هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
4085 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، قَالَ : سَمِعْتُ البَرَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَجَاءَهُ رَجُلٌ ، فَقَالَ : يَا أَبَا عُمَارَةَ أَتَوَلَّيْتَ يَوْمَ حُنَيْنٍ ؟ فَقَالَ : أَمَّا أَنَا فَأَشْهَدُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَمْ يُوَلِّ ، وَلَكِنْ عَجِلَ سَرَعَانُ القَوْمِ ، فَرَشَقَتْهُمْ هَوَازِنُ ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الحَارِثِ آخِذٌ بِرَأْسِ بَغْلَتِهِ البَيْضَاءِ ، يَقُولُ : أَنَا النَّبِيُّ لاَ كَذِبْ ، أَنَا ابْنُ عَبْدِ المُطَّلِبْ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
4085 حدثنا محمد بن كثير ، حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، قال : سمعت البراء رضي الله عنه ، وجاءه رجل ، فقال : يا أبا عمارة أتوليت يوم حنين ؟ فقال : أما أنا فأشهد على النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يول ، ولكن عجل سرعان القوم ، فرشقتهم هوازن ، وأبو سفيان بن الحارث آخذ برأس بغلته البيضاء ، يقول : أنا النبي لا كذب ، أنا ابن عبد المطلب
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Narrated Abu 'Is-haq:

I heard Al-Bara' narrating when a man came and said to him, O Abu '`Umara! Did you flee on the day (of the battle) of Hunain? Al-Bara' replied, I testify that the Prophet (ﷺ) did not flee, but the hasty people hurried away and the people of Hawazin threw arrows at them. At that time, Abu Sufyan bin Al-Harith was holding the white mule of the Prophet (ﷺ) by the head, and the Prophet (ﷺ) was saying, I am the Prophet (ﷺ) undoubtedly: I am the son of `Abdul-Muttalib.

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [4315] .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ هُوَ السَّبِيعِيُّ وَمَدَارُ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَيْهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْجِهَادِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سُفْيَانَ وَهُوَ الثَّوْرِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ .

     قَوْلُهُ  وَجَاءَهُ رَجُلٌ لَمْ أَقِفُ عَلَى اسْمِهِ وَقَدْ ذَكَرَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ أَنَّهُ مِنْ قَيْسٍ .

     قَوْلُهُ  يَا أَبَا عُمَارَةَ هِيَ كُنْيَةُ الْبَرَاءِ .

     قَوْلُهُ  أَتَوَلَّيْتَ يَوْمَ حُنَيْنٍ الْهَمْزَةُ لِلِاسْتِفْهَامِ وَتَوَلَّيْتَ أَيِ انْهَزَمْتَ وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَوَلَّيْتُمْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَفِي الثَّالِثَةِ أَفَرَرْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُلُّهَا بِمَعْنًى .

     قَوْلُهُ  أَمَّا أَنَا فَأَشْهَدُ عَلَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَمْ يُوَلِّ تَضَمَّنَ جَوَابُ الْبَرَاءِ إِثْبَاتَ الْفِرَارِ لَهُمْ لَكِنْ لَا عَلَى طَرِيقِ التَّعْمِيمِ وَأَرَادَ أَنَّ إِطْلَاقَ السَّائِلِ يَشْمَلُ الْجَمِيعَ حَتَّى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ بِحَمْلِ الْمَعِيَّةِ عَلَى مَا قَبْلَ الْهَزِيمَةِ فَبَادَرَ إِلَى اسْتِثْنَائِهِ ثُمَّ أَوْضَحَ ذَلِكَ وَخَتَمَ حَدِيثَهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَوْمَئِذٍ أَشَدَّ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا الْجَوَابُ مِنْ بَدِيعِ الْأَدَبِ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْكَلَامِ فَرَرْتُمْ كُلُّكُمْ فَيَدْخُلُ فِيهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ الْبَرَاءُ لَا وَاللَّهِ مَا فَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنْ جَرَى كَيْتَ وَكَيْتَ فَأَوْضَحَ أَنَّ فِرَارَ مَنْ فَرَّ لَمْ يَكُنْ عَلَى نِيَّةِ الِاسْتِمْرَارِ فِي الْفِرَارِ وَإِنَّمَا انْكَشَفُوا مِنْ وَقْعِ السِّهَامِ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحْضِرِ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ وَقَدْ ظَهَرَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنَّ الْجَمِيعَ لَمْ يَفِرُّوا كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْبَرَاءَ فَهِمَ مِنَ السَّائِلِ أَنَّهُ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ حَدِيثُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ وَمَرَرْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْهَزِمًا فَلِذَلِكَ حَلَفَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يول وَدلّ ذَلِك على أَن من هزما حَالٌ مِنْ سَلَمَةَ وَلِهَذَا وَقَعَ فِيطَرِيقِ أُخْرَى وَمَرَرْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْهَزِمًا وَهُوَ عَلَى بَغْلَتِهِ فَقَالَ لقد رأى بن الْأَكْوَعِ فَزَعًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ السَّائِلُ أَخَذَ التَّعْمِيمَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ فَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ مِنَ الْعُمُومِ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ .

     قَوْلُهُ  وَلَكِنْ عَجِلَ سَرَعَانُ الْقَوْمِ فَرَشَقَتْهُمْ هَوَازِنُ فَأَمَّا سَرَعَانُ فَبِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ وَيَجُوزُ سُكُونُ الرَّاءُ وَقَدْ تَقَدَّمَ ضَبْطُهُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ وَالرَّشْقُ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْقَافِ رَمْيُ السِّهَامِ.

.
وَأَمَّا هَوَازِنُ فَهِيَ قَبِيلَةٌ كَبِيرَةٌ مِنَ الْعَرَبِ فِيهَا عِدَّةُ بُطُونٍ يُنْسَبُونَ إِلَى هَوَازِنُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَصَفَةَ بِمُعْجَمَةٍ ثُمَّ مُهْملَة ثمَّ فَاء مفتوحات بن قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ وَالْعُذْرُ لِمَنِ انْهَزَمَ مِنْ غَيْرِ الْمُؤَلَّفَةِ أَنَّ الْعَدُوَّ كَانُوا ضِعْفَهُمْ فِي الْعَدَدِ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ بَيَّنَ شُعْبَةُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ السَّبَبَ فِي الْإِسْرَاعِ الْمَذْكُورِ قَالَ كَانَتْ هَوَازِنُ رُمَاةً قَالَ وَإِنَّا لَمَّا حَمَلْنَا عَلَيْهِمُ انْكَشَفُوا وَلِلْمُصَنِّفِ فِي الْجِهَادِ انْهَزَمُوا قَالَ فَأَكْبَبْنَا وَفِي رِوَايَتِهِ فِي الْجِهَادِ فِي بَابِ مَنْ قَادَ دَابَّةَ غَيْرِهِ فِي الْحَرْبِ فَأَقْبَلَ النَّاسُ عَلَى الْغَنَائِمِ فَاسْتَقْبَلُونَا بِالسِّهَامِ وَلِلْمُصَنِّفِ فِي الْجِهَادِ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ تَكْمِلَةُ السَّبَبِ الْمَذْكُورِ قَالَ خَرَجَ شُبَّانُ أَصْحَابِهِ وَأَخِفَّاؤُهُمْ حُسَّرًا بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ لَيْسَ عَلَيْهِمْ سِلَاحٌ فَاسْتَقْبَلَهُمْ جَمْعُ هَوَازِنَ وَبَنِي نَضْرٍ مَا يَكَادُونَ يَسْقُطُ لَهُمْ سَهْمٌ فَرَشَقُوهُمْ رَشْقًا مَا يَكَادُونَ يُخْطِئُونَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَنَزَلَ وَاسْتَنْصَرَ ثُمَّ قَالَ أَنَا النَّبِيُّ لَا كذب أَنا بن عَبْدِ الْمُطَّلِبْ ثُمَّ صَفَّ أَصْحَابَهُ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ زَكَرِيَّا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ فَرَمَوْهُمْ بِرَشْقٍ مِنْ نَبْلٍ كَأَنَّهَا رِجْلُ جَرَادٍ فانكشفوا وَذكر بن إِسْحَاقَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَغَيْرِهِ فِي سَبَبِ انْكِشَافِهِمْ أَمْرًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّ مَالِكَ بْنَ عَوْف سبق بهم إِلَى حنين فأعدوا وتهيؤا فِي مَضَايِقِ الْوَادِي وَأَقْبَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ حَتَّى انْحَطَّ بِهِمُ الْوَادِي فِي عِمَايَةِ الصُّبْحِ فَثَارَتْ فِي وُجُوهِهِمُ الْخَيْلُ فَشَدَّتْ عَلَيْهِمْ وَانْكَفَأَ النَّاسُ مُنْهَزِمِينَ وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنِ السُّمَيْطِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ افْتَتَحْنَا مَكَّةَ ثُمَّ إِنَّا غَزَوْنَا حُنَيْنًا قَالَ فَجَاءَ الْمُشْرِكُونَ بِأَحْسَنِ صُفُوفٍ رَأَيْتُ صُفَّ الْخَيْلُ ثُمَّ الْمُقَاتِلَةُ ثُمَّ النِّسَاءُ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ ثُمَّ الْغَنَمُ ثُمَّ النِّعَمُ قَالَ وَنَحْنُ بَشَرٌ كَثِيرٌ وَعَلَى مَيْمَنَةِ خَيْلِنَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَجَعَلَتْ خَيْلُنَا تَلُوذُ خَلْفَ ظُهُورِنَا فَلَمْ نَلْبَثْ أَنِ انْكَشَفَتْ خَيْلُنَا وَفَرَّتِ الْأَعْرَابُ وَمَنْ تَعْلَمُ مِنَ النَّاسِ وَسَيَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ قَرِيبًا مِنْ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ أَقْبَلَتْ هَوَازِنُ وَغَطَفَانُ بِذَرَارِيِّهِمْ وَنَعَمِهِمْ وَمَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةُ آلَافٍ وَمَعَهُ الطُّلَقَاءُ قَالَ فَأَدْبَرُوا عَنْهُ حَتَّى بَقِيَ وَحْدَهُ الْحَدِيثَ وَيَجْمَعُ بَيْنَ قَوْلِهِ حَتَّى بَقِيَ وَحْدَهُ وَبَيْنَ الْأَخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهُ بَقِيَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بَقِيَ وَحْدَهُ مُتَقَدِّمًا مُقْبِلًا عَلَى الْعَدُوِّ وَالَّذِينَ ثَبَتُوا مَعَهُ كَانُوا وَرَاءَهُ أَوِ الْوَحْدَةُ بِالنِّسْبَةِ لِمُبَاشَرَةِ الْقِتَالِ وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ وَغَيْرُهُ كَانُوا يَخْدُمُونَهُ فِي إِمْسَاكِ الْبَغْلَةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الدَّلَائِلُ تَفْصِيلُ الْمِائَةِ بِضْعَةٌ وَثَلَاثُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْبَقِيَّةُ مِنَ الْأَنْصَارِ وَمِنَ النِّسَاءِ أُمُّ سُلَيْمٍ وَأُمُّ حَارِثَةَ .

     قَوْلُهُ  وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِث أَي بن عبد الْمطلب بن هَاشم وَهُوَ بن عَمِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ إِسْلَامُهُ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ لِأَنَّهُ خَرَجَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَقِيَهُ فِي الطَّرِيقِ وَهُوَ سَائِرٌ إِلَى فَتْحِ مَكَّةَ فَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ وَخَرَجَ إِلَى غَزْوَةِ حُنَيْنٍ فَكَانَ فِيمَن ثَبت وَعند بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ مُرْسَلِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ لَمَّا فَرَّ النَّاسُ يَوْمَ حُنَيْنٍ جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ أَنَا النَّبِي لَا كذب أَنا بن عَبْدِ الْمُطَّلِبْ فَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ إِلَّا أَرْبَعَةُ نَفَرٍ ثَلَاثَةٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَرَجُلٌ مِنْ غَيْرِهِمْ عَلِيٌّ وَالْعَبَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَبُو سُفْيَانَ بن الْحَارِث آخذ بالعنان وبن مَسْعُودٍ مِنَ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ قَالَ وَلَيْسَ يُقْبِلُ نَحْوَهُ أَحَدٌ إِلَّا قُتِلَ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيث بن عُمَرَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ قَالَ لَقَدْ رَأَيْتُنَا يَوْمَ حُنَيْنٍ وَإِنَّ النَّاسَلِمُوَلِّينَ وَمَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَةُ رَجُلٍ وَهَذَا أَكْثَرُ مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ عَدَدِ مَنْ ثَبَتَ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَرَوَى أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدُ الرَّحْمَنَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَوَلَّى عَنْهُ النَّاسُ وَثَبَتَ مَعَهُ ثَمَانُونَ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فَكُنَّا عَلَى أَقْدَامِنَا وَلَمْ نُوَلِّهِمُ الدُّبُرَ وَهُمُ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةَ وَهَذَا لَا يُخَالف حَدِيث بن عمر فَأَنَّهُ نفى أَن يَكُونُوا مائَة وبن مَسْعُودٍ أَثْبَتَ أَنَّهُمْ كَانُوا ثَمَانِينَ.

.
وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ ثَبَتَ مَعَهُ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا فَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِمَّا ذكره بن إِسْحَاقَ فِي حَدِيثِهِ أَنَّهُ ثَبَتَ مَعَهُ الْعَبَّاسُ وَابْنُهُ الْفَضْلُ وَعَلِيٌّ وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ وَأَخُوهُ رَبِيعَةُ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَأَخُوهُ مِنْ أمه أَيمن بن أُمِّ أَيْمَنَ وَمِنَ الْمُهَاجِرِينَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَهَؤُلَاءِ تِسْعَة وَقد تقدم ذكر بن مَسْعُودٍ فِي مُرْسَلِ الْحَاكِمِ فَهَؤُلَاءِ عَشَرَةٌ وَوَقَعَ فِي شِعْرِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّ الَّذِينَ ثَبَتُوا كَانُوا عَشَرَةً فَقَطْ وَذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  نَصَرْنَا رَسُولَ اللَّهِ فِي الْحَرْبِ تِسْعَةً وَقَدْ فَرَّ مَنْ قَدْ فَرَّ عَنْهُ فَأَقْشَعُوا وَعَاشِرُنَا وَافَى الْحِمَامَ بِنَفْسِهِ لِمَا مَسَّهُ فِي اللَّهِ لَا يَتَوَجَّعُ وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الثَّبْتُ وَمَنْ زَاد على ذَلِك يكون عَجِلَ فِي الرُّجُوعِ فَعَدَّ فِيمَنْ لَمْ يَنْهَزِمْ وَمِمَّنْ ذَكَرَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ ثَبَتَ يَوْمَ حُنَيْنٍ أَيْضًا جَعْفَرُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ وَقُثَمُ بْنُ الْعَبَّاسِ وَعُتْبَةُ وَمُعَتِّبٌ ابْنا أَبِي لَهَبٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَنَوْفَلُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَعَقِيلُ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَشَيْبَةُ بْنِ عُثْمَانَ الْحَجَبِيُّ فَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ لَمَّا رَأَى النَّاسَ قَدِ انْهَزَمُوا اسْتَدْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَقْتُلَهُ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ فَضَرَبَهُ فِي صَدْرِهِ.

     وَقَالَ  لَهُ قَاتِلِ الْكُفَّارَ فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى انْهَزَمُوا قَالَ الطَّبَرِيُّ الِانْهِزَامُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ هُوَ مَا وَقَعَ عَلَى غَيْرِ نِيَّةِ الْعَوْدِ.

.
وَأَمَّا الِاسْتِطْرَادُ لِلْكَثْرَةِ فَهُوَ كَالتَّحَيُّزِ إِلَى فِئَةٍ .

     قَوْلُهُ  آخِذٌ بِرَأْسِ بَغْلَتِهِ فِي رِوَايَةِ زُهَيْرٍ فَأَقْبَلُوا أَيِ الْمُشْرِكُونَ هُنَالِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ على بغلته الْبَيْضَاء وبن عَمِّهِ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَقُودُ بِهِ فَنَزَلَ وَاسْتَنْصَرَ قَالَ الْعُلَمَاءُ فِي رُكُوبِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَغْلَةُ يَوْمَئِذٍ دَلَالَةٌ عَلَى النِّهَايَةِ فِي الشَّجَاعَةِ وَالثَّبَاتِ وَقَولُهُ فَنَزَلَ أَيْ عَنِ الْبَغْلَةِ فَاسْتَنْصَرَ أَيْ قَالَ اللَّهُمَّ أَنْزِلْ نَصْرَكَ وَقَعَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ زَكَرِيَّا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ وَفِي حَدِيثِ الْعَبَّاسِ عِنْدَ مُسْلِمٍ شَهِدْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَلَزِمْتُهُ أَنَا وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ فَلَمْ نُفَارِقْهُ الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَلَّى الْمُسْلِمُونَ مُدْبِرِينَ فَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْكُضُ بَغْلَتَهُ قِبَلَ الْكُفَّارِ قَالَ الْعَبَّاسُ وَأَنَا آخِذٌ بِلِجَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكُفُّهَا إِرَادَةَ أَنْ لَا تُسْرِعَ وَأَبُو سُفْيَانَ آخِذٌ بِرِكَابِهِ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ أَبَا سُفْيَانَ كَانَ آخِذًا أَوَّلًا بِزِمَامِهَا فَلَمَّا رَكَضَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جِهَةِ الْمُشْرِكِينَ خَشِيَ الْعَبَّاسُ فَأَخَذَ بِلِجَامِ الْبَغْلَةِ يَكُفُّهَا وَأَخَذَ أَبُو سُفْيَانَ بِالرِّكَابِ وَتَرَكَ اللِّجَامِ لِلْعَبَّاسِ إِجْلَالًا لَهُ لِأَنَّهُ كَانَ عَمَّهُ .

     قَوْلُهُ  بَغْلَتِهِ هَذِهِ الْبَغْلَةُ هِيَ الْبَيْضَاءُ وَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ الْعَبَّاسِ وَكَانَ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ بَيْضَاءَ أَهْدَاهَا لَهُ فَرْوَةُ بْنُ نُفَاثَةَ الْجُذَامِيُّ وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ سَلَمَةَ وَكَانَ عَلَى بغلته الشَّهْبَاء وَوَقع عِنْد بن سَعْدٍ وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ صَنَّفَ السِّيرَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَلَى بَغْلَتِهِ دُلْدُلَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ دُلْدُلَ أَهْدَاهَا لَهُ الْمُقَوْقِسُ وَقَدْ ذَكَرَ الْقُطْبُ الْحَلَبِيُّ أَنَّهُ اسْتَشْكَلَ عِنْد الدمياطي مَا ذكره بن سَعْدٍ فَقَالَ لَهُ كُنْتُ تَبِعْتُهُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ فِي السِّيرَةِ وَكُنْتُ حِينَئِذٍ سِيرِيًّا مَحْضًا وَكَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَذْكُرَ الْخِلَافَ قَالَ الْقُطْبُ الْحَلَبِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ يَوْمَئِذٍ رَكِبَ كُلًّا مِنَ الْبَغْلَتَيْنِ إِنْ ثَبَتَ أَنَّهَا كَانَتْ صَحِبَتْهُ وَإِلَّا فَمَا فِي الصَّحِيحِ أَصَحُّ وَدَلَّ قَوْلُ الدِّمْيَاطِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَعْتَقِدُ الرُّجُوعَ عَنْ كَثِيرٍطَرِيقِ أُخْرَى وَمَرَرْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْهَزِمًا وَهُوَ عَلَى بَغْلَتِهِ فَقَالَ لقد رأى بن الْأَكْوَعِ فَزَعًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ السَّائِلُ أَخَذَ التَّعْمِيمَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ فَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ مِنَ الْعُمُومِ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ .

     قَوْلُهُ  وَلَكِنْ عَجِلَ سَرَعَانُ الْقَوْمِ فَرَشَقَتْهُمْ هَوَازِنُ فَأَمَّا سَرَعَانُ فَبِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ وَيَجُوزُ سُكُونُ الرَّاءُ وَقَدْ تَقَدَّمَ ضَبْطُهُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ وَالرَّشْقُ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْقَافِ رَمْيُ السِّهَامِ.

.
وَأَمَّا هَوَازِنُ فَهِيَ قَبِيلَةٌ كَبِيرَةٌ مِنَ الْعَرَبِ فِيهَا عِدَّةُ بُطُونٍ يُنْسَبُونَ إِلَى هَوَازِنُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَصَفَةَ بِمُعْجَمَةٍ ثُمَّ مُهْملَة ثمَّ فَاء مفتوحات بن قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ وَالْعُذْرُ لِمَنِ انْهَزَمَ مِنْ غَيْرِ الْمُؤَلَّفَةِ أَنَّ الْعَدُوَّ كَانُوا ضِعْفَهُمْ فِي الْعَدَدِ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ بَيَّنَ شُعْبَةُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ السَّبَبَ فِي الْإِسْرَاعِ الْمَذْكُورِ قَالَ كَانَتْ هَوَازِنُ رُمَاةً قَالَ وَإِنَّا لَمَّا حَمَلْنَا عَلَيْهِمُ انْكَشَفُوا وَلِلْمُصَنِّفِ فِي الْجِهَادِ انْهَزَمُوا قَالَ فَأَكْبَبْنَا وَفِي رِوَايَتِهِ فِي الْجِهَادِ فِي بَابِ مَنْ قَادَ دَابَّةَ غَيْرِهِ فِي الْحَرْبِ فَأَقْبَلَ النَّاسُ عَلَى الْغَنَائِمِ فَاسْتَقْبَلُونَا بِالسِّهَامِ وَلِلْمُصَنِّفِ فِي الْجِهَادِ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ تَكْمِلَةُ السَّبَبِ الْمَذْكُورِ قَالَ خَرَجَ شُبَّانُ أَصْحَابِهِ وَأَخِفَّاؤُهُمْ حُسَّرًا بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ لَيْسَ عَلَيْهِمْ سِلَاحٌ فَاسْتَقْبَلَهُمْ جَمْعُ هَوَازِنَ وَبَنِي نَضْرٍ مَا يَكَادُونَ يَسْقُطُ لَهُمْ سَهْمٌ فَرَشَقُوهُمْ رَشْقًا مَا يَكَادُونَ يُخْطِئُونَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَنَزَلَ وَاسْتَنْصَرَ ثُمَّ قَالَ أَنَا النَّبِيُّ لَا كذب أَنا بن عَبْدِ الْمُطَّلِبْ ثُمَّ صَفَّ أَصْحَابَهُ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ زَكَرِيَّا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ فَرَمَوْهُمْ بِرَشْقٍ مِنْ نَبْلٍ كَأَنَّهَا رِجْلُ جَرَادٍ فانكشفوا وَذكر بن إِسْحَاقَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَغَيْرِهِ فِي سَبَبِ انْكِشَافِهِمْ أَمْرًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّ مَالِكَ بْنَ عَوْف سبق بهم إِلَى حنين فأعدوا وتهيؤا فِي مَضَايِقِ الْوَادِي وَأَقْبَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ حَتَّى انْحَطَّ بِهِمُ الْوَادِي فِي عِمَايَةِ الصُّبْحِ فَثَارَتْ فِي وُجُوهِهِمُ الْخَيْلُ فَشَدَّتْ عَلَيْهِمْ وَانْكَفَأَ النَّاسُ مُنْهَزِمِينَ وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنِ السُّمَيْطِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ افْتَتَحْنَا مَكَّةَ ثُمَّ إِنَّا غَزَوْنَا حُنَيْنًا قَالَ فَجَاءَ الْمُشْرِكُونَ بِأَحْسَنِ صُفُوفٍ رَأَيْتُ صُفَّ الْخَيْلُ ثُمَّ الْمُقَاتِلَةُ ثُمَّ النِّسَاءُ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ ثُمَّ الْغَنَمُ ثُمَّ النِّعَمُ قَالَ وَنَحْنُ بَشَرٌ كَثِيرٌ وَعَلَى مَيْمَنَةِ خَيْلِنَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَجَعَلَتْ خَيْلُنَا تَلُوذُ خَلْفَ ظُهُورِنَا فَلَمْ نَلْبَثْ أَنِ انْكَشَفَتْ خَيْلُنَا وَفَرَّتِ الْأَعْرَابُ وَمَنْ تَعْلَمُ مِنَ النَّاسِ وَسَيَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ قَرِيبًا مِنْ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ أَقْبَلَتْ هَوَازِنُ وَغَطَفَانُ بِذَرَارِيِّهِمْ وَنَعَمِهِمْ وَمَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةُ آلَافٍ وَمَعَهُ الطُّلَقَاءُ قَالَ فَأَدْبَرُوا عَنْهُ حَتَّى بَقِيَ وَحْدَهُ الْحَدِيثَ وَيَجْمَعُ بَيْنَ قَوْلِهِ حَتَّى بَقِيَ وَحْدَهُ وَبَيْنَ الْأَخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهُ بَقِيَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بَقِيَ وَحْدَهُ مُتَقَدِّمًا مُقْبِلًا عَلَى الْعَدُوِّ وَالَّذِينَ ثَبَتُوا مَعَهُ كَانُوا وَرَاءَهُ أَوِ الْوَحْدَةُ بِالنِّسْبَةِ لِمُبَاشَرَةِ الْقِتَالِ وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ وَغَيْرُهُ كَانُوا يَخْدُمُونَهُ فِي إِمْسَاكِ الْبَغْلَةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الدَّلَائِلُ تَفْصِيلُ الْمِائَةِ بِضْعَةٌ وَثَلَاثُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْبَقِيَّةُ مِنَ الْأَنْصَارِ وَمِنَ النِّسَاءِ أُمُّ سُلَيْمٍ وَأُمُّ حَارِثَةَ .

     قَوْلُهُ  وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِث أَي بن عبد الْمطلب بن هَاشم وَهُوَ بن عَمِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ إِسْلَامُهُ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ لِأَنَّهُ خَرَجَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَقِيَهُ فِي الطَّرِيقِ وَهُوَ سَائِرٌ إِلَى فَتْحِ مَكَّةَ فَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ وَخَرَجَ إِلَى غَزْوَةِ حُنَيْنٍ فَكَانَ فِيمَن ثَبت وَعند بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ مُرْسَلِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ لَمَّا فَرَّ النَّاسُ يَوْمَ حُنَيْنٍ جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ أَنَا النَّبِي لَا كذب أَنا بن عَبْدِ الْمُطَّلِبْ فَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ إِلَّا أَرْبَعَةُ نَفَرٍ ثَلَاثَةٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَرَجُلٌ مِنْ غَيْرِهِمْ عَلِيٌّ وَالْعَبَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَبُو سُفْيَانَ بن الْحَارِث آخذ بالعنان وبن مَسْعُودٍ مِنَ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ قَالَ وَلَيْسَ يُقْبِلُ نَحْوَهُ أَحَدٌ إِلَّا قُتِلَ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيث بن عُمَرَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ قَالَ لَقَدْ رَأَيْتُنَا يَوْمَ حُنَيْنٍ وَإِنَّ النَّاسَلِمُوَلِّينَ وَمَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَةُ رَجُلٍ وَهَذَا أَكْثَرُ مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ عَدَدِ مَنْ ثَبَتَ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَرَوَى أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدُ الرَّحْمَنَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَوَلَّى عَنْهُ النَّاسُ وَثَبَتَ مَعَهُ ثَمَانُونَ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فَكُنَّا عَلَى أَقْدَامِنَا وَلَمْ نُوَلِّهِمُ الدُّبُرَ وَهُمُ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةَ وَهَذَا لَا يُخَالف حَدِيث بن عمر فَأَنَّهُ نفى أَن يَكُونُوا مائَة وبن مَسْعُودٍ أَثْبَتَ أَنَّهُمْ كَانُوا ثَمَانِينَ.

.
وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ ثَبَتَ مَعَهُ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا فَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِمَّا ذكره بن إِسْحَاقَ فِي حَدِيثِهِ أَنَّهُ ثَبَتَ مَعَهُ الْعَبَّاسُ وَابْنُهُ الْفَضْلُ وَعَلِيٌّ وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ وَأَخُوهُ رَبِيعَةُ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَأَخُوهُ مِنْ أمه أَيمن بن أُمِّ أَيْمَنَ وَمِنَ الْمُهَاجِرِينَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَهَؤُلَاءِ تِسْعَة وَقد تقدم ذكر بن مَسْعُودٍ فِي مُرْسَلِ الْحَاكِمِ فَهَؤُلَاءِ عَشَرَةٌ وَوَقَعَ فِي شِعْرِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّ الَّذِينَ ثَبَتُوا كَانُوا عَشَرَةً فَقَطْ وَذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  نَصَرْنَا رَسُولَ اللَّهِ فِي الْحَرْبِ تِسْعَةً وَقَدْ فَرَّ مَنْ قَدْ فَرَّ عَنْهُ فَأَقْشَعُوا وَعَاشِرُنَا وَافَى الْحِمَامَ بِنَفْسِهِ لِمَا مَسَّهُ فِي اللَّهِ لَا يَتَوَجَّعُ وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الثَّبْتُ وَمَنْ زَاد على ذَلِك يكون عَجِلَ فِي الرُّجُوعِ فَعَدَّ فِيمَنْ لَمْ يَنْهَزِمْ وَمِمَّنْ ذَكَرَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ ثَبَتَ يَوْمَ حُنَيْنٍ أَيْضًا جَعْفَرُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ وَقُثَمُ بْنُ الْعَبَّاسِ وَعُتْبَةُ وَمُعَتِّبٌ ابْنا أَبِي لَهَبٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَنَوْفَلُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَعَقِيلُ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَشَيْبَةُ بْنِ عُثْمَانَ الْحَجَبِيُّ فَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ لَمَّا رَأَى النَّاسَ قَدِ انْهَزَمُوا اسْتَدْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَقْتُلَهُ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ فَضَرَبَهُ فِي صَدْرِهِ.

     وَقَالَ  لَهُ قَاتِلِ الْكُفَّارَ فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى انْهَزَمُوا قَالَ الطَّبَرِيُّ الِانْهِزَامُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ هُوَ مَا وَقَعَ عَلَى غَيْرِ نِيَّةِ الْعَوْدِ.

.
وَأَمَّا الِاسْتِطْرَادُ لِلْكَثْرَةِ فَهُوَ كَالتَّحَيُّزِ إِلَى فِئَةٍ .

     قَوْلُهُ  آخِذٌ بِرَأْسِ بَغْلَتِهِ فِي رِوَايَةِ زُهَيْرٍ فَأَقْبَلُوا أَيِ الْمُشْرِكُونَ هُنَالِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ على بغلته الْبَيْضَاء وبن عَمِّهِ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَقُودُ بِهِ فَنَزَلَ وَاسْتَنْصَرَ قَالَ الْعُلَمَاءُ فِي رُكُوبِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَغْلَةُ يَوْمَئِذٍ دَلَالَةٌ عَلَى النِّهَايَةِ فِي الشَّجَاعَةِ وَالثَّبَاتِ وَقَولُهُ فَنَزَلَ أَيْ عَنِ الْبَغْلَةِ فَاسْتَنْصَرَ أَيْ قَالَ اللَّهُمَّ أَنْزِلْ نَصْرَكَ وَقَعَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ زَكَرِيَّا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ وَفِي حَدِيثِ الْعَبَّاسِ عِنْدَ مُسْلِمٍ شَهِدْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَلَزِمْتُهُ أَنَا وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ فَلَمْ نُفَارِقْهُ الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَلَّى الْمُسْلِمُونَ مُدْبِرِينَ فَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْكُضُ بَغْلَتَهُ قِبَلَ الْكُفَّارِ قَالَ الْعَبَّاسُ وَأَنَا آخِذٌ بِلِجَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكُفُّهَا إِرَادَةَ أَنْ لَا تُسْرِعَ وَأَبُو سُفْيَانَ آخِذٌ بِرِكَابِهِ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ أَبَا سُفْيَانَ كَانَ آخِذًا أَوَّلًا بِزِمَامِهَا فَلَمَّا رَكَضَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جِهَةِ الْمُشْرِكِينَ خَشِيَ الْعَبَّاسُ فَأَخَذَ بِلِجَامِ الْبَغْلَةِ يَكُفُّهَا وَأَخَذَ أَبُو سُفْيَانَ بِالرِّكَابِ وَتَرَكَ اللِّجَامِ لِلْعَبَّاسِ إِجْلَالًا لَهُ لِأَنَّهُ كَانَ عَمَّهُ .

     قَوْلُهُ  بَغْلَتِهِ هَذِهِ الْبَغْلَةُ هِيَ الْبَيْضَاءُ وَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ الْعَبَّاسِ وَكَانَ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ بَيْضَاءَ أَهْدَاهَا لَهُ فَرْوَةُ بْنُ نُفَاثَةَ الْجُذَامِيُّ وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ سَلَمَةَ وَكَانَ عَلَى بغلته الشَّهْبَاء وَوَقع عِنْد بن سَعْدٍ وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ صَنَّفَ السِّيرَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَلَى بَغْلَتِهِ دُلْدُلَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ دُلْدُلَ أَهْدَاهَا لَهُ الْمُقَوْقِسُ وَقَدْ ذَكَرَ الْقُطْبُ الْحَلَبِيُّ أَنَّهُ اسْتَشْكَلَ عِنْد الدمياطي مَا ذكره بن سَعْدٍ فَقَالَ لَهُ كُنْتُ تَبِعْتُهُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ فِي السِّيرَةِ وَكُنْتُ حِينَئِذٍ سِيرِيًّا مَحْضًا وَكَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَذْكُرَ الْخِلَافَ قَالَ الْقُطْبُ الْحَلَبِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ يَوْمَئِذٍ رَكِبَ كُلًّا مِنَ الْبَغْلَتَيْنِ إِنْ ثَبَتَ أَنَّهَا كَانَتْ صَحِبَتْهُ وَإِلَّا فَمَا فِي الصَّحِيحِ أَصَحُّ وَدَلَّ قَوْلُ الدِّمْيَاطِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَعْتَقِدُ الرُّجُوعَ عَنْ كَثِيرٍ( الحَدِيث الأول)

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [ قــ :4085 ... غــ :4315] .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ هُوَ السَّبِيعِيُّ وَمَدَارُ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَيْهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْجِهَادِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سُفْيَانَ وَهُوَ الثَّوْرِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ .

     قَوْلُهُ  وَجَاءَهُ رَجُلٌ لَمْ أَقِفُ عَلَى اسْمِهِ وَقَدْ ذَكَرَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ أَنَّهُ مِنْ قَيْسٍ .

     قَوْلُهُ  يَا أَبَا عُمَارَةَ هِيَ كُنْيَةُ الْبَرَاءِ .

     قَوْلُهُ  أَتَوَلَّيْتَ يَوْمَ حُنَيْنٍ الْهَمْزَةُ لِلِاسْتِفْهَامِ وَتَوَلَّيْتَ أَيِ انْهَزَمْتَ وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَوَلَّيْتُمْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَفِي الثَّالِثَةِ أَفَرَرْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُلُّهَا بِمَعْنًى .

     قَوْلُهُ  أَمَّا أَنَا فَأَشْهَدُ عَلَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَمْ يُوَلِّ تَضَمَّنَ جَوَابُ الْبَرَاءِ إِثْبَاتَ الْفِرَارِ لَهُمْ لَكِنْ لَا عَلَى طَرِيقِ التَّعْمِيمِ وَأَرَادَ أَنَّ إِطْلَاقَ السَّائِلِ يَشْمَلُ الْجَمِيعَ حَتَّى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ بِحَمْلِ الْمَعِيَّةِ عَلَى مَا قَبْلَ الْهَزِيمَةِ فَبَادَرَ إِلَى اسْتِثْنَائِهِ ثُمَّ أَوْضَحَ ذَلِكَ وَخَتَمَ حَدِيثَهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَوْمَئِذٍ أَشَدَّ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا الْجَوَابُ مِنْ بَدِيعِ الْأَدَبِ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْكَلَامِ فَرَرْتُمْ كُلُّكُمْ فَيَدْخُلُ فِيهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ الْبَرَاءُ لَا وَاللَّهِ مَا فَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنْ جَرَى كَيْتَ وَكَيْتَ فَأَوْضَحَ أَنَّ فِرَارَ مَنْ فَرَّ لَمْ يَكُنْ عَلَى نِيَّةِ الِاسْتِمْرَارِ فِي الْفِرَارِ وَإِنَّمَا انْكَشَفُوا مِنْ وَقْعِ السِّهَامِ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحْضِرِ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ وَقَدْ ظَهَرَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنَّ الْجَمِيعَ لَمْ يَفِرُّوا كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْبَرَاءَ فَهِمَ مِنَ السَّائِلِ أَنَّهُ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ حَدِيثُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ وَمَرَرْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْهَزِمًا فَلِذَلِكَ حَلَفَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يول وَدلّ ذَلِك على أَن من هزما حَالٌ مِنْ سَلَمَةَ وَلِهَذَا وَقَعَ فِي طَرِيقِ أُخْرَى وَمَرَرْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْهَزِمًا وَهُوَ عَلَى بَغْلَتِهِ فَقَالَ لقد رأى بن الْأَكْوَعِ فَزَعًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ السَّائِلُ أَخَذَ التَّعْمِيمَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ فَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ مِنَ الْعُمُومِ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ .

     قَوْلُهُ  وَلَكِنْ عَجِلَ سَرَعَانُ الْقَوْمِ فَرَشَقَتْهُمْ هَوَازِنُ فَأَمَّا سَرَعَانُ فَبِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ وَيَجُوزُ سُكُونُ الرَّاءُ وَقَدْ تَقَدَّمَ ضَبْطُهُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ وَالرَّشْقُ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْقَافِ رَمْيُ السِّهَامِ.

.
وَأَمَّا هَوَازِنُ فَهِيَ قَبِيلَةٌ كَبِيرَةٌ مِنَ الْعَرَبِ فِيهَا عِدَّةُ بُطُونٍ يُنْسَبُونَ إِلَى هَوَازِنُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَصَفَةَ بِمُعْجَمَةٍ ثُمَّ مُهْملَة ثمَّ فَاء مفتوحات بن قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ وَالْعُذْرُ لِمَنِ انْهَزَمَ مِنْ غَيْرِ الْمُؤَلَّفَةِ أَنَّ الْعَدُوَّ كَانُوا ضِعْفَهُمْ فِي الْعَدَدِ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ بَيَّنَ شُعْبَةُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ السَّبَبَ فِي الْإِسْرَاعِ الْمَذْكُورِ قَالَ كَانَتْ هَوَازِنُ رُمَاةً قَالَ وَإِنَّا لَمَّا حَمَلْنَا عَلَيْهِمُ انْكَشَفُوا وَلِلْمُصَنِّفِ فِي الْجِهَادِ انْهَزَمُوا قَالَ فَأَكْبَبْنَا وَفِي رِوَايَتِهِ فِي الْجِهَادِ فِي بَابِ مَنْ قَادَ دَابَّةَ غَيْرِهِ فِي الْحَرْبِ فَأَقْبَلَ النَّاسُ عَلَى الْغَنَائِمِ فَاسْتَقْبَلُونَا بِالسِّهَامِ وَلِلْمُصَنِّفِ فِي الْجِهَادِ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ تَكْمِلَةُ السَّبَبِ الْمَذْكُورِ قَالَ خَرَجَ شُبَّانُ أَصْحَابِهِ وَأَخِفَّاؤُهُمْ حُسَّرًا بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ لَيْسَ عَلَيْهِمْ سِلَاحٌ فَاسْتَقْبَلَهُمْ جَمْعُ هَوَازِنَ وَبَنِي نَضْرٍ مَا يَكَادُونَ يَسْقُطُ لَهُمْ سَهْمٌ فَرَشَقُوهُمْ رَشْقًا مَا يَكَادُونَ يُخْطِئُونَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَنَزَلَ وَاسْتَنْصَرَ ثُمَّ قَالَ أَنَا النَّبِيُّ لَا كذب أَنا بن عَبْدِ الْمُطَّلِبْ ثُمَّ صَفَّ أَصْحَابَهُ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ زَكَرِيَّا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ فَرَمَوْهُمْ بِرَشْقٍ مِنْ نَبْلٍ كَأَنَّهَا رِجْلُ جَرَادٍ فانكشفوا وَذكر بن إِسْحَاقَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَغَيْرِهِ فِي سَبَبِ انْكِشَافِهِمْ أَمْرًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّ مَالِكَ بْنَ عَوْف سبق بهم إِلَى حنين فأعدوا وتهيؤا فِي مَضَايِقِ الْوَادِي وَأَقْبَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ حَتَّى انْحَطَّ بِهِمُ الْوَادِي فِي عِمَايَةِ الصُّبْحِ فَثَارَتْ فِي وُجُوهِهِمُ الْخَيْلُ فَشَدَّتْ عَلَيْهِمْ وَانْكَفَأَ النَّاسُ مُنْهَزِمِينَ وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنِ السُّمَيْطِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ افْتَتَحْنَا مَكَّةَ ثُمَّ إِنَّا غَزَوْنَا حُنَيْنًا قَالَ فَجَاءَ الْمُشْرِكُونَ بِأَحْسَنِ صُفُوفٍ رَأَيْتُ صُفَّ الْخَيْلُ ثُمَّ الْمُقَاتِلَةُ ثُمَّ النِّسَاءُ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ ثُمَّ الْغَنَمُ ثُمَّ النِّعَمُ قَالَ وَنَحْنُ بَشَرٌ كَثِيرٌ وَعَلَى مَيْمَنَةِ خَيْلِنَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَجَعَلَتْ خَيْلُنَا تَلُوذُ خَلْفَ ظُهُورِنَا فَلَمْ نَلْبَثْ أَنِ انْكَشَفَتْ خَيْلُنَا وَفَرَّتِ الْأَعْرَابُ وَمَنْ تَعْلَمُ مِنَ النَّاسِ وَسَيَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ قَرِيبًا مِنْ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ أَقْبَلَتْ هَوَازِنُ وَغَطَفَانُ بِذَرَارِيِّهِمْ وَنَعَمِهِمْ وَمَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةُ آلَافٍ وَمَعَهُ الطُّلَقَاءُ قَالَ فَأَدْبَرُوا عَنْهُ حَتَّى بَقِيَ وَحْدَهُ الْحَدِيثَ وَيَجْمَعُ بَيْنَ قَوْلِهِ حَتَّى بَقِيَ وَحْدَهُ وَبَيْنَ الْأَخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهُ بَقِيَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بَقِيَ وَحْدَهُ مُتَقَدِّمًا مُقْبِلًا عَلَى الْعَدُوِّ وَالَّذِينَ ثَبَتُوا مَعَهُ كَانُوا وَرَاءَهُ أَوِ الْوَحْدَةُ بِالنِّسْبَةِ لِمُبَاشَرَةِ الْقِتَالِ وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ وَغَيْرُهُ كَانُوا يَخْدُمُونَهُ فِي إِمْسَاكِ الْبَغْلَةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الدَّلَائِلُ تَفْصِيلُ الْمِائَةِ بِضْعَةٌ وَثَلَاثُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْبَقِيَّةُ مِنَ الْأَنْصَارِ وَمِنَ النِّسَاءِ أُمُّ سُلَيْمٍ وَأُمُّ حَارِثَةَ .

     قَوْلُهُ  وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِث أَي بن عبد الْمطلب بن هَاشم وَهُوَ بن عَمِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ إِسْلَامُهُ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ لِأَنَّهُ خَرَجَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَقِيَهُ فِي الطَّرِيقِ وَهُوَ سَائِرٌ إِلَى فَتْحِ مَكَّةَ فَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ وَخَرَجَ إِلَى غَزْوَةِ حُنَيْنٍ فَكَانَ فِيمَن ثَبت وَعند بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ مُرْسَلِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ لَمَّا فَرَّ النَّاسُ يَوْمَ حُنَيْنٍ جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ أَنَا النَّبِي لَا كذب أَنا بن عَبْدِ الْمُطَّلِبْ فَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ إِلَّا أَرْبَعَةُ نَفَرٍ ثَلَاثَةٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَرَجُلٌ مِنْ غَيْرِهِمْ عَلِيٌّ وَالْعَبَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَبُو سُفْيَانَ بن الْحَارِث آخذ بالعنان وبن مَسْعُودٍ مِنَ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ قَالَ وَلَيْسَ يُقْبِلُ نَحْوَهُ أَحَدٌ إِلَّا قُتِلَ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيث بن عُمَرَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ قَالَ لَقَدْ رَأَيْتُنَا يَوْمَ حُنَيْنٍ وَإِنَّ النَّاسَ لِمُوَلِّينَ وَمَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَةُ رَجُلٍ وَهَذَا أَكْثَرُ مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ عَدَدِ مَنْ ثَبَتَ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَرَوَى أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدُ الرَّحْمَنَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَوَلَّى عَنْهُ النَّاسُ وَثَبَتَ مَعَهُ ثَمَانُونَ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فَكُنَّا عَلَى أَقْدَامِنَا وَلَمْ نُوَلِّهِمُ الدُّبُرَ وَهُمُ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةَ وَهَذَا لَا يُخَالف حَدِيث بن عمر فَأَنَّهُ نفى أَن يَكُونُوا مائَة وبن مَسْعُودٍ أَثْبَتَ أَنَّهُمْ كَانُوا ثَمَانِينَ.

.
وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ ثَبَتَ مَعَهُ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا فَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِمَّا ذكره بن إِسْحَاقَ فِي حَدِيثِهِ أَنَّهُ ثَبَتَ مَعَهُ الْعَبَّاسُ وَابْنُهُ الْفَضْلُ وَعَلِيٌّ وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ وَأَخُوهُ رَبِيعَةُ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَأَخُوهُ مِنْ أمه أَيمن بن أُمِّ أَيْمَنَ وَمِنَ الْمُهَاجِرِينَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَهَؤُلَاءِ تِسْعَة وَقد تقدم ذكر بن مَسْعُودٍ فِي مُرْسَلِ الْحَاكِمِ فَهَؤُلَاءِ عَشَرَةٌ وَوَقَعَ فِي شِعْرِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّ الَّذِينَ ثَبَتُوا كَانُوا عَشَرَةً فَقَطْ وَذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  نَصَرْنَا رَسُولَ اللَّهِ فِي الْحَرْبِ تِسْعَةً وَقَدْ فَرَّ مَنْ قَدْ فَرَّ عَنْهُ فَأَقْشَعُوا وَعَاشِرُنَا وَافَى الْحِمَامَ بِنَفْسِهِ لِمَا مَسَّهُ فِي اللَّهِ لَا يَتَوَجَّعُ وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الثَّبْتُ وَمَنْ زَاد على ذَلِك يكون عَجِلَ فِي الرُّجُوعِ فَعَدَّ فِيمَنْ لَمْ يَنْهَزِمْ وَمِمَّنْ ذَكَرَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ ثَبَتَ يَوْمَ حُنَيْنٍ أَيْضًا جَعْفَرُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ وَقُثَمُ بْنُ الْعَبَّاسِ وَعُتْبَةُ وَمُعَتِّبٌ ابْنا أَبِي لَهَبٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَنَوْفَلُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَعَقِيلُ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَشَيْبَةُ بْنِ عُثْمَانَ الْحَجَبِيُّ فَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ لَمَّا رَأَى النَّاسَ قَدِ انْهَزَمُوا اسْتَدْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَقْتُلَهُ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ فَضَرَبَهُ فِي صَدْرِهِ.

     وَقَالَ  لَهُ قَاتِلِ الْكُفَّارَ فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى انْهَزَمُوا قَالَ الطَّبَرِيُّ الِانْهِزَامُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ هُوَ مَا وَقَعَ عَلَى غَيْرِ نِيَّةِ الْعَوْدِ.

.
وَأَمَّا الِاسْتِطْرَادُ لِلْكَثْرَةِ فَهُوَ كَالتَّحَيُّزِ إِلَى فِئَةٍ .

     قَوْلُهُ  آخِذٌ بِرَأْسِ بَغْلَتِهِ فِي رِوَايَةِ زُهَيْرٍ فَأَقْبَلُوا أَيِ الْمُشْرِكُونَ هُنَالِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ على بغلته الْبَيْضَاء وبن عَمِّهِ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَقُودُ بِهِ فَنَزَلَ وَاسْتَنْصَرَ قَالَ الْعُلَمَاءُ فِي رُكُوبِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَغْلَةُ يَوْمَئِذٍ دَلَالَةٌ عَلَى النِّهَايَةِ فِي الشَّجَاعَةِ وَالثَّبَاتِ وَقَولُهُ فَنَزَلَ أَيْ عَنِ الْبَغْلَةِ فَاسْتَنْصَرَ أَيْ قَالَ اللَّهُمَّ أَنْزِلْ نَصْرَكَ وَقَعَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ زَكَرِيَّا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ وَفِي حَدِيثِ الْعَبَّاسِ عِنْدَ مُسْلِمٍ شَهِدْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَلَزِمْتُهُ أَنَا وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ فَلَمْ نُفَارِقْهُ الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَلَّى الْمُسْلِمُونَ مُدْبِرِينَ فَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْكُضُ بَغْلَتَهُ قِبَلَ الْكُفَّارِ قَالَ الْعَبَّاسُ وَأَنَا آخِذٌ بِلِجَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكُفُّهَا إِرَادَةَ أَنْ لَا تُسْرِعَ وَأَبُو سُفْيَانَ آخِذٌ بِرِكَابِهِ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ أَبَا سُفْيَانَ كَانَ آخِذًا أَوَّلًا بِزِمَامِهَا فَلَمَّا رَكَضَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جِهَةِ الْمُشْرِكِينَ خَشِيَ الْعَبَّاسُ فَأَخَذَ بِلِجَامِ الْبَغْلَةِ يَكُفُّهَا وَأَخَذَ أَبُو سُفْيَانَ بِالرِّكَابِ وَتَرَكَ اللِّجَامِ لِلْعَبَّاسِ إِجْلَالًا لَهُ لِأَنَّهُ كَانَ عَمَّهُ .

     قَوْلُهُ  بَغْلَتِهِ هَذِهِ الْبَغْلَةُ هِيَ الْبَيْضَاءُ وَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ الْعَبَّاسِ وَكَانَ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ بَيْضَاءَ أَهْدَاهَا لَهُ فَرْوَةُ بْنُ نُفَاثَةَ الْجُذَامِيُّ وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ سَلَمَةَ وَكَانَ عَلَى بغلته الشَّهْبَاء وَوَقع عِنْد بن سَعْدٍ وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ صَنَّفَ السِّيرَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَلَى بَغْلَتِهِ دُلْدُلَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ دُلْدُلَ أَهْدَاهَا لَهُ الْمُقَوْقِسُ وَقَدْ ذَكَرَ الْقُطْبُ الْحَلَبِيُّ أَنَّهُ اسْتَشْكَلَ عِنْد الدمياطي مَا ذكره بن سَعْدٍ فَقَالَ لَهُ كُنْتُ تَبِعْتُهُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ فِي السِّيرَةِ وَكُنْتُ حِينَئِذٍ سِيرِيًّا مَحْضًا وَكَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَذْكُرَ الْخِلَافَ قَالَ الْقُطْبُ الْحَلَبِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ يَوْمَئِذٍ رَكِبَ كُلًّا مِنَ الْبَغْلَتَيْنِ إِنْ ثَبَتَ أَنَّهَا كَانَتْ صَحِبَتْهُ وَإِلَّا فَمَا فِي الصَّحِيحِ أَصَحُّ وَدَلَّ قَوْلُ الدِّمْيَاطِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَعْتَقِدُ الرُّجُوعَ عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا وَافَقَ فِيهِ أَهْلَ السِّيَرِ وَخَالَفَ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَتَضَلَّعَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَلِخُرُوجِ نُسَخٌ مِنْ كِتَابِهِ وَانْتِشَارِهِ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ تَغْيِيرِهِ وَقَدْ أَغْرَبَ النَّوَوِيُّ فَقَالَ وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ عَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ وَفِي أُخْرَى الشَّهْبَاءِ وَهِيَ وَاحِدَةٌ وَلَا نَعْرِفُ لَهُ بَغْلَةً غَيْرَهَا وَتَعَقَّبَ بِدُلْدُلَ فَقَدْ ذَكَرَهَا غَيْرُ وَاحِدٍ لَكِنْ قِيلَ إِنَّ الِاسْمَيْنِ لِوَاحِدَةٍ .

     قَوْلُهُ  أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ أَنا بن عبد الْمطلب قَالَ بن التِّينِ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُهُ بِفَتْحِ الْبَاءِ مِنْ قَوْلِهِ لَا كَذِبْ لِيُخْرِجَهُ عَنِ الْوَزْنِ وَقَدْ أُجِيبُ عَنْ مَقَالَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الرَّجَزِ بِأَجْوِبَةٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ نَظْمُ غَيْرِهِ وَأَنَّهُ كَانَ فِيهِ أَنْتَ النَّبِيُّ لَا كذب أَنْت بن عَبْدِ الْمُطَّلِبْ فَذَكَرَهُ بِلَفْظِ أَنَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ ثَانِيهَا أَنَّ هَذَا رَجَزٌ وَلَيْسَ مِنْ أَقْسَامِ الشِّعْرِ وَهَذَا مَرْدُودٌ ثَالِثُهَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ شِعْرًا حَتَّى يَتِمَّ قِطْعَةً وَهَذِهِ كَلِمَاتٌ يَسِيرَةٌ وَلَا تُسَمَّى شِعْرًا رَابِعُهَا أَنَّهُ خَرَجَ مَوْزُونًا وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ الشِّعْرُ وَهَذَا أَعْدَلُ الْأَجْوِبَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى فِي غَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ وَيَأْتِي تَامًّا فِي كِتَابِ الْأَدَبِ.

.
وَأَمَّا نِسْبَتُهُ إِلَى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ دُونَ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ فَكَأَنَّهَا لِشُهْرَةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بَيْنَ النَّاسِ لِمَا رُزِقَ مِنْ نَبَاهَةِ الذِّكْرِ وَطُولِ الْعُمْرِ بِخِلَافِ عَبْدِ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَاتَ شَابًّا وَلِهَذَا كَانَ كثير من الْعَرَب يَدعُونَهُ بن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ كَمَا قَالَ ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ لما قدم أَيّكُم بن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَقِيلَ لِأَنَّهُ كَانَ اشْتُهِرَ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ ذُرِّيَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رجل يَدْعُو الله ويهدى إِلَى اللَّهُ الْخَلْقَ عَلَى يَدَيْهِ وَيَكُونُ خَاتَمَ الْأَنْبِيَاءِ فَانْتَسَبَ إِلَيْهِ لِيَتَذَكَّرَ ذَلِكَ مَنْ كَانَ يَعْرِفُهُ وَقَدِ اشْتَهَرَ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ وَذَكَرَهُ سَيْفُ بْنُ ذِي يَزْنٍ قَدِيمًا لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَبْدُ اللَّهِ آمِنَةَ وَأَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنْبِيهَ أَصْحَابِهِ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ظُهُورِهِ وَأَنَّ الْعَاقِبَةَ لَهُ لِتَقْوَى قُلُوبِهِمْ إِذَا عَرَفُوا أَنَّهُ ثَابِتٌ غَيْرَ مُنْهَزِمٍ.

.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  لَا كَذِبْ فَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ صِفَةَ النُّبُوَّةِ يَسْتَحِيلُ مَعَهَا الْكَذِبُ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنَا النَّبِيُّ وَالنَّبِيُّ لَا يَكْذِبُ فَلَسْتُ بِكَاذِبٍ فِيمَا أَقُولُ حَتَّى أَنْهَزِمَ وَأَنَا مُتَيَقِّنٌ بِأَنَّ الَّذِي وَعَدَنِي اللَّهُ بِهِ مِنَ النَّصْرِ حَقٌّ فَلَا يَجُوزُ عَلَيَّ الْفِرَارُ وَقِيلَ مَعْنَى قَوْلِهِ لَا كَذِبْ أَيْ أَنَا النَّبِيُّ حَقًّا لَا كَذِبَ فِي ذَلِكَ تَنْبِيهَانِ أَحَدهُمَا سَاقَ الْبُخَارِيُّ الْحَدِيثَ عَالِيًا عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ عَنْ شُعْبَةَ لَكِنَّهُ مُخْتَصَرٌ جِدًّا ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ رِوَايَةِ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ مُطَوَّلًا بِنُزُولِ دَرَجَةٍ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَنْ أَبِي خَلِيفَةَ الْفَضْلِ بْنِ الْحُبَابِ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ مُطَوَّلًا فَكَأَنَّهُ لَمَّا حَدَّثَ بِهِ الْبُخَارِيَّ حَدَّثَهُ بِهِ مُخْتَصَرًا الثَّانِي اتَّفَقَتِ الطُّرُقُ الَّتِي أَخْرَجَهَا الْبُخَارِيُّ لِهَذَا الْحَدِيثِ مِنْ سِيَاقِ هَذَا الْحَدِيثِ إِلَى قَوْلِهِ أَنا النَّبِي لَا كذب أَنا بن عَبْدِ الْمُطَّلِبْ إِلَّا رِوَايَةُ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ فَزَادَ فِي آخِرِهَا ثُمَّ صَفَّ أَصْحَابَهُ وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ مِنْ رِوَايَةِ زَكَرِيَّا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ الْبَرَاءُ كُنَّا وَاللَّهِ إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ نَتَّقِي بِهِ وَإِنَّ الشُّجَاعَ منا الَّذِي يُحَاذِيهِ يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ الْعَبَّاسِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَئِذٍ صَارَ يَرْكُضُ بَغْلَتَهُ إِلَى جِهَةِ الْكُفَّارِ وَزَادَ فَقَالَ أَيْ عَبَّاسُ نَادِ أَصْحَابَ الشَّجَرَةِ وَكَانَ الْعَبَّاسُ صَيِّتًا قَالَ فَنَادَيْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي أَيْنَ أَصْحَابُ الشَّجَرَةِ قَالَ فَوَاللَّهِ لَكَأَنَّ عِطْفَتَهُمْ حِينَ سَمِعُوا صَوْتِي عِطْفَةُ الْبَقَرِ عَلَى أَوْلَادِهَا فَقَالُوا يَا لَبَّيْكَ قَالَ فَاقْتَتَلُوا وَالْكَفَّارَ فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى بَغْلَتِهِ كَالْمُتَطَاوِلِ إِلَى قِتَالِهِمْ فَقَالَ هَذَا حِينَ حَمِيَ الْوَطِيسُ ثُمَّ أَخَذَ حَصَيَاتٍ فَرَمَى بِهِنَّ وُجُوهَ الْكُفَّارِ ثُمَّ قَالَ انْهَزَمُوا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ قَالَ فَمَا زِلْتُ أَرَى حَدَّهُمْ كَلِيلًا وَأَمْرَهُمْ مُدْبِرًا وَلِابْنِ إِسْحَاقَ نَحْوُهُ وَزَادَ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَعْطِفُ بِغَيْرِهِ فَلَا يَقْدِرُ فَيَقْذِفُ دِرْعَهُ ثُمَّ يَأْخُذُ بِسَيْفِهِ وَدَرَقَتِهِ ثمَّ يؤم الصَّوْت .

     قَوْلُهُ  فِي آخِرِ الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :4085 ... غــ : 4315 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ وَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا عُمَارَةَ أَتَوَلَّيْتَ يَوْمَ حُنَيْنٍ؟ فَقَالَ: أَمَّا أَنَا فَأَشْهَدُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ لَمْ يُوَلِّ وَلَكِنْ عَجِلَ سَرَعَانُ الْقَوْمِ فَرَشَقَتْهُمْ هَوَازِنُ.
وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ آخِذٌ بِرَأْسِ بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ يَقُولُ:
أَنَا النَّبِيُّ لاَ كَذِبْ ... أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ
وبه قال: ( حدّثنا محمد بن كثير) أبو عبد الله العبدي قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا ( سفيان) الثوري ( عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي أنه ( قال: سمعت البراء) بن عازب ( وجاءه رجل) قال ابن حجر: لم أقف على اسمه ( فقال) له ( يا أبا عمارة) بضم العين وتخفيف الميم كنية البراء ( أتوليت) أي انهزمت ( يوم حنين) ؟ والهمزة للاستفهام ( فقال) : ولأبي ذر قال ( أما أنا فأشهد على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه لم يول) لم ينهزم ( ولكن عجل) بكسر الجيم مخففًا ( سرعان القوم) بفتح السين المهملة والراء وقد تسكن أوائلهم الذين يسارعون إلى الشيء ويقبلون عليه بسرعة ( فرشقتهم)
بالشين المعجمة والقاف أي رمتهم ( هوازن) القبيلة المعروفة وكانوا رماة وإن المسلمون قد حملوا على العدوّ فانكشفوا فأقبل المسلمون على الغنائم فاستقبلهم هوازن ما يكاد يسقط لهم سهم فرشقوهم رشقًا ما يكاد يخطؤون ( وأبو سفيان بن الحارث) بن عبد المطلب ابن عم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( آخذ برأس بغلته) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( البيضاء) التي أهداها له فروة بن نفاثة على الصحيح حال كونه ( يقول) :
( أنا النبي لا كذب) فلا أنهرم لأن الله قد وعدني بالنصر ( أنا ابن عبد المطلب) فيه دليل جواز قول الإنسان في الحرب أنا فلان وأنا ابن فلان أو مثل ذلك.

وهذا الحديث قد سبق في باب بغلة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- البيضاء من الجهاد.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  (بابُُ قَوْلِ الله عَزَّ وَجَلَّ: { وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إذْ أعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وضاقَتْ عَلَيْكُمُ الأرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ ولَّيْتُمْ مُدْبِرِين ثُمَّ أنْزَلَ الله سَكِينَتَهُ إِلَى قَوْلِهِ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (التَّوْبَة: 25)

أَي: هَذَا بابُُ فِي ذكر قَول الله عز وَجل: { وَيَوْم حنين} إِلَى آخِره، هَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَوَقع فِي رِوَايَة غَيره إِلَى قَوْله: { ثمَّ أنزل الله سكينته} ثمَّ قَالَ: { إِلَّا غَفُور رَحِيم} وَوَقع فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ: بابُُ غَزْوَة حنين، وَقَول الله تَعَالَى: { وَيَوْم حنين إِذا أَعجبتكُم كثرتكم فَلم تغن عَنْكُم شَيْئا وَضَاقَتْ عَلَيْكُم الأَرْض بِمَا رَحبَتْ} إِلَى قَوْله: { غَفُور رَحِيم} قَوْله: { وَيَوْم حنين} إِلَى آخِره وَأول الْآيَة: { لقد نصركم الله فِي مَوَاطِن كَثِيرَة} (التَّوْبَة: 25) وَأَرَادَ بالمواطن الْكَثِيرَة وقعات: بدر وَقُرَيْظَة وَالنضير وَالْحُدَيْبِيَة وخيبر وَفتح مَكَّة وَقَوله: { وَيَوْم حنين} ، عطف على المواطن.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: فَإِن قلت: كَيفَ عطف الزَّمَان على الْمَكَان وَهُوَ يَوْم حنين على المواطن؟ قلت: مَعْنَاهُ: وموطن يَوْم حنين، أَو فِي أَيَّام مَوَاطِن كَثِيرَة وَيَوْم حنين، وحنين وادٍ بَين مَكَّة والطائف،.

     وَقَالَ  الْبكْرِيّ: هُوَ وادٍ قريب من الطَّائِف بَينه وَبَين مَكَّة بضعَة عشر ميلًا.
والأغلب عَلَيْهِ التَّذْكِير.
لِأَنَّهُ اسْم مَاء، وَقيل: إِنَّه سمي بحنين بن قانية بن مهلاييل.
قَوْله: (إِذْ أَعجبتكُم كثرتكم) إِمَّا بدل من: يَوْم حنين، وَالتَّقْدِير: أذكر إِذا أَعجبتكُم عِنْد الملاقاة مَعَ الْكفَّار كثرتكم فَلم تغن الْكَثْرَة عَنْكُم شَيْئا وَضَاقَتْ عَلَيْكُم الأَرْض بِمَا رَحبَتْ وَكلمَة: مَا مصدرته وَالْبَاء، بِمَعْنى: أَي: مَعَ رحبها، أَي: وسعهَا ثمَّ: (وليتم مُدبرين) أَي: منهزمين،.

     وَقَالَ  ابْن جريج عَن مُجَاهِد: هَذِه أول آيَة نزلت من سُورَة بَرَاءَة يذكر الله للْمُؤْمِنين فَضله عَلَيْهِم فِي نَصره إيَّاهُم فِي مَوَاطِن كَثِيرَة أَن ذَلِك من عِنْده لَا يعددهم وَلَا عَددهمْ ونبههم على أَن النَّصْر من عِنْده سَوَاء قل الْجمع أَو كثر، فَإِن يَوْم حنين أعجبتهم كثرتهم وَمَعَ هَذَا مَا أجدى ذَلِك عَنْهُم شَيْئا.
قَوْله: (مُدبرين) إِلَّا الْقَلِيل مِنْهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ أنزل نَصره وتأييده على رَسُوله وعَلى الْمُؤمنِينَ الَّذين كَانُوا مَعَه، كَمَا سَيَجِيءُ بَيَانه، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

وَاعْلَم أَن وقْعَة حنين كَانَت بعد فتح مَكَّة فِي شَوَّال سنة ثَمَان من الْهِجْرَة، وَذَلِكَ لما فرغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من فتح مَكَّة وتمهدت لَهُ أمورها وَأسلم عَامَّة أَهلهَا وأطلعهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بلغَة أَن هوَازن قد جمعُوا لَهُ ليقاتلوه وأميرهم مَالك بن عون النضري، وَمَعَهُ ثَقِيف بكمالها وَبَنُو جشم وَبَنُو سعد بن بكر وأوزاع من بني هِلَال، وهم قَلِيل، وناس من بني عَمْرو بن عَامر وَعون ابْن عَامر، وَأَقْبلُوا وَمَعَهُمْ النِّسَاء والولدان وَالشَّاء وَالنعَم، وجاؤوا بقضهم وقضيضهم، فَخرج إِلَيْهِم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حبيشه الَّذين جاؤوا مَعَه لِلْفَتْحِ، وَهُوَ: عشرَة آلَاف من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار، وقبائل الْعَرَب وَمَعَهُ الَّذين أَسْلمُوا من أهل مَكَّة وهم الطُّلَقَاء فِي أَلفَيْنِ، فَسَار بهم إِلَى الْعَدو فَالْتَقوا بوادٍ بَين مَكَّة والطائف يُقَال لَهُ: حنين، فَكَانَت فِيهِ الْوَقْعَة من أول النَّهَار فِي غلس الصُّبْح وانحدروا فِي الْوَادي وَقد كمنت فِيهِ هوَازن، فَلَمَّا توجهوا لم يشْعر الْمُسلمُونَ إلاَّ بهم قد ساوروهم ورشقوا بالنبال واصلتوا السيوف وحملوا حَملَة رجل وَاحِد، كَمَا أَمرهم ملكهم، فَعِنْدَ ذَلِك ولَّى الْمُسلمُونَ مُدبرين، كَمَا قَالَ الله تَعَالَى، وَثَبت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يومئذٍ على بغلته الشَّهْبَاء يَسُوقهَا إِلَى نَحْو الْعَدو، وَالْعَبَّاس آخذ بركابه الْأَيْمن، وَأَبُو سُفْيَان بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب آخذ بركابه الْأَيْسَر يثقلانه لِئَلَّا يسْرع السّير وَهُوَ يُنَوّه باسمه وَيَدْعُو الْمُسلمين إِلَى الرّجْعَة، وَيَقُول: أَي عباد الله إِلَى أَنا رَسُول الله، وَيَقُول فِي تِلْكَ الْحَال.

((أَنا النَّبِي لَا كذب ... أَنا ابْن عبد الْمطلب))

وَثَبت مَعَه من أَصْحَابه قريب من مائَة، وَقيل: ثَمَانُون، مِنْهُم: أَبُو بكر وَعمر وَالْعَبَّاس وَعلي وَالْفضل بن عَبَّاس وَأَبُو سُفْيَان بن الْحَارِث وأيمن ابْن أم أَيمن وَأُسَامَة بن زيد وَغَيرهم رَضِي الله عَنْهُم، ثمَّ أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَمه الْعَبَّاس، وَكَانَ جهير الصَّوْت، بِأَن يُنَادي بِأَعْلَى صَوته: يَا أَصْحَاب الشَّجَرَة، يَعْنِي: شَجَرَة بيعَة الرضْوَان، يَا أَصْحَاب سُورَة الْبَقَرَة فَجعلُوا يَقُولُونَ لبيْك يَا لبيْك، فتراجع شرذمة من النَّاس إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأَمرهمْ أَن يصدقُوا الحملة، وَأخذ قَبْضَة من التُّرَاب بعد مَا دَعَا ربه واستنصره،.

     وَقَالَ : أللهم أنْجز لي مَا وَعَدتنِي ثمَّ رمى الْقَوْم بهَا فَمَا بقى إِنْسَان مِنْهُم إِلَّا أَصَابَهُ مِنْهَا فِي عينه وفمه مَا يشْغلهُ عَن الْقِتَال، ثمَّ انْهَزمُوا وَاتبع الْمُسلمُونَ أقفيتهم يأسرون وَيقْتلُونَ، وَمَا تراجع بَقِيَّة النَّاس إِلَّا وَالْأسَارَى مجدلة، أَي: ملقاة بَين يَدي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

وَفِي (مُسْند أَحْمد) من حَدِيث يعلى بن عَطاء، قَالَ: فَحَدثني أبناؤهم عَن آبَائِهِم أَنهم قَالُوا: لم يبقَ منا أحد إِلَّا امْتَلَأت عَيناهُ وفمه تُرَابا، وَسَمعنَا صلصلة بَين السَّمَاء وَالْأَرْض كإمرار الْحَدِيد على الطست الْجَدِيد..
     وَقَالَ  مُحَمَّد بن إِسْحَاق: حَدثنِي وَالِدي إِسْحَاق بن بشار عَمَّن حَدثهُ عَن جُبَير بن مطعم قَالَ: إِنَّا لمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَوْم حنين وَالنَّاس يقتلُون إِذْ نظرت إِلَى مثل النجاد الْأسود يهوي من السَّمَاء حَتَّى وَقع بَيْننَا وَبَين الْقَوْم، فَإِذا نمل منثور قد مَلأ الْوَادي، فَلم يكن إلاَّ هزيمَة الْقَوْم، فَمَا نشك أَنَّهَا الْمَلَائِكَة..
     وَقَالَ  أَبُو معشر: ثَبت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يومئذٍ مائَة رجل: بضعَة وَثَلَاثُونَ من الْمُهَاجِرين وسائرهم من الْأَنْصَار، وسل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَيْفه ثمَّ طرح غمده،.

     وَقَالَ  الرجز الْمَذْكُور،.

     وَقَالَ  لأبي سُفْيَان بن الْحَارِث: ناولني تُرَابا فَنَاوَلَهُ، وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على بغلته الْبَيْضَاء الَّتِي أهداها لَهُ فَرْوَة بن نفاثة،.

     وَقَالَ  ابْن هِشَام: قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حِينَئِذٍ لبغلته الشَّهْبَاء الْبَدِيِّ، فَوضعت بَطنهَا على الأَرْض فَأخذ حفْنَة فَضرب بهَا وُجُوه هوَازن وَعند ابْن سعد: هَذِه البغلة هِيَ دُلْدُل، وَفِي مُسلم: بغلته الشَّهْبَاء يَعْنِي: دُلْدُل الَّتِي أهداها لَهُ الْمُقَوْقس، وَيجوز أَن يكون ركبهما يومئذٍ مَعًا، وَالله أعلم.

قَوْله: (ثمَّ أنزل الله سكينته) أَي: الأمنة والطمأنينة بعد الْهَزِيمَة..
     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ: رَحمته الَّتِي سكنوا بهَا وآمنوا.
قَوْله: (وَانْزِلْ جُنُودا لم تَرَ) قَالَ ابْن عَبَّاس: يَعْنِي الْمَلَائِكَة، وَكَانُوا ثَمَانِيَة آلَاف، وَقيل: خَمْسَة آلَاف، وَقيل: سِتَّة عشر ألفا، وَكَانَ سِيمَاهُمْ عمائم حمراً قد أرخوها بَين أكتافهم.
قَوْله: (وعذب الَّذين كفرُوا) أَي: بِالْقَتْلِ والهزيمة، وَقيل: بالخوف، وَقيل: بالأسر وَسبي الْأَوْلَاد، وَسبي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مِنْهُم سِتَّة آلَاف رَأس، وَمن الْإِبِل أَرْبَعَة وَعشْرين ألف بعير، وَمن الْغنم أَكثر من أَرْبَعِينَ ألفا، وَمن الْفضة أَرْبَعَة آلَاف أُوقِيَّة.
قَوْله: (وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافرين) أَي: مَا ذكر من الْقَتْل والأسر جَزَاء الْكَافرين.
قَوْله: (ثمَّ يَتُوب الله من بعد ذَلِك على من يَشَاء فيهديه إِلَى الْإِسْلَام وَلَا يؤاخذه بِمَا سلف مِنْهُ وَالله غَفُور رَحِيم) وَقد تَابَ الله على بَقِيَّة هوَازن وَأَسْلمُوا وَقدمُوا مُسلمين وَلَحِقُوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد قَارب مَكَّة عِنْد الْجِعِرَّانَة، وَذَلِكَ بعد الْوَقْعَة بقريب من عشْرين يَوْمًا، فَعِنْدَ ذَلِك خيّرهم بَين سَبْيهمْ وَأَمْوَالهمْ، فَاخْتَارُوا سَبْيهمْ وَقسم أَمْوَالهم بَين الْغَانِمين، وَنفل نَاسا من الطُّلَقَاء لتتألف قُلُوبهم على الْإِسْلَام فَأَعْطَاهُمْ: مائَة مائَة من الْإِبِل، وَكَانَ من جملَة من أعْطى مائَة مَالك بن عَوْف النضري فَاسْتَعْملهُ على قومه، كَمَا كَانَ،.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: مَالك بن عَوْف بن سعد بن ربيعَة بن يَرْبُوع بن وَاثِلَة بن دهمان بن نضر بن بكر بن هوَازن النضري، انهزم يَوْم حنين كَافِرًا وَلحق بِالطَّائِف، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو أَتَانِي مُسلما لرددت إِلَيْهِ أَهله وَمَاله، فَبَلغهُ ذَلِك فلحق برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد خرج من الْجِعِرَّانَة فَأسلم وَأَعْطَاهُ من الْإِبِل كَمَا أعْطى سَائِر الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم وَهُوَ أحدهم، وَحسن إِسْلَامه فامتدحه بقصيدته الَّتِي يَقُول فِيهَا.

(مَا إِن رَأَيْت وَلَا سَمِعت بِمثلِهِ ... فِي النَّاس كلهم بِمثل مُحَمَّد)

(أوفى وَأعْطى للجزيل إِذا إحتدى ... وَمَتى يَشَاء يُخْبِرك عَمَّا فِي غَد)

(وَإِذا الكتيبة غردت أنيابها ... بالسمهري وَضرب كل مهند)

(فَكَأَنَّهُ لَيْث على أشباله ... وسط الْمِيَاه جاذر فِي مرصد)


[ قــ :4085 ... غــ :4315 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيرٍ حَدثنَا سُفْيَانُ عنْ أبي إسْحاق قَالَ سَمِعْتُ البَرَاءَ رَضِي الله عَنهُ وجاءَهُ رجُلٌ فَقَالَ يَا أَبَا عُمارَةَ أتَوَلَّيْتَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَقَالَ أمَّا أَنا أشْهَدُ عَلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنهُ لَمْ يُوَلِّ ولَكِنْ عَجِلَ سَرعَانُ القَوْمِ فَرَشَقَتْهُمْ هَوَازِنُ وَأَبُو سُفْيَانَ بنُ الحارِثِ آخِذ بِرَأْسِ بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ يَقُولُ.

أَنا النبيُّ لَا كَذِبْ أَنا ابنُ عَبْدِ المُطَّلِبْ.
.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أتوليت يَوْم حنين) وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَأَبُو إِسْحَاق هُوَ عَمْرو بن عبد الله السبيعِي الْكُوفِي، وَقد مضى الحَدِيث فِي الْجِهَاد فِي: بابُُ بغلة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الْبَيْضَاء.

قَوْله: (يَا أَبَا عمَارَة) هِيَ كنية الْبَراء.
قَوْله: (أتوليت؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الاستخبار.
أَي: أنهزمت؟ قَوْله: (أما أَنا) إِلَى آخِره، فِيهِ جَوَاب بديع يبين فِيهِ أَولا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يولِّ أَيْضا لِأَن إخْبَاره بقوله: (وَلَكِن عجل سرعَان الْقَوْم) إِلَى آخِره يدل على أَنه ثَبت.
لِأَن الْمولى لَا يقدر على إِخْبَار مَا شَاهده الْبَراء فِي هَذِه الْقَضِيَّة على هَذِه الصُّورَة فَإِن قلت: جَوَابه لَا يُطَابق سُؤال الرجل، لِأَنَّهُ سَأَلَ عَنهُ هَل توليت أم لَا؟ وَلم يسْأَل عَن حَال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قلت: لِأَنَّهُ فهم بِقَرِينَة الْحَال أَنه سَأَلَ عَن فرار الْكل، فَيدْخل فِيهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَيُؤَيِّدهُ مَا فِي الطَّرِيق الَّذِي يَأْتِي عَقِيبه: أوليتم مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ وَأجَاب بقوله: (أشهد على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه لم يول) قَوْله: (سرعَان الْقَوْم) بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَفتح الرَّاء وَيجوز بالتسكين أَيْضا،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وسرعان، بِضَم الْمُهْملَة وَكسرهَا جمع: السَّرِيع، حكى هَذَا عَن بَعضهم، وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَن جمَاعَة مِنْهُم: ابْن الْأَثِير وَغَيره قد ضبطوه مثل مَا ضبطناه،.

     وَقَالَ : سرعَان الْقَوْم أوائلهم الَّذين يُسَارِعُونَ إِلَى شَيْء ويقبلون عَلَيْهِ بِسُرْعَة،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: بَعضهم يَقُول بِكَسْر السِّين، وَهُوَ خطأ.
قَوْله: (فرشقتهم) ، من الرشق بالشين الْمُعْجَمَة وَالْقَاف، وَهُوَ الرَّمْي، وهوازن قَبيلَة كَبِيرَة من الْعَرَب، فِيهَا عدَّة بطُون ينسبون إِلَى هوَازن بن مَنْصُور بن عِكْرِمَة بن خصفة، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالصَّاد الْمُهْملَة وبالفاء كلهَا مَفْتُوحَة: ابْن قيس غيلَان ابْن الياس بن مُضر، وَأَبُو سُفْيَان بن الْحَارِث هُوَ ابْن عبد الْمطلب بن عبد الْمطلب بن هَاشم، وَهُوَ ابْن عَم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَوْله: (آخذ) ، على وزن: فَاعل.
قَوْله: (يَقُول) ، جملَة وَقعت حَالا.