هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
538 حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا هِشَامٌ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ ، عَنْ أَبِي المَلِيحِ ، قَالَ : كُنَّا مَعَ بُرَيْدَةَ فِي غَزْوَةٍ فِي يَوْمٍ ذِي غَيْمٍ ، فَقَالَ : بَكِّرُوا بِصَلاَةِ العَصْرِ ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَنْ تَرَكَ صَلاَةَ العَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
538 حدثنا مسلم بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشام ، قال : حدثنا يحيى بن أبي كثير ، عن أبي قلابة ، عن أبي المليح ، قال : كنا مع بريدة في غزوة في يوم ذي غيم ، فقال : بكروا بصلاة العصر ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

عَنْ أَبِي المَلِيحِ ، قَالَ : كُنَّا مَعَ بُرَيْدَةَ فِي غَزْوَةٍ فِي يَوْمٍ ذِي غَيْمٍ ، فَقَالَ : بَكِّرُوا بِصَلاَةِ العَصْرِ ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَنْ تَرَكَ صَلاَةَ العَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ.

Narrated Abu Al-Mahh [??]:

We were with Buraida in a battle on a cloudy day and he said, Offer the `Asr prayer early as the Prophet said, Whoever leaves the `Asr prayer, all his (good) deeds will be annulled.

":"ہم سے مسلم بن ابراہیم نے بیان کیا ، انھوں نے کہا ہم سے ہشام بن عبداللہ دستوائی نے بیان کیا ، کہا ہمیں یحییٰ بن ابی کثیر نے ابوقلابہ عبداللہ بن زید سے خبر دی ۔ انھوں نے ابوالملیح سے ، کہاہم بریدہ رضی اللہ عنہ کے ساتھ ایک سفر جنگ میں تھے ۔ ابر و بارش کا دن تھا ۔ آپ نے فرمایا کہ عصر کی نماز جلدی پڑھ لو ۔ کیونکہ نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا کہ جس نے عصر کی نماز چھوڑ دی ، اس کا نیک عمل ضائع ہو گیا ۔

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [553] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ سقط عِنْد الْأصيلِيّ بن إِبْرَاهِيمَ .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا هِشَامٌ وَقَعَ عِنْدَ غَيْرِ أبي ذَر أَنبأَنَا هِشَام وَهُوَ بن أَبِي عَبْدِ اللَّهِالدَّسْتُوَائِيُّ .

     قَوْلُهُ  أَخْبَرَنَا يَحْيَى عِنْدَ غَيْرِ أَبِي ذَرٍّ حَدَّثَنَا .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عِنْدَ بن خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ عَنْ هِشَامٍ عَنْ يَحْيَى أَنَّ أَبَا قِلَابَةَ حَدَّثَهُ .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ التَّبْكِيرِ بِالصَّلَاةِ فِي يَوْمِ الْغَيْمِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ هِشَامٍ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ أَنَّ أَبَا الْمَلِيحِ حَدَّثَهُ وَأَبُو الْمَلِيحِ هُوَ بن أُسَامَةَ بْنِ عُمَيْرٍ الْهُذَلِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ اسْمَهُ عَامِرٌ وَأَبُوهُ صَحَابِيٌّ وَفِي الْإِسْنَادِ ثَلَاثَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ عَلَى نَسَقٍ وَتَابَعَ هِشَامًا عَلَى هَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ شَيْبَانُ وَمَعْمَرٌ وَحَدِيثُهُمَا عِنْدَ أَحْمَدَ وَخَالَفَهُمُ الْأَوْزَاعِيُّ فَرَوَاهُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَاجِرِ عَنْ بُرَيْدَةَ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَحْفُوظُ وَخَالَفَهُمْ أَيْضًا فِي سِيَاقِ الْمَتْنِ كَمَا سَيَأْتِي التَنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي بَابِ التَّبْكِيرِ الْمَذْكُورِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  كُنَّا مَعَ بُرَيْدَةَ هُوَ بن الْحُصَيْبِ الْأَسْلَمِيُّ .

     قَوْلُهُ  ذِي غَيْمٍ قِيلَ خَصَّ يَوْمَ الْغَيْمِ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ التَّأْخِيرِ إِمَّا لِمُتَنَطِّعٍ يَحْتَاطُ لِدُخُولِ الْوَقْتِ فَيُبَالِغُ فِي التَّأْخِيرِ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ أَوْ لِمُتَشَاغِلٍ بِأَمْرٍ آخَرَ فَيَظُنُّ بَقَاءَ الْوَقْتِ فَيَسْتَرْسِلُ فِي شُغْلِهِ إِلَى أَنْ يَخْرُجَ الْوَقْتُ .

     قَوْلُهُ  بَكِّرُوا أَيْ عَجِّلُوا وَالتَّبْكِيرُ يُطْلَقُ لِكُلِّ مَنْ بَادَرَ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ وَأَصْلُهُ الْمُبَادَرَةُ بِالشَّيْءِ أَوَّلَ النَّهَارِ .

     قَوْلُهُ  فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَاءُ لِلتَّعْلِيلِ وَقَدِ اسْتُشْكِلَ مَعْرِفَةُ تَيَقُّنِ دُخُولِ أَوَّلِ الْوَقْتِ مَعَ وُجُودِ الْغَيْمِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْتَمِدُونَ فِيهِ إِلَّا عَلَى الشَّمْسِ وَأُجِيبَ بِاحْتِمَالِ أَنَّ بُرَيْدَةَ قَالَ ذَلِكَ عِنْدَ مَعْرِفَةِ دُخُولِ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ فِي يَوْمِ الْغَيْمِ مِنْ أَنْ تَظْهَرَ الشَّمْسُ أَحْيَانًا ثُمَّ إِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ إِذَا احْتَجَبَتِ الشَّمْسُ الْيَقِينُ بَلْ يَكْفِي الِاجْتِهَادُ .

     قَوْلُهُ  مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ زَادَ مَعْمَرٌ فِي رِوَايَتِهِ مُتَعَمِّدًا وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ .

     قَوْلُهُ  فَقَدْ حَبِطَ سَقَطَ فَقَدْ مِنْ رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ أَحْبَطَ اللَّهُ عَمَلَهُ وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ يَقُولُ بِتَكْفِيرِ أَهْلِ الْمَعَاصِي مِنَ الْخَوَارِجِ وَغَيْرِهِمْ وَقَالُوا هُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَان فقد حَبط عمله.

     وَقَالَ  بن عَبْدِ الْبَرِّ مَفْهُومُ الْآيَةِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ لَمْ يَحْبَطْ عَمَلُهُ فَيَتَعَارَضُ مَفْهُومُهَا وَمَنْطُوقُ الْحَدِيثِ فَيَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُ الْحَدِيثِ لِأَنَّ الْجَمْعَ إِذَا أَمْكَنَ كَانَ أَوْلَى مِنَ التَّرْجِيحِ وَتَمَسَّكَ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ أَيْضًا الْحَنَابِلَةُ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمْ مِنْ أَنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ يَكْفُرُ وَجَوَابُهُمْ مَا تَقَدَّمَ وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَ عَلَى مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ لَمَا اخْتَصَّتِ الْعَصْرُ بِذَلِكَ.

.
وَأَمَّا الْجُمْهُورُ فَتَأَوَّلُوا الْحَدِيثَ فَافْتَرَقُوا فِي تَأْوِيلِهِ فِرَقًا فَمِنْهُمْ مَنْ أَوَّلَ سَبَبَ التَّرْكِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَوَّلَ الْحَبَطَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَوَّلَ الْعَمَلَ فَقِيلَ الْمُرَادُ مَنْ تَرَكَهَا جَاحِدًا لِوُجُوبِهَا أَوْ مُعْتَرِفًا لَكِنْ مُسْتَخِفًّا مُسْتَهْزِئًا بِمَنْ أَقَامَهَا وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الَّذِي فَهِمَهُ الصَّحَابِيُّ إِنَّمَا هُوَ التَّفْرِيطُ وَلِهَذَا أُمِرَ بِالْمُبَادَرَةِ إِلَيْهَا وَفَهْمُهُ أَوْلَى مِنْ فَهْمِ غَيْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَقِيلَ الْمُرَادُ مَنْ تَرَكَهَا مُتَكَاسِلًا لَكِنْ خَرَجَ الْوَعِيدُ مَخْرَجَ الزَّجْرِ الشَّدِيدِ وَظَاهِرُهُ غَيْرُ مُرَادٍ كَقَوْلِهِ لَا يَزْنِي الزَّانِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَقِيلَ هُوَ مِنْ مَجَازِ التَّشْبِيهِ كَأَنَّ الْمَعْنَى فَقَدْ أَشْبَهَ مَنْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ كَادَ أَنْ يَحْبَطَ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْحَبَطِ نُقْصَانُ الْعَمَلِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ الَّذِي تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى اللَّهِ فَكَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَمَلِ الصَّلَاةُ خَاصَّةً أَيْ لَا يَحْصُلُ عَلَى أَجْرِ مَنْ صَلَّى الْعَصْرَ وَلَا يَرْتَفِعُ لَهُ عَمَلُهَا حِينَئِذٍ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْحَبَطِ الْإِبْطَالُ أَيْ يَبْطُلُ انْتِفَاعُهُ بِعَمَلِهِ فِي وَقْتٍ مَا ثُمَّ يَنْتَفِعُ بِهِ كَمَنْ رَجَحَتْ سَيِّئَاتُهُ عَلَى حَسَنَاتِهِ فَإِنَّهُ مَوْقُوفٌ فِي الْمَشِيئَةِ فَإِنْ غُفِرَ لَهُ فَمُجَرَّدُ الْوُقُوفِ إِبْطَالٌ لِنَفْعِ الْحَسَنَةِ إِذْ ذَاكَ وَإِنْ عُذِّبَ ثُمَّ غُفِرَ لَهُ فَكَذَلِكَ قَالَ مَعْنَى ذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَبْسُوطًا فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي بَابِ خَوْفِ الْمُؤْمِنِ مِنْ أَنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُ وَمُحَصِّلُ مَا قَالَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَبَطِ فِي الْآيَةِ غَيْرُ الْمُرَادِ بِالْحَبَطِ فِي الْحَدِيثِ.

     وَقَالَ  فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ الْحَبَطُ عَلَى قِسْمَيْنِ حَبَطُ إِسْقَاطٍ وَهُوَ إِحْبَاطُ الْكُفْرِ لِلْإِيمَانِ وَجَمِيعِ الْحَسَنَاتِ وَحَبَطُ موازنةوَهُوَ إِحْبَاطُ الْمَعَاصِي لِلِانْتِفَاعِ بِالْحَسَنَاتِ عِنْدَ رُجْحَانِهَا عَلَيْهَا إِلَى أَنْ تَحْصُلَ النَّجَاةُ فَيَرْجِعَ إِلَيْهِ جَزَاءُ حَسَنَاتِهِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْعَمَلِ فِي الْحَدِيثِ عَمَلُ الدُّنْيَا الَّذِي يُسَبِّبُ الِاشْتِغَالُ بِهِ تَرْكَ الصَّلَاةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَلَا يَتَمَتَّعُ وَأَقْرَبُ هَذِهِ التَّأْوِيلَاتِ قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّ ذَلِكَ خَرَجَ مَخْرَجَ الزَّجْرِ الشَّدِيدِ وَظَاهِرُهُ غير مُرَاد وَالله أعلم ( قَولُهُ بَابُ فَضْلِ صَلَاةِ الْعَصْرِ) أَيْ عَلَى جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ إِلَّا الصُّبْحَ وَإِنَّمَا حَمَلْتُهُ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ حَدِيثَيِ الْبَابِ لَا يَظْهَرُ مِنْهُمَا رُجْحَانُ الْعَصْرِ عَلَيْهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ الْعَصْرَ ذَاتُ فَضِيلَةٍ لَا ذَاتُ أَفْضَلِيَّةٍ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [553] حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ قَالَ: كُنَّا مَعَ بُرَيْدَةَ فِي غَزْوَةٍ فِي يَوْمٍ ذِي غَيْمٍ، فَقَالَ: بَكِّرُوا بِصَلاَةِ الْعَصْرِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ تَرَكَ صَلاَةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ».
[الحديث طرفه في: 594] .
وبالسند قال: ( حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي الأزدي البصري وسقط عند الأصيلي ابن إبراهيم ( قال: حدّثنا) ولأبي ذر وابن عساكر أخبرنا ( هشام) هو ابن عبد الله الدستوائي ( قال: حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا ( يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة الطائي اليمامي ( عن أبي قلابة) بكسر القاف عبد الله بن زيد ( عن أبي المليح) بفتح الميم وكسر اللام آخره حاء مهملة عامر بن أسامة الهذلي ( قال: كنّا مع بريدة) بن الحصيب الأسلمي آخر من مات من الصحابة رضي الله عنهم بخراسان سنة اثنتين وستين حال كوننا ( في غزوة) وحال كوننا ( في يوم ذي غيم، فقال) : بريدة بعد معرفته بدخول الوقت بظهور الشمس في خلال الغيم أو بالاجتهاد بورد أو نحوه ( بكروا) أي عجلوا وأسرعوا ( بصلاة العصر فإن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) : ( من ترك صلاة العصر) أي متعمدًا كما زاده معمر في روايته ( فقد حبط عمله) أي ثواب عمله أورده على سبيل التغليظ أو فكأنما حبط عمله لأن الأعمال لا يحبطها إلا الشرك.
قال تعالى: { وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِط عمله} [المائدة: 5] ووقع في رواية المستملي: من ترك صلاة العصر حبط عمله بإسقاط فقد، وإنما خص الغيم بذلك لأنه مظنة التأخير تنطعًا في الاحتياط وإخلادًا من النفس إلى التأخير الزائد على الحد بحجة الاحتياط فقابل ما في الطباع بالتنبيه على مخالفتها والاجتهاد في التلوّم إليها بالتحرّي بحسب الإمكان.
قاله في المصابيح.
ورواة هذا الحديث الستة بصريون، وفيه التحديث والقول وثلاثة من التابعين على الولاء، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصلاة والنسائي وابن ماجة.
16 - باب فَضْلِ صَلاَةِ الْعَصْرِ ( باب فضل صلاة العصر) على غيرها من الصلوات لكونها الوسطى عند الأكثرين.
554 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ قَيْسٍ عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةً -يَعْنِي الْبَدْرَ- فَقَالَ: إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ، لاَ تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لاَ تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا.
ثُمَّ قَرَأَ: { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} .
قَالَ إِسْمَاعِيلُ: افْعَلُوا، لاَ تَفُوتَنَّكُمْ.
[الحديث 554 - أطرافه في: 573، 4851، 7434، 7435، 7436] .
وبالسند قال: ( حدّثنا الحميدي) بضم الحاء عبد الله بن الزبير القرشي المكّي ( قال: حدّثنا مروان بن معاوية) بن الحرث الفزاري ( قال: حدّثنا إسماعيل) بن أبي خالد ( عن قيس) هو ابن أبي حازم بالحاء المهملة البجلي الكوفي المخضرم ويقال له رؤية: قال في التقريب: قيس بن أبي حازم يقال له رؤية.
ويقال أنه يروي عن العشرة، توفي بعد التسعين أو قبلها وقد جاوز المائة وتغير.
( عن جرير) البجلي رضي الله عنه ولأبي الوقت والهروي والأصيلي عن جرير بن عبد الله ( قال: كنا مع) وفي رواية وهي في اليونينية فقط عند ( النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فنظر إلى القمر ليلة) أي في ليلة من الليالي ( يعني البدر) وسقط يعني البدر عند الأربعة وهو كذلك عند مسلم كالمؤلّف من وجه آخر: ( فقال) : ( إنكم سترون ربكم) عز وجل ( كما ترون هذا القمر) رؤية محققة لا تشكون فيها ( ولا تضامون) بضم المثناة الفوقية وتخفيف الميم أي لا ينالكم ضيم في رؤيته أي تعب أو ظلم فيراه بعضكم دون بعض بأن يدفعه عن الرؤية ويستأثر بها بل تشتركون في الرؤية فهو تشبيه للرؤية بالرؤية لا المرئي بالمرئي.
وروي لا تضامون بفتح أوله مع التشديد من الضم أي لا ينضم بعضكم إلى بعض وقت النظر لإشكاله وخفائه كما تفعلون عند النظر إلى الهلال ونحوه وفي رواية أولاً تضاهون بالهاء بدل الميم على الشك أي لا يشتبه عليكم وترتابون فيعارض بعضكم بعضًا.
( في رؤيته) تعالى ( فإن استطعتم أن لا تغلبوا) بضم أوله وفتح ثالثه مبنيًّا للمفعول بأن تستعدوا لقطع أسبابها أي الغلبة المنافية للاستطاعة كنوم وشغل مانع ( على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها) يعني الفجر والعصر كما عند مسلم ( فافعلوا) عدم المغلوبية التي لازمها الصلاة كأنه قال صلوا في هذين الوقتين.
( ثم قرأ) : عليه الصلاة والسلام{ وسبح} كما هو ظاهر السياق أو هو جرير الصحابي كما عند مسلم فيكون مدرجًا وللهروي وأبي الوقت والأصيلي وابن عساكر فسبح بالقاء لكن التلاوة وسبح بالواو { بحمد ربك} أي نزهه عن العجز عما يمكن والوصف بما يوجب التشبيه حامدًا له على ما أنعم عليك { قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق: 39] .
يعني الفجر والعصر وقد عرفت فضيلة الوقتين على غيرهما مما سيأتي إن شاء الله تعالى من ذكر اجتماع الملائكة فيهما ورفع الأعمال إلى غير ذلك، وقد ورد أن الرزق يقسم بعد صلاة الصبح وإن الأعمال ترفع آخر النهار، فمن كان حينئذ في طاعة ربه بورك له في رزقه وعمله وأعظم من ذلك بل من كل شيء وهو مجازاة المحافظة عليهما بأفضل العطايا وهو النظر إلى وجه الله تعالى كما يشعر به سياق الحديث.
( قال إسماعيل) بن أبي خالد في تفسيره: ( افعلوا لا تفوتنكم) بنون التوكيد أي هذه الصلاة.
وفي رواية لا يفوتنكم بالمثناة التحتية.
ومباحث هذا الحديث تأتي إن شاء الله ورواته الخمسة ما بين مكي وكوفي وفيه تابعي عن تابعي والتحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصلاة والتفسير والتوحيد ومسلم في الصلاة وأبو داود.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [553] حدثنا مسلم بن إبراهيم ثنا هشام: أبنا يحيى بن أبي كثير، عن أبي قلابة، عن أبي المليح، قال: كنا مع بريدة في غزوة في يوم ذي غيم، فقال: بكروا بصلاة العصر؛ فإن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله".
قد سبق القول مبسوطا في حبوط العمل بترك بعض الفرائض وارتكاب بعض المحارم في " كتاب الايمان"، وبينا أن أكثر السلف والأمة على القول بذلك، وإمرار الاحاديث الواردة فيه على ما جاءت من غير تعسف في تأويلاتها، وبينا أن العمل إذا أطلق لم يدخل فيه الايمان وإنما يراد به أعمال الجوارح، وبهذا فارق قول السلف قول الخوارج؛ فإنهم أحبطوا بالكبيرة الإيمان [والعمل] ، وخلدوا بها في النار، وهذا قول باطل.
وأماالمتأخرون فلم يوافقوا السلف على ما قالوه، فاضطربوا في تأويل هذا الحديث وما أشبهه، وأتوا بأنواع من التكلف والتعسف.
فمنهم من قال: ترك صلاة العصر يحبط عمل ذلك اليوم.
ومنهم من قال: إنما يحبط العمل الذي هو تلك الصلاة التي تركهافيفوته أجرها، وهذا هو الذي ذكره ابن عبد البر.
وهو من أضعف الاقوال، وليس في الإخبار به فائدة: ومنهم من حمل هذا الحديث على ان من ترك صلاة واحدة متعمداً حتى يخرج وقتها فإنه يصير بذلك كافراً مرتداً، كما يقول ذلك من يقوله ممن يرى أن ترك الصلاة كفر.
وهذا يسقط فائدة تخصيص العصر بالذكر، فإن سائر الصلوات عنده كذلك.
وقد روي تقييد تركها بالتعمد: فروى عباد بن راشد، عن الحسن وأبي قلابة؛ أنهما كانا جالسين، فقال أبو قلابة: قال أبو الدرداء: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " من ترك صلاة العصر متعمداً حتى تفوته فقد حبط عمله".
خرجه الإمام أحمد.
وأبو قلابة لم يسمع من أبي الدرداء.
ورواه أبان بن أبي عياش - وهو متروك -، عن أبي قلابة، عن أم الدرداء، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وروى راشد أبو محمد، عن شهر بن حوشب، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء، قال: أوصاني خليلي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لا تترك صلاةً مكتوبةً متعمداً، فمن تركها متعمداً فقد برئت منه الذمة".
خرجه ابن ماجة.
وخرجه البزار، ولفظه: " فقد كفر".
وهذا مما استدل به على كفر تارك الصلاة المكتوبة متعمداً؛ فإنه لم يفرق بين صلاةٍ وصلاة.
وروى إسماعيل بن عياش، عن صفوان بن عمرو، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن معاذ بن جبل، قال: أوصاني خليلي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكره بنحوه، وقال: " فقد برئت منه ذمة الله عز وجل".
خرجه الإمام أحمد.
ورواه - أيضا - عمرو بن واقد - وهو ضعيف -، عن يونس بن ميسرة، عن أبي إدريس، عن معاذ.
خرجه الطبراني ومحمد بن نصر المروزي.
وخرجه المروزي - أيضا - من طريق سيار بن عبد الرحمن، عن يزيد بن قوذر، عن سلمة بن شريح، عن عبادة بن الصامت، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بنحوه، وقال: " فمن تركها متعمداً فقد خرج من الملة".
وقال البخاري في " تاريخه": لا يعرف إسناده.
وروى مكحول عن أم أيمن، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " لا تتركي الصلاة متعمداً؛ فإنه من ترك الصلاة متعمداً فقد برئت منه ذمةُ الله ورسوله".
خرجه الإمام أحمد.
وهو منقطع؛ مكحول لم يلق أم أيمن.
ورواه غير واحد؛ عن مكحول، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرسلاً.
ورواه عبد الرزاق، عن محمد بن راشد، عن مكحول، عن رجل، عن أبي ذر، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قال عبد الرزاق: وأبنا شيخ من أهل الشام، عن مكحول، قال: ومن برئت منه ذمة الله فقد كفر.
ورواه أبو فروة الرهاوي - وفيه ضعف -، عن أبي يحيى الكلاعي، عن جبير بن نفير، عن أميمة مولاة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمعناه.
خرجه محمد بن نصر المروزي.
وذكر عن محمد بن يحيى الذهلي،أنه قال: هذه هي أم أيمن، فقال أبو فروة: أميمة - يعني: أنه أخطأ في تسميتها.
فأسانيد هذا الحديث كلها غير قوية.
وأماحديث بريدة، فصحيح، وقد رواه عن يحيى بن أبي كثير: هشام الدستوائي والأوزاعي، فأماهشام فرواه كما خرجه البخاري من طريقه، وأماالأوزاعي فخالفه في إسناده ومتنه.
أماإسناده: فقيل فيه: عن الأوزاعي: حدثني يحيى، وثني أبو قلابة: حدثني أبو المهاجر، عن بريدة.
وخرجه من هذا الوجه الإمام أحمد وابن ماجة.
وقال الإمام أحمد في رواية مهنا: هو خطأ من الأوزاعي، والصحيح حديث هشام الدستوائي.
وذكر – أيضا - أن أبا المهاجر لا أصل له، إنما هو أبو المهلب عم أبي قلابة، كان الأوزاعي يسميه أبا المهاجر خطأ، وذكره في هذا الإسناد من أصله خطأ، فإنه ليس من روايته، إنما هو من رواية أبي المليح،وكذا قاله الإمام أحمد في رواية ابنه عبد الله.
وقيل: عن الأوزاعي، عن يحيى، عن أبي قلابة، عن أبي الميح، كما رواه هشام، عن يحيى.
وخرجه من هذا الوجه الاسماعيلي في " صحيحه".
وقيل: عن الأوزاعي، عن يحيى، عن ابن بريدة.
وقيل: عن الثوري، عن الأوزاعي، عن يحيى، عن أبي قلابة، عن بريدة، بغير واسطة بينهما.
وهذا كله مما يدل على اضطراب الأوزاعي فيه، وعدم ضبطه.
وأمامتنه، فقال الأوزاعي فيه: إن بريدة قال: كنا مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غزوة، فقال: " بكروا بالصلاة في اليوم الغيم فإنه من فاتته صلاة العصر فقد حبط عمله".
كذلك خرجه الإمام أحمد وابن ماجة والإسماعيلي وغيرهم.
فخالف هشأمافي ذلك؛ فإن هشأماقال في روايته: إن أبا المليح قال: كنا مع بريدة في غزوة في يوم غيم، فقال: بكروا بصلاة العصر؛ فإن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله".
فلم يرفع منه غير هذا القدر، وجعل الذين كانوا معه في الغزوة في يوم الغيم، والذي أمر بالتكبير بصلاة العصر هو بريدة، وهو الصحيح.
واللفظ الذي رواه الأوزاعي لو كان محفوظاً لكان دليلاً على تأخير العصر في غير يوم الغيم، ولكنه وهم.
وقد خرج البخاري حديث بريدة فيما بعد وبوب عليه: " باب: التبكير بالصلاة في يوم غيم "، ثم خرج فيه حديث بريدة، عن معاذ بن فضالة، عن هشام، فذكره كما خرجه هاهنا، غير أنه لم يذكر: " في غزوة"، وقال فيه: عن بريدة: " بكروا بالصلاة"، ولم يقل: " صلاة العصر".
قال الإسماعيلي: جعل الترجمة لقول بريدة، لا لما رواه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان حق هذه الترجمة أن يكون الحديث المقرون بها ما فيه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الامر بتعجيل العصر في اليوم الغيم.
ثم ذكر حديث الأوزاعي بإسناده ولفظه، ثم قال: فإن كان هذا الإسناد لا يصح عنده كان ترك هذه الترجمة أولى.
وإنما أراد البخاري قول بريدة في يوم غيم: " بكروا بالصلاة"، ولهذا ساق الرواية التي فيها ذكر الصلاة، ولم يسقه كما ساقه في هذا الباب بتخصيص صلاة العصر، يشير إلى أنه يستحب في الغيم التبكير بالصلوات والقول بالتبكير لجميع الصلوات في يوم الغيم مما لا يعرف به قائل من العلماء، ولم يرد بريدة ذلك إنما أراد صلاة العصر خاصة، ولا يقتضي القياس ذلك، فإن التبكير بالصلوات في الغيم مطلقا يخشى منه وقوع الصلاة قبل الوقت، وهو محذور، والأفضل أن لا يصليالصلاة حتى يتيقن دخول وقتها.
فإن غلب على ظنه، فهل يجوز له الصلاة حينئذ، أم لا؟ فيه قولان: أحدهما: أنه جائز، وهو قول الثوري والشافعي وأكثر أصحابنا.
والثاني: لا يجوز حتى يتيقن، وهو وجه لأصحابنا وأصحاب الشافعي.
واستدل الأولون: بأن جماعة من الصحابة صلوا ثم تبين لهم أنهم صلوا قبل الوقت، فأعادوا، منهم: ابن عمر وأبو موسى، وهذا يدل على أنهم صلوا عن اجتهاد، وغلب على ظنهم دخول الوقت من غير يقين.
وقال الحسن: شكوا في طلوع الفجر في عهد ابن عباس، فأمر مؤذنه فأقام الصلاة.
خرجه ابن أبي شيبة.
وقال ابو داود: " باب: المسافر يصلي ويشك في الوقت"، ثم خرج من حديث المسحاج بن موسى، أن أنسا حدثه، قال: كنا إذا كنا مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في السفر، فقلنا: زالت الشمس، أو لم تزل، صلى الظهر ثم ارتحل.
والمنصوص عن أحمد: أنه لا يصلي الظهر حتى يتيقن الزوال في حضر ولا سفر، وكذا قال إسحاق في الظهر والمغرب والصبح؛ لأن هذه الصلوات لا تجمع إلى ما قبلها.
ولكن وقع في كلام مالكوأحمد وغيرهما من الأئمة تسمية الظن الغالب يقينا، ولعل هذا منه.
والله اعلم.
وقد اختلف العلماء في الصلاة في يوم الغيم: فقال الشافعي: ويحتاط ويتوخى أن يصلي بعد الوقت أو يحتاط بتأخيرها ما بينه وبين أن يخاف خروج الوقت.
وقال إسحاق نحوه.
ولا يستحب عند الشافعي التاخير في الغيم مع تحقق دخول الوقت، إلا في حال يستحب التاخير في الصحو كشدة الحر ونحوه.
وحكى بعض أصحابنا مثل ذلك عن الخرقي، وحكاه – أيضا - رواية عن أحمد.
وعن أبي حنيفة رواية باستحباب تاخير الصلوات كلها مع الغيم.
وقالت طائفة: يؤخر الظهر ويعجل العصر، ويؤخر المغرب ويعجل العشاء مع الغيم، وهو قول أبي حنيفة والثوري وأحمد، وحكي - أيضا - عن الحسن والأوزاعي، ونقله ابن منصور عن إسحاق.
وقال النخعي: كانوا يؤخرون الظهر ويعجلون العصر، ويؤخر المغرب في يوم الغيم.
قال ابن المنذر: روينا عن عمر، أنه قال: إذا كان يوم الغيم فعجلوا العصر وأخروا الظهر.
قال أصحابنا: يستحب ذلك مع تحقق دخول الوقت.
واختلفوا فيتعليل ذلك: فمنهم من علل بالاحتياط لدخول الوقت، ولو كان الأمر كذلك لاستوت الصلوات كلها في التأخير.
ومنهم من علل بأن يوم الغيم يخشى فيه وقوع المطر، ويكون فيه ريح وبرد غالبا، فيشق الخروج إلى الصلاتين المجموعتين في وقتين، فإذا أخر الأولى وقدم الثانية خرج لهما خروجاً واحداً، فكان ذلك أرفق به، وهذا قول القاضي أبي يعلى وأصحابه.
واختلفوا: هل يختص ذلك بمن يصلي جماعة، أو تعم الرخصة من يصلي وحده؟ وفيه وجهان: ومن المتأخرين من قال: المعنى في تأخير الأولى من المجموعتين في يوم الغيم وتعجيل الثانية: أن تعجيل الأولى منهما عن الوقت غير جائز، وتعجيل الثانية جائز في حال الجمع، والجمع يجوز عند أحمد للأعذار، والاشتباه في الوقت نوع عذر؛ فلهذا استحب تأخير الأولى حتى يتيقن دخول الوقت دون الثانية، فهذا احتياط للوقت لكن مع وقع الصلاة في الوقت المشترك فكان اولى.
وقد نص أحمد على ان المسافر حال اشتباه الوقت عليه في الصحو – أيضا - يؤخر الظهر ويعجل العصر؛ لهذا المعنى، وهو يدل على ان التفريق بين المجموعتين في وقت الأولى لا يضر وأن نية الجمع لا تشترط، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك في أول " أبواب المواقيت".
ويدل – أيضا - على أنه يجوز تعجيل الثانية من المجموعتين، وإن لم يتيقن دخول وقتها،ويستحب تأخير الاولى منهما حتى يتيقن دخول وقتها في السفر والغيم، وهذا أشبه بكلام الإمام أحمد.
ومن أصحابنا من استحب تأخير الظهر وتعجيل العصر في الغيم دون المغرب لما في تأخيرها من الكراهة؛ فإن وقتها مضيق عند كثيرٍ من العلماء، والمنصوص عن أحمد خلافه.
وروي عن ابن مسعود، قال: إذا كان يوم الغيم فعجلوا الظهر والعصر، وأخروا المغرب والإفطار.
وعن عبد العزيز بن رفيع، قال: عجلوا صلاة العصر؛ فإنه بلغنا ان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " عجلوا الصلاة" –يعني: صلاة في اليوم الغيم.
وفي رواية، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " عجلوا الصلاة في يوم غيم، وأخروا المغرب".
وكان الربيع بن خثيم إذا كان يوم غيم قال لمؤذنه: أغسق، أغسق - يعني: أخر حتى يظلم الوقت.
وروي استحباب التبكير بالصلاة في اليوم الغيم من وجوه: فخرج محمد بن نصر المروزي في " كتاب الصلاة" بإسناد فيه ضعف عن أبي سعيد الخدري - مرفوعاً -، قال: " أربع من كن فيه بلغ حقيقة الإيمان" -فذكر منها -: " ابتدار الصلاة في اليوم الدجن".
وخرج ابن وهب في " مسنده" بإسناد ضعيف - أيضا -، عن أبي الدرداء - مرفوعاً -، قال: " تعجيل الصلاة في اليوم الدجن من حقيقة الإيمان".
وروى ابن سعد في " طبقاته" بإسناده، أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وصى ابنه عند موته بخصال الإيمان، وعد منها: تعجيل الصلاة في يوم الغيم.
وقال الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير: ست من كن فيه فقد استكمل الإيمان، فذكر منها: التبكير بالصلاة في اليوم الغيم.
16 - باب فضل صلاة العصر فيه حديثان: أحدهما: قال:

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( قَولُهُ بَابُ مَنْ تَرَكَ الْعَصْرَ)
أَيْ مَا يكون حِكْمَة قَالَ بن رَشِيدٍ أَجَادَ الْبُخَارِيُّ حَيْثُ اقْتَصَرَ عَلَى صَدْرِ الْحَدِيثِ فَأَبْقَى فِيهِ مَحَلًّا لِلتَّأْوِيلِ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ حَدِيثَ الْبَابِ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى هَذِهِ التَّرْجَمَةِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ التَّرْكَ أَصْرَحُ بِإِرَادَةِ التَّعَمُّدِ مِنَ الْفَوَاتِ

[ قــ :538 ... غــ :553] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ سقط عِنْد الْأصيلِيّ بن إِبْرَاهِيمَ .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا هِشَامٌ وَقَعَ عِنْدَ غَيْرِ أبي ذَر أَنبأَنَا هِشَام وَهُوَ بن أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الدَّسْتُوَائِيُّ .

     قَوْلُهُ  أَخْبَرَنَا يَحْيَى عِنْدَ غَيْرِ أَبِي ذَرٍّ حَدَّثَنَا .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عِنْدَ بن خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ عَنْ هِشَامٍ عَنْ يَحْيَى أَنَّ أَبَا قِلَابَةَ حَدَّثَهُ .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ التَّبْكِيرِ بِالصَّلَاةِ فِي يَوْمِ الْغَيْمِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ هِشَامٍ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ أَنَّ أَبَا الْمَلِيحِ حَدَّثَهُ وَأَبُو الْمَلِيحِ هُوَ بن أُسَامَةَ بْنِ عُمَيْرٍ الْهُذَلِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ اسْمَهُ عَامِرٌ وَأَبُوهُ صَحَابِيٌّ وَفِي الْإِسْنَادِ ثَلَاثَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ عَلَى نَسَقٍ وَتَابَعَ هِشَامًا عَلَى هَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ شَيْبَانُ وَمَعْمَرٌ وَحَدِيثُهُمَا عِنْدَ أَحْمَدَ وَخَالَفَهُمُ الْأَوْزَاعِيُّ فَرَوَاهُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَاجِرِ عَنْ بُرَيْدَةَ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَحْفُوظُ وَخَالَفَهُمْ أَيْضًا فِي سِيَاقِ الْمَتْنِ كَمَا سَيَأْتِي التَنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي بَابِ التَّبْكِيرِ الْمَذْكُورِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  كُنَّا مَعَ بُرَيْدَةَ هُوَ بن الْحُصَيْبِ الْأَسْلَمِيُّ .

     قَوْلُهُ  ذِي غَيْمٍ قِيلَ خَصَّ يَوْمَ الْغَيْمِ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ التَّأْخِيرِ إِمَّا لِمُتَنَطِّعٍ يَحْتَاطُ لِدُخُولِ الْوَقْتِ فَيُبَالِغُ فِي التَّأْخِيرِ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ أَوْ لِمُتَشَاغِلٍ بِأَمْرٍ آخَرَ فَيَظُنُّ بَقَاءَ الْوَقْتِ فَيَسْتَرْسِلُ فِي شُغْلِهِ إِلَى أَنْ يَخْرُجَ الْوَقْتُ .

     قَوْلُهُ  بَكِّرُوا أَيْ عَجِّلُوا وَالتَّبْكِيرُ يُطْلَقُ لِكُلِّ مَنْ بَادَرَ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ وَأَصْلُهُ الْمُبَادَرَةُ بِالشَّيْءِ أَوَّلَ النَّهَارِ .

     قَوْلُهُ  فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَاءُ لِلتَّعْلِيلِ وَقَدِ اسْتُشْكِلَ مَعْرِفَةُ تَيَقُّنِ دُخُولِ أَوَّلِ الْوَقْتِ مَعَ وُجُودِ الْغَيْمِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْتَمِدُونَ فِيهِ إِلَّا عَلَى الشَّمْسِ وَأُجِيبَ بِاحْتِمَالِ أَنَّ بُرَيْدَةَ قَالَ ذَلِكَ عِنْدَ مَعْرِفَةِ دُخُولِ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ فِي يَوْمِ الْغَيْمِ مِنْ أَنْ تَظْهَرَ الشَّمْسُ أَحْيَانًا ثُمَّ إِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ إِذَا احْتَجَبَتِ الشَّمْسُ الْيَقِينُ بَلْ يَكْفِي الِاجْتِهَادُ .

     قَوْلُهُ  مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ زَادَ مَعْمَرٌ فِي رِوَايَتِهِ مُتَعَمِّدًا وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ .

     قَوْلُهُ  فَقَدْ حَبِطَ سَقَطَ فَقَدْ مِنْ رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ أَحْبَطَ اللَّهُ عَمَلَهُ وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ يَقُولُ بِتَكْفِيرِ أَهْلِ الْمَعَاصِي مِنَ الْخَوَارِجِ وَغَيْرِهِمْ وَقَالُوا هُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَان فقد حَبط عمله.

     وَقَالَ  بن عَبْدِ الْبَرِّ مَفْهُومُ الْآيَةِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ لَمْ يَحْبَطْ عَمَلُهُ فَيَتَعَارَضُ مَفْهُومُهَا وَمَنْطُوقُ الْحَدِيثِ فَيَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُ الْحَدِيثِ لِأَنَّ الْجَمْعَ إِذَا أَمْكَنَ كَانَ أَوْلَى مِنَ التَّرْجِيحِ وَتَمَسَّكَ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ أَيْضًا الْحَنَابِلَةُ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمْ مِنْ أَنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ يَكْفُرُ وَجَوَابُهُمْ مَا تَقَدَّمَ وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَ عَلَى مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ لَمَا اخْتَصَّتِ الْعَصْرُ بِذَلِكَ.

.
وَأَمَّا الْجُمْهُورُ فَتَأَوَّلُوا الْحَدِيثَ فَافْتَرَقُوا فِي تَأْوِيلِهِ فِرَقًا فَمِنْهُمْ مَنْ أَوَّلَ سَبَبَ التَّرْكِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَوَّلَ الْحَبَطَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَوَّلَ الْعَمَلَ فَقِيلَ الْمُرَادُ مَنْ تَرَكَهَا جَاحِدًا لِوُجُوبِهَا أَوْ مُعْتَرِفًا لَكِنْ مُسْتَخِفًّا مُسْتَهْزِئًا بِمَنْ أَقَامَهَا وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الَّذِي فَهِمَهُ الصَّحَابِيُّ إِنَّمَا هُوَ التَّفْرِيطُ وَلِهَذَا أُمِرَ بِالْمُبَادَرَةِ إِلَيْهَا وَفَهْمُهُ أَوْلَى مِنْ فَهْمِ غَيْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَقِيلَ الْمُرَادُ مَنْ تَرَكَهَا مُتَكَاسِلًا لَكِنْ خَرَجَ الْوَعِيدُ مَخْرَجَ الزَّجْرِ الشَّدِيدِ وَظَاهِرُهُ غَيْرُ مُرَادٍ كَقَوْلِهِ لَا يَزْنِي الزَّانِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَقِيلَ هُوَ مِنْ مَجَازِ التَّشْبِيهِ كَأَنَّ الْمَعْنَى فَقَدْ أَشْبَهَ مَنْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ كَادَ أَنْ يَحْبَطَ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْحَبَطِ نُقْصَانُ الْعَمَلِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ الَّذِي تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى اللَّهِ فَكَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَمَلِ الصَّلَاةُ خَاصَّةً أَيْ لَا يَحْصُلُ عَلَى أَجْرِ مَنْ صَلَّى الْعَصْرَ وَلَا يَرْتَفِعُ لَهُ عَمَلُهَا حِينَئِذٍ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْحَبَطِ الْإِبْطَالُ أَيْ يَبْطُلُ انْتِفَاعُهُ بِعَمَلِهِ فِي وَقْتٍ مَا ثُمَّ يَنْتَفِعُ بِهِ كَمَنْ رَجَحَتْ سَيِّئَاتُهُ عَلَى حَسَنَاتِهِ فَإِنَّهُ مَوْقُوفٌ فِي الْمَشِيئَةِ فَإِنْ غُفِرَ لَهُ فَمُجَرَّدُ الْوُقُوفِ إِبْطَالٌ لِنَفْعِ الْحَسَنَةِ إِذْ ذَاكَ وَإِنْ عُذِّبَ ثُمَّ غُفِرَ لَهُ فَكَذَلِكَ قَالَ مَعْنَى ذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَبْسُوطًا فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي بَابِ خَوْفِ الْمُؤْمِنِ مِنْ أَنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُ وَمُحَصِّلُ مَا قَالَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَبَطِ فِي الْآيَةِ غَيْرُ الْمُرَادِ بِالْحَبَطِ فِي الْحَدِيثِ.

     وَقَالَ  فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ الْحَبَطُ عَلَى قِسْمَيْنِ حَبَطُ إِسْقَاطٍ وَهُوَ إِحْبَاطُ الْكُفْرِ لِلْإِيمَانِ وَجَمِيعِ الْحَسَنَاتِ وَحَبَطُ موازنة وَهُوَ إِحْبَاطُ الْمَعَاصِي لِلِانْتِفَاعِ بِالْحَسَنَاتِ عِنْدَ رُجْحَانِهَا عَلَيْهَا إِلَى أَنْ تَحْصُلَ النَّجَاةُ فَيَرْجِعَ إِلَيْهِ جَزَاءُ حَسَنَاتِهِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْعَمَلِ فِي الْحَدِيثِ عَمَلُ الدُّنْيَا الَّذِي يُسَبِّبُ الِاشْتِغَالُ بِهِ تَرْكَ الصَّلَاةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَلَا يَتَمَتَّعُ وَأَقْرَبُ هَذِهِ التَّأْوِيلَاتِ قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّ ذَلِكَ خَرَجَ مَخْرَجَ الزَّجْرِ الشَّدِيدِ وَظَاهِرُهُ غير مُرَاد وَالله أعلم

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب
من ترك العصر
[ قــ :538 ... غــ :553 ]
- حدثنا مسلم بن إبراهيم ثنا هشام: أبنا يحيى بن أبي كثير، عن أبي قلابة، عن أبي المليح، قال: كنا مع بريدة في غزوة في يوم ذي غيم، فقال: بكروا بصلاة العصر؛ فإن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله".

قد سبق القول مبسوطا في حبوط العمل بترك بعض الفرائض وارتكاب بعض المحارم في " كتاب الايمان"، وبينا أن أكثر السلف والأمة على القول بذلك، وإمرار الاحاديث الواردة فيه على ما جاءت من غير تعسف في تأويلاتها، وبينا أن العمل إذا أطلق لم يدخل فيه الايمان وإنما يراد به أعمال الجوارح، وبهذا فارق قول السلف قول الخوارج؛ فإنهم أحبطوا بالكبيرة الإيمان [والعمل] ، وخلدوا بها في النار، وهذا قول باطل.

وأماالمتأخرون فلم يوافقوا السلف على ما قالوه، فاضطربوا في تأويل هذا الحديث وما أشبهه، وأتوا بأنواع من التكلف والتعسف.

فمنهم من قال: ترك صلاة العصر يحبط عمل ذلك اليوم.

ومنهم من قال: إنما يحبط العمل الذي هو تلك الصلاة التي تركها فيفوته أجرها، وهذا هو الذي ذكره ابن عبد البر.

وهو من أضعف الاقوال، وليس في الإخبار به فائدة:
ومنهم من حمل هذا الحديث على ان من ترك صلاة واحدة متعمداً حتى يخرج وقتها فإنه يصير بذلك كافراً مرتداً، كما يقول ذلك من يقوله ممن يرى أن ترك الصلاة كفر.

وهذا يسقط فائدة تخصيص العصر بالذكر، فإن سائر الصلوات عنده كذلك.

وقد روي تقييد تركها بالتعمد:
فروى عباد بن راشد، عن الحسن وأبي قلابة؛ أنهما كانا جالسين، فقال أبو قلابة: قال أبو الدرداء: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " من ترك صلاة العصر متعمداً حتى تفوته فقد حبط عمله".

خرجه الإمام أحمد.

وأبو قلابة لم يسمع من أبي الدرداء.

ورواه أبان بن أبي عياش - وهو متروك -، عن أبي قلابة، عن أم الدرداء، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وروى راشد أبو محمد، عن شهر بن حوشب، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء، قال: أوصاني خليلي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لا تترك صلاةً مكتوبةً متعمداً، فمن تركها متعمداً فقد برئت منه الذمة".

خرجه ابن ماجة.

وخرجه البزار، ولفظه: " فقد كفر".
وهذا مما استدل به على كفر تارك الصلاة المكتوبة متعمداً؛ فإنه لم يفرق بين صلاةٍ وصلاة.

وروى إسماعيل بن عياش، عن صفوان بن عمرو، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن معاذ بن جبل، قال: أوصاني خليلي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكره بنحوه، وقال: " فقد برئت منه ذمة الله عز وجل".

خرجه الإمام أحمد.

ورواه - أيضا - عمرو بن واقد - وهو ضعيف -، عن يونس بن ميسرة، عن أبي إدريس، عن معاذ.

خرجه الطبراني ومحمد بن نصر المروزي.

وخرجه المروزي - أيضا - من طريق سيار بن عبد الرحمن، عن يزيد بن قوذر، عن سلمة بن شريح، عن عبادة بن الصامت، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بنحوه، وقال: " فمن تركها متعمداً فقد خرج من الملة".

وقال البخاري في " تاريخه": لا يعرف إسناده.
وروى مكحول عن أم أيمن، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " لا تتركي الصلاة متعمداً؛ فإنه من ترك الصلاة متعمداً فقد برئت منه ذمةُ الله ورسوله".

خرجه الإمام أحمد.

وهو منقطع؛ مكحول لم يلق أم أيمن.

ورواه غير واحد؛ عن مكحول، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرسلاً.

ورواه عبد الرزاق، عن محمد بن راشد، عن مكحول، عن رجل، عن أبي ذر، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

قال عبد الرزاق: وأبنا شيخ من أهل الشام، عن مكحول، قال: ومن برئت منه ذمة الله فقد كفر.

ورواه أبو فروة الرهاوي - وفيه ضعف -، عن أبي يحيى الكلاعي، عن جبير بن نفير، عن أميمة مولاة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمعناه.

خرجه محمد بن نصر المروزي.

وذكر عن محمد بن يحيى الذهلي، أنه قال: هذه هي أم أيمن، فقال أبو فروة: أميمة - يعني: أنه أخطأ في تسميتها.

فأسانيد هذا الحديث كلها غير قوية.

وأماحديث بريدة، فصحيح، وقد رواه عن يحيى بن أبي كثير: هشام الدستوائي والأوزاعي، فأماهشام فرواه كما خرجه البخاري من طريقه، وأماالأوزاعي فخالفه في إسناده ومتنه.

أماإسناده: فقيل فيه: عن الأوزاعي: حدثني يحيى، وثني أبو قلابة: حدثني أبو المهاجر، عن بريدة.

وخرجه من هذا الوجه الإمام أحمد وابن ماجة.

وقال الإمام أحمد في رواية مهنا: هو خطأ من الأوزاعي، والصحيح حديث هشام الدستوائي.
وذكر – أيضا - أن أبا المهاجر لا أصل له، إنما هو أبو المهلب عم أبي قلابة، كان الأوزاعي يسميه أبا المهاجر خطأ، وذكره في هذا الإسناد من أصله خطأ، فإنه ليس من روايته، إنما هو من رواية أبي المليح، وكذا قاله الإمام أحمد في رواية ابنه عبد الله.

وقيل: عن الأوزاعي، عن يحيى، عن أبي قلابة، عن أبي الميح، كما رواه هشام، عن يحيى.

وخرجه من هذا الوجه الاسماعيلي في " صحيحه".

وقيل: عن الأوزاعي، عن يحيى، عن ابن بريدة.

وقيل: عن الثوري، عن الأوزاعي، عن يحيى، عن أبي قلابة، عن بريدة، بغير واسطة بينهما.

وهذا كله مما يدل على اضطراب الأوزاعي فيه، وعدم ضبطه.

وأمامتنه، فقال الأوزاعي فيه: إن بريدة قال: كنا مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غزوة، فقال: " بكروا بالصلاة في اليوم الغيم فإنه من فاتته صلاة العصر فقد حبط عمله".

كذلك خرجه الإمام أحمد وابن ماجة والإسماعيلي وغيرهم.

فخالف هشأمافي ذلك؛ فإن هشأماقال في روايته: إن أبا المليح قال: كنا مع بريدة في غزوة في يوم غيم، فقال: بكروا بصلاة العصر؛ فإن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله".

فلم يرفع منه غير هذا القدر، وجعل الذين كانوا معه في الغزوة في يوم الغيم، والذي أمر بالتكبير بصلاة العصر هو بريدة، وهو الصحيح.
واللفظ الذي رواه الأوزاعي لو كان محفوظاً لكان دليلاً على تأخير العصر في غير يوم الغيم، ولكنه وهم.

وقد خرج البخاري حديث بريدة فيما بعد وبوب عليه: " باب: التبكير بالصلاة في يوم غيم "، ثم خرج فيه حديث بريدة، عن معاذ بن فضالة، عن هشام، فذكره كما خرجه هاهنا، غير أنه لم يذكر: " في غزوة"، وقال فيه: عن بريدة: " بكروا بالصلاة"، ولم يقل: " صلاة العصر".

قال الإسماعيلي: جعل الترجمة لقول بريدة، لا لما رواه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان حق هذه الترجمة أن يكون الحديث المقرون بها ما فيه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الامر بتعجيل العصر في اليوم الغيم.

ثم ذكر حديث الأوزاعي بإسناده ولفظه، ثم قال: فإن كان هذا الإسناد لا يصح عنده كان ترك هذه الترجمة أولى.

وإنما أراد البخاري قول بريدة في يوم غيم: " بكروا بالصلاة"، ولهذا ساق الرواية التي فيها ذكر الصلاة، ولم يسقه كما ساقه في هذا الباب بتخصيص صلاة العصر، يشير إلى أنه يستحب في الغيم التبكير بالصلوات والقول بالتبكير لجميع الصلوات في يوم الغيم مما لا يعرف به قائل من العلماء، ولم يرد بريدة ذلك إنما أراد صلاة العصر خاصة، ولا يقتضي القياس ذلك، فإن التبكير بالصلوات في الغيم مطلقا يخشى منه وقوع الصلاة قبل الوقت، وهو محذور، والأفضل أن لا يصلي الصلاة حتى يتيقن دخول وقتها.

فإن غلب على ظنه، فهل يجوز له الصلاة حينئذ، أم لا؟ فيه قولان:
أحدهما: أنه جائز، وهو قول الثوري والشافعي وأكثر أصحابنا.

والثاني: لا يجوز حتى يتيقن، وهو وجه لأصحابنا وأصحاب الشافعي.

واستدل الأولون: بأن جماعة من الصحابة صلوا ثم تبين لهم أنهم صلوا قبل الوقت، فأعادوا، منهم: ابن عمر وأبو موسى، وهذا يدل على أنهم صلوا عن اجتهاد، وغلب على ظنهم دخول الوقت من غير يقين.

وقال الحسن: شكوا في طلوع الفجر في عهد ابن عباس، فأمر مؤذنه فأقام الصلاة.

خرجه ابن أبي شيبة.

وقال ابو داود: " باب: المسافر يصلي ويشك في الوقت"، ثم خرج من حديث المسحاج بن موسى، أن أنسا حدثه، قال: كنا إذا كنا مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في السفر، فقلنا: زالت الشمس، أو لم تزل، صلى الظهر ثم ارتحل.

والمنصوص عن أحمد: أنه لا يصلي الظهر حتى يتيقن الزوال في حضر ولا سفر، وكذا قال إسحاق في الظهر والمغرب والصبح؛ لأن هذه الصلوات لا تجمع إلى ما قبلها.

ولكن وقع في كلام مالك وأحمد وغيرهما من الأئمة تسمية الظن الغالب يقينا، ولعل هذا منه.
والله اعلم.

وقد اختلف العلماء في الصلاة في يوم الغيم:
فقال الشافعي: ويحتاط ويتوخى أن يصلي بعد الوقت أو يحتاط بتأخيرها ما بينه وبين أن يخاف خروج الوقت.
وقال إسحاق نحوه.

ولا يستحب عند الشافعي التاخير في الغيم مع تحقق دخول الوقت، إلا في حال يستحب التاخير في الصحو كشدة الحر ونحوه.

وحكى بعض أصحابنا مثل ذلك عن الخرقي، وحكاه – أيضا - رواية عن أحمد.

وعن أبي حنيفة رواية باستحباب تاخير الصلوات كلها مع الغيم.

وقالت طائفة: يؤخر الظهر ويعجل العصر، ويؤخر المغرب ويعجل العشاء مع الغيم، وهو قول أبي حنيفة والثوري وأحمد، وحكي - أيضا - عن الحسن والأوزاعي، ونقله ابن منصور عن إسحاق.

وقال النخعي: كانوا يؤخرون الظهر ويعجلون العصر، ويؤخر المغرب في يوم الغيم.

قال ابن المنذر: روينا عن عمر، أنه قال: إذا كان يوم الغيم فعجلوا العصر وأخروا الظهر.

قال أصحابنا: يستحب ذلك مع تحقق دخول الوقت.

واختلفوا في تعليل ذلك:
فمنهم من علل بالاحتياط لدخول الوقت، ولو كان الأمر كذلك لاستوت الصلوات كلها في التأخير.

ومنهم من علل بأن يوم الغيم يخشى فيه وقوع المطر، ويكون فيه ريح وبرد غالبا، فيشق الخروج إلى الصلاتين المجموعتين في وقتين، فإذا أخر الأولى وقدم الثانية خرج لهما خروجاً واحداً، فكان ذلك أرفق به، وهذا قول القاضي أبي يعلى وأصحابه.

واختلفوا: هل يختص ذلك بمن يصلي جماعة، أو تعم الرخصة من يصلي وحده؟ وفيه وجهان:
ومن المتأخرين من قال: المعنى في تأخير الأولى من المجموعتين في يوم الغيم وتعجيل الثانية: أن تعجيل الأولى منهما عن الوقت غير جائز، وتعجيل الثانية جائز في حال الجمع، والجمع يجوز عند أحمد للأعذار، والاشتباه في الوقت نوع عذر؛ فلهذا استحب تأخير الأولى حتى يتيقن دخول الوقت دون الثانية، فهذا احتياط للوقت لكن مع وقع الصلاة في الوقت المشترك فكان اولى.

وقد نص أحمد على ان المسافر حال اشتباه الوقت عليه في الصحو – أيضا - يؤخر الظهر ويعجل العصر؛ لهذا المعنى، وهو يدل على ان التفريق بين المجموعتين في وقت الأولى لا يضر وأن نية الجمع لا تشترط، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك في أول " أبواب المواقيت".

ويدل – أيضا - على أنه يجوز تعجيل الثانية من المجموعتين، وإن لم يتيقن دخول وقتها، ويستحب تأخير الاولى منهما حتى يتيقن دخول وقتها في السفر والغيم، وهذا أشبه بكلام الإمام أحمد.

ومن أصحابنا من استحب تأخير الظهر وتعجيل العصر في الغيم دون المغرب لما في تأخيرها من الكراهة؛ فإن وقتها مضيق عند كثيرٍ من العلماء، والمنصوص عن أحمد خلافه.

وروي عن ابن مسعود، قال: إذا كان يوم الغيم فعجلوا الظهر والعصر، وأخروا المغرب والإفطار.

وعن عبد العزيز بن رفيع، قال: عجلوا صلاة العصر؛ فإنه بلغنا ان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " عجلوا الصلاة" –يعني: صلاة في اليوم الغيم.

وفي رواية، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " عجلوا الصلاة في يوم غيم، وأخروا المغرب".

وكان الربيع بن خثيم إذا كان يوم غيم قال لمؤذنه: أغسق، أغسق - يعني: أخر حتى يظلم الوقت.

وروي استحباب التبكير بالصلاة في اليوم الغيم من وجوه:
فخرج محمد بن نصر المروزي في " كتاب الصلاة" بإسناد فيه ضعف عن أبي سعيد الخدري - مرفوعاً -، قال: " أربع من كن فيه بلغ حقيقة الإيمان" - فذكر منها -: " ابتدار الصلاة في اليوم الدجن".

وخرج ابن وهب في " مسنده" بإسناد ضعيف - أيضا -، عن أبي الدرداء - مرفوعاً -، قال: " تعجيل الصلاة في اليوم الدجن من حقيقة الإيمان".

وروى ابن سعد في " طبقاته" بإسناده، أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وصى ابنه عند موته بخصال الإيمان، وعد منها: تعجيل الصلاة في يوم الغيم.

وقال الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير: ست من كن فيه فقد استكمل الإيمان، فذكر منها: التبكير بالصلاة في اليوم الغيم.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب مَنْ تَرَكَ الْعَصْرَ
( باب) إثم ( من ترك العصر) عمدًا.


[ قــ :538 ... غــ : 553 ]
- حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ قَالَ: كُنَّا مَعَ بُرَيْدَةَ فِي غَزْوَةٍ فِي يَوْمٍ ذِي غَيْمٍ، فَقَالَ: بَكِّرُوا بِصَلاَةِ الْعَصْرِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ تَرَكَ صَلاَةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ».
[الحديث 553 - طرفه في: 594] .

وبالسند قال: ( حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي الأزدي البصري وسقط عند الأصيلي ابن إبراهيم ( قال: حدّثنا) ولأبي ذر وابن عساكر أخبرنا ( هشام) هو ابن عبد الله الدستوائي ( قال: حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا ( يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة الطائي اليمامي ( عن أبي قلابة) بكسر القاف عبد الله بن

زيد ( عن أبي المليح) بفتح الميم وكسر اللام آخره حاء مهملة عامر بن أسامة الهذلي ( قال: كنّا مع بريدة) بن الحصيب الأسلمي آخر من مات من الصحابة رضي الله عنهم بخراسان سنة اثنتين وستين حال كوننا ( في غزوة) وحال كوننا ( في يوم ذي غيم، فقال) : بريدة بعد معرفته بدخول الوقت بظهور الشمس في خلال الغيم أو بالاجتهاد بورد أو نحوه ( بكروا) أي عجلوا وأسرعوا ( بصلاة العصر فإن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :
( من ترك صلاة العصر) أي متعمدًا كما زاده معمر في روايته ( فقد حبط عمله) أي ثواب عمله أورده على سبيل التغليظ أو فكأنما حبط عمله لأن الأعمال لا يحبطها إلا الشرك.
قال تعالى: { وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِط عمله} [المائدة: 5] ووقع في رواية المستملي: من ترك صلاة العصر حبط عمله بإسقاط فقد، وإنما خص الغيم بذلك لأنه مظنة التأخير تنطعًا في الاحتياط وإخلادًا من النفس إلى التأخير الزائد على الحد بحجة الاحتياط فقابل ما في الطباع بالتنبيه على مخالفتها والاجتهاد في التلوّم إليها بالتحرّي بحسب الإمكان.
قاله في المصابيح.

ورواة هذا الحديث الستة بصريون، وفيه التحديث والقول وثلاثة من التابعين على الولاء، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصلاة والنسائي وابن ماجة.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  (بابُُ إثْمِ مَنْ تَرَكَ العَصْرَ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان إِثْم من ترك صَلَاة الْعَصْر.
قيل: لَا فَائِدَة فِي هَذَا التَّبْوِيب لِأَن الْبابُُ السَّابِق يُغني عَنهُ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يذكر حَدِيث هَذَا الْبابُُ فِي الْبابُُ الَّذِي قبله، لِأَن كلا مِنْهُمَا فِي الْوَعيد، قلت: بَينهمَا فرق دَقِيق، وَهُوَ أَنهم قد اخْتلفُوا فِي المُرَاد من معنى التفويت على مَا ذكرنَا، وَالتّرْك لَا خلاف فِيهِ أَن مَعْنَاهُ: إِذا كَانَ عَامِدًا.



[ قــ :538 ... غــ :553]
- حدَّثنا مُسْلِمُ بنُ إبْرَاهِيمَ قَالَ حدَّثنا هِشَامٌ قَالَ حدَّثنا يَحْيَى بنُ أبي كَثِيرٍ عنْ أبِي قِلاَبَةَ عنْ أبي المَلِيحِ قالَ كُنَّا مَعَ بُرَيْدَةَ فِي غَزْوَةٍ فِي يَوْمٍ ذِي غَيْمٍ فَقَالَ بِكِّرُوا بِصَلاَةِ العَصْرِ فَإِنَّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قالَ مَنْ تَرَكَ صَلاَةَ العَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ.
((الحَدِيث 553 طرفه فِي: 594) .


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن الحَدِيث يتَضَمَّن حَبط الْعَمَل عِنْد التّرْك، والترجمة فِي إِثْم التّرْك.

ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: مُسلم بن ابراهيم الْأَزْدِيّ الفراهيدي الْبَصْرِيّ القصاب، يكنى أَبَا عَمْرو.
الثَّانِي: هِشَام بن عبد الله الدستوَائي.
الثَّالِث: يحيى ابْن أبي كثير.
الرَّابِع: أَبُو قلَابَة، بِكَسْر الْقَاف: عبد الله بن زيد الحرمي.
الْخَامِس: أَبُو الْمليح، بِفَتْح الْمِيم وَكسر اللَّام وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة: واسْمه عَامر بن أُسَامَة الْهُذلِيّ، مَاتَ سنة ثَمَان وَتِسْعين.
السَّادِس: بُرَيْدَة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالدال الْمُهْملَة: ابْن الْحصيب، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الصَّاد الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة: الْأَسْلَمِيّ، رُوِيَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مائَة حَدِيث وَأَرْبَعَة وَسِتُّونَ حَدِيثا، للْبُخَارِيّ مِنْهَا ثَلَاث، مَاتَ غازيا بمرو، وَهُوَ آخر من مَاتَ من الصَّحَابَة بخراسان سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع بِاتِّفَاق الروَاة عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم.
وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع عَن هِشَام عِنْد أبي ذَر، وَعند غَيره.
أخبرنَا بِصِيغَة الْجمع.
وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْجمع عَن يحيى عِنْد أبي ذَر، وَعند غَيره: حَدثنَا.
وَفِيه: العنعنة عَن أبي قلَابَة عَن أبي الْمليح، وَعند ابْن خُزَيْمَة: من طَرِيق أبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ عَن هِشَام عَن يحيى: أَن أَبَا قلَابَة حَدثهُ، وَعند البُخَارِيّ فِي بابُُ التبكير بِالصَّلَاةِ فِي يَوْم الْغَيْم: عَن معَاذ بن فضَالة عَن هِشَام عَن يحيى عَن أبي قلَابَة: أَن أَبَا الْمليح حَدثهُ.
وَفِيه: ثَلَاثَة من التَّابِعين على الْوَلَاء.
وَفِيه: أَن الروَاة كلهم بصريون.
وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.

بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن معَاذ بن فضَالة.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّلَاة أَيْضا عَن عبيد الله بن سعيد عَن يحيى عَن هِشَام بِهِ.
وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة كَمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ.
وَأخرجه ابْن مَاجَه وَابْن حبَان من حَدِيث الْأَوْزَاعِيّ عَن يحيى بن أبي كثير عَن أبي قلَابَة عَن أبي المُهَاجر عَنهُ، قَالَ ابْن حبَان: وهم الْأَوْزَاعِيّ فِي تصحيفه عَن يحيى، فَقَالَ: عَن أبي المُهَاجر، وَإِنَّمَا هُوَ أَبُو الْمُهلب عَم أبي قلَابَة عَن عَمه عَنهُ، على الصَّوَاب.
وَاعْترض عَلَيْهِ الضياء الْمَقْدِسِي، فَقَالَ: الصَّوَاب أَبُو الْمليح عَن أبي بُرَيْدَة.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (ذِي غيم) ، صفة يَوْم وَمحل: (فِي غَزْوَة) و: (فِي يَوْم) نصب على الْحَال، وَإِنَّمَا خص يَوْم الْغَيْم لِأَنَّهُ مَظَنَّة التَّأْخِير، لِأَنَّهُ رُبمَا يشْتَبه عَلَيْهِ فَيخرج الْوَقْت بغروب الشَّمْس.
قَوْله: (بَكرُوا) أَي: أَسْرعُوا وعجلوا وَبَادرُوا وكل من بَادر إِلَى الشَّيْء فقد بكر، وأبكر إِلَيْهِ أَي وَقت كَانَ، يُقَال: بَكرُوا بِصَلَاة الْمغرب أَي: صلوها عِنْد سُقُوط القرص.
قَوْله: (من ترك) كلمة من، مَوْصُولَة تَتَضَمَّن معنى الشَّرْط فِي مَحل الرّفْع على الِابْتِدَاء وَخَبره: (فقد حَبط عمله) .
وَدخُول: الْفَاء، فِيهِ لأجل تضمن الْمُبْتَدَأ معنى الشَّرْط.
و: حَبط، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة أَي: بَطل، يُقَال: حَبط يحبط من بابُُ: علم يعلم، يُقَال: حَبط عمله وأحبطه غَيره، وَهُوَ من قَوْلهم: حبطت الدَّابَّة حَبطًا بِالتَّحْرِيكِ إِذا أَصَابَت مرعى طيبا، فأفرطت فِي الْأكل حَتَّى تنتفخ فتموت، وَزَاد معمر فِي رِوَايَة هَذَا الحَدِيث لفظ: مُتَعَمدا، وَكَذَا أخرجه أَحْمد من حَدِيث أبي الدَّرْدَاء.
وَفِي رِوَايَة معمر: (أحبط الله عمله) ، وَسقط من رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي لفظ: فقد.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ وَهُوَ على وُجُوه: الأول: احْتج بِهِ أَصْحَابنَا على أَن الْمُسْتَحبّ تَعْجِيل الْعَصْر يَوْم الْغَيْم.
الثَّانِي: احْتج بِهِ الْخَوَارِج على تَكْفِير أهل الْمعاصِي، قَالُوا: وَهُوَ نَظِير قَوْله تَعَالَى: { وَمن يكفر بِالْإِيمَان فقد حَبط عمله} (الْمَائِدَة: 5) .
ورد عَلَيْهِم أَبُو عمر بِأَن مَفْهُوم الْآيَة أَن من لم يكفر بِالْإِيمَان لم يحبط عمله، فيتعارض مَفْهُوم الْآيَة ومنطوق الحَدِيث، فَإِذا كَانَ كَذَلِك يتَعَيَّن تَأْوِيل الحَدِيث، لِأَن الْجمع إِذا كَانَ مُمكنا كَانَ أولى من التَّرْجِيح، وَنَذْكُر عَن قريب وَجه الْجمع، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
الثَّالِث: احْتج بِهِ بعض الْحَنَابِلَة: أَن تَارِك الصَّلَاة يكفر، ورد بِأَن ظَاهره مَتْرُوك، وَالْمرَاد بِهِ التَّغْلِيظ والتهديد، وَالْكفْر ضد الْإِيمَان وتارك الصَّلَاة لَا يَنْفِي عَنهُ الْإِيمَان، وَأَيْضًا لَو كَانَ الْأَمر كَمَا قَالُوا لما اخْتصّت الْعَصْر بذلك.
وَأما وَجه اخْتِصَاص الْعَصْر بذلك فَلِأَنَّهُ وَقت ارْتِفَاع الْأَعْمَال، وَوقت اشْتِغَال النَّاس بِالْبيعِ وَالشِّرَاء فِي هَذَا الْوَقْت بِأَكْثَرَ من وَقت غَيره، وَوقت نزُول مَلَائِكَة اللَّيْل.
وَأما وَجه الْجمع فَهُوَ أَن الْجُمْهُور تأولوا الحَدِيث فافترقوا على فرق: فَمنهمْ من أول سَبَب التّرْك فَقَالُوا: المُرَاد من تَركهَا جاحدا لوُجُوبهَا، أَو معترفا لَكِن مستخفا مستهزئا بِمن أَقَامَهَا، وَفِيه نظر، لِأَن الَّذِي فهمه الرَّاوِي الصَّحَابِيّ إِنَّمَا هُوَ التَّفْرِيط، وَلِهَذَا أَمر بالتبكير والمبادرة إِلَيْهَا وفهمه أولى من فهم غَيره.
وَمِنْهُم من قَالَ: المُرَاد بِهِ من تَركهَا متكاسلاً، لَكِن خرج الْوَعيد مخرج الزّجر الشَّديد، وَظَاهره غير مُرَاد كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا يَزْنِي الزَّانِي وَهُوَ مُؤمن) .
وَمِنْهُم من أول سَبَب الحبط، فَقيل: هُوَ من مجَاز التَّشْبِيه، كَأَن الْمَعْنى: فقد أشبه من حَبط عمله.
قيل: مَعْنَاهُ كَاد أَن يحبط، وَقيل: المُرَاد من الحبط نُقْصَان الْعَمَل فِي ذَلِك الْوَقْت الَّذِي ترفع فِيهِ الْأَعْمَال إِلَى الله تَعَالَى، وَكَانَ المُرَاد بِالْعَمَلِ الصَّلَاة خَاصَّة أَي: لَا يحصل على أجر من صلى الْعَصْر، وَلَا يرْتَفع لَهُ عَملهَا حِينَئِذٍ، وَقيل: المُرَاد بالحبط الْإِبْطَال، أَي: بَطل انتفاعه بِعَمَلِهِ فِي وَقت ينْتَفع بِهِ غَيره فِي ذَلِك الْوَقْت.
وَفِي (شرح التِّرْمِذِيّ) ذكر أَن الحبط على قسمَيْنِ: حَبط إِسْقَاط وَهُوَ: إحباط الْكفْر للْإيمَان وَجَمِيع الْحَسَنَات، وحبط موازنة وَهُوَ: إحباط الْمعاصِي للِانْتِفَاع بِالْحَسَنَاتِ عِنْد رُجْحَانهَا عَلَيْهَا إِلَى أَن تحصل النجَاة، فَيرجع إِلَيْهِ جَزَاء حَسَنَاته.
وَقيل: المُرَاد بِالْعَمَلِ فِي الحَدِيث الْعَمَل الَّذِي كَانَ سَببا لترك الصَّلَاة، بِمَعْنى أَنه: لَا ينْتَفع بِهِ وَلَا يتمتع وَأقرب الْوُجُوه فِي هَذَا مَا قَالَه ابْن بزيزة: إِن هَذَا على وَجه التَّغْلِيظ، وَإِن ظَاهره غير مُرَاد، وَالله تَعَالَى أعلم، لِأَن الْأَعْمَال لَا يحبطها إلاَّ الشّرك.