ بِالنَّصِّ وَمِنْ هَذِهِ بِالْإِشَارَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْله.

     وَقَالَ  معَاذ هُوَ بن جَبَلٍ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصِيلِيُّ وَالتَّعْلِيقُ الْمَذْكُورُ وَصَلَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو بَكْرٍ أَيْضًا بِسَنَدٍ صَحِيحٍ إِلَى الْأَسْوَدِ بْنِ هِلَالٍ قَالَ قَالَ لِي مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ اجْلِسْ بِنَا نُؤْمِنْ سَاعَةً وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يَقُولُ لِلرَّجُلِ مِنْ إِخْوَانِهِ اجْلِسْ بِنَا نُؤْمِنْ سَاعَةً فَيَجْلِسَانِ فَيَذْكُرَانِ اللَّهَ تَعَالَى وَيَحْمَدَانِهِ وَعُرِفَ مِنَ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ الْأَسْوَدَ أَبْهَمَ نَفْسَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُعَاذٌ قَالَ ذَلِكَ لَهُ وَلِغَيْرِهِ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ ظَاهِرَةٌ لِأَنَّهُ لَا يُحْمَلُ عَلَى أَصْلِ الْإِيمَانِ لِكَوْنِهِ كَانَ مُؤْمِنًا وَأَيُّ مُؤْمِنٍ وَإِنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى إِرَادَةِ أَنَّهُ يَزْدَادُ إِيمَانًا بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى.

     وَقَالَ  الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ لَا تَعَلُّقَ فِيهِ لِلزِّيَادَةِ لِأَنَّ مُعَاذًا إِنَّمَا أَرَادَ تَجْدِيدَ الْإِيمَانِ لِأَنَّ الْعَبْدَ يُؤْمِنُ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ فَرْضًا ثُمَّ يَكُونُ أَبَدًا مُجَدِّدًا كُلَّمَا نَظَرَ أَوْ فَكَّرَ وَمَا نَفَاهُ أَوَّلًا أَثْبَتَهُ آخِرًا لِأَنَّ تَجْدِيدَ الْإِيمَان إِيمَان قَوْله.

     وَقَالَ  بن مَسْعُودٍ الْيَقِينُ الْإِيمَانُ كُلُّهُ هَذَا التَّعْلِيقُ طَرَفٌ مِنْ أَثَرٍ وَصَلَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَبَقِيَّتُهُ وَالصَّبْرُ نِصْفُ الْإِيمَانِ وَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الزُّهْدِ مِنْ حَدِيثِهِ مَرْفُوعًا وَلَا يَثْبُتُ رَفْعُهُ وَجَرَى الْمُصَنِّفُ عَلَى عَادَتِهِ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى مَا يَدُلُّ بِالْإِشَارَةِ وَحَذْفِ مَا يَدُلُّ بِالصَّرَاحَةِ إِذْ لَفْظُ النِّصْفِ صَرِيحٌ فِي التَّجْزِئَةِ وَفِي الْإِيمَانِ لِأَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ عبد الله بن عكيم عَن بن مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ اللَّهُمَّ زِدْنَا إِيمَانًا وَيَقِينًا وَفِقْهًا وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَهَذَا أَصْرَحُ فِي الْمَقْصُودِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ لِمَا أَشَرْتُ إِلَيْهِ تَنْبِيهٌ تَعَلَّقَ بِهَذَا الْأَثَرِ مَنْ يَقُولُ إِنَّ الْإِيمَانَ هُوَ مُجَرَّدُ التَّصْدِيقِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ مُرَادَ بن مَسْعُودٍ أَنَّ الْيَقِينَ هُوَ أَصْلُ الْإِيمَانِ فَإِذَا أَيْقَنَ الْقَلْبُ انْبَعَثَتِ الْجَوَارِحُ كُلُّهَا لِلِقَاءِ اللَّهِ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ حَتَّى قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ لَوْ أَنَّ الْيَقِينَ وَقَعَ فِي الْقَلْبِ كَمَا يَنْبَغِي لَطَارَ اشْتِيَاقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَهَرَبًا مِنَ النَّارِ قَوْله.

     وَقَالَ  بن عُمَرَ إِلَخْ الْمُرَادُ بِالتَّقْوَى وِقَايَةُ النَّفْسِ عَنِ الشِّرْكِ وَالْأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ وَالْمُوَاظَبَةَ عَلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَصِحُّ اسْتِدْلَالُ الْمُصَنِّفِ وَقَولُهُ حَاكَ بِالْمُهْمَلَةِ وَالْكَافِ الْخَفِيفَةِ أَيْ تَرَدَّدَ فَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ بَعْضَ الْمُؤْمِنِينَ بَلَغَ كُنْهَ الْإِيمَانِ وَحَقِيقَتَهُ وَبَعْضَهُمْ لَمْ يَبْلُغْ وَقَدْ وَرَدَ مَعْنَى قَول بن عُمَرَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ النَّوَّاسِ مَرْفُوعًا وَعِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ وَابِصَةَ وَحَسَّنَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَطِيَّةَ السَّعْدِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَكُونُ الرَّجُلُ مِنَ الْمُتَّقِينَ حَتَّى يَدَعَ مَا لَا بَأْسَ بِهِ حَذَرًا لِمَا بِهِ الْبَأْسُ وَلَيْسَ فِيهَا شَيْء عَلَى شَرْطِ الْمُصَنِّفِ فَلِهَذَا اقْتَصَرَ عَلَى أَثَرِ بن عُمَرَ وَلَمْ أَرَهُ إِلَى الْآنَ مَوْصُولًا وَقَدْ أخرج بن أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ التَّقْوَى عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ تَمَامُ التَّقْوَى أَنْ تَتَّقِيَ اللَّهَ حَتَّى تَتْرُكَ مَا تَرَى أَنَّهُ حَلَالٌ خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ حَرَامًا .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  مُجَاهِدٌ وَصَلَ هَذَا التَّعْلِيقَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي تَفْسِيرِهِ وَالْمُرَادُ أَنَّ الَّذِي تَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ الْأَدِلَّةُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ هُوَ شَرْعُ الْأَنْبِيَاءِ كُلِّهِمْ تَنْبِيهٌ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْبُلْقِينِيُّ وَقَعَ فِي أَصْلِ الصَّحِيحِ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ فِي أَثَرِ مُجَاهِدٍ هَذَا تَصْحِيفٌ قَلَّ مَنْ تَعَرَّضَ لِبَيَانِهِ وَذَلِكَ أَنَّ لَفْظَهُ.

     وَقَالَ  مُجَاهِدٌ شَرَعَ لَكُمْ أَوْصَيْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ وَإِيَّاهُ دِينًا وَاحِدًا وَالصَّوَابُ أَوْصَاكَ يَا مُحَمَّدُ وَأَنْبِيَاءَهُ كَذَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَالْفِرْيَابِيُّ وَالطَّبَرِيُّ وبن الْمُنْذِرِ فِي تَفَاسِيرِهِمْ وَبِهِ يَسْتَقِيمُ الْكَلَامُ وَكَيْفَ يُفْرِدُ مُجَاهِدٌ الضَّمِيرَ لِنُوحٍ وَحْدَهُ مَعَ أَنَّ فِي السِّيَاقِ ذِكْرَ جَمَاعَةٍ انْتَهَى وَلَا مَانِعَ مِنَ الْإِفْرَادِ فِي التَّفْسِيرِ وَإِنْ كَانَ لَفْظُ الْآيَةِ بِالْجَمْعِ عَلَى إِرَادَةِ الْمُخَاطَبِ وَالْبَاقُونَ تَبَعٌ وَإِفْرَادُ الضَّمِيرِ لَا يَمْتَنِعُ لِأَنَّ نُوحًا أُفْرِدَ فِي الْآيَةِ فَلَمْ يَتَعَيَّنِ التَّصْحِيفُ وَغَايَةُ مَا ذُكِرَ مِنْ مَجِيءِ التَّفَاسِيرِ بِخِلَافِ لَفْظِهِ أَنْ يَكُونَ مَذْكُورًا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ بِالْمَعْنَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدِ اسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا عَلَى أَنَّ الْأَعْمَالَ تَدْخُلُ فِي الْإِيمَانِ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَمَا أمروا الا ليعبدوا الله إِلَى قَوْله دين الْقيمَة قَالَ الشَّافِعِيُّ لَيْسَ عَلَيْهِمْ أَحَجَّ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ أَخْرَجَهُ الْخَلَّالُ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  بن عَبَّاسٍ وَصَلَ هَذَا التَّعْلِيقَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي تَفْسِيرِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَالْمِنْهَاجُ السَّبِيلُ أَيِ الطَّرِيقُ الْوَاضِح والشرعة وَالشَّرِيعَةُ بِمَعْنًى وَقَدْ شَرَعَ أَيْ سَنَّ فَعَلَى هَذَا فِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ غَيْرُ مُرَتَّبٍ فَإِنْ قِيلَ هَذَا يَدُلُّ عَلَى الِاخْتِلَافِ وَالَّذِي قَبْلَهُ عَلَى الِاتِّحَادِ أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي أُصُولِ الدِّينِ وَلَيْسَ بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ فِيهِ اخْتِلَافٌ وَهَذَا فِي الْفُرُوعِ وَهُوَ الَّذِي يَدْخُلُهُ النَّسْخُ.


( باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «بني الإسلام على خمس»)
قَالَ النَّوَوِيُّ يَقَعُ فِي كَثِيرٍ مِنَ النُّسَخِ هُنَا بَابٌ وَهُوَ غَلَطٌ فَاحِشٌ وَصَوَابُهُ بِحَذْفِهِ وَلَا يَصِحُّ إِدْخَالُ بَابِ هُنَا إِذْ لَا تَعَلُّقَ لَهُ هُنَا.

.

قُلْتُ ثَبَتَ بَابٌ فِي كَثِيرٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ الْمُتَّصِلَةِ مِنْهَا رِوَايَةُ أَبِي ذَرٍّ وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُهُ لَكِنْ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ إِنَّهُ وَقَفَ عَلَى نُسْخَةٍ مَسْمُوعَةٍ عَلَى الْفَرَبْرِيِّ بِحَذْفِهِ وَعَلَى هَذَا فَ.

     قَوْلُهُ  دُعَاؤُكُمْ إِيمَانُكُمْ من قَول بن عَبَّاسٍ وَعَطَفَهُ عَلَى مَا قَبْلِهِ كَعَادَتِهِ فِي حَذْفِ أَدَاةِ الْعَطْفِ حَيْثُ يُنْقَلُ التَّفْسِيرُ وَقَدْ وَصله بن جرير من قَول بن عَبَّاسٍ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى قُلْ مَا يعبأ بكم رَبِّي لَوْلَا دعاؤكم قَالَ يَقُولُ لَوْلَا إِيمَانُكُمْ أَخْبَرَ اللَّهُ الْكُفَّارَ أَنَّهُ لَا يَعْبَأُ بِهِمْ وَلَوْلَا إِيمَانُ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَعْبَأْ بِهِمْ أَيْضًا وَوَجْهُ الدِّلَالَةِ لِلْمُصَنِّفِ أَنَّ الدُّعَاءَ عَمَلٌ وَقَدْ أَطْلَقَهُ عَلَى الْإِيمَانِ فَيَصِحُّ إِطْلَاقُ أَنَّ الْإِيمَانَ عَمَلٌ وَهَذَا عَلَى تَفْسِير بن عَبَّاس.

     وَقَالَ  غَيره الدُّعَاء هُنَا مَصْدَرٌ مُضَافٌ إِلَى الْمَفْعُولِ وَالْمُرَادُ دُعَاءُ الرُّسُلِ الْخَلْقَ إِلَى الْإِيمَانِ فَالْمَعْنَى لَيْسَ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ عُذْرٌ إِلَّا أَنْ يَدْعُوَكُمُ الرَّسُولُ فَيُؤْمِنُ مَنْ آمَنَ وَيَكْفُرُ مَنْ كَفَرَ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ أَنْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ الْعَذَابُ لَازِمًا لَكُمْ وَقِيلَ مَعْنَى الدُّعَاءِ هُنَا الطَّاعَةُ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ النُّعْمَانِ بْنُ بَشِيرٍ أَنَّ الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ

[ قــ :8 ... غــ :8] .

     قَوْلُهُ  حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ هُوَ قُرَشِيٌّ مَكِّيٌّ مِنْ ذُرِّيَّةِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ الْجُمَحِيِّ وَعِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدٍ هُوَ بن سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيُّ وَهُوَ ثِقَةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِي طَبَقَتِهِ عِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَلَمْ يُخَرِّجْ لَهُ الْبُخَارِيُّ نَبَّهْتُ عَلَيْهِ لِشِدَّةِ الْتِبَاسِهِ وَيَفْتَرِقَانِ بشيوخهما وَلم يرو الضَّعِيف عَن بن عُمَرَ زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ حَنْظَلَةَ قَالَ سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ بْنَ خَالِدٍ يُحَدِّثُ طَاوُسًا أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَلَا تَغْزُو فَقَالَ إِنِّي سَمِعْتُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَائِدَةٌ اسْمُ الرَّجُلِ السَّائِلِ حَكِيمٌ ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ .

     قَوْلُهُ  عَلَى خَمْسٍ أَيْ دَعَائِمَ وَصَرَّحَ بِهِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي رِوَايَتِهِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَلَى خَمْسَةٍ أَيْ أَرْكَانٍ فَإِنْ قِيلَ الْأَرْبَعَةُ الْمَذْكُورَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الشَّهَادَةِ إِذْ لَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْهَا إِلَّا بَعْدَ وُجُودِهَا فَكَيْفَ يُضَمُّ مَبْنِيٌّ إِلَى مَبْنِيٍّ عَلَيْهِ فِي مُسَمًّى وَاحِدٍ أُجِيبَ بِجَوَازِ ابْتِنَاءِ أَمْرٍ عَلَى أَمْرٍ يَنْبَنِي عَلَى الْأَمْرَيْنِ أَمْرٌ آخَرُ فَإِنْ قِيلَ الْمَبْنِيُّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ الْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَجْمُوعَ غَيْرٌ مِنْ حَيْثُ الِانْفِرَادِ عَيْنٌ مِنْ حَيْثُ الْجَمْعِ وَمِثَالُهُ الْبَيْتُ مِنِ الشِّعْرِ يُجْعَلُ عَلَى خَمْسَةِ أَعْمِدَةٍ أَحَدُهَا أَوْسَطُ وَالْبَقِيَّةُ أَرْكَانٌ فَمَا دَامَ الْأَوْسَطُ قَائِمًا فَمُسَمَّى الْبَيْتِ مَوْجُودٌ وَلَوْ سَقَطَ مَهْمَا سَقَطَ مِنَ الْأَرْكَانِ فَإِذَا سَقَطَ الْأَوْسَطُ سَقَطَ مُسَمَّى الْبَيْتِ فَالْبَيْتُ بِالنَّظَرِ إِلَى مَجْمُوعِهِ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَبِالنَّظَرِ إِلَى أَفْرَادِهِ أَشْيَاءُ وَأَيْضًا فَبِالنَّظَرِ إِلَى أُسِّهِ وَأَرْكَانِهِ الْأُسُّ أَصْلٌ وَالْأَرْكَانُ تَبَعٌ وَتَكْمِلَةٌ تَنْبِيهَاتٌ أَحَدُهَا لَمْ يُذْكَرِ الْجِهَادَ لِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَلَا يَتَعَيَّنُ إِلَّا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ وَلِهَذَا جعله بن عُمَرَ جَوَابَ السَّائِلِ وَزَادَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي آخِرِهِ وَإِنَّ الْجِهَادَ مِنَ الْعَمَلِ الْحسن وَأغْرب بن بَطَّالٍ فَزَعَمَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ كَانَ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ قَبْلَ فَرْضِ الْجِهَادِ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ هُوَ خَطَأٌ لِأَنَّ فَرْضَ الْجِهَادِ كَانَ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ وَبَدْرٌ كَانَتْ فِي رَمَضَانَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَفِيهَا فُرِضَ الصِّيَامُ وَالزَّكَاةُ بَعْدَ ذَلِكَ وَالْحَجُّ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ ثَانِيهَا قَوْله شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَمَا بَعْدَهَا مَخْفُوضٌ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ خَمْسٍ وَيَجُوزُ الرَّفْعُ عَلَى حَذْفِ الْخَبَرِ وَالتَّقْدِيرُ مِنْهَا شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَوْ عَلَى حَذْفِ الْمُبْتَدَأِ وَالتَّقْدِيرُ أَحَدُهَا شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَإِنْ قِيلَ لَمْ يَذْكُرِ الْإِيمَانَ بِالْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا تَضَمَّنَهُ سُؤَالُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّهَادَةِ تَصْدِيقُ الرَّسُولِ فِيمَا جَاءَ بِهِ فَيَسْتَلْزِمُ جَمِيعَ مَا ذُكِرَ مِنَ الْمُعْتَقَدَاتِ.

     وَقَالَ  الْإِسْمَاعِيلِيُّ مَا مُحَصَّلُهُ هُوَ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِبَعْضِهِ كَمَا تَقُولُ قَرَأْتُ الْحَمْدَ وَتُرِيدُ جَمِيعَ الْفَاتِحَةِ وَكَذَا تَقُولُ مَثَلًا شَهِدْتُ بِرِسَالَةِ مُحَمَّدٍ وَتُرِيدُ جَمِيعَ مَا ذُكِرَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ثَالِثُهَا الْمُرَادُ بِإِقَامِ الصَّلَاةِ الْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهَا أَوْ مُطْلَقُ الْإِتْيَانِ بِهَا وَالْمُرَادُ بِإِيتَاءِ الزَّكَاةِ إِخْرَاجُ جُزْءٍ مِنَ الْمَالِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ رَابِعُهَا اشْتَرَطَ الْبَاقِلَّانِيُّ فِي صِحَّةِ الْإِسْلَامِ تَقَدُّمَ الْإِقْرَارِ بِالتَّوْحِيدِ عَلَى الرِّسَالَةِ وَلَمْ يُتَابَعْ مَعَ أَنَّهُ إِذَا دُقِّقَ فِيهِ بَانَ وَجْهُهُ وَيَزْدَادُ اتِّجَاهًا إِذَا فَرَّقَهُمَا فَلْيُتَأَمَّلْ خَامِسُهَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ تَخْصِيصُ عُمُومِ مَفْهُومِ السُّنَّةِ بِخُصُوصِ مَنْطُوقِ الْقُرْآنِ لِأَنَّ عُمُومَ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي صِحَّةَ إِسْلَامِ مَنْ بَاشَرَ مَا ذُكِرَ وَمَفْهُومُهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يُبَاشِرْهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ وَهَذَا الْعُمُومُ مَخْصُوصٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَالَّذين آمنُوا وأتبعناهم ذرياتهم عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ سَادِسُهَا وَقَعَ هُنَا تَقْدِيمُ الْحَجِّ عَلَى الصَّوْمِ وَعَلَيْهِ بَنَى الْبُخَارِيُّ تَرْتِيبَهُ لَكِنْ وَقَعَ فِي مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَة سعد بن عُبَيْدَة عَن بن عُمَرَ بِتَقْدِيمِ الصَّوْمِ عَلَى الْحَجِّ قَالَ فَقَالَ رجل وَالْحج وَصِيَام رَمَضَان فَقَالَ بن عُمَرَ لَا صِيَامُ رَمَضَانَ وَالْحَجُّ هَكَذَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى فَفِي هَذَا إِشْعَارٌ بِأَنَّ رِوَايَةَ حَنْظَلَةَ الَّتِي فِي الْبُخَارِيِّ مَرْوِيَّةٌ بِالْمَعْنَى إِمَّا لِأَنَّهُ لم يسمع رد بن عُمَرَ عَلَى الرَّجُلِ لِتَعَدُّدِ الْمَجْلِسِ أَوْ حَضَرَ ذَلِكَ ثُمَّ نَسِيَهُ وَيَبْعُدُ مَا جَوَّزَهُ بَعْضُهُمْ أَن يكون بن عُمَرَ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَنَسِيَ أَحَدَهُمَا عِنْدَ رَدِّهِ عَلَى الرَّجُلِ وَوَجْهُ بُعْدِهِ أَنَّ تَطَرُّقَ النِّسْيَانِ إِلَى الرَّاوِي عَنِ الصَّحَابِيِّ أَوْلَى مِنْ تَطَرُّقِهِ إِلَى الصَّحَابِيِّ كَيْفَ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ حَنْظَلَةَ بِتَقْدِيمِ الصَّوْمِ عَلَى الْحَجِّ وَلِأَبِي عَوَانَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ حَنْظَلَةَ أَنَّهُ جَعَلَ صَوْمَ رَمَضَانَ قَبْلُ فَتَنْوِيعُهُ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ رُوِيَ بِالْمَعْنَى وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَقَعَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي التَّفْسِيرِ بِتَقْدِيمِ الصِّيَامِ عَلَى الزَّكَاةِ أَفَيُقَالُ إِنَّ الصَّحَابِيَّ سَمِعَهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ هَذَا مُسْتَبْعَدٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَائِدَةٌ اسْمُ الرَّجُلِ الْمَذْكُورِ يَزِيدُ بْنُ بِشْرٍ السَّكْسَكِيُّ ذَكَرَهُ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيّ رَحمَه الله تَعَالَى

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  2 - فصل
قال البخاري: الإيمان قول وفعل.

قال زين الدين ابن رجب رحمه الله.

وأكثر العلماء قالوا: هو قول وعمل.
وهذا كله إجماع من السلف وعلماء أهل الحديث.
وقد حكى الشافعي إجماع الصحابة والتابعين عليه وحكى أبو ثور الإجماع عليه أيضا.

وقال الأوزراعي: كان من مضى ممن سلف لا يفرقون بين الإيمان والعمل وحكاه غير واحد من سلف العلماء عن أهل السنة والجماعة.
وممن حكى ذلك عن أهل السنة والجماعة: الفضيل بن عياض، ووكيع بن الجراح.

وممن روي عنه أن الإيمان قول وعمل: الحسن، وسعيد بن جبير، وعمر بن عبد العزيز، وعطاء، وطاوس، ومجاهد، والشعبي، والنخعي، وهو قول الثوري، والأوزاعي، وابن المبارك، ومالك، والشافعي، وأحمد ، وإسحاق، وأبي عبيد، وأبي ثور وغيرهم حتى قال كثير منهم: إن الرقبة المؤمنة لا تجزىء في الكفارة حتى يؤخذ منها الإقرار وهو الصلاة والصيام، منهم الشعبي، والنخعي، وأحمد في رواية.
وخالف في ذلك طوائف من علماء أهل الكوفة والبصرة وغيرهم، وأخرجوا الأعمال من الإيمان وقالوا: الإيمان: المعرفة مع القول.

وحدث بعدهم من يقول: الإيمان: المعرفة خاصة، ومن يقول: الإيمان: القول خاصة.

والبخاري عبر عنه بأنه: قول وفعل.
والفعل: من الناس من يقول: هو مرادف للعمل.
ومنهم من يقول: هو أعم من العمل.
فمن هؤلاء من قال: الفعل يدخل فيه القول وعمل الخوارج، والعمل لا يدخل فيه القول على الإطلاق.
ويشهد لهذا: قول عبيد بن عمير: ليس الإيمان بالتمني، ولكن الإيمان قول يفعل، وعمل يعمل.
خرجه الخلال .

ومنهم من قال: العمل: ما يحتاج إلى علاج ومشقة، والفعل: أعم من ذلك.
ومنهم من قال: العمل: ما يحصل منه تأثير في المعمول كعمل الطين آجرا، والفعل أعم من ذلك.
ومنهم من قال: العمل أشرف من الفعل، فلا يطلق العمل إلا على ما فيه شرف ورفعة بخلاف الفعل، فإن مقلوب عمل: لمع، ومعناه ظهر وأشرف.

وهذا فيه نظر، فإن عمل السيئات يسمى أعمالا كما قال تعالي { مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء: 123] وقال { مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا} [غافر: 40] ولو قيل عكس هذا لكان متوجها، فإن الله تعالى إنما ( 177 - أ / ف) يضيف إلى نفسه الفعل كقوله تعالى { وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا} [إبراهيم: 45] ، { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَاد} [الفجر: 6] { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} ، { إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء} [الحج: 18] .

وإنما أضاف العمل إلى يديه كما قال { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا} [يس: 71] وليس المراد هنا الصفة الذاتية - بغير إشكال - وإلا استوى خلق الأنعام وخلق آدم عليه السلام.
واشتق سبحانه لنفسه أسماء من الفعل دون العمل، قال تعالى { إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} [هود: 107] .

ثم قال البخاري - رحمه الله: ويزيد وينقص.
قال الله عز وجل { لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح: 4] { وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف: 13] ، { وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} [مريم: 76] ، { وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ} [محمد: 17] ، { وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} [المدثر: 31] ، وقوله عز وجل { أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [التوبة: 124] وقوله { فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً} [آل عمران: 173] ، وقوله { وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: 22] .

زيادة الإيمان ونقصانه قول جمهور العلماء.
وقد روى هذا الكلام عن طائفة من الصحابة كأبي الدرداء وأبي هريرة، وابن عباس وغيرهم من الصحابة.
وروي معناه عن علي، وابن مسعود - أيضا -، وعن مجاهد، وغيره من التابعين.
وتوقف بعضهم في نقصه، فقال: يزيد ولا يقال: ينقص وروي ذلك عن مالك، والمشهور عنه كقول الجماعة .
وعن ابن المبارك قال: الإيمان يتفاضل .
، وهو معنى الزيادة والنقص.
وقد تلا البخاري الآيات التي ذكر فيها زيادة الإيمان وقد استدل بها على زيادة الإيمان أئمة السلف قديما، منهم: عطاء بن أبي رباح فمن بعده.
وتلا البخاري - أيضا - الآيات التي ذكر فيها زيادة الهدى، فإن المراد بالهدى هنا: فعل الطاعات كما قال تعالى بعد وصف المتقين بالإيمان بالغيب وإقام الصلاة والإنفاق مما رزقهم وبالإيمان بما أنزل إلى محمد وإلى من قبله باليقين بالآخرة ثم قال { أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ} [البقرة: 5] ، فسمى ذلك كله هدى، فمن زادت طاعته فقد زاد هداه.

ولما كان الإيمان يدخل فيه المعرفة بالقلب والقول والعمل كله كانت زيادته بزيادة الأعمال ونقصانه بنقصانها.
وقد صرح بذلك كثير من السلف فقالوا: يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
فأما زيادة الإيمان بزيادة القول ونقصانه بنقصانه: فهو كالعمل بالجوارح - أيضا -، فإن من زاد ذكره لله وتلاوته لكتابه زاد إيمانه، ومن ترك الذكر الواجب بلسانه نقص إيمانه.

وأما المعرفة بالقلب: فهل تزيد وتنقص؟ على قولين: أحدهما: أنها لا تزيد ولا تنقص.
قال يعقوب بن بختان : سألت أبا عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - عن المعرفة والقول: يزيد وينقص؟ قال: لا، قد جئنا بالقول والمعرفة وبقي العمل.
ذكره أبو الخلال في كتاب " السنة " ومراده بالقول: التلفظ بالشهادتين خاصة.
وهذا قول طوائف من الفقهاء والمتكلمين.
والقول الثاني: أن المعرفة تزيد وتنقص.

قال المروذي: قلت لأحمد في معرفة الله بالقلب تتفاضل فيه؟ قال: نعم، قلت: ويزيد؟ قال: نعم.

ذكره الخلال عنه ، وأبو بكر عبد العزيز في كتاب "السنة " - أيضا -، عنه وهو الذي ذكره القاضي أبو يعلي من أصحابنا في كتاب " الإيمان، وكذلك ذكره أبو عبد الله بن حامد.
وحكى القاضي - في " المعتمد " - وابن عقيل في المسألة روايتان عن أحمد، وتأولا رواية أنه لا يزيد ولا ينقص.
وتفسر زيادة المعرفة بمعنيين:
أحدهما: زيادة المعرفة بتفاصيل أسماء الله وصفاته وأفعاله وأسماء الملائكة والنبيين والكتب المنزلة عليهم وتفاصيل اليوم الآخر.
وهذا ظاهر لا يقبل نزاعا.

والثاني: زيادة المعرفة بالوحدانية بزيادة معرفة أدلتها ( 177 - ب/ف) ، فإن أدلتها لا تحصر، إذ كل ذرة من الكون فيها دلالة على وجود الخالق ووحدانيته، فمن كثرت معرفته بهذه الأدلة زادت معرفته على من ليس كذلك.
وكذلك المعرفة بالنبوات واليوم الآخر والقدر وغير ذلك من الغيب الذي يجب الإيمان به، ومن هنا فرق النبي صلي الله عليه وسلم بين مقام الإيمان ومقام الإحسان، وجعل مقام الإحسان أن يعبد العبد ربه كأنه يراه، والمراد: أن ينور قلبه بنور الإيمان حتى يصير الغيب عنده مشهودا بقلبه كالعيان .

وقد ذكر محمد بن نصر المروزي في " كتابه " أن التصديق يتفاوت وحكاه عن الحسن، والعلماء وهذا يشعر إجماع عنده.

ومما يدل على ذلك أيضا _: ما روى ابن وهب: أنا عبد الرحمن بن ميسرة، عن أبي هانيء الخولاني، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: " إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب الخلق، فسلوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم ".

خرجه الحاكم ، وقال: صحيح الإسناد .

ثم قال البخاري رحمه الله: والحب في الله والبغض في الله من الإيمان.

وهذا يدل عليه: قول النبي صلي الله عليه وسلم " ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان وذكر منهن: " أن يحب المرء لا يحبه إلا لله ".
وإذا كان الحب في الله والبغض في الله زاد الإيمان بزيادة ذلك ونقص بنقصانه.

قال البخاري: وكتب عمر بن عبد العزيز إلي عدي بن عدي: إن للإيمان فرائض وشرائع وحدودا وسننا، فمن استكملها فقد استكمل الإيمان، ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان، فإن أعش فسأبينها لكم حتى تعملوا بها، وإن مت فما أنا على صحبتكم بحريص.
هذا الأثر: خرجه أبو بكر الخلال في كتاب " السنة " من رواية جرير بن حازم: حدثني عيسى بن عاصم، عن عدي بن عدي - وهو يومئذ أمير على أرمينية - قال: كتب إلي عمر بن عبد العزيز: سلام عليك أما بعد، فإن للإيمان شرائع وحدودا وسننا، من استكملها استكمل الإيمان، فإن أعش فيكم أبينها لكم حتى تعملوا بها - إن شاء الله، وإن مت فوالله ما أنا على صحبتكم بحريص.

قال البخاري: وقال إبراهيم عليه السلام { وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}
وقد فسرها سعيد بن جبير بالازدياد من الإيمان، فإنه قال له: { أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260] فطلب زيادة في إيمانه، فإنه طلب أن ينتقل من درجة علم اليقين إلى درجة عين اليقين وهي أعلى وأكمل.

وفي " المسند " " عن ابن عباس، عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: " ليس الخبر كالمعاينة ".

قال البخاري: وقال معاذ: اجلس بنا نؤمن ساعة.

هذا الأثر: رواه سفيان الثوري والأعمش ومسعر - كلهم -، عن جامع بن شداد، عن الأسود بن هلال قال: قال معاذ بن جبل لرجل: اجلس نؤمن ساعة - يعني نذكر الله .

وقد روي مثله عن طائفة من الصحابة، فروى زبيد، عن زر بن حبيش قال: كان عمر بن الخطاب يقول لأصحابه: هلموا نزداد إيمانا، فيذكرون الله.
وروى أبو جعفر الخطمي، عن أبيه، عن جده عمير بن حبيب بن حماسة " - وهو من الصحابة - أنه قال: إن الإيمان يزيد وينقص، قالوا: وما زيادته ونقصانه؟ قال: إذا ذكرنا الله وخشيناه فذلك زيادته، وإذا غفلنا ونسينا وضيعنا فذلك نقصانه .

فزيادة الإيمان بالذكر من وجهين:
أحدهما: أنه يجدد من الإيمان والتصديق ( 178 - أ/ف) في القلب ما درس منه بالغفلة كما قال بن مسعود: الذكر ينبت الإيمان في القلب كما ينبت الماء الزرع.
وفي " المسند " عن أبي هريرة أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: " جددوا إيمانكم " قالوا: كيف نجدد إيماننا؟ قال: " قولوا: لا إله إلا الله ".

والثاني: أن الذكر نفسه من خصال الإيمان، فيزداد الإيمان بكثرة الذكر، فإن جمهور أهل السنة على أن الطاعات كلها من الإيمان فرضها ونفلها، وإنما أخرج النوافل من الإيمان قليل منهم.

قال البخاري: وقال ابن مسعود: اليقين: الإيمان كله.

هذا الأثر: رواه الأعمش، عن أبي ظبيان، عن علقمة، عن ابن مسعود .
واليقين: هو العلم الحاصل للقلب بعد النظر والاستدلال، فيوجب قوة التصديق حتى ينفي الريب ويوجب طمأنينة القلب بالإيمان وسكونه وارتياحه به، وقد جعله ابن مسعود الإيمان كله.
وكذا قال الشعبي - أيضا.

وهذا مما يتعلق به من يقول: إن الإيمان مجرد التصديق ، حيث جعل اليقين: الإيمان كله، فحصره في اليقين، ولكن لم يرد ابن مسعود أن ينفي الأعمال من الإيمان، إنما مراده: أن اليقين هو أصل الإيمان كله، فإذا أيقن القلب بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر انبعثت الجوارح كلها للاستعداد للقاء الله تعالى بالأعمال الصالحة فنشأ ذلك كله عن اليقين.

قال الحسن البصري: ما طلبت الجنة إلا باليقين ولا هرب من النار إلا باليقين، ولا أديت الفرائض إلا باليقين، ولا صبر على الحق إلا باليقين .
وقال سفيان الثوري: لو أن اليقين وقع في القلب كما ينبغي لطارت القلوب اشتياقا إلى الجنة وخوفا من النار .
ويذكر عن لقمان قال: العمل لا يستطاع إلا باليقين، ومن يضعف يقينه يضعف عمله .
قال عبد الله بن عكيم: سمعت ابن مسعود يقول في دعائه: اللهم زدنا إيمانا ويقينا وفهما.

قال البخاري: وقال ابن عمر: لا يبلغ العبد حقيقة التقوى حتى يدع ما حاك في الصدر.

قال زين الدين ابن رجب: هذا الأثر لم أقف عليه إلى الآن في غير كتاب البخاري ، وقد روي معناه مرفوعا.
وموقوفا على أبي الدرداء.
فخرج الترمذي، وابن ماجه من حديث عطية السعدي، عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: " لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به بأس " وفي إسناده بعض مقال.
وروى ابن ابي الدنيا بإسناد منقطع، عن أبي الدرداء قال: تمام التقوى: أن يتقي الله العبد حتى يتقيه من مثقال ذرة، وحتى يترك ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حراما، حجابا بينه وبين الحرام .

وإنما ذكر البخاري هذا الأثر في الباب، لأن خصال التقوى هي خصال الإيمان، وقد صح عن مجاهد أن أبا ذر سأل النبي صلي الله عليه وسلم عن الإيمان فقرأ: { لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ} [البقرة: 177] إلى آخر الآية.

وهذا مرسل.
وقد روي من وجه آخر، وفيه انقطاع - أيضا.
قال البخاري: وقال مجاهد: { شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} : أوصيناك وإياه يا محمد دينا واحدا .

روى ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله { شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} [الشورى: 13] قال: وصاك به وأنبياءه كلهم دينا واحدا .

ومعنى ذلك: أن دين الأنبياء كلهم دين واحد وهو الإسلام العام المشتمل على الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وعلى توحيد الله وإخلاص الدين له وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة كما قال تعالى: { وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَةُ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 4، 5] .

والدين: هو الإسلام - كما صرح به في مواضع أخر -، وإذا أطلق الإسلام دخل فيه الإيمان وبالعكس.
وقد استدل على أن الأعمال تدخل في الإيمان بهذه الآية، وهي قوله: { وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} طوائف من الأئمة، منهم الشافعي، وأحمد ، والحميدي ، وقال الشافعي: ليس عليهم أحج من هذه الآية .

واستدل الأوزاعي بقوله تعالى { شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} إلى قوله { أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا} ( الشورى: 13) ، وقال: الدين: الإيمان والعمل، واستدل بقوله تعالى { فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} ( التوبة: 11) .
وقد ذكر الخلال في كتاب " السنة " أقوال هؤلاء الأئمة بألفاظهم بالأسانيد إليهم.

قال البخاري: وقال ابن عباس: { شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48] سبيلا وسنة.
وهذا من رواية أبي إسحاق، عن التيمي، وعن ابن عباس شرعة ومنهاجا: سبيلا وسنة .

ومعنى قول ابن عباس: أن المنهاج هو السنة، وهو الطريق الواسعة المسلوكة المداوم عليها، والشرعة: هي السبيل والطريق الموصل إليها، فهي كالمدخل إليها كمشرعة الماء وهي المكان الذي يورد الماء منه، ويقال: شرع فلان في كذا إذا ابتدأ فيه، وأنهج البلاء في الثوب إذا اتسع فيه.
وبذلك فرق طائفة من المفسرين وأهل اللغة بين الشريعة والمنهاج، منهم الزجاج وغيره.

قال الله تعالى { قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ} [الفرقان: 77] قال البخاري: ومعنى الدعاء في اللغة الإيمان.

اعلم أن أصل الدعاء في اللغة: الطلب، فهو استدعاء لما يطلبه الداعي ويؤثر حصوله، فتارة يكون الدعاء بالسؤال من الله عز وجل والابتهال إليه كقول الداعي: اللهم اغفر لي، اللهم ارحمني، وتارة يكون بالإتيان بالأسباب التي تقتضي حصول المطالب وهو الاشتغال بطاعة الله وذكره وما يجب من عبده أن يفعله وهذا هو حقيقة الإيمان.

وفي " السنن الأربعة" عن النعمان بن بشير، عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: " إن الدعاء هو العبادة " ثم قرأ: {.

     وَقَالَ  رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}
[غافر: 60] .

فما استجلب العبد من الله ما يحب واستدفع منه ما يكره بأعظم من اشتغاله بطاعة الله وعبادته وذكره وهو حقيقة الإيمان، فإن الله يدفع عن الذين آمنوا.
وفي الترمذي " عن أبي سعيد عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: " يقول الرب عز وجل: من شغله القرآن عن ذكري ومسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين " .
وقال بعض التابعين: لو أطعتم الله ما عصاكم، يعني: ما منعكم شيئا تطلبونه منه.
وكان سفيان يقول: الدعاء ترك الذنوب - يعني: الاشتغال بالطاعة عن المعصية.
وأما قوله تعالى { مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ} [الفرقان: 77] فيه للمفسرين قولان: أحدهما: أن المراد: لولا دعاؤكم إياه، فيكون الدعاء بمعنى الطاعة - كما ذكرنا.

والثاني: لولا دعاؤه إياكم إلى طاعته كما في قوله تعالى { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] .
أي: لأدعوهم إلى عبادتي.
( 179 - أ /ف) .

وإنما اختلف المفسرون في ذلك، لأن المصدر يضاف إلى الفاعل تارة وإلى المفعول أخرى.

فصل
خرج البخاري من حديث:
[ قــ :8 ... غــ :8 ]
- عكرمة بن خالد عن ابن عمر، عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: " بني الإسلام على خمس: شهادة ألا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان ".
وهذا الحديث دل على أن الإسلام مبني على خمس أركان، وهذا يدل على أن البخاري يرى أن الإيمان والإسلام مترادفان.

ومعنى قوله صلي الله عليه وسلم " بني الإسلام على خمس ": أن الإسلام مثله كبنيان، وهذه الخمس: دعائم البنيان وأركانه التي يثبت عليها البنيان.
وقد روي في لفظ: " بني الإسلام على خمس دعائم ".
خرجه محمد بن نصر المروزي .

وإذا كانت هذه دعائم البنيان وأركانه، فبقية خصال الإسلام كبقية البنيان، فإذا فقد شيء من بقية الخصال الداخلة في مسمى الإسلام الواجب نقص البنيان ولم يسقط بفقده.
وأما هذه الخمس، فإذا زالت كلها سقط البنيان ولم يثبت بعد زوالها وكذلك ( إن) زال منها الركن الأعظم وهو الشهادتان، وزوالهما يكون بالإتيان بما يضادهما ولا يجتمع معهما.
وأما زوال الأربع البواقي: فاختلف العلماء هل يزول الاسم بزوالها أو بزوال واحد منها؟ أم لا يزول بذلك؟ أم يفرق بين الصلاة وغيرها فيزول بترك الصلاة دون غيرها؟ أم يختص زوال الإسلام بترك الصلاة والزكاة خاصة.
وفي ذلمك اختلاف مشهور، وهذه الأقوال كلها محكية عن الإمام أحمد وكثير من علماء أهل الحديث يرى تكفير تارك الصلاة.

وحكاه إسحاق بن راهويه إجماعا منهم حتى إنه جعل قول من قال: لا يكفر بترك هذه الأركان مع الإقرار بها من أقوال المرجئة.
وكذلك قال سفيان بن عيينه: المرجئة سموا ترك الفرائض ذنبا بمنزلة ركوب المحارم، وليسا سواء، لأن ركوب المحارم متعمدا من غير استحلال: معصية، وترك الفرائض من غير جهل ولا عذر: هو كفر.
وبيان ذلك في أمر آدم وإبليس وعلماء اليهود الذين أقروا ببعث النبي صلي الله عليه وسلم ولم يعملوا بشرائعه.
وروي عن عطاء ونافع مولى ابن عمر أنهما سئلا عمن قال: الصلاة فريضة ولا أصلي، فقالا: هو كافر.
وكذا قال الإمام أحمد.

ونقل حرب عن إسحاق قال: غلت المرجئة حتى صار من قولهم: إن قوما يقولون: من ترك الصلوات المكتوبات وصوم رمضان والزكاة والحج وعامة الفرائض من غير جحود لها لا نكفره، يرجى أمره إلى الله بعد، إذ هو مقر، فهؤلاء الذين لا شك فيهم - يعني في أنهم مرجئة.
وظاهر هذا: أنه يكفر بترك هذه الفرائض.
وروى يعقوب الأشعري، عن ليث، عن سعيد بن جبير قال: من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر، ومن أفطر يوما في رمضان ( 179 - ب/ف) فقد كفر، ومن ترك الحج متعمدا فقد كفر، ومن ترك الزكاة متعمدا فقد كفر .

ويروى عن الحكم بن عتيبة نحوه، وحكى رواية عن أحمد - اختارها أبو بكر من أصحابه -، وعن عبد الملك بن حبيب المالكي مثله، وهو قول أبي بكر الحميدي .

وروي عن ابن عباس التكفير ببعض هذه الأركان دون بعض، فروى مؤمل، عن حماد بن زيد، عن عمرو بن مالك النكري، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس - ولا أحسبه إلا رفعه - قال: " عرى الإسلام وقواعد الدين ثلاثة عليهن أسس الإسلام: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وصوم رمضان، من ترك منها واحدة فهو بها كافر حلال الدم، وتجده كثير المال لم يحج فلا يزال بذلك كافرا ولا يحل دمه، وتجده كثير المال لا يزكي فلا يزال بذلك كافرا ولا يحل دمه .
ورواه قتيبة عن حماد بن زيد فوقفه واختصره ولم يتمه.
ورواه سعيد بن زيد - أخو حماد - عن عمرو بن مالك ورفعه، وقال: " من ترك منهن واحدة فهو بالله كافر، ولا يقبل منه صرف ولا عدل وقد حل دمه وماله " ولم يزد على ذلك.

والأظهر: وقفه على ابن عباس، فقد جعل ابن عباس ترك هذه الأركان كفرا، لكن بعضها كفرا يبيح الدم وبعضها لا يبيحه، وهذا يدل على أن الكفر بعضه ينقل عن الملة وبعضه لا ينقل.

وأكثر أهل الحديث على أن ترك الصلاة كفر دون غيرها من الأركان كذلك حكاه محمد بن نصر المروزي وغيره عنهم.
وممن قال بذلك: ابن المبارك، وأحمد - في المشهور عنه -، وإسحاق، وحكى عليه إجماع أهل العلم - كما سبق - وقال أيوب: ترك الصلاة كفر لا يختلف فيه.
وقال عبد الله بن شقيق: كان أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة.

خرجه الترمذي .

وقد روي عن علي وسعد وابن مسعود وغيرهم قالوا: من ترك الصلاة فقد كفر.
وقال عمر: لاحظ في الإسلام لمن ترك الصلاة .

وفي صحيح مسلم " عن جابر عن النبي صلي الله عليه وسلم قال " " بين الرجل وبين الشرك والكفر: ترك الصلاة " .

وخرج النسائي والترمذي وابن ماجه من حديث بريدة، عن النبي صلي الله عليه وسلم قال " العهد الذي بيننا وبينهم: الصلاة، فمن تركها فقد كفر " .
وصححه الترمذي وغيره.
ومن خالف في ذلك جعل الكفر هنا غير ناقل عن الملة كما في قوله تعالى { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] .

فأما بقية خصال الإسلام والإيمان فلا يخرج العبد بتركها من الإسلام عند أهل السنة والجماعة.
وإنما خالف في ذلك الخوارج ونحوهم من أهل البدع.

قال حذيفة: الإسلام ثمانية أسهم: الإسلام سهم، والصلاة سهم، والزكاة سهم، والحج سهم، ورمضان سهم، والجهاد سهم، والأمر بالمعروف سهم، والنهي عن المنكر سهم، وقد خاب من لا سهم له.
وروي مرفوعا، والموقوف أصح .
فسائر خصال الإسلام الزائدة على أركانه الخمسة ودعائمه إذا زال منها شيء نقص البنيان ولم ينهدم أصل البنيان بذلك النقص.

وقد ضرب الله ورسوله مثل الإيمان ( 180 - أ /ف) والإسلام بالنخلة.
قال الله تعالى: { ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهاَ} [إبراهيم: 23 - 24] .

فالكلمة الطيبة هي كلمة التوحيد وهي أساس الإسلام، وهي جارة على لسان المؤمن وثبوت أصلها هو ثبوت التصديق بها في قلب المؤمن، وارتفاع فرعها في السماء هو علو هذه الكلمة وبسوقها وأنها تحرق الحجب ولا تتناهى دون العرش، وإتيانها أكلها كل حين: هو ما يرفع بسببها للمؤمن كل حين من القول الطيب والعمل الصالح، فهو ثمرتها.
وجعل النبي صلي الله عليه وسلم مثل المؤمن أو المسلم كمثل النخلة .

وقال طاوس: مثل ( الإسلام) كشجرة أصلها الشهادة، وساقها كذا وكذا، وورقها كذا وكذا، وثمرها: الورع، ولا خير في شجرة لا ثمر لها، ولا خير في إنسان لا ورع فيه .
ومعلوم أن ما دخل في مسمى الشجرة والنخلة من فروعها وأغصانها وورقها وثمرها إذا ذهب شيء منه لم يذهب عن الشجرة اسمها، ولكن يقال: هي شجرة ناقصة، وغيرها أكمل منها، فإن قطع أصلها وسقطت لم تبق شجرة، وإنما تصير حطبا، فكذلك الإيمان والإسلام إذا زال منه بعض ما يدخل في مسماه مع بقاء أركان بنيانه لا يزول به اسم الإسلام والإيمان بالكلية، وإن كان قد سلب الاسم عنه لنقصه بخلاف ما انهدمت أركانه وبنيانه فإنه يزول مسماه بالكلية، والله أعلم

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب دُعَاؤُكُمْ إِيمَانُكُمْ

[ قــ :8 ... غــ : 8 ]
- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ

َ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ».
[الحديث 8 - طرفه في: 4515] .

وبالسند إلى المؤلف قال: ( حدّثنا عبيد الله) بالتصغير وفي الفرع خلافًا لأصله.
وحدّثنا محمد بن إسماعيل يعني البخاري حدّثنا عبيد الله ( بن موسى) بن باذام بالموحدة والذال المعجمة آخره ميم العبسي بفتح المهملة وتسكين الموحدة الشيعي الغير داعية المتوفى بالإسكندرية سنة ثلاث عشرة أو أربع عشرة أو خمس عشرة ومائتين، ( قال: أخبرنا) وفي رواية الهروي، حدّثنا ( حنظلة بن أبي سفيان) بن عبد الرحمن الجمحي المكي القرشي المتوفى سنة إحدى وخمسين ومائة، ( عن عكرمة بن خالد) يعني ابن العاصي المخزومي القرشي، المتوفى بمكة بعد عطاء وهو توفي سنة أربع عشرة أو خمس عشرة ومائة، ( عن ابن عمر) بن الخطاب عبد الله ( رضي الله عنهما) ، هاجر به أبوه واستصغر يوم أُحُد وشهد الخندق وبيعة الرضوان والمشاهد، وكان واسع العلم متين الدين وافر الصلاح وتوفي سنة ثلاث وسبعين وله في البخاري مائتان وسبعون حديثًا ( قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( بني الإسلام) الذي هو الانقياد ( على خمس) أي خمس دعائم، وقال بعضهم، على بمعنى من أي بني الإسلام من خمس، وبهذا يحصل الجواب عما يقال إن هذه الخمس هي الإسلام، فكيف يكون الإسلام مبنيًّا عليها والمبني لا بدّ أن يكون غير المبني عليه، ولا حاجة إلى جواب الكرماني بأن الإسلام عبارة عن المجموع والمجموع غير كل واحد من أركانه: ( شهادة أن لا إله إلاّ الله و) شهادة ( أن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة) أي المداومة عليها، والمراد الإتيان بها بشروطها وأركانها، ( وإيتاء الزكاة) أي إعطائها مستحقيها بإخراج جزء من المال على وجه مخصوص كما سيأتي البحث فيه إن شاء الله تعالى في محله بعون الله، ( والحج) إلى بيت الله الحرام، ( وصوم) شهر ( رمضان) .
بخفض شهادة على البدل من خمس، وكذا ما بعدها.
ويجوز الرفع خبر مبتدأ محذوف أي وهي والنصب بتقدير أعني، قال البدر الدماميني: أما وجه الرفع فواضح، وأما وجه الجر فقد يقال فيه إن البدل من خمس هو مجموع المجرورات المتعاطفة لا كل واحد منها.

فإن قلت: يكون كل منها بدل بعض، قلت حينئذ يحتاج إلى تقدير رابط اهـ.
"ولا" في قوله: لا إله إلاّ الله، هي النافية للجنس وإله اسمها مركب معها تركيب مزج كأحد عشر، والفتحة فتحة بناء، وعند الزجاج فتحة إعراب لأنه عنده منصوب بها لفظًا وخبرها محذوف اتفافًا تقديره موجود، وإلاّ حرف استثناء، والاسم الكريم مرفوع على البدلية من الضمير المستتر في الخبر، وقيل: مرفوع على الخبرية لقوله لا وعليه جماعة.
وفي هذه المسألة مباحث ضربت عليها بعد أن أثبتها خوف الإطالة، ثم إن هذا التركيب عند علماء المعاني يفيد القصر وهو في هذه الكلمة من باب قصر الصفة على الموصوف لا العكس، فإن إله في معنى الوصف.

فإن قلت: لمَ قدّم النفي على الإثبات فقيل لا إله إلا الله ولم يقل الله لا إله إلاّ هو بتقديم الإثبات على النفي؟ أجيب: بأنه إذا نفى أن يكون ثم إله غير الله فقد فرّغ قلبه مما سوى الله بلسانه
ليواطىء القلب وليس مشغولاً بشيء سوى الله تعالى، فيكون نفي الشريك عن الله تعالى بالجوارح الظاهرة والباطنية.
ووجه الحصر في الخمسة أن العبادة إما قولية أو غيرها.
الأولى الشهادتان، والثانية إما تركية أو فعلية، الأولى الصوم، والثانية إما بدنية أو مالية الأولى الصلاة، والثانية الزكاة أو مركبة منهما وهي الحج، وقد ذكره مقدّمًا على الصوم.
وعليه بنى المصنف ترتيب جامعه هذا.
لكن عند مسلم من رواية سعد بن عبيدة عن ابن عمر تأخير الصوم عن الحج، فقال رجل وهو يزيد بن بشر السكسكي: والحج وصوم رمضان.
فقال ابن عمر: لا، صيام رمضان والحج هكذا سمعته من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فيحتمل أن يكون حنظلة رواه هنا بالمعنى لكونه لم يسمع رد ابن عمر على يزيد أو سمعه ونسيه، نعم رواه ابن عمر في مسلم من أربع طرق تارة بالتقديم وتارة بالتأخير.

فإن قلت: لِمَ لم يذكر الإيمان بالأنبياء والملائكة وأسقط الجهاد؟ أجيب: بأن الجهاد فرض كفاية ولا يتعين إلا في بعض الأحوال، وإنما لم يذكر الإيمان بالأنبياء والملائكة لأن المراد بالشهادة تصديق الرسول فيما جاء به، فيستلزم جميع ما ذكر من الاعتقادات.
وفي قوله: بني الخ استعارة بأن يقدر الاستعارة في بني، والقرينة في الإسلام شبه ثبات الإسلام واستقامته على هذه الأركان الخمسة ببناء الخباء على هذه الأعمدة الخمسة، ثم تسري الاستعارة من المصدر إلى الفعل، أو تكون مكنية بأن تكون الاستعارة في الإسلام والقرينة بني على التخييل بأن شبه الإسلام بالبيت، ثم خيل كأنه بيت على المبالغة، ثم أطلق الإسلام على ذلك المخيل، ثم خيل له ما يلزم الخباء المشبه به من البناء، ثم أثبت له ما هو لازم البيت من البناء على الاستعارة التخييلية ثم نسبه إليه ليكون قرينة مانعة من إرادة الحقيقة.
ويجوز أن تكون استعارة بالكناية لأنه شبه الإسلام بمبنيّ له دعائم، فذكر المشبه وطوى ذكر المشبه به وذكر ما هو من خواص المشبه به وهو البناء، ويسمى هذا استعارة ترشيحية، ويجوز أن تكون استعارة تمثيلية، فإنه مثل حالة الإسلام مع أركانه الخمسة بحالة خباء أقيم على خمسة أعمدة وقطبها التي تدور عليه هو شهادة أن لا إله إلاّ الله وبقية شعب الإيمان كالأوتاد للخباء.

وقال في الفتح، فإن قلت: الأربعة المذكورة بعد الشهادة مبنية على الشهادة إذ لا يصح شيء منها إلا بعد وجودها، فكيف يضم مبني إلى مبني عليه في مسمى واحد؟ أجيب: بجواز ابتناء أمر على أمر يبتنى على الأمرين أمر آخر.

فإن قلت: المبني لا بد أن يكون غير المبني عليه.
فالجواب أن المجموع غير من حيث الانفراد عين من حيث الجمع، ومثاله البيت من الشعر يجعل على خمسة أعمدة أحدها أوسط والبقية أركان، فما دام الأوسط قائمًا فمسمى البيت موجود ولو سقط ما سقط من الأركان، فإذا سقط الأوسط سقط مسمى البيت، فالبيت بالنظر إلى مجموعه شيء واحد وبالنظر إلى أفراده أشياء.
وأيضًا فبالنظر إلى أسّه وأركانه الأس أصل والأركان تبع وتكملة، والله الموفق.
ومن لطائف إسناد هذا الحديث

جمعه للتحديث والإخبار والعنعنة وكل رجاله مكيّون إلا عبيد الله فإنه كوفي، وهو من الرباعيات وأخرج متنه المؤلف أيضًا في التفسير ومسلم في الإيمان خماسي الإسناد اهـ.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  (بابُُ دعاؤكم إيمَانكُمْ)
يَعْنِي فسر ابْن عَبَّاس قَوْله تَعَالَى { قل لَهُ سَأَلتك عَن نسبه فَذكرت أَنه فِيكُم ذُو نسب فَكَذَلِك الرُّسُل تبْعَث فِي نسب قَومهَا وَسَأَلْتُك هَل قَالَ أحد مِنْكُم هَذَا القَوْل فَذكرت أَن لَا فَقلت لَو كَانَ أحد قَالَ هَذَا القَوْل قبله لَقلت رجل يأتسي بقول قيل قبله وَسَأَلْتُك هَل كَانَ من آبَائِهِ من ملك فَذكرت أَن لَا قلت فَلَو كَانَ من آبَائِهِ من ملك قلت رجل يطْلب ملك أَبِيه وَسَأَلْتُك هَل كُنْتُم تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قبل أَن يَقُول مَا يعبؤ بكم رَبِّي لَوْلَا دعاؤكم} فَقَالَ المُرَاد من الدُّعَاء الْإِيمَان فَمَعْنَى دعاؤكم إيمَانكُمْ وَأخرجه ابْن الْمُنْذر بِسَنَدِهِ إِلَيْهِ أَنه قَالَ لَوْلَا دعاؤكم لَوْلَا إيمَانكُمْ.

     وَقَالَ  ابْن بطال لَوْلَا دعاؤكم الَّذِي هُوَ زِيَادَة فِي إيمَانكُمْ قَالَ النَّوَوِيّ وَهَذَا الَّذِي قَالَه حسن لِأَن أصل الدُّعَاء النداء والاستغاثة فَفِي الْجَامِع سُئِلَ ثَعْلَب عَنهُ فَقَالَ هُوَ النداء وَيُقَال دَعَا الله فلَان بدعوة فَاسْتَجَاب لَهُ.

     وَقَالَ  ابْن سَيّده هُوَ الرَّغْبَة إِلَى الله تَعَالَى دَعَاهُ دُعَاء وَدَعوى حَكَاهَا سِيبَوَيْهٍ وَفِي الغريبين الدُّعَاء الْغَوْث وَقد دَعَا أَي اسْتَغَاثَ قَالَ تَعَالَى { ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم} .

     وَقَالَ  بعض الشَّارِحين قَالَ البُخَارِيّ وَمعنى الدُّعَاء فِي اللُّغَة الْإِيمَان يَنْبَغِي أَن يثبت فِيهِ فَإِنِّي لم أره عِنْد أحد من أهل اللُّغَة.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي تَفْسِيره فِي الْآيَتَيْنِ يدل على أَنه قَابل للزِّيَادَة وَالنُّقْصَان أَو أَنه سمى الدُّعَاء إِيمَانًا وَالدُّعَاء عمل وَاعْلَم أَن من قَوْله.

     وَقَالَ  ابْن مَسْعُود إِلَى هُنَا غير ظَاهر الدّلَالَة على الدَّعْوَى وَهُوَ مَوضِع بحث وَنظر.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ اعْلَم أَنه خَارج لم أكن أَظن أَنه مِنْكُم فَلَو أَنِّي أعلم أَنِّي أخْلص إِلَيْهِ لتجشمت لقاءه وَلَو كنت عِنْده لغسلت عَن قَدَمَيْهِ ثمَّ دَعَا بِكِتَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي بعث بِهِ دحْيَة إِلَى عَظِيم بصرى فَدفعهُ إِلَى هِرقل فقرأه فَإِذا فِيهِ بِسم الله الرَّحِم ن الرَّحِيم من مُحَمَّد عبد الله وَرَسُوله إِلَى هِرقل عَظِيم الرّوم سَلام على من اتبع الْهدى أما بعد فَإِنِّي أَدْعُوك بِدِعَايَةِ الْإِسْلَام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرَّتَيْنِ فَإِن توليت فَإِن عَلَيْك إِثْم الأريسيين وَيَا أهل الْكتاب تَعَالَوْا إِلَى كلمة سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُم أَن لَا نعْبد إِلَّا الله وَلَا نشْرك بِهِ شَيْئا وَلَا يتَّخذ بَعْضنَا بَعْضًا أَرْبابًُُا من دون الله فَإِن توَلّوا فقولو اشْهَدُوا بِأَنا مُسلمُونَ آل عمرَان قَالَ أَبُو سُفْيَان فَلَمَّا قَالَ مَا قَالَ وَفرغ من قِرَاءَة الْكتاب كثر عِنْده الصخب وَارْتَفَعت الْأَصْوَات وأخرجنا فَقلت لِأَصْحَابِي حِين أخرجنَا لقد أَمر أَمر ابْن أبي كَبْشَة إِنَّه يخافه ملك بني الْأَصْفَر فَمَا زلت موقنا أَنه سَيظْهر حَتَّى أَدخل الله عَليّ الْإِسْلَام وَكَانَ ابْن الناظور صَاحب إيلياء وهرقل سقفا على نَصَارَى الشأم يحدث أَن هِرقل حِين قدم إيلياء أصبح يَوْمًا خَبِيث النَّفس فَقَالَ بعض بطارقته قد استنكرنا هيئتك قَالَ ابْن الناظور وَكَانَ هِرقل حزاء ينظر فِي كثير من نسخ البُخَارِيّ هَذَا بابُُ دعاؤكم إيمَانكُمْ إِلَى آخر الحَدِيث بعده وَهَذَا غلط فَاحش وَصَوَابه مَا ذَكرْنَاهُ أَولا وَهُوَ دعاؤكم إيمَانكُمْ وَلَا يَصح إِدْخَال بابُُ هُنَا لوجوه.
مِنْهَا أَنه لَيْسَ لَهُ تعلق بِمَا نَحن فِيهِ.
وَمِنْهَا أَنه ترْجم أَولا بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بني الْإِسْلَام وَلم يذكرهُ قبل هَذَا وَإِنَّمَا ذكره بعده وَمِنْهَا أَنه ذكر الحَدِيث بعده وَلَيْسَ هُنَا مطابقا للتَّرْجَمَة.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي وَعِنْدنَا نُسْخَة مسموعة على الْفربرِي وَعَلَيْهَا خطة وَهُوَ هَكَذَا دعاؤكم إيمَانكُمْ بِلَا بابُُ وَلَا وَاو قلت رَأَيْت نُسْخَة عَلَيْهَا خطّ الشَّيْخ قطب الدّين الْحلَبِي الشَّارِح وفيهَا بابُُ دعاؤكم إيمَانكُمْ.

     وَقَالَ  صَاحب التَّوْضِيح وَعَلِيهِ مَشى شَيخنَا فِي شَرحه وَلَيْسَ ذَلِك بجيد لِأَنَّهُ لَيْسَ مطابقا للتَّرْجَمَة

[ قــ :8 ... غــ :8 ]
- حَدثنَا عبيد الله بن مُوسَى قَالَ أخبرنَا حَنْظَلَة بن أبي سُفْيَان عَن عِكْرِمَة بن خَالِد عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بني الْإِسْلَام على خمس شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وإقام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة وَالْحج وَصَوْم رَمَضَان) هَذَا الحَدِيث هُوَ تَرْجَمَة الْبابُُ وَقد ذكرنَا أَن الصَّحِيح أَنه لَيْسَ بَينه وَبَين قَوْله بابُُ قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بني الْإِسْلَام على خمس بابُُ آخر فَافْهَم.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ أَدخل البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث فِي هَذَا الْبابُُ لينبىء أَن الْإِسْلَام يُطلق على الْأَفْعَال وَأَن الْإِسْلَام وَالْإِيمَان قد يكون بِمَعْنى وَاحِد (بَيَان رِجَاله) وهم أَرْبَعَة الأول عبيد الله بن مُوسَى بن باذام بِالْبَاء الْمُوَحدَة والذال الْمُعْجَمَة وَلَو لفظ فَارسي وَمَعْنَاهُ اللوز الْعَبْسِي بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وتسكين الْبَاء الْمُوَحدَة مَوْلَاهُم الْكُوفِي الثِّقَة سمع الْأَعْمَش وخلقا من التَّابِعين وَعنهُ البُخَارِيّ وَأحمد وَغَيرهمَا وروى مُسلم وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة عَن رجل عَنهُ وَكَانَ عَالما بِالْقُرْآنِ رَأْسا فِيهِ توفّي بالإسكندرية سنة ثَلَاث عشرَة أَو أَربع عشرَة وَمِائَتَيْنِ.

     وَقَالَ  ابْن قُتَيْبَة فِي المعارف كَانَ عبيد الله يسمع ويروي أَحَادِيث مُنكرَة فضعف بذلك عِنْد كثير من النَّاس.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ وَقع فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا من كتب أَئِمَّة الحَدِيث الِاحْتِجَاج بِكَثِير من المبتدعة غير الدعاة إِلَى بدعتهم وَلم تزل السّلف وَالْخلف على قبُول الرِّوَايَة مِنْهُم وَالِاسْتِدْلَال بهَا وَالسَّمَاع مِنْهُم وأسماعهم من غير إِنْكَار الثَّانِي حَنْظَلَة بن أبي سُفْيَان بن عبد الرَّحْمَن بن صَفْوَان بن أُميَّة بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح الجُمَحِي الْمَكِّيّ الْقرشِي الثِّقَة الْحجَّة سمع عَطاء وَغَيره من التَّابِعين وَعنهُ الثَّوْريّ وَغَيره من الْأَعْلَام مَاتَ سنة إِحْدَى وَخمسين وَمِائَة روى لَهُ الْجَمَاعَة وَقد قَالَ قطب الدّين إِلَّا ابْن مَاجَه وَلَيْسَ بِصَحِيح بل روى لَهُ ابْن مَاجَه أَيْضا كَمَا نبه عَلَيْهِ الْمزي الثَّالِث عِكْرِمَة بن خَالِد بن العَاصِي بن هِشَام بن الْمُغيرَة بن عبد الله بن عَمْرو بن مَخْزُوم الْقرشِي المَخْزُومِي الْمَكِّيّ الثِّقَة الْجَلِيل سمع ابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَغَيرهمَا روى عَنهُ عَمْرو بن دِينَار وَغَيره من التَّابِعين مَاتَ بِمَكَّة بعد عَطاء وَمَات عَطاء سنة أَربع عشرَة أَو خمس عشرَة وَمِائَة والعاصي جده هُوَ أَخُو أبي جهل قَتله عمر رَضِي الله عَنهُ ببدر كَافِرًا وَهُوَ خَال عمر على قَول وَفِي الصَّحَابَة عِكْرِمَة ثَلَاثَة لَا رَابِع لَهُم ابْن أبي جهل المَخْزُومِي وَابْن عَامر الْعَبدَرِي وَابْن عبيد الْخَولَانِيّ وَلَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ من اسْمه عِكْرِمَة إِلَّا هَذَا وَعِكْرِمَة ابْن عبد الرَّحْمَن وَعِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس وروى مُسلم للأخير مَقْرُونا وَتكلم فِيهِ لرأيه وَعِكْرِمَة ابْن عمار أخرج لَهُ مُسلم فِي الْأُصُول وَاسْتشْهدَ بِهِ البُخَارِيّ فِي كتاب الْبر والصلة قلت وَفِي طبقَة عِكْرِمَة بن خَالِد بن العَاصِي عِكْرِمَة بن خَالِد بن سَلمَة بن هِشَام بن الْمُغيرَة المَخْزُومِي وَهُوَ ضَعِيف وَلم يخرج لَهُ البُخَارِيّ وَهُوَ لم يرو عَن ابْن عمر وَيَنْبَغِي التَّنْبِيه لهَذَا فَإِنَّهُ مَوضِع الِاشْتِبَاه الرَّابِع عبد الله بن عمر وَقد ذكر عَن قريب (بَيَان لطائف إِسْنَاده) مِنْهَا أَن فِيهِ التحديث والإخبار والعنعنة وَمِنْهَا أَن إِسْنَاده كلهم مكيون إِلَّا عبيد الله فَإِنَّهُ كُوفِي وَكله على شَرط السِّتَّة إِلَّا عِكْرِمَة بن خَالِد فَإِن ابْن مَاجَه لم يخرج لَهُ وَمِنْهَا أَنه من رباعيات البُخَارِيّ وَلمُسلم من الخماسيات فعلا البُخَارِيّ بِرَجُل (بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير.

     وَقَالَ  فِيهِ وَزَاد عُثْمَان عَن ابْن وهب أَخْبرنِي فلَان وحيوة بن شُرَيْح عَن بكير بن عبد الله بن الْأَشَج عَن نَافِع عَن ابْن عمر وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير عَن أَبِيه عَن حَنْظَلَة بِهِ وَعَن ابْن معَاذ عَن أَبِيه عَن عَاصِم بن مُحَمَّد بن زيد بن عبد الله بن عمر عَن أَبِيه عَن جده وَعَن ابْن نمير عَن أبي خَالِد الْأَحْمَر عَن سعد بن طَارق عَن سعد بن عبيد عَن ابْن عَمْرو عَن سهل بن عُثْمَان عَن يحيى بن زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة عَن سعد بن طَارق بِهِ فَوَقع لمُسلم من جَمِيع طرقه خماسيا وللبخاري رباعيا كَمَا ذكرنَا وَزَاد فِي مُسلم فِي رِوَايَته عَن حَنْظَلَة قَالَ سَمِعت عِكْرِمَة بن خَالِد يحدث طاوسا أَن رجلا قَالَ لعبد الله بن عمر أَلا تغزو فَقَالَ إِنِّي سَمِعت فَذكر الحَدِيث.

     وَقَالَ  الْبَيْهَقِيّ اسْم الرجل السَّائِل حَكِيم (بَيَان اللُّغَات) قَوْله بني من بنى يَبْنِي بِنَاء يُقَال بنى فلَانا بَيْتا من الْبُنيان وَيُقَال بنيته بِنَاء وَبنى بِكَسْر الْبَاء وَبنى بِالضَّمِّ وبنية قَوْله وإقام الصَّلَاة فعلة من صلى كَالزَّكَاةِ من زكى قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ وكتبتها بِالْوَاو على لفظ المفخم وَحَقِيقَة صلى حرك الصلوين لِأَن الْمصلى يفعل ذَلِك قلت الصلوان تَثْنِيَة الصلا وَهُوَ مَا عَن يَمِين الذَّنب وشماله هَذَا أحد مَعَاني الصَّلَاة فِي اللُّغَة وَالثَّانيَِة الدُّعَاء قَالَ الْأَعْشَى
(وقابلها الرّيح فِي دنها ... وَصلى على دنها وارتسم)
وَالثَّالِثَة من صليت الْعَصَا بالنَّار إِذا لينتها وقومتها فالمصلى كَأَنَّهُ يسْعَى فِي تعديلها وإقامتها وَالرَّابِعَة من صليت الرجل النَّار إِذا أدخلته النَّار أَو من جعلته يصلاها أَي يلازمها فالمصلى يدْخل الصَّلَاة ويلازمها قَوْله وإيتاء الزَّكَاة أَي إعطائها من أَتَاهُ إيتَاء وَأما آتيته آتِيَا وإتيانا فَمَعْنَاه جِئْته وَالزَّكَاة فِي اللُّغَة عبارَة عَن الطَّهَارَة قَالَ تَعَالَى { قد أَفْلح من تزكّى} أَي تطهر وَعَن النَّمَاء يُقَال زكا الزَّرْع إِذا نما قَالَ الْجَوْهَرِي زكا الزَّرْع يزكو زكاء ممدودا أَي نما وَهَذَا الْأَمر لَا يزكو بفلان أَي لَا يَلِيق بِهِ وَيُقَال زكا الرجل يزكو زكوا إِذا تنعم وَكَانَ فِي خصب وزكى مَاله تَزْكِيَة إِذا أدّى عَنهُ زَكَاته وتزكى أَي تصدق وزكى نَفسه تَزْكِيَة مدحها وَفِي الشَّرِيعَة عبارَة عَن إيتَاء جُزْء من النّصاب الحولي إِلَى فَقير غير هاشمي ويراعى فِيهَا مَعَانِيهَا اللُّغَوِيَّة وَذَلِكَ أَن المَال يطهر بهَا أَو يطهره صَاحبه أَو هِيَ سَبَب نمائه وزيادته قَوْله وَالْحج فِي اللُّغَة الْقَصْد وَأَصله من قَوْلك حججْت فلَانا أحجه حجا إِذا عدت إِلَيْهِ مرّة بعد أُخْرَى فَقيل حج الْبَيْت لِأَن النَّاس يأتونه فِي كل سنة وَمِنْه قَول المخبل السَّعْدِيّ
(واشهد من عَوْف حؤولا كَثِيرَة ... يحجون سبّ الزبْرِقَان المزعفرا)
يَقُول يأتونه مرّة بعد أُخْرَى لسودده والسب بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة شقة من كتَّان رقيقَة وَأَرَادَ بِهِ الْعِمَامَة هَهُنَا قَالَ الصغاني هَذَا الأَصْل ثمَّ تعورف اسْتِعْمَاله فِي الْقَصْد إِلَى مَكَّة حرسها الله تَعَالَى للنسك تَقول حججْت الْبَيْت أحجه حجا فَأَنا حَاج وَيجمع على حجج مِثَال بازل وبزل والحجج بِالْكَسْرِ الِاسْم وَالْحجّة الْمرة الْوَاحِدَة وَهَذَا من الشواذ لِأَن الْقيَاس بِالْفَتْح وَفِي الشَّرِيعَة هُوَ قصد مَخْصُوص فِي وَقت مَخْصُوص إِلَى مَكَان مَخْصُوص قَوْله وَصَوْم رَمَضَان الصَّوْم فِي اللُّغَة الْإِمْسَاك عَن الطَّعَام وَقد صَامَ الرجل صوما وصياما وَقوم صَوْم بِالتَّشْدِيدِ وصيم أَيْضا وَرجل صومان أَي صَائِم وَصَامَ الْفرس صوما أَي قَامَ على غير اعتلاف قَالَ النَّابِغَة صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(خيل صِيَام وخيل غير صَائِمَة ... تَحت العجاج وَأُخْرَى تعلك اللجما)
وَصَامَ النَّهَار صوما إِذا قَامَ قَائِم الظهيرة واعتدل وَالصَّوْم ركود الرّيح وَالصَّوْم السُّكُوت قَالَ تَعَالَى { إِنِّي نذرت للرحمن صوما} قَالَ ابْن عَبَّاس صمتا.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَة كل مُمْسك عَن طَعَام أَو كَلَام أَو سير فَهُوَ صَائِم وَالصَّوْم ذرق النعامة وَالصَّوْم الْبيعَة وَالصَّوْم شجر فِي لُغَة هُذَيْل وَفِي الشَّرِيعَة إمْسَاك عَن المفطرات الثَّلَاث نَهَارا مَعَ النِّيَّة وَتَفْسِير رَمَضَان قد مر مرّة (بَيَان الصّرْف) قَوْله بنى فعل مَاض مَجْهُول قَوْله وَأقَام الصَّلَاة أَصله أَقوام لِأَنَّهُ من أَقَامَ يُقيم حذفت الْوَاو فَصَارَ إقاما وَلَكِن الْقَاعِدَة أَن يعوض عَنْهَا التَّاء فَيُقَال إِقَامَة.

     وَقَالَ  أهل الصّرْف لزم الْحَذف والتعويض فِي نَحْو إِجَارَة واستجارة فَإِن قلت فَلم لم يعوض هَهُنَا قلت المُرَاد من التعويض هُوَ أَن يكون بِالتَّاءِ وَغَيرهَا نَحْو الْإِضَافَة فَإِن الْمُضَاف إِلَيْهِ هَهُنَا عوض عَن الْمَحْذُوف وَفِي التَّنْزِيل { وأوحينا إِلَيْهِم فعل الْخيرَات وإقام الصَّلَاة} قَوْله وإيتاء من آتى بِالْمدِّ (بَيَان الْإِعْرَاب) قَوْله الْإِسْلَام مَرْفُوع لإسناد بني إِلَيْهِ وَقد نَاب عَن الْفَاعِل وَقَوله على يتَعَلَّق بقوله بني قَوْله خمس أَي خمس دعائم وَصرح بِهِ عبد الرَّزَّاق فِي رِوَايَته أَو قَوَاعِد أَو خِصَال ويروي خَمْسَة وَهَكَذَا رِوَايَة مُسلم وَالتَّقْدِير خَمْسَة أَشْيَاء أَو أَرْكَان أَو أصُول وَيُقَال إِنَّمَا حذف الْهَاء لكَون الْأَشْيَاء لم تذكر كَقَوْلِه تَعَالَى { يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا} أَي عشرَة أَشْيَاء وَكَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صَامَ رَمَضَان فَأتبعهُ سِتا وَنَحْو ذَلِك قلت ذَلِك النُّحَاة أَن أَسمَاء الْعدَد إِنَّمَا يكون تذكيرها بِالتَّاءِ وتأنيثها بِسُقُوط التَّاء إِذا كَانَ الْمُمَيز مَذْكُورا أما إِذا لم يذكر فَيجوز الْأَمر أَن قَوْله شَهَادَة مجرور لِأَنَّهُ بدل من قَوْله خمس بدل الْكل من الْكل وَيجوز رَفعه على أَن يكون خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي وَهِي شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَيجوز نَصبه على تَقْدِير أَعنِي شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله قَوْله أَن بِالْفَتْح مُخَفّفَة من المثقلة وَلِهَذَا عطف عَلَيْهِ وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله قَوْله وإقام بِالْجَرِّ عطف على شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَمَا بعده عطف عَلَيْهِ (بَيَان الْمعَانِي وَالْبَيَان) قَوْله بني إِنَّمَا طوى ذكر الْفَاعِل لشهرته وَفِيه الِاسْتِعَارَة بِالْكِنَايَةِ لِأَنَّهُ شبه الْإِسْلَام بمبنى لَهُ دعائم فَذكر الْمُشبه وطوى ذكر الْمُشبه بِهِ وَذكر مَا هُوَ من خَواص الْمُشبه بِهِ وَهُوَ الْبناء وَيُسمى هَذَا اسْتِعَارَة ترشيحية وَيجوز أَن يكون اسْتِعَارَة تمثيلية بِأَن تمثل حَالَة الْإِسْلَام مَعَ أَرْكَانه الْخَمْسَة بِحَالَة خباء أُقِيمَت على خَمْسَة أعمدة وقطبها الَّذِي تَدور عَلَيْهِ الْأَركان هُوَ شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَبَقِيَّة شعب الْإِيمَان كالأوتاد للخباء وَيجوز أَن تكون الِاسْتِعَارَة تَبَعِيَّة بِأَن تقدر الِاسْتِعَارَة فِي بني والقرينة الْإِسْلَام شبه ثبات الْإِسْلَام واستقامته على هَذِه الْأَركان بِبِنَاء الخباء على الأعمدة الْخَمْسَة ثمَّ تسري الِاسْتِعَارَة من الْمصدر إِلَى الْفِعْل وَقد علمت أَن الِاسْتِعَارَة التّبعِيَّة تقع أَولا فِي المصادر ومتعلقات مَعَاني الْحُرُوف ثمَّ تسري فِي الْأَفْعَال وَالصِّفَات والحروف وَالْأَظْهَر أَن تكون اسْتِعَارَة مكنية بِأَن تكون الِاسْتِعَارَة فِي الْإِسْلَام والقرينة بني على التخيل بِأَن شبه الْإِسْلَام بِالْبَيْتِ ثمَّ خيل كَأَنَّهُ بَيت على الْمُبَالغَة ثمَّ أطلق الْإِسْلَام على ذَلِك المخيل ثمَّ خيل لَهُ مَا يلازم الْبَيْت الْمُشبه بِهِ من الْبناء ثمَّ أثبت لَهُ مَا هُوَ لَازم الْبَيْت من الْبناء على الِاسْتِعَارَة التخييلية ثمَّ نسب إِلَيْهِ ليَكُون قرينَة مَانِعَة من إِرَادَة الْحَقِيقَة قَوْله وإقام الصَّلَاة كِنَايَة عَن الْإِتْيَان بهَا بشروطها وأركانها قَوْله وإيتاء الزَّكَاة فِيهِ شَيْئَانِ أَحدهمَا إِطْلَاق الزَّكَاة الَّذِي هُوَ فِي الأَصْل مصدر أَو اسْم مصدر على المَال الْمخْرج للْمُسْتَحقّ وَالْآخر حذف أحد المفعولين للْعلم بِهِ لِأَن الإيتاء مُتَعَدٍّ إِلَى مفعولين وَالتَّقْدِير إيتَاء الزَّكَاة مستحقيها قَوْله وَالْحج فِيهِ حذف أَيْضا أَي وَحج الْبَيْت وَالْألف وَاللَّام فِيهِ بدل من الْمُضَاف إِلَيْهِ قَوْله وَصَوْم رَمَضَان فِيهِ حذف أَيْضا أَي وَصَوْم شهر رَمَضَان فَإِن قلت مَا الْإِضَافَة فيهمَا قلت إِضَافَة الحكم إِلَى سَببه لِأَن سَبَب الْحَج الْبَيْت وَلِهَذَا لَا يتَكَرَّر لعدم تكَرر الْبَيْت والشهر يتَكَرَّر فيتكرر الصَّوْم (بَيَان استنباط الْأَحْكَام) وَهُوَ على وُجُوه الأول يفهم من ظَاهر الحَدِيث أَن الشَّخْص لَا يكون مُسلما عِنْد ترك شَيْء مِنْهَا لَكِن الْإِجْمَاع مُنْعَقد على أَن العَبْد لَا يكفر بترك شَيْء مِنْهَا وَقتل تَارِك الصَّلَاة عِنْد الشَّافِعِي وَأحمد إِنَّمَا هُوَ حدا لَا كفرا وَإِن كَانَ رُوِيَ عَن أَحْمد وَبَعض الْمَالِكِيَّة كفرا وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ترك صَلَاة مُتَعَمدا فقد كفر مَحْمُول على الزّجر والوعيد أَو مؤول أَي إِذا كَانَ مستحلا أَو المُرَاد كفران النِّعْمَة الثَّانِي أَن هَذِه الْأَشْيَاء الْخَمْسَة من فروض الْأَعْيَان لَا تسْقط بِإِقَامَة الْبَعْض عَن البَاقِينَ الثَّالِث فِيهِ جَوَاز إِطْلَاق رَمَضَان من غير ذكر شهر خلافًا لمن منع ذَلِك على مَا يَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى (الأسئلة والأجوبة) الأول مَا قيل مَا وَجه الْحصْر فِي هَذِه الْخَمْسَة وَأجِيب بِأَن الْعِبَادَة إِمَّا قولية وَهِي الشَّهَادَة أَو غير قولية فَهِيَ إِمَّا تركي وَهُوَ الصَّوْم أَو فعلي وَهُوَ إِمَّا بدني وَهُوَ الصَّلَاة أَو مَالِي وَهُوَ الزَّكَاة أَو مركب مِنْهُمَا وَهُوَ الْحَج الثَّانِي مَا قيل مَا وَجه التَّرْتِيب بَينهَا وَأجِيب بِأَن الْوَاو لَا تدل على التَّرْتِيب وَلَكِن الْحِكْمَة فِي الذّكر أَن الْإِيمَان أصل للعبادات فَتعين تَقْدِيمه ثمَّ الصَّلَاة لِأَنَّهَا عماد الدّين ثمَّ الزَّكَاة لِأَنَّهَا قرينَة الصَّلَاة ثمَّ الْحَج للتغليظات الْوَارِدَة فِيهِ وَنَحْوهَا فبالضرورة يَقع الصَّوْم آخرا الثَّالِث مَا قيل الْإِسْلَام هُوَ الْكَلِمَة فَقَط وَلِهَذَا يحكم بِإِسْلَام من تلفظ بهَا فَلم ذكر الْأَخَوَات مَعهَا وَأجِيب تَعْظِيمًا لإخوانها.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ حكم الْإِسْلَام فِي الظَّاهِر يثبت بِالشَّهَادَتَيْنِ وَإِنَّمَا أضيف إِلَيْهِمَا الصَّلَاة وَنَحْوهَا لكَونهَا أظهر شَعَائِر الْإِسْلَام وَأَعْظَمهَا وبقيامه بهَا يتم إِسْلَامه وَتَركه لَهَا يشْعر بانحلال قيد انقياده أَو اختلاله الرَّابِع مَا قيل فعلي هَذَا التَّقْدِير الْإِسْلَام هُوَ هَذِه الْخَمْسَة والمبني لَا بُد أَن يكون غير الْمَبْنِيّ عَلَيْهِ وَأجِيب بِأَن الْإِسْلَام عبارَة عَن الْمَجْمُوع وَالْمَجْمُوع غير كل وَاحِد من أَرْكَانه الْخَامِس مَا قيل الْأَرْبَعَة الْأَخِيرَة مَبْنِيَّة على الشَّهَادَة إِذْ لَا يَصح شَيْء مِنْهَا إِلَّا بعد الْكَلِمَة فالأربعة مَبْنِيَّة وَالشَّهَادَة مَبْنِيّ عَلَيْهَا فَلَا يجوز إدخالها فِي سلك وَاحِد وَأجِيب بِأَنَّهُ لَا مَحْذُور فِي أَن يبْنى أَمر على أَمر ثمَّ الْأَمر أَن يكون عَلَيْهِمَا شَيْء آخر وَيُقَال لَا نسلم أَن الْأَرْبَعَة مَبْنِيَّة على الْكَلِمَة بل صِحَّتهَا مَوْقُوفَة عَلَيْهَا وَذَلِكَ غير معنى بِنَاء الْإِسْلَام على الْخمس.

     وَقَالَ  التَّيْمِيّ قَوْله بني الْإِسْلَام على خمس كَانَ ظَاهره أَن الْإِسْلَام مَبْنِيّ على هَذِه وَإِنَّمَا هَذِه الْأَشْيَاء مَبْنِيَّة على الْإِسْلَام لِأَن الرجل مَا لم يشْهد لَا يُخَاطب بِهَذِهِ الْأَشْيَاء الْأَرْبَعَة وَلَو قَالَهَا فَإنَّا نحكم فِي الْوَقْت بِإِسْلَامِهِ ثمَّ إِذا أنكر حكما من هَذِه الْأَحْكَام الْمَذْكُورَة المبنية على الْإِسْلَام حكمنَا بِبُطْلَان إِسْلَامه إِلَّا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أَرَادَ بَيَان أَن الْإِسْلَام لَا يتم إِلَّا بِهَذِهِ الْأَشْيَاء ووجودها مَعَه جعله مَبْنِيا عَلَيْهَا وَلِهَذَا الْمَعْنى سوى بَينهَا وَبَين الشَّهَادَة وَإِن كَانَت هِيَ الْإِسْلَام بِعَيْنِه.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي حَاصِل كَلَامه أَن الْمَقْصُود من الحَدِيث بَيَان كَمَال الْإِسْلَام وَتَمَامه فَلذَلِك ذكر هَذِه الْأُمُور مَعَ الشَّهَادَة لَا نفس الْإِسْلَام وَهُوَ حسن لَكِن قَوْله ثمَّ إِذا أنكر حكما من هَذِه حكمنَا بِبُطْلَان إِسْلَامه لَيْسَ من الْبَحْث إِذْ الْبَحْث فِي فعل هَذِه الْأُمُور وَتركهَا لَا فِي إنكارها وَكَيف وإنكار كل حكم من أَحْكَام الْإِسْلَام مُوجب للكفر فَلَا معنى للتخصيص بِهَذِهِ الْأَرْبَعَة قلت اسْتِدْرَاك الْكرْمَانِي لَا وَجه لَهُ فَافْهَم السَّادِس مَا قيل لم لم يذكر الْإِيمَان بالأنبياء وَالْمَلَائِكَة وَغير ذَلِك مِمَّا تضمنه سُؤال جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام أُجِيب بِأَن المُرَاد بِالشَّهَادَةِ تَصْدِيق الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا جَاءَ بِهِ فيستلزم جَمِيع مَا ذكر من المعتقدات السَّابِع مَا قيل لم لم يذكر فِيهِ الْجِهَاد أُجِيب بِأَنَّهُ لم يكن فرض وَقيل لِأَنَّهُ من فروض الكفايات وَتلك فَرَائض الْأَعْيَان قَالَ الدَّاودِيّ لما فتحت مَكَّة سقط فرض الْجِهَاد على من يعد من الْكفَّار وَهُوَ فرض على من يليهم وَكَانَ أَولا فرضا على الْأَعْيَان وَقيل هُوَ مَذْهَب ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا وَالثَّوْري وَابْن شبْرمَة إِلَّا أَن ينزل الْعَدو فيأمر الإِمَام بِالْجِهَادِ وَجَاء فِي البُخَارِيّ فِي هَذَا الحَدِيث فِي التَّفْسِير أَن رجلا قَالَ لِابْنِ عمر مَا حملك على أَن تحج عَاما وتعتمر عَاما وتترك الْجِهَاد وَفِي بَعْضهَا فِي أَوله أَن رجلا قَالَ لِابْنِ عمر أَلا نغزو قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ بني الْإِسْلَام على خمس الحَدِيث فَهَذَا يدل على أَن ابْن عمر كَانَ لَا يرى فرضيته إِمَّا مُطلقًا كَمَا نقل عَنهُ أَو فِي ذَلِك الْوَقْت وَجَاء هُنَا بني الْإِسْلَام على خمس شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَجَاء فِي بعض طرقه على أَن يوحد الله وَفِي أُخْرَى على أَن يعبد الله وَيكفر بِمَا دونه بدل الشَّهَادَة قَالَ بَعضهم جَاءَت الأولى على نقل اللَّفْظ وَمَا عَداهَا على الْمَعْنى وَقد اخْتلف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَهُوَ جَوَاز نقل الحَدِيث بِالْمَعْنَى من الْعَالم بمواقع الْأَلْفَاظ وتركيبها وَأما من لَا يعرف ذَلِك فَلَا خلاف فِي تَحْرِيمه عَلَيْهِ وَجَاء هَهُنَا وَالْحج وَصَوْم رَمَضَان بِتَقْدِيم الْحَج وَفِي طَرِيقين لمُسلم وَفِي بعض الطّرق بِتَقْدِيم رَمَضَان وَفِي بَعْضهَا فَقَالَ رجل الْحَج وَصِيَام رَمَضَان.

     وَقَالَ  ابْن عمر لَا صِيَام رَمَضَان وَالْحج هَكَذَا سمعته من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاخْتلف النَّاس فِي الْجمع بَين الرِّوَايَات فَقَالَ الْمَازرِيّ تحمل مشاحة ابْن عمر على أَنه كَانَ لَا يرى رِوَايَة الحَدِيث بِالْمَعْنَى وَإِن أَدَّاهُ بِلَفْظ يحْتَمل أَو كَانَ يرى الْوَاو توجب التَّرْتِيب فَتجب الْمُحَافظَة على اللَّفْظ لِأَنَّهُ قد تتَعَلَّق بِهِ أَحْكَام وَقيل أَن ابْن عمر رَوَاهُ على الْأَمريْنِ وَلكنه لما رد عَلَيْهِ الرجل قَالَ لَا ترد على مَا لَا علم لَك بِهِ كَمَا رَوَاهُ فِي أَحدهمَا وَقيل يحْتَمل أَنه كَانَ نَاسِيا لِلْأُخْرَى عِنْد الْإِنْكَار وَمِنْهُم من قَالَ الصَّوَاب تَقْدِيم الصَّوْم وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى وهم لإنكار ابْن عمر وزجره عِنْد ذكرهَا واستضعف هَذَا بِأَنَّهُ يجر إِلَى توهين الرِّوَايَة الصَّحِيحَة وطر وَاحْتِمَال الْفساد عِنْد فَتحه لأَنا لَو فتحنا هَذَا الْبابُُ لارتفع الوثوق بِكَثِير من الرِّوَايَات إِلَّا الْقَلِيل وَلِأَن الرِّوَايَتَيْنِ فِي الصَّحِيح وَلَا تنَافِي بَينهمَا كَمَا تقدم من جَوَاز رِوَايَة الْأَمريْنِ قَالَ القَاضِي وَقد يكون رد ابْن عمر الرجل إِلَى تَقْدِيم رَمَضَان لِأَن وجوب صَوْم رَمَضَان نزل فِي السّنة الثَّانِيَة من الْهِجْرَة وفريضة الْحَج فِي سنة سِتّ وَقيل تسع بِالْمُثَنَّاةِ فجَاء لفظ ابْن عمر على نسقها فِي التَّارِيخ وَالله أعلم.

     وَقَالَ  ابْن صَلَاح مُحَافظَة ابْن عمر على مَا سَمعه حجَّة لمن قَالَ بترتيب الْوَاو قلت لِلْجُمْهُورِ أَن يجيبوا عَن ذَلِك بِأَن تَقْدِيم الصَّوْم لتقدم زَمَنه كَمَا ذَكرْنَاهُ وَفِي قَوْله واستضعف هَذَا إِلَى آخِره نظر وَقد وَقع فِي رِوَايَة ابْني عوَانَة فِي مستخرجه على مُسلم عكس مَا وَقع فِي الصَّحِيح وَهُوَ أَن ابْن عمر قَالَ للرجل اجْعَل صِيَام رَمَضَان آخِرهنَّ كَمَا سَمِعت وَأجَاب عَنهُ ابْن صَلَاح بقوله لَا تقاوم هَذِه رِوَايَة مُسلم.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ بِأَن الْقَضِيَّة لِرجلَيْنِ فَإِن قلت مَا تَقول فِي الرِّوَايَة الَّتِي اقتصرت على إِحْدَى الشَّهَادَتَيْنِ قلت إِمَّا اكْتِفَاء بِذكر إِحْدَاهمَا عَن الْأُخْرَى لدلالتها عَلَيْهَا وَإِمَّا لتقصير من الرَّاوِي فَزَاد عَلَيْهِ غَيره فَقبلت زِيَادَته فَافْهَم وَالرجل الْمَرْدُود عَلَيْهِ تَقْدِيمه الْحَج اسْمه يزِيد بن بشر السكْسكِي ذكره الْخَطِيب فِي الْأَسْمَاء المبهمة لَهُ