هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
4439 حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ تَلِيدٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ القَاسِمِ ، عَنْ بَكْرِ بْنِ مُضَرَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الحَارِثِ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَرْحَمُ اللَّهُ لُوطًا ، لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ ، وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ يُوسُفُ لَأَجَبْتُ الدَّاعِيَ ، وَنَحْنُ أَحَقُّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لَهُ : { أَوَلَمْ تُؤْمِنْ ، قَالَ : بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي }
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
4439 حدثنا سعيد بن تليد ، حدثنا عبد الرحمن بن القاسم ، عن بكر بن مضر ، عن عمرو بن الحارث ، عن يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب ، وأبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يرحم الله لوطا ، لقد كان يأوي إلى ركن شديد ، ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي ، ونحن أحق من إبراهيم إذ قال له : { أولم تؤمن ، قال : بلى ولكن ليطمئن قلبي }
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [4694] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ تَلِيدٍ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَكَسْرِ اللَّامِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ مُهْمَلَةٌ هُوَ سَعِيدُ بْنُ عِيسَى بْنِ تَلِيدٍ مِصْرِيٌّ يُكَنَّى أَبَا عُثْمَانَ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ نَسَبَهُ الْبُخَارِيُّ إِلَى جَدِّهِ .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ هُوَ الْعُتَقِيُّ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ بَعْدَهَا قَافٌ الْمِصْرِيُّ الْفَقِيهُ الْمَشْهُورُ صَاحِبُ مَالِكٍ وَرَاوِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ عِلْمِ مَالِكٍ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْمَوْضِعِ وَالْإِسْنَادُ مُسَلْسَلٌ بِالْمِصْرِيِّينَ إِلَى يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ وَالْبَاقُونَ مَدَنِيُّونَ وَفِيهِ رِوَايَةُ الْأَقْرَانِ لِأَنَّ عَمْرَو بْنَ الْحَارِثِ الْمِصْرِيَّ الْفَقِيهَ الْمَشْهُورَ مِنْ أَقْرَانِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ حَدِيثِ الْبَابِ فِي تَرْجَمَتَيْ إِبْرَاهِيمَ وَلُوط من أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء ( قَوْله بَاب قَوْله حَتَّى إِذا استيأس الرُّسُل اسْتَيْأَسَ) اسْتَفْعَلَ مِنَ الْيَأْسِ ضِدُّ الرَّجَاءِ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ اسْتَفْعَلُوا مِنْ يَئِسْتُ وَمِثْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَلَيْسَ مُرَادُهُ بِاسْتَفْعَلَ إِلَّا الْوَزْنَ خَاصَّةً وَإِلَّا فَالسِّينُ وَالتَّاءُ زَائِدَتَانِ وَاسْتَيْأَسَ بِمَعْنَى يَئِسَ كَاسْتَعْجَبَ وَعَجِبَ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا الزَّمَخْشَرِيُّ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ تَقَعُ فِي مِثْلِ هَذَا لِلتَّنْبِيهِ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ وَاخْتُلِفَ فِيمَا تَعَلَّقَتْ بِهِ الْغَايَةُ مِنْ قَوْلِهِ حَتَّى فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ مَحْذُوفٌ فَقِيلَ التَّقْدِيرُ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رجَالًا يُوحى إِلَيْهِم فَتَرَاخَى النَّصْرُ عَنْهُمْ حَتَّى إِذَا وَقِيلَ التَّقْدِيرُ فَلَمْ تُعَاقَبْ أُمَمُهُمْ حَتَّى إِذَا وَقِيلَ فَدَعَوْا قَوْمَهُمْ فَكَذَّبُوهُمْ فَطَالَ ذَلِكَ حَتَّى إِذَا

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( قَولُهُ بَابُ قَوْلِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجع إِلَى رَبك إِلَى قَوْله قُلْنَ حاش لله)
كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَكَأَنَّ التَّرْجَمَةُ انْقَضَتْ عِنْدَ قَوْلِهِ رَبِّكَ ثُمَّ فَسَّرَ .

     قَوْلُهُ  حَاشَ لِلَّهِ وَسَاقَ غَيْرُهُ مِنْ أَوَّلِ الْآيَةِ إِلَى قَوْلِهِ عَن نَفسه قُلْنَ حاش لله .

     قَوْلُهُ  حَاشَ وَحَاشَا تَنْزِيهٌ وَاسْتِثْنَاءٌ قَالَ أَبُو عُبَيْدَة فِي قَوْله حاش لله الشِّينُ مَفْتُوحَةٌ بِغَيْرِ يَاءٍ وَبَعْضُهُمْ يُدْخِلُهَا فِي آخِرِهِ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ حَاشَى أَبِي ثَوْبَانَ إِنَّ بِهِ وَمَعْنَاهُ التَّنْزِيهُ وَالِاسْتِثْنَاءُ عَنِ الشَّرِّ تَقُولُ حَاشَيْتُهُ أَيِ اسْتَثْنَيْتُهُ وَقَدْ قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِحَذْفِ الْأَلِفِ بَعْدَ الشِّينِ وَأَبُو عَمْرٍو بِإِثْبَاتِهَا فِي الْوَصْلِ وَفِي حَذْفِ الْأَلِفِ بَعْدَ الْحَاءِ لُغَةٌ وَقَرَأَ بِهَا الْأَعْمَشُ وَاخْتُلِفَ فِي أَنَّهَا حَرْفٌ أَوِ اسْمٌ أَوْ فِعْلٌ وَشَرْحُ ذَلِكَ يَطُولُ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَنْ حَذَفَهَا رَجَّحَ فِعْلِيَّتَهَا بِخِلَافِ مَنْ نَفَاهَا وَيُؤَيِّدُ فِعْلِيَّتَهَا قَوْلُ النَّابِغَةِ وَلَا أُحَاشِي مِنَ الْأَقْوَامِ مِنْ أَحَدٍ فَإِنَّ تَصَرُّفَ الْكَلِمَةِ مِنَ الْمَاضِي إِلَى الْمُسْتَقْبَلِ دَلِيلٌ فِعْلِيَّتِهَا وَاقْتَضَى كَلَامُهُ أَنَّ إِثْبَاتَ الْأَلِفِ وَحَذْفَهَا سَوَاءٌ لُغَةً وَقِيلَ إِنَّ حَذْفَ الْأَلِفِ الْأَخِيرَةِ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ دُونَ غَيْرِهِمْ تَنْبِيهٌ .

     قَوْلُهُ  تَنْزِيهٌ فِي رِوَايَةِ الْأَكْثَرِ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ النُّونِ بَعْدَهَا زَايٌ مَكْسُورَةٌ ثُمَّ تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ هَاءٌ وَفِي رِوَايَةِ حَكَاهَا عِيَاضٌ مُوَحَّدَةٌ سَاكِنَةٌ بَعْدَ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الرَّاءِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ مَفْتُوحَةٌ مَهْمُوزَةٌ ثُمَّ تَاءُ تَأْنِيثٍ .

     قَوْلُهُ  حَصْحَصَ وَضَحَ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ الْآنَ حصحص الْحق أَيِ السَّاعَةُ وَضَحَ الْحَقُّ وَتَبَيَّنَ.

     وَقَالَ  الْخَلِيلُ مَعْنَاهُ تَبَيَّنَ وَظَهَرَ بَعْدَ خَفَاءٍ ثُمَّ قِيلَ هُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْحِصَّةِ أَيْ ظَهَرَتْ حِصَّةُ الْحق مِنْ حِصَّةِ الْبَاطِلِ وَقِيلَ مِنْ حَصَّهُ إِذَا قَطَعَهُ وَمِنْهُ أَحَصَّ الشَّعْرَ وَحَصَّ وَحَصْحَصَ مِثْلُ كَفَّ وَكَفْكَفَ

[ قــ :4439 ... غــ :4694] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ تَلِيدٍ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَكَسْرِ اللَّامِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ مُهْمَلَةٌ هُوَ سَعِيدُ بْنُ عِيسَى بْنِ تَلِيدٍ مِصْرِيٌّ يُكَنَّى أَبَا عُثْمَانَ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ نَسَبَهُ الْبُخَارِيُّ إِلَى جَدِّهِ .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ هُوَ الْعُتَقِيُّ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ بَعْدَهَا قَافٌ الْمِصْرِيُّ الْفَقِيهُ الْمَشْهُورُ صَاحِبُ مَالِكٍ وَرَاوِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ عِلْمِ مَالِكٍ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْمَوْضِعِ وَالْإِسْنَادُ مُسَلْسَلٌ بِالْمِصْرِيِّينَ إِلَى يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ وَالْبَاقُونَ مَدَنِيُّونَ وَفِيهِ رِوَايَةُ الْأَقْرَانِ لِأَنَّ عَمْرَو بْنَ الْحَارِثِ الْمِصْرِيَّ الْفَقِيهَ الْمَشْهُورَ مِنْ أَقْرَانِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ حَدِيثِ الْبَابِ فِي تَرْجَمَتَيْ إِبْرَاهِيمَ وَلُوط من أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( قَوْله بَاب قَوْله حَتَّى إِذا استيأس الرُّسُل اسْتَيْأَسَ)
اسْتَفْعَلَ مِنَ الْيَأْسِ ضِدُّ الرَّجَاءِ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ اسْتَفْعَلُوا مِنْ يَئِسْتُ وَمِثْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَلَيْسَ مُرَادُهُ بِاسْتَفْعَلَ إِلَّا الْوَزْنَ خَاصَّةً وَإِلَّا فَالسِّينُ وَالتَّاءُ زَائِدَتَانِ وَاسْتَيْأَسَ بِمَعْنَى يَئِسَ كَاسْتَعْجَبَ وَعَجِبَ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا الزَّمَخْشَرِيُّ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ تَقَعُ فِي مِثْلِ هَذَا لِلتَّنْبِيهِ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ وَاخْتُلِفَ فِيمَا تَعَلَّقَتْ بِهِ الْغَايَةُ مِنْ قَوْلِهِ حَتَّى فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ مَحْذُوفٌ فَقِيلَ التَّقْدِيرُ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رجَالًا يُوحى إِلَيْهِم فَتَرَاخَى النَّصْرُ عَنْهُمْ حَتَّى إِذَا وَقِيلَ التَّقْدِيرُ فَلَمْ تُعَاقَبْ أُمَمُهُمْ حَتَّى إِذَا وَقِيلَ فَدَعَوْا قَوْمَهُمْ فَكَذَّبُوهُمْ فَطَالَ ذَلِكَ حَتَّى إِذَا

[ قــ :4439 ... غــ :4696] .

     قَوْلُهُ  عَن صَالح هُوَ بن كَيْسَانَ .

     قَوْلُهُ  عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَهُ وَهُوَ يَسْأَلُهَا عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي رِوَايَة عقيل عَن بن شِهَابٍ فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى فَذَكَرَهُ .

     قَوْلُهُ  قلت أكذبوا أَمْ كُذِبُوا أَيْ مُثَقَّلَةٌ أَوْ مُخَفَّفَةٌ وَوَقَعَ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ هَذِهِ .

     قَوْلُهُ  قَالَتْ عَائِشَةُ كُذِّبُوا أَيْ بِالتَّثْقِيلِ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مُثَقَّلَةٌ .

     قَوْلُهُ  فَمَا هُوَ بِالظَّنِّ قَالَتْ أَجَلْ زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ.

.

قُلْتُ فَهِيَ مُخَفَّفَةٌ قَالَتْ مَعَاذَ اللَّهِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهَا أَنْكَرَتِ الْقِرَاءَةَ بِالتَّخْفِيفِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الضَّمِيرَ لِلرُّسُلِ وَلَيْسَ الضَّمِيرُ لِلرُّسُلِ عَلَى مَا بَيَّنْتُهُ وَلَا لِإِنْكَارِ الْقِرَاءَةِ بِذَلِكَ مَعْنًى بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَلَعَلَّهَا لَمْ يَبْلُغُهَا مِمَّنْ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَقَدْ قَرَأَهَا بِالتَّخْفِيفِ أَئِمَّةُ الْكُوفَةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَاصِمٌ وَيَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ وَالْأَعْمَشُ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَوَافَقَهُمْ مِنَ الْحِجَازِيِّينَ أَبُو جَعْفَرِ بْنِ الْقَعْقَاع وَهِي قِرَاءَة بن مَسْعُود وبن عَبَّاسٍ وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبِ الْقُرَظِيِّ فِي آخَرِينَ.

     وَقَالَ  الْكَرْمَانِيُّ لَمْ تُنْكِرْ عَائِشَةُ الْقِرَاءَةَ وَإِنَّمَا أَنْكَرَتْ تَأْوِيل بن عَبَّاسٍ كَذَا قَالَ وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَظَاهِرُ السِّيَاق أَن عُرْوَة كَانَ يُوَافق بن عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَ عَائِشَةَ ثُمَّ لَا يَدْرِي رَجَعَ إِلَيْهَا أَمْ لَا وروى بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ فَقَالَ لَهُ إِنَّ مُحَمَّدَ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ يَقْرَأُ كُذِبُوا بِالتَّخْفِيفِ فَقَالَ أَخْبِرْهُ عَنِّي أَنِّي سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ كُذِّبُوا مُثَقَّلَةٌ أَيْ كَذَّبَتْهُمْ أَتْبَاعُهُمْ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ الْبَقَرَةِ من طَرِيق بن أبي مليكَة قَالَ قَالَ بن عَبَّاس حَتَّى إِذا استيأس الرُّسُل وظنوا أَنهم قد كذبُوا خَفِيفَةٌ قَالَ ذَهَبَ بِهَا هُنَالِكَ وَفِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ بِمَا هُنَالِكَ بِمِيمٍ بَدَلَ الْهَاءِ وَهُوَ تَصْحِيفٌ وَقَدْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ ذهب هَا هُنَا وَأَشَارَ إلىالسماء وتلا حَتَّى يَقُول الرَّسُول وَالَّذين مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ الله قريب وَزَاد الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي رِوَايَته ثمَّ قَالَ بن عَبَّاسٍ كَانُوا بَشَرًا ضَعُفُوا وَأَيِسُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قد كذبُوا وَهَذَا ظَاهره أَن بن عَبَّاسٍ كَانَ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ قَوْلَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ مَقُولُ الرَّسُولِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ طَائِفَةٌ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقِيلَ الْجَمِيعُ مَقُولُ الْجَمِيعِ وَقِيلَ الْجُمْلَةُ الْأُولَى مَقُولُ الْجَمِيعِ وَالْأَخِيرَةُ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ.

     وَقَالَ  آخَرُونَ الْجُمْلَةُ الْأُولَى وَهِيَ مَتَى نصر الله مَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَالْجُمْلَةُ الْأَخِيرَةُ وَهِيَ الا أَن نصر الله قريب مَقُولُ الرَّسُولِ وَقُدِّمَ الرَّسُولُ فِي الذِّكْرِ لِشَرَفِهِ وَهَذَا أَوْلَى وَعَلَى الْأَوَّلِ فَلَيْسَ قَوْلُ الرَّسُولِ مَتى نصر الله شَكًّا بَلِ اسْتِبْطَاءً لِلنَّصْرِ وَطَلَبًا لَهُ وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي قَالَ الْخطابِيّ لَا شكّ أَن بن عَبَّاسٍ لَا يُجِيزُ عَلَى الرُّسُلِ أَنَّهَا تُكَذِّبُ بِالْوَحْيِ وَلَا يُشَكُّ فِي صِدْقِ الْمُخْبِرِ فَيُحْمَلُ كَلَامه على أَنه أَرَادَ أَنهم لِطُولِ الْبَلَاءِ عَلَيْهِمْ وَإِبْطَاءِ النَّصْرِ وَشِدَّةِ اسْتِنْجَازِ مَنْ وَعَدُوهُ بِهِ تَوَهَّمُوا أَنَّ الَّذِي جَاءَهُمْ مِنَ الْوَحْيِ كَانَ حُسْبَانًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَظَنُّوا عَلَيْهَا الْغَلَطَ فِي تَلَقِّي مَا وَرَدَ عَلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ فَيَكُونُ الَّذِي بُنِيَ لَهُ الْفِعْلُ أَنْفُسُهُمْ لَا الْآتِي بِالْوَحْيِ وَالْمُرَادُ بِالْكَذِبِ الْغَلَطُ لَا حَقِيقَةُ الْكَذِبِ كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ كَذَبَتْكَ نَفْسُكَ.

.

قُلْتُ وَيُؤَيِّدُهُ قِرَاءَةُ مُجَاهِدٌ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قد كذبُوا بِفَتْحِ أَوَّلِهِ مَعَ التَّخْفِيفِ أَيْ غَلِطُوا وَيَكُونُ فَاعِلُ وَظَنُّوا الرُّسُلَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَتْبَاعُهُمْ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ بِأَسَانِيدَ مُتَنَوِّعَةٍ مِنْ طَرِيقِ عِمْرَانَ بْنِ الْحَارِثِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَأَبِي الضُّحَى وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ وَالْعَوْفِيِّ كلهم عَن بن عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ أَيِسَ الرُّسُلُ مِنْ إِيمَانِ قَوْمِهِمْ وَظَنَّ قَوْمُهُمْ أَنَّ الرُّسُلَ كَذَبُوا.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيُّ إِنْ صَحَّ هَذَا عَنِ بن عَبَّاسٍ فَقَدْ أَرَادَ بِالظَّنِّ مَا يَخْطِرُ بِالْبَالِ وَيَهْجِسُ فِي النَّفْسِ مِنَ الْوَسْوَسَةِ وَحَدِيثُ النَّفْسِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْبَشَرِيَّةُ.

.
وَأَمَّا الظَّنُّ وَهُوَ تَرْجِيحُ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ فَلَا يُظَنُّ بِالْمُسْلِمِ فَضْلًا عَنِ الرَّسُولِ.

     وَقَالَ  أَبُو نَصْرِ الْقُشَيْرِيُّ وَلَا يَبْعُدُ أَنَّ الْمُرَادَ خَطَرَ بِقَلْبِ الرُّسُلِ فَصَرَفُوهُ عَنْ أَنْفُسِهِمْ أَوِ الْمَعْنَى قَرَّبُوا مِنَ الظَّنِّ كَمَا يُقَالُ بَلَغْتُ الْمَنْزِلَ إِذَا قَرُبَتْ مِنْهُ.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ وَجْهُهُ أَنَّ الرُّسُلَ كَانَتْ تَخَافُ بَعْدَ أَنْ وَعَدَهُمُ اللَّهُ النَّصْرَ أَنْ يَتَخَلَّفُ النَّصْرُ لَا مِنْ تُهْمَةٍ بِوَعْدِ اللَّهِ بَلْ لِتُهْمَةِ النُّفُوسِ أَنْ تَكُونَ قَدْ أَحْدَثَتْ حَدَثًا يَنْقُضُ ذَلِكَ الشَّرْطَ فَكَانَ الْأَمْرُ إِذَا طَالَ وَاشْتَدَّ الْبَلَاءُ عَلَيْهِمْ دَخَلَهُمُ الظَّنُّ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ.

.

قُلْتُ وَلَا يُظَنُّ بِابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يُجَوِّزُ عَلَى الرَّسُولِ أَنَّ نَفْسَهُ تُحَدِّثُهُ بِأَن الله يُخْلِفُ وَعْدَهُ بَلِ الَّذِي يُظَنُّ بِابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ كَانُوا بَشَرًا إِلَى آخِرِ كَلَامِهِ مَنْ آمَنَ مِنْ أَتْبَاعِ الرُّسُلِ لَا نَفْسِ الرُّسُلِ وَقَوْلُ الرَّاوِي عَنْهُ ذَهَبَ بِهَا هُنَاكَ أَيْ إِلَى السَّمَاءِ مَعْنَاهُ أَنَّ أَتْبَاعَ الرُّسُلِ ظَنُّوا أَنَّ مَا وَعَدَهُمْ بِهِ الرُّسُلُ عَلَى لِسَانِ الْمَلِكِ تَخَلَّفَ وَلَا مَانِعَ أَنْ يَقَعَ ذَلِكَ فِي خَوَاطِرِ بَعْضِ الْأَتْبَاعِ وَعَجَبٌ لِابْنِ الْأَنْبَارِيِّ فِي جَزْمِهِ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ ثُمَّ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي تَوَقُّفِهِ عَنْ صِحَّةِ ذَلِكَ عَن بن عَبَّاسٍ فَإِنَّهُ صَحَّ عَنْهُ لَكِنْ لَمْ يَأْتِ عَنْهُ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الرُّسُلَ هُمُ الَّذِينَ ظَنُّوا ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ مِنْ قِرَاءَةِ التَّخْفِيفِ بَلِ الضَّمِيرُ فِي وَظَنُّوا عَائِدٌ عَلَى الْمُرْسَلِ إِلَيْهِمْ وَفِي وَكُذِبُوا عَائِدٌ عَلَى الرُّسُلِ أَيْ وَظَنَّ الْمُرْسَلُ إِلَيْهِمْ أَنَّ الرُّسُلَ كُذِبُوا أَوِ الضَّمَائِرُ لِلرُّسُلِ وَالْمَعْنَى يَئِسَ الرُّسُلُ مِنَ النَّصْرِ وَتَوَهَّمُوا أَنَّ أَنْفُسَهُمْ كَذَبَتْهُمْ حِينَ حَدَّثَتْهُمْ بِقُرْبِ النَّصْرِ أَوْ كَذَبَهُمْ رَجَاؤُهُمْ أَوِ الضَّمَائِرُ كُلُّهَا لِلْمُرْسَلِ إِلَيْهِمْ أَيْ يَئِسَ الرُّسُلُ مِنْ إِيمَانِ مَنْ أُرْسِلُوا إِلَيْهِ وَظَنَّ الْمُرْسَلُ إِلَيْهِمْ أَنَّ الرُّسُلَ كَذَّبُوهُمْ فِي جَمِيعِ مَا ادَّعُوهُ مِنَ النُّبُوَّةِ وَالْوَعْدِ بِالنَّصْرِ لِمَنْ أَطَاعَهُمْ وَالْوَعِيدِ بِالْعَذَابِ لِمَنْ لَمْ يُجِبْهُمْ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مُحْتَمَلًا وَجب تَنْزِيه بن عَبَّاسٍ عَنْ تَجْوِيزِهِ ذَلِكَ عَلَى الرُّسُلِ وَيُحْمَلُ إِنْكَارُ عَائِشَةَ عَلَى ظَاهِرِ مَسَاقِهِمْ مِنْ إِطْلَاقِ الْمَنْقُولِ عَنْهُ وَقَدْ رَوَى الطَّبَرِيُّ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ يَئِسَ الرُّسُلُ مِنْ قَوْمِهِمْ أَنْ يُصَدِّقُوهُمْ وَظَنَّ الْمُرْسَلُ إِلَيْهِمْ أَنَّ الرُّسُلَ كَذَبُوا فَقَالَ الضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ لَمَّا سَمِعَهُ لَوْ رَحَلْتُ إِلَى الْيَمَنِ فِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ لَكَانَ قَلِيلًا فَهَذَا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَهُوَ مِنْ أَكَابِرَ أَصْحَابِ بن عَبَّاسٍ الْعَارِفِينَ بِكَلَامِهِ حَمَلَ الْآيَةَ عَلَى الِاحْتِمَالِ الْأَخِيرِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ وَعَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ سَأَلَ سَعِيدَ بْنِ جُبَيْرٍ فَقَالَ لَهُ آيَةٌ بَلَغَتْ مِنِّي كُلَّ مَبْلَغٍ فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ بِالتَّخْفِيفِ قَالَ فِي هَذَا أَلَوْتَ أَنْ تَظُنَّ الرُّسُلُ ذَلِكَ فَأَجَابَهُ بِنَحْوِ ذَلِكَ فَقَالَ فَرَّجْتَ عَنِّي فَرَّجَ اللَّهُ عَنْكَ وَقَامَ إِلَيْهِ فَاعْتَنَقَهُ وَجَاءَ ذَلِكَ مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ جُبَير عَن بن عَبَّاسٍ نَفْسِهِ فَعِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَن بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ قَدْ كُذِبُوا قَالَ اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ مِنْ إِيمَانِ قَوْمِهِمْ وَظَنَّ قَوْمُهُمْ أَنَّ الرُّسُلَ قَدْ كَذَبُوهُمْ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ فَلْيَكُنْ هُوَ الْمُعْتَمد فِي تَأْوِيل مَا جَاءَ عَن بن عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمُرَادِ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِهِ وَلَا يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ مَا روى الطَّبَرِيّ من طَرِيق بن جُرَيْجٍ فِي قَوْلِهِ قَدْ كُذِبُوا خَفِيفَةٌ أَيْ أَخْلَفُوا أَلَا إِنَّا إِذَا قَرَّرْنَا أَنَّ الضَّمِيرَ لِلْمُرْسَلِ إِلَيْهِمْ لَمْ يَضُرَّ تَفْسِيرَ كُذِبُوا بِأَخْلَفُوا أَيْ ظَنَّ الْمُرْسَلُ إِلَيْهِمْ أَنَّ الرُّسُلَ أَخْلَفُوا مَا وَعَدُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَرَوَى الطَّبَرِيُّ من طَرِيق تَمِيم بن حذلم سَمِعت بن مَسْعُودٍ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ مِنْ إِيمَانِ قَوْمِهِمْ وَظَنَّ قَوْمُهُمْ حِينَ أَبْطَأَ الْأَمْرُ أَنَّ الرُّسُلَ كَذَبُوهُمْ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ مِنْ إِيمَانِ قَوْمِهِمْ وَظَنَّ الْقَوْمُ أَنَّهُمْ قَدْ كَذَبُوا فِيمَا جاءوهم بِهِ وَقد جَاءَ عَن بن مَسْعُود شَيْء موهم كَمَا جَاءَ عَن بن عَبَّاسٍ فَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ عَنْ مَسْرُوق عَن بن مَسْعُود أَنه قَرَأَ حَتَّى إِذا استيأس الرُّسُل وظنوا أَنهم قد كذبُوا مُخَفَّفَةٌ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ هُوَ الَّذِي يُكْرَهُ وَلَيْسَ فِي هَذَا أَيْضًا مَا يُقْطَعُ بِهِ على أَن بن مَسْعُودٍ أَرَادَ أَنَّ الضَّمِيرَ لِلرُّسُلِ بَلْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ عِنْدَهُ لِمَنْ آمَنَ مِنْ أَتْبَاعِ الرُّسُلِ فَإِنَّ صُدُورَ ذَلِكَ مِمَّنْ آمَنَ مِمَّا يُكْرَهُ سَمَاعُهُ فَلَمْ يَتَعَيَّنُ أَنَّهُ أَرَادَ الرُّسُلَ قَالَ الطَّبَرِيُّ لَوْ جَازَ أَنْ يَرْتَابَ الرُّسُلُ بِوَعْدِ اللَّهِ وَيَشُكُّوا فِي حَقِيقَةِ خَبَرِهِ لَكَانَ الْمُرْسَلُ إِلَيْهِمْ أَوْلَى بِجَوَازِ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَقَدِ اخْتَارَ الطَّبَرِيُّ قِرَاءَةَ التَّخْفِيفِ وَوَجَّهَهَا بِمَا تَقَدَّمَ ثُمَّ قَالَ وَإِنَّمَا اخْتَرْتُ هَذَا لِأَنَّ الْآيَةَ وَقَعَتْ عَقِبَ قَوْلِهِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَة الَّذين من قبلهم فَكَانَ فِي ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ يَأْسَ الرُّسُلِ كَانَ مِنْ إِيمَانِ قَوْمِهِمُ الَّذِينَ كَذَّبُوهُمْ فَهَلَكُوا أَوْ أَنَّ الْمُضْمَرُ فِي قَوْلِهِ وَظَنُّوا إِنَّهُم قد كذبُوا إِنَّمَا هُوَ لِلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ الْهَالِكَةِ وَيَزِيدُ ذَلِكَ وُضُوحًا أَنَّ فِي بَقِيَّةِ الْآيَةِ الْخَبَرَ عَنِ الرُّسُلِ وَمَنْ آمَنَ بِهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَنُنَجِّي مَنْ نَشَاءُ أَيِ الَّذِينَ هَلَكُوا هُمُ الَّذِينَ ظَنُّوا أَنَّ الرُّسُلَ قَدْ كُذِبُوا فَكَذَّبُوهُمْ وَالرُّسُلُ وَمَنِ اتَّبَعَهُمْ هُمُ الَّذِينَ نَجَوْا انْتَهَى كَلَامُهُ وَلَا يَخْلُو مِنْ نَظَرٍ .

     قَوْلُهُ  قَالَتْ أَجَلْ أَيْ نَعَمْ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَقِيلٍ فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَقَالَتْ يَا عُرَيَّةُ وَهُوَ بِالتَّصْغِيرِ وَأَصْلُهُ عُرَيْوَةٌ فَاجْتَمَعَ حَرْفَا عِلَّةٍ فَأُبْدِلَتِ الْوَاوُ يَاءً ثُمَّ أُدْغِمَتْ فِي الْأُخْرَى .

     قَوْلُهُ  لَعَمْرِي لَقَدِ اسْتَيْقَنُوا بِذَلِكَ فِيهِ إِشْعَارٌ بِحَمْلِ عُرْوَةَ الظَّنَّ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَهُوَ رُجْحَانُ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ وَوَافَقَتْهُ عَائِشَةُ لَكِنْ رَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالظَّنِّ هُنَا الْيَقِينُ وَنَقَلَهُ نَفْطَوَيْهِ هُنَا عَنْ أَكْثَرَ أَهْلِ اللُّغَةِ.

     وَقَالَ  هُوَ كَقَوْلِهِ فِي آيَةٍ أُخْرَى وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الطَّبَرِيُّ.

     وَقَالَ  إِنَّ الظَّنَّ لَا تَسْتَعْمِلُهُ الْعَرَبُ فِي مَوْضِعِ الْعِلْمِ إِلَّا فِيمَا كَانَ طَرِيقُهُ غَيْرَ الْمُعَايَنَةِ فَأَمَّا مَا كَانَ طَرِيقُهُ الْمُشَاهَدَةَ فَلَا فَإِنَّهَا لَا تَقُولُ أَظُنُّنِي إنْسَانا وَلَا أظنني حَيا بِمَعْنى أعلمنى إِنْسَانًا أَوْ حَيًّا .

     قَوْلُهُ  فِي الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ فَقُلْتُ لَعَلَّهَا كُذِبُوا مُخَفَّفَةٌ قَالَتْ مَعَاذَ اللَّهِ نَحْوَهُ هَكَذَا أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا وَقَدْ سَاقَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ بِتَمَامِهِ وَلَفْظُهُ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ فَائِدَةٌ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى فِي بَقِيَّةِ الْآيَةِ فَنُنْجِي مَنْ نَشَاءُ قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِنُونَيْنِ الثَّانِيَةُ سَاكِنَةٌ وَالْجِيمُ خَفِيفَةٌ وَسُكُونُ آخِرِهِ مُضَارِعُ أُنَجِّي وَقَرَأَ عَاصِمٌ وبن عَامِرٍ بِنُونٍ وَاحِدَةٍ وَجِيمٍ مُشَدَّدَةٍ وَفَتْحِ آخِرِهِ عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ مَاضٍ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ وَمَنْ قَائِمَةٌ مَقَامُ الْفَاعِلِ وَفِيهَا قِرَاءَاتٌ أُخْرَى قَالَ الطَّبَرِيُّ كُلُّ مَنْ قَرَأَ بِذَلِكَ فَهُوَ مُنْفَرِدٌ بِقِرَاءَتِهِ وَالْحُجَّةُ فِي قِرَاءَةِ غَيْرِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب قَوْلِهِ: { فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِى قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ * قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ} [يوسف: 50، 51] وَحَاشَ وَحَاشَا: تَنْزِيهٌ وَاسْتِثْنَاءٌ: حَصْحَصَ: وَضَحَ
( باب قوله) جل وعلا ( { فلما جاءه الرسول} ) رسول الملك ليخرجه من السجن ( { قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن} ) أي سله عن حقيقة شأنهن ليعلم براءتي عن تلك التهمة وأراد بذلك حسم مادّة الفساد عنه لئلا ينحط قدره عند الملك ولعل معظم غرضه عليه الصلاة والسلام أن لا يقع خلل في الدعوة وإظهار النبوّة وقال فاسأله ما بال النسوة ولم يقل فاسأله أن يفتش عن حالهن تهييجًا له على البحث وتحقيق الحال ولم يتعرض لامرأة العزيز مع ما صنعت به كرمًا ومراعاة للأدب وعبر بما التي يسأل بها عن حقيقة الشيء ظاهرًا ( { إن ربي} ) العالم بخفيات الأمور ( { بكيدهن عليم} ) حين قلن أطع مولاتك أو أن كل واحدة منهن طمعت فيه فلما لم تجد مطلوبها منه طعنت فيه ونسبته إلى القبيح، فرجع الرسول من عند يوسف إلى الملك
فدعا النسوة وامرأة العزيز فلما حضرن ( { قال} ) لهن ( { ما خطبكن} ) أي ما شأنكن ( { إذ روادتن يوسف عن نفسه} ) هل وجدتن منه ميلاً إليكن فنزّهنه، متعجبات من كمال عفته حيث ( { قلن حاش لله} ) [يوسف: 50، 51] ( وحاش) بغير ألف بعد الشين ( وحاشا) بها لفظًا ( تنزيه) فتكون اسمًا ويدل له قراءة بعضهم حاشا لله بالتنوين ( واستثناء) وذهب سيبويه وأكثر البصريين إلى أنها حرف بمنزلة إلا لكنها تجر المستثنى.

وقوله: ( { حصحص} ) : أي ( وضح) الحق بانكشاف ما يغمره وهو معنى قول بعض المفسرين، وقيل ظهر من حص شعره أي استأصل قطعه بحيث ظهرت بشرته وهذا إنما قالته امرأة العزيز لما علمت أن هذه المناظرات والتفحصات إنما وقعت بسببها، وقيل: إن النسوة أقبلن عليها يقررنها وقيل خافت أن يشهدن عليها فاعترفت وهذه شهادة جازمة لما راعى جانبها ولم يذكرها البتة فعرفت أنه ترك ذكرها تعظيمًا لها فكافأته على ذلك فكشفت الغطاء واعترفت أن الذنب كله من جانبها وأنه كان مبرأ عن الكل وسقط باب قوله لغير أبي ذر.


[ قــ :4439 ... غــ : 4694 ]
- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ تَلِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ بَكْرِ بْنِ مُضَرَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَرْحَمُ اللَّهُ لُوطًا لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ يُوسُفُ لأَجَبْتُ الدَّاعِيَ وَنَحْنُ أَحَقُّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لَهُ: { أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260] .

وبه قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد ( سعيد بن تليد) بفتح الفوقية وكسر اللام وبعد التحتية الساكنة دال مهملة هو سعيد بكسر العين ابن عيسى بن تليد المصري قال: ( حدّثنا عبد الرحمن بن القاسم) المصري العتقي صاحب الإمام مالك ( عن بكر بن مضر) بفتح الموحدة وسكون الكاف ومضر بضم الميم وفتح المعجمة ابن محمد المصري ( عن عمرو بن الحارث) بفتح العين ابن يعقوب بن عبد الله مولى قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري المصري الفقيه المقري أحد الأئمة الأعلام ( عن يونس بن يزيد) الأيلي ( عن ابن شهاب) الزهري ( عن سعيد بن المسيب) المخزومي أحد الأعلام ( وأبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه ( قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( يرحم الله لوطاً) هو ابن أخي إبراهيم الخليل وكان ممن آمن وهاجر معه إلى مصر ( لقد كان يأوي إلى ركن شديد) يشير إلى قوله تعالى: { قال لو أن لي بكم قوّة أو آوي إلى ركن شديد} [هود: 80] ( ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف) ولأبي ذر: ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف بضم اللام وسكون الموحدة، وكان قد لبث سبع سنين وسبعة أشهر وسبعة أيام وسبع ساعات كما قيل ( لأجبت الداعي) لأسرعت إلى الإجابة إلى الخروج من السجن.

قال محيي السنّة إنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصف يوسف عليه الصلاة والسلام بالأناة والصبر حيث لم يبادر إلى الخروج حين جاءه رسول الملك فعل المذنب حين يعفى عنه مع طول لبثه في السجن، بل قال { ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن} [يوسف: 50] أراد أن يقيم الحجة في حبسهم إياه ظلمًا فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على سبيل التواضع لا أنه صلوات الله وسلامه عليه كان في الأمر منه مبادرة وعجلة لو كان مكان يوسف -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والتواضع لا يصغر كبيرًا ولا يضع رفيعًا ولا يبطل لذي حق حقًّا لكنه يوجب لصاحبه فضلاً ويكسبه جلالاً وقدرًا ( ونحن أحق من إبراهيم) في سورة البقرة وغيرها ونحن أحق بالشك من إبراهيم يعني لو كان الشك متطرقًا إلى الأنبياء لكنت أنا أحق به وقد علمتم أني لم أشك فإبراهيم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يشك ( { إذ قال له} ) ربه جل وعلا ( { أولم تؤمن} ) بعد قوله: { رب أرني كيف تحيي الموتى} ( { قال بلى} ) آمنت ( { ولكن} ) سألتك أن تريني كيف الإحياء ( { ليطمئن قلبي} ) [البقرة: 260] فلم يكن شك في القدرة على الإحياء، بل أراد الترقي من علم اليقين إلى عين اليقين مع مشاهدة الكيفية.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  (بابُُ قَوْلِهِ: { فَلمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فاسْألْهُ مَا بالُ النِّسْوَةِ الَّلاتِي قَطَّعْنَ أيْدِيَهُنَّ إنَّ بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ قَالَ مَا خطْبُكُنَّ إذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلّهِ} (يُوسُف: 50 51)
(
أَي: هَذَا بابُُ فِي قَوْله تَعَالَى: { فَلَمَّا جَاءَ الرَّسُول} إِلَى آخِره، وَلَيْسَ فِي بعض النّسخ لفظ: بابُُ، والترجمة بِطُولِهَا عِنْد غير أبي ذَر وَعِنْده إِلَى قَوْله: (رَبك) .
قَوْله: (فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُول) أَي: فَلَمَّا جَاءَ يُوسُف رَسُول الْملك،.

     وَقَالَ : أجب الْملك فَأبى أَن يخرج مَعَه حَتَّى يظْهر عذره وبراءته عِنْد الْملك وَيعرف صِحَة أمره من قبل النسْوَة اللَّاتِي قطعن أَيْدِيهنَّ، وقصته مَشْهُورَة قَوْله: (إِن رَبِّي بكيدهن عليم) أَي: إِن الله تَعَالَى عَالم بكيد النِّسَاء، وَقيل: إِن سَيِّدي الْملك قطفير عَالم بِمَا فتنتني بِهِ الْمَرْأَة.
قَوْله: (مَا خطبكن) فِيهِ حذف تَقْدِيره، فَرجع الرَّسُول إِلَى الْملك من عِنْد يُوسُف برسالته فَدَعَا الْملك النسْوَة اللَّاتِي قطعن أَيْدِيهنَّ وَامْرَأَة الْعَزِيز، فَقَالَ لَهُنَّ: (مَا خطبكن) أَي: مَا شأنكن وأمركن، (إذراودتن يُوسُف) فأجبنه بقلن: (حاش لله) أَي: معَاذ الله (مَا علمنَا عَلَيْهِ من سوء) أَي: من فَاحِشَة وَبَقِيَّة الْقِصَّة مَشْهُورَة.

وحاشَ وحاشَى تَنْزِيهٌ واسْتِثْناءٌ
إعلم إِن: حاش على ثَلَاثَة أوجه (أَحدهَا) أَن تكون فعلا مُتَعَدِّيا متصرفا، تَقول: حَاشِيَته بِمَعْنى استثنيته (وَالثَّانِي) أَن تكون للتنزيه، نَحْو: حاش لله وَهِي عِنْد الْمبرد وَابْن جنى والكوفيين فعل لتصرفهم فِيهَا بالحذف.
وَالصَّحِيح أَنَّهَا اسْم مرادف للتنزيه بِدَلِيل قِرَاءَة بَعضهم: حاشا لله، بِالتَّنْوِينِ كَمَا يُقَال بَرَاءَة لله من كَذَا وَزعم بَعضهم أَنَّهَا اسْم فعل وَمَعْنَاهَا: أَتَبرأ أَو تبرأت.
(الثَّالِث) أَن تكون للاستثناء، فَذهب سِيبَوَيْهٍ وَأكْثر الْبَصرِيين إِلَى أَنَّهَا حرف دَائِما بِمَنْزِلَة إِلَّا لَكِنَّهَا تجر الْمُسْتَثْنى وَذهب الْجرْمِي والمازني والمبرد والزجاج والأخفش وَأَبُو زيد وَالْفراء وَأَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ إِلَى أَنَّهَا تسْتَعْمل كثيرا حرفا جارا، وقليلاً فعلا مُتَعَدِّيا جَامِدا لتضمنها معنى إلاَّ.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَة الشين فِي حاش فِي قَوْله حاش لله، مَفْتُوحَة بِغَيْر يَاء، وَبَعْضهمْ يدخلهَا فِي آخرهَا، كَقَوْل الشَّاعِر.

حاشى أبي ثَوْبَان إِن بِهِ ضمنا
وَمَعْنَاهَا التَّنْزِيه وَالِاسْتِثْنَاء عَن الشَّرّ تَقول: حَاشِيَته أَي: استثنيته، وَقد قَرَأَ الْجُمْهُور بِحَذْف الْألف بعد الشين، وَأَبُو عَمْرو بإثباتها فِي الأَصْل، وَفِي حذف الْألف بعد الْحَاء لُغَة، وَقَرَأَ بهَا الْأَعْمَش قَوْله: (تَنْزِيه) من نزه ينزه تَنْزِيها بالزاي كَذَا هُوَ فِي وَرَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة حَكَاهَا عِيَاض: تبرية من التبرى بِمَعْنى الْبَرَاءَة بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَالرَّاء الْمُهْملَة.

حَصْحَصَ وضَحَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله: { الْآن حصحص الْحق} (يُوسُف: 51) الْآيَة وفشر: حصحص، بقوله: وضح، وَقيل: ذهب الْبَاطِل وَالْكذب فَانْقَطع وَتبين الْحق وَظهر، وَالْأَصْل فِيهِ: حص.
فَقيل: حصحص.
كَمَا يُقَال فِي: كف كفكف، وَفِي رد ردد وأصل الحص استئصال الشَّيْء، يُقَال: حص شعره إِذا استأصله جزا.

[ قــ :4439 ... غــ :4694 ]
- حدَّثنا سَعِيدُ بنُ تَلِيدٍ حَدثنَا عبْدُ الرحْمانِ بنُ القاسِمِ عنْ بَكْرِ بنِ مُضَرَ عنْ عمْرِو بنِ الحارِثِ عنْ يُونُسَ بنِ يَزِيدَ عَن ابنِ شهابٍ عنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ وَأبي سلَمَةَ بنِ عبْدِ الرحْمانِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَرْحَمُ الله لُوطا لَقَدْ كانَ يأوي إِلَى رُكْنٍ شَديدٍ ولوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ يُوسُفُ لأجَبْتُ الدَّاعِي وَنحنُ أَحَقُّ مِنْ إبْراهِيمَ إذْ قَالَ لهُ أوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلى ولاكِنْ لِيَطْمَئنَّ قَلْبِي.


يُمكن أَن يَأْخُذ وَجه الْمُطَابقَة بَين التَّرْجَمَة والْحَدِيث من قَوْله: (وَلَو لَبِثت فِي السجْن مَا لبث يُوسُف لَأَجَبْت الدَّاعِي) على مَا لَا يخفي على المتأمل الفطن.

وَسَعِيد بن تليد: بِفَتْح التار الْمُثَنَّاة من فَوق وَكسر اللَّام وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالدال الْمُهْملَة، وَهُوَ سعيد بن عِيسَى بن تليد الْمصْرِيّ.
مر فِي كتاب بَدْء الْخلق، وَعبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم العتقي، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَبعدهَا قَاف الْمصْرِيّ الْفَقِيه صَاحب الإِمَام مَالك وراوي الْمُدَوَّنَة من علمه، وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الْموضع.

وَهَذَا الْإِسْنَاد من أَوله إِلَى قَوْله: عَن ابْن شهَاب، مصريون، وَمن ابْن شهَاب إِلَى آخِره مدنيون، وَفِيه رِوَايَة الأقران لِأَن عَمْرو بن الْحَارِث الْمصْرِيّ الْفَقِيه الْمَشْهُور من أَقْرَان يُونُس بن يزِيد.

قَوْله: (يرحم الله لوطا لقد كَانَ يأوي إِلَى ركن شَدِيد) قد مر فِي بابُُ { ولوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ} (الْأَعْرَاف: 80) فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج.
والْحَدِيث من قَوْله: (وَلَو ثَبت فِي السجْن مَا لبث يُوسُف لَأَجَبْت الدَّاعِي) قد مر فِي: بابُُ قَول الله تَعَالَى: { لقد كَانَ فِي يُوسُف وَإِخْوَته آيَات للسائلين} (يُوسُف: 7) فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن أَسمَاء إِلَى آخِره وَقَوله: (وَنحن أَحَق من إِبْرَاهِيم) إِلَى آخِره قد مر فِي سُورَة الْبَقَرَة فِي بابُُ { إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيم رب أَرِنِي كَيفَ تحي الْمَوْتَى} (الْبَقَرَة: 260) فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أَحْمد بن صَالح، وَقد مر الْكَلَام فِي الْكل مستقصىً.

<