هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
5314 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ ، حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الحَارِثِ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ وَمَعَهُ صَاحِبٌ لَهُ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنْ كَانَ عِنْدَكَ مَاءٌ بَاتَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ فِي شَنَّةٍ وَإِلَّا كَرَعْنَا قَالَ : وَالرَّجُلُ يُحَوِّلُ المَاءَ فِي حَائِطِهِ ، قَالَ : فَقَالَ الرَّجُلُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، عِنْدِي مَاءٌ بَائِتٌ ، فَانْطَلِقْ إِلَى العَرِيشِ ، قَالَ : فَانْطَلَقَ بِهِمَا ، فَسَكَبَ فِي قَدَحٍ ، ثُمَّ حَلَبَ عَلَيْهِ مِنْ دَاجِنٍ لَهُ ، قَالَ : فَشَرِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ شَرِبَ الرَّجُلُ الَّذِي جَاءَ مَعَهُ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
5314 حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا أبو عامر ، حدثنا فليح بن سليمان ، عن سعيد بن الحارث ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على رجل من الأنصار ومعه صاحب له ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : إن كان عندك ماء بات هذه الليلة في شنة وإلا كرعنا قال : والرجل يحول الماء في حائطه ، قال : فقال الرجل : يا رسول الله ، عندي ماء بائت ، فانطلق إلى العريش ، قال : فانطلق بهما ، فسكب في قدح ، ثم حلب عليه من داجن له ، قال : فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم شرب الرجل الذي جاء معه
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Narrated Jabir bin `Abdullah:

Allah's Messenger (ﷺ) and one of his companions entered upon an Ansari man and the Prophet (ﷺ) said to him, If you have water kept overnight in a water skin, (give us), otherwise we will drink water by putting our mouth in it. The man was watering his garden then. He said, O Allah's Messenger (ﷺ)! I have water kept overnight; let us go to the shade. So he took them both there and poured water into a bowl and milked a domestic goat of his in it. Allah's Messenger (ﷺ) drank, and then the man who had come along with him, drank.

":"ہم سے عبداللہ بن محمد نے بیان کیا ، کہا ہم سے ابوعامر نے ، کہا ہم سے فلیح بن سلیمان نے بیان کیا ، ان سے سعید بن حارث نے اور ان سے جابر بن عبداللہ رضی اللہ عنہما نے کہنبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم قبیلہ انصار کے ایک صحابی کے یہاں تشریف لے گئے آنحضرت صلی اللہ علیہ وسلم کے ساتھ آپ کے ایک رفیق ( ابوبکر رضی اللہ عنہ ) بھی تھے ۔ ان سے آپ نے فرمایا کہ اگر تمہارے یہاں اسی رات کاباسی پانی کسی مشکیزے میں رکھا ہوا ہو ( تو ہمیں پلاؤ ) ورنہ منہ لگاکے پانی پی لیں گے ۔ جابر رضی اللہ عنہ نے بیان کیا کہ وہ صاحب ( جن کے یہاں آپ تشریف لیے گئے تھے ) اپنے باغ میں پانی دے رہے تھے ۔ بیان کیا کہ ان صاحب نے کہا کہ یا رسول اللہ ! میرے پاس رات کا باسی پانی موجود ہے ، آپ چھپر میں تشریف لے چلیں ۔ بیان کیا کہ پھر وہ ان دونوں حضرات کو ساتھ لے کر گئے پھر انہوں نے ایک پیالہ میں پانی لیا اور اپنی ایک دودھ دینے والی بکری کا اس میں دودھ نکالا ۔ بیان کیا کہ پھر آنحضرت صلی اللہ علیہ وسلم نے اسے پیا ، اس کے بعد آپ کے رفیق ابوبکر صدیق رضی اللہ عنہ نے پیا ۔

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [5613] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ الْجُعْفِيُّ وَأَبُوعَامِرٍ هُوَ الْعَقَدِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ الْحَارِثِ هُوَ الْأَنْصَارِيُّ .

     قَوْلُهُ  دَخَلَ عَلَيَّ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ كُنْتُ ذَكَرْتُ فِي الْمُقَدِّمَةِ أَنَّهُ أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيِّهَانِ الْأَنْصَارِيُّ ثُمَّ وَقَفْتُ عَنْ ذَلِكَ لِمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عِيسَى عَنْ فُلَيْحٍ فِي أَوَّلِ حَدِيثَيِ الْبَابِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ قَوْمًا مِنَ الْأَنْصَارِ يَعُودُ مَرِيضًا لَهُمْ وَقِصَّةُ أَبِي الْهَيْثَمِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ واستوعب بن مَرْدَوَيْهِ فِي تَفْسِيرِ التَّكَاثُرِ طُرُقَهُ فَزَادَ عَنِ بن عَبَّاسٍ وَأَبِي عَسِيبٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِهِ عُبَادَةَ فَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهَا قِصَّةٌ أُخْرَى ثُمَّ وَقَفَتْ عَلَى الْمُسْتَنَدِ فِي ذَلِكَ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْهَيْثَمِ بْنِ نَصْرٍ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ خَدَمْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَزِمْتُ بَابَهُ فَكُنْتُ آتِيهِ بِالْمَاءِ مِنْ بِئْرِ جَاشِمٍ وَهِيَ بِئْرُ أَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ التَّيِّهَانِ وَكَانَ مَاؤُهَا طَيِّبًا وَلَقَدْ دَخَلَ يَوْمًا صَائِفًا وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ عَلَى أَبِي الْهَيْثَمِ فَقَالَ هَلْ مِنْ مَاءٍ بَارِدٍ فَأَتَاهُ بِشَجْبٍ فِيهِ مَاءٌ كَأَنَّهُ الثَّلْجُ فَصَبَّهُ عَلَى لَبَنِ عَنْزٍ لَهُ وَسَقَاهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ إِنَّ لَنَا عَرِيشًا بَارِدًا فَقِلْ فِيهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدَنَا فَدَخَلَهُ وَأَبُو بَكْرٍ وَأَتَى أَبُو الْهَيْثَمِ بِأَلْوَانٍ مِنَ الرُّطَبِ الْحَدِيثَ وَالشَّجْبُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ يُتَّخَذُ مِنْ شَنَّةٍ تُقْطَعُ وَيُخْرَزُ رَأْسُهَا .

     قَوْلُهُ  وَمَعَهُ صَاحِبُهُ هُوَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ كَمَا تَرَى .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ لَهُ زَادَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ قَبْلِ هَذَا وَإِلَى جَانِبِهِ مَاءٌ فِي رَكِيٍّ وَهُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْكَافِ وَبَعْدَهَا شِدَّةُ الْبِئْرِ الْمَطْوِيَّةِ وَزَادَ فِي رِوَايَةِ سَتَأْتِي بَعْدَ خَمْسَةِ أَبْوَابٍ فَسَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبُهُ فَرَدَّ الرَّجُلُ أَيْ عَلَيْهِمَا السَّلَامَ .

     قَوْلُهُ  إِنْ كَانَ عِنْدَكَ مَاءٌ بَاتَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ فِي شَنَّةٌ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ وَهِيَ الْقِرْبَةُ الْخَلِقَةُ.

     وَقَالَ  الدَّاوُدِيُّ هِيَ الَّتِي زَالَ شَعْرُهَا مِنَ الْبِلَى قَالَ الْمُهَلَّبُ الْحِكْمَةُ فِي طَلَبِ الْمَاءِ الْبَائِتِ أَنَّهُ يَكُونُ أَبْرَدَ وَأَصْفَى.

.
وَأَمَّا مَزْجُ اللَّبَنِ بِالْمَاءِ فَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ فِي يَوْمٍ حَارٍّ كَمَا وَقَعَ فِي قِصَّةِ أَبِي بَكْرٍ مَعَ الرَّاعِي.

.

قُلْتُ لَكِنِ الْقِصَّتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ فَصَنِيعُ أَبِي بَكْرٍ ذَلِكَ بِاللَّبَنِ لِشِدَّةِ الْحَرِّ وَصَنِيعُ الْأَنْصَارِيِّ لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ لَا يَسْقِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاءً صِرْفًا فَأَرَادَ أَنْ يُضِيفَ إِلَيْهِ اللَّبَنَ فَأَحْضَرَ لَهُ مَا طُلِبَ مِنْهُ وَزَادَ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسٍ جَرَتْ عَادَتُهُ بِالرَّغْبَةِ فِيهِ وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا فِي رِوَايَةِ الْهَيْثَمِ بْنِ نَصْرٍ قَبْلُ أَنَّ الْمَاءَ كَانَ مِثْلَ الثَّلْجِ .

     قَوْلُهُ  وَإِلَّا كَرَعْنَا فِيهِ حَذَفٌ تَقْدِيرُهُ فَاسْقِنَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَكَ كرعنا وَوَقع فِي رِوَايَة بن مَاجَهْ التَّصْرِيحُ بِطَلَبِ السَّقْيِ وَالْكَرْعُ بِالرَّاءِ تَنَاوُلُ الْمَاءِ بِالْفَمِ مِنْ غَيْرِ إِنَاءٍ وَلَا كَفٍّ.

     وَقَالَ  بن التِّينِ حَكَى أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّهُ الشُّرْبُ بِالْيَدَيْنِ مَعًا قَالَ وَأَهْلُ اللُّغَةِ عَلَى خِلَافِهِ قلت وَيَردهُ مَا أخرجه بن ماجة عَن بن عُمَرَ قَالَ مَرَرْنَا عَلَى بِرْكَةٍ فَجَعَلْنَا نَكْرَعُ فِيهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَكْرَعُوا وَلَكِنِ اغْسِلُوا أَيْدِيَكُمْ ثُمَّ اشْرَبُوا بِهَا الْحَدِيثَ وَلَكِنْ فِي سَنَدِهِ ضَعْفٌ فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَالنَّهْيُ فِيهِ لِلتَّنْزِيهِ وَالْفِعْلُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ أَوْ قِصَّةُ جَابِرٍ قَبْلَ النَّهْيِ أَوِ النَّهْيُ فِي غَيْرِ حَالِ الضَّرُورَةِ وَهَذَا الْفِعْلُ كَانَ لِضَرُورَةِ شُرْبِ الْمَاءِ الَّذِي لَيْسَ بِبَارِدٍ فَيَشْرَبُ بِالْكَرْعِ لِضَرُورَةِ الْعَطَشِ لِئَلَّا تَكْرَهَهُ نَفْسُهُ إِذَا تَكَرَّرَتِ الْجَرْعَ فَقَدْ لَا يَبْلُغُ الْغَرَضَ مِنَ الرِّيِّ أَشَارَ إِلَى هَذَا الْأَخِيرِ بن بَطَّالٍ وَإِنَّمَا قِيلَ لِلشُّرْبِ بِالْفَمِ كَرْعٌ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْبَهَائِمِ لِشُرْبِهَا بِأَفْوَاهِهَا وَالْغَالِبُ أَنَّهَا تُدْخِلُ أكارعها حِينَئِذٍ فِي المَاء وَوَقع عِنْد بن ماجة من وَجه آخر عَن بن عُمَرَ فَقَالَ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَشْرَبَ عَلَى بُطُونِنَا وَهُوَ الْكَرْعُ وَسَنَدُهُ أَيْضًا ضَعِيفٌ فَهَذَا إِنْ ثَبَتَ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ خَاصًّا بِهَذِهِ الصُّورَةِ وَهِيَ أَنْ يَكُونَ الشَّارِبُ مُنْبَطِحًا عَلَى بَطْنِهِ وَيُحْمَلُ حَدِيثُ جَابِرٍ عَلَى الشُّرْبِ بِالْفَمِ مِنْ مَكَانٍ عَالٍ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الِانْبِطَاحِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَإِلَّا تَجَرَّعْنَا بِمُثَنَّاةٍ وَجِيمٍ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ أَيْ شَرِبْنَا جَرْعَةً جَرْعَةً وَهَذَا قَدْ يُعَكِّرُ عَلَى الِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  وَالرَّجُلُ يُحَوِّلُ الْمَاءَ فِي حَائِطِهِ أَيْ يَنْقُلُ الْمَاءَ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ آخَرَ مِنَ الْبُسْتَانِ لِيَعُمَّأَشْجَارَهُ بِالسَّقْيِ وَسَيَأْتِي بَعْدَ خَمْسَةِ أَبْوَابٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِلَفْظِ وَهُوَ يُحَوِّلُ فِي حَائِطٍ لَهُ يَعْنِي الْمَاءَ وَفِي لَفْظٍ لَهُ يُحَوِّلُ الْمَاءَ فِي الْحَائِطِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ وَقَعَ مِنْهُ تَحْوِيلُ الْمَاءِ مِنَ الْبِئْرِ مَثَلًا إِلَى أَعْلَاهَا ثُمَّ حَوَّلَهُ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ .

     قَوْلُهُ  إِلَى الْعَرِيشِ هُوَ خَيْمَةٌ مِنْ خَشَبٍ وَثُمَامٍ بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ مُخَفَّفًا وَهُوَ نَبَاتٌ ضَعِيفٌ لَهُ خَوَاصٌّ وَقَدْ يُجْعَلُ مِنَ الْجَرِيدِ كَالْقُبَّةِ أَوْ مِنَ الْعِيدَانِ وَيُظَلَّلُ عَلَيْهَا .

     قَوْلُهُ  فَسَكَبَ فِي قَدَحٍ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ فَسَكَبَ مَاءً فِي قَدَحٍ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ حَلَبَ عَلَيْهِ مِنْ دَاجِن لَهُ فِي رِوَايَة أَحْمد وبن مَاجَهْ فَحَلَبَ لَهُ شَاةً ثُمَّ صَبَّ عَلَيْهِ مَاءً بَاتَ فِي شَنٍّ وَالدَّاجِنُ بِجِيمٍ وَنُونٍ الشَّاةُ الَّتِي تَأْلَفُ الْبُيُوتَ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ شَرِبَ الرَّجُلُ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَشَرِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَقَى صَاحِبَهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الرَّجُلَ شَرِبَ فَضْلَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم لَكِن فِي رِوَايَة لِأَحْمَد أَيْضا وبن مَاجَهْ ثُمَّ سَقَاهُ ثُمَّ صَنَعَ لِصَاحِبِهِ مِثْلَ ذَلِكَ أَيْ حَلَبَ لَهُ أَيْضًا وَسَكَبَ عَلَيْهِ الْمَاءَ الْبَائِتَ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْمِثْلِيَّةُ فِي مُطْلَقِ الشُّرْبِ قَالَ الْمُهَلَّبُ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِشُرْبِ الْمَاءِ الْبَارِدِ فِي الْيَوْمِ الْحَارِّ وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ النِّعَمِ الَّتِي امْتَنَّ اللَّهُ بِهَا عَلَى عِبَادِهِ وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَمْ أُصِحَّ جِسْمَكَ وَأَرْوِيكَ مِنَ الْمَاءِ الْبَارِد ( قَولُهُ بَابُ شَرَابِ الْحَلْوَاءِ وَالْعَسَلِ) فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي الْحَلْوَاءُ بِالْمَدِّ وَلِغَيْرِهِ بِالْقَصْرِ وَهُمَا لُغَتَانِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ هِيَ مَا يُعْقَدُ مِنَ الْعَسَلِ وَنَحْوه.

     وَقَالَ  بن التِّينِ عَنِ الدَّاوُدِيِّ هِيَ النَّقِيعُ الْحُلْوُ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ تَبْوِيبُ الْبُخَارِيِّ شَرَابُ الْحَلْوَاءِ كَذَا قَالَ وَإِنَّمَا هُوَ نَوْعٌ مِنْهَا وَالَّذِي قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ هُوَ مُقْتَضى الْعرف.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ الْحَلْوَى كُلُّ شَيْءٍ حُلْوٍ وَهُوَ كَمَا قَالَ لَكِنِ اسْتَقَرَّ الْعُرْفُ عَلَى تَسْمِيَةِ مَا لَا يُشْرَبُ مِنْ أَنْوَاعِ الْحُلْوِ حَلْوَى وَلِأَنْوَاعِ مَا يُشْرَبُ مَشْرُوبٌ وَنَقِيعٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُ مِمَّا قَالَ اخْتِصَاصُ الْحَلْوَى بِالْمَشْرُوبِ .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  الزُّهْرِيُّ لَا يَحِلُّ شُرْبُ بَوْلِ النَّاسِ لِشِدَّةٍ تَنْزِلُ لِأَنَّهُ رِجْسٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أحل لكم الطَّيِّبَات وَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَوَجهه بن التِّينِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمَّى الْبَوْلَ رِجْسًا.

     وَقَالَ  اللَّهُ تَعَالَى وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِم الْخَبَائِث وَالرِّجْسُ مِنْ جُمْلَةِ الْخَبَائِثِ وَيَرُدُّ عَلَى اسْتِدْلَالِ الزُّهْرِيِّ جَوَازُ أَكْلِ الْمَيْتَةِ عِنْدَ الشِّدَّةِ وَهِيَ رِجْس أَيْضا وَلِهَذَا قَالَ بن بَطَّالٍ الْفُقَهَاءُ عَلَى خِلَافِ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ وَأَشَدُّ حَالِ الْبَوْلِ أَنْ يَكُونَ فِي النَّجَاسَةِ وَالتَّحْرِيمِ مِثْلَ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي جَوَازِ تَنَاوُلِهَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَأَجَابَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِاحْتِمَالِ أَنَّهُ كَانَ يَرَى أَنَّ الْقِيَاسَ لَا يُدْخِلُ الرُّخَصَ وَالرُّخْصَةُ فِي الْمَيْتَةِ لَا فِي الْبَوْلِ.

.

قُلْتُ وَلَيْسَ هَذَا بَعِيدًا مِنْ مَذْهَبِ الزُّهْرِيِّ فَقَدِ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشّعب من رِوَايَة بن أَخِي الزُّهْرِيِّ قَالَ كَانَ الزُّهْرِيُّ يَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فِي السَّفَرِ فَقِيلَ لَهُ أَنْتَ تُفْطِرُ فِيرَمَضَانَ إِذَا كُنْتَ مُسَافِرًا فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي رَمَضَانَ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أخر وَلَيْسَ ذَلِك لعاشوراء قَالَ بن التِّينِ وَقَدْ يُقَالُ إِنَّ الْمَيْتَةَ لِسَدِّ الرَّمَقِ وَالْبَوْلُ لَا يَدْفَعُ الْعَطَشَ فَإِنْ صَحَّ هَذَا صَحَّ مَا قَالَ الزُّهْرِيُّ إِذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ.

.

قُلْتُ وَسَيَأْتِي نَظِيرُهُ فِي الْأَثَرِ الَّذِي بعده قَوْله.

     وَقَالَ  بن مَسْعُودٍ فِي السَّكَرِ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حُرِّمَ عَلَيْكُم قَالَ بن التِّينِ اخْتُلِفَ فِي السَّكَرِ بِفَتْحَتَيْنِ فَقِيلَ هُوَ الْخَمْرُ وَقِيلَ مَا يَجُوزُ شُرْبُهُ كَنَقِيعِ التَّمْرِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَدَّ وَكَالْخَلِّ وَقِيلَ هُوَ نَبِيذُ التَّمْرِ إِذَا اشْتَدَّ.

.

قُلْتُ وَتَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ النَّحْلِ عَنِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ السَّكَرَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حسنا وَهُوَ مَا حُرِّمَ مِنْهَا وَالرِّزْقُ الْحَسَنُ مَا أُحِلَّ وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي رَزِينٍ أَحَدِ كِبَارِ التَّابِعِينَ قَالَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَمِنْ طَرِيقِ النَّخَعِيِّ نَحْوُهُ وَمِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ بِمَعْنَاهُ ثُمَّ أَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ قَالَ السَّكَرُ نَقِيعُ الزَّبِيبِ يَعْنِي قَبْلَ أَنْ يَشْتَدَّ وَالْخَلُّ وَاخْتَارَ الطَّبَرِيُّ هَذَا الْقَوْلَ وَانْتَصَرَ لَهُ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُ مِنْهُ دَعْوَى نَسْخٍ وَيَسْتَمِرُّ الِامْتِنَانُ بِمَا تَضَمَّنَتْهُ الْآيَةُ عَلَى ظَاهِرِهِ بِخِلَافِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ النَّسْخَ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ.

.

قُلْتُ وَهَذَا فِي الْآيَةِ مُحْتَمَلٌ لَكِنَّهُ فِي هَذَا الْأَثَرِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُسْكِرِ وَقَدْ أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَنِ النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُمْ قَالُوا السَّكَرُ خَمْرٌ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ السَّكَرَ بِلُغَةِ الْعَجَمِ الْخَمْرُ وَبِلُغَةِ الْعَرَبِ النَّقِيعُ قَبْلَ أَنْ يَشْتَدَّ وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ قَالَ السَّكَرُ خُمُورُ الْأَعَاجِمِ وَعَلَى هَذَا ينطبق قَول بن مَسْعُودٍ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حُرِّمَ عَلَيْكُم وَنقل بن التِّين عَن الشَّيْخ أبي الْحسن يَعْنِي بن الْقَصَّارِ إِنْ كَانَ أَرَادَ مُسْكِرَ الْأَشْرِبَةِ فَلَعَلَّهُ سَقَطَ مِنَ الْكَلَامِ ذِكْرُ السُّؤَالِ وَإِنْ كَانَ أَرَادَ السُّكْرَ بِالضَّمِّ وَسُكُونِ الْكَافِ قَالَ فَأَحْسَبُهُ هَذَا أَرَادَ لِأَنَّنِي أَظُنُّ أَنَّ عِنْدَ بَعْضِ الْمُفَسّرين سُئِلَ بن مَسْعُودٍ عَنْ التَّدَاوِي بِشَيْءٍ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ فَأَجَابَ بِذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِ الْبُخَارِيِّ.

.

قُلْتُ قَدْ رَوَيْتُ الْأَثَرَ الْمَذْكُورَ فِي فَوَائِدِ عَلِيِّ بْنِ حَرْبٍ الطَّائِيِّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ اشْتَكَى رَجُلٌ مِنَّا يُقَالُ لَهُ خُثَيْمُ بْنُ الْعَدَّاءِ دَاءً بِبَطْنِهِ يُقَالُ لَهُ الصُّفْرُ فَنُعِتَ لَهُ السَّكَرُ فَأرْسل إِلَى بن مَسْعُود يسْأَله فَذكره وَأخرجه بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ مَنْصُورٍ وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي وَائِلٍ نَحْوَهُ وَرُوِّينَا فِي نُسْخَةِ دَاوُدَ بْنِ نَصِيرٍ الطَّائِيِّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ قَالَ عبد الله هُوَ بن مَسْعُودٍ لَا تَسْقُوا أَوْلَادَكُمُ الْخَمْرَ فَإِنَّهُمْ وُلِدُوا عَلَى الْفِطْرَةِ وَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَأخرجه بن أبي شيبَة من وَجه آخر عَن بن مَسْعُودٍ كَذَلِكَ وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ أَوَّلًا فِي تَفْسِيرِ السَّكَرِ وَأَخْرَجَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ قَالَ أَتَيْنَا عَبْدَ اللَّهِ فِي مُجَدَّرِينَ أَوْ مُحَصَّبِينَ نُعِتَ لَهُم السكر فَذكر مثله ولجواب بن مَسْعُودٍ شَاهِدٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى وَصَحَّحَهُ بن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتِ اشْتَكَتْ بِنْتٌ لِي فَنَبَذْتُ لَهَا فِي كُوزٍ فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَغْلِي فَقَالَ مَا هَذَا فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ ثُمَّ حكى بن التِّين عَن الدَّاودِيّ قَالَ قَول بن مَسْعُودٍ حَقٌّ لِأَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْخَمْرَ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا ضَرُورَةً وَأَبَاحَ الْمَيْتَةَ وَأَخَوَاتِهَا فِي الضَّرُورَة قَالَ ففهم الدَّاودِيّ أَن بن مَسْعُودٍ تَكَلَّمَ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْخَمْرِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا تَكَلَّمَ عَلَى التَّدَاوِي بِهَا فَمَنَعَهُ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَجِدُ مَنْدُوحَةً عَنِ التَّدَاوِي بِهَا وَلَا يُقْطَعُ بِنَفْعِهِ بِخِلَافِ الْمَيْتَةِ فِي سَدِّ الرَّمَقِ وَكَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ جَوَازِ إِسَاغَةِ اللُّقْمَةِ لِمَنْ شَرِقَ بِهَا بِالْجَرْعَةِ مِنَ الْخَمْرِ فَيَجُوزُ وَبَيْنَ التَّدَاوِي بِهَا فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْإِسَاغَةَ تَتَحَقَّقُ بِهَا بِخِلَافِ الشِّفَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ وَنَقَلَ الطَّحَاوِيُّ عَنِ الشَّافِعِي أَنهقَالَ لَا يَجُوزُ سَدُّ الرَّمَقِ مِنَ الْجُوعِ وَلَا مِنَ الْعَطَشِ بِالْخَمْرِ لِأَنَّهَا لَا تَزِيدُهُ إِلَّا جُوعًا وَعَطَشًا وَلِأَنَّهَا تَذْهَبُ بِالْعَقْلِ.

.
وَتَعَقَّبَهُ بِأَنَّهُ إِنْ كَانَتْ لَا تَسُدُّ مِنَ الْجُوعِ وَلَا تَرْوِي مِنَ الْعَطَشِ لَمْ يَرِدِ السُّؤَالُ أَصْلًا.

.
وَأَمَّا إِذْهَابُهَا الْعَقْلَ فَلَيْسَ الْبَحْثُ فِيهِ بَلْ هُوَ فِيمَا يُسَدُّ بِهِ الرَّمَقُ وَقَدْ لَا يَبْلُغُ إِلَى حَدِّ إِذْهَابِ الْعَقْلِ.

.

قُلْتُ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ أَرَادَ أَنْ يُرَدِّدَ الْأَمْرَ بِأَنَّ التَّنَاوُلَ مِنْهَا إِنْ كَانَ يَسِيرًا فَهُوَ لَا يُغْنِي مِنَ الْجُوعِ وَلَا يَرْوِي من الْعَطش وَإِن كَانَ كَثِيرًا فَهُوَ يُذْهِبُ الْعَقْلَ وَلَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِجَوَازِ التَّدَاوِي بِمَا يُذْهِبُ الْعَقْلَ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَتَدَاوَى مِنْ شَيْءٍ فَيَقَعُ فِي أَشَدَّ مِنْهُ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي جَوَازِ شُرْبِ الْخَمْرِ لِلتَّدَاوِي وَلِلْعَطَشِ قَالَ مَالِكٌ لَا يَشْرَبُهَا لِأَنَّهَا لَا تَزِيدُهُ إِلَّا عَطَشًا وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لَكِنِ التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي قَصْرَ الْمَنْعِ عَلَى الْمُتَّخَذِ مِنْ شَيْءٍ يَكُونُ بِطَبْعِهِ حَارًّا كَالْعِنَبِ وَالزَّبِيبِ أَمَّا الْمُتَّخَذُ مِنْ شَيْءٍ بَارِدٍ كَالشَّعِيرِ فَلَا.

.
وَأَمَّا التَّدَاوِي فَإِنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ إِنَّ الْمَنَافِعَ الَّتِي كَانَتْ فِيهَا قَبْلَ التَّحْرِيمِ سُلِبَتْ بَعْدَ التَّحْرِيمِ بِدَلِيلِ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ وَأَيْضًا فَتَحْرِيمُهَا مَجْزُومٌ بِهِ وَكَوْنُهَا دَوَاءٌ مَشْكُوكٌ بَلْ يَتَرَجَّحُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِدَوَاءٍ بِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ ثُمَّ الْخِلَافُ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا لَا يُسْكِرُ مِنْهَا أَمَّا مَا يُسْكِرُ مِنْهَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ تَعَاطِيهِ فِي التَّدَاوِي إِلَّا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ مَنِ اضْطُرَّ إِلَى إِزَالَةِ عَقْلِهِ لِقَطْعِ عُضْوٍ مِنَ الْأَكِلَةِ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ فَقَدِ اطْلَقَ الرَّافِعِيُّ تَخْرِيجَهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي التَّدَاوِي وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ هُنَا الْجَوَازَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ فِيمَا إِذَا تَعَيَّنَ ذَاكَ طَرِيقًا إِلَى سَلَامَةِ بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ وَلَمْ يَجِدْ مَرْقَدًا غَيْرَهَا وَقَدْ صَرَّحَ مَنْ أَجَازَ التَّدَاوِي بِالثَّانِي وَأَجَازَهُ الْحَنَفِيَّةُ مُطْلَقًا لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تُبِيحُ الْمَيْتَةَ وَهِيَ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَنْقَلِبَ إِلَى حَالَةٍ تَحِلُّ فِيهَا فَالْخَمْرُ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تَنْقَلِبَ خَلًّا فَتَصِيرُ حَلَالًا أَوْلَى وَعَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ إِنْ دَعَتْهُ إِلَيْهَا ضَرُورَةٌ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَتَخَلَّصُ بِشُرْبِهَا جَازَ كَمَا لَوْ غُصَّ بِلُقْمَةٍ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْغَصِّ الْجَوَازُ وَهَذَا لَيْسَ مِنَ التَّدَاوِي الْمَحْضِ وَسَيَأْتِي فِي أَوَاخِرِ الطِّبِّ مَا يَدُلُّ عَلَى النَّهْيِ عَنِ التَّدَاوِي بِالْخَمْرِ وَهُوَ يُؤَيِّدُ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ ثُمَّ سَاقَ الْبُخَارِيُّ حَدِيثِ عَائِشَةَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ الْحَلْوَاءَ وَالْعَسَلَ قَالَ بن الْمُنِيرِ تَرْجَمَ عَلَى شَيْءٍ وَأَعْقَبَهُ بِضِدِّهِ وَبِضِدِّهَا تَتَبَيَّنُ الْأَشْيَاءُ ثُمَّ عَادَ إِلَى مَا يُطَابِقُ التَّرْجَمَةَ نَصًّا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِقَوْلِ الزُّهْرِيّ الْإِشَارَة بقوله تَعَالَى أحل لكم الطَّيِّبَات إِلَى أَنَّ الْحَلْوَاءَ وَالْعَسَلَ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فَهُوَ حَلَال وَبقول بن مَسْعُودٍ الْإِشَارَةَ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ فَدَلَّ الِامْتِنَانُ بِهِ عَلَى حِلِّهِ فَلَمْ يَجْعَل الله الشِّفَاء فِيمَا حرم قَالَ بن الْمُنِيرِ وَنَبَّهَ بِقَوْلِهِ شَرَابُ الْحَلْوَاءِ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتِ الْحَلْوَى الْمَعْهُودَةَ الَّتِي يَتَعَاطَاهَا الْمُتْرَفُونَ الْيَوْمَ وَإِنَّمَا هِيَ حُلْوٌ يُشْرَبُ إِمَّا عَسَلٌ بِمَاءٍ أَو غير ذَلِك مِمَّا يشاكله انْتهى وَيحْتَمل أَنْ تَكُونَ الْحَلْوَى كَانَتْ تُطْلَقُ لِمَا هُوَ أَعَمُّ مِمَّا يُعْقَدُ أَوْ يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ كَمَا أَنَّ الْعَسَلَ قَدْ يُؤْكَلُ إِذَا كَانَ جَامِدًا وَقَدْ يُشْرَبُ إِذَا كَانَ مَائِعًا وَقَدْ يُخْلَطُ فِيهِ الْمَاءُ وَيُذَابُ ثُمَّ يُشْرَبُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامٍ بْنِ عُرْوَةَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ زِيَادَةٌ وَإِنَّ امْرَأَةً مِنْ قَوْمِ حَفْصَةَ أَهْدَتْ لَهَا عُكَّةَ عَسَلٍ فَشَرِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ شَرْبَةً الْحَدِيثَ فِي ذِكْرِ الْمَغَافِيرِ فَ.

     قَوْلُهُ  سَقَتْهُ شَرْبَةً مِنْ عَسَلٍ مُحْتَمِلٌ لِأَنْ يَكُونَ صِرْفًا حَيْثُ يَكُونُ مَائِعًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَمْزُوجًا.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ الْمُرَادُ بِالْحَلْوَى فِي هَذَا الْحَدِيثِ كُلُّ شَيْءٍ حُلْوٍ وَذِكْرُ الْعَسَلِ بَعْدَهَا لِلتَّنْبِيهِ عَلَى شَرَفِهِ وَمَزِيَّتِهِ وَهُوَ مِنَ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ وَفِيهِ جَوَازُ أَكْلِ لَذِيذِ الْأَطْعِمَةِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يُنَافِي الزُّهْدَ وَالْمُرَاقَبَةَ لَا سِيَّمَا إِنْ حَصَلَ اتِّفَاقًا وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيِّ قَالَ قَوْلُ عَائِشَةَ كَانَ يُعْجِبُهُ الْحَلْوَى لَيْسَ عَلَى مَعْنَى كَثْرَةِ التَّشَهِّي لَهَا وَشِدَّةِ نِزَاعِ النَّفْسِ إِلَيْهَا وَتَأَنُّقِ الصَّنْعَةِ فِي اتِّخَاذِهَا كَفِعْلِ أَهْلِ التَّرَفُّهِ وَالشَّرَهِ وَإِنَّمَا كَانَ إِذَا قُدِّمَتْ إِلَيْهِ يَنَالُ مِنْهَا نَيْلًا جَيِّدًا فَيُعْلَمُ بِذَلِكَ أَنَّهُعَامِرٍ هُوَ الْعَقَدِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ الْحَارِثِ هُوَ الْأَنْصَارِيُّ .

     قَوْلُهُ  دَخَلَ عَلَيَّ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ كُنْتُ ذَكَرْتُ فِي الْمُقَدِّمَةِ أَنَّهُ أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيِّهَانِ الْأَنْصَارِيُّ ثُمَّ وَقَفْتُ عَنْ ذَلِكَ لِمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عِيسَى عَنْ فُلَيْحٍ فِي أَوَّلِ حَدِيثَيِ الْبَابِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ قَوْمًا مِنَ الْأَنْصَارِ يَعُودُ مَرِيضًا لَهُمْ وَقِصَّةُ أَبِي الْهَيْثَمِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ واستوعب بن مَرْدَوَيْهِ فِي تَفْسِيرِ التَّكَاثُرِ طُرُقَهُ فَزَادَ عَنِ بن عَبَّاسٍ وَأَبِي عَسِيبٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِهِ عُبَادَةَ فَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهَا قِصَّةٌ أُخْرَى ثُمَّ وَقَفَتْ عَلَى الْمُسْتَنَدِ فِي ذَلِكَ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْهَيْثَمِ بْنِ نَصْرٍ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ خَدَمْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَزِمْتُ بَابَهُ فَكُنْتُ آتِيهِ بِالْمَاءِ مِنْ بِئْرِ جَاشِمٍ وَهِيَ بِئْرُ أَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ التَّيِّهَانِ وَكَانَ مَاؤُهَا طَيِّبًا وَلَقَدْ دَخَلَ يَوْمًا صَائِفًا وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ عَلَى أَبِي الْهَيْثَمِ فَقَالَ هَلْ مِنْ مَاءٍ بَارِدٍ فَأَتَاهُ بِشَجْبٍ فِيهِ مَاءٌ كَأَنَّهُ الثَّلْجُ فَصَبَّهُ عَلَى لَبَنِ عَنْزٍ لَهُ وَسَقَاهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ إِنَّ لَنَا عَرِيشًا بَارِدًا فَقِلْ فِيهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدَنَا فَدَخَلَهُ وَأَبُو بَكْرٍ وَأَتَى أَبُو الْهَيْثَمِ بِأَلْوَانٍ مِنَ الرُّطَبِ الْحَدِيثَ وَالشَّجْبُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ يُتَّخَذُ مِنْ شَنَّةٍ تُقْطَعُ وَيُخْرَزُ رَأْسُهَا .

     قَوْلُهُ  وَمَعَهُ صَاحِبُهُ هُوَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ كَمَا تَرَى .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ لَهُ زَادَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ قَبْلِ هَذَا وَإِلَى جَانِبِهِ مَاءٌ فِي رَكِيٍّ وَهُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْكَافِ وَبَعْدَهَا شِدَّةُ الْبِئْرِ الْمَطْوِيَّةِ وَزَادَ فِي رِوَايَةِ سَتَأْتِي بَعْدَ خَمْسَةِ أَبْوَابٍ فَسَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبُهُ فَرَدَّ الرَّجُلُ أَيْ عَلَيْهِمَا السَّلَامَ .

     قَوْلُهُ  إِنْ كَانَ عِنْدَكَ مَاءٌ بَاتَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ فِي شَنَّةٌ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ وَهِيَ الْقِرْبَةُ الْخَلِقَةُ.

     وَقَالَ  الدَّاوُدِيُّ هِيَ الَّتِي زَالَ شَعْرُهَا مِنَ الْبِلَى قَالَ الْمُهَلَّبُ الْحِكْمَةُ فِي طَلَبِ الْمَاءِ الْبَائِتِ أَنَّهُ يَكُونُ أَبْرَدَ وَأَصْفَى.

.
وَأَمَّا مَزْجُ اللَّبَنِ بِالْمَاءِ فَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ فِي يَوْمٍ حَارٍّ كَمَا وَقَعَ فِي قِصَّةِ أَبِي بَكْرٍ مَعَ الرَّاعِي.

.

قُلْتُ لَكِنِ الْقِصَّتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ فَصَنِيعُ أَبِي بَكْرٍ ذَلِكَ بِاللَّبَنِ لِشِدَّةِ الْحَرِّ وَصَنِيعُ الْأَنْصَارِيِّ لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ لَا يَسْقِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاءً صِرْفًا فَأَرَادَ أَنْ يُضِيفَ إِلَيْهِ اللَّبَنَ فَأَحْضَرَ لَهُ مَا طُلِبَ مِنْهُ وَزَادَ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسٍ جَرَتْ عَادَتُهُ بِالرَّغْبَةِ فِيهِ وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا فِي رِوَايَةِ الْهَيْثَمِ بْنِ نَصْرٍ قَبْلُ أَنَّ الْمَاءَ كَانَ مِثْلَ الثَّلْجِ .

     قَوْلُهُ  وَإِلَّا كَرَعْنَا فِيهِ حَذَفٌ تَقْدِيرُهُ فَاسْقِنَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَكَ كرعنا وَوَقع فِي رِوَايَة بن مَاجَهْ التَّصْرِيحُ بِطَلَبِ السَّقْيِ وَالْكَرْعُ بِالرَّاءِ تَنَاوُلُ الْمَاءِ بِالْفَمِ مِنْ غَيْرِ إِنَاءٍ وَلَا كَفٍّ.

     وَقَالَ  بن التِّينِ حَكَى أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّهُ الشُّرْبُ بِالْيَدَيْنِ مَعًا قَالَ وَأَهْلُ اللُّغَةِ عَلَى خِلَافِهِ قلت وَيَردهُ مَا أخرجه بن ماجة عَن بن عُمَرَ قَالَ مَرَرْنَا عَلَى بِرْكَةٍ فَجَعَلْنَا نَكْرَعُ فِيهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَكْرَعُوا وَلَكِنِ اغْسِلُوا أَيْدِيَكُمْ ثُمَّ اشْرَبُوا بِهَا الْحَدِيثَ وَلَكِنْ فِي سَنَدِهِ ضَعْفٌ فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَالنَّهْيُ فِيهِ لِلتَّنْزِيهِ وَالْفِعْلُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ أَوْ قِصَّةُ جَابِرٍ قَبْلَ النَّهْيِ أَوِ النَّهْيُ فِي غَيْرِ حَالِ الضَّرُورَةِ وَهَذَا الْفِعْلُ كَانَ لِضَرُورَةِ شُرْبِ الْمَاءِ الَّذِي لَيْسَ بِبَارِدٍ فَيَشْرَبُ بِالْكَرْعِ لِضَرُورَةِ الْعَطَشِ لِئَلَّا تَكْرَهَهُ نَفْسُهُ إِذَا تَكَرَّرَتِ الْجَرْعَ فَقَدْ لَا يَبْلُغُ الْغَرَضَ مِنَ الرِّيِّ أَشَارَ إِلَى هَذَا الْأَخِيرِ بن بَطَّالٍ وَإِنَّمَا قِيلَ لِلشُّرْبِ بِالْفَمِ كَرْعٌ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْبَهَائِمِ لِشُرْبِهَا بِأَفْوَاهِهَا وَالْغَالِبُ أَنَّهَا تُدْخِلُ أكارعها حِينَئِذٍ فِي المَاء وَوَقع عِنْد بن ماجة من وَجه آخر عَن بن عُمَرَ فَقَالَ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَشْرَبَ عَلَى بُطُونِنَا وَهُوَ الْكَرْعُ وَسَنَدُهُ أَيْضًا ضَعِيفٌ فَهَذَا إِنْ ثَبَتَ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ خَاصًّا بِهَذِهِ الصُّورَةِ وَهِيَ أَنْ يَكُونَ الشَّارِبُ مُنْبَطِحًا عَلَى بَطْنِهِ وَيُحْمَلُ حَدِيثُ جَابِرٍ عَلَى الشُّرْبِ بِالْفَمِ مِنْ مَكَانٍ عَالٍ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الِانْبِطَاحِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَإِلَّا تَجَرَّعْنَا بِمُثَنَّاةٍ وَجِيمٍ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ أَيْ شَرِبْنَا جَرْعَةً جَرْعَةً وَهَذَا قَدْ يُعَكِّرُ عَلَى الِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  وَالرَّجُلُ يُحَوِّلُ الْمَاءَ فِي حَائِطِهِ أَيْ يَنْقُلُ الْمَاءَ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ آخَرَ مِنَ الْبُسْتَانِ لِيَعُمَّأَشْجَارَهُ بِالسَّقْيِ وَسَيَأْتِي بَعْدَ خَمْسَةِ أَبْوَابٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِلَفْظِ وَهُوَ يُحَوِّلُ فِي حَائِطٍ لَهُ يَعْنِي الْمَاءَ وَفِي لَفْظٍ لَهُ يُحَوِّلُ الْمَاءَ فِي الْحَائِطِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ وَقَعَ مِنْهُ تَحْوِيلُ الْمَاءِ مِنَ الْبِئْرِ مَثَلًا إِلَى أَعْلَاهَا ثُمَّ حَوَّلَهُ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ .

     قَوْلُهُ  إِلَى الْعَرِيشِ هُوَ خَيْمَةٌ مِنْ خَشَبٍ وَثُمَامٍ بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ مُخَفَّفًا وَهُوَ نَبَاتٌ ضَعِيفٌ لَهُ خَوَاصٌّ وَقَدْ يُجْعَلُ مِنَ الْجَرِيدِ كَالْقُبَّةِ أَوْ مِنَ الْعِيدَانِ وَيُظَلَّلُ عَلَيْهَا .

     قَوْلُهُ  فَسَكَبَ فِي قَدَحٍ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ فَسَكَبَ مَاءً فِي قَدَحٍ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ حَلَبَ عَلَيْهِ مِنْ دَاجِن لَهُ فِي رِوَايَة أَحْمد وبن مَاجَهْ فَحَلَبَ لَهُ شَاةً ثُمَّ صَبَّ عَلَيْهِ مَاءً بَاتَ فِي شَنٍّ وَالدَّاجِنُ بِجِيمٍ وَنُونٍ الشَّاةُ الَّتِي تَأْلَفُ الْبُيُوتَ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ شَرِبَ الرَّجُلُ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَشَرِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَقَى صَاحِبَهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الرَّجُلَ شَرِبَ فَضْلَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم لَكِن فِي رِوَايَة لِأَحْمَد أَيْضا وبن مَاجَهْ ثُمَّ سَقَاهُ ثُمَّ صَنَعَ لِصَاحِبِهِ مِثْلَ ذَلِكَ أَيْ حَلَبَ لَهُ أَيْضًا وَسَكَبَ عَلَيْهِ الْمَاءَ الْبَائِتَ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْمِثْلِيَّةُ فِي مُطْلَقِ الشُّرْبِ قَالَ الْمُهَلَّبُ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِشُرْبِ الْمَاءِ الْبَارِدِ فِي الْيَوْمِ الْحَارِّ وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ النِّعَمِ الَّتِي امْتَنَّ اللَّهُ بِهَا عَلَى عِبَادِهِ وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَمْ أُصِحَّ جِسْمَكَ وَأَرْوِيكَ مِنَ الْمَاءِ الْبَارِد ( قَولُهُ بَابُ شَرَابِ الْحَلْوَاءِ وَالْعَسَلِ) فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي الْحَلْوَاءُ بِالْمَدِّ وَلِغَيْرِهِ بِالْقَصْرِ وَهُمَا لُغَتَانِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ هِيَ مَا يُعْقَدُ مِنَ الْعَسَلِ وَنَحْوه.

     وَقَالَ  بن التِّينِ عَنِ الدَّاوُدِيِّ هِيَ النَّقِيعُ الْحُلْوُ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ تَبْوِيبُ الْبُخَارِيِّ شَرَابُ الْحَلْوَاءِ كَذَا قَالَ وَإِنَّمَا هُوَ نَوْعٌ مِنْهَا وَالَّذِي قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ هُوَ مُقْتَضى الْعرف.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ الْحَلْوَى كُلُّ شَيْءٍ حُلْوٍ وَهُوَ كَمَا قَالَ لَكِنِ اسْتَقَرَّ الْعُرْفُ عَلَى تَسْمِيَةِ مَا لَا يُشْرَبُ مِنْ أَنْوَاعِ الْحُلْوِ حَلْوَى وَلِأَنْوَاعِ مَا يُشْرَبُ مَشْرُوبٌ وَنَقِيعٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُ مِمَّا قَالَ اخْتِصَاصُ الْحَلْوَى بِالْمَشْرُوبِ .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  الزُّهْرِيُّ لَا يَحِلُّ شُرْبُ بَوْلِ النَّاسِ لِشِدَّةٍ تَنْزِلُ لِأَنَّهُ رِجْسٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أحل لكم الطَّيِّبَات وَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَوَجهه بن التِّينِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمَّى الْبَوْلَ رِجْسًا.

     وَقَالَ  اللَّهُ تَعَالَى وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِم الْخَبَائِث وَالرِّجْسُ مِنْ جُمْلَةِ الْخَبَائِثِ وَيَرُدُّ عَلَى اسْتِدْلَالِ الزُّهْرِيِّ جَوَازُ أَكْلِ الْمَيْتَةِ عِنْدَ الشِّدَّةِ وَهِيَ رِجْس أَيْضا وَلِهَذَا قَالَ بن بَطَّالٍ الْفُقَهَاءُ عَلَى خِلَافِ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ وَأَشَدُّ حَالِ الْبَوْلِ أَنْ يَكُونَ فِي النَّجَاسَةِ وَالتَّحْرِيمِ مِثْلَ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي جَوَازِ تَنَاوُلِهَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَأَجَابَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِاحْتِمَالِ أَنَّهُ كَانَ يَرَى أَنَّ الْقِيَاسَ لَا يُدْخِلُ الرُّخَصَ وَالرُّخْصَةُ فِي الْمَيْتَةِ لَا فِي الْبَوْلِ.

.

قُلْتُ وَلَيْسَ هَذَا بَعِيدًا مِنْ مَذْهَبِ الزُّهْرِيِّ فَقَدِ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشّعب من رِوَايَة بن أَخِي الزُّهْرِيِّ قَالَ كَانَ الزُّهْرِيُّ يَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فِي السَّفَرِ فَقِيلَ لَهُ أَنْتَ تُفْطِرُ فِيرَمَضَانَ إِذَا كُنْتَ مُسَافِرًا فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي رَمَضَانَ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أخر وَلَيْسَ ذَلِك لعاشوراء قَالَ بن التِّينِ وَقَدْ يُقَالُ إِنَّ الْمَيْتَةَ لِسَدِّ الرَّمَقِ وَالْبَوْلُ لَا يَدْفَعُ الْعَطَشَ فَإِنْ صَحَّ هَذَا صَحَّ مَا قَالَ الزُّهْرِيُّ إِذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ.

.

قُلْتُ وَسَيَأْتِي نَظِيرُهُ فِي الْأَثَرِ الَّذِي بعده قَوْله.

     وَقَالَ  بن مَسْعُودٍ فِي السَّكَرِ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حُرِّمَ عَلَيْكُم قَالَ بن التِّينِ اخْتُلِفَ فِي السَّكَرِ بِفَتْحَتَيْنِ فَقِيلَ هُوَ الْخَمْرُ وَقِيلَ مَا يَجُوزُ شُرْبُهُ كَنَقِيعِ التَّمْرِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَدَّ وَكَالْخَلِّ وَقِيلَ هُوَ نَبِيذُ التَّمْرِ إِذَا اشْتَدَّ.

.

قُلْتُ وَتَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ النَّحْلِ عَنِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ السَّكَرَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حسنا وَهُوَ مَا حُرِّمَ مِنْهَا وَالرِّزْقُ الْحَسَنُ مَا أُحِلَّ وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي رَزِينٍ أَحَدِ كِبَارِ التَّابِعِينَ قَالَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَمِنْ طَرِيقِ النَّخَعِيِّ نَحْوُهُ وَمِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ بِمَعْنَاهُ ثُمَّ أَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ قَالَ السَّكَرُ نَقِيعُ الزَّبِيبِ يَعْنِي قَبْلَ أَنْ يَشْتَدَّ وَالْخَلُّ وَاخْتَارَ الطَّبَرِيُّ هَذَا الْقَوْلَ وَانْتَصَرَ لَهُ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُ مِنْهُ دَعْوَى نَسْخٍ وَيَسْتَمِرُّ الِامْتِنَانُ بِمَا تَضَمَّنَتْهُ الْآيَةُ عَلَى ظَاهِرِهِ بِخِلَافِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ النَّسْخَ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ.

.

قُلْتُ وَهَذَا فِي الْآيَةِ مُحْتَمَلٌ لَكِنَّهُ فِي هَذَا الْأَثَرِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُسْكِرِ وَقَدْ أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَنِ النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُمْ قَالُوا السَّكَرُ خَمْرٌ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ السَّكَرَ بِلُغَةِ الْعَجَمِ الْخَمْرُ وَبِلُغَةِ الْعَرَبِ النَّقِيعُ قَبْلَ أَنْ يَشْتَدَّ وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ قَالَ السَّكَرُ خُمُورُ الْأَعَاجِمِ وَعَلَى هَذَا ينطبق قَول بن مَسْعُودٍ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حُرِّمَ عَلَيْكُم وَنقل بن التِّين عَن الشَّيْخ أبي الْحسن يَعْنِي بن الْقَصَّارِ إِنْ كَانَ أَرَادَ مُسْكِرَ الْأَشْرِبَةِ فَلَعَلَّهُ سَقَطَ مِنَ الْكَلَامِ ذِكْرُ السُّؤَالِ وَإِنْ كَانَ أَرَادَ السُّكْرَ بِالضَّمِّ وَسُكُونِ الْكَافِ قَالَ فَأَحْسَبُهُ هَذَا أَرَادَ لِأَنَّنِي أَظُنُّ أَنَّ عِنْدَ بَعْضِ الْمُفَسّرين سُئِلَ بن مَسْعُودٍ عَنْ التَّدَاوِي بِشَيْءٍ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ فَأَجَابَ بِذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِ الْبُخَارِيِّ.

.

قُلْتُ قَدْ رَوَيْتُ الْأَثَرَ الْمَذْكُورَ فِي فَوَائِدِ عَلِيِّ بْنِ حَرْبٍ الطَّائِيِّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ اشْتَكَى رَجُلٌ مِنَّا يُقَالُ لَهُ خُثَيْمُ بْنُ الْعَدَّاءِ دَاءً بِبَطْنِهِ يُقَالُ لَهُ الصُّفْرُ فَنُعِتَ لَهُ السَّكَرُ فَأرْسل إِلَى بن مَسْعُود يسْأَله فَذكره وَأخرجه بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ مَنْصُورٍ وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي وَائِلٍ نَحْوَهُ وَرُوِّينَا فِي نُسْخَةِ دَاوُدَ بْنِ نَصِيرٍ الطَّائِيِّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ قَالَ عبد الله هُوَ بن مَسْعُودٍ لَا تَسْقُوا أَوْلَادَكُمُ الْخَمْرَ فَإِنَّهُمْ وُلِدُوا عَلَى الْفِطْرَةِ وَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَأخرجه بن أبي شيبَة من وَجه آخر عَن بن مَسْعُودٍ كَذَلِكَ وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ أَوَّلًا فِي تَفْسِيرِ السَّكَرِ وَأَخْرَجَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ قَالَ أَتَيْنَا عَبْدَ اللَّهِ فِي مُجَدَّرِينَ أَوْ مُحَصَّبِينَ نُعِتَ لَهُم السكر فَذكر مثله ولجواب بن مَسْعُودٍ شَاهِدٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى وَصَحَّحَهُ بن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتِ اشْتَكَتْ بِنْتٌ لِي فَنَبَذْتُ لَهَا فِي كُوزٍ فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَغْلِي فَقَالَ مَا هَذَا فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ ثُمَّ حكى بن التِّين عَن الدَّاودِيّ قَالَ قَول بن مَسْعُودٍ حَقٌّ لِأَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْخَمْرَ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا ضَرُورَةً وَأَبَاحَ الْمَيْتَةَ وَأَخَوَاتِهَا فِي الضَّرُورَة قَالَ ففهم الدَّاودِيّ أَن بن مَسْعُودٍ تَكَلَّمَ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْخَمْرِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا تَكَلَّمَ عَلَى التَّدَاوِي بِهَا فَمَنَعَهُ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَجِدُ مَنْدُوحَةً عَنِ التَّدَاوِي بِهَا وَلَا يُقْطَعُ بِنَفْعِهِ بِخِلَافِ الْمَيْتَةِ فِي سَدِّ الرَّمَقِ وَكَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ جَوَازِ إِسَاغَةِ اللُّقْمَةِ لِمَنْ شَرِقَ بِهَا بِالْجَرْعَةِ مِنَ الْخَمْرِ فَيَجُوزُ وَبَيْنَ التَّدَاوِي بِهَا فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْإِسَاغَةَ تَتَحَقَّقُ بِهَا بِخِلَافِ الشِّفَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ وَنَقَلَ الطَّحَاوِيُّ عَنِ الشَّافِعِي أَنهقَالَ لَا يَجُوزُ سَدُّ الرَّمَقِ مِنَ الْجُوعِ وَلَا مِنَ الْعَطَشِ بِالْخَمْرِ لِأَنَّهَا لَا تَزِيدُهُ إِلَّا جُوعًا وَعَطَشًا وَلِأَنَّهَا تَذْهَبُ بِالْعَقْلِ.

.
وَتَعَقَّبَهُ بِأَنَّهُ إِنْ كَانَتْ لَا تَسُدُّ مِنَ الْجُوعِ وَلَا تَرْوِي مِنَ الْعَطَشِ لَمْ يَرِدِ السُّؤَالُ أَصْلًا.

.
وَأَمَّا إِذْهَابُهَا الْعَقْلَ فَلَيْسَ الْبَحْثُ فِيهِ بَلْ هُوَ فِيمَا يُسَدُّ بِهِ الرَّمَقُ وَقَدْ لَا يَبْلُغُ إِلَى حَدِّ إِذْهَابِ الْعَقْلِ.

.

قُلْتُ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ أَرَادَ أَنْ يُرَدِّدَ الْأَمْرَ بِأَنَّ التَّنَاوُلَ مِنْهَا إِنْ كَانَ يَسِيرًا فَهُوَ لَا يُغْنِي مِنَ الْجُوعِ وَلَا يَرْوِي من الْعَطش وَإِن كَانَ كَثِيرًا فَهُوَ يُذْهِبُ الْعَقْلَ وَلَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِجَوَازِ التَّدَاوِي بِمَا يُذْهِبُ الْعَقْلَ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَتَدَاوَى مِنْ شَيْءٍ فَيَقَعُ فِي أَشَدَّ مِنْهُ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي جَوَازِ شُرْبِ الْخَمْرِ لِلتَّدَاوِي وَلِلْعَطَشِ قَالَ مَالِكٌ لَا يَشْرَبُهَا لِأَنَّهَا لَا تَزِيدُهُ إِلَّا عَطَشًا وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لَكِنِ التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي قَصْرَ الْمَنْعِ عَلَى الْمُتَّخَذِ مِنْ شَيْءٍ يَكُونُ بِطَبْعِهِ حَارًّا كَالْعِنَبِ وَالزَّبِيبِ أَمَّا الْمُتَّخَذُ مِنْ شَيْءٍ بَارِدٍ كَالشَّعِيرِ فَلَا.

.
وَأَمَّا التَّدَاوِي فَإِنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ إِنَّ الْمَنَافِعَ الَّتِي كَانَتْ فِيهَا قَبْلَ التَّحْرِيمِ سُلِبَتْ بَعْدَ التَّحْرِيمِ بِدَلِيلِ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ وَأَيْضًا فَتَحْرِيمُهَا مَجْزُومٌ بِهِ وَكَوْنُهَا دَوَاءٌ مَشْكُوكٌ بَلْ يَتَرَجَّحُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِدَوَاءٍ بِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ ثُمَّ الْخِلَافُ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا لَا يُسْكِرُ مِنْهَا أَمَّا مَا يُسْكِرُ مِنْهَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ تَعَاطِيهِ فِي التَّدَاوِي إِلَّا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ مَنِ اضْطُرَّ إِلَى إِزَالَةِ عَقْلِهِ لِقَطْعِ عُضْوٍ مِنَ الْأَكِلَةِ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ فَقَدِ اطْلَقَ الرَّافِعِيُّ تَخْرِيجَهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي التَّدَاوِي وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ هُنَا الْجَوَازَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ فِيمَا إِذَا تَعَيَّنَ ذَاكَ طَرِيقًا إِلَى سَلَامَةِ بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ وَلَمْ يَجِدْ مَرْقَدًا غَيْرَهَا وَقَدْ صَرَّحَ مَنْ أَجَازَ التَّدَاوِي بِالثَّانِي وَأَجَازَهُ الْحَنَفِيَّةُ مُطْلَقًا لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تُبِيحُ الْمَيْتَةَ وَهِيَ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَنْقَلِبَ إِلَى حَالَةٍ تَحِلُّ فِيهَا فَالْخَمْرُ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تَنْقَلِبَ خَلًّا فَتَصِيرُ حَلَالًا أَوْلَى وَعَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ إِنْ دَعَتْهُ إِلَيْهَا ضَرُورَةٌ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَتَخَلَّصُ بِشُرْبِهَا جَازَ كَمَا لَوْ غُصَّ بِلُقْمَةٍ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْغَصِّ الْجَوَازُ وَهَذَا لَيْسَ مِنَ التَّدَاوِي الْمَحْضِ وَسَيَأْتِي فِي أَوَاخِرِ الطِّبِّ مَا يَدُلُّ عَلَى النَّهْيِ عَنِ التَّدَاوِي بِالْخَمْرِ وَهُوَ يُؤَيِّدُ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ ثُمَّ سَاقَ الْبُخَارِيُّ حَدِيثِ عَائِشَةَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ الْحَلْوَاءَ وَالْعَسَلَ قَالَ بن الْمُنِيرِ تَرْجَمَ عَلَى شَيْءٍ وَأَعْقَبَهُ بِضِدِّهِ وَبِضِدِّهَا تَتَبَيَّنُ الْأَشْيَاءُ ثُمَّ عَادَ إِلَى مَا يُطَابِقُ التَّرْجَمَةَ نَصًّا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِقَوْلِ الزُّهْرِيّ الْإِشَارَة بقوله تَعَالَى أحل لكم الطَّيِّبَات إِلَى أَنَّ الْحَلْوَاءَ وَالْعَسَلَ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فَهُوَ حَلَال وَبقول بن مَسْعُودٍ الْإِشَارَةَ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ فَدَلَّ الِامْتِنَانُ بِهِ عَلَى حِلِّهِ فَلَمْ يَجْعَل الله الشِّفَاء فِيمَا حرم قَالَ بن الْمُنِيرِ وَنَبَّهَ بِقَوْلِهِ شَرَابُ الْحَلْوَاءِ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتِ الْحَلْوَى الْمَعْهُودَةَ الَّتِي يَتَعَاطَاهَا الْمُتْرَفُونَ الْيَوْمَ وَإِنَّمَا هِيَ حُلْوٌ يُشْرَبُ إِمَّا عَسَلٌ بِمَاءٍ أَو غير ذَلِك مِمَّا يشاكله انْتهى وَيحْتَمل أَنْ تَكُونَ الْحَلْوَى كَانَتْ تُطْلَقُ لِمَا هُوَ أَعَمُّ مِمَّا يُعْقَدُ أَوْ يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ كَمَا أَنَّ الْعَسَلَ قَدْ يُؤْكَلُ إِذَا كَانَ جَامِدًا وَقَدْ يُشْرَبُ إِذَا كَانَ مَائِعًا وَقَدْ يُخْلَطُ فِيهِ الْمَاءُ وَيُذَابُ ثُمَّ يُشْرَبُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامٍ بْنِ عُرْوَةَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ زِيَادَةٌ وَإِنَّ امْرَأَةً مِنْ قَوْمِ حَفْصَةَ أَهْدَتْ لَهَا عُكَّةَ عَسَلٍ فَشَرِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ شَرْبَةً الْحَدِيثَ فِي ذِكْرِ الْمَغَافِيرِ فَ.

     قَوْلُهُ  سَقَتْهُ شَرْبَةً مِنْ عَسَلٍ مُحْتَمِلٌ لِأَنْ يَكُونَ صِرْفًا حَيْثُ يَكُونُ مَائِعًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَمْزُوجًا.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ الْمُرَادُ بِالْحَلْوَى فِي هَذَا الْحَدِيثِ كُلُّ شَيْءٍ حُلْوٍ وَذِكْرُ الْعَسَلِ بَعْدَهَا لِلتَّنْبِيهِ عَلَى شَرَفِهِ وَمَزِيَّتِهِ وَهُوَ مِنَ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ وَفِيهِ جَوَازُ أَكْلِ لَذِيذِ الْأَطْعِمَةِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يُنَافِي الزُّهْدَ وَالْمُرَاقَبَةَ لَا سِيَّمَا إِنْ حَصَلَ اتِّفَاقًا وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيِّ قَالَ قَوْلُ عَائِشَةَ كَانَ يُعْجِبُهُ الْحَلْوَى لَيْسَ عَلَى مَعْنَى كَثْرَةِ التَّشَهِّي لَهَا وَشِدَّةِ نِزَاعِ النَّفْسِ إِلَيْهَا وَتَأَنُّقِ الصَّنْعَةِ فِي اتِّخَاذِهَا كَفِعْلِ أَهْلِ التَّرَفُّهِ وَالشَّرَهِ وَإِنَّمَا كَانَ إِذَا قُدِّمَتْ إِلَيْهِ يَنَالُ مِنْهَا نَيْلًا جَيِّدًا فَيُعْلَمُ بِذَلِكَ أَنَّهُمِنْهُمَا مِنْ جِنْسِ مَا يُسْكِرُ وَإِنَّمَا كَانُوا يمزجون اللَّبن بِالْمَاءِ لِأَن اللَّبن عِنْد الْحَلب يَكُونُ حَارًّا وَتِلْكَ الْبِلَادُ فِي الْغَالِبِ حَارَّةٌ فَكَانُوا يَكْسِرُونَ حَرَّ اللَّبَنِ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَينِ الْأَوَّلُ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [ قــ :5314 ... غــ :5613] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ الْجُعْفِيُّ وَأَبُو عَامِرٍ هُوَ الْعَقَدِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ الْحَارِثِ هُوَ الْأَنْصَارِيُّ .

     قَوْلُهُ  دَخَلَ عَلَيَّ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ كُنْتُ ذَكَرْتُ فِي الْمُقَدِّمَةِ أَنَّهُ أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيِّهَانِ الْأَنْصَارِيُّ ثُمَّ وَقَفْتُ عَنْ ذَلِكَ لِمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عِيسَى عَنْ فُلَيْحٍ فِي أَوَّلِ حَدِيثَيِ الْبَابِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ قَوْمًا مِنَ الْأَنْصَارِ يَعُودُ مَرِيضًا لَهُمْ وَقِصَّةُ أَبِي الْهَيْثَمِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ واستوعب بن مَرْدَوَيْهِ فِي تَفْسِيرِ التَّكَاثُرِ طُرُقَهُ فَزَادَ عَنِ بن عَبَّاسٍ وَأَبِي عَسِيبٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِهِ عُبَادَةَ فَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهَا قِصَّةٌ أُخْرَى ثُمَّ وَقَفَتْ عَلَى الْمُسْتَنَدِ فِي ذَلِكَ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْهَيْثَمِ بْنِ نَصْرٍ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ خَدَمْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَزِمْتُ بَابَهُ فَكُنْتُ آتِيهِ بِالْمَاءِ مِنْ بِئْرِ جَاشِمٍ وَهِيَ بِئْرُ أَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ التَّيِّهَانِ وَكَانَ مَاؤُهَا طَيِّبًا وَلَقَدْ دَخَلَ يَوْمًا صَائِفًا وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ عَلَى أَبِي الْهَيْثَمِ فَقَالَ هَلْ مِنْ مَاءٍ بَارِدٍ فَأَتَاهُ بِشَجْبٍ فِيهِ مَاءٌ كَأَنَّهُ الثَّلْجُ فَصَبَّهُ عَلَى لَبَنِ عَنْزٍ لَهُ وَسَقَاهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ إِنَّ لَنَا عَرِيشًا بَارِدًا فَقِلْ فِيهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدَنَا فَدَخَلَهُ وَأَبُو بَكْرٍ وَأَتَى أَبُو الْهَيْثَمِ بِأَلْوَانٍ مِنَ الرُّطَبِ الْحَدِيثَ وَالشَّجْبُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ يُتَّخَذُ مِنْ شَنَّةٍ تُقْطَعُ وَيُخْرَزُ رَأْسُهَا .

     قَوْلُهُ  وَمَعَهُ صَاحِبُهُ هُوَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ كَمَا تَرَى .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ لَهُ زَادَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ قَبْلِ هَذَا وَإِلَى جَانِبِهِ مَاءٌ فِي رَكِيٍّ وَهُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْكَافِ وَبَعْدَهَا شِدَّةُ الْبِئْرِ الْمَطْوِيَّةِ وَزَادَ فِي رِوَايَةِ سَتَأْتِي بَعْدَ خَمْسَةِ أَبْوَابٍ فَسَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبُهُ فَرَدَّ الرَّجُلُ أَيْ عَلَيْهِمَا السَّلَامَ .

     قَوْلُهُ  إِنْ كَانَ عِنْدَكَ مَاءٌ بَاتَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ فِي شَنَّةٌ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ وَهِيَ الْقِرْبَةُ الْخَلِقَةُ.

     وَقَالَ  الدَّاوُدِيُّ هِيَ الَّتِي زَالَ شَعْرُهَا مِنَ الْبِلَى قَالَ الْمُهَلَّبُ الْحِكْمَةُ فِي طَلَبِ الْمَاءِ الْبَائِتِ أَنَّهُ يَكُونُ أَبْرَدَ وَأَصْفَى.

.
وَأَمَّا مَزْجُ اللَّبَنِ بِالْمَاءِ فَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ فِي يَوْمٍ حَارٍّ كَمَا وَقَعَ فِي قِصَّةِ أَبِي بَكْرٍ مَعَ الرَّاعِي.

.

قُلْتُ لَكِنِ الْقِصَّتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ فَصَنِيعُ أَبِي بَكْرٍ ذَلِكَ بِاللَّبَنِ لِشِدَّةِ الْحَرِّ وَصَنِيعُ الْأَنْصَارِيِّ لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ لَا يَسْقِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاءً صِرْفًا فَأَرَادَ أَنْ يُضِيفَ إِلَيْهِ اللَّبَنَ فَأَحْضَرَ لَهُ مَا طُلِبَ مِنْهُ وَزَادَ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسٍ جَرَتْ عَادَتُهُ بِالرَّغْبَةِ فِيهِ وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا فِي رِوَايَةِ الْهَيْثَمِ بْنِ نَصْرٍ قَبْلُ أَنَّ الْمَاءَ كَانَ مِثْلَ الثَّلْجِ .

     قَوْلُهُ  وَإِلَّا كَرَعْنَا فِيهِ حَذَفٌ تَقْدِيرُهُ فَاسْقِنَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَكَ كرعنا وَوَقع فِي رِوَايَة بن مَاجَهْ التَّصْرِيحُ بِطَلَبِ السَّقْيِ وَالْكَرْعُ بِالرَّاءِ تَنَاوُلُ الْمَاءِ بِالْفَمِ مِنْ غَيْرِ إِنَاءٍ وَلَا كَفٍّ.

     وَقَالَ  بن التِّينِ حَكَى أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّهُ الشُّرْبُ بِالْيَدَيْنِ مَعًا قَالَ وَأَهْلُ اللُّغَةِ عَلَى خِلَافِهِ قلت وَيَردهُ مَا أخرجه بن ماجة عَن بن عُمَرَ قَالَ مَرَرْنَا عَلَى بِرْكَةٍ فَجَعَلْنَا نَكْرَعُ فِيهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَكْرَعُوا وَلَكِنِ اغْسِلُوا أَيْدِيَكُمْ ثُمَّ اشْرَبُوا بِهَا الْحَدِيثَ وَلَكِنْ فِي سَنَدِهِ ضَعْفٌ فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَالنَّهْيُ فِيهِ لِلتَّنْزِيهِ وَالْفِعْلُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ أَوْ قِصَّةُ جَابِرٍ قَبْلَ النَّهْيِ أَوِ النَّهْيُ فِي غَيْرِ حَالِ الضَّرُورَةِ وَهَذَا الْفِعْلُ كَانَ لِضَرُورَةِ شُرْبِ الْمَاءِ الَّذِي لَيْسَ بِبَارِدٍ فَيَشْرَبُ بِالْكَرْعِ لِضَرُورَةِ الْعَطَشِ لِئَلَّا تَكْرَهَهُ نَفْسُهُ إِذَا تَكَرَّرَتِ الْجَرْعَ فَقَدْ لَا يَبْلُغُ الْغَرَضَ مِنَ الرِّيِّ أَشَارَ إِلَى هَذَا الْأَخِيرِ بن بَطَّالٍ وَإِنَّمَا قِيلَ لِلشُّرْبِ بِالْفَمِ كَرْعٌ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْبَهَائِمِ لِشُرْبِهَا بِأَفْوَاهِهَا وَالْغَالِبُ أَنَّهَا تُدْخِلُ أكارعها حِينَئِذٍ فِي المَاء وَوَقع عِنْد بن ماجة من وَجه آخر عَن بن عُمَرَ فَقَالَ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَشْرَبَ عَلَى بُطُونِنَا وَهُوَ الْكَرْعُ وَسَنَدُهُ أَيْضًا ضَعِيفٌ فَهَذَا إِنْ ثَبَتَ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ خَاصًّا بِهَذِهِ الصُّورَةِ وَهِيَ أَنْ يَكُونَ الشَّارِبُ مُنْبَطِحًا عَلَى بَطْنِهِ وَيُحْمَلُ حَدِيثُ جَابِرٍ عَلَى الشُّرْبِ بِالْفَمِ مِنْ مَكَانٍ عَالٍ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الِانْبِطَاحِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَإِلَّا تَجَرَّعْنَا بِمُثَنَّاةٍ وَجِيمٍ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ أَيْ شَرِبْنَا جَرْعَةً جَرْعَةً وَهَذَا قَدْ يُعَكِّرُ عَلَى الِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  وَالرَّجُلُ يُحَوِّلُ الْمَاءَ فِي حَائِطِهِ أَيْ يَنْقُلُ الْمَاءَ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ آخَرَ مِنَ الْبُسْتَانِ لِيَعُمَّ أَشْجَارَهُ بِالسَّقْيِ وَسَيَأْتِي بَعْدَ خَمْسَةِ أَبْوَابٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِلَفْظِ وَهُوَ يُحَوِّلُ فِي حَائِطٍ لَهُ يَعْنِي الْمَاءَ وَفِي لَفْظٍ لَهُ يُحَوِّلُ الْمَاءَ فِي الْحَائِطِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ وَقَعَ مِنْهُ تَحْوِيلُ الْمَاءِ مِنَ الْبِئْرِ مَثَلًا إِلَى أَعْلَاهَا ثُمَّ حَوَّلَهُ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ .

     قَوْلُهُ  إِلَى الْعَرِيشِ هُوَ خَيْمَةٌ مِنْ خَشَبٍ وَثُمَامٍ بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ مُخَفَّفًا وَهُوَ نَبَاتٌ ضَعِيفٌ لَهُ خَوَاصٌّ وَقَدْ يُجْعَلُ مِنَ الْجَرِيدِ كَالْقُبَّةِ أَوْ مِنَ الْعِيدَانِ وَيُظَلَّلُ عَلَيْهَا .

     قَوْلُهُ  فَسَكَبَ فِي قَدَحٍ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ فَسَكَبَ مَاءً فِي قَدَحٍ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ حَلَبَ عَلَيْهِ مِنْ دَاجِن لَهُ فِي رِوَايَة أَحْمد وبن مَاجَهْ فَحَلَبَ لَهُ شَاةً ثُمَّ صَبَّ عَلَيْهِ مَاءً بَاتَ فِي شَنٍّ وَالدَّاجِنُ بِجِيمٍ وَنُونٍ الشَّاةُ الَّتِي تَأْلَفُ الْبُيُوتَ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ شَرِبَ الرَّجُلُ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَشَرِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَقَى صَاحِبَهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الرَّجُلَ شَرِبَ فَضْلَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم لَكِن فِي رِوَايَة لِأَحْمَد أَيْضا وبن مَاجَهْ ثُمَّ سَقَاهُ ثُمَّ صَنَعَ لِصَاحِبِهِ مِثْلَ ذَلِكَ أَيْ حَلَبَ لَهُ أَيْضًا وَسَكَبَ عَلَيْهِ الْمَاءَ الْبَائِتَ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْمِثْلِيَّةُ فِي مُطْلَقِ الشُّرْبِ قَالَ الْمُهَلَّبُ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِشُرْبِ الْمَاءِ الْبَارِدِ فِي الْيَوْمِ الْحَارِّ وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ النِّعَمِ الَّتِي امْتَنَّ اللَّهُ بِهَا عَلَى عِبَادِهِ وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَمْ أُصِحَّ جِسْمَكَ وَأَرْوِيكَ مِنَ الْمَاءِ الْبَارِد

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :5314 ... غــ : 5613 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، دَخَلَ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ وَمَعَهُ صَاحِبٌ لَهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنْ كَانَ عِنْدَكَ مَاءٌ بَاتَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ فِي شَنَّةٍ وَإِلاَّ كَرَعْنَا».
قَالَ: وَالرَّجُلُ يُحَوِّلُ الْمَاءَ فِي حَائِطِهِ قَالَ: فَقَالَ الرَّجُلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، عِنْدِي مَاءٌ بَائِتٌ فَانْطَلِقْ إِلَى الْعَرِيشِ قَالَ: فَانْطَلَقَ بِهِمَا فَسَكَبَ فِي قَدَحٍ ثُمَّ حَلَبَ عَلَيْهِ مِنْ دَاجِنٍ لَهُ قَالَ: فَشَرِبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ شَرِبَ الرَّجُلُ الَّذِي جَاءَ مَعَهُ.
[الحديث 5613 - أطرافه في: 5621] .

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي الجعفي قال: ( حدّثنا أبو عامر) عبد الملك العقدي بفتح العين المهملة والقاف قال: ( حدّثنا فليح بن سليمان) بفاء مضمومة آخره مهملة وضم السين مصغرين العدوي مولاهم المدني ( عن سعيد بن الحارث) الأنصاري قاضي المدينة ( عن جابر بن عبد الله) الأنصاري ( -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل على رجل من الأنصار) قيل هو أبو الهيثم بن التيهان الأنصاري ( ومعه صاحب له) هو أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- ( فقال له) أي للرجل الأنصاري الذي دخل عليه ( النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( إن كان عندك ماء بات هذه الليلة في شنة) بفتح الشين المعجمة والنون المشدّدة قربة خلقة فاسقنا منها ( وإلاّ كرعنا) بفتح الراء وتكسر شربنا من غير إناء ولا كف بل بالفم ( قال) جابر ( والرجل) الأنصاري ( يحول الماء في حائطه) ينقله من عمق البئر إلى ظاهرها أو يجري الماء جانب إلى جانب من بستانه ليعم أشجاره بالسقي ( قال) جابر ( فقال الرجل) الأنصاري وسقط لابن عساكر لفظ الرجل ( يا رسول الله عندي ماء بائت فانطلق) بكسر اللام وسكون القاف ( إلى العريش) المسقف من البستان بالأغصان وأكثر ما يكون في الكروم ( قال فانطلق) الرجل الأنصاري ( بهما) بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبالصديق -رضي الله عنه- إلى العريش ( فسكب في قدح) ماء ( ثم حلب عليه) لبنًا ( من داجن له) بالجيم والنون شاة تألف البيوت ( قال) جابر ( فشرب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم شرب الرجل الذي جاء معه) وهو أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-.

وهذا الحديث أخرجه أبو داود وابن ماجة في الأشربة.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :5314 ... غــ :5613 ]
- حدّثناعبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حدَّثنا أبُو عامِرٍ حَدثنَا فُليْحُ بن سُليْمانَ عَن سَعيدِ بنِ الحارثِ عنْ جابِر بنِ عبْدِ الله رَضِي الله عَنْهُمَا أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، دَخَلَ عَلى رجُلٍ مِنَ الأنْصارِ ومَعَهُ صاحبٌ لهُ، فَقَالَ لهُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن كَانَ عِنْدَكَ ماءٌ باتَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ فِي شَنةٍ وإلاَّ كَرَعْنا، قَالَ: والرَّجُلُ يُحَوِّلُ الماءَ فِي حائِطِهِ قَالَ: فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رسُولَ الله! عِنْدِي ماءٌ بائِتٌ، فانْطَلِقْ إِلَى العَرِيشِ، قَالَ: فانْطَلَقَ بِهِما فَسَكَبَ فِي قَدَح ثمَّ حَلَبَ عَلَيْهِ منْ دَاجِنٍ لهُ، قَالَ: فَشَرِبَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ شَرِبَ الرَّجُلُ الَّذِي جاءَ مَعَهُ.
(انْظُر الحَدِيث: 5613 طرفه فِي 5621) .


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَعبد الله بن مُحَمَّد الْجعْفِيّ الْمَعْرُوف بالمسندي، وَأَبُو عَامر عبد الْملك بن عَمْرو الْعَقدي بِفتْحَتَيْنِ.

والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَشْرِبَة عَن أبي عَامر أَيْضا، وَعَن يحيى بن صَالح.
وَأخرجه ابْن ماجة فِيهِ عَن أَحْمد بن مَنْصُور الزيَادي.

قَوْله: (على رجل من الْأَنْصَار) قيل: إِنَّه أَبُو الْهَيْثَم بن التيهَان الْأنْصَارِيّ.
قَوْله: (وَمَعَهُ) أَي: وَمَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَاحب لَهُ، وَهُوَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ.
(قَوْله: (فِي شنة) بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد النُّون، وَهِي الْقرْبَة الْخلقَة..
     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: هِيَ الَّتِي زَالَ شعرهَا من الْبلَاء بِكَسْر الْبَاء.
قلت: من كَثْرَة الِاسْتِعْمَال.
قَوْله: (وإلاَّ كرّ عَنَّا) فِيهِ حذف تَقْدِيره: إِن كَانَ عنْدك إِنَاء فاسقنا وإلاَّ كرعنا، من الكرع، وَهُوَ تنَاول المَاء بالفم من غير إِنَاء وَلَا كف،.

     وَقَالَ  ابْن النين: حكى عبد الْملك أَنه الشّرْب باليدين مَعًا، قَالَ: وَأهل اللُّغَة على خِلَافه، وكرع بِفَتْح الرَّاء،.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي بِالْكَسْرِ أَيْضا: يكرع كرعاً، وَالنَّهْي عَن الشّرْب بالكرع لِئَلَّا يعذب نَفسه بكراهته فِي كَثْرَة الجرعات.
قَوْله: (وَالرجل يحول المَاء فِي حَائِطه) أَيْضا أَي: ينْقل المَاء من مَكَان إِلَى مَكَان آخر من الْبُسْتَان ليعم أشجاره بالسقي.
قَوْله: (إِلَى الْعَريش) أَرَادَ بِهِ مَا يستظل بِهِ.
وَقيل: هُوَ خيمة من خشب وثمام بِضَم الثَّاء الْمُثَلَّثَة مخففاً، وَهُوَ نَبَات ضَعِيف لَهُ خوص، وَقد يَجْعَل من الجريد كالقبة أَو من العيدان، ويظلل عَلَيْهَا وَلَيْسَ منافياً للزهد.
قَوْله: (فسكب فِي قدح) فِي رِوَايَة أَحْمد: فسكب مَاء فِي قدح.
قَوْله: (من دَاجِن) بِكَسْر الْجِيم وَهُوَ الشَّاة الَّتِي تألف الْبيُوت.
قَوْله: (ثمَّ شرب الرجل) فِي رِوَايَة أَحْمد: شرب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَسَقَى صَاحبه.

وَفِيه: أَنه لَا بَأْس بِطَلَب المَاء الْبَارِد فِي سموم الْحر.
وَفِيه: قصد الرجل الْفَاضِل بِنَفسِهِ حَيْثُ يعرف موَاضعه عِنْد إخوانه، وَقد روى أَبُو هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن أول مَا يُحَاسب بِهِ العَبْد يَوْم الْقِيَامَة أَن يُقَال لَهُ: ألم أصح جسمك وأرويك من المَاء الْبَارِد؟ وَفِيه: جَوَاز خلط اللَّبن بِالْمَاءِ عِنْد الشّرْب، وَلَا يجوز عِنْد البيع: وَفِيه: أَن من قدم إِلَيْهِ طَعَام لَا يلْزمه أَن يسْأَل من أَيْن صَار إِلَيْهِ؟ إلاَّ إِذا علم أَن أَكثر مَاله حرَام، فَإِنَّهُ لَا يَأْكُلهُ فضلا عَن أَن يسْأَله.


هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( بابُُ شَرَابِ الحَلْوَاءِ والعَسلِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان شراب الْحَلْوَاء، وَهُوَ بِالْمدِّ عِنْد الْمُسْتَمْلِي، وَعند غَيره بِالْقصرِ، وَقيل: هما لُغَتَانِ،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: الْقصر أظهر لِأَنَّهُ لَا يشرب غَالِبا،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين عَن الدَّاودِيّ: هُوَ النقيع الحلو، وَعَلِيهِ يدل تبويب البُخَارِيّ: بشراب الْحَلْوَاء،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: الْحَلْوَاء مَا يعْقد من الْعَسَل وَنَحْوه، وَيُقَال: الْعَرَب لَا تعرف هَذِه الْحَلْوَاء المعقودة الَّتِي هِيَ الْآن معهودة، فَتعين أَن الْمَقْصُود مَا يُمكن شربه وَهُوَ المَاء المنبوذ فِيهِ التَّمْر، وَنَحْوه وَكَذَلِكَ الْعَسَل.
فَإِن قلت: قَوْله: ( الْحَلْوَاء) يَشْمَل الْعَسَل وَغَيره من كل حُلْو، فَمَا فَائِدَة ذكر الْعَسَل بالخصوصية؟ قلت: هَذَا من قبيل التَّخْصِيص بعد التَّعْمِيم كَمَا فِي قَوْله: تَعَالَى: { فيهمَا فَاكِهَة ونخل ورمان} ( الرَّحْمَن: 68) .
وَيحْتَمل أَن يكون ذكره للتّنْبِيه على جَوَاز شرب الْعَسَل إِذْ قد يتخيل أَن شربه من السَّرف.

وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَا يَحِلُّ شُرب بوْلِ النَّاسِ لِشِدَّةٍ تَنْزِلُ لأنَّهُ رِجْسٌ، قَالَ الله تَعَالَى: { أحل لكم الطَّيِّبَات} ( الْمَائِدَة: 5) .

قيل: ترْجم البُخَارِيّ على شَيْء ثمَّ أعقبه بضده، قلت: أَرَادَ هَذَا الْقَائِل أَن البُخَارِيّ قَالَ: بابُُ شراب الْحَلْوَاء وَالْعَسَل، ثمَّ قَالَ عَن الزُّهْرِيّ: لَا يحل شرب بَوْل النَّاس إِلَى آخِره، وَبَينهمَا تضَاد.
أَقُول: مَقْصُود البُخَارِيّ من إِيرَاد قَول الزُّهْرِيّ، هُوَ قَوْله: قَالَ الله تَعَالَى: { أحل لكم الطَّيِّبَات} والحلواء وَالْعَسَل، وكل شَيْء يُطلق عَلَيْهِ أَنه حول من الطَّيِّبَات، وَهَذَا فِي معرض التَّحْلِيل للتَّرْجَمَة غَايَة مَا فِي الْبابُُ أَنه ذكر أَولا عَن الزُّهْرِيّ مَسْأَلَة شرب الْبَوْل تَنْبِيها على أَنه لَيْسَ من الطَّيِّبَات، وَتَعْلِيق الزُّهْرِيّ هَذَا أخرجه عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَنهُ.
قَوْله: ( لشدَّة) أَي: لضَرُورَة، وَهَذَا خلاف مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُور، وتعليله بقوله: ( لِأَنَّهُ رِجْس) أَي: لِأَن الْبَوْل نجس غير ظَاهر، لِأَن الْميتَة وَالدَّم وَلحم الْخِنْزِير رِجْس أَيْضا مَعَ أَنه يجوز التَّنَاوُل مِنْهَا عِنْد الضَّرُورَة..
     وَقَالَ ت الشَّافِعِيَّة: يجوز التَّدَاوِي بالبول وَنَحْوه من النَّجَاسَات خلا الْخمر والمسكرات،.

     وَقَالَ  مَالك: لَا يشْربهَا لِأَنَّهَا لَا تزيده إلاَّ عطشاً وجوعاً، وَأَجَازَ أَبُو حنيفَة أَن يشرب مِنْهَا مِقْدَار مَا يمسك بِهِ رمقه.

وَقَالَ ابنُ مَسْعُودٍ فِي السَّكَرِ: إنَّ الله لَمْ يَجْعَلْ شِفاءَكُمْ فِيما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ.

الَّذِي قيل فِي إِيرَاد أثر الزُّهْرِيّ قيل: هُنَا أَيْضا: وَالْجَوَاب من جِهَة الزُّهْرِيّ قد مر، وَأما الْجَواب عَن إِيرَاده أثر ابْن مَسْعُود هُنَا، فَهُوَ أَنه أَشَارَ بِذكر هَذَا إِلَى قَوْله تَعَالَى: { فِيهِ شِفَاء للنَّاس} ( النَّحْل: 69) .
فَدلَّ على ضِدّه أَن الله لم يَجْعَل الشِّفَاء فِيمَا حرمه، وَأما تعْيين السكر هُنَا من دون سَائِر الْمُحرمَات من هَذَا الْجِنْس فَهُوَ أَن ابْن مَسْعُود سُئِلَ عَن ذَلِك على التَّعْيِين، فَلذَلِك قَالَ: إِن الله لم يَجْعَل شفاءكم فِيمَا حرم عَلَيْكُم، وأوضح ذَلِك عَليّ بن حَرْب الطَّائِي عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن مَنْصُور عَن أبي وَائِل، قَالَ: اشْتَكَى رجل منا يُقَال لَهُ: خَيْثَم بن العدا دَاء ببطنه يُقَال لَهُ الصفر، فنعت لَهُ السكر، فَأرْسل إِلَى ابْن مَسْعُود يسْأَله فَذكره، وَأخرجه ابْن أبي شيبَة عَن جرير عَن مَنْصُور وَسَنَده صَحِيح على شَرط الشَّيْخَيْنِ، فَهَذَا وَجه تعْيين السكر فِي هَذَا الْأَثر، وَالسكر بِفتْحَتَيْنِ الْخمر فِيمَا نَقله ابْن التِّين عَن بَعضهم، وَقيل: هُوَ نَبِيذ التَّمْر إِذا اشْتَدَّ، وَقيل: المُرَاد من السكر والمسكر،.

     وَقَالَ  صَاحب ( الْهِدَايَة) ونقيع التَّمْر وَهُوَ السكر، ونقيع الزَّبِيب إِذا اشْتَدَّ، وغلا عد هذَيْن الْقسمَيْنِ من أَنْوَاع الْأَشْرِبَة الْمُحرمَة الْأَرْبَعَة، وعد قبلهمَا اثْنَيْنِ آخَرين، وهما الْخمر والطلاء وَفِي ( الْمُحِيط) والمتخذ من التَّمْر ثَلَاثَة: السكر والفضيخ والنبيذ،.

     وَقَالَ  أَبُو الْحسن: إِن كَانَ البُخَارِيّ أَرَادَ سكر الْأَشْرِبَة فَيمكن أَن يكون سقط من الْكَلَام، شَيْء، وَهُوَ ذكر السُّؤَال عَن ذَلِك، وَإِن كَانَ أَرَادَ السكر بِفَتْح السِّين وَسُكُون الْكَاف، فَهُوَ الَّذِي يسد بِهِ النَّهر فَيكون السُّؤَال من ابْن مَسْعُود عَن السكر عِنْد التَّدَاوِي بِشَيْء من الْمُحرمَات، فَقَالَ: إِن الله لم يَجْعَل شفاءكم فِيمَا حرم عَلَيْكُم.



[ قــ :5314 ... غــ :5614 ]
- حدّثنا علِيُّ بن عبدِ الله حَدثنَا أبُو أُسامَةَ، قَالَ: أَخْبرنِي هِشامٌ عنْ أبِيهِ عَنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قالَتْ: كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يُعْجِبُهُ الحَلْوَاءُ والعَسَلُ.

هَذَا يُطَابق التَّرْجَمَة من غير تعسف، وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وَأَبُو أُسَامَة هُوَ حَمَّاد بن أُسَامَة يروي عَن هِشَام بن عُرْوَة، يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة.
والْحَدِيث قد مر فِي كتاب الْأَطْعِمَة فِي بابُُ الْحَلْوَاء وَالْعَسَل، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.