هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
6131 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الرَّحْمَةَ يَوْمَ خَلَقَهَا مِائَةَ رَحْمَةٍ ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً ، وَأَرْسَلَ فِي خَلْقِهِ كُلِّهِمْ رَحْمَةً وَاحِدَةً ، فَلَوْ يَعْلَمُ الكَافِرُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الرَّحْمَةِ لَمْ يَيْئَسْ مِنَ الجَنَّةِ ، وَلَوْ يَعْلَمُ المُؤْمِنُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنَ العَذَابِ لَمْ يَأْمَنْ مِنَ النَّارِ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
6131 حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن ، عن عمرو بن أبي عمرو ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة ، فأمسك عنده تسعا وتسعين رحمة ، وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة ، فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة لم ييئس من الجنة ، ولو يعلم المؤمن بكل الذي عند الله من العذاب لم يأمن من النار
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Narrated Abu Huraira:

I heard Allah's Messenger (ﷺ) saying, Verily Allah created Mercy. The day He created it, He made it into one hundred parts. He withheld with Him ninety-nine parts, and sent its one part to all His creatures. Had the non-believer known of all the Mercy which is in the Hands of Allah, he would not lose hope of entering Paradise, and had the believer known of all the punishment which is present with Allah, he would not consider himself safe from the Hell-Fire.

":"ہم سے قتیبہ بن سعید نے بیان کیا ، انہوں نے کہا ہم سے یعقوب بن عبدالرحمٰن نے بیان کیا ، ان سے عمرو بن ابی عمرو نے بیان کیا ، ان سے سعید بن ابی مقبری نے اور ان سے حضرت ابوہریرہ رضی اللہ عنہ نے بیان کیا کہمیں نے رسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم سے سنا ، آپ نے فرمایا کہ اللہ تعالیٰ نے رحمت کو جس دن بنایا تو اس کے سوحصے کئے اور اپنے پاس ان میں سے نناوے رکھے ۔ اس کے بعد تمام مخلوق کے لئے صرف ایک حصہ رحمت کا بھیجا ۔ پس اگر کافر کو وہ تمام رحم معلوم ہو جائے جو اللہ کے پاس ہے تو وہ جنت سے ناامید نہ ہو اور اگر مومن کو وہ تمام عذاب معلوم ہو جائیں جو اللہ کے پاس ہیں تو دوزخ سے کبھی بےخوف نہ ہو ۔

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [6469] قَوْله حَدثنَا قُتَيْبَة هُوَ بن سَعِيدٍ وَثَبَتَ كَذَلِكَ لِغَيْرِ أَبِي ذَرٍّ وَعَمْرٌو هُوَ بن أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَلِّبِ وَهُوَ تَابِعِيٌّ صَغِيرٌ وَشَيْخُهُ تَابِعِيٌّ وَسَطٌ وَهُمَا مَدَنِيَّانِ .

     قَوْلُهُ  إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الرَّحْمَةَ يَوْمَ خَلَقَهَا مِائَةَ رَحْمَةٍ قَالَ بن الْجَوْزِيِّ رَحْمَةُ اللَّهِ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ وَلَيْسَ هِيَ بِمَعْنَى الرِّقَّةِ الَّتِي فِي صِفَاتِ الْآدَمِيِّينَ بَلْ ضَرَبَ ذَلِكَ مَثَلًا لِمَا يُعْقَلُ مِنْ ذِكْرِ الْأَجْزَاءِ وَرَحْمَةِ الْمَخْلُوقِينَ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.

.

قُلْتُ الْمُرَادُ بِالرَّحْمَةِ هُنَا مَا يَقَعُ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ كَمَا سَأُقَرِّرُهُ فَلَا حَاجَةَ لِلتَّأْوِيلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الْأَدَبِ جَوَابٌ آخَرُ مَعَ مَبَاحِثَ حَسَنَةٍ وَهُوَ فِي بَاب جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ.

     قَوْلُهُ  وَأَرْسَلَ فِي خَلْقِهِ كُلِّهِمْ كَذَا لَهُمْ وَكَذَا لِلْإِسْمَاعِيلِيِّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ وَلِأَبِي نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ السَّرَّاجِ كِلَاهُمَا عَنْ قُتَيْبَةَ وَذَكَرَ الْكِرْمَانِيُّ أَنَّ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ فِي خَلْقِهِ كُلِّهِ .

     قَوْلُهُ  فَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ كَذَا ثَبَتَ فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ بِالْفَاءِ إِشَارَةً إِلَى تَرْتِيبِ مَا بَعْدَهَا عَلَى مَا قَبْلَهَا وَمِنْ ثَمَّ قَدَّمَ ذِكْرَ الْكَافِرِ لِأَنَّ كَثْرَتَهَا وَسَعَتَهَا تَقْتَضِي أَنْ يَطْمَعَ فِيهَا كُلُّ أَحَدٍ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُؤْمِنَ اسْتِطْرَادًا وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَطَعَهُ حَدِيثَيْنِ أَخْرَجَهُمَا مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِهِ فَذَكَرَ حَدِيثَ الرَّحْمَةِ بِلَفْظِ خَلَقَ اللَّهُ مِائَةَ رَحْمَةٍ فَوَضَعَ وَاحِدَةً بَيْنَ خَلْقِهِ وَخَبَّأَ عِنْدَهُ مِائَةً إِلَّا وَاحِدَةً وَذَكَرَ الْحَدِيثَ الْآخَرَ بِلَفْظِ لَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ إِلَخْ وَالْحِكْمَةُ فِي التَّعْبِيرِ بِالْمُضَارِعِ دُونَ الْمَاضِي الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ لَهُ عِلْمُ ذَلِكَ وَلَا يَقَعُ لِأَنَّهُ إِذْ امْتَنَعَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَانَ مُمْتَنِعًا فِيمَا مَضَى .

     قَوْلُهُ  بِكُلِّ الَّذِي اسْتَشْكَلَ هَذَا التَّرْكِيبُ لِكَوْنِ كُلٍّ إِذَا أُضِيفَتْ إِلَى الْمَوْصُولِ كَانَتْ إِذْ ذَاكَ لِعُمُومِ الْأَجْزَاءِ لَا لِعُمُومِ الْأَفْرَادِ وَالْغَرَضُ مِنْ سِيَاقِ الْحَدِيثِ تَعْمِيمُ الْأَفْرَادِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ أَنَّ الرَّحْمَةَ قُسِّمَتْ مِائَةَ جُزْءٍ فَالتَّعْمِيمُ حِينَئِذٍ لِعُمُومِ الْأَجْزَاءِ فِي الْأَصْلِ أَوْ نَزَلَتِ الْأَجْزَاءُ مَنْزِلَةَ الْأَفْرَادِ مُبَالَغَةً .

     قَوْلُهُ  لَمْ يَيْأَسْ مِنَ الْجَنَّةِ قِيلَ الْمُرَادُ أَنَّ الْكَافِرَ لَوْ عَلِمَ سَعَةَ الرَّحْمَةِ لَغَطَّى عَلَى مَا يَعْلَمُهُ مِنْ عِظَمِ الْعَذَابِ فَيَحْصُلُ لَهُ الرَّجَاءُ أَوِ الْمُرَادُ أَنَّ مُتَعَلِّقَ عِلْمِهِ بِسَعَةِ الرَّحْمَةِ مَعَ عَدَمِ الْتِفَاتِهِ إِلَى مُقَابِلِهَا يُطْمِعُهُ فِي الرَّحْمَةِ وَمُطَابَقَةُ الْحَدِيثِ لِلتَّرْجَمَةِ أَنَّهُ اشْتَمَلَ عَلَى الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ الْمُقْتَضَيَيْنِ لِلرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ فَمَنْ عَلِمَ أَنَّ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الرَّحْمَةَ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَرْحَمَهُ وَالِانْتِقَامَ مِمَّنْ أَرَادَ أَنْ يَنْتَقِمَ مِنْهُ لَا يَأْمَنِ انْتِقَامَهُ مَنْ يَرْجُو رَحْمَتَهُ وَلَا يَيْأَسْ مِنْ رَحْمَتِهِ مَنْ يَخَافُ انْتِقَامَهُ وَذَلِكَ بَاعِثٌ عَلَى مُجَانَبَةِ السَّيِّئَةِ وَلَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً وَمُلَازَمَةُ الطَّاعَةِ وَلَوْ كَانَتْ قَلِيلَةً قِيلَ فِي الْجُمْلَةِ الْأُولَى نَوْعُ إِشْكَالٍ فَإِنَّ الْجَنَّةَ لَمْ تُخْلَقْ لِلْكَافِرِ وَلَا طَمَعَ لَهُ فِيهَا فَغَيْرُ مُسْتَبْعَدٍ أَنْ يَطْمَعَ فِي الْجَنَّةِ مَنْ لَا يَعْتَقِدُ كُفْرَ نَفْسِهِ فَيُشْكِلُ تَرَتُّبُ الْجَوَابِ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ سِيقَتْ لِتَرْغِيبِ الْمُؤْمِنِ فِي سَعَةِ رَحْمَةِ اللَّهِ الَّتِي لَوْ عَلِمَهَا الْكَافِرُ الَّذِي كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُخْتَمُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا حَظَّ لَهُ فِي الرَّحْمَةِ لَتَطَاوَلَ إِلَيْهَا وَلَمْ يَيْأَسْ مِنْهَا إِمَّا بِإِيمَانِهِ الْمَشْرُوطِ وَإِمَّا لِقَطْعِ نَظَرِهِ عَنِ الشَّرْطِ مَعَ تَيَقُّنِهِ بِأَنَّهُ عَلَى الْبَاطِلِ وَاسْتِمْرَارِهِ عَلَيْهِ عِنَادًا وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ حَالَ الْكَافِرِ فَكَيْفَ لَا يَطْمَعُ فِيهَا الْمُؤْمِنُ الَّذِي هَدَاهُ اللَّهُ لِلْإِيمَانِ وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ إِبْلِيسَ يَتَطَاوَلُ لِلشَّفَاعَةِ لِمَا يَرَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَعَةِ الرَّحْمَةِ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَمِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ وَسَنَدُ كُلٍّ مِنْهُمَا ضَعِيفٌ وَقَدْ تَكَلَّمَ الْكِرْمَانِيُّ هُنَا عَلَى لَوْ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهَا هُنَا لِانْتِفَاءِ الثَّانِي وَهُوَ الرَّجَاءُ لِانْتِفَاءِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْعِلْمُ فَأَشْبَهَتْ لَوْ جِئْتَنِي أَكْرَمْتُكَ وَلَيْسَتْ لِانْتِفَاءِ الْأَوَّلِ لانْتِفَاء الثَّانِي كَمَا بَحثه بن الْحَاجِبِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَة الا الله لفسدتا وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ قَالَ وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُكَلَّفَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ حَتَّى لَا يَكُونَ مُفْرِطًا فِي الرَّجَاءِ بِحَيْثُ يَصِيرُ مِنَ الْمُرْجِئَةِ الْقَائِلِينَ لَا يَضُرُّ مَعَ الْإِيمَانِ شَيْءٌ وَلَا فِي الْخَوْفِ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ مِنَ الْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ الْقَائِلِينَ بِتَخْلِيدِ صَاحِبِ الْكَبِيرَةِ إِذَا مَاتَ عَنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ فِي النَّارِ بَلْ يَكُونُ وَسَطًا بَيْنَهُمَا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابه وَمَنْ تَتَبَّعَ دِينَ الْإِسْلَامِ وَجَدَ قَوَاعِدَهُ أُصُولًا وَفُرُوعًا كُلَّهَا فِي جَانِبِ الْوَسَطِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ( قَولُهُ بَابُ الصَّبْرِ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ) يَدْخُلُ فِي هَذَا الْمُوَاظَبَةُ عَلَى فِعْلِ الْوَاجِبَاتِ وَالْكَفُّ عَنِ الْمُحَرَّمَاتِ وَذَلِكَ يَنْشَأُ عَنْ عِلْمِ الْعَبْدِ بِقُبْحِهَا وَأَنَّ اللَّهَ حَرَّمَهَا صِيَانَةً لِعَبْدِهِ عَنِ الرَّذَائِلِ فَيَحْمِلُ ذَلِكَ الْعَاقِلَ عَلَى تَرْكِهَا وَلَوْ لَمْ يَرِدْ عَلَى فِعْلِهَا وَعِيدٌ وَمِنْهَا الْحَيَاءُ مِنْهُ وَالْخَوْفُ مِنْهُ أَنْ يُوقِعَ وَعِيدَهُ فَيَتْرُكُهَا لِسُوءِ عَاقِبَتِهَا وَأَنَّ الْعَبْدَ مِنْهُ بِمَرْأًى وَمَسْمَعٍ فَيَبْعَثُهُ ذَلِكَ عَلَى الْكَفِّ عَمَّا نُهِيَ عَنْهُ وَمِنْهَا مُرَاعَاةُ النِّعَمِ فَإِنَّ الْمَعْصِيَةَ غَالِبًا تَكُونُ سَبَبًا لِزَوَالِ النِّعْمَةِ وَمِنْهَا مَحَبَّةُ اللَّهِ فَإِنَّ الْمُحِبَّ يُصَيِّرُ نَفْسَهُ عَلَى مُرَادِ مَنْ يُحِبُّ وَأَحْسَنُ مَا وُصِفَ بِهِ الصَّبْرُ أَنَّهُ حَبْسُ النَّفْسِ عَنِ الْمَكْرُوهِ وَعَقْدُ اللِّسَانِ عَنِ الشَّكْوَى وَالْمُكَابَدَةُ فِي تَحَمُّلِهِ وَانْتِظَارُ الْفَرَجِ وَقَدْ أَثْنَى اللَّهُ عَلَى الصَّابِرِينَ فِي عِدَّةِ آيَاتٍ وَتَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْإِيمَانِ حَدِيثُ الصَّبْرُ نِصْفُ الْإِيمَانِ مُعَلَّقًا قَالَ الرَّاغِبُ الصَّبْرُ الْإِمْسَاكُ فِي ضِيقٍ صَبَرْتُ الشَّيْءَ حَبَسْتُهُ فَالصَّبْرُ حَبْسُ النَّفْسِ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْلُ أَوِ الشَّرْعُ وَتَخْتَلِفُ مَعَانِيهِ بِتَعَلُّقَاتِهِ فَإِنْ كَانَ عَنْ مُصِيبَةٍ سُمِّيَ صَبْرًا فَقَطْ وَإِنْ كَانَ فِي لِقَاءِ عَدُوٍّ سُمِّيَ شَجَاعَةً وَإِنْ كَانَ عَنْ كَلَامٍ سُمِّيَ كِتْمَانًا وَإِنْ كَانَ عَنْ تَعَاطِي مَا نُهِيَ عَنْهُ سُمِّيَ عِفَّةً.

.

قُلْتُ وَهُوَ الْمَقْصُودُ هُنَا .

     قَوْلُهُ  إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَلِأَبِي ذَرٍّ وَقَولُهُ تَعَالَى وَفِي نُسْخَةٍ عَزَّ وَجَلَّ وَمُنَاسَبَةُ هَذِهِ الْآيَةِ لِلتَّرْجَمَةِ انها صدرت بقوله تَعَالَى قل يَا عبَادي الَّذين آمنُوا اتَّقوا ربكُم وَمَنِ اتَّقَى رَبَّهُ كَفَّ عَنِ الْمُحَرَّمَاتِ وَفَعَلَ الْوَاجِبَاتِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ بِغَيْرِ حِسَابٍ الْمُبَالَغَةُ فِي التَّكْثِيرِ .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  عُمَرُ وَجَدْنَا خَيْرَ عَيْشِنَا بِالصَّبْرِ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ بِحَذْفِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ بِالنَّصْبِ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ وَالْأَصْلُ فِي الصَّبْرِ وَالْبَاءُ بِمَعْنَى فِي وَقَدْ وَصَلَهُ أَحْمَدُ فِي كِتَابِ الزُّهْدِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ قَالَ عُمَرُ وَجَدْنَا خَيْرَ عَيْشِنَا الصَّبْرَ وَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ كَذَلِكَ وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ فِي كِتَابِ الزُّهْدِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مُجَاهِدٍ بِهِ وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ مِنْ رِوَايَةِ مُجَاهِدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ عُمَرَ وَالصَّبْرُ إِنْ عُدِّيَ بِعَنْ كَانَ فِي الْمَعَاصِي وَإِنْ عُدِّيَ بِعَلَى كَانَ فِي الطَّاعَاتِ وَهُوَ فِي الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ وَفِي أَثَرِ عُمَرَ شَامِلٌ لِلْأَمْرَيْنِ وَالتَّرْجَمَةُ لِبَعْضِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ وَذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَيْنِ أَحَدُهُمَا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( قَولُهُ بَابُ الرَّجَاءِ مَعَ الْخَوْفِ)
أَيِ اسْتِحْبَابُ ذَلِكَ فَلَا يَقْطَعُ النَّظَرَ فِي الرَّجَاءِ عَنِ الْخَوْفِ وَلَا فِي الْخَوْفِ عَنِ الرَّجَاءِ لِئَلَّا يُفْضِيَ فِي الْأَوَّلِ إِلَى الْمَكْرِ وَفِي الثَّانِي إِلَى الْقُنُوطِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مَذْمُومٌ وَالْمَقْصُودُ مِنَ الرَّجَاءِ أَنَّ مَنْ وَقَعَ مِنْهُ تَقْصِيرٌ فَلْيُحْسِنْ ظَنَّهُ بِاللَّهِ وَيَرْجُو أَنْ يَمْحُوَ عَنْهُ ذَنْبَهُ وَكَذَا مَنْ وَقَعَ مِنْهُ طَاعَةٌ يَرْجُو قَبُولَهَا.

.
وَأَمَّا مَنِ انْهَمَكَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ رَاجِيًا عَدَمَ الْمُؤَاخَذَةِ بِغَيْرِ نَدَمٍ وَلَا إِقْلَاعٍ فَهَذَا فِي غُرُورٍ وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ أَبِي عُثْمَانَ الْجِيزِيِّ مِنْ عَلَامَةِ السَّعَادَةِ أَنْ تُطِيعَ وَتَخَافَ أَنْ لَا تُقْبَلَ وَمِنْ عَلَامَةِ الشَّقَاءِ أَنْ تَعْصِيَ وترجو أَن تنجو وَقد أخرج بن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ.

.

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ الَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَهُوَ الَّذِي يَسْرِقُ وَيَزْنِي قَالَ لَا وَلَكِنَّهُ الَّذِي يَصُومُ وَيَتَصَدَّقُ وَيُصَلِّي وَيَخَافُ أَنْ لَا يَقْبَلَهُ مِنْهُ وَهَذَا كُلُّهُ مُتَّفَقٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ فِي حَالَةِ الصِّحَّةِ وَقِيلَ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ الْخَوْفُ فِي الصِّحَّةِ أَكْثَرَ وَفِي الْمَرَضِ عَكْسَهُ.

.
وَأَمَّا عِنْدَ الْإِشْرَافِ عَلَى الْمَوْتِ فَاسْتَحَبَّ قَوْمٌ الِاقْتِصَارَ عَلَى الرَّجَاءِ لِمَا يَتَضَمَّنُ مِنَ الِافْتِقَارِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَلِأَنَّ الْمَحْذُورَ مِنْ تَرْكِ الْخَوْفِ قَدْ تَعَذَّرَ فَيَتَعَيَّنُ حُسْنُ الظَّنِّ بِاللَّهِ بِرَجَاءِ عَفْوِهِ وَمَغْفِرَتِهِ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ.

     وَقَالَ  آخَرُونَ لَا يُهْمِلُ جَانِبَ الْخَوْفِ أَصْلًا بِحَيْثُ يَجْزِمُ بِأَنَّهُ آمِنٌ وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَ التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى شَابٍّ وَهُوَ فِي الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُ كَيْفَ تَجِدُكَ فَقَالَ أَرْجُو اللَّهَ وَأَخَافُ ذُنُوبِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ مَا يَرْجُو وَآمَنَهُ مِمَّا يَخَافُ وَلَعَلَّ الْبُخَارِيَّ أَشَارَ إِلَيْهِ فِي التَّرْجَمَةِ وَلَمَّا لَمْ يُوَافِقْ شَرْطَهُ أَوْرَدَ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسَاوِيًا لَهُ فِي التَّصْرِيحِ بِالْمَقْصُودِ .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  سُفْيَان هُوَ بن عُيَيْنَةَ مَا فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ أَشَدُّ عَلَيَّ مِنْ قَوْله تَعَالَى قل يَا أهل الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أنزل اليكم من ربكُم وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْأَثَرِ وَبَيَانِهِ وَالْبَحْثِ فِيهِ فِي تَفْسِيرِ الْمَائِدَةِ وَمُنَاسَبَتُهُ لِلتَّرْجَمَةِ من جِهَة أَن الْآيَة تدل أَنَّ مَنْ لَمْ يَعْمَلْ بِمَا تَضَمَّنَهُ الْكِتَابُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ لَمْ تَحْصُلْ لَهُ النَّجَاةُ لَكِنْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنَ الْإِصْرِ الَّذِي كَانَ كُتِبَ عَلَى مَنْ قَبْلَ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَيَحْصُلُ الرَّجَاءُ بِهَذِهِ الطَّرِيقِ مَعَ الْخَوْفِ

[ قــ :6131 ... غــ :6469] قَوْله حَدثنَا قُتَيْبَة هُوَ بن سَعِيدٍ وَثَبَتَ كَذَلِكَ لِغَيْرِ أَبِي ذَرٍّ وَعَمْرٌو هُوَ بن أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَلِّبِ وَهُوَ تَابِعِيٌّ صَغِيرٌ وَشَيْخُهُ تَابِعِيٌّ وَسَطٌ وَهُمَا مَدَنِيَّانِ .

     قَوْلُهُ  إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الرَّحْمَةَ يَوْمَ خَلَقَهَا مِائَةَ رَحْمَةٍ قَالَ بن الْجَوْزِيِّ رَحْمَةُ اللَّهِ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ وَلَيْسَ هِيَ بِمَعْنَى الرِّقَّةِ الَّتِي فِي صِفَاتِ الْآدَمِيِّينَ بَلْ ضَرَبَ ذَلِكَ مَثَلًا لِمَا يُعْقَلُ مِنْ ذِكْرِ الْأَجْزَاءِ وَرَحْمَةِ الْمَخْلُوقِينَ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.

.

قُلْتُ الْمُرَادُ بِالرَّحْمَةِ هُنَا مَا يَقَعُ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ كَمَا سَأُقَرِّرُهُ فَلَا حَاجَةَ لِلتَّأْوِيلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الْأَدَبِ جَوَابٌ آخَرُ مَعَ مَبَاحِثَ حَسَنَةٍ وَهُوَ فِي بَاب جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ .

     قَوْلُهُ  وَأَرْسَلَ فِي خَلْقِهِ كُلِّهِمْ كَذَا لَهُمْ وَكَذَا لِلْإِسْمَاعِيلِيِّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ وَلِأَبِي نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ السَّرَّاجِ كِلَاهُمَا عَنْ قُتَيْبَةَ وَذَكَرَ الْكِرْمَانِيُّ أَنَّ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ فِي خَلْقِهِ كُلِّهِ .

     قَوْلُهُ  فَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ كَذَا ثَبَتَ فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ بِالْفَاءِ إِشَارَةً إِلَى تَرْتِيبِ مَا بَعْدَهَا عَلَى مَا قَبْلَهَا وَمِنْ ثَمَّ قَدَّمَ ذِكْرَ الْكَافِرِ لِأَنَّ كَثْرَتَهَا وَسَعَتَهَا تَقْتَضِي أَنْ يَطْمَعَ فِيهَا كُلُّ أَحَدٍ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُؤْمِنَ اسْتِطْرَادًا وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَطَعَهُ حَدِيثَيْنِ أَخْرَجَهُمَا مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِهِ فَذَكَرَ حَدِيثَ الرَّحْمَةِ بِلَفْظِ خَلَقَ اللَّهُ مِائَةَ رَحْمَةٍ فَوَضَعَ وَاحِدَةً بَيْنَ خَلْقِهِ وَخَبَّأَ عِنْدَهُ مِائَةً إِلَّا وَاحِدَةً وَذَكَرَ الْحَدِيثَ الْآخَرَ بِلَفْظِ لَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ إِلَخْ وَالْحِكْمَةُ فِي التَّعْبِيرِ بِالْمُضَارِعِ دُونَ الْمَاضِي الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ لَهُ عِلْمُ ذَلِكَ وَلَا يَقَعُ لِأَنَّهُ إِذْ امْتَنَعَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَانَ مُمْتَنِعًا فِيمَا مَضَى .

     قَوْلُهُ  بِكُلِّ الَّذِي اسْتَشْكَلَ هَذَا التَّرْكِيبُ لِكَوْنِ كُلٍّ إِذَا أُضِيفَتْ إِلَى الْمَوْصُولِ كَانَتْ إِذْ ذَاكَ لِعُمُومِ الْأَجْزَاءِ لَا لِعُمُومِ الْأَفْرَادِ وَالْغَرَضُ مِنْ سِيَاقِ الْحَدِيثِ تَعْمِيمُ الْأَفْرَادِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ أَنَّ الرَّحْمَةَ قُسِّمَتْ مِائَةَ جُزْءٍ فَالتَّعْمِيمُ حِينَئِذٍ لِعُمُومِ الْأَجْزَاءِ فِي الْأَصْلِ أَوْ نَزَلَتِ الْأَجْزَاءُ مَنْزِلَةَ الْأَفْرَادِ مُبَالَغَةً .

     قَوْلُهُ  لَمْ يَيْأَسْ مِنَ الْجَنَّةِ قِيلَ الْمُرَادُ أَنَّ الْكَافِرَ لَوْ عَلِمَ سَعَةَ الرَّحْمَةِ لَغَطَّى عَلَى مَا يَعْلَمُهُ مِنْ عِظَمِ الْعَذَابِ فَيَحْصُلُ لَهُ الرَّجَاءُ أَوِ الْمُرَادُ أَنَّ مُتَعَلِّقَ عِلْمِهِ بِسَعَةِ الرَّحْمَةِ مَعَ عَدَمِ الْتِفَاتِهِ إِلَى مُقَابِلِهَا يُطْمِعُهُ فِي الرَّحْمَةِ وَمُطَابَقَةُ الْحَدِيثِ لِلتَّرْجَمَةِ أَنَّهُ اشْتَمَلَ عَلَى الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ الْمُقْتَضَيَيْنِ لِلرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ فَمَنْ عَلِمَ أَنَّ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الرَّحْمَةَ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَرْحَمَهُ وَالِانْتِقَامَ مِمَّنْ أَرَادَ أَنْ يَنْتَقِمَ مِنْهُ لَا يَأْمَنِ انْتِقَامَهُ مَنْ يَرْجُو رَحْمَتَهُ وَلَا يَيْأَسْ مِنْ رَحْمَتِهِ مَنْ يَخَافُ انْتِقَامَهُ وَذَلِكَ بَاعِثٌ عَلَى مُجَانَبَةِ السَّيِّئَةِ وَلَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً وَمُلَازَمَةُ الطَّاعَةِ وَلَوْ كَانَتْ قَلِيلَةً قِيلَ فِي الْجُمْلَةِ الْأُولَى نَوْعُ إِشْكَالٍ فَإِنَّ الْجَنَّةَ لَمْ تُخْلَقْ لِلْكَافِرِ وَلَا طَمَعَ لَهُ فِيهَا فَغَيْرُ مُسْتَبْعَدٍ أَنْ يَطْمَعَ فِي الْجَنَّةِ مَنْ لَا يَعْتَقِدُ كُفْرَ نَفْسِهِ فَيُشْكِلُ تَرَتُّبُ الْجَوَابِ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ سِيقَتْ لِتَرْغِيبِ الْمُؤْمِنِ فِي سَعَةِ رَحْمَةِ اللَّهِ الَّتِي لَوْ عَلِمَهَا الْكَافِرُ الَّذِي كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُخْتَمُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا حَظَّ لَهُ فِي الرَّحْمَةِ لَتَطَاوَلَ إِلَيْهَا وَلَمْ يَيْأَسْ مِنْهَا إِمَّا بِإِيمَانِهِ الْمَشْرُوطِ وَإِمَّا لِقَطْعِ نَظَرِهِ عَنِ الشَّرْطِ مَعَ تَيَقُّنِهِ بِأَنَّهُ عَلَى الْبَاطِلِ وَاسْتِمْرَارِهِ عَلَيْهِ عِنَادًا وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ حَالَ الْكَافِرِ فَكَيْفَ لَا يَطْمَعُ فِيهَا الْمُؤْمِنُ الَّذِي هَدَاهُ اللَّهُ لِلْإِيمَانِ وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ إِبْلِيسَ يَتَطَاوَلُ لِلشَّفَاعَةِ لِمَا يَرَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَعَةِ الرَّحْمَةِ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَمِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ وَسَنَدُ كُلٍّ مِنْهُمَا ضَعِيفٌ وَقَدْ تَكَلَّمَ الْكِرْمَانِيُّ هُنَا عَلَى لَوْ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهَا هُنَا لِانْتِفَاءِ الثَّانِي وَهُوَ الرَّجَاءُ لِانْتِفَاءِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْعِلْمُ فَأَشْبَهَتْ لَوْ جِئْتَنِي أَكْرَمْتُكَ وَلَيْسَتْ لِانْتِفَاءِ الْأَوَّلِ لانْتِفَاء الثَّانِي كَمَا بَحثه بن الْحَاجِبِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَة الا الله لفسدتا وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ قَالَ وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُكَلَّفَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ حَتَّى لَا يَكُونَ مُفْرِطًا فِي الرَّجَاءِ بِحَيْثُ يَصِيرُ مِنَ الْمُرْجِئَةِ الْقَائِلِينَ لَا يَضُرُّ مَعَ الْإِيمَانِ شَيْءٌ وَلَا فِي الْخَوْفِ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ مِنَ الْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ الْقَائِلِينَ بِتَخْلِيدِ صَاحِبِ الْكَبِيرَةِ إِذَا مَاتَ عَنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ فِي النَّارِ بَلْ يَكُونُ وَسَطًا بَيْنَهُمَا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابه وَمَنْ تَتَبَّعَ دِينَ الْإِسْلَامِ وَجَدَ قَوَاعِدَهُ أُصُولًا وَفُرُوعًا كُلَّهَا فِي جَانِبِ الْوَسَطِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب الرَّجَاءِ مَعَ الْخَوْفِ
وَقَالَ سُفْيَانُ: مَا فِى الْقُرْآنِ آيَةٌ أَشَدُّ عَلَىَّ مِنْ { لَسْتُمْ عَلَى شَىْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} [المائدة: 68] .

( باب) استحباب ( الرجاء مع الخوف) فلا يقتصر على أحدهما دون الآخر فربما يفضي الرجاء إلى المكر والخوف إلى القنوط وكل منهما مذموم، وقد روينا عن أبي علي الروذباري أنه قال: الخوف والرجاء كجناحي الطائر إذا استويا استوى الطير وتم طيرانه وإذا نقص أحدهما وقع فيه النقص، وإذا ذهبا صار الطائر في حد الموت اهـ فمتى استقام العبد في أحواله استقام في سلوكه في طاعاته باعتدال رجائه وخوفه ومتى قصر في طاعاته ضعف رجاؤه ودنا منه الاختلال ومتى قل خوفه وحذره من مفسدات الأعمال تعرض للهلاك ومتى عدم الرجاء والخوف تمكن منه عدوّه وهواه وبعد عن حزب من حفظه ربه وتولاه وبذلك علم وجه الشبه بينهما وبين جناحي الطائر.

وقال بعضهم: المؤمن يتردد بين الخوف والرجاء لخفاء السابقة وذلك لأنه تارة ينظر إلى عيوب نفسه فيخاف وتارة ينظر إلى كرم الله فيرجو وقيل يجب أن يزيد خوف العالم على رجائه لأن خوفه يزجره عن المناهي ويحمله على الأوامر، ويجب أن يعتدل خوف العارف ورجاؤه لأن عينه ممتدة إلى السابقة ورجاء المحب يجب أن يزيد على خوفه لأنه على بساط الجمال والرجاء بالمد وهو تعليق القلب بمحبوب من جلب نفع أو دفع ضرر سيحصل في المستقبل وذلك بأن يغلب على القلب الظن بحصوله في المستقبل، والفرق بينه وبين التمني وهو طلب ما لا مطمع في وقوعه كليت الشباب يعود أن التمني يصاحبه الكسل ولا يسلك صاحبه طريق الجهد والجد في الطاعات وبعكسه صاحب الرجاء فإنه يسلك طريق ذلك فالتمني معلول والرجاء محمود، ومن علامته حسن الطاعة.
قال حجة الإسلام: الراجي من بث بذر الإيمان وسقاه بماء الطاعات ونقى القلب من شوك المهلكات وانتظر من فضل الله أن ينجيه من الآفات فأما المنهمك في الشهوات منتظر للمغفرة فاسم المغرور به أليق وعليه أصدق، وأما الخوف فهو فزع القلب من مكروه يناله أو محبوب يفوته وسببه تفكّر العبد في المخلوقات كتفكّره في تقصيره وإهماله وقلة مراقبته لما يرد عليه وكتفكّره فيما ذكره الله عز وجل في كتابه من إهلاك من خالفه وما أعده له في الآخرة.
وقال القشيري: الخوف
معنى متعلقه في المستقبل لأن العبد إنما يخاف أن يحل به مكروه أو يفوته محبوب ولا يكون هذا إلا لشيء يحصل في المستقبل.

( وقال سفيان) بن عيينة: ( ما في القرآن آية أشد عليّ من) قوله تعالى: ( { لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم} ) [المائدة: 69] يعني القرآن وذلك لما فيها من التكليف من العمل بأحكامها.

ووجه المناسبة للترجمة أن الآية تدل على أن من لم يعمل بما تضمنه الكتاب الذي أنزل عليه لم تحصل له النجاة ولا ينفعه رجاؤه من غير عمل ما أمر به.


[ قــ :6131 ... غــ : 6469 ]
- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِى عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ الْمَقْبُرِىِّ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الرَّحْمَةَ يَوْمَ خَلَقَهَا مِائَةَ رَحْمَةٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً، وَأَرْسَلَ فِى خَلْقِهِ كُلِّهِمْ رَحْمَةً وَاحِدَةً فَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ بِكُلِّ الَّذِى عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الرَّحْمَةِ لَمْ يَيْأَسْ مِنَ الْجَنَّةِ، وَلَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ بِكُلِّ الَّذِى عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْعَذَابِ لَمْ يَأْمَنْ مِنَ النَّارِ».

وبه قال: ( حدّثنا قتيبة بن سعيد) سقط ابن سعيد لأبي ذر قال: ( حدّثنا يعقوب بن عبد الرَّحمن) الفارسي المدني نزيل الاسكندرية ( عن عمرو بن أبي عمرو) بفتح العين فيهما مولى المطلب التابعي الصغير ( عن سعيد بن أبي سعيد) بكسر العين فيهما ( المقبري عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه ( قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) :
( إن الله) عز وجل ( خلق الرحمة) التي يرحم بها عباده ( يوم خلقها مائة رحمة) أي مائة نوع أو مائة جزء ( فأمسك عنده) تعالى ( تسعًا وتسعين رحمة وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة) والرحمة في الأصل بمعنى الرقة الطبيعية والميل الجبلي، وهذا من صفات الآدميين فهو من الباري تعالى مؤوّل، وللمتكلمين في تأويل ما لا تسوغ نسبته إلى الله تعالى على حقيقته اللغوية وجهان: الحمل على الإرادة فيكون من صفات الذات والآخر الحمل على فعل الإكرام فيكون من صفات الأفعال كالرحمة فمنهم من يحملها على إرادة الخير ومنهم من يحملها على فعل الخير، ثم بعد ذلك يتعين أحد التأويلين في بعض السياقات لمانع يمنع من الآخر فهاهنا يتعين تأويل الرحمة بفعل الخير لتكون صفة فعل فتكون حادثة عند الأشعري فيتسلط الخلق عليها، ولا يصح هنا تأويلها بالإرادة لأنها إذ ذاك من صفات الذات فتكون قديمة فيمتنع تعلق الخلق بها ويتعين تأويلها بالإرادة في قوله تعالى: { لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم} [هود: 43] لأنك لو حملتها على الفعل لكانت العصمة بعينها فيكون استثناء الشيء من نفسه وكأنك قلت لا عاصم إلا العاصم فتكون الرحمة الإرادة والعصمة على بابها بمعنى المنع من المكروهات كأنه قال: لا يمنع من المحذور إلا من أراد السلامة.

( فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة) الواسعة ( لم ييأس) أي يقنط ( من الجنة) بل يحصل له الرجاء فيها لأنه يغطي عليه ما يعلمه من العذاب العظيم، وعبر بالمضارع في قوله يعلم
دون الماضي إشارة إلى أنه لم يقع له علم ذلك ولا يقع لأنه إذا امتنع في المستقبل كان ممتنعًا فيما مضى وقال الكرماني: لو هنا لانتفاء الثاني، وقال: فلو بالفاء إشارة إلى ترتيب ما بعدها على ما قبلها.
واستشكل التركيب في قوله بكل الذي لأن كل إذا أضيفت إلى الموصول كانت إذ ذاك لعموم الأجزاء لا لعموم الأفراد والمراد من سياق الحديث تعميم الأفراد، وأجيب: بأنه وقع في بعض طرقه أن الرحمة قسمت مائة جزء فالتعميم حينئذٍ لعموم الأجزاء في الأصل أو نزلت الأجزاء منزلة الأفراد مبالغة ( ولو يعلم المؤمن بكل الذي عند الله) عز وجل ( من العذاب لم يأمن من النار) .

ومطابقة الحديث للترجمة من جهة أنه اشتمل على الوعد والوعيد المقتضيين للرجاء والخوف.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( بابُُ الرَّجاءِ مَعَ الخَوْفِ)

أَي هَذَا بابُُ فِي بَيَان اسْتِحْبابُُ الرَّجَاء مَعَ الْخَوْف، فَلَا يقطع النّظر فِي الرَّجَاء عَن الْخَوْف وَلَا فِي الْخَوْف عَن الرَّجَاء لِئَلَّا يقْضِي فِي الأول، إِلَى الْكبر.
وَفِي الثَّانِي إِلَى الْقنُوط، وكل مِنْهُمَا مَذْمُوم، وَالْمَقْصُود من الرَّجَاء أَن من وَقع مِنْهُ تَقْصِير فليحسن ظَنّه بِاللَّه ويرجو أَن يمحو عَنهُ ذَنبه، وَكَذَا من وَقع مِنْهُ طَاعَة يَرْجُو قبُولهَا، وَأما من انهمك فِي الْمعْصِيَة راجياً عدم الْمُؤَاخَذَة بِغَيْر نَدم وَلَا إقلاع فَهَذَا غرور فِي غرور، وَقد أخرج ابْن مَاجَه من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن سعيد بن وهب عَن أَبِيه عَن عَائِشَة قلت: يَا رَسُول الله! الَّذين يُؤْتونَ وَقُلُوبهمْ وَجلة، أهوَ الَّذِي يسرق ويزني؟ قَالَ: لَا، وَلَكِن الَّذِي يَصُوم وَيتَصَدَّق وَيُصلي وَيخَاف أَن لَا يقبل مِنْهُ.

وَقَالَ سُفْيانُ: مَا فِي القُرْآنِ آيَةٌ أشَدُّ عَلَيَّ مِنْ { لَسْتُم على شَيْء حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاة والانجيل وَمَا أنزل إِلَيْكُم من ربكُم} ( الْمَائِدَة: 86) .

سُفْيَان هَذَا هُوَ ابْن عُيَيْنَة وَأول الْآيَة: { قل يَا أهل الْكتاب لَسْتُم على شَيْء} وَإِنَّمَا كَانَ أَشد لِأَنَّهُ يسْتَلْزم الْعلم بِمَا فِي الْكتب الإلهية وَالْعَمَل بهَا، وَقد مر فِي تَفْسِير سُورَة الْمَائِدَة، وَقيل: الأخوف هُوَ قَوْله تَعَالَى: { وَاتَّقوا النَّار الَّتِي أعدت للْكَافِرِينَ} ( آل عمرَان: 131) وَقيل: هُوَ { لبئس مَا كَانُوا يصنعون} ( الْمَائِدَة: 36) وَقيل: أخوف آيَة { من يعْمل سوءا يجْزِيه} ( النِّسَاء: 321) فَإِن قلت: مَا وَجه مُنَاسبَة الْآيَة بالترجمة؟ .

قلت: من حَيْثُ إِن الْآيَة تدل على أَن من لم يعْمل بِمَا تضمنه الْكتاب الَّذِي أنزل عَلَيْهِ لم يحصل لَهُ النجَاة، وَلَا يَنْفَعهُ رجاؤه من غير عمل مَا أَمر بِهِ.



[ قــ :6131 ... غــ :6469 ]
- حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حدّثنا يَعْقُوبُ بنُ عَبدَ الرَّحْمانِ عنْ عَمْرِو بن أبي عَمْرٍ وعنْ سَعِيدِ بنِ أبي سَعِيدٍ المقْبُرِيِّ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ: ( إنَّ الله خَلَقَ الرَّحْمَةَ يَوْمَ خَلَقَها مِائَةَ رَحْمَةٍ فأمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعاً وتِسْعِينَ رَحْمَةً وأرْسَلَ فِي خَلْقِهِ كُلِّهِمْ رَحْمَةً واحِدَةً، فَلَوْ يَعْلَمُ الكافِرُ بِكُلِّ الّذِي عِنْدَ الله مِنَ الرَّحْمَةِ لَمْ يَيْأسْ مِنَ الجَنَّةِ، ولَوْ يَعْلَمُ المُؤْمِنُ بِكُلِّ الَّذِي عِنَدَ الله مِنَ العَذَابِ لَمْ يَأْمَنْ مِنَ النَّارِ) .
( انْظُر الحَدِيث 0006) .


مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( فَلَو يعلم الْكَافِر)
إِلَى آخر الحَدِيث، وَذَلِكَ أَن الْمُكَلف لَو تحقق مَا عِنْد الله من الرَّحْمَة لما قطع رَجَاءَهُ أصلا، وَلَو تحقق مَا عِنْده من الْعَذَاب لما ترك الْخَوْف أصلا، فَيَنْبَغِي أَن يكون بَين الْخَوْف والرجاء فَلَا يكون مفرطاً فِي الرَّجَاء بِحَيْثُ يصير من المرجئة الْقَائِلين بِأَنَّهُ لَا يضر مَعَ الْإِيمَان شَيْء وَلَا فِي الْخَوْف بِحَيْثُ يكون من الْخَوَارِج والمعتزلة الْقَائِلين بتخليد صَاحب الْكَبِيرَة إِذا مَاتَ من غير تَوْبَة فِي النَّار، بل يكون وسطا بَينهمَا، كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: { يرجون رَحمته وَيَخَافُونَ عَذَابه} ( الْإِسْرَاء: 75) قَوْله: ( قُتَيْبَة بن سعيد) فِي رِوَايَة أبي ذَر لم يذكر ابْن سعيد.
قَوْله: ( وَعَمْرو بن أبي عَمْرو) وبالواو فيهمَا مولى الْمطلب وَهُوَ تَابِعِيّ صَغِير وَشَيْخه تَابِعِيّ وسط وَكِلَاهُمَا مدنيان.

والْحَدِيث من أَفْرَاده وَقد مر فِي الْأَدَب فِي: بابُُ جعل الله الرَّحْمَة مائَة جُزْء، من طَرِيق سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة وَلَفظه: جعل الله الرَّحْمَة مائَة جُزْء.

قَوْله: ( إِن الله خلق الرَّحْمَة) أَي: الرَّحْمَة الَّتِي جعلهَا فِي عباده، وَهِي مخلوقة، وَأما الرَّحْمَة الَّتِي هِيَ صفة من صِفَاته فَهِيَ قَائِمَة بِذَاتِهِ عز وَجل.
قَوْله: ( مائَة رَحْمَة) أَي: مائَة نوع من الرَّحْمَة، أَو مائَة جُزْء كَمَا فِي الحَدِيث الَّذِي تقدم فِي الْأَدَب.
قَوْله: ( فِي خلقه كلهم) ويروى: كُله، قَالَه الْكرْمَانِي.
قَوْله: ( فَلَو يعلم الْكَافِر) هَكَذَا ثَبت فِي هَذَا الطَّرِيق بِالْفَاءِ إِشَارَة إِلَى ترَتّب مَا بعْدهَا على مَا قبلهَا، وَمن ثمَّ قدم ذكر الْكَافِر لِأَن كَثْرَة الرَّحْمَة وسعتها تَقْتَضِي أَن يطمعها كل أحد، ثمَّ ذكر الْمُؤمن اسْتِطْرَادًا، وَالْحكمَة فِي التَّعْبِير بالمضارع دون الْمَاضِي الْإِشَارَة إِلَى أَنه لم يَقع لَهُ علم ذَلِك، وَلَا يَقع لِأَنَّهُ إِذا امْتنع فِي الْمُسْتَقْبل كَانَ مُمْتَنعا فِيمَا مضى، وَقد صرح ابْن الْحَاجِب: أَن لَو لانْتِفَاء الأول لانْتِفَاء الثَّانِي كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا} ( الْأَنْبِيَاء: 22) فانتفاء التَّعَدُّد بِانْتِفَاء الْفساد وَلَيْسَ هَهُنَا كَذَلِك، إِذْ فِيهِ انْتِفَاء الثَّانِي وَهُوَ انْتِفَاء الرَّجَاء لانْتِفَاء الأول كَمَا فِي قَوْله: لوجئتني لأكرمتك، فَإِن الْإِكْرَام مُنْتَفٍ لانْتِفَاء الْمَجِيء.
قَوْله: ( بِكُل الَّذِي) قيل: فِيهِ إِشْكَال لِأَن لَفْظَة: كل، إِذا أضيفت إِلَى الْمَوْصُول كَانَت إِذْ ذَاك لعُمُوم الْأَجْزَاء لَا لعُمُوم الْإِفْرَاد، وَالْغَرَض من سِيَاق الحَدِيث تَعْمِيم الْإِفْرَاد.
وَأجِيب: بِأَنَّهُ وَقع فِي بعض طرقه: أَن الرَّحْمَة قسمت مائَة جُزْء فالتعميم حينئذٍ لعُمُوم الْإِجْزَاء فِي الأَصْل، وَنزلت الْأَجْزَاء منزلَة الْأَفْرَاد مُبَالغَة.
قَوْله: ( لم ييأس من الْجنَّة) من الْيَأْس وَهُوَ الْقنُوط يُقَال: يئس بِالْكَسْرِ ييأس وَفِيه لُغَة أُخْرَى بِكَسْر الْهمزَة من مستقبله وَهُوَ شَاذ،.

     وَقَالَ  الْمبرد، مِنْهُم من يُبدل الْهمزَة فِي الْمُسْتَقْبل أَو الْيَاء الثَّانِيَة ألفا فَتَقول: ييأس ويائس.
فَإِن قلت: مَا معنى ( لم ييئس من الْجنَّة) قلت: قيل: المُرَاد أَن الْكَافِر لَو علم سَعَة الرَّحْمَة لغطى على مَا يُعلمهُ من عَظِيم الْعَذَاب فَيحصل لَهُ الرَّجَاء، وَقيل: المُرَاد أَن مُتَعَلق علمه بسعة الرَّحْمَة مَعَ عدم التفاته إِلَى مقابلها يطمعه فِي الرَّحْمَة.