هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1850 حَدَّثَنَا عَبْدَانُ ، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ سِيرِينَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : إِذَا نَسِيَ فَأَكَلَ وَشَرِبَ ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1850 حدثنا عبدان ، أخبرنا يزيد بن زريع ، حدثنا هشام ، حدثنا ابن سيرين ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : إذا نسي فأكل وشرب ، فليتم صومه ، فإنما أطعمه الله وسقاه
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Narrated Abu Huraira:

The Prophet (ﷺ) said, If somebody eats or drinks forgetfully then he should complete his fast, for what he has eaten or drunk, has been given to him by Allah.

D'après ibn Sîrîn, Abu Hurayra (radiallahanho) dit: Le Prophète (r ) a dit: «Si l'un d'entre vous oublie puis mange et boit, qu'il continue son jeûne, parce que c'est Allah qui lui a donné à manger et à boire.» On rapporte que 'Amir ibn Rabî' a dit: «J'ai vu le Prophète (r ) se frotter les dents avec du siwâk alors qu'il était en état de jeûne; [je l'ai vu faire ainsi] un nombre indéterminé de fois.» Abu Hurayra rapporte que le Prophète (r ) a dit: «Si je n'ai pas peur pour ma Nation, j'aurai ordonné aux fidèles de faire usage du siwâk à chaque ablution.» Le même hadîth est rapporté de Jâbir et de Zayd ibn Khâlid, et ce du Prophète (r ); mais dans cette version il n'y a pas de précision s'il s'agit du jeûneur ou de tout autre. A'icha rapporte du Prophète (r ): «C'est une purification de la bouche et une satisfaction au Seigneur.» 'Atâ' et Qatâda sont d'avis que le jeûneur peut avaler sa salive.

":"ہم سے عبدان نے بیان کیا کہ ہمیں یزید بن زریع نے خبر دی ، ان سے ہشام نے بیان کیا ، ان سے ابن سیرین نے بیان کیا ، کہ حضرت ابوہریرہ رضی اللہ عنہ نے نبی اکرم صلی اللہ علیہ وسلم سے روایت کیا کہکہ آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا جب کوئی بھول گیا اور کچھ کھا پی لیا تو اسے چاہئے کہ اپنا روزہ پورا کرے ۔ کیونکہ اس کو اللہ نے کھلایا اور پلایا ۔

D'après ibn Sîrîn, Abu Hurayra (radiallahanho) dit: Le Prophète (r ) a dit: «Si l'un d'entre vous oublie puis mange et boit, qu'il continue son jeûne, parce que c'est Allah qui lui a donné à manger et à boire.» On rapporte que 'Amir ibn Rabî' a dit: «J'ai vu le Prophète (r ) se frotter les dents avec du siwâk alors qu'il était en état de jeûne; [je l'ai vu faire ainsi] un nombre indéterminé de fois.» Abu Hurayra rapporte que le Prophète (r ) a dit: «Si je n'ai pas peur pour ma Nation, j'aurai ordonné aux fidèles de faire usage du siwâk à chaque ablution.» Le même hadîth est rapporté de Jâbir et de Zayd ibn Khâlid, et ce du Prophète (r ); mais dans cette version il n'y a pas de précision s'il s'agit du jeûneur ou de tout autre. A'icha rapporte du Prophète (r ): «C'est une purification de la bouche et une satisfaction au Seigneur.» 'Atâ' et Qatâda sont d'avis que le jeûneur peut avaler sa salive.

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [1933] قَوْلِهِ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ أَيِ الَّذِي كَانَ دَخَلَ فِيهِ وَلَيْسَ فِيهِ نَفْيُ الْقَضَاءِ قَالَ وَقَولُهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ مِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى صِحَّةِ الصَّوْمِ لِإِشْعَارِهِ بِأَنَّ الْفِعْلَ الصَّادِرَ مِنْهُ مَسْلُوبُ الْإِضَافَةِ إِلَيْهِ فَلَو كَانَ أفطر لَا ضيف الْحُكْمُ إِلَيْهِ قَالَ وَتَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ لِلْغَالِبِ لِأَنَّ نِسْيَانَ الْجِمَاعِ نَادِرٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمَا وَذِكْرُ الْغَالِبِ لَا يَقْتَضِي مَفْهُومًا وَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ أَكْلَ النَّاسِي لَا يُوجِبُ قَضَاءً وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالْإِفْسَادِ هَلْ يُوجِبُ مَعَ الْقَضَاءِ الْكَفَّارَةَ أَوْ لَا مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ أَكْلَ النَّاسِي لَا يُوجِبُهَا وَمَدَارُ كُلِّ ذَلِكَ عَلَى قُصُورِ حَالَةِ الْمَجَامِعِ نَاسِيًا عَنْ حَالَةِ الْآكِلِ وَمَنْ أَرَادَ إِلْحَاقَ الْجِمَاعِ بِالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَإِنَّمَا طَرِيقُهُ الْقِيَاسُ وَالْقِيَاسُ مَعَ وُجُودِ الْفَارِقِ مُتَعَذِّرٌ إِلَّا إِنْ بَيَّنَ الْقَائِسُ أَنَّ الْوَصْفَ الْفَارِقَ مُلْغًى اه وَأَجَابَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّ عَدَمَ وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَنِ الْمَجَامِعِ مَأْخُوذٌ مِنْ عُمُومِ قَوْلِهِ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ مَنْ أَفْطَرَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لِأَنَّ الْفِطْرَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ جِمَاعٍ وَإِنَّمَا خَصَّ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ بِالذِّكْرِ فِي الطَّرِيقِ الْأُخْرَى لِكَوْنِهِمَا أَغْلَبَ وُقُوعًا وَلِعَدَمِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُمَا غَالِبًا .

     قَوْلُهُ  هِشَامٌ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ .

     قَوْلُهُ  إِذَا نَسِيَ فَأَكَلَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ هِشَامٍ مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ وَلِلْمُصَنِّفِ فِي النَّذْرِ مِنْ طَرِيق عَوْف عَن بن سِيرِينَ مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا وَهُوَ صَائِمٌ وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ وَأَيُّوبَ عَن بن سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَكَلْتُ وَشَرِبْتُ نَاسِيًا وَأَنَا صَائِمٌ وَهَذَا الرَّجُلُ هُوَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَاوِي الْحَدِيثِ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ .

     قَوْلُهُ  فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَة عَن بن سِيرِينَ فَلَا يُفْطِرْ .

     قَوْلُهُ  فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ رزقه الله وللدارقطنى من طَرِيق بن عُلَيَّةَ عَنْ هِشَامٍ فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ سَاقَهُ الله تَعَالَى إِلَيْهِ قَالَ بن الْعَرَبِيِّ تَمَسَّكَ جَمِيعُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَتَطَلَّعَ مَالِكٌ إِلَى الْمَسْأَلَةِ مِنْ طَرِيقِهَا فَأَشْرَفَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْفِطْرَ ضِدُّ الصَّوْمِ وَالْإِمْسَاكَ رُكْنُ الصَّوْمِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ نَسِيَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلَاةِ قَالَ وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِيهِ لَا قَضَاءَ عَلَيْكَ فَتَأَوَّلَهُ عُلَمَاؤُنَا عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ لاقضاء عَلَيْكَ الْآنَ وَهَذَا تَعَسُّفٌ وَإِنَّمَا أَقُولُ لَيْتَهُ صَحَّ فَنَتَّبِعُهُ وَنَقُولُ بِهِ إِلَّا عَلَى أَصْلِ مَالِكٍ فِي أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ إِذَا جَاءَ بِخِلَافِ الْقَوَاعِدِ لَمْ يُعْمَلْ بِهِ فَلَمَّا جَاءَ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ الْمُوَافِقُ لِلْقَاعِدَةِ فِي رَفْعِ الْإِثْمِ عَمِلْنَا بِهِ.

.
وَأَمَّا الثَّانِي فَلَا يُوَافِقُهَا فَلَمْ نَعْمَلُ بِهِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ احْتَجَّ بِهِمَنْ أَسْقَطَ الْقَضَاءَ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ فِيهِ لِلْقَضَاءِ فَيُحْمَلُ عَلَى سُقُوطِ الْمُؤَاخَذَةِ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ صِيَامُ يَوْمٍ لَا خَرْمَ فِيهِ لَكِنْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِيهِ سُقُوطَ الْقَضَاءِ وَهُوَ نَصٌّ لَا يَقْبَلُ الِاحْتِمَالَ لَكِنَّ الشَّأْنَ فِي صِحَّتِهِ فَإِنْ صَحَّ وَجَبَ الْأَخْذُ بِهِ وَسَقَطَ الْقَضَاءُ اه وَأَجَابَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بِحَمْلِ الْحَدِيثِ عَلَى صَوْم التَّطَوُّع كَمَا حَكَاهُ بن التِّين عَن بن شعْبَان وَكَذَا قَالَ بن الْقَصَّارِ وَاعْتُلَّ بِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي الْحَدِيثِ تَعْيِينُ رَمَضَانَ فَيُحْمَلُ عَلَى التَّطَوُّعِ.

     وَقَالَ  الْمُهَلَّبُ وَغَيره لم يذكر فِي الحَدِيث اثبات الْقَضَاء فَيُحْمَلُ عَلَى سُقُوطِ الْكَفَّارَةِ عَنْهُ وَإِثْبَاتِ عُذُرِهِ وَرَفْعِ الْإِثْمِ عَنْهُ وَبَقَاءِ نِيَّتِهِ الَّتِي بَيَّتَهَا اه وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ بِمَا أَخْرَجَهُ بن خُزَيْمَة وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عبد الله الْأنْصَارِيّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ مَنْ أَفْطَرَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ نَاسِيًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ فَعَيَّنَ رَمَضَانَ وَصَرَّحَ بِإِسْقَاطِ الْقَضَاءِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ تَفَرَّدَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقٍ عَنِ الْأنْصَارِيّ وَتعقب بَان بن خُزَيْمَةَ أَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَاهِلِيِّ وَبِأَنَّ الْحَاكِمَ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ كِلَاهُمَا عَنِ الْأَنْصَارِيِّ فَهُوَ الْمُنْفَرِدُ بِهِ كَمَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهُوَ ثِقَةٌ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ انْفَرَدَ بِذِكْرِ إِسْقَاطِ الْقَضَاءِ فَقَطْ لَا بِتَعْيِينِ رَمَضَانَ فَإِنَّ النَّسَائِيَّ أَخْرَجَ الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ بَكَّارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو وَلَفْظُهُ فِي الرَّجُلِ يَأْكُلُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ نَاسِيًا فَقَالَ اللَّهُ أَطْعَمَهُ وَسَقَاهُ وَقَدْ وَرَدَ إِسْقَاطُ الْقَضَاءِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بن عِيسَى بن الطباع عَن بن علية عَن هِشَام عَن بن سِيرِينَ وَلَفْظُهُ فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ.

     وَقَالَ  بَعْدَ تَخْرِيجِهِ هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ وَكُلُّهُمْ ثِقَاتٌ.

.

قُلْتُ لَكِنَّ الحَدِيث عِنْد مُسلم وَغَيره من طَرِيق بن عُلَيَّةَ وَلَيْسَ فِيهِ هَذِهِ الزِّيَادَةُ وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا إِسْقَاطَ الْقَضَاءِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي رَافِعٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ وَالْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ رَفَعَهُ مَنْ أَكَلَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ نَاسِيًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَإِسْنَادُهُ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا لَكِنَّهُ صَالِحٌ لِلْمُتَابَعَةِ فَأَقَلُّ دَرَجَاتِ الْحَدِيثِ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ أَنْ يَكُونَ حَسَنًا فَيَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ وَقَدْ وَقَعَ الِاحْتِجَاجُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَسَائِلِ بِمَا هُوَ دُونَهُ فِي الْقُوَّةِ وَيَعْتَضِدُ أَيْضًا بِأَنَّهُ قَدْ أَفْتَى بِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْ غير مُخَالفَة لَهُم مِنْهُم كَمَا قَالَه بن الْمُنْذر وبن حَزْمٍ وَغَيْرُهُمَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَزَيْدُ بن ثَابت وَأَبُو هُرَيْرَة وبن عُمَرَ ثُمَّ هُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَكِنْ يُؤَاخِذكُم بِمَا كسبت قُلُوبكُمْ فَالنِّسْيَانُ لَيْسَ مِنْ كَسْبِ الْقَلْبِ وَمُوَافِقٌ لِلْقِيَاسِ فِي إِبْطَالِ الصَّلَاةِ بِعَمْدِ الْأَكْلِ لَا بِنِسْيَانِهِ فَكَذَلِك الصّيام وَأما الْقيَاس الَّذِي ذكره بن الْعَرَبِيِّ فَهُوَ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ فَلَا يُقْبَلُ وَرَدُّهُ لِلْحَدِيثِ مَعَ صِحَّتِهِ بِكَوْنِهِ خَبَرَ وَاحِدٍ خَالَفَ الْقَاعِدَةَ لَيْسَ بِمُسَلَّمٍ لِأَنَّهُ قَاعِدَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ بِالصِّيَامِ فَمَنْ عَارَضَهُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الصَّلَاةِ أَدْخَلَ قَاعِدَةً فِي قَاعِدَةٍ وَلَوْ فُتِحَ بَابُ رَدِّ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ بِمِثْلِ هَذَا لَمَا بَقِيَ مِنَ الْحَدِيثِ إِلَّا الْقَلِيلُ وَفِي الْحَدِيثِ لُطْفُ اللَّهِ بعباده والتيسير عَلَيْهِم وَرفع الْمَشَقَّة والحرج عَنْهُم وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ لِهَذَا الْحَدِيثِ سَبَبًا فَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ أُمِّ حَكِيمٍ بِنْتِ دِينَارٍ عَنْ مَوْلَاتِهَا أُمِّ إِسْحَاقَ أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُتِيَ بِقَصْعَةٍ مِنْ ثَرِيدٍ فَأَكَلَتْ مَعَهُ ثُمَّ تَذَكَّرَتْ أَنَّهَا كَانَتْ صَائِمَة فَقَالَ لَهَا ذُو الْيَدَيْنِ الْآن بعد مَا شَبِعْتِ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتِمِّي صَوْمَكِ فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيْكِ وَفِي هَذَا رَدٌّ عَلَى مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ قَلِيلِ الْأَكْلِ وَكَثِيرِهِ وَمِنَ الْمُسْتَظْرَفَاتِ مَا رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن بن جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّ إِنْسَانًا جَاءَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ أَصْبَحْتُ صَائِمًا فَنَسِيتُ فَطَعِمْتُ قَالَ لَا بَأْسَ قَالَ ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَى إِنْسَانٍ فَنَسِيتُ وَطَعِمْتُ وَشَرِبْتُ قَالَ لَا بَأْسَ اللَّهُ أَطْعَمَكَ وَسَقَاكَ ثُمَّ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى آخَرَ فَنَسِيتُ فَطَعِمْتُ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة أَنْت إِنْسَان لم تتعود الصّيام( قَولُهُ بَابُ سِوَاكِ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ لِلصَّائِمِ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَهُوَ كَقَوْلِهِمْ مَسْجِدُ الْجَامِعِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ بَابُ السِّوَاكِ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ وَأَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِلَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ كَرِهَ لِلصَّائِمِ الِاسْتِيَاكَ بِالسِّوَاكِ الرَّطْبِ كَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّعْبِيِّ وَقَدْ تقدم قبل بِبَاب قِيَاس بن سِيرِينَ السِّوَاكَ الرَّطْبَ عَلَى الْمَاءِ الَّذِي يُتَمَضْمَضُ بِهِ وَمِنْهُ تَظْهَرُ النُّكْتَةُ فِي إِيرَادِ حَدِيثِ عُثْمَانَ فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ فِي هَذَا الْبَابِ فَإِنَّ فِيهِ أَنَّهُ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ.

     وَقَالَ  فِيهِ مَنْ تَوَضَّأَ وُضُوئِي هَذَا وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ صَائِمٍ وَمُفْطِرٍ وَيَتَأَيَّدُ ذَلِكَ بِمَا ذُكِرَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْبَابِ .

     قَوْلُهُ  وَيُذْكَرُ عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَاكُ وَهُوَ صَائِمٌ مَا لَا أُحْصِي أَوْ أَعُدُّ وَصَلَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ أَبِيه وَأخرجه بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ.

     وَقَالَ  كُنْتُ لَا أُخْرِجُ حَدِيثَ عَاصِمٍ ثُمَّ نَظَرْتُ فَإِذَا شُعْبَةُ وَالثَّوْرِيُّ قَدْ رَوَيَا عَنْهُ وَرَوَى يَحْيَى وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْهُ وَرَوَى مَالِكٌ عَنْهُ خَبَرًا فِي غير الْمُوَطَّأ قلت وَضَعفه بن مَعِينٍ وَالذُّهْلِيُّ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ وَمُنَاسَبَتُهُ لِلتَّرْجَمَةِ إِشْعَارُهُ بِمُلَازَمَةِ السِّوَاكِ وَلَمْ يَخُصَّ رَطْبًا مِنْ يَابِسٍ وَهَذَا عَلَى طَرِيقَةِ الْمُصَنِّفِ فِي أَنَّ الْمُطْلَقَ يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكَ الْعُمُومِ أَوْ أَنَّ الْعَامَّ فِي الْأَشْخَاصِ عَامٌّ فِي الْأَحْوَالِ وَقَدْ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِي أَوَاخِرِ التَّرْجَمَةِ الْمَذْكُورَةِ وَلَمْ يَخُصَّ صَائِمًا مِنْ غَيْرِهِ أَيْ وَلَمْ يَخُصَّ أَيْضًا رَطْبًا مِنْ يَابِسٍ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ تَظْهَرُ مُنَاسَبَةُ جَمِيعِ مَا أَوْرَدَهُ فِي هَذَا الْبَابِ لِلتَّرْجَمَةِ وَالْجَامِعُ لِذَلِكَ كُلِّهِ .

     قَوْلُهُ  فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي إِبَاحَتَهُ فِي كُلِّ وَقت وعَلى كل حَال قَالَ بن الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ أَخَذَ الْبُخَارِيُّ شَرْعِيَّةَ السِّوَاكِ للصَّائِم بِالدَّلِيلِ الْخَاص ثمَّ انتزعه من الْأَدِلَّةِ الْعَامَّةِ الَّتِي تَنَاوَلَتْ أَحْوَالَ مُتَنَاوِلِ السِّوَاكِ وَأَحْوَالَ مَا يُسْتَاكُ بِهِ ثُمَّ انْتَزَعَ ذَلِكَ مِنْ أَعَمَّ مِنَ السِّوَاكِ وَهُوَ الْمَضْمَضَةُ إِذْ هِيَ أَبْلَغُ مِنَ السِّوَاكِ الرَّطْبِ .

     قَوْلُهُ  .

     .

     وَقَالَتْ  
عَائِشَةُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ وَصَلَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيّ وبن خُزَيْمَة وبن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ)
أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَنْ أَبِيهِ عَنْهَا رَوَاهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ وَالدَّرَاوَرْدِيُّ وَسُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ وَخَالَفَهُمْ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ فَرَوَاهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى وَالسِّرَاجُ فِي مُسْنَدَيْهِمَا عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ حَمَّادٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ أَبُو يَعْلَى فِي رِوَايَتِهِ قَالَ عَبْدُ الْأَعْلَى هَذَا خَطَأٌ إِنَّمَا هُوَ عَنْ عَائِشَةَ .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  عَطَاءٌ وَقَتَادَةُ يَبْتَلِعُ رِيقَهُ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَلِلْمُسْتَمْلِي يَبْلَعُ بِغَيْرِ مُثَنَّاةٍ وَلِلْحَمَوِيِّ يَتَبَلَّعُ بِتَقْدِيمِ الْمُثَنَّاةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ ثُمَّ مُشَدَّدَةٌ فَأَمَّا قَوْلُ عَطَاءٍ فَوَصَلَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَسَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ.

.
وَأَمَّا أَثَرُ قَتَادَةَ فَوَصَلَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي التَّفْسِيرِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْهُ نَحْوَهُ وَمُنَاسَبَتُهُ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ أَقْصَى مَا يُخْشَى مِنَ السِّوَاكِ الرَّطْبِ أَنْ يَتَحَلَّلَ مِنْهُ فِي الْفَمِ شَيْءٌ وَذَلِكَ الشَّيْءُ كَمَاءِ الْمَضْمَضَةِ فَإِذَا قَذَفَهُ مِنْ فِيهِ لَا يَضُرُّهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَبْتَلِعَ رِيقَهُ .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْلَا أَن شقّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ وَصَلَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ بِشْرِ بْنِ عُمَرَ عَنْ مَالِكٍ عَن بن شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِهَذَا اللَّفْظِ وَوَقَعَ لَنَا بِعُلُوٍّ فِي جُزْءِ الذُّهْلِيِّ وَأخرجه بن خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ مَالِكٍ بِلَفْظِ لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ وَالْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّرَّاجِ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَفَرَضْتُ عَلَيْهِمُ السِّوَاكَ مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ .

     قَوْلُهُ  وَيُرْوَى نَحْوُهُ عَنْ جَابِرٍ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَوَصَلَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي كِتَابِ السِّوَاكِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ عَنْهُ بِلَفْظِ مَعَ كُلِّ صَلَاةٍ سِوَاكٌ وَعَبْدُ اللَّهِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَوَصله بن عَدِيٍّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ جَابِرٍ بِلَفْظِ لَجَعَلْتُ السِّوَاكَ عَلَيْهِمْ عَزِيمَةً وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ.

.
وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ فَوَصَلَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَأَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْهُ بِلَفْظِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَحَكَى التِّرْمِذِيُّ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ فَقَالَ رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ أَصَحُّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ كِلَا الْحَدِيثَيْنِ صَحِيحٌ عِنْدِي.

.

قُلْتُ رَجَّحَ الْبُخَارِيُّ طَرِيقَ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ لِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ فِيهِ قِصَّةً وَهِيَ قَوْلُ أَبِي سَلَمَةَ فَكَانَ زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ يَضَعُ السِّوَاكَ مِنْهُ مَوْضِعَ الْقَلَمِ مِنْ أُذُنِ الْكَاتِبِ فَكُلَّمَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ اسْتَاكَ ثَانِيهُمَا أَنَّهُ تُوبِعَ فَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خَالِدٍ فَذَكَرَ نَحْوَهُ تَنْبِيهٌ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ غَيْرِ أَبِي ذَرٍّ فِي سِيَاقِ هَذِهِ الْآثَارِ وَالْأَحَادِيثِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ وَالْخَطْبُ فِيهِ يَسِيرٌ ثُمَّ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ حَدِيثَ عُثْمَانَ فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الْوُضُوءِ وَفِي أَوَائِلِ الصَّلَاةِ وَذَكَرْتُ مَا يَتَعَلَّقُ بمناسبته للتَّرْجَمَة قبل( قَولُهُ بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا تَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْشِقْ بِمَنْخِرِهِ الْمَاءَ) هَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ مِنَ الْأُصُولِ الَّتِي لَمْ يُوصِلْهَا الْبُخَارِيُّ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَوَيْنَاهُ فِي مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَفِي نُسْخَةِ هَمَّامٍ مِنْ طَرِيقِ الطَّبَرَانِيِّ عَنْ إِسْحَاقَ عَنْهُ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ وَلَفْظُهُ إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَنْشِقْ بِمَنْخِرِهِ الْمَاءَ ثُمَّ لِيَسْتَنْثِرْ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَمْ يُمَيِّزِ الصَّائِمَ مِنْ غَيْرِهِ قَالَهُ تَفَقُّهًا وَهُوَ كَذَلِكَ فِي أَصْلِ الِاسْتِنْشَاقِ لَكِنْ وَرَدَ تَمْيِيزُ الصَّائِمِ مِنْ غَيْرِهِ فِي الْمُبَالَغَةِ فِي ذَلِكَ كَمَا رَوَاهُ أَصْحَاب السّنَن وَصَححهُ بن خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمِ بْنِ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ بَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَشَارَ بِإِيرَادِ أَثَرِ الْحَسَنِ عَقِبَهُ إِلَى هَذَا التَّفْصِيلِ .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  الْحَسَنُ لَا بَأْسَ بِالسَّعُوطِ لِلصَّائِمِ إِنْ لَمْ يَصِلِ الْمَاءُ إِلَى حَلْقِهِ وَصله بن أَبِي شَيْبَةَ نَحْوَهُ.

     وَقَالَ  الْكُوفِيُّونَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى مَنِ اسْتَعَطَ.

     وَقَالَ  مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجِبُ إِلَّا إِنْ وَصَلَ الْمَاءُ إِلَى حَلْقِهِ وَقَولُهُ وَيَكْتَحِلُ هُوَ مِنْ قَوْلِ الْحَسَنِ أَيْضًا وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ قَبْلَ بَابَيْنِ .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  عَطَاءٌ إِلَخْ وَصَلَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُور عَن بن الْمُبَارك عَن بن جُرَيْجٍ.

.

قُلْتُ لِعَطَاءٍ الصَّائِمُ يُمَضْمِضُ ثُمَّ يَزْدَرِدُ رِيقَهُ وَهُوَ صَائِمٌ قَالَ لَا يَضُرُّهُ وَمَاذَا بَقِيَ فِي فِيهِ وَكَذَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَن بن جُرَيْجٍ وَوَقَعَ فِي أَصْلِ الْبُخَارِيِّ وَمَا بَقِيَ فِي فِيهِ قَالَ بن بَطَّالٍ ظَاهِرُهُ إِبَاحَةُ الِازْدِرَادِ لِمَا بَقِيَ فِي الْفَم من مَاء الْمَضْمَضَة وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ عَبْدَ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ بِلَفْظِ وَمَاذَا بَقِيَ فِي فِيهِ وَكَأَنَّ ذَا سَقَطَتْ من رِوَايَة البُخَارِيّ انْتهى وَمَا عَلَى ظَاهِرِ مَا أَوْرَدَهُ الْبُخَارِيُّ مَوْصُولَةٌ وَعَلَى مَا وَقع من رِوَايَة بن جُرَيْجٍ اسْتِفْهَامِيَّةٌ وَكَأَنَّهُ قَالَ وَأَيُّ شَيْءٍ يَبْقَى فِي فِيهِ بَعْدَ أَنْ يَمُجَّ الْمَاءَ إِلَّا أَثَرُ الْمَاءِ فَإِذَا بَلَعَ رِيقَهُ لَا يَضُرُّهُ وَقَولُهُ فِي الْأَصْلِ لَا يَضُرُّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي لَا يَضِيرُهُ بِزِيَادَةِ تَحْتَانِيَّةٍ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ .

     قَوْلُهُ  وَلَا يَمْضُغُ الْعِلْكَ إِلَخْ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي وَيَمْضُغُ الْعِلْكَ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى فَكَذَلِكَ أخرجه عبد الرَّزَّاق عَن بن جُرَيْجٍ.

.

قُلْتُ لِعَطَاءٍ يَمْضُغُ الصَّائِمُ الْعِلْكَ قَالَ لَا.

.

قُلْتُ إِنَّهُ يَمُجُّ رِيقَ الْعِلْكِ وَلَا يزدرده وَلَا يمصه قَالَ وَقُلْتُ لَهُ أَيَتَسَوَّكُ الصَّائِمُ قَالَ نَعَمْ.

.

قُلْتُ لَهُ أَيَزْدَرِدُ رِيقَهُ قَالَ لَا فَقُلْتُ فَفَعَلَ أَيَضُرُّهُ قَالَ لَا وَلَكِنْ يُنْهَى عَنْ ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي الْمَضْمَضَةِ فِي بَابِ من أكل نَاسِيا قَالَ بن الْمُنْذِرِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الصَّائِمِ فِيمَا يَبْتَلِعُهُ مِمَّا يَجْرِي مَعَ الرِّيقِ مِمَّا بَيْنَ أَسْنَانِهِ مِمَّا لَا يَقْدِرُ عَلَى إِخْرَاجِهِ وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ إِذَا كَانَ بَيْنَ أَسْنَانِهِ لَحْمٌ فَأَكَلَهُ مُتَعَمِّدًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَخَالَفَهُ الْجُمْهُورُ لِأَنَّهُ مَعْدُودٌ مِنَ الْأَكْلِ وَرَخَّصَ فِي مَضْغِ الْعِلْكِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إِنْ كَانَ لَا يَتَحَلَّبُ مِنْهُ شَيْءٌ فَإِنْ تَحَلَّبَ مِنْهُ شَيْءٌ فَازْدَرَدَهُ فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ يُفْطِرُ انْتَهَى وَالْعِلْكُ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ بَعْدَهَا كَافٌ كُلُّ مَا يُمْضَغُ وَيَبْقَى فِي الْفَمِ كَالْمُصْطَكَّى وَاللُّبَانِ فَإِنْ كَانَ يَتَحَلَّبُ مِنْهُ شَيْءٌ فِي الْفَمِ فَيَدْخُلُ الْجَوْفَ فَهُوَ مُفْطِرٌ وَإِلَّا فَهُوَ مُجَفِّفٌ وَمُعَطِّشٌ فَيُكْرَهُ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ( .

     قَوْلُهُ  بَابٌ إِذَا جَامَعَ فِي رَمَضَانَ)
أَيْ عَامِدًا عَالِمًا وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ .

     قَوْلُهُ  وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفْعُهُ مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلَا مَرَضٍ لَمْ يَقْضِهِ صِيَامُ الدَّهْرِ وَإِنْ صَامَهُ وَصَلَهُ أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة وَصَححهُ بن خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَشُعْبَةَ كِلَاهُمَا عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي الْمُطَوَّسِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَهُ وَفِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ فِي غَيْرِ رُخْصَةٍ رَخَّصَهَا اللَّهُ تَعَالَى لَهُ لَمْ يَقْضِ عَنْهُ وَإِنْ صَامَ الدَّهْرَ كُلَّهُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ سَأَلْتُ مُحَمَّدًا يَعْنِي الْبُخَارِيَّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ أَبُو الْمُطَوَّسِ اسْمُهُ يَزِيدُ بْنُ الْمُطَوَّسِ لَا أَعْرِفُ لَهُ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ.

     وَقَالَ  الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ أَيْضًا تَفَرَّدَ أَبُو الْمُطَوَّسِ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَلَا أَدْرِي سَمِعَ أَبُوهُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَمْ لَا.

.

قُلْتُ وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَحَصَلَتْ فِيهِ ثَلَاثُ عِلَلٍ الِاضْطِرَابُ وَالْجَهْلُ بِحَالِ أَبِي الْمُطَوَّسِ وَالشَّكُّ فِي سَمَاعِ أَبِيهِ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهَذِهِ الثَّالِثَةُ تَخْتَصُّ بطريقة البُخَارِيّ فِي اشْتِرَاط اللِّقَاء وَذكر بن حَزْمٍ مِنْ طَرِيقِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلَهُ مَوْقُوفًا قَالَ بن بَطَّالٍ أَشَارَ بِهَذَا الْحَدِيثِ إِلَى إِيجَابِ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ قِيَاسًا عَلَى الْجِمَاعِ وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا انْتَهَاكُ حُرْمَةِ الشَّهْرِ بِمَا يفْسد الصَّوْم عمدا وَقرر ذَلِك الزَّبْن بْنُ الْمُنِيرِ بِأَنَّهُ تَرْجَمَ بِالْجِمَاعِ لِأَنَّهُ الَّذِي وَرَدَ فِيهِ الْحَدِيثُ الْمُسْنَدُ وَإِنَّمَا ذَكَرَ آثَارَ الْإِفْطَار ليفهم أَن الْإِفْطَار بِالْأَكْلِ وَالْجِمَاع بِمَعْنى وَاحِدٌ انْتَهَى وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَشَارَ بِالْآثَارِ الَّتِي ذَكَرَهَا إِلَى أَنَّ إِيجَابَ الْقَضَاءِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ السَّلَفِ وَأَنَّ الْفِطْرَ بِالْجِمَاعِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنَ الْكَفَّارَةِ وَأَشَارَ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِكَوْنِهِ لَمْ يُجْزَمْ بِهِ عَنْهُ وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَظَاهِرُهُ يُقَوِّي قَوْلَ مَنْ ذَهَبَ إِلَى عَدَمِ الْقَضَاءِ فِي الْفِطْرِ بِالْأَكْلِ بَلْ يَبْقَى ذَلِكَ فِي ذِمَّتِهِ زِيَادَةً فِي عُقُوبَتِهِ لِأَنَّ مَشْرُوعِيَّةَ الْقَضَاءِ تَقْتَضِي رَفْعَ الْإِثْمِ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْقَضَاءِ عَدَمُ الْكَفَّارَةِ فِيمَا وَرَدَ فِيهِ الْأَمْرُ بِهَا وَهُوَ الْجِمَاعُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الِانْتِهَاكِ بِالْجِمَاعِ وَالْأَكْلِ ظَاهِرٌ فَلَا يَصِحُّ الْقيَاس الْمَذْكُور قَالَ بن الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ مَا مُحَصَّلُهُ إِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ لَمْ يَقْضِ عَنْهُ صِيَامُ الدَّهْرِ أَيْ لَا سَبِيلَ إِلَى اسْتِدْرَاكِ كَمَالِ فَضِيلَةِ الْأَدَاءِ بِالْقَضَاءِ أَيْ فِي وَصْفِهِ الْخَاصِّ وَإِنْ كَانَ يَقْضِي عَنْهُ فِي وَصْفِهِ الْعَامِّ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ إِهْدَارُ الْقَضَاءِ بِالْكُلِّيَّةِ انْتهى وَلَا يخفى تكلفه وَسِيَاق أثر بن مَسْعُودٍ الْآتِي يَرُدُّ هَذَا التَّأْوِيلَ وَقَدْ سَوَّى بَينهمَا البُخَارِيّ قَوْله وَبِه قَالَ بن مَسْعُودٍ أَيْ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَة وَأثر بن مَسْعُودٍ وَصَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَرُوِّينَاهُ عَالِيًا فِي جُزْءِ هِلَالٍ الْحَفَّارِ مِنْ طَرِيقِ مَنْصُورٍ عَنْ وَاصِلٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَشْكُرِيِّ قَالَ حُدِّثْتُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ لَمْ يُجْزِهِ صِيَامُ الدَّهْرِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ فَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ وَإِنْ شَاءَ عذبه وَصله عبد الرَّزَّاق وبن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ وَاصِلٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ فُلَانِ بْنِإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْوَجَعُ وَعِنْدَكُمُ الْقُرْآنُ حَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَيْتِ فَاخْتَصَمُوا ثُمَّ ذُكِرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ أَرَادَ الْكِتَابَ وَبَعْضَهُمْ وَافَقَ عُمَرَ وَأَنَّهُ لَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغْوَ وَالِاخْتِلَافَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُومُوا.

.
اعْلَمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْصُومٌ مِنَ الْكَذِبِ وَمِنْ تَغْيِيرِ شَيْءٍ مِنَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فِي حَالِ صِحَّتِهِ وَحَالِ مَرَضِهِ وَمَعْصُومٌ مِنْ تَرْكِ بَيَانِ مَا أُمِرَ بِبَيَانِهِ وَتَبْلِيغِ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ تَبْلِيغَهُ وَلَيْسَ مَعْصُومًا مِنَ الْأَمْرَاضِ وَالْأَسْقَامِ الْعَارِضَةِ لِلْأَجْسَامِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا نَقْصَ فِيهِ لِمَنْزِلَتِهِ وَلَا فَسَادَ لِمَا تَمَهَّدَ مِنْ شَرِيعَتِهِ وَقَدْ سُحِرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى صَارَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ فَعَلَ الشَّيْءَ وَلَمْ يَكُنْ فَعَلَهُ وَلَمْ يَصْدُرْ منه صلى الله عليه وسلم وفي هَذَا الْحَالِ كَلَامٌ فِي الْأَحْكَامِ مُخَالِفٌ لِمَا سَبَقَ مِنَ الْأَحْكَامِ الَّتِي قَرَّرَهَا فَإِذَا عَلِمْتَ مَا ذَكَرْنَاهُ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْكِتَابِ الَّذِي هَمَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ فَقِيلَ أَرَادَ أَنْ يَنُصَّ عَلَى الْخِلَافَةِ فِي إِنْسَانٍ مُعَيَّنٍ لِئَلَّا يَقَعَ نِزَاعٌ وَفِتَنٌ وَقِيلَ أَرَادَ كِتَابًا يُبَيِّنُ فِيهِ مُهِمَّاتِ الْأَحْكَامِ مُلَخَّصَةً لِيَرْتَفِعَ النِّزَاعُ فِيهَا وَيَحْصُلَ الِاتِّفَاقُ عَلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَمَّ بِالْكِتَابِ حِينَ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ مَصْلَحَةٌ أَوْ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ تَرْكُهُ أَوْ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ وَنُسِخَ ذَلِكَ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ.

.
وَأَمَّا كَلَامُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ الْمُتَكَلِّمُونَ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ دَلَائِلِ فِقْهِ عُمَرَ وَفَضَائِلِهِ وَدَقِيقِ نَظَرِهِ لِأَنَّهُ خَشِيَ أَنْ يَكْتُبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمُورًا رُبَّمَا عَجَزُوا عَنْهَا وَاسْتَحَقُّوا الْعُقُوبَةَ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا مَنْصُوصَةٌ لَا مَجَالَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهَا فَقَالَ عُمَرُ حَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى مَا فَرَّطْنَا في الكتاب من شيء وقوله اليوم أكملت لكم دينكم فَعَلِمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَكْمَلَ دِينَهُ فَأَمِنَ الضَّلَالَ عَلَى الْأُمَّةِ وَأَرَادَ التَّرْفِيهَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ عُمَرُ أفقه من بن عَبَّاسٍ وَمُوَافِقِيهِ قَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِهِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ إِنَّمَا قَصَدَ عُمَرُ التَّخْفِيفَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ غَلَبَهُ الْوَجَعُ وَلَوْ كَانَ مُرَادُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يكتب مالا يَسْتَغْنُونَ عَنْهُ لَمْ يَتْرُكْهُ لِاخْتِلَافِهِمْ وَلَا لِغَيْرِهِ لقوله تعالى بلغ ما أنزل إليك كَمَا لَمْ يَتْرُكْ تَبْلِيغَ غَيْرِ ذَلِكَ لِمُخَالَفَةِ مَنْ خَالَفَهُ وَمُعَادَاةِ مَنْ عَادَاهُ وَكَمَا أَمَرَ فِي ذَلِكَ الْحَالِ بِإِخْرَاجِ الْيَهُودِ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرَهُ فِي الْحَدِيثِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ حَكَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَبْلَهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ اسْتِخْلَافَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ اعْتِمَادًا عَلَى مَا عَلِمَهُ مِنْ تَقْدِيرِ اللَّهِتَعَالَى ذَلِكَ كَمَا هَمَّ بِالْكِتَابِ فِي أَوَّلِ مَرَضِهِ حِينَ قَالَ وَارَأْسَاهُ ثُمَّ تَرَكَ الْكِتَابَ.

     وَقَالَ  يَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ ثُمَّ نَبَّهَ أُمَّتَهُ عَلَى اسْتِخْلَافِ أَبِي بَكْرٍ بِتَقْدِيمِهِ إِيَّاهُ فِي الصَّلَاةِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بَيَانَ أَحْكَامِ الدِّينِ وَرَفْعِ الْخِلَافِ فِيهَا فَقَدْ عَلِمَ عُمَرُ حُصُولَ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تعالى اليوم أكملت لكم دينكم وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا تَقَعُ وَاقِعَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا وَفِي الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ بَيَانُهَا نَصًّا أَوْ دَلَالَةً وَفِي تَكَلُّفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ مَعَ شِدَّةِ وَجَعِهِ كِتَابَةَ ذَلِكَ مَشَقَّةٌ وَرَأَى عُمَرُ الِاقْتِصَارَ عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانُهُ إِيَّاهُ نَصًّا أَوْ دلالة تخفيفا عليه ولئلا ينسد بَابُ الِاجْتِهَادِ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ وَالِاسْتِنْبَاطِ وَإِلْحَاقِ الْفُرُوعِ بِالْأُصُولِ وَقَدْ كَانَ سَبَقَ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ وَكَّلَ بَعْضَ الْأَحْكَامِ إِلَى اجْتِهَادِ الْعُلَمَاءِ وَجَعَلَ لَهُمُ الْأَجْرَ عَلَى الِاجْتِهَادِ فَرَأَى عُمَرُ الصَّوَابَ تَرْكُهُمْ عَلَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ فَضِيلَةِ الْعُلَمَاءِ بِالِاجْتِهَادِ مَعَ التَّخْفِيفِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي تَرْكِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِنْكَارَ عَلَى عُمَرَ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِصْوَابِهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ عُمَرَ عَلَى أَنَّهُ تَوَهَّمَ الْغَلَطَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ ظَنَّ بِهِ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ بِحَالٍ لَكِنَّهُ لَمَّا رَأَى مَا غَلَبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْوَجَعِ وَقُرْبِ الْوَفَاةِ مَعَ مَا اعْتَرَاهُ مِنَ الْكَرْبِ خَافَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْقَوْلُ مِمَّا يَقُولُهُ الْمَرِيضُ مِمَّا لَا عَزِيمَةَ لَهُ فِيهِ فَتَجِدُ الْمُنَافِقُونَ بِذَلِكَ سَبِيلًا إِلَى الْكَلَامِ فِي الدِّينِ وَقَدْ كَانَ أَصْحَابُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرَاجِعُونَهُ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ قَبْلَ أَنْ يَجْزِمَ فِيهَا بِتَحْتِيمٍ كَمَا رَاجَعُوهُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي الْخِلَافِ وَفِي كِتَابِ الصُّلْحِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ فَأَمَّا إِذَا أَمَرَ بِالشَّيْءِ أَمْرَ عَزِيمَةٍ فَلَا يُرَاجِعُهُ فِيهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ قَالَ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْخَطَأُ فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ وَقَدْ أَجْمَعُوا كُلُّهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ قَالَ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ رَفَعَ دَرَجَتَهُ فَوْقَ الْخَلْقِ كُلِّهِمْ فَلَمْ يُنَزِّهْهُ عَنْ سِمَاتِ الْحَدَثِ وَالْعَوَارِضِ الْبَشَرِيَّةِ وَقَدْ سَهَى فِي الصَّلَاةِ فَلَا يُنْكَرُ أَنْ يُظَنَّ بِهِ حُدُوثُ بَعْضِ هَذِهِ الْأُمُورِ فِي مَرَضِهِ فَيَتَوَقَّفُ فِي مِثْلِ هَذَا الْحَالِ حَتَّى تَتَبَيَّنَ حَقِيقَتُهُ فَلِهَذِهِ الْمَعَانِي وَشَبَهِهَا رَاجَعَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ اخْتِلَافُ أُمَّتِي رَحْمَةٌ فَاسْتَصْوَبَ عُمَرُ مَا قَالَهُ قَالَ وَقَدِ اعْتَرَضَ عَلَى حَدِيثِ اخْتِلَافُ أُمَّتِي رحمة رجلان أحدهما مغموض عَلَيْهِ فِي دِينِهِ وَهُوَ عَمْرُو بْنُ بَحْرٍ الْجَاحِظُ وَالْآخَرُ مَعْرُوفٌ بِالسُّخْفِ وَالْخَلَاعَةِ وَهُوَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَوْصِلِيُّ فَإِنَّهُ لَمَّاوَضَعَ كِتَابَهُ فِي الْأَغَانِي وَأَمْكَنَ فِي تِلْكَ الْأَبَاطِيلِ لَمْ يَرْضَ بِمَا تَزَوَّدَ مِنْ إِثْمِهَا حَتَّى صَدَّرَ كِتَابَهُ بِذَمِّ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَزَعَمَ أنهم يروون مالا يَدْرُونَ.

     وَقَالَ  هُوَ وَالْجَاحِظُ لَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ رَحْمَةً لَكَانَ الِاتِّفَاقُ عَذَابًا ثُمَّ زَعَمَ أَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ اخْتِلَافُ الْأُمَّةِ رَحْمَةً فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً فَإِذَا اخْتَلَفُوا سَأَلُوهُ فَبَيَّنَ لَهُمْ وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ الْفَاسِدِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الشَّيْءِ رَحْمَةً أَنْ يَكُونَ ضِدُّهُ عَذَابًا وَلَا يَلْتَزِمُ هَذَا وَيَذْكُرُهُ إِلَّا جَاهِلٌ أَوْ مُتَجَاهِلٌ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه فَسَمَّى اللَّيْلَ رَحْمَةً وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ النَّهَارُ عَذَابًا وَهُوَ ظَاهِرٌ لَا شَكَّ فِيهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَالِاخْتِلَافُ فِي الدِّينِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا فِي إِثْبَاتِ الصَّانِعِ وَوَحْدَانِيِّتِهِ وَإِنْكَارُ ذَلِكَ كُفْرٌ وَالثَّانِي فِي صِفَاتِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَإِنْكَارُهَا بِدْعَةٌ وَالثَّالِثُ فِي أَحْكَامِ الْفُرُوعِ الْمُحْتَمِلَةِ وُجُوهًا فَهَذَا جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى رَحْمَةً وَكَرَامَةً لِلْعُلَمَاءِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِحَدِيثِ اخْتِلَافُ أُمَّتِي رَحْمَةٌ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْخَطَّابِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ.

     وَقَالَ  الْمَازِرِيُّ إِنْ قِيلَ كَيْفَ جَازَ لِلصَّحَابَةِ الِاخْتِلَافُ فِي هَذَا الْكِتَابِ مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ائْتُونِي أَكْتُبُ وَكَيْفَ عَصَوْهُ فِي أَمْرِهِ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ الْأَوَامِرَ تُقَارِنُهَا قَرَائِنُ تَنْقُلُهَا مِنَ النَّدْبِ إِلَى الْوُجُوبِ عِنْدَ مَنْ قَالَ أَصْلُهَا لِلنَّدْبِ وَمِنَ الْوُجُوبِ إِلَى النَّدْبِ عِنْدَ مَنْ قَالَ أَصْلُهَا لِلْوُجُوبِ وَتَنْقُلُ القُرائنُ أَيْضًا صِيغَةَ أَفْعَلُ إِلَى الْإِبَاحَةِ وَإِلَى التَّخْيِيرِ وَإِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ ضُرُوبِ الْمَعَانِي فَلَعَلَّهُ ظَهَرَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم من القرائن مادل عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِمْ بَلْ جَعَلَهُ إِلَى اخْتِيَارِهِمْ فَاخْتَلَفَ اخْتِيَارُهُمْ بِحَسَبِ اجْتِهَادِهِمْ وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى رُجُوعِهِمْ إِلَى الِاجْتِهَادِ فِي الشَّرْعِيَّاتِ فَأَدَّى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اجْتِهَادُهُ إِلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ هَذَا وَلَعَلَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّ ذَلِكَ صدرمنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ جَازِمٍ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ هَجَرَ وَبِقَوْلِ عُمَرَ غَلَبَ عَلَيْهِ الْوَجَعُ وَمَا قَارَنَهُ مِنَ الْقَرَائِنِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ عَلَى نَحْوِ مَا يَعْهَدُونَهُ مِنْ أُصُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَبْلِيغِ الشَّرِيعَةِ وَأَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى غَيْرِهِ مِنْ طُرُقِ التَّبْلِيغِ الْمُعْتَادَةِ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَظَهَرَ ذَلِكَ لِعُمَرَ دُونَ غَيْرِهِ فَخَالَفُوهُ وَلَعَلَّ عُمَرَ خَافَ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ قَدْ يَتَطَرَّقُونَ إِلَى الْقَدْحِ فِيمَا اشْتَهَرَ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ وَبَلَّغَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ بِكِتَابٍ يُكْتَبُ فِي خَلْوَةٍ وَآحَادٍ وَيُضِيفُونَ إِلَيْهِ شَيْئًا لشبهوا بِهِ عَلَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَلِهَذَا قَالَ عِنْدَكُمُ الْقُرْآنُ حَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ.

     وَقَالَ  الْقَاضِي عِيَاضٌ وْ.

     قَوْلُهُ  أَهَجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا هُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَهَجَرَ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ وَهُوَأصح من رواية من روى هَجَرَ وَيَهْجُرُ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ مَعْنَى هَجَرَ هَذَى وَإِنَّمَا جَاءَ هَذَا مِنْ قَائِلِهِ اسْتِفْهَامًا لِلْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ قَالَ لَا تَكْتُبُوا أَيْ لَا تَتْرُكُوا أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَجْعَلُوهُ كَأَمْرِ مَنْ هَجَرَ فِي كَلَامِهِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَهْجُرُ وَإِنْ صَحَّتِ الرِّوَايَاتُ الْأُخْرَى كَانَتْ خَطَأً مِنْ قَائِلِهَا قَالَهَا بِغَيْرِ تَحْقِيقٍ بَلْ لِمَا أَصَابَهُ مِنَ الْحَيْرَةِ وَالدَّهْشَةِ لِعَظِيمِ مَا شَاهَدَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذِهِ الْحَالَةِ الدَّالَّةِ عَلَى وَفَاتِهِ وَعَظِيمِ الْمُصَابِ بِهِ وَخَوْفِ الْفِتَنِ وَالضَّلَالِ بَعْدَهُ وَأَجْرَى الْهُجْرَ مَجْرَى شِدَّةِ الْوَجَعِ وَقَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ نَازَعَهُ لَا عَلَى أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( دَعُونِي فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ) مَعْنَاهُ دَعُونِي مِنَ النِّزَاعِ وَاللَّغَطِ الَّذِي شَرَعْتُمْ فِيهِ فَالَّذِي أَنَا فِيهِ مِنْ مُرَاقَبَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالتَّأَهُّبِ لِلِقَائِهِ وَالْفِكْرِ فِي ذَلِكَ وَنَحْوِهِ أَفْضَلُ مِمَّا أَنْتُمْ فِيهِ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ) قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ جَزِيرَةُ الْعَرَبِ مَا بَيْنَ أَقْصَى عَدَنِ الْيَمَنِ إِلَى رِيفِ الْعِرَاقِ فِي الطُّولِ.

.
وَأَمَّا فِي الْعَرْضِ فَمِنْ جُدَّةَ وَمَا وَالَاهَا إِلَى أَطْرَافِ الشَّامِ.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَةَ هِيَ مَا بَيْنَ حَفَرِ أَبِي مُوسَى إِلَى أَقْصَى الْيَمَنِ فِي الطُّولِ.

.
وَأَمَّا فِي الْعَرْضِ فَمَا بَيْنَ رَمْلِ يَرِينَ إِلَى مُنْقَطَعِ السَّمَاوَةِ وَقَولُهُ حَفَرُ أَبِي مُوسَى هُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ أَيْضًا قَالُوا وَسُمِّيَتْ جَزِيرَةً لِإِحَاطَةِ الْبِحَارِ بِهَا مِنْ نَوَاحِيهَا وَانْقِطَاعِهَا عَنِ الْمِيَاهِ الْعَظِيمَةِ وَأَصْلُ الْجُزُرِ فِي اللُّغَةِ الْقِطَعُ وَأُضِيفَتْ إِلَى الْعَرَبِ لِأَنَّهَا الْأَرْضُ الَّتِي كَانَتْ بِأَيْدِيهِمْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَدِيَارُهمُ الَّتِي هِيَ أَوْطَانُهُمْ وَأَوْطَانُ أَسْلَافِهِمْ وَحَكَى الْهَرَوِيُّ عن مالك أن جزيرة العرب هي المجينة وَالصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ واليمامة وَالْيَمَامَةُ وَالْيَمَنُ وَأَخَذَ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْعُلَمَاءِ فَأَوْجَبُوا إِخْرَاجَ الْكُفَّارِ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَقَالُوا لَا يَجُوزُ تَمْكِينُهُمْ مِنْ سُكْنَاهَا وَلَكِنَّ الشَّافِعِيَّ خَصَّ هَذَا الْحُكْمَ بِبَعْضِ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَهُوَ الْحِجَازُ وَهُوَ عِنْدَهُ مَكَّةُ والمدينة والميامة وَأَعْمَالُهَا دُونَ الْيَمَنِ وَغَيْرِهِ مِمَّا هُوَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ بِدَلِيلٍ آخَرَ مَشْهُورٍفِي كُتُبِهِ وَكُتُبِ أَصْحَابِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَلَا يُمْنَعُ الْكُفَّارُ مِنَ التَّرَدُّدِ مُسَافِرِينَ فِي الْحِجَازِ وَلَا يُمَكَّنُونَ مِنَ الْإِقَامَةِ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمُوَافِقُوهُ إِلَّا مَكَّةَ وَحَرَمَهَا فَلَا يَجُوزُ تَمْكِينُ كَافِرٍ مِنْ دُخُولِهِ بِحَالٍ فَإِنْ دَخَلَهُ فِي خُفْيَةٍ وَجَبَ إِخْرَاجُهُ فإن مات ودفن فيه نبش وأخرج مالم يَتَغَيَّرْ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاهِيرِ الْفُقَهَاءِ وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ دُخُولَهُمُ الْحَرَمَ وَحُجَّةُ الْجَمَاهِيرِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الحرام بعد عامهم هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ) قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا أَمْرٌ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم بإجازة لوعود وضيافتهم واكرامهم تطبيبا لِنُفُوسِهِمْ وَتَرْغِيبًا لِغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَنَحْوِهِمْ وَإِعَانَةً عَلَى سَفَرِهِمْ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ سَوَاءٌ كَانَ الْوَفْدُ مُسْلِمِينَ أَوْ كُفَّارًا لِأَنَّ الْكَافِرَ إِنَّمَا يَفِدُ غَالِبًا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمَصَالِحِنَا وَمَصَالِحِهِمْ .

     قَوْلُهُ  ( وَسَكَتَ عَنِ الثَّالِثَةِ أَوْ قالها فأنسيتها) الساكت بن عَبَّاسٍ وَالنَّاسِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ قَالَ الْمُهَلَّبُ الثَّالِثَةُ هِيَ تَجْهِيزُ جَيْشِ أُسَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ فَقَدْ ذَكَرَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ مَعْنَاهُ مَعَ إِجْلَاءِ الْيَهُودِ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَوَائِدُ سِوَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْهَا جَوَازُ كِتَابَةِ الْعِلْمِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَرَّاتٍ وَذَكَرْنَا أَنَّهُ جَاءَ فِيهَا حَدِيثَانِ مُخْتَلِفَانِ فَإِنَّ السَّلَفَ اخْتَلَفُوا فِيهَا ثُمَّ أَجْمَعَ مَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى جَوَازِهَا وَبَيَّنَّا تَأْوِيلَ حَدِيثِ الْمَنْعِ وَمِنْهَا جَوَازُ اسْتِعْمَالِ الْمَجَازِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْتُبُ لَكُمْ أَيْ آمُرُ بِالْكِتَابَةِ وَمِنْهَا أَنَّ الْأَمْرَاضَ وَنَحْوَهَا لَا تُنَافِي النُّبُوَّةَ وَلَا تَدُلُّ عَلَى سُوءِ الْحَالِ .

     قَوْلُهُ  ( قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ بِشْرٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بِهَذَا الْحَدِيثِ) مَعْنَاهُ أَنَّ أَبَا إِسْحَاقَصَاحِبَ مُسْلِمٍ سَاوَى مُسْلِمًا فِي رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ وَاحِدٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ فَعَلَا هَذَا الْحَدِيثُ لِأَبِي إِسْحَاقَ بِرَجُلٍ .

     قَوْلُهُ  ( مِنَ اخْتِلَافِهِمْ وَلَغَطِهِمْ) هُوَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ واسكانها والله أعلمإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْوَجَعُ وَعِنْدَكُمُ الْقُرْآنُ حَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَيْتِ فَاخْتَصَمُوا ثُمَّ ذُكِرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ أَرَادَ الْكِتَابَ وَبَعْضَهُمْ وَافَقَ عُمَرَ وَأَنَّهُ لَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغْوَ وَالِاخْتِلَافَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُومُوا.

.
اعْلَمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْصُومٌ مِنَ الْكَذِبِ وَمِنْ تَغْيِيرِ شَيْءٍ مِنَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فِي حَالِ صِحَّتِهِ وَحَالِ مَرَضِهِ وَمَعْصُومٌ مِنْ تَرْكِ بَيَانِ مَا أُمِرَ بِبَيَانِهِ وَتَبْلِيغِ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ تَبْلِيغَهُ وَلَيْسَ مَعْصُومًا مِنَ الْأَمْرَاضِ وَالْأَسْقَامِ الْعَارِضَةِ لِلْأَجْسَامِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا نَقْصَ فِيهِ لِمَنْزِلَتِهِ وَلَا فَسَادَ لِمَا تَمَهَّدَ مِنْ شَرِيعَتِهِ وَقَدْ سُحِرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى صَارَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ فَعَلَ الشَّيْءَ وَلَمْ يَكُنْ فَعَلَهُ وَلَمْ يَصْدُرْ منه صلى الله عليه وسلم وفي هَذَا الْحَالِ كَلَامٌ فِي الْأَحْكَامِ مُخَالِفٌ لِمَا سَبَقَ مِنَ الْأَحْكَامِ الَّتِي قَرَّرَهَا فَإِذَا عَلِمْتَ مَا ذَكَرْنَاهُ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْكِتَابِ الَّذِي هَمَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ فَقِيلَ أَرَادَ أَنْ يَنُصَّ عَلَى الْخِلَافَةِ فِي إِنْسَانٍ مُعَيَّنٍ لِئَلَّا يَقَعَ نِزَاعٌ وَفِتَنٌ وَقِيلَ أَرَادَ كِتَابًا يُبَيِّنُ فِيهِ مُهِمَّاتِ الْأَحْكَامِ مُلَخَّصَةً لِيَرْتَفِعَ النِّزَاعُ فِيهَا وَيَحْصُلَ الِاتِّفَاقُ عَلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَمَّ بِالْكِتَابِ حِينَ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ مَصْلَحَةٌ أَوْ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ تَرْكُهُ أَوْ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ وَنُسِخَ ذَلِكَ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ.

.
وَأَمَّا كَلَامُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ الْمُتَكَلِّمُونَ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ دَلَائِلِ فِقْهِ عُمَرَ وَفَضَائِلِهِ وَدَقِيقِ نَظَرِهِ لِأَنَّهُ خَشِيَ أَنْ يَكْتُبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمُورًا رُبَّمَا عَجَزُوا عَنْهَا وَاسْتَحَقُّوا الْعُقُوبَةَ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا مَنْصُوصَةٌ لَا مَجَالَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهَا فَقَالَ عُمَرُ حَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى مَا فَرَّطْنَا في الكتاب من شيء وقوله اليوم أكملت لكم دينكم فَعَلِمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَكْمَلَ دِينَهُ فَأَمِنَ الضَّلَالَ عَلَى الْأُمَّةِ وَأَرَادَ التَّرْفِيهَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ عُمَرُ أفقه من بن عَبَّاسٍ وَمُوَافِقِيهِ قَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِهِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ إِنَّمَا قَصَدَ عُمَرُ التَّخْفِيفَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ غَلَبَهُ الْوَجَعُ وَلَوْ كَانَ مُرَادُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يكتب مالا يَسْتَغْنُونَ عَنْهُ لَمْ يَتْرُكْهُ لِاخْتِلَافِهِمْ وَلَا لِغَيْرِهِ لقوله تعالى بلغ ما أنزل إليك كَمَا لَمْ يَتْرُكْ تَبْلِيغَ غَيْرِ ذَلِكَ لِمُخَالَفَةِ مَنْ خَالَفَهُ وَمُعَادَاةِ مَنْ عَادَاهُ وَكَمَا أَمَرَ فِي ذَلِكَ الْحَالِ بِإِخْرَاجِ الْيَهُودِ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرَهُ فِي الْحَدِيثِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ حَكَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَبْلَهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ اسْتِخْلَافَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ اعْتِمَادًا عَلَى مَا عَلِمَهُ مِنْ تَقْدِيرِ اللَّهِتَعَالَى ذَلِكَ كَمَا هَمَّ بِالْكِتَابِ فِي أَوَّلِ مَرَضِهِ حِينَ قَالَ وَارَأْسَاهُ ثُمَّ تَرَكَ الْكِتَابَ.

     وَقَالَ  يَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ ثُمَّ نَبَّهَ أُمَّتَهُ عَلَى اسْتِخْلَافِ أَبِي بَكْرٍ بِتَقْدِيمِهِ إِيَّاهُ فِي الصَّلَاةِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بَيَانَ أَحْكَامِ الدِّينِ وَرَفْعِ الْخِلَافِ فِيهَا فَقَدْ عَلِمَ عُمَرُ حُصُولَ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تعالى اليوم أكملت لكم دينكم وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا تَقَعُ وَاقِعَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا وَفِي الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ بَيَانُهَا نَصًّا أَوْ دَلَالَةً وَفِي تَكَلُّفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ مَعَ شِدَّةِ وَجَعِهِ كِتَابَةَ ذَلِكَ مَشَقَّةٌ وَرَأَى عُمَرُ الِاقْتِصَارَ عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانُهُ إِيَّاهُ نَصًّا أَوْ دلالة تخفيفا عليه ولئلا ينسد بَابُ الِاجْتِهَادِ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ وَالِاسْتِنْبَاطِ وَإِلْحَاقِ الْفُرُوعِ بِالْأُصُولِ وَقَدْ كَانَ سَبَقَ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ وَكَّلَ بَعْضَ الْأَحْكَامِ إِلَى اجْتِهَادِ الْعُلَمَاءِ وَجَعَلَ لَهُمُ الْأَجْرَ عَلَى الِاجْتِهَادِ فَرَأَى عُمَرُ الصَّوَابَ تَرْكُهُمْ عَلَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ فَضِيلَةِ الْعُلَمَاءِ بِالِاجْتِهَادِ مَعَ التَّخْفِيفِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي تَرْكِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِنْكَارَ عَلَى عُمَرَ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِصْوَابِهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ عُمَرَ عَلَى أَنَّهُ تَوَهَّمَ الْغَلَطَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ ظَنَّ بِهِ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ بِحَالٍ لَكِنَّهُ لَمَّا رَأَى مَا غَلَبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْوَجَعِ وَقُرْبِ الْوَفَاةِ مَعَ مَا اعْتَرَاهُ مِنَ الْكَرْبِ خَافَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْقَوْلُ مِمَّا يَقُولُهُ الْمَرِيضُ مِمَّا لَا عَزِيمَةَ لَهُ فِيهِ فَتَجِدُ الْمُنَافِقُونَ بِذَلِكَ سَبِيلًا إِلَى الْكَلَامِ فِي الدِّينِ وَقَدْ كَانَ أَصْحَابُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرَاجِعُونَهُ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ قَبْلَ أَنْ يَجْزِمَ فِيهَا بِتَحْتِيمٍ كَمَا رَاجَعُوهُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي الْخِلَافِ وَفِي كِتَابِ الصُّلْحِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ فَأَمَّا إِذَا أَمَرَ بِالشَّيْءِ أَمْرَ عَزِيمَةٍ فَلَا يُرَاجِعُهُ فِيهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ قَالَ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْخَطَأُ فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ وَقَدْ أَجْمَعُوا كُلُّهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ قَالَ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ رَفَعَ دَرَجَتَهُ فَوْقَ الْخَلْقِ كُلِّهِمْ فَلَمْ يُنَزِّهْهُ عَنْ سِمَاتِ الْحَدَثِ وَالْعَوَارِضِ الْبَشَرِيَّةِ وَقَدْ سَهَى فِي الصَّلَاةِ فَلَا يُنْكَرُ أَنْ يُظَنَّ بِهِ حُدُوثُ بَعْضِ هَذِهِ الْأُمُورِ فِي مَرَضِهِ فَيَتَوَقَّفُ فِي مِثْلِ هَذَا الْحَالِ حَتَّى تَتَبَيَّنَ حَقِيقَتُهُ فَلِهَذِهِ الْمَعَانِي وَشَبَهِهَا رَاجَعَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ اخْتِلَافُ أُمَّتِي رَحْمَةٌ فَاسْتَصْوَبَ عُمَرُ مَا قَالَهُ قَالَ وَقَدِ اعْتَرَضَ عَلَى حَدِيثِ اخْتِلَافُ أُمَّتِي رحمة رجلان أحدهما مغموض عَلَيْهِ فِي دِينِهِ وَهُوَ عَمْرُو بْنُ بَحْرٍ الْجَاحِظُ وَالْآخَرُ مَعْرُوفٌ بِالسُّخْفِ وَالْخَلَاعَةِ وَهُوَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَوْصِلِيُّ فَإِنَّهُ لَمَّاوَضَعَ كِتَابَهُ فِي الْأَغَانِي وَأَمْكَنَ فِي تِلْكَ الْأَبَاطِيلِ لَمْ يَرْضَ بِمَا تَزَوَّدَ مِنْ إِثْمِهَا حَتَّى صَدَّرَ كِتَابَهُ بِذَمِّ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَزَعَمَ أنهم يروون مالا يَدْرُونَ.

     وَقَالَ  هُوَ وَالْجَاحِظُ لَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ رَحْمَةً لَكَانَ الِاتِّفَاقُ عَذَابًا ثُمَّ زَعَمَ أَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ اخْتِلَافُ الْأُمَّةِ رَحْمَةً فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً فَإِذَا اخْتَلَفُوا سَأَلُوهُ فَبَيَّنَ لَهُمْ وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ الْفَاسِدِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الشَّيْءِ رَحْمَةً أَنْ يَكُونَ ضِدُّهُ عَذَابًا وَلَا يَلْتَزِمُ هَذَا وَيَذْكُرُهُ إِلَّا جَاهِلٌ أَوْ مُتَجَاهِلٌ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه فَسَمَّى اللَّيْلَ رَحْمَةً وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ النَّهَارُ عَذَابًا وَهُوَ ظَاهِرٌ لَا شَكَّ فِيهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَالِاخْتِلَافُ فِي الدِّينِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا فِي إِثْبَاتِ الصَّانِعِ وَوَحْدَانِيِّتِهِ وَإِنْكَارُ ذَلِكَ كُفْرٌ وَالثَّانِي فِي صِفَاتِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَإِنْكَارُهَا بِدْعَةٌ وَالثَّالِثُ فِي أَحْكَامِ الْفُرُوعِ الْمُحْتَمِلَةِ وُجُوهًا فَهَذَا جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى رَحْمَةً وَكَرَامَةً لِلْعُلَمَاءِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِحَدِيثِ اخْتِلَافُ أُمَّتِي رَحْمَةٌ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْخَطَّابِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ.

     وَقَالَ  الْمَازِرِيُّ إِنْ قِيلَ كَيْفَ جَازَ لِلصَّحَابَةِ الِاخْتِلَافُ فِي هَذَا الْكِتَابِ مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ائْتُونِي أَكْتُبُ وَكَيْفَ عَصَوْهُ فِي أَمْرِهِ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ الْأَوَامِرَ تُقَارِنُهَا قَرَائِنُ تَنْقُلُهَا مِنَ النَّدْبِ إِلَى الْوُجُوبِ عِنْدَ مَنْ قَالَ أَصْلُهَا لِلنَّدْبِ وَمِنَ الْوُجُوبِ إِلَى النَّدْبِ عِنْدَ مَنْ قَالَ أَصْلُهَا لِلْوُجُوبِ وَتَنْقُلُ القُرائنُ أَيْضًا صِيغَةَ أَفْعَلُ إِلَى الْإِبَاحَةِ وَإِلَى التَّخْيِيرِ وَإِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ ضُرُوبِ الْمَعَانِي فَلَعَلَّهُ ظَهَرَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم من القرائن مادل عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِمْ بَلْ جَعَلَهُ إِلَى اخْتِيَارِهِمْ فَاخْتَلَفَ اخْتِيَارُهُمْ بِحَسَبِ اجْتِهَادِهِمْ وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى رُجُوعِهِمْ إِلَى الِاجْتِهَادِ فِي الشَّرْعِيَّاتِ فَأَدَّى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اجْتِهَادُهُ إِلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ هَذَا وَلَعَلَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّ ذَلِكَ صدرمنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ جَازِمٍ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ هَجَرَ وَبِقَوْلِ عُمَرَ غَلَبَ عَلَيْهِ الْوَجَعُ وَمَا قَارَنَهُ مِنَ الْقَرَائِنِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ عَلَى نَحْوِ مَا يَعْهَدُونَهُ مِنْ أُصُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَبْلِيغِ الشَّرِيعَةِ وَأَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى غَيْرِهِ مِنْ طُرُقِ التَّبْلِيغِ الْمُعْتَادَةِ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَظَهَرَ ذَلِكَ لِعُمَرَ دُونَ غَيْرِهِ فَخَالَفُوهُ وَلَعَلَّ عُمَرَ خَافَ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ قَدْ يَتَطَرَّقُونَ إِلَى الْقَدْحِ فِيمَا اشْتَهَرَ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ وَبَلَّغَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ بِكِتَابٍ يُكْتَبُ فِي خَلْوَةٍ وَآحَادٍ وَيُضِيفُونَ إِلَيْهِ شَيْئًا لشبهوا بِهِ عَلَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَلِهَذَا قَالَ عِنْدَكُمُ الْقُرْآنُ حَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ.

     وَقَالَ  الْقَاضِي عِيَاضٌ وْ.

     قَوْلُهُ  أَهَجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا هُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَهَجَرَ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ وَهُوَأصح من رواية من روى هَجَرَ وَيَهْجُرُ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ مَعْنَى هَجَرَ هَذَى وَإِنَّمَا جَاءَ هَذَا مِنْ قَائِلِهِ اسْتِفْهَامًا لِلْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ قَالَ لَا تَكْتُبُوا أَيْ لَا تَتْرُكُوا أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَجْعَلُوهُ كَأَمْرِ مَنْ هَجَرَ فِي كَلَامِهِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَهْجُرُ وَإِنْ صَحَّتِ الرِّوَايَاتُ الْأُخْرَى كَانَتْ خَطَأً مِنْ قَائِلِهَا قَالَهَا بِغَيْرِ تَحْقِيقٍ بَلْ لِمَا أَصَابَهُ مِنَ الْحَيْرَةِ وَالدَّهْشَةِ لِعَظِيمِ مَا شَاهَدَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذِهِ الْحَالَةِ الدَّالَّةِ عَلَى وَفَاتِهِ وَعَظِيمِ الْمُصَابِ بِهِ وَخَوْفِ الْفِتَنِ وَالضَّلَالِ بَعْدَهُ وَأَجْرَى الْهُجْرَ مَجْرَى شِدَّةِ الْوَجَعِ وَقَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ نَازَعَهُ لَا عَلَى أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( دَعُونِي فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ) مَعْنَاهُ دَعُونِي مِنَ النِّزَاعِ وَاللَّغَطِ الَّذِي شَرَعْتُمْ فِيهِ فَالَّذِي أَنَا فِيهِ مِنْ مُرَاقَبَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالتَّأَهُّبِ لِلِقَائِهِ وَالْفِكْرِ فِي ذَلِكَ وَنَحْوِهِ أَفْضَلُ مِمَّا أَنْتُمْ فِيهِ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ) قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ جَزِيرَةُ الْعَرَبِ مَا بَيْنَ أَقْصَى عَدَنِ الْيَمَنِ إِلَى رِيفِ الْعِرَاقِ فِي الطُّولِ.

.
وَأَمَّا فِي الْعَرْضِ فَمِنْ جُدَّةَ وَمَا وَالَاهَا إِلَى أَطْرَافِ الشَّامِ.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَةَ هِيَ مَا بَيْنَ حَفَرِ أَبِي مُوسَى إِلَى أَقْصَى الْيَمَنِ فِي الطُّولِ.

.
وَأَمَّا فِي الْعَرْضِ فَمَا بَيْنَ رَمْلِ يَرِينَ إِلَى مُنْقَطَعِ السَّمَاوَةِ وَقَولُهُ حَفَرُ أَبِي مُوسَى هُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ أَيْضًا قَالُوا وَسُمِّيَتْ جَزِيرَةً لِإِحَاطَةِ الْبِحَارِ بِهَا مِنْ نَوَاحِيهَا وَانْقِطَاعِهَا عَنِ الْمِيَاهِ الْعَظِيمَةِ وَأَصْلُ الْجُزُرِ فِي اللُّغَةِ الْقِطَعُ وَأُضِيفَتْ إِلَى الْعَرَبِ لِأَنَّهَا الْأَرْضُ الَّتِي كَانَتْ بِأَيْدِيهِمْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَدِيَارُهمُ الَّتِي هِيَ أَوْطَانُهُمْ وَأَوْطَانُ أَسْلَافِهِمْ وَحَكَى الْهَرَوِيُّ عن مالك أن جزيرة العرب هي المجينة وَالصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ واليمامة وَالْيَمَامَةُ وَالْيَمَنُ وَأَخَذَ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْعُلَمَاءِ فَأَوْجَبُوا إِخْرَاجَ الْكُفَّارِ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَقَالُوا لَا يَجُوزُ تَمْكِينُهُمْ مِنْ سُكْنَاهَا وَلَكِنَّ الشَّافِعِيَّ خَصَّ هَذَا الْحُكْمَ بِبَعْضِ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَهُوَ الْحِجَازُ وَهُوَ عِنْدَهُ مَكَّةُ والمدينة والميامة وَأَعْمَالُهَا دُونَ الْيَمَنِ وَغَيْرِهِ مِمَّا هُوَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ بِدَلِيلٍ آخَرَ مَشْهُورٍفِي كُتُبِهِ وَكُتُبِ أَصْحَابِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَلَا يُمْنَعُ الْكُفَّارُ مِنَ التَّرَدُّدِ مُسَافِرِينَ فِي الْحِجَازِ وَلَا يُمَكَّنُونَ مِنَ الْإِقَامَةِ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمُوَافِقُوهُ إِلَّا مَكَّةَ وَحَرَمَهَا فَلَا يَجُوزُ تَمْكِينُ كَافِرٍ مِنْ دُخُولِهِ بِحَالٍ فَإِنْ دَخَلَهُ فِي خُفْيَةٍ وَجَبَ إِخْرَاجُهُ فإن مات ودفن فيه نبش وأخرج مالم يَتَغَيَّرْ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاهِيرِ الْفُقَهَاءِ وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ دُخُولَهُمُ الْحَرَمَ وَحُجَّةُ الْجَمَاهِيرِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الحرام بعد عامهم هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ) قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا أَمْرٌ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم بإجازة لوعود وضيافتهم واكرامهم تطبيبا لِنُفُوسِهِمْ وَتَرْغِيبًا لِغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَنَحْوِهِمْ وَإِعَانَةً عَلَى سَفَرِهِمْ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ سَوَاءٌ كَانَ الْوَفْدُ مُسْلِمِينَ أَوْ كُفَّارًا لِأَنَّ الْكَافِرَ إِنَّمَا يَفِدُ غَالِبًا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمَصَالِحِنَا وَمَصَالِحِهِمْ .

     قَوْلُهُ  ( وَسَكَتَ عَنِ الثَّالِثَةِ أَوْ قالها فأنسيتها) الساكت بن عَبَّاسٍ وَالنَّاسِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ قَالَ الْمُهَلَّبُ الثَّالِثَةُ هِيَ تَجْهِيزُ جَيْشِ أُسَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ فَقَدْ ذَكَرَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ مَعْنَاهُ مَعَ إِجْلَاءِ الْيَهُودِ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَوَائِدُ سِوَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْهَا جَوَازُ كِتَابَةِ الْعِلْمِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَرَّاتٍ وَذَكَرْنَا أَنَّهُ جَاءَ فِيهَا حَدِيثَانِ مُخْتَلِفَانِ فَإِنَّ السَّلَفَ اخْتَلَفُوا فِيهَا ثُمَّ أَجْمَعَ مَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى جَوَازِهَا وَبَيَّنَّا تَأْوِيلَ حَدِيثِ الْمَنْعِ وَمِنْهَا جَوَازُ اسْتِعْمَالِ الْمَجَازِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْتُبُ لَكُمْ أَيْ آمُرُ بِالْكِتَابَةِ وَمِنْهَا أَنَّ الْأَمْرَاضَ وَنَحْوَهَا لَا تُنَافِي النُّبُوَّةَ وَلَا تَدُلُّ عَلَى سُوءِ الْحَالِ .

     قَوْلُهُ  ( قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ بِشْرٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بِهَذَا الْحَدِيثِ) مَعْنَاهُ أَنَّ أَبَا إِسْحَاقَصَاحِبَ مُسْلِمٍ سَاوَى مُسْلِمًا فِي رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ وَاحِدٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ فَعَلَا هَذَا الْحَدِيثُ لِأَبِي إِسْحَاقَ بِرَجُلٍ .

     قَوْلُهُ  ( مِنَ اخْتِلَافِهِمْ وَلَغَطِهِمْ) هُوَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ واسكانها والله أعلمإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْوَجَعُ وَعِنْدَكُمُ الْقُرْآنُ حَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَيْتِ فَاخْتَصَمُوا ثُمَّ ذُكِرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ أَرَادَ الْكِتَابَ وَبَعْضَهُمْ وَافَقَ عُمَرَ وَأَنَّهُ لَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغْوَ وَالِاخْتِلَافَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُومُوا.

.
اعْلَمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْصُومٌ مِنَ الْكَذِبِ وَمِنْ تَغْيِيرِ شَيْءٍ مِنَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فِي حَالِ صِحَّتِهِ وَحَالِ مَرَضِهِ وَمَعْصُومٌ مِنْ تَرْكِ بَيَانِ مَا أُمِرَ بِبَيَانِهِ وَتَبْلِيغِ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ تَبْلِيغَهُ وَلَيْسَ مَعْصُومًا مِنَ الْأَمْرَاضِ وَالْأَسْقَامِ الْعَارِضَةِ لِلْأَجْسَامِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا نَقْصَ فِيهِ لِمَنْزِلَتِهِ وَلَا فَسَادَ لِمَا تَمَهَّدَ مِنْ شَرِيعَتِهِ وَقَدْ سُحِرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى صَارَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ فَعَلَ الشَّيْءَ وَلَمْ يَكُنْ فَعَلَهُ وَلَمْ يَصْدُرْ منه صلى الله عليه وسلم وفي هَذَا الْحَالِ كَلَامٌ فِي الْأَحْكَامِ مُخَالِفٌ لِمَا سَبَقَ مِنَ الْأَحْكَامِ الَّتِي قَرَّرَهَا فَإِذَا عَلِمْتَ مَا ذَكَرْنَاهُ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْكِتَابِ الَّذِي هَمَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ فَقِيلَ أَرَادَ أَنْ يَنُصَّ عَلَى الْخِلَافَةِ فِي إِنْسَانٍ مُعَيَّنٍ لِئَلَّا يَقَعَ نِزَاعٌ وَفِتَنٌ وَقِيلَ أَرَادَ كِتَابًا يُبَيِّنُ فِيهِ مُهِمَّاتِ الْأَحْكَامِ مُلَخَّصَةً لِيَرْتَفِعَ النِّزَاعُ فِيهَا وَيَحْصُلَ الِاتِّفَاقُ عَلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَمَّ بِالْكِتَابِ حِينَ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ مَصْلَحَةٌ أَوْ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ تَرْكُهُ أَوْ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ وَنُسِخَ ذَلِكَ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ.

.
وَأَمَّا كَلَامُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ الْمُتَكَلِّمُونَ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ دَلَائِلِ فِقْهِ عُمَرَ وَفَضَائِلِهِ وَدَقِيقِ نَظَرِهِ لِأَنَّهُ خَشِيَ أَنْ يَكْتُبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمُورًا رُبَّمَا عَجَزُوا عَنْهَا وَاسْتَحَقُّوا الْعُقُوبَةَ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا مَنْصُوصَةٌ لَا مَجَالَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهَا فَقَالَ عُمَرُ حَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى مَا فَرَّطْنَا في الكتاب من شيء وقوله اليوم أكملت لكم دينكم فَعَلِمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَكْمَلَ دِينَهُ فَأَمِنَ الضَّلَالَ عَلَى الْأُمَّةِ وَأَرَادَ التَّرْفِيهَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ عُمَرُ أفقه من بن عَبَّاسٍ وَمُوَافِقِيهِ قَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِهِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ إِنَّمَا قَصَدَ عُمَرُ التَّخْفِيفَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ غَلَبَهُ الْوَجَعُ وَلَوْ كَانَ مُرَادُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يكتب مالا يَسْتَغْنُونَ عَنْهُ لَمْ يَتْرُكْهُ لِاخْتِلَافِهِمْ وَلَا لِغَيْرِهِ لقوله تعالى بلغ ما أنزل إليك كَمَا لَمْ يَتْرُكْ تَبْلِيغَ غَيْرِ ذَلِكَ لِمُخَالَفَةِ مَنْ خَالَفَهُ وَمُعَادَاةِ مَنْ عَادَاهُ وَكَمَا أَمَرَ فِي ذَلِكَ الْحَالِ بِإِخْرَاجِ الْيَهُودِ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرَهُ فِي الْحَدِيثِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ حَكَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَبْلَهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ اسْتِخْلَافَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ اعْتِمَادًا عَلَى مَا عَلِمَهُ مِنْ تَقْدِيرِ اللَّهِتَعَالَى ذَلِكَ كَمَا هَمَّ بِالْكِتَابِ فِي أَوَّلِ مَرَضِهِ حِينَ قَالَ وَارَأْسَاهُ ثُمَّ تَرَكَ الْكِتَابَ.

     وَقَالَ  يَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ ثُمَّ نَبَّهَ أُمَّتَهُ عَلَى اسْتِخْلَافِ أَبِي بَكْرٍ بِتَقْدِيمِهِ إِيَّاهُ فِي الصَّلَاةِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بَيَانَ أَحْكَامِ الدِّينِ وَرَفْعِ الْخِلَافِ فِيهَا فَقَدْ عَلِمَ عُمَرُ حُصُولَ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تعالى اليوم أكملت لكم دينكم وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا تَقَعُ وَاقِعَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا وَفِي الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ بَيَانُهَا نَصًّا أَوْ دَلَالَةً وَفِي تَكَلُّفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ مَعَ شِدَّةِ وَجَعِهِ كِتَابَةَ ذَلِكَ مَشَقَّةٌ وَرَأَى عُمَرُ الِاقْتِصَارَ عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانُهُ إِيَّاهُ نَصًّا أَوْ دلالة تخفيفا عليه ولئلا ينسد بَابُ الِاجْتِهَادِ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ وَالِاسْتِنْبَاطِ وَإِلْحَاقِ الْفُرُوعِ بِالْأُصُولِ وَقَدْ كَانَ سَبَقَ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ وَكَّلَ بَعْضَ الْأَحْكَامِ إِلَى اجْتِهَادِ الْعُلَمَاءِ وَجَعَلَ لَهُمُ الْأَجْرَ عَلَى الِاجْتِهَادِ فَرَأَى عُمَرُ الصَّوَابَ تَرْكُهُمْ عَلَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ فَضِيلَةِ الْعُلَمَاءِ بِالِاجْتِهَادِ مَعَ التَّخْفِيفِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي تَرْكِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِنْكَارَ عَلَى عُمَرَ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِصْوَابِهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ عُمَرَ عَلَى أَنَّهُ تَوَهَّمَ الْغَلَطَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ ظَنَّ بِهِ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ بِحَالٍ لَكِنَّهُ لَمَّا رَأَى مَا غَلَبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْوَجَعِ وَقُرْبِ الْوَفَاةِ مَعَ مَا اعْتَرَاهُ مِنَ الْكَرْبِ خَافَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْقَوْلُ مِمَّا يَقُولُهُ الْمَرِيضُ مِمَّا لَا عَزِيمَةَ لَهُ فِيهِ فَتَجِدُ الْمُنَافِقُونَ بِذَلِكَ سَبِيلًا إِلَى الْكَلَامِ فِي الدِّينِ وَقَدْ كَانَ أَصْحَابُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرَاجِعُونَهُ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ قَبْلَ أَنْ يَجْزِمَ فِيهَا بِتَحْتِيمٍ كَمَا رَاجَعُوهُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي الْخِلَافِ وَفِي كِتَابِ الصُّلْحِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ فَأَمَّا إِذَا أَمَرَ بِالشَّيْءِ أَمْرَ عَزِيمَةٍ فَلَا يُرَاجِعُهُ فِيهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ قَالَ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْخَطَأُ فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ وَقَدْ أَجْمَعُوا كُلُّهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ قَالَ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ رَفَعَ دَرَجَتَهُ فَوْقَ الْخَلْقِ كُلِّهِمْ فَلَمْ يُنَزِّهْهُ عَنْ سِمَاتِ الْحَدَثِ وَالْعَوَارِضِ الْبَشَرِيَّةِ وَقَدْ سَهَى فِي الصَّلَاةِ فَلَا يُنْكَرُ أَنْ يُظَنَّ بِهِ حُدُوثُ بَعْضِ هَذِهِ الْأُمُورِ فِي مَرَضِهِ فَيَتَوَقَّفُ فِي مِثْلِ هَذَا الْحَالِ حَتَّى تَتَبَيَّنَ حَقِيقَتُهُ فَلِهَذِهِ الْمَعَانِي وَشَبَهِهَا رَاجَعَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ اخْتِلَافُ أُمَّتِي رَحْمَةٌ فَاسْتَصْوَبَ عُمَرُ مَا قَالَهُ قَالَ وَقَدِ اعْتَرَضَ عَلَى حَدِيثِ اخْتِلَافُ أُمَّتِي رحمة رجلان أحدهما مغموض عَلَيْهِ فِي دِينِهِ وَهُوَ عَمْرُو بْنُ بَحْرٍ الْجَاحِظُ وَالْآخَرُ مَعْرُوفٌ بِالسُّخْفِ وَالْخَلَاعَةِ وَهُوَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَوْصِلِيُّ فَإِنَّهُ لَمَّاوَضَعَ كِتَابَهُ فِي الْأَغَانِي وَأَمْكَنَ فِي تِلْكَ الْأَبَاطِيلِ لَمْ يَرْضَ بِمَا تَزَوَّدَ مِنْ إِثْمِهَا حَتَّى صَدَّرَ كِتَابَهُ بِذَمِّ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَزَعَمَ أنهم يروون مالا يَدْرُونَ.

     وَقَالَ  هُوَ وَالْجَاحِظُ لَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ رَحْمَةً لَكَانَ الِاتِّفَاقُ عَذَابًا ثُمَّ زَعَمَ أَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ اخْتِلَافُ الْأُمَّةِ رَحْمَةً فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً فَإِذَا اخْتَلَفُوا سَأَلُوهُ فَبَيَّنَ لَهُمْ وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ الْفَاسِدِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الشَّيْءِ رَحْمَةً أَنْ يَكُونَ ضِدُّهُ عَذَابًا وَلَا يَلْتَزِمُ هَذَا وَيَذْكُرُهُ إِلَّا جَاهِلٌ أَوْ مُتَجَاهِلٌ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه فَسَمَّى اللَّيْلَ رَحْمَةً وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ النَّهَارُ عَذَابًا وَهُوَ ظَاهِرٌ لَا شَكَّ فِيهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَالِاخْتِلَافُ فِي الدِّينِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا فِي إِثْبَاتِ الصَّانِعِ وَوَحْدَانِيِّتِهِ وَإِنْكَارُ ذَلِكَ كُفْرٌ وَالثَّانِي فِي صِفَاتِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَإِنْكَارُهَا بِدْعَةٌ وَالثَّالِثُ فِي أَحْكَامِ الْفُرُوعِ الْمُحْتَمِلَةِ وُجُوهًا فَهَذَا جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى رَحْمَةً وَكَرَامَةً لِلْعُلَمَاءِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِحَدِيثِ اخْتِلَافُ أُمَّتِي رَحْمَةٌ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْخَطَّابِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ.

     وَقَالَ  الْمَازِرِيُّ إِنْ قِيلَ كَيْفَ جَازَ لِلصَّحَابَةِ الِاخْتِلَافُ فِي هَذَا الْكِتَابِ مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ائْتُونِي أَكْتُبُ وَكَيْفَ عَصَوْهُ فِي أَمْرِهِ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ الْأَوَامِرَ تُقَارِنُهَا قَرَائِنُ تَنْقُلُهَا مِنَ النَّدْبِ إِلَى الْوُجُوبِ عِنْدَ مَنْ قَالَ أَصْلُهَا لِلنَّدْبِ وَمِنَ الْوُجُوبِ إِلَى النَّدْبِ عِنْدَ مَنْ قَالَ أَصْلُهَا لِلْوُجُوبِ وَتَنْقُلُ القُرائنُ أَيْضًا صِيغَةَ أَفْعَلُ إِلَى الْإِبَاحَةِ وَإِلَى التَّخْيِيرِ وَإِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ ضُرُوبِ الْمَعَانِي فَلَعَلَّهُ ظَهَرَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم من القرائن مادل عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِمْ بَلْ جَعَلَهُ إِلَى اخْتِيَارِهِمْ فَاخْتَلَفَ اخْتِيَارُهُمْ بِحَسَبِ اجْتِهَادِهِمْ وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى رُجُوعِهِمْ إِلَى الِاجْتِهَادِ فِي الشَّرْعِيَّاتِ فَأَدَّى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اجْتِهَادُهُ إِلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ هَذَا وَلَعَلَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّ ذَلِكَ صدرمنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ جَازِمٍ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ هَجَرَ وَبِقَوْلِ عُمَرَ غَلَبَ عَلَيْهِ الْوَجَعُ وَمَا قَارَنَهُ مِنَ الْقَرَائِنِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ عَلَى نَحْوِ مَا يَعْهَدُونَهُ مِنْ أُصُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَبْلِيغِ الشَّرِيعَةِ وَأَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى غَيْرِهِ مِنْ طُرُقِ التَّبْلِيغِ الْمُعْتَادَةِ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَظَهَرَ ذَلِكَ لِعُمَرَ دُونَ غَيْرِهِ فَخَالَفُوهُ وَلَعَلَّ عُمَرَ خَافَ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ قَدْ يَتَطَرَّقُونَ إِلَى الْقَدْحِ فِيمَا اشْتَهَرَ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ وَبَلَّغَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ بِكِتَابٍ يُكْتَبُ فِي خَلْوَةٍ وَآحَادٍ وَيُضِيفُونَ إِلَيْهِ شَيْئًا لشبهوا بِهِ عَلَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَلِهَذَا قَالَ عِنْدَكُمُ الْقُرْآنُ حَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ.

     وَقَالَ  الْقَاضِي عِيَاضٌ وْ.

     قَوْلُهُ  أَهَجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا هُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَهَجَرَ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ وَهُوَأصح من رواية من روى هَجَرَ وَيَهْجُرُ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ مَعْنَى هَجَرَ هَذَى وَإِنَّمَا جَاءَ هَذَا مِنْ قَائِلِهِ اسْتِفْهَامًا لِلْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ قَالَ لَا تَكْتُبُوا أَيْ لَا تَتْرُكُوا أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَجْعَلُوهُ كَأَمْرِ مَنْ هَجَرَ فِي كَلَامِهِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَهْجُرُ وَإِنْ صَحَّتِ الرِّوَايَاتُ الْأُخْرَى كَانَتْ خَطَأً مِنْ قَائِلِهَا قَالَهَا بِغَيْرِ تَحْقِيقٍ بَلْ لِمَا أَصَابَهُ مِنَ الْحَيْرَةِ وَالدَّهْشَةِ لِعَظِيمِ مَا شَاهَدَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذِهِ الْحَالَةِ الدَّالَّةِ عَلَى وَفَاتِهِ وَعَظِيمِ الْمُصَابِ بِهِ وَخَوْفِ الْفِتَنِ وَالضَّلَالِ بَعْدَهُ وَأَجْرَى الْهُجْرَ مَجْرَى شِدَّةِ الْوَجَعِ وَقَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ نَازَعَهُ لَا عَلَى أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( دَعُونِي فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ) مَعْنَاهُ دَعُونِي مِنَ النِّزَاعِ وَاللَّغَطِ الَّذِي شَرَعْتُمْ فِيهِ فَالَّذِي أَنَا فِيهِ مِنْ مُرَاقَبَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالتَّأَهُّبِ لِلِقَائِهِ وَالْفِكْرِ فِي ذَلِكَ وَنَحْوِهِ أَفْضَلُ مِمَّا أَنْتُمْ فِيهِ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ) قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ جَزِيرَةُ الْعَرَبِ مَا بَيْنَ أَقْصَى عَدَنِ الْيَمَنِ إِلَى رِيفِ الْعِرَاقِ فِي الطُّولِ.

.
وَأَمَّا فِي الْعَرْضِ فَمِنْ جُدَّةَ وَمَا وَالَاهَا إِلَى أَطْرَافِ الشَّامِ.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَةَ هِيَ مَا بَيْنَ حَفَرِ أَبِي مُوسَى إِلَى أَقْصَى الْيَمَنِ فِي الطُّولِ.

.
وَأَمَّا فِي الْعَرْضِ فَمَا بَيْنَ رَمْلِ يَرِينَ إِلَى مُنْقَطَعِ السَّمَاوَةِ وَقَولُهُ حَفَرُ أَبِي مُوسَى هُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ أَيْضًا قَالُوا وَسُمِّيَتْ جَزِيرَةً لِإِحَاطَةِ الْبِحَارِ بِهَا مِنْ نَوَاحِيهَا وَانْقِطَاعِهَا عَنِ الْمِيَاهِ الْعَظِيمَةِ وَأَصْلُ الْجُزُرِ فِي اللُّغَةِ الْقِطَعُ وَأُضِيفَتْ إِلَى الْعَرَبِ لِأَنَّهَا الْأَرْضُ الَّتِي كَانَتْ بِأَيْدِيهِمْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَدِيَارُهمُ الَّتِي هِيَ أَوْطَانُهُمْ وَأَوْطَانُ أَسْلَافِهِمْ وَحَكَى الْهَرَوِيُّ عن مالك أن جزيرة العرب هي المجينة وَالصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ واليمامة وَالْيَمَامَةُ وَالْيَمَنُ وَأَخَذَ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْعُلَمَاءِ فَأَوْجَبُوا إِخْرَاجَ الْكُفَّارِ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَقَالُوا لَا يَجُوزُ تَمْكِينُهُمْ مِنْ سُكْنَاهَا وَلَكِنَّ الشَّافِعِيَّ خَصَّ هَذَا الْحُكْمَ بِبَعْضِ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَهُوَ الْحِجَازُ وَهُوَ عِنْدَهُ مَكَّةُ والمدينة والميامة وَأَعْمَالُهَا دُونَ الْيَمَنِ وَغَيْرِهِ مِمَّا هُوَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ بِدَلِيلٍ آخَرَ مَشْهُورٍفِي كُتُبِهِ وَكُتُبِ أَصْحَابِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَلَا يُمْنَعُ الْكُفَّارُ مِنَ التَّرَدُّدِ مُسَافِرِينَ فِي الْحِجَازِ وَلَا يُمَكَّنُونَ مِنَ الْإِقَامَةِ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمُوَافِقُوهُ إِلَّا مَكَّةَ وَحَرَمَهَا فَلَا يَجُوزُ تَمْكِينُ كَافِرٍ مِنْ دُخُولِهِ بِحَالٍ فَإِنْ دَخَلَهُ فِي خُفْيَةٍ وَجَبَ إِخْرَاجُهُ فإن مات ودفن فيه نبش وأخرج مالم يَتَغَيَّرْ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاهِيرِ الْفُقَهَاءِ وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ دُخُولَهُمُ الْحَرَمَ وَحُجَّةُ الْجَمَاهِيرِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الحرام بعد عامهم هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ) قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا أَمْرٌ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم بإجازة لوعود وضيافتهم واكرامهم تطبيبا لِنُفُوسِهِمْ وَتَرْغِيبًا لِغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَنَحْوِهِمْ وَإِعَانَةً عَلَى سَفَرِهِمْ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ سَوَاءٌ كَانَ الْوَفْدُ مُسْلِمِينَ أَوْ كُفَّارًا لِأَنَّ الْكَافِرَ إِنَّمَا يَفِدُ غَالِبًا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمَصَالِحِنَا وَمَصَالِحِهِمْ .

     قَوْلُهُ  ( وَسَكَتَ عَنِ الثَّالِثَةِ أَوْ قالها فأنسيتها) الساكت بن عَبَّاسٍ وَالنَّاسِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ قَالَ الْمُهَلَّبُ الثَّالِثَةُ هِيَ تَجْهِيزُ جَيْشِ أُسَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ فَقَدْ ذَكَرَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ مَعْنَاهُ مَعَ إِجْلَاءِ الْيَهُودِ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَوَائِدُ سِوَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْهَا جَوَازُ كِتَابَةِ الْعِلْمِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَرَّاتٍ وَذَكَرْنَا أَنَّهُ جَاءَ فِيهَا حَدِيثَانِ مُخْتَلِفَانِ فَإِنَّ السَّلَفَ اخْتَلَفُوا فِيهَا ثُمَّ أَجْمَعَ مَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى جَوَازِهَا وَبَيَّنَّا تَأْوِيلَ حَدِيثِ الْمَنْعِ وَمِنْهَا جَوَازُ اسْتِعْمَالِ الْمَجَازِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْتُبُ لَكُمْ أَيْ آمُرُ بِالْكِتَابَةِ وَمِنْهَا أَنَّ الْأَمْرَاضَ وَنَحْوَهَا لَا تُنَافِي النُّبُوَّةَ وَلَا تَدُلُّ عَلَى سُوءِ الْحَالِ .

     قَوْلُهُ  ( قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ بِشْرٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بِهَذَا الْحَدِيثِ) مَعْنَاهُ أَنَّ أَبَا إِسْحَاقَصَاحِبَ مُسْلِمٍ سَاوَى مُسْلِمًا فِي رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ وَاحِدٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ فَعَلَا هَذَا الْحَدِيثُ لِأَبِي إِسْحَاقَ بِرَجُلٍ .

     قَوْلُهُ  ( مِنَ اخْتِلَافِهِمْ وَلَغَطِهِمْ) هُوَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ واسكانها والله أعلمالْحَارِث عَن بن مَسْعُودٍ وَوَصَلَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَرْفَجَةَ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا فِي رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ ثُمَّ قَضَى طُولَ الدَّهْرِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ على مثله وَذكر بن حزم من طَرِيق بن الْمُبَارَكِ بِإِسْنَادٍ لَهُ فِيهِ انْقِطَاعٌ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِيمَا أَوْصَاهُ بِهِ مَنْ صَامَ شَهْرَ رَمَضَانَ فِي غَيْرِهِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ وَلَوْ صَامَ الدَّهْرَ أَجْمَعَ .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالشَّعْبِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَقَتَادَةُ وَحَمَّادٌ يَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ أَمَّا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ فَوَصَلَهُ مُسَدَّدٌ وَغَيْرُهُ عَنْهُ فِي قِصَّةِ الْمُجَامِعِ قَالَ يَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَلَمْ أَرَ عَنْهُ التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ فِي الْفِطْرِ بِالْأَكْلِ بل روى بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمٍ قَالَ كَتَبَ أَبُو قِلَابَةَ إِلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ يَسْأَلُهُ عَنْ رَجُلٍ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا قَالَ يَصُومُ شَهْرًا.

.

قُلْتُ فَيَوْمَيْنِ قَالَ صِيَامُ شَهْرٍ قَالَ فَعَدَدْتُ أَيَّامًا قَالَ صِيَامُ شَهْرٍ قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ كَأَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى وُجُوبِ التَّتَابُعِ فِي رَمَضَانَ فَإِذَا تَخَلَّلَهُ فِطْرُ يَوْمٍ عَمْدًا بَطَلَ التَّتَابُعُ وَوَجَبَ اسْتِئْنَافُ صِيَامِ شَهْرٍ كَمَنْ لَزِمَهُ صَوْمُ شَهْرٍ مُتَتَابِعٍ بِنَذْرِ أَوْ غَيْرِهِ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ شَهْرٌ فَ.

     قَوْلُهُ  فَيَوْمَيْنِ قَالَ صِيَامُ شَهْرٍ أَيْ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَرَوَى الْبَزَّارُ والدّارَقُطْنِيُّ مُقْتَضَى هَذَا الِاحْتِمَالِ مَرْفُوعًا عَنْ أَنَسٍ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ.

.
وَأَمَّا الشَّعْبِيُّ فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي رَجُلٍ أَفْطَرَ يَوْمًا فِي رَمَضَانَ عَامِدًا قَالَ يَصُومُ يَوْمًا مَكَانَهُ وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ.

.
وَأَمَّا سَعِيدُ بن جُبَير فوصله بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ عَنْهُ فَذَكَرَ مِثْلَهُ.

.
وَأَمَّا إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ فَقَالَ سعيد بن مَنْصُور حَدثنَا هشيم.

     وَقَالَ  بن أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا شَرِيكٌ كِلَاهُمَا عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ فَذَكَرَ مِثْلَهُ.

.
وَأَمَّا قَتَادَةُ فَذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ فِي قِصَّةِ الْمُجَامِعِ فِي رَمَضَانَ.

.
وَأَمَّا حَمَّادٌ وَهُوَ بن أَبِي سُلَيْمَانَ فَذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي حنيفَة عَنهُ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( .

     قَوْلُهُ  بَابٌ الصَّائِمُ إِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا أَيْ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ أَوْ لَا وَهِيَ
مَسْأَلَةُ خِلَافٍ مَشْهُورَةٌ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ وَعَنْ مَالِكٍ يَبْطُلُ صَوْمُهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ قَالَ عِيَاضٌ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُ شَيْخِهِ رَبِيعٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِ مَالِكٍ لَكِنْ فَرَّقُوا بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفْلِ.

     وَقَالَ  الدَّاوُدِيُّ لَعَلَّ مَالِكًا لَمْ يَبْلُغْهُ الْحَدِيثُ أَوْ أَوَّلَهُ عَلَى رَفْعِ الْإِثْمِ .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  عَطَاءٌ إِنِ اسْتَنْثَرَ فَدَخَلَ الْمَاءُ فِي حَلْقِهِ لَا بَأْسَ إِنْ لَمْ يَمْلِكْ أَيْ دَفْعَ الْمَاءِ بِأَنْ غَلَبَهُ فَإِنْ مَلَكَ دَفْعَ الْمَاءِ فَلَمْ يَدْفَعْهُ حَتَّى دَخَلَ حَلْقَهُ أَفْطَرَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَالنَّسَفِيِّ لَا بَأْسَ لَمْ يَمْلِكْ بِإِسْقَاطِ إِنْ وَهِيَ عَلَى هَذَا جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ كَالتَّعْلِيلِ لِقَوْلِهِ لَا بَأْسَ وَهَذَا الْأَثر وَصله عبد الرَّزَّاق عَن بن جُرَيْجٍ.

.

قُلْتُ لِعَطَاءٍ إِنْسَانٌ يَسْتَنْثِرُ فَدَخَلَ الْمَاءُ فِي حَلْقِهِ قَالَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ.

     وَقَالَ هُ مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ.

     وَقَالَ  بن أبي شيبَة حَدثنَا مخلد عَن بن أَبِي جُرَيْجٍ أَنَّ إِنْسَانًا قَالَ لِعَطَاءٍ أُمَضْمِضُ فَيَدْخُلُ الْمَاءُ فِي حَلْقِي قَالَ لَا بَأْسَ لَمْ يَمْلِكْ وَهَذَا يُقَوِّي رِوَايَةَ أَبِي ذَرٍّ وَالنَّسَفِيِّ .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  الْحَسَنُ إِنْ دَخَلَ الذُّبَابُ فِي حلقه فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَصله بن أبي شيبَة من طَرِيق بن أبي نجيح عَن مُجَاهِد عَن بن عَبَّاسٍ فِي الرَّجُلِ يَدْخُلُ فِي حَلْقِهِ الذُّبَابُ وَهُوَ صَائِمٌ قَالَ لَا يُفْطِرُ وَعَنْ وَكِيعٍ عَنِ الرَّبِيعِ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ لَا يُفْطِرُ وَمُنَاسَبَةُ هَذَيْنِ الْأَثَرَيْنِ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمَغْلُوبَ بِدُخُولِ الْمَاءِ حَلْقَهُ أَوِ الذُّبَابِ لَا اخْتِيَار لَهُ فِي ذَلِك كالناسى قَالَ بن الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ أَدْخَلَ الْمَغْلُوبَ فِي تَرْجَمَةِ النَّاسِي لِاجْتِمَاعِهِمَا فِي تَرْكِ الْعَمْدِ وَسَلْبِ الِاخْتِيَارِ وَنقل بن الْمُنْذِرِ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ مَنْ دَخَلَ فِي حَلْقِهِ الذُّبَابُ وَهُوَ صَائِمٌ أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَكِنْ نَقَلَ غَيْرُهُ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ قَالَ أحب إِلَى أَن يقْضِي حَكَاهُ بن التِّينِ.

     وَقَالَ  الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ دُخُولُ الذُّبَابِ أَقْعَدُ بِالْغَلَبَةِ وَعَدَمِ الِاخْتِيَارِ مِنْ دُخُولِ الْمَاءِ لِأَنَّ الذُّبَابَ يَدْخُلُ بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ الِاسْتِنْشَاقِ وَالْمَضْمَضَةِ فَإِنَّمَا تَنْشَأُ عَنْ تَسَبُّبِهِ وَفَرَّقَ إِبْرَاهِيمُ بَيْنَ مَنْ كَانَ ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ حَالَ الْمَضْمَضَةِ فَأَوْجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ دُونَ النَّاسِي وَعَنِ الشَّعْبِيِّ إِنْ كَانَ لِصَلَاةٍ فَلَا قَضَاءَ وَإِلَّا قَضَى .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ )
الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ إِنْ جَامَعَ نَاسِيًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ هَذَانِ الْأَثَرَانِ وَصَلَهُمَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أخبرنَا بن جريج عَن بن أبي نجيح عَن مُجَاهِد قَالَ لَو وطىء رَجُلٌ امْرَأَتَهُ وَهُوَ صَائِمٌ نَاسِيًا فِي رَمَضَانَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْءٌ وَعَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ رَجُلٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا وَظَهَرَ بِأَثَرِ الْحَسَنِ هَذَا مُنَاسَبَةُ ذِكْرِ هَذَا الْأَثَرِ لِلتَّرْجَمَةِ وروى أَيْضا عَن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَطَاءً عَنْ رَجُلٍ أَصَابَ امْرَأَتَهُ نَاسِيًا فِي رَمَضَانَ قَالَ لَا يَنْسَى هَذَا كُلُّهُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَتَابَعَ عَطَاءً عَلَى ذَلِكَ الْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِلشَّافِعِيَّةِ وَفَرَّقَ هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ بَيْنَ الْأَكْلِ وَالْجِمَاعِ وَعَنْ أَحْمَدَ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ أَيْضًا وَحُجَّتُهُمْ قُصُورُ حَالَةِ الْمُجَامِعِ نَاسِيًا عَنْ حَالَةِ الْآكِلِ وَأَلْحَقَ بِهِ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ مَنْ أَكَلَ كَثِيرًا لِنُدُورِ نِسْيَانِ ذَلِكَ قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ ذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى إِيجَابِ الْقَضَاءِ عَلَى مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا وَهُوَ الْقِيَاسُ فَإِنَّ الصَّوْمَ قَدْ فَاتَ رُكْنُهُ وَهُوَ مِنْ بَابِ الْمَأْمُورَاتِ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ النِّسْيَانَ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْمَأْمُورَاتِ قَالَ وَعُمْدَةُ مَنْ لَمْ يُوجِبِ الْقَضَاءَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِالْإِتْمَامِ وَسَمَّى الَّذِي يُتَمُّ صَوْمًا وَظَاهِرُهُ حَمْلُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ فَيُتَمَسَّكُ بِهِ حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّوْمِ هُنَا حَقِيقَتُهُ اللُّغَوِيَّة وَكَأَنَّهُ يُشِير بِهَذَا إِلَى قَول بن الْقَصَّارِ إِنَّ مَعْنَى

[ قــ :1850 ... غــ :1933] قَوْلِهِ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ أَيِ الَّذِي كَانَ دَخَلَ فِيهِ وَلَيْسَ فِيهِ نَفْيُ الْقَضَاءِ قَالَ وَقَولُهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ مِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى صِحَّةِ الصَّوْمِ لِإِشْعَارِهِ بِأَنَّ الْفِعْلَ الصَّادِرَ مِنْهُ مَسْلُوبُ الْإِضَافَةِ إِلَيْهِ فَلَو كَانَ أفطر لَا ضيف الْحُكْمُ إِلَيْهِ قَالَ وَتَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ لِلْغَالِبِ لِأَنَّ نِسْيَانَ الْجِمَاعِ نَادِرٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمَا وَذِكْرُ الْغَالِبِ لَا يَقْتَضِي مَفْهُومًا وَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ أَكْلَ النَّاسِي لَا يُوجِبُ قَضَاءً وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالْإِفْسَادِ هَلْ يُوجِبُ مَعَ الْقَضَاءِ الْكَفَّارَةَ أَوْ لَا مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ أَكْلَ النَّاسِي لَا يُوجِبُهَا وَمَدَارُ كُلِّ ذَلِكَ عَلَى قُصُورِ حَالَةِ الْمَجَامِعِ نَاسِيًا عَنْ حَالَةِ الْآكِلِ وَمَنْ أَرَادَ إِلْحَاقَ الْجِمَاعِ بِالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَإِنَّمَا طَرِيقُهُ الْقِيَاسُ وَالْقِيَاسُ مَعَ وُجُودِ الْفَارِقِ مُتَعَذِّرٌ إِلَّا إِنْ بَيَّنَ الْقَائِسُ أَنَّ الْوَصْفَ الْفَارِقَ مُلْغًى اه وَأَجَابَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّ عَدَمَ وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَنِ الْمَجَامِعِ مَأْخُوذٌ مِنْ عُمُومِ قَوْلِهِ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ مَنْ أَفْطَرَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لِأَنَّ الْفِطْرَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ جِمَاعٍ وَإِنَّمَا خَصَّ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ بِالذِّكْرِ فِي الطَّرِيقِ الْأُخْرَى لِكَوْنِهِمَا أَغْلَبَ وُقُوعًا وَلِعَدَمِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُمَا غَالِبًا .

     قَوْلُهُ  هِشَامٌ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ .

     قَوْلُهُ  إِذَا نَسِيَ فَأَكَلَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ هِشَامٍ مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ وَلِلْمُصَنِّفِ فِي النَّذْرِ مِنْ طَرِيق عَوْف عَن بن سِيرِينَ مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا وَهُوَ صَائِمٌ وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ وَأَيُّوبَ عَن بن سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَكَلْتُ وَشَرِبْتُ نَاسِيًا وَأَنَا صَائِمٌ وَهَذَا الرَّجُلُ هُوَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَاوِي الْحَدِيثِ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ .

     قَوْلُهُ  فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَة عَن بن سِيرِينَ فَلَا يُفْطِرْ .

     قَوْلُهُ  فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ رزقه الله وللدارقطنى من طَرِيق بن عُلَيَّةَ عَنْ هِشَامٍ فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ سَاقَهُ الله تَعَالَى إِلَيْهِ قَالَ بن الْعَرَبِيِّ تَمَسَّكَ جَمِيعُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَتَطَلَّعَ مَالِكٌ إِلَى الْمَسْأَلَةِ مِنْ طَرِيقِهَا فَأَشْرَفَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْفِطْرَ ضِدُّ الصَّوْمِ وَالْإِمْسَاكَ رُكْنُ الصَّوْمِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ نَسِيَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلَاةِ قَالَ وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِيهِ لَا قَضَاءَ عَلَيْكَ فَتَأَوَّلَهُ عُلَمَاؤُنَا عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ لاقضاء عَلَيْكَ الْآنَ وَهَذَا تَعَسُّفٌ وَإِنَّمَا أَقُولُ لَيْتَهُ صَحَّ فَنَتَّبِعُهُ وَنَقُولُ بِهِ إِلَّا عَلَى أَصْلِ مَالِكٍ فِي أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ إِذَا جَاءَ بِخِلَافِ الْقَوَاعِدِ لَمْ يُعْمَلْ بِهِ فَلَمَّا جَاءَ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ الْمُوَافِقُ لِلْقَاعِدَةِ فِي رَفْعِ الْإِثْمِ عَمِلْنَا بِهِ.

.
وَأَمَّا الثَّانِي فَلَا يُوَافِقُهَا فَلَمْ نَعْمَلُ بِهِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ احْتَجَّ بِهِ مَنْ أَسْقَطَ الْقَضَاءَ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ فِيهِ لِلْقَضَاءِ فَيُحْمَلُ عَلَى سُقُوطِ الْمُؤَاخَذَةِ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ صِيَامُ يَوْمٍ لَا خَرْمَ فِيهِ لَكِنْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِيهِ سُقُوطَ الْقَضَاءِ وَهُوَ نَصٌّ لَا يَقْبَلُ الِاحْتِمَالَ لَكِنَّ الشَّأْنَ فِي صِحَّتِهِ فَإِنْ صَحَّ وَجَبَ الْأَخْذُ بِهِ وَسَقَطَ الْقَضَاءُ اه وَأَجَابَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بِحَمْلِ الْحَدِيثِ عَلَى صَوْم التَّطَوُّع كَمَا حَكَاهُ بن التِّين عَن بن شعْبَان وَكَذَا قَالَ بن الْقَصَّارِ وَاعْتُلَّ بِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي الْحَدِيثِ تَعْيِينُ رَمَضَانَ فَيُحْمَلُ عَلَى التَّطَوُّعِ.

     وَقَالَ  الْمُهَلَّبُ وَغَيره لم يذكر فِي الحَدِيث اثبات الْقَضَاء فَيُحْمَلُ عَلَى سُقُوطِ الْكَفَّارَةِ عَنْهُ وَإِثْبَاتِ عُذُرِهِ وَرَفْعِ الْإِثْمِ عَنْهُ وَبَقَاءِ نِيَّتِهِ الَّتِي بَيَّتَهَا اه وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ بِمَا أَخْرَجَهُ بن خُزَيْمَة وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عبد الله الْأنْصَارِيّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ مَنْ أَفْطَرَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ نَاسِيًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ فَعَيَّنَ رَمَضَانَ وَصَرَّحَ بِإِسْقَاطِ الْقَضَاءِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ تَفَرَّدَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقٍ عَنِ الْأنْصَارِيّ وَتعقب بَان بن خُزَيْمَةَ أَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَاهِلِيِّ وَبِأَنَّ الْحَاكِمَ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ كِلَاهُمَا عَنِ الْأَنْصَارِيِّ فَهُوَ الْمُنْفَرِدُ بِهِ كَمَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهُوَ ثِقَةٌ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ انْفَرَدَ بِذِكْرِ إِسْقَاطِ الْقَضَاءِ فَقَطْ لَا بِتَعْيِينِ رَمَضَانَ فَإِنَّ النَّسَائِيَّ أَخْرَجَ الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ بَكَّارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو وَلَفْظُهُ فِي الرَّجُلِ يَأْكُلُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ نَاسِيًا فَقَالَ اللَّهُ أَطْعَمَهُ وَسَقَاهُ وَقَدْ وَرَدَ إِسْقَاطُ الْقَضَاءِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بن عِيسَى بن الطباع عَن بن علية عَن هِشَام عَن بن سِيرِينَ وَلَفْظُهُ فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ.

     وَقَالَ  بَعْدَ تَخْرِيجِهِ هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ وَكُلُّهُمْ ثِقَاتٌ.

.

قُلْتُ لَكِنَّ الحَدِيث عِنْد مُسلم وَغَيره من طَرِيق بن عُلَيَّةَ وَلَيْسَ فِيهِ هَذِهِ الزِّيَادَةُ وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا إِسْقَاطَ الْقَضَاءِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي رَافِعٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ وَالْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ رَفَعَهُ مَنْ أَكَلَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ نَاسِيًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَإِسْنَادُهُ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا لَكِنَّهُ صَالِحٌ لِلْمُتَابَعَةِ فَأَقَلُّ دَرَجَاتِ الْحَدِيثِ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ أَنْ يَكُونَ حَسَنًا فَيَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ وَقَدْ وَقَعَ الِاحْتِجَاجُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَسَائِلِ بِمَا هُوَ دُونَهُ فِي الْقُوَّةِ وَيَعْتَضِدُ أَيْضًا بِأَنَّهُ قَدْ أَفْتَى بِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْ غير مُخَالفَة لَهُم مِنْهُم كَمَا قَالَه بن الْمُنْذر وبن حَزْمٍ وَغَيْرُهُمَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَزَيْدُ بن ثَابت وَأَبُو هُرَيْرَة وبن عُمَرَ ثُمَّ هُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَكِنْ يُؤَاخِذكُم بِمَا كسبت قُلُوبكُمْ فَالنِّسْيَانُ لَيْسَ مِنْ كَسْبِ الْقَلْبِ وَمُوَافِقٌ لِلْقِيَاسِ فِي إِبْطَالِ الصَّلَاةِ بِعَمْدِ الْأَكْلِ لَا بِنِسْيَانِهِ فَكَذَلِك الصّيام وَأما الْقيَاس الَّذِي ذكره بن الْعَرَبِيِّ فَهُوَ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ فَلَا يُقْبَلُ وَرَدُّهُ لِلْحَدِيثِ مَعَ صِحَّتِهِ بِكَوْنِهِ خَبَرَ وَاحِدٍ خَالَفَ الْقَاعِدَةَ لَيْسَ بِمُسَلَّمٍ لِأَنَّهُ قَاعِدَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ بِالصِّيَامِ فَمَنْ عَارَضَهُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الصَّلَاةِ أَدْخَلَ قَاعِدَةً فِي قَاعِدَةٍ وَلَوْ فُتِحَ بَابُ رَدِّ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ بِمِثْلِ هَذَا لَمَا بَقِيَ مِنَ الْحَدِيثِ إِلَّا الْقَلِيلُ وَفِي الْحَدِيثِ لُطْفُ اللَّهِ بعباده والتيسير عَلَيْهِم وَرفع الْمَشَقَّة والحرج عَنْهُم وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ لِهَذَا الْحَدِيثِ سَبَبًا فَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ أُمِّ حَكِيمٍ بِنْتِ دِينَارٍ عَنْ مَوْلَاتِهَا أُمِّ إِسْحَاقَ أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُتِيَ بِقَصْعَةٍ مِنْ ثَرِيدٍ فَأَكَلَتْ مَعَهُ ثُمَّ تَذَكَّرَتْ أَنَّهَا كَانَتْ صَائِمَة فَقَالَ لَهَا ذُو الْيَدَيْنِ الْآن بعد مَا شَبِعْتِ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتِمِّي صَوْمَكِ فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيْكِ وَفِي هَذَا رَدٌّ عَلَى مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ قَلِيلِ الْأَكْلِ وَكَثِيرِهِ وَمِنَ الْمُسْتَظْرَفَاتِ مَا رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن بن جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّ إِنْسَانًا جَاءَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ أَصْبَحْتُ صَائِمًا فَنَسِيتُ فَطَعِمْتُ قَالَ لَا بَأْسَ قَالَ ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَى إِنْسَانٍ فَنَسِيتُ وَطَعِمْتُ وَشَرِبْتُ قَالَ لَا بَأْسَ اللَّهُ أَطْعَمَكَ وَسَقَاكَ ثُمَّ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى آخَرَ فَنَسِيتُ فَطَعِمْتُ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة أَنْت إِنْسَان لم تتعود الصّيام

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب الصَّائِمِ إِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا
وَقَالَ عَطَاءٌ: إِنِ اسْتَنْثَرَ فَدَخَلَ الْمَاءُ فِي حَلْقِهِ لاَ بَأْسَ إِنْ لَمْ يَمْلِكْ.

وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنْ دَخَلَ حَلْقَهُ الذُّبَابُ فَلاَ شَىْءَ عَلَيْهِ..
     وَقَالَ  الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ: إِنْ جَامَعَ نَاسِيًا فَلاَ شَىْءَ عَلَيْهِ.

( باب) حكم ( الصائم إذا أكل أو شرب) حال كونه ( ناسيًا وقال عطاء) : هي ابن أبي رباح مما وصله ابن أبي شيبة ( إن استنثر فدخل الماء) من خياشيمه ( في حلقه لا بأس به) ليس هو جواب الشرط إلا لكان بالفاء بل هو مفسر لجوابه المحذوف والجملة الشرطية وهي قوله ( إن لم يملك) جزاء

لقوله إن استنثر، وقوله: إن لم يملك أي دفعه بل دخل في حلقه غلبة فإن ملك دفعه فلم يدفعه حتى دخل أفطر وسقط لفظة أن في رواية أبي ذر وابن عساكر كما في الفرع وأصله.
وقال الحافظ ابن حجر والنسفيّ بدل ابن عساكر وحينئذٍ فهي جملة مستأنفة كالتعليل لقوله لا بأس والفاء في لا بأس محذوفة كقوله:
من يفعل الحسنات الله يشكرها.

( وقال الحسن) البصري مما وصله ابن أبي شيبة ( إن دخل حلقه) أي الصائم ( الذباب فلا شيء عليه) .
ومن فطر ولا غيره وهو مذهب الأئمة الأربعة.
( وقال الحسن) أيضًا مما وصله عبد الرزاق ( ومجاهد) : مما وصله أيضًا عبد الرزاق ( إن جامع) حال كونه ( ناسيًا فلا شيء عليه) من فطر ولا غيره كالأكل ناسيًا فلو تعمد بطل إجماعًا.
وقال الحنابلة: يفطر وعليه القضاء والكفارة عامدًا كان أو ناسيًا.
قال المرداوي: نقله الجماعة عن الإمام أحمد وعليه أكثر الأصحاب قال الزركشي الحنبلي وهو المشهور عن أحمد وهو المختار لعامة أصحابه وهو من مفردات المذهب وعنه لا يكفر واختاره ابن بطة.
قال الزركشي: ولعله مبني على أن الكفارة ماحية ومع النسيان لا إثم يمحى وعنه ولا يقضى أيضًا.


[ قــ :1850 ... غــ : 1933 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا ابْنُ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا نَسِيَ فَأَكَلَ وَشَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ».
[الحديث 1933 - طرفه في: 6669] .

وبالسند قال ( حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي البصري الأصل قال ( أخبرنا يزيد بن زريع) مصغرًا قال ( حدّثنا هشام) هو القردوسي كما صرح به مسلم في صحيحه لا الدستوائي وإن قاله الحافظ ابن حجر قال: ( حدّثنا ابن سيرين) محمد ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( إذا نسي) الصائم ( فأكل وشرب) سواء كان قليلاً أو كثيرًا كما رجحه النووي لظاهر إطلاق الحديث وقد روى عبد الرزاق عن عمرو بن دينار أن إنسانًا جاء إلى أبي هريرة -رضي الله عنه- فقال أصبحت صائمًا فنسيت فطعمت فقال لا بأس.
قال: ثم دخلت إلى إنسان فنسيت فطعمت وشربت.
قال: لا بأس الله أطعمك وسقاك.
قال: ثم دخلت على آخر فنسيت فطعمت فقال أبو هريرة: أنت إنسان لم تتعوّد الصيام، ويروى أو شرب واقتصر عليهما دون باقي المفطرات لأنهما الغالب.

( فليتم صومه) ، بفتح الميم ويجوز كسرها على التقاء الساكنين وسمى الذي يتم صومًا وظاهره حمله على الحقيقة الشرعية وإذا كان صومًا وقع مجزئًا ويلزم من ذلك عدم وجوب القضاء قاله ابن

دقيق العيد، وهذا الحديث دليل على الإمام مالك حيث قال: إن الصوم يبطل بالنسيان ويجب القضاء.

وأجيب: بأن المراد من هذا الحديث إتمام صورة الصوم، وأجيب بما سبق من حمل الصوم على الحقيقة الشرعية وإذا دار اللفظ بين حمله على المعنى اللغوي والشرعي كان حمله على الشرعي أولى، وقد أخرج ابنا خزيمة وحبان والحاكم والدارقطني من طريق محمد بن عبد الله الأنصاري عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة: من أفطر في شهر رمضان ناسيًا فلا قضاء عليه ولا كفارة فصرح بإسقاط القضاء والكفارة.
قال الدارقطني: تفرد به محمد بن مرزوق وهو ثقة عن الأنصاري.

وأجيب: بأن ابن خزيمة أخرجه أيضًا عن إبراهيم بن محمد الباهلي وبأن الحاكم أخرجه من طريق أبي حاتم الرازي كلاهما عن الأنصاري فهو المنفرد به كما قال البيهقي وهو ثقة وحينئذٍ، فقول ابن دقيق العيد أن قول مالك بوجوب القضاء هو القياس فإن الصوم قد فات ركنه وهو من باب المأمورات، والقاعدة تقتضي أن النسيان لا يؤثر في باب المأمورات فيه نظر فإن القياس شرطه عدم مخالفة النص قاله البرماوي في شرح العمدة ثم علل كون الناسي لا يفطر بقوله:
( فإنما أطعمه الله وسقاه) ليس له فيه مدخل وقال الطيبي "إنما" للحصر أي ما أطعمه أحد ولا سقاه إلا الله فدلّ على أن هذا النسيان من الله تعالى ومن لطفه في حق عباده تيسيرًا عليهم ودفعًا للحرج، وقال الخطابي: النسيان ضرورة والأفعال الضرورية غير مضافة في الحكم إلى فاعلها ولا يؤاخذ بها والله أعلم.

وهذا الحديث أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( بابُُ الصَّائِمِ إذَا أكَلَ أوْ شَرِبَ نَاسِيا)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم الصَّائِم إِذا أكل أَو شرب حَال كَونه نَاسِيا وَإِنَّمَا لم يذكر جَوَاب إِذا لمَكَان الْخلاف فِيهِ، تَقْدِيره: هَل يجب عَلَيْهِ الْقَضَاء أم لَا.

وَقَالَ عَطَاءٌ إنِ اسْتَنثَرَ فَدَخَلَ المَاءُ فِي حَلْقِهِ لَا بأسَ بِهِ إنْ لَمْ يَمْلِكْ
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن حكم دُخُول المَاء فِي حلق الصَّائِم بعد الاستنثار وَلم يملك دَفعه كَحكم شرب المَاء نَاسِيا فِي عدم وجوب الْقَضَاء، وَعَطَاء هُوَ ابْن أبي رَبَاح، وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن ابْن جريج أَن إنْسَانا قَالَ لعطاء: استنثرت فَدخل المَاء فِي حلقي، قَالَ: لَا بَأْس لم تملك،.

     وَقَالَ  صَاحب ( التَّلْوِيح) : لَا بَأْس إِن لم تملك كَذَا، فِي نُسْخَة السماع، وَفِي غَيرهَا سُقُوط: إِن، وَفِي نُسْخَة: إِذْ لم تملك.
قلت: وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر والنسفي: لَا بَأْس لم يملك، بِإِسْقَاط: إِن، وَمعنى قَوْله: ( إِن لم يملك) يَعْنِي: دفع المَاء بِأَن غَلبه، فَإِن ملك دفع المَاء فَلم يدْفع حَتَّى دخل حلقه أفطر، ويروى: إِن لم يملك دَفعه، وَقَوله: لم يملك، بِدُونِ إِن، اسْتِئْنَاف كَلَام، تعليلاً لما تقدم عَلَيْهِ.
قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: لَا بَأْس هُوَ جَزَاء الشَّرْط فَلَا بُد من الْفَاء.
قلت: هُوَ مُفَسّر للجزاء الْمَحْذُوف، وَالْجُمْلَة الشّرطِيَّة جَزَاء لقَوْله: إِن استنثر، وعَلى نُسْخَة سُقُوط: إِن، الْفَاء محذوفة كَقَوْلِه:
من يفعل الْحَسَنَات الله يشكرها
وَقَوله: إِن استنثر، من الاستنثار وَهُوَ إِخْرَاج مَا فِي الْأنف بعد الِاسْتِنْشَاق، وَقيل: هُوَ نفس الِاسْتِنْشَاق.

وَقَالَ الحسَنُ إنْ دَخلَ حَلْقَهُ الذُّبابُُُ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن حكم دُخُول الذُّبابُُ فِي حلق الصَّائِم كَحكم الْأكل نَاسِيا فِي عدم وجوب الْقَضَاء، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله ابْن أبي شيبَة من طَرِيق وَكِيع عَن الرّبيع عَنهُ، قَالَ: ( لَا يفْطر الرجل بِدُخُول حلقه الذُّبابُُ) ، وَعَن ابْن عَبَّاس وَالشعْبِيّ: ( إِذا دخل الذُّبابُُ لَا يفْطر) ، وَبِه قَالَت الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة، وَأَبُو ثَوْر،.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنْذر: وَلم يحفظ عَن غَيرهم خِلَافه، وَفِي ( الْمُحِيط) : وَلَو دخل حلقه الذُّبابُُ أَو الدُّخان أَو الْغُبَار لم يفطره، وَكَذَا لَو بَقِي بَلل فِي فَمه بعد الْمَضْمَضَة وابتلعه مَعَ رِيقه لعدم إِمْكَان الِاحْتِرَاز عَنهُ، بِخِلَاف مَا لَو دخل الْمَطَر أَو الثَّلج حلقه حَيْثُ يفطره، وَفِي ( الْكتاب) فِي الْأَصَح، وَفِي ( الْمَبْسُوط) : فِي الصَّحِيح، وَفِي ( الذَّخِيرَة) قيل: يفْسد صَوْمه فِي الْمَطَر وَلَا يفْسد فِي الثَّلج، وَفِي بعض الْمَوَاضِع على الْعَكْس، وَفِي ( الْجَامِع الْأَصْغَر) : يفْسد فيهمَا، وَهُوَ الْمُخْتَار.
وَلَو خَاضَ المَاء فَدخل أُذُنه لَا يفطره، بِخِلَاف الدّهن، وَإِن كَانَ بِغَيْر صنعه لوُجُود إصْلَاح بدنه، وَلَو صب المَاء فِي أذن نَفسه فَالصَّحِيح أَنه لَا يفطره لعدم إصْلَاح الْبدن بِهِ، لِأَن المَاء يضر بالدماغ، وَفِي ( الخزانة) : لَو دخل حلقه من دُمُوعه أَو عرق جَبينه قطرتان وَنَحْوهمَا لَا يضرّهُ، وَالْكثير الَّذِي يجد ملوحته فِي حلقه يفْسد صَوْمه لَا صلَاته، وَلَو نزل المخاط من أَنفه فِي حلقه عَليّ تعمد مِنْهُ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَلَو ابتلع بزاق غَيره أفسد صَوْمه وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ.
كَذَا فِي ( الْمُحِيط) .
وَفِي ( الْبَدَائِع) : لَو ابتلع ريق حَبِيبه أَو صديقه، قَالَ الْحلْوانِي: عَلَيْهِ الْكَفَّارَة لِأَنَّهُ لَا يعافه بل يلتذ بِهِ، وَقيل: لَا كَفَّارَة فِيهِ، وَلَو جمع رِيقه فِي فِيهِ ثمَّ ابتلعه لم يفطره، وَيكرهُ ذكره المرغيناني.

وَقَالَ الحَسَنُ ومُجَاهِدٌ إنْ جامَعَ ناسِيا فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن حكم الْجِمَاع نَاسِيا كَحكم الْأكل وَالشرب نَاسِيا فِي عدم وجوب شَيْء عَلَيْهِ، وَتَعْلِيق الْحسن وَصله عبد الرَّزَّاق عَن الثَّوْريّ عَن رجل عَن الْحسن، قَالَ: هُوَ بِمَنْزِلَة من أكل أَو شرب نَاسِيا.
وَتَعْلِيق مُجَاهِد وَصله عبد الرَّزَّاق أَيْضا عَن ابْن جريج عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد، قَالَ: لَو وطىء رجل امْرَأَته وَهُوَ صَائِم نَاسِيا فِي رَمَضَان لم يكن عَلَيْهِ فِيهِ شَيْء، وَإِلَيْهِ ذهب أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَابْن الْمُنْذر، وَهُوَ قَول عَليّ وَأبي هُرَيْرَة وَابْن عمر وَعَطَاء وطاووس وَمُجاهد وَعبيد الله بن الْحسن وَالنَّخَعِيّ وَالْحسن بن صَالح وَأبي ثَوْر وَابْن أبي ذِئْب وَالْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري، وَكَذَلِكَ فِي الْأكل وَالشرب نَاسِيا..
     وَقَالَ  ابْن علية وَرَبِيعَة وَاللَّيْث وَمَالك: يفْطر وَعَلِيهِ الْقَضَاء، زَاد أَحْمد: وَالْكَفَّارَة فِي الْجِمَاع نَاسِيا، وَهُوَ أحد الْوَجْهَيْنِ للشَّافِعِيَّة.


[ قــ :1850 ... غــ :1933 ]
- ( حَدثنَا عَبْدَانِ قَالَ أخبرنَا يزِيد بن زُرَيْع قَالَ حَدثنَا هِشَام قَالَ حَدثنَا ابْن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ إِذا نسي فَأكل وَشرب فليتم صَوْمه فَإِنَّمَا أطْعمهُ الله وسقاه) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَرِجَاله قد مروا غير مرّة وعبدان لقب عبد الله بن عُثْمَان الْمروزِي وَهِشَام هُوَ الدستوَائي يروي على مُحَمَّد بن سِيرِين والْحَدِيث أخرجه مُسلم من رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن علية عَن هِشَام عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة وَلَفظه " من نسي وَهُوَ صَائِم فَأكل أَو شرب فليتم صَوْمه فَإِنَّمَا أطْعمهُ الله وسقاه " وَأخرجه أَبُو دَاوُد.

     وَقَالَ  حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل قَالَ حَدثنَا حَمَّاد عَن أَيُّوب وحبِيب وَهِشَام عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ " جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ يَا رَسُول الله إِنِّي أكلت وشربت نَاسِيا وَأَنا صَائِم قَالَ الله أطعمك وسقاك " وَأخرجه التِّرْمِذِيّ.

     وَقَالَ  حَدثنَا أَبُو سعيد حَدثنَا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر عَن حجاج عَن قَتَادَة عَن ابْن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " من أكل أَو شرب نَاسِيا فَلَا يفْطر فَإِنَّمَا هُوَ رزق رزقه الله " وَأخرجه النَّسَائِيّ من رِوَايَة عِيسَى بن يُونُس عَن هِشَام بن حسان عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة " إِذا أكل الصَّائِم أَو شرب نَاسِيا فليتم صَوْمه فَإِنَّمَا أطْعمهُ الله وسقاه " وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من رِوَايَة عَوْف عَن خلاس وَمُحَمّد بن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " من أفطر نَاسِيا وَهُوَ صَائِم فليتم صَوْمه فَإِنَّمَا أطْعمهُ الله وسقاه " وروى ابْن حبَان أَيْضا من رِوَايَة مُحَمَّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ عَن مُحَمَّد بن عَمْرو عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " من أفطر فِي شهر رَمَضَان نَاسِيا فَلَا قَضَاء عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَة " وَفِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ من طَرِيق ابْن علية عَن هِشَام " فَإِنَّمَا هُوَ رزق سَاقه الله إِلَيْهِ ".

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ بعد أَن أخرج حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَفِي الْبابُُ عَن أبي سعيد وَأم إِسْحَق.
فَحَدِيث أبي سعيد رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من رِوَايَة الْفَزارِيّ عَن عَطِيَّة عَن أبي سعيد قَالَ قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " من أفطر فِي شهر رَمَضَان نَاسِيا فَلَا قَضَاء عَلَيْهِ إِن الله أطْعمهُ وسقاه " قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ الْفَزارِيّ هَذَا هُوَ مُحَمَّد بن عبيد الله الْعَزْرَمِي ( قلت) هُوَ ضَعِيف.
وَحَدِيث أم إِسْحَق رَوَاهُ أَحْمد حَدثنَا عبد الصَّمد حَدثنَا بشار بن عبد الْملك قَالَ " حَدَّثتنِي أم حَكِيم بنت دِينَار عَن مولاتها أم إِسْحَق أَنَّهَا كَانَت عِنْد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأتى بقصعة من ثريد فَأكلت مَعَه وَمَعَهُ ذُو الْيَدَيْنِ فناولها رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عرقا فَقَالَ ذُو الْيَدَيْنِ يَا أم إِسْحَق أصيبي من هَذَا فَذكرت أَنِّي كنت صَائِمَة فبردت يَدي لَا أقدمها وَلَا أؤخرها فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا لَك قَالَت كنت صَائِمَة فنسيت فَقَالَ ذُو الْيَدَيْنِ الْآن بَعْدَمَا شبعت فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أتمي صومك فَإِنَّمَا هُوَ رزق سَاقه الله إِلَيْك " وبشار بن عبد الْملك الْمُزنِيّ ضعفه يحيى بن معِين وَأم حَكِيم اسْمهَا خَوْلَة قَوْله " إِذا نسي " أَي الصَّائِم قَوْله " فَأكل وَشرب " ويروى " أَو شرب " قَوْله " فليتم صَوْمه " وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ " فَلَا يفْطر " قَالَ شَيخنَا يجوز أَن يكون لَا فِي جَوَاب الشَّرْط للنَّهْي وَيفْطر مَجْزُومًا وَيجوز أَن تكون لَا نَافِيَة وَيفْطر مَرْفُوعا وَهُوَ أولى فَإِنَّهُ لم يرد بِهِ النَّهْي عَن الْإِفْطَار وَإِنَّمَا المُرَاد أَنه لم يحصل إفطار النَّاسِي بِالْأَكْلِ وَيكون تَقْدِيره من أكل أَو شرب نَاسِيا لم يفْطر قَوْله " فَإِنَّمَا " تَعْلِيل لكَون النَّاسِي لَا يفْطر وَوجه ذَلِك أَن الرزق لما كَانَ من الله لَيْسَ فِيهِ للْعَبد تحيل فَلَا ينْسب إِلَيْهِ شبه الْأكل نَاسِيا بِهِ لِأَنَّهُ لَا صنع للْعَبد فِيهِ وَإِلَّا فالأكل مُتَعَمدا حَيْثُ جَازَ لَهُ الْفطر رزق من الله تَعَالَى بِإِجْمَاع الْعلمَاء وَكَذَلِكَ هُوَ رزق وَإِن لم يجز لَهُ الْفطر على مَذْهَب أهل السّنة وَقد يسْتَدلّ بِمَفْهُوم هَذَا الحَدِيث من يَقُول بِأَن الْحَرَام لَا يُسمى رزقا وَهُوَ مَذْهَب الْمُعْتَزلَة وَالْمَسْأَلَة مقررة فِي الْأُصُول ( فَإِن قلت) كَيفَ وَجه الِاسْتِدْلَال بِهَذَا الحَدِيث على أَن الْأكل وَالشرب نَاسِيا لَا يُوجب شَيْئا وَلَا ينْقض صَوْمه ( قلت) قَوْله " فليتم " أَمر بالإتمام وسمى الَّذِي يتمه صوما وَالْحمل على الْحَقِيقَة الشَّرْعِيَّة هُوَ الْوَجْه ثمَّ لَا فرق عندنَا وَعند الشَّافِعِي بَين الْقَلِيل وَالْكثير.

     وَقَالَ  الرَّافِعِيّ فِيهِ وَجْهَان كالوجهين فِي بطلَان الصَّلَاة بالْكلَام الْكثير وَحمل بعض الشَّافِعِيَّة الحَدِيث على صَوْم التَّطَوُّع حَكَاهُ ابْن التِّين عَن ابْن شعْبَان وَكَذَا قَالَ ابْن الْقصار لِأَنَّهُ لم يَقع فِي الحَدِيث تعْيين رَمَضَان فَيحمل على التَّطَوُّع.

     وَقَالَ  الْمُهلب وَغَيره لم لم يذكر فِي الحَدِيث إِثْبَات الْقَضَاء فَيحمل على سُقُوط الْكَفَّارَة عَنهُ وَإِثْبَات عذره وَرفع الْإِثْم عَنهُ وَبَقَاء نِيَّته الَّتِي بَيتهَا وَالْجَوَاب عَن ذَلِك كُله بِمَا رَوَاهُ ابْن حبَان من حَدِيث أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة الْمَذْكُور آنِفا فَإِن فِيهِ تعْيين رَمَضَان وَنفي الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة ( فَإِن قلت) قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ تفرد بِهِ مُحَمَّد بن مَرْزُوق عَن مُحَمَّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ ( قلت) أخرجه ابْن خُزَيْمَة أَيْضا عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْبَاهِلِيّ وَأخرجه الْحَاكِم من طَرِيق أبي حَازِم الرَّازِيّ كِلَاهُمَا عَن الْأنْصَارِيّ -