3259 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ ، عَنْ يَحْيَى وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ ، - قَالَ يَحْيَى وَحَسِبْتُ قَالَ - وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ ، أَنَّهُمَا قَالَا : خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلِ بْنِ زَيْدٍ ، وَمُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ زَيْدٍ ، حَتَّى إِذَا كَانَا بِخَيْبَرَ تَفَرَّقَا فِي بَعْضِ مَا هُنَالِكَ ، ثُمَّ إِذَا مُحَيِّصَةُ يَجِدُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ قَتِيلًا فَدَفَنَهُ ، ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ وَحُوَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ ، وَكَانَ أَصْغَرَ الْقَوْمِ ، فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لِيَتَكَلَّمَ قَبْلَ صَاحِبَيْهِ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كَبِّرِ الْكُبْرَ فِي السِّنِّ ، فَصَمَتَ ، فَتَكَلَّمَ صَاحِبَاهُ ، وَتَكَلَّمَ مَعَهُمَا ، فَذَكَرُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقْتَلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ ، فَقَالَ لَهُمْ : أَتَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا فَتَسْتَحِقُّونَ صَاحِبَكُمْ أَوْ قَاتِلَكُمْ ، قَالُوا : وَكَيْفَ نَحْلِفُ ، وَلَمْ نَشْهَدْ ؟ قَالَ : فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا ، قَالُوا : وَكَيْفَ نَقْبَلُ أَيْمَانَ قَوْمٍ كُفَّارٍ ؟ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى عَقْلَهُ |
Sahl b. Abu Hathma and Rafi' b. Khadij reported that 'Abdullah b. Sahl b. Zaid and Muhayyisa b. Mas'ud b. Zaid went out and as they reached Khaibar they were separated. Then Muhayyisa found 'Abdullah b. Sahl having been killed. He buried him, and then came to Allah's Messenger (ﷺ). They were Huwayyisa b. Mas'ud and 'Abd al-Rahman b. Sahl, and he (the latter one) was the youngest of the people (those three who had come to seek an interview with the Holy Prophet) began to talk before his Companions (had spoken). Thereupon Allah's Messenger (ﷺ) said:
The eldest one (eldest in regard to age should speak). So he kept quiet, and his companions (Muhayyisa and Huwayyisa) began to speak, and he ('Abd al Rahman) spoke along with them and they narrated to Allah's Messenger (ﷺ) the murder of 'Abdullah b. Sahl. Thereupon he said to them: Are you prepared to take fifty oaths so that you may be entitled (to blood-wit) of your companion (or your man who has murdered)? They said: How can we take an oath on a matter which we have not witnessed? He (the Holy Prophet) said: Then the Jews will exonerate themselves by fifty oaths. They said: How can we accept the oaths of people who are unbelievers? When Allah's Messenger (ﷺ) saw that, he himself paid his blood-wit.
شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث
[1669] ذَكَرَ مُسْلِمٌ حَدِيثَ حُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ بِاخْتِلَافِ أَلْفَاظِهِ وطرقه حين وجد محيصة بن عَمِّهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ قَتِيلًا بِخَيْبَرَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَوْلِيَائِهِ تَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَتَسْتَحِقُّونَ صَاحِبَكُمْ أَوْ قَاتِلَكُمْ وَفِي رِوَايَةٍ تَسْتَحِقُّونَ قَاتِلَكُمْ أَوْ صَاحِبَكُمْ أَمَّا حُوَيِّصَةُ وَمُحَيِّصَةُ فَبِتَشْدِيدِ الْيَاءِ فِيهِمَا وَبِتَخْفِيفِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَقَدْ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي أَشْهَرُهُمَا التَّشْدِيدُ قَالَ القاضي حَدِيثُ الْقَسَامَةِ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الشَّرْعِ وَقَاعِدَةٌ مِنْ قَوَاعِدِ الْأَحْكَامِ وَرُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ مَصَالِحِ الْعِبَادِ وَبِهِ أَخَذَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ الْحِجَازِيِّينَ وَالشَّامِيِّين وَالْكُوفِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْأَخْذِ بِهِ وَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ إِبْطَالُ الْقَسَامَةِ وَأَنَّهُ لَا حُكْمَ لَهَا وَلَا عَمَلَ بِهَا وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَالْحَكَمُ بن عيينة وقتادة وأبو قلابة ومسلم بن خالد وبن عُلَيَّةَ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِهَا فِيمَا إِذَا كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا هَلْ يَجِبُ الْقِصَاصُ بِهَا فَقَالَ مُعْظَمُ الْحِجَازِيِّينَ يَجِبُ وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ وَأَبِي الزِّنَادِ وَمَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَاللَّيْثِ) وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَدَاوُدَ وَهُوَ قول الشافعي في القديم وروى عن بن الزُّبَيْرِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ أَبُو الزِّنَادِ قُلْنَا بِهَا وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَافِرُونَ إِنِّي لَأَرَى أَنَّهُمْ أَلْفُ رَجُلٍ فَمَا اخْتَلَفَ مِنْهُمُ اثْنَانِ.
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْهِ لَا يَجِبُ بِهَا الْقِصَاصُ وَإِنَّمَا تَجِبُ الدِّيَةُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَعُثْمَانَ اللَّيْثِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَرُوِيَ أيضا عن أبي بكر وعمر وبن عَبَّاسٍ وَمُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ يَحْلِفُ فِي الْقَسَامَةِ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ يَحْلِفُ الْوَرَثَةُ وَيَجِبُ الْحَقُّ بِحَلِفِهِمْ خَمْسِينَ يَمِينًا وَاحْتَجُّوا بِهَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِالِابْتِدَاءِ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي وَهُوَ ثَابِتٌ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ صِحَاحٍ لَا تَنْدَفِعُ قَالَ مَالِكٌ الَّذِي أَجْمَعَتْ عليه الأئمة قديما وحديثا أن المدعين يبدؤن فِي الْقَسَامَةِ وَلِأَنَّ جَنَبَةَ الْمُدَّعِي صَارَتْ قَوِيَّةً بِاللَّوْثِ قَالَ الْقَاضِي وَضَعَّفَ هَؤُلَاءِ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى الِابْتِدَاءَ بِيَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ قَالَ أَهْلُ الْحَدِيثِ هَذِهِ الرِّوَايَةُ وَهْمٌ مِنَ الرَّاوِينَ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ الِابْتِدَاءَ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي وَلَمْ يَذْكُرْ رَدَّ الْيَمِينِ وَلِأَنَّ مَنْ رَوَى الِابْتِدَاءَ بِالْمُدَّعِينَ مَعَهُ زِيَادَةٌ وَرِوَايَاتُهَا صِحَاحٌ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ مَشْهُورَةٍ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهَا وَلَا تُعَارِضُهَا رِوَايَةُ مَنْ نَسِيَ.
وَقَالَ كُلُّ مَنْ لَمْ يُوجِبِ الْقِصَاصَ وَاقْتَصَرَ عَلَى الدِّيَةِ يَبْدَأُ بِيَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ إِلَّا الشَّافِعِيَّ وَأَحْمَدَ فَقَالَا بِقَوْلِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي فَإِنْ نَكَلَ رُدَّتْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ قِصَاصٌ وَلَا دِيَةٌ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى حَتَّى تَقْتَرِنَ بِهَا شُبْهَةٌ يُغَلَّبُ الظَّنُّ بِهَا وَاخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الشُّبْهَةِ الْمُعْتَبَرَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَسَامَةِ وَلَهَا سَبْعُ صُوَرٍ الْأُولَى أَنْ يَقُولَ الْمَقْتُولُ فِي حَيَاتِهِ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ وَهُوَ قَتَلَنِي أَوْ ضَرَبَنِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ أَثَرٌ أَوْ فَعَلَ بِي هَذَا مِنْ إِنْفَاذِ مَقَاتِلِي أَوْ جَرَحَنِي وَيَذْكُرُ الْعَمْدَ فَهَذَا مُوجِبٌ لِلْقَسَامَةِ عِنْدَ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ وَادَّعَى مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ مِمَّا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا قَالَ الْقَاضِي وَلَمْ يَقُلْ بِهَذَا مِنْ فُقَهَاءِ الأمصار غيرهما ولا روى عن غيرهما وخالف فِي ذَلِكَ الْعُلَمَاءَ كَافَّةً فَلَمْ يَرَ أَحَدٌ غيرهما في هذا أقسامه وَاشْتَرَطَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وُجُودَ الْأَثَرِ وَالْجُرْحِ فِي كَوْنِهِ قَسَامَةً وَاحْتَجَّمَالِكٌ فِي ذَلِكَ بِقَضِيَّةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقَوْلِهِ تَعَالَى فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الموتى قَالُوا فَحَيِيَ الرَّجُلُ فَأَخْبَرَ بِقَاتِلِهِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُ مَالِكٍ أَيْضًا بِأَنَّ تِلْكَ حَالَةٌ يُطْلَبُ بهَا غَفْلَةُ النَّاسِ فَلَوْ شَرَطْنَا الشَّهَادَةَ وَأَبْطَلْنَا قَوْلَ الْمَجْرُوحِ أَدَّى ذَلِكَ إِلَى إِبْطَالِ الدِّمَاءِ غَالِبًا قَالُوا وَلِأَنَّهَا حَالَةٌ يَتَحَرَّى فِيهَا الْمَجْرُوحُ الصِّدْقَ وَيَتَجَنَّبُ الْكَذِبَ وَالْمَعَاصِيَ وَيَتَزَوَّدُ الْبِرَّ وَالتَّقْوَى فَوَجَبَ قَبُولُ قَوْلِهِ وَاخْتَلَفَ الْمَالِكِيَّةُ فِي أَنَّهُ هَلْ يُكْتَفَى فِي الشَّهَادَةِ عَلَى قَوْلِهِ بِشَاهِدٍ أَمْ لابد مِنَ اثْنَيْنِ الثَّانِيَةُ اللَّوْثُ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ عَلَى مُعَايَنَةِ الْقَتْلِ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ وَمِنَ اللَّوْثِ شَهَادَةُ الْعَدْلِ وَحْدَهُ وَكَذَا قول جماعة ليسوا عدولا الثالثة إِذَا شَهِدَ عَدْلَانِ بِالْجُرْحِ فَعَاشَ بَعْدَهُ أَيَّامًا ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُفِيقَ مِنْهُ قَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ هُوَ لَوْثٌ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حنيفة رضي الله عنه لاقسامة هُنَا بَلْ يَجِبُ الْقِصَاصُ بِشَهَادَةِ الْعَدْلَيْنِ الرَّابِعَةُ يُوجَدُ الْمُتَّهَمُ عِنْدَ الْمَقْتُولِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ أَوْ آتِيًا مِنْ جِهَتِهِ وَمَعَهُ آلَةُ الْقَتْلِ وعليه أثره من لطخ دم وغيره وَلَيْسَ هُنَاكَ سَبْعٌ وَلَا غَيْرُهُ مِمَّا يُمْكِنُ إِحَالَةُ الْقَتْلِ عَلَيْهِ أَوْ تَفَرَّقَ جَمَاعَةٌ عَنْ قَتِيلٍ فَهَذَا لَوْثٌ مُوجِبٌ لِلْقَسَامَةِ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ الْخَامِسَةُ أَنْ يَقْتَتِلَ طَائِفَتَانِ فَيُوجَدُ بَيْنَهُمَا قَتِيلٌ فَفِيهِ الْقَسَامَةُ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وإسحاق وعن مالك رواية لإقسامه بَلْ فِيهِ دِيَةٌ عَلَى الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى إِنْ كَانَ مِنْ أَحَدِ الطَّائِفَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِمَا فَعَلَى الطَّائِفَتَيْنِ دِيَتُهُ السَّادِسَةُ يُوجَدُ الْمَيِّتُ فِي زَحْمَةِ النَّاسِ قَالَ الشَّافِعِيُّ تَثْبُتُ فِيهِ الْقَسَامَةُ وَتَجِبُ بِهَا الدِّيَةُ.
وَقَالَ مَالِكٌ هُوَ هدر وقال الثوري واسحاق تجب دية فِي بَيْتِ الْمَالِ وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ عُمَرَ وعلى السابعة أَنْ يُوجَدَ فِي مَحَلَّةِ قَوْمٍ أَوْ قَبِيلَتِهِمْ أَوْ مَسْجِدِهِمْ فَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَدَاوُدُ وَغَيْرُهُمْ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ هَذَا قَسَامَةٌ بَلِ الْقَتْلُ هَدَرٌ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْتُلُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ وَيُلْقِيهِ فِي مَحَلَّةِ طَائِفَةٍ لِيُنْسَبَ إِلَيْهِمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلَّةِ أعدائه لا يغالطهم غَيْرُهُمْ فَيَكُونُ كَالْقِصَّةِ الَّتِي جَرَتْ بِخَيْبَرَ فَحَكَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقَسَامَةِ لِوَرَثَةِ الْقَتِيلِ لِمَا كَانَ بَيْنَ الْأَنْصَارِ وَبَيْنَ الْيَهُودِ مِنَ الْعَدَاوَةِ وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ سِوَاهُمْ وَعَنْ أَحْمَدَ نَحْوَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَمُعْظَمُ الْكُوفِيِّينَ وُجُودُ الْقَتِيلِ فِي الْمَحَلَّةِ وَالْقَرْيَةِ يُوجِبُ الْقَسَامَةَ وَلَا تَثْبُتُ الْقَسَامَةُ عِنْدَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنَ الصُّوَرِ السَّبْعِ السَّابِقَةِ إِلَّا هُنَا لِأَنَّهَا عِنْدَهُمْ هِيَ الصُّورَةُ الَّتِي حَكَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا بِالْقَسَامَةِ وَلَا قَسَامَةَ عِنْدَهُمْ إِلَّا إِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ وَبِهِ أَثَرٌ قَالُوا فَإِنْ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي الْمَسْجِدِ حَلَفَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ وَوَجَبَتِ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَذَلِكَ إِذَا ادَّعَوْا عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وُجُودُالْقَتِيلِ فِي الْمَحَلَّةِ يُوجِبُ الْقَسَامَةَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَثَرٌ وَنَحْوُهُ عَنْ دَاوُدَ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ ( فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَتَكَلَّمُ قَبْلَ صَاحِبِهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبِّرِ الْكُبْرُ فِي السِّنِّ فَصَمَتَ وَتَكَلَّمَ صَاحِبَاهُ وَتَكَلَّمَ مَعَهُمَا) مَعْنَى هَذَا أَنَّ الْمَقْتُولَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَلَهُ أَخٌ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَلَهُمَا ابْنَا عَمٍّ وَهُمَا مُحَيِّصَةُ وَحُوَيِّصَةُ وَهُمَا أَكْبَرُ سِنًّا مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَلَمَّا أَرَادَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَخُو الْقَتِيلِ أَنْ يَتَكَلَّمَ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبِّرْ أَيْ يَتَكَلَّمُ أَكْبَرُ مِنْكَ وَاعْلَمْ أَنَّ حَقِيقَةَ الدَّعْوَى إِنَّمَا هِيَ لِأَخِيهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَا حَقَّ فِيهَا لِابْنَيْ عَمِّهِ وَإِنَّمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَكَلَّمَ الْأَكْبَرُ وَهُوَ حُوَيِّصَةُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنِ الْمُرَادُ بِكَلَامِهِ حَقِيقَةَ الدَّعْوَى بَلْ سَمَاعَ صُورَةِ الْقِصَّةِ وَكَيْفَ جَرَتْ فَإِذَا أَرَادَ حَقِيقَةَ الدَّعْوَى تَكَلَّمَ صَاحِبُهَا وَيَحْتَمِلُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَكَّلَ حُوَيِّصَةَ فِي الدَّعْوَى وَمُسَاعَدَتِهِ أَوْ أُمِرَ بِتَوْكِيلِهِ وَفِي هَذَا فَضِيلَةُ السِّنِّ عِنْدَ التَّسَاوِي فِي الْفَضَائِلِ وَلِهَذَا نَظَائِرُ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ بِهَا فِي الْإِمَامَةِ وَفِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ نَدْبًا وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَولُهُ الْكُبْرَ فِي السِّنِّ مَعْنَاهُ يُرِيدُ الْكُبْرَ فِي السِّنِّ وَالْكُبْرُ مَنْصُوبٌ بِإِضْمَارِ يُرِيدُ وَنَحْوِهَا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لِلْكُبْرِ بِاللَّامِ وَهُوَ صَحِيحٌ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَتَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا فَتَسْتَحِقُّونَ صَاحِبَكُمْ أَوْ قَاتِلَكُمْ) قَدْ يُقَالُ كَيْفَ عُرِضَتِ الْيَمِينُ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْيَمِينُ لِلْوَارِثِ خَاصَّةً وَالْوَارِثُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ خَاصَّةً وَهُوَ أَخُو الْقَتِيلِ.
.
وَأَمَّا الْآخَرَانِ فَابْنَا عَمٍّ لَا مِيرَاثَ لَهُمَا مَعَ الْأَخِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ أَنَّ الْيَمِينَ تَخْتَصُّ بِالْوَارِثِ فَأَطْلَقَ الْخِطَابَ لَهُمْ وَالْمُرَادُ مَنْ تَخْتَصُّ بِهِ الْيَمِينُ وَاحْتَمَلَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا لِلْمُخَاطَبِينَ كَمَا سَمِعَ كَلَامَ الْجَمِيعِ فِي صُورَةِ قَتْلِهِ وَكَيْفِيَّةِ مَا جَرَى لَهُ وَإِنْ كَانَتْ حَقِيقَةُ الدَّعْوَى وَقْتَ الْحَاجَةِ مُخْتَصَّةً بِالْوَارِثِ.
.
وَأَمَّا .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتستحقونقَاتِلَكُمْ أَوْ صَاحِبَكُمْ فَمَعْنَاهُ يَثْبُتُ حَقُّكُمْ عَلَى مَنْ حَلَفْتُمْ عَلَيْهِ وَهَلْ ذَلِكَ الْحَقُّ قِصَاصٌ أَوْ دِيَةٌ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ إِنَّمَا يَجُوزُ لَهُمُ الْحَلِفُ إِذَا عَلِمُوا أَوْ ظَنُّوا ذَلِكَ وَإِنَّمَا عَرَضَ عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَمِينَ إِنْ وُجِدَ فِيهِمْ هَذَا الشَّرْطَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْإِذْنَ لَهُمْ فِي الْحَلِفِ مِنْ غَيْرِ ظَنٍّ وَلِهَذَا قَالُوا كَيْفَ نَحْلِفُ وَلَمْ نَشْهَدْ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا) أَيْ تَبْرَأُ إِلَيْكُمْ مِنْ دَعْوَاكُمْ بِخَمْسِينَ يَمِينًا وَقِيلَ مَعْنَاهُ يُخَلِّصُونَكُمْ مِنَ الْيَمِينِ بِأَنْ يَحْلِفُوا فَإِذَا حَلَفُوا انْتَهَتِ الْخُصُومَةُ وَلَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ وَخَلَصْتُمْ أَنْتُمْ مِنَ الْيَمِينِ وَفِي هَذَا دليل لصحة يمين الكافر والفاسق ويهود مَرْفُوعٌ غَيْرُ مُنَوَّنٍ لَا يَنْصَرِفُ لِأَنَّهُ اسْمُ للقبيلة وَالطَّائِفَةِ فَفِيهِ التَّأْنِيثُ وَالْعَلَمِيَّةُ .
قَوْلُهُ ( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى عَقْلَهُ) أَيْ دِيَتُهُ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قِبَلِهِ وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ عِنْدِهِ فَ.
قَوْلُهُ وَدَاهُ بِتَخْفِيفِ الدَّالِ أَيْ دَفَعَ دِيَتَهُ وَفِي رِوَايَةٍ فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبْطِلَ دَمَهُ فَوَدَاهُ مِائَةً مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ إِنَّمَا وَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطْعًا لِلنِّزَاعِ وَإِصْلَاحًا لِذَاتِ الْبَيْنَ فَإِنَّ أَهْلَ الْقَتِيلِ لَا يَسْتَحِقُّونَ إِلَّا أَنْ يَحْلِفُوا أَوْ يَسْتَحْلِفُوا الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ وَقَدِ امْتَنَعُوا مِنَ الْأَمْرَيْنِ وَهُمْ مَكْسُورُونَ بِقَتْلِ صَاحِبِهِمْ فَأَرَادَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَبْرَهُمْ وَقَطْعَ الْمُنَازَعَةِ وَإِصْلَاحَ ذَاتِ البينبدفع ديته من عنده وقوله فَوَدَاهُ مِنْ عِنْدِهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ خَالِصِ مَالِهِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ صَادَفَ ذَلِكَ عِنْدَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ وَمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ.
.
وَأَمَّا .
قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِنَّهَا غَلَطٌ مِنَ الرُّوَاةِ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ الْمَفْرُوضَةَ لَا تُصْرَفُ هَذَا الْمَصْرِفَ بَلْ هِيَ لِأَصْنَافٍ سَمَّاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا يَجُوزُ صَرْفُهَا مِنْ إِبِلِ الزَّكَاةِ لِهَذَا الْحَدِيثِ فَأَخَذَ بِظَاهِرِهِ.
وَقَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ مَعْنَاهُ اشْتَرَاهُ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ بَعْدَ أَنْ مَلَكُوهَا ثُمَّ دَفَعَهَا تَبَرُّعًا إِلَى أهل القتيل وحكى القاضي عن بعض العلماءأنه يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ فِي مَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَتَأَوَّلَ هذا الحديث عليه وتأوله بعضهم علىأن أولياء القتيل كانوا محتاجين ممن تُبَاحُ لَهُمُ الزَّكَاةُ وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَاطِلٌ لِأَنَّ هَذَا قَدْرٌ كَثِيرٌ لَا يُدْفَعُ إِلَى الْوَاحِدِ الحامل مِنَ الزَّكَاةِ بِخِلَافِ أَشْرَافِ الْقَبَائِلِ وَلِأَنَّهُ سَمَّاهُ دِيَةً وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ دَفَعَهُ مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ مِنَ الزَّكَاةِ اسْتِئْلَافًا لِلْيَهُودِ لَعَلَّهُمْ يُسْلِمُونَ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا يَجُوزُ صَرْفُهَا إِلَى كَافِرٍ فَالْمُخْتَارُ مَا حَكَيْنَاهُ عَنِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ مُرَاعَاةُ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَالِاهْتِمَامُ بِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ وَفِيهِ إِثْبَاتُ الْقَسَامَةِ وَفِيهِ الِابْتِدَاءُ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي فِي الْقَسَامَةِ وَفِيهِ رَدُّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِذَا نَكَلَ الْمُدَّعِي فِي الْقَسَامَةِ وَفِيهِ جَوَازُ الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ وَسَمَاعُ الدَّعْوَى فِي الدِّمَاءِ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ الْخَصْمِ وَفِيهِ جَوَازُ الْيَمِينِ بِالظَّنِّ وَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ وَفِيهِ أَنَّ الْحُكْمَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ يَكُونُ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ) هَذَا مِمَّا يَجِبُ تَأْوِيلُهُ لِأَنَّ الْيَمِينَ إِنَّمَا تَكُونُ عَلَى الْوَارِثِ خَاصَّةً لَا على غيره من القبيلةوتأويله عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّ مَعْنَاهُ يُؤْخَذُ مِنْكُمْ خَمْسُونَ يَمِينًا وَالْحَالِفُ هُمُ الْوَرَثَةُ فَلَا يَحْلِفُ أَحَدٌ مِنَ الْأَقَارِبِ غَيْرُ الْوَرَثَةِ يَحْلِفُ كُلُّ الْوَرَثَةِ ذُكُورًا كَانُوا أَوْ إِنَاثًا سَوَاءٌ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قال أبو ثور وبن الْمُنْذِرِ وَوَافَقَنَا مَالِكٌ فِيمَا إِذَا كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً.
.
وَأَمَّا فِي الْعَمْدِ فَقَالَ يَحْلِفُ الْأَقَارِبُ خَمْسِينَ يَمِينًا وَلَا تَحْلِفُ النِّسَاءُ وَلَا الصِّبْيَانُ وَوَافَقَهُ رَبِيعَةُ وَاللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَدَاوُدُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا فَتَسْتَحِقُّونَ صَاحِبَكُمْ فَجَعَلَ الْحَالِفَ هُوَ الْمُسْتَحِقَّ لِلدِّيَةِ وَالْقِصَاصِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ غير الوارثلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا فَدَلَّ أَنَّ الْمُرَادَ عَلَى حلف مَنْ يَسْتَحِقُّ الدِّيَةَ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَيُدْفَعُ بِرُمَّتِهِ) الرُّمَّةُ بِضَمِّ الرَّاءِ الْحَبْلُ وَالْمُرَادُ هُنَا الْحَبْلُ الَّذِي يُرْبَطُ فِي رَقَبَةِ الْقَاتِلِ وَيُسَلَّمُ فِيهِ إِلَى وَلِيِّ الْقَتِيلِ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ إِنَّ الْقَسَامَةَ يَثْبُتُ فِيهَا الْقِصَاصُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ مَذْهَبِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ وَتَأَوَّلَهُ الْقَائِلُونَ لَا قِصَاصَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يُسَلَّمَ لِيُسْتَوْفَى مِنْهُ الدِّيَةُ لِكَوْنِهَا ثَبَتَتْ عَلَيْهِ وَفِيهِ أَنَّ الْقَسَامَةَ إِنَّمَا تَكُونُ عَلَى وَاحِدٍ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ.
وَقَالَ أَشْهَبُ وَغَيْرُهُ يحلف الأولياء على ما شاء وأولا يقتلوا إلا واحدا وقال الشافعي رضي الله عنه أن ادعوا على جماعة حلفوا عليهم وثبتت عليهم الدية على الصحيح عند الشَّافِعِيُّ وَعَلَى قَوْلٍ أَنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَيْهِمْ وَإِنْ حَلَفُوا عَلَى وَاحِدٍ اسْتَحَقُّوا عَلَيْهِ وَحْدَهُ .
قَوْلُهُ ( فَدَخَلْتُ مِرْبَدًا لَهُمْ يَوْمًا فَرَكَضَتْنِي نَاقَةٌ مِنْ تِلْكَ الْإِبِلِ رَكْضَةً بِرِجْلِهَا) الْمِرْبَدُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْبَاءِ هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ الْإِبِلُ وَتُحْبَسُ وَالرَّبْدُ الْحَبْسُ وَمَعْنَى رَكَضَتْنِي رَفَسَتْنِي وَأَرَادَ بِهَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ ضَبَطَ الْحَدِيثَوَحَفِظَهُ حِفْظًا بَلِيغًا .
قَوْلُهُ ( فَوُجِدَ فِي شَرَبَةٍ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ وَهُوَ حَوْضٌ يَكُونُ فِي أَصْلِ النَّخْلَةِ وَجَمْعُهُ شَرَبٌ كَثَمَرَةٍ وَثَمَرٌ .
قَوْلُهُ ( لَقَدْ رَكَضَتْنِي فَرِيضَةٌ مِنْ تِلْكَ الْفَرَائِضِ) الْمُرَادُ بِالْفَرِيضَةِ هُنَا النَّاقَةُ مِنْ تِلْكَ النُّوقِ الْمَفْرُوضَةِ فِي الدِّيَةِ وَتُسَمَّى الْمَدْفُوعَةَ فِي الزَّكَاةِ أَوْ فِي الدِّيَةِ فَرِيضَةً لِأَنَّهَا مَفْرُوضَةٌ أَيْ مُقَدَّرَةٌ بِالسِّنِّ وَالْعَدَدِ.
.
وَأَمَّا قَوْلُ الْمَازِرِيِّ إِنَّ الْمُرَادَ بِالْفَرِيضَةِ هُنَاالنَّاقَةُ الْهَرِمَةُ فَقَدْ غَلِطَ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ ( فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبْطِلَ دَمَهُ فَوَدَاهُ مِائَةً مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ) هَذَا آخِرُ الْفَوَاتِ الَّذِي لَمْ يَسْمَعْهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُفْيَانَ مِنْ مُسْلِمٍ وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَ أَوَّلِهِ وَقَولُهُ عُقَيْبَ هَذَا حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ حَدَّثَنِي أَبُو لَيْلَى هُوَ أَوَّلُ سَمَاعِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سُفْيَانَ مِنْ مُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ هكذا هو في معظم النسخ وفي نسخة الحافظ بن عَسَاكِرَ أَنَّ آخِرَ الْفَوَاتِ آخِرُ حَدِيثِ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَأَوَّلُ السَّمَاعِ .
قَوْلُهُ عَقِبَهُ حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ .
قَوْلُهُ ( وَطُرِحَ فِي عَيْنٍ أَوْ فَقِيرٍ) الْفَقِيرُ هُنَا عَلَى لَفْظِ الْفَقِيرِ فِي الْآدَمِيِّينَ وَالْفَقِيرُهُنَا الْبِئْرُ الْقَرِيبَةُ الْقَعْرُ الْوَاسِعَةُ الْفَمُ وَقِيلَ هُوَ الْحَفِيرَةُ الَّتِي تَكُونُ حَوْلَ النَّخْلِ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ وَإِمَّا أَنْ يُؤْذَنُوا بِحَرْبٍ) مَعْنَاهُ إِنْ ثَبَتَ الْقَتْلُ عَلَيْهِمْ بِقَسَامَتِكُمْ فَإِمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ أَيْ يَدْفَعُوا إِلَيْكُمْ دِيَتَهُ وَإِمَّا أَنْ يُعْلِمُونَا أَنَّهُمْ مُمْتَنِعُونَ مِنَ الْتِزَامِ أَحْكَامِنَا فَيُنْتَقَضُوَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَدَاوُدَ وَهُوَ قول الشافعي في القديم وروى عن بن الزُّبَيْرِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ أَبُو الزِّنَادِ قُلْنَا بِهَا وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَافِرُونَ إِنِّي لَأَرَى أَنَّهُمْ أَلْفُ رَجُلٍ فَمَا اخْتَلَفَ مِنْهُمُ اثْنَانِ.
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْهِ لَا يَجِبُ بِهَا الْقِصَاصُ وَإِنَّمَا تَجِبُ الدِّيَةُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَعُثْمَانَ اللَّيْثِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَرُوِيَ أيضا عن أبي بكر وعمر وبن عَبَّاسٍ وَمُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ يَحْلِفُ فِي الْقَسَامَةِ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ يَحْلِفُ الْوَرَثَةُ وَيَجِبُ الْحَقُّ بِحَلِفِهِمْ خَمْسِينَ يَمِينًا وَاحْتَجُّوا بِهَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِالِابْتِدَاءِ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي وَهُوَ ثَابِتٌ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ صِحَاحٍ لَا تَنْدَفِعُ قَالَ مَالِكٌ الَّذِي أَجْمَعَتْ عليه الأئمة قديما وحديثا أن المدعين يبدؤن فِي الْقَسَامَةِ وَلِأَنَّ جَنَبَةَ الْمُدَّعِي صَارَتْ قَوِيَّةً بِاللَّوْثِ قَالَ الْقَاضِي وَضَعَّفَ هَؤُلَاءِ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى الِابْتِدَاءَ بِيَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ قَالَ أَهْلُ الْحَدِيثِ هَذِهِ الرِّوَايَةُ وَهْمٌ مِنَ الرَّاوِينَ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ الِابْتِدَاءَ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي وَلَمْ يَذْكُرْ رَدَّ الْيَمِينِ وَلِأَنَّ مَنْ رَوَى الِابْتِدَاءَ بِالْمُدَّعِينَ مَعَهُ زِيَادَةٌ وَرِوَايَاتُهَا صِحَاحٌ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ مَشْهُورَةٍ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهَا وَلَا تُعَارِضُهَا رِوَايَةُ مَنْ نَسِيَ.
وَقَالَ كُلُّ مَنْ لَمْ يُوجِبِ الْقِصَاصَ وَاقْتَصَرَ عَلَى الدِّيَةِ يَبْدَأُ بِيَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ إِلَّا الشَّافِعِيَّ وَأَحْمَدَ فَقَالَا بِقَوْلِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي فَإِنْ نَكَلَ رُدَّتْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ قِصَاصٌ وَلَا دِيَةٌ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى حَتَّى تَقْتَرِنَ بِهَا شُبْهَةٌ يُغَلَّبُ الظَّنُّ بِهَا وَاخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الشُّبْهَةِ الْمُعْتَبَرَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَسَامَةِ وَلَهَا سَبْعُ صُوَرٍ الْأُولَى أَنْ يَقُولَ الْمَقْتُولُ فِي حَيَاتِهِ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ وَهُوَ قَتَلَنِي أَوْ ضَرَبَنِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ أَثَرٌ أَوْ فَعَلَ بِي هَذَا مِنْ إِنْفَاذِ مَقَاتِلِي أَوْ جَرَحَنِي وَيَذْكُرُ الْعَمْدَ فَهَذَا مُوجِبٌ لِلْقَسَامَةِ عِنْدَ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ وَادَّعَى مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ مِمَّا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا قَالَ الْقَاضِي وَلَمْ يَقُلْ بِهَذَا مِنْ فُقَهَاءِ الأمصار غيرهما ولا روى عن غيرهما وخالف فِي ذَلِكَ الْعُلَمَاءَ كَافَّةً فَلَمْ يَرَ أَحَدٌ غيرهما في هذا أقسامه وَاشْتَرَطَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وُجُودَ الْأَثَرِ وَالْجُرْحِ فِي كَوْنِهِ قَسَامَةً وَاحْتَجَّمَالِكٌ فِي ذَلِكَ بِقَضِيَّةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقَوْلِهِ تَعَالَى فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الموتى قَالُوا فَحَيِيَ الرَّجُلُ فَأَخْبَرَ بِقَاتِلِهِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُ مَالِكٍ أَيْضًا بِأَنَّ تِلْكَ حَالَةٌ يُطْلَبُ بهَا غَفْلَةُ النَّاسِ فَلَوْ شَرَطْنَا الشَّهَادَةَ وَأَبْطَلْنَا قَوْلَ الْمَجْرُوحِ أَدَّى ذَلِكَ إِلَى إِبْطَالِ الدِّمَاءِ غَالِبًا قَالُوا وَلِأَنَّهَا حَالَةٌ يَتَحَرَّى فِيهَا الْمَجْرُوحُ الصِّدْقَ وَيَتَجَنَّبُ الْكَذِبَ وَالْمَعَاصِيَ وَيَتَزَوَّدُ الْبِرَّ وَالتَّقْوَى فَوَجَبَ قَبُولُ قَوْلِهِ وَاخْتَلَفَ الْمَالِكِيَّةُ فِي أَنَّهُ هَلْ يُكْتَفَى فِي الشَّهَادَةِ عَلَى قَوْلِهِ بِشَاهِدٍ أَمْ لابد مِنَ اثْنَيْنِ الثَّانِيَةُ اللَّوْثُ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ عَلَى مُعَايَنَةِ الْقَتْلِ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ وَمِنَ اللَّوْثِ شَهَادَةُ الْعَدْلِ وَحْدَهُ وَكَذَا قول جماعة ليسوا عدولا الثالثة إِذَا شَهِدَ عَدْلَانِ بِالْجُرْحِ فَعَاشَ بَعْدَهُ أَيَّامًا ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُفِيقَ مِنْهُ قَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ هُوَ لَوْثٌ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حنيفة رضي الله عنه لاقسامة هُنَا بَلْ يَجِبُ الْقِصَاصُ بِشَهَادَةِ الْعَدْلَيْنِ الرَّابِعَةُ يُوجَدُ الْمُتَّهَمُ عِنْدَ الْمَقْتُولِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ أَوْ آتِيًا مِنْ جِهَتِهِ وَمَعَهُ آلَةُ الْقَتْلِ وعليه أثره من لطخ دم وغيره وَلَيْسَ هُنَاكَ سَبْعٌ وَلَا غَيْرُهُ مِمَّا يُمْكِنُ إِحَالَةُ الْقَتْلِ عَلَيْهِ أَوْ تَفَرَّقَ جَمَاعَةٌ عَنْ قَتِيلٍ فَهَذَا لَوْثٌ مُوجِبٌ لِلْقَسَامَةِ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ الْخَامِسَةُ أَنْ يَقْتَتِلَ طَائِفَتَانِ فَيُوجَدُ بَيْنَهُمَا قَتِيلٌ فَفِيهِ الْقَسَامَةُ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وإسحاق وعن مالك رواية لإقسامه بَلْ فِيهِ دِيَةٌ عَلَى الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى إِنْ كَانَ مِنْ أَحَدِ الطَّائِفَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِمَا فَعَلَى الطَّائِفَتَيْنِ دِيَتُهُ السَّادِسَةُ يُوجَدُ الْمَيِّتُ فِي زَحْمَةِ النَّاسِ قَالَ الشَّافِعِيُّ تَثْبُتُ فِيهِ الْقَسَامَةُ وَتَجِبُ بِهَا الدِّيَةُ.
وَقَالَ مَالِكٌ هُوَ هدر وقال الثوري واسحاق تجب دية فِي بَيْتِ الْمَالِ وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ عُمَرَ وعلى السابعة أَنْ يُوجَدَ فِي مَحَلَّةِ قَوْمٍ أَوْ قَبِيلَتِهِمْ أَوْ مَسْجِدِهِمْ فَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَدَاوُدُ وَغَيْرُهُمْ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ هَذَا قَسَامَةٌ بَلِ الْقَتْلُ هَدَرٌ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْتُلُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ وَيُلْقِيهِ فِي مَحَلَّةِ طَائِفَةٍ لِيُنْسَبَ إِلَيْهِمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلَّةِ أعدائه لا يغالطهم غَيْرُهُمْ فَيَكُونُ كَالْقِصَّةِ الَّتِي جَرَتْ بِخَيْبَرَ فَحَكَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقَسَامَةِ لِوَرَثَةِ الْقَتِيلِ لِمَا كَانَ بَيْنَ الْأَنْصَارِ وَبَيْنَ الْيَهُودِ مِنَ الْعَدَاوَةِ وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ سِوَاهُمْ وَعَنْ أَحْمَدَ نَحْوَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَمُعْظَمُ الْكُوفِيِّينَ وُجُودُ الْقَتِيلِ فِي الْمَحَلَّةِ وَالْقَرْيَةِ يُوجِبُ الْقَسَامَةَ وَلَا تَثْبُتُ الْقَسَامَةُ عِنْدَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنَ الصُّوَرِ السَّبْعِ السَّابِقَةِ إِلَّا هُنَا لِأَنَّهَا عِنْدَهُمْ هِيَ الصُّورَةُ الَّتِي حَكَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا بِالْقَسَامَةِ وَلَا قَسَامَةَ عِنْدَهُمْ إِلَّا إِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ وَبِهِ أَثَرٌ قَالُوا فَإِنْ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي الْمَسْجِدِ حَلَفَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ وَوَجَبَتِ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَذَلِكَ إِذَا ادَّعَوْا عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وُجُودُالْقَتِيلِ فِي الْمَحَلَّةِ يُوجِبُ الْقَسَامَةَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَثَرٌ وَنَحْوُهُ عَنْ دَاوُدَ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ ( فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَتَكَلَّمُ قَبْلَ صَاحِبِهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبِّرِ الْكُبْرُ فِي السِّنِّ فَصَمَتَ وَتَكَلَّمَ صَاحِبَاهُ وَتَكَلَّمَ مَعَهُمَا) مَعْنَى هَذَا أَنَّ الْمَقْتُولَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَلَهُ أَخٌ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَلَهُمَا ابْنَا عَمٍّ وَهُمَا مُحَيِّصَةُ وَحُوَيِّصَةُ وَهُمَا أَكْبَرُ سِنًّا مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَلَمَّا أَرَادَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَخُو الْقَتِيلِ أَنْ يَتَكَلَّمَ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبِّرْ أَيْ يَتَكَلَّمُ أَكْبَرُ مِنْكَ وَاعْلَمْ أَنَّ حَقِيقَةَ الدَّعْوَى إِنَّمَا هِيَ لِأَخِيهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَا حَقَّ فِيهَا لِابْنَيْ عَمِّهِ وَإِنَّمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَكَلَّمَ الْأَكْبَرُ وَهُوَ حُوَيِّصَةُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنِ الْمُرَادُ بِكَلَامِهِ حَقِيقَةَ الدَّعْوَى بَلْ سَمَاعَ صُورَةِ الْقِصَّةِ وَكَيْفَ جَرَتْ فَإِذَا أَرَادَ حَقِيقَةَ الدَّعْوَى تَكَلَّمَ صَاحِبُهَا وَيَحْتَمِلُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَكَّلَ حُوَيِّصَةَ فِي الدَّعْوَى وَمُسَاعَدَتِهِ أَوْ أُمِرَ بِتَوْكِيلِهِ وَفِي هَذَا فَضِيلَةُ السِّنِّ عِنْدَ التَّسَاوِي فِي الْفَضَائِلِ وَلِهَذَا نَظَائِرُ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ بِهَا فِي الْإِمَامَةِ وَفِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ نَدْبًا وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَولُهُ الْكُبْرَ فِي السِّنِّ مَعْنَاهُ يُرِيدُ الْكُبْرَ فِي السِّنِّ وَالْكُبْرُ مَنْصُوبٌ بِإِضْمَارِ يُرِيدُ وَنَحْوِهَا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لِلْكُبْرِ بِاللَّامِ وَهُوَ صَحِيحٌ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَتَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا فَتَسْتَحِقُّونَ صَاحِبَكُمْ أَوْ قَاتِلَكُمْ) قَدْ يُقَالُ كَيْفَ عُرِضَتِ الْيَمِينُ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْيَمِينُ لِلْوَارِثِ خَاصَّةً وَالْوَارِثُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ خَاصَّةً وَهُوَ أَخُو الْقَتِيلِ.
.
وَأَمَّا الْآخَرَانِ فَابْنَا عَمٍّ لَا مِيرَاثَ لَهُمَا مَعَ الْأَخِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ أَنَّ الْيَمِينَ تَخْتَصُّ بِالْوَارِثِ فَأَطْلَقَ الْخِطَابَ لَهُمْ وَالْمُرَادُ مَنْ تَخْتَصُّ بِهِ الْيَمِينُ وَاحْتَمَلَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا لِلْمُخَاطَبِينَ كَمَا سَمِعَ كَلَامَ الْجَمِيعِ فِي صُورَةِ قَتْلِهِ وَكَيْفِيَّةِ مَا جَرَى لَهُ وَإِنْ كَانَتْ حَقِيقَةُ الدَّعْوَى وَقْتَ الْحَاجَةِ مُخْتَصَّةً بِالْوَارِثِ.
.
وَأَمَّا .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتستحقونقَاتِلَكُمْ أَوْ صَاحِبَكُمْ فَمَعْنَاهُ يَثْبُتُ حَقُّكُمْ عَلَى مَنْ حَلَفْتُمْ عَلَيْهِ وَهَلْ ذَلِكَ الْحَقُّ قِصَاصٌ أَوْ دِيَةٌ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ إِنَّمَا يَجُوزُ لَهُمُ الْحَلِفُ إِذَا عَلِمُوا أَوْ ظَنُّوا ذَلِكَ وَإِنَّمَا عَرَضَ عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَمِينَ إِنْ وُجِدَ فِيهِمْ هَذَا الشَّرْطَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْإِذْنَ لَهُمْ فِي الْحَلِفِ مِنْ غَيْرِ ظَنٍّ وَلِهَذَا قَالُوا كَيْفَ نَحْلِفُ وَلَمْ نَشْهَدْ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا) أَيْ تَبْرَأُ إِلَيْكُمْ مِنْ دَعْوَاكُمْ بِخَمْسِينَ يَمِينًا وَقِيلَ مَعْنَاهُ يُخَلِّصُونَكُمْ مِنَ الْيَمِينِ بِأَنْ يَحْلِفُوا فَإِذَا حَلَفُوا انْتَهَتِ الْخُصُومَةُ وَلَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ وَخَلَصْتُمْ أَنْتُمْ مِنَ الْيَمِينِ وَفِي هَذَا دليل لصحة يمين الكافر والفاسق ويهود مَرْفُوعٌ غَيْرُ مُنَوَّنٍ لَا يَنْصَرِفُ لِأَنَّهُ اسْمُ للقبيلة وَالطَّائِفَةِ فَفِيهِ التَّأْنِيثُ وَالْعَلَمِيَّةُ .
قَوْلُهُ ( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى عَقْلَهُ) أَيْ دِيَتُهُ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قِبَلِهِ وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ عِنْدِهِ فَ.
قَوْلُهُ وَدَاهُ بِتَخْفِيفِ الدَّالِ أَيْ دَفَعَ دِيَتَهُ وَفِي رِوَايَةٍ فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبْطِلَ دَمَهُ فَوَدَاهُ مِائَةً مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ إِنَّمَا وَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطْعًا لِلنِّزَاعِ وَإِصْلَاحًا لِذَاتِ الْبَيْنَ فَإِنَّ أَهْلَ الْقَتِيلِ لَا يَسْتَحِقُّونَ إِلَّا أَنْ يَحْلِفُوا أَوْ يَسْتَحْلِفُوا الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ وَقَدِ امْتَنَعُوا مِنَ الْأَمْرَيْنِ وَهُمْ مَكْسُورُونَ بِقَتْلِ صَاحِبِهِمْ فَأَرَادَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَبْرَهُمْ وَقَطْعَ الْمُنَازَعَةِ وَإِصْلَاحَ ذَاتِ البينبدفع ديته من عنده وقوله فَوَدَاهُ مِنْ عِنْدِهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ خَالِصِ مَالِهِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ صَادَفَ ذَلِكَ عِنْدَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ وَمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ.
.
وَأَمَّا .
قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِنَّهَا غَلَطٌ مِنَ الرُّوَاةِ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ الْمَفْرُوضَةَ لَا تُصْرَفُ هَذَا الْمَصْرِفَ بَلْ هِيَ لِأَصْنَافٍ سَمَّاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا يَجُوزُ صَرْفُهَا مِنْ إِبِلِ الزَّكَاةِ لِهَذَا الْحَدِيثِ فَأَخَذَ بِظَاهِرِهِ.
وَقَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ مَعْنَاهُ اشْتَرَاهُ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ بَعْدَ أَنْ مَلَكُوهَا ثُمَّ دَفَعَهَا تَبَرُّعًا إِلَى أهل القتيل وحكى القاضي عن بعض العلماءأنه يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ فِي مَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَتَأَوَّلَ هذا الحديث عليه وتأوله بعضهم علىأن أولياء القتيل كانوا محتاجين ممن تُبَاحُ لَهُمُ الزَّكَاةُ وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَاطِلٌ لِأَنَّ هَذَا قَدْرٌ كَثِيرٌ لَا يُدْفَعُ إِلَى الْوَاحِدِ الحامل مِنَ الزَّكَاةِ بِخِلَافِ أَشْرَافِ الْقَبَائِلِ وَلِأَنَّهُ سَمَّاهُ دِيَةً وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ دَفَعَهُ مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ مِنَ الزَّكَاةِ اسْتِئْلَافًا لِلْيَهُودِ لَعَلَّهُمْ يُسْلِمُونَ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا يَجُوزُ صَرْفُهَا إِلَى كَافِرٍ فَالْمُخْتَارُ مَا حَكَيْنَاهُ عَنِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ مُرَاعَاةُ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَالِاهْتِمَامُ بِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ وَفِيهِ إِثْبَاتُ الْقَسَامَةِ وَفِيهِ الِابْتِدَاءُ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي فِي الْقَسَامَةِ وَفِيهِ رَدُّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِذَا نَكَلَ الْمُدَّعِي فِي الْقَسَامَةِ وَفِيهِ جَوَازُ الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ وَسَمَاعُ الدَّعْوَى فِي الدِّمَاءِ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ الْخَصْمِ وَفِيهِ جَوَازُ الْيَمِينِ بِالظَّنِّ وَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ وَفِيهِ أَنَّ الْحُكْمَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ يَكُونُ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ) هَذَا مِمَّا يَجِبُ تَأْوِيلُهُ لِأَنَّ الْيَمِينَ إِنَّمَا تَكُونُ عَلَى الْوَارِثِ خَاصَّةً لَا على غيره من القبيلةوتأويله عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّ مَعْنَاهُ يُؤْخَذُ مِنْكُمْ خَمْسُونَ يَمِينًا وَالْحَالِفُ هُمُ الْوَرَثَةُ فَلَا يَحْلِفُ أَحَدٌ مِنَ الْأَقَارِبِ غَيْرُ الْوَرَثَةِ يَحْلِفُ كُلُّ الْوَرَثَةِ ذُكُورًا كَانُوا أَوْ إِنَاثًا سَوَاءٌ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قال أبو ثور وبن الْمُنْذِرِ وَوَافَقَنَا مَالِكٌ فِيمَا إِذَا كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً.
.
وَأَمَّا فِي الْعَمْدِ فَقَالَ يَحْلِفُ الْأَقَارِبُ خَمْسِينَ يَمِينًا وَلَا تَحْلِفُ النِّسَاءُ وَلَا الصِّبْيَانُ وَوَافَقَهُ رَبِيعَةُ وَاللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَدَاوُدُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا فَتَسْتَحِقُّونَ صَاحِبَكُمْ فَجَعَلَ الْحَالِفَ هُوَ الْمُسْتَحِقَّ لِلدِّيَةِ وَالْقِصَاصِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ غير الوارثلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا فَدَلَّ أَنَّ الْمُرَادَ عَلَى حلف مَنْ يَسْتَحِقُّ الدِّيَةَ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَيُدْفَعُ بِرُمَّتِهِ) الرُّمَّةُ بِضَمِّ الرَّاءِ الْحَبْلُ وَالْمُرَادُ هُنَا الْحَبْلُ الَّذِي يُرْبَطُ فِي رَقَبَةِ الْقَاتِلِ وَيُسَلَّمُ فِيهِ إِلَى وَلِيِّ الْقَتِيلِ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ إِنَّ الْقَسَامَةَ يَثْبُتُ فِيهَا الْقِصَاصُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ مَذْهَبِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ وَتَأَوَّلَهُ الْقَائِلُونَ لَا قِصَاصَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يُسَلَّمَ لِيُسْتَوْفَى مِنْهُ الدِّيَةُ لِكَوْنِهَا ثَبَتَتْ عَلَيْهِ وَفِيهِ أَنَّ الْقَسَامَةَ إِنَّمَا تَكُونُ عَلَى وَاحِدٍ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ.
وَقَالَ أَشْهَبُ وَغَيْرُهُ يحلف الأولياء على ما شاء وأولا يقتلوا إلا واحدا وقال الشافعي رضي الله عنه أن ادعوا على جماعة حلفوا عليهم وثبتت عليهم الدية على الصحيح عند الشَّافِعِيُّ وَعَلَى قَوْلٍ أَنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَيْهِمْ وَإِنْ حَلَفُوا عَلَى وَاحِدٍ اسْتَحَقُّوا عَلَيْهِ وَحْدَهُ .
قَوْلُهُ ( فَدَخَلْتُ مِرْبَدًا لَهُمْ يَوْمًا فَرَكَضَتْنِي نَاقَةٌ مِنْ تِلْكَ الْإِبِلِ رَكْضَةً بِرِجْلِهَا) الْمِرْبَدُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْبَاءِ هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ الْإِبِلُ وَتُحْبَسُ وَالرَّبْدُ الْحَبْسُ وَمَعْنَى رَكَضَتْنِي رَفَسَتْنِي وَأَرَادَ بِهَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ ضَبَطَ الْحَدِيثَوَحَفِظَهُ حِفْظًا بَلِيغًا .
قَوْلُهُ ( فَوُجِدَ فِي شَرَبَةٍ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ وَهُوَ حَوْضٌ يَكُونُ فِي أَصْلِ النَّخْلَةِ وَجَمْعُهُ شَرَبٌ كَثَمَرَةٍ وَثَمَرٌ .
قَوْلُهُ ( لَقَدْ رَكَضَتْنِي فَرِيضَةٌ مِنْ تِلْكَ الْفَرَائِضِ) الْمُرَادُ بِالْفَرِيضَةِ هُنَا النَّاقَةُ مِنْ تِلْكَ النُّوقِ الْمَفْرُوضَةِ فِي الدِّيَةِ وَتُسَمَّى الْمَدْفُوعَةَ فِي الزَّكَاةِ أَوْ فِي الدِّيَةِ فَرِيضَةً لِأَنَّهَا مَفْرُوضَةٌ أَيْ مُقَدَّرَةٌ بِالسِّنِّ وَالْعَدَدِ.
.
وَأَمَّا قَوْلُ الْمَازِرِيِّ إِنَّ الْمُرَادَ بِالْفَرِيضَةِ هُنَاالنَّاقَةُ الْهَرِمَةُ فَقَدْ غَلِطَ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ ( فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبْطِلَ دَمَهُ فَوَدَاهُ مِائَةً مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ) هَذَا آخِرُ الْفَوَاتِ الَّذِي لَمْ يَسْمَعْهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُفْيَانَ مِنْ مُسْلِمٍ وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَ أَوَّلِهِ وَقَولُهُ عُقَيْبَ هَذَا حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ حَدَّثَنِي أَبُو لَيْلَى هُوَ أَوَّلُ سَمَاعِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سُفْيَانَ مِنْ مُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ هكذا هو في معظم النسخ وفي نسخة الحافظ بن عَسَاكِرَ أَنَّ آخِرَ الْفَوَاتِ آخِرُ حَدِيثِ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَأَوَّلُ السَّمَاعِ .
قَوْلُهُ عَقِبَهُ حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ .
قَوْلُهُ ( وَطُرِحَ فِي عَيْنٍ أَوْ فَقِيرٍ) الْفَقِيرُ هُنَا عَلَى لَفْظِ الْفَقِيرِ فِي الْآدَمِيِّينَ وَالْفَقِيرُهُنَا الْبِئْرُ الْقَرِيبَةُ الْقَعْرُ الْوَاسِعَةُ الْفَمُ وَقِيلَ هُوَ الْحَفِيرَةُ الَّتِي تَكُونُ حَوْلَ النَّخْلِ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ وَإِمَّا أَنْ يُؤْذَنُوا بِحَرْبٍ) مَعْنَاهُ إِنْ ثَبَتَ الْقَتْلُ عَلَيْهِمْ بِقَسَامَتِكُمْ فَإِمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ أَيْ يَدْفَعُوا إِلَيْكُمْ دِيَتَهُ وَإِمَّا أَنْ يُعْلِمُونَا أَنَّهُمْ مُمْتَنِعُونَ مِنَ الْتِزَامِ أَحْكَامِنَا فَيُنْتَقَضُوَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَدَاوُدَ وَهُوَ قول الشافعي في القديم وروى عن بن الزُّبَيْرِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ أَبُو الزِّنَادِ قُلْنَا بِهَا وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَافِرُونَ إِنِّي لَأَرَى أَنَّهُمْ أَلْفُ رَجُلٍ فَمَا اخْتَلَفَ مِنْهُمُ اثْنَانِ.
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْهِ لَا يَجِبُ بِهَا الْقِصَاصُ وَإِنَّمَا تَجِبُ الدِّيَةُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَعُثْمَانَ اللَّيْثِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَرُوِيَ أيضا عن أبي بكر وعمر وبن عَبَّاسٍ وَمُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ يَحْلِفُ فِي الْقَسَامَةِ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ يَحْلِفُ الْوَرَثَةُ وَيَجِبُ الْحَقُّ بِحَلِفِهِمْ خَمْسِينَ يَمِينًا وَاحْتَجُّوا بِهَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِالِابْتِدَاءِ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي وَهُوَ ثَابِتٌ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ صِحَاحٍ لَا تَنْدَفِعُ قَالَ مَالِكٌ الَّذِي أَجْمَعَتْ عليه الأئمة قديما وحديثا أن المدعين يبدؤن فِي الْقَسَامَةِ وَلِأَنَّ جَنَبَةَ الْمُدَّعِي صَارَتْ قَوِيَّةً بِاللَّوْثِ قَالَ الْقَاضِي وَضَعَّفَ هَؤُلَاءِ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى الِابْتِدَاءَ بِيَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ قَالَ أَهْلُ الْحَدِيثِ هَذِهِ الرِّوَايَةُ وَهْمٌ مِنَ الرَّاوِينَ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ الِابْتِدَاءَ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي وَلَمْ يَذْكُرْ رَدَّ الْيَمِينِ وَلِأَنَّ مَنْ رَوَى الِابْتِدَاءَ بِالْمُدَّعِينَ مَعَهُ زِيَادَةٌ وَرِوَايَاتُهَا صِحَاحٌ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ مَشْهُورَةٍ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهَا وَلَا تُعَارِضُهَا رِوَايَةُ مَنْ نَسِيَ.
وَقَالَ كُلُّ مَنْ لَمْ يُوجِبِ الْقِصَاصَ وَاقْتَصَرَ عَلَى الدِّيَةِ يَبْدَأُ بِيَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ إِلَّا الشَّافِعِيَّ وَأَحْمَدَ فَقَالَا بِقَوْلِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي فَإِنْ نَكَلَ رُدَّتْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ قِصَاصٌ وَلَا دِيَةٌ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى حَتَّى تَقْتَرِنَ بِهَا شُبْهَةٌ يُغَلَّبُ الظَّنُّ بِهَا وَاخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الشُّبْهَةِ الْمُعْتَبَرَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَسَامَةِ وَلَهَا سَبْعُ صُوَرٍ الْأُولَى أَنْ يَقُولَ الْمَقْتُولُ فِي حَيَاتِهِ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ وَهُوَ قَتَلَنِي أَوْ ضَرَبَنِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ أَثَرٌ أَوْ فَعَلَ بِي هَذَا مِنْ إِنْفَاذِ مَقَاتِلِي أَوْ جَرَحَنِي وَيَذْكُرُ الْعَمْدَ فَهَذَا مُوجِبٌ لِلْقَسَامَةِ عِنْدَ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ وَادَّعَى مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ مِمَّا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا قَالَ الْقَاضِي وَلَمْ يَقُلْ بِهَذَا مِنْ فُقَهَاءِ الأمصار غيرهما ولا روى عن غيرهما وخالف فِي ذَلِكَ الْعُلَمَاءَ كَافَّةً فَلَمْ يَرَ أَحَدٌ غيرهما في هذا أقسامه وَاشْتَرَطَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وُجُودَ الْأَثَرِ وَالْجُرْحِ فِي كَوْنِهِ قَسَامَةً وَاحْتَجَّمَالِكٌ فِي ذَلِكَ بِقَضِيَّةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقَوْلِهِ تَعَالَى فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الموتى قَالُوا فَحَيِيَ الرَّجُلُ فَأَخْبَرَ بِقَاتِلِهِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُ مَالِكٍ أَيْضًا بِأَنَّ تِلْكَ حَالَةٌ يُطْلَبُ بهَا غَفْلَةُ النَّاسِ فَلَوْ شَرَطْنَا الشَّهَادَةَ وَأَبْطَلْنَا قَوْلَ الْمَجْرُوحِ أَدَّى ذَلِكَ إِلَى إِبْطَالِ الدِّمَاءِ غَالِبًا قَالُوا وَلِأَنَّهَا حَالَةٌ يَتَحَرَّى فِيهَا الْمَجْرُوحُ الصِّدْقَ وَيَتَجَنَّبُ الْكَذِبَ وَالْمَعَاصِيَ وَيَتَزَوَّدُ الْبِرَّ وَالتَّقْوَى فَوَجَبَ قَبُولُ قَوْلِهِ وَاخْتَلَفَ الْمَالِكِيَّةُ فِي أَنَّهُ هَلْ يُكْتَفَى فِي الشَّهَادَةِ عَلَى قَوْلِهِ بِشَاهِدٍ أَمْ لابد مِنَ اثْنَيْنِ الثَّانِيَةُ اللَّوْثُ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ عَلَى مُعَايَنَةِ الْقَتْلِ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ وَمِنَ اللَّوْثِ شَهَادَةُ الْعَدْلِ وَحْدَهُ وَكَذَا قول جماعة ليسوا عدولا الثالثة إِذَا شَهِدَ عَدْلَانِ بِالْجُرْحِ فَعَاشَ بَعْدَهُ أَيَّامًا ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُفِيقَ مِنْهُ قَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ هُوَ لَوْثٌ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حنيفة رضي الله عنه لاقسامة هُنَا بَلْ يَجِبُ الْقِصَاصُ بِشَهَادَةِ الْعَدْلَيْنِ الرَّابِعَةُ يُوجَدُ الْمُتَّهَمُ عِنْدَ الْمَقْتُولِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ أَوْ آتِيًا مِنْ جِهَتِهِ وَمَعَهُ آلَةُ الْقَتْلِ وعليه أثره من لطخ دم وغيره وَلَيْسَ هُنَاكَ سَبْعٌ وَلَا غَيْرُهُ مِمَّا يُمْكِنُ إِحَالَةُ الْقَتْلِ عَلَيْهِ أَوْ تَفَرَّقَ جَمَاعَةٌ عَنْ قَتِيلٍ فَهَذَا لَوْثٌ مُوجِبٌ لِلْقَسَامَةِ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ الْخَامِسَةُ أَنْ يَقْتَتِلَ طَائِفَتَانِ فَيُوجَدُ بَيْنَهُمَا قَتِيلٌ فَفِيهِ الْقَسَامَةُ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وإسحاق وعن مالك رواية لإقسامه بَلْ فِيهِ دِيَةٌ عَلَى الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى إِنْ كَانَ مِنْ أَحَدِ الطَّائِفَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِمَا فَعَلَى الطَّائِفَتَيْنِ دِيَتُهُ السَّادِسَةُ يُوجَدُ الْمَيِّتُ فِي زَحْمَةِ النَّاسِ قَالَ الشَّافِعِيُّ تَثْبُتُ فِيهِ الْقَسَامَةُ وَتَجِبُ بِهَا الدِّيَةُ.
وَقَالَ مَالِكٌ هُوَ هدر وقال الثوري واسحاق تجب دية فِي بَيْتِ الْمَالِ وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ عُمَرَ وعلى السابعة أَنْ يُوجَدَ فِي مَحَلَّةِ قَوْمٍ أَوْ قَبِيلَتِهِمْ أَوْ مَسْجِدِهِمْ فَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَدَاوُدُ وَغَيْرُهُمْ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ هَذَا قَسَامَةٌ بَلِ الْقَتْلُ هَدَرٌ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْتُلُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ وَيُلْقِيهِ فِي مَحَلَّةِ طَائِفَةٍ لِيُنْسَبَ إِلَيْهِمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلَّةِ أعدائه لا يغالطهم غَيْرُهُمْ فَيَكُونُ كَالْقِصَّةِ الَّتِي جَرَتْ بِخَيْبَرَ فَحَكَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقَسَامَةِ لِوَرَثَةِ الْقَتِيلِ لِمَا كَانَ بَيْنَ الْأَنْصَارِ وَبَيْنَ الْيَهُودِ مِنَ الْعَدَاوَةِ وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ سِوَاهُمْ وَعَنْ أَحْمَدَ نَحْوَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَمُعْظَمُ الْكُوفِيِّينَ وُجُودُ الْقَتِيلِ فِي الْمَحَلَّةِ وَالْقَرْيَةِ يُوجِبُ الْقَسَامَةَ وَلَا تَثْبُتُ الْقَسَامَةُ عِنْدَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنَ الصُّوَرِ السَّبْعِ السَّابِقَةِ إِلَّا هُنَا لِأَنَّهَا عِنْدَهُمْ هِيَ الصُّورَةُ الَّتِي حَكَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا بِالْقَسَامَةِ وَلَا قَسَامَةَ عِنْدَهُمْ إِلَّا إِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ وَبِهِ أَثَرٌ قَالُوا فَإِنْ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي الْمَسْجِدِ حَلَفَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ وَوَجَبَتِ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَذَلِكَ إِذَا ادَّعَوْا عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وُجُودُالْقَتِيلِ فِي الْمَحَلَّةِ يُوجِبُ الْقَسَامَةَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَثَرٌ وَنَحْوُهُ عَنْ دَاوُدَ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ ( فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَتَكَلَّمُ قَبْلَ صَاحِبِهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبِّرِ الْكُبْرُ فِي السِّنِّ فَصَمَتَ وَتَكَلَّمَ صَاحِبَاهُ وَتَكَلَّمَ مَعَهُمَا) مَعْنَى هَذَا أَنَّ الْمَقْتُولَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَلَهُ أَخٌ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَلَهُمَا ابْنَا عَمٍّ وَهُمَا مُحَيِّصَةُ وَحُوَيِّصَةُ وَهُمَا أَكْبَرُ سِنًّا مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَلَمَّا أَرَادَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَخُو الْقَتِيلِ أَنْ يَتَكَلَّمَ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبِّرْ أَيْ يَتَكَلَّمُ أَكْبَرُ مِنْكَ وَاعْلَمْ أَنَّ حَقِيقَةَ الدَّعْوَى إِنَّمَا هِيَ لِأَخِيهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَا حَقَّ فِيهَا لِابْنَيْ عَمِّهِ وَإِنَّمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَكَلَّمَ الْأَكْبَرُ وَهُوَ حُوَيِّصَةُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنِ الْمُرَادُ بِكَلَامِهِ حَقِيقَةَ الدَّعْوَى بَلْ سَمَاعَ صُورَةِ الْقِصَّةِ وَكَيْفَ جَرَتْ فَإِذَا أَرَادَ حَقِيقَةَ الدَّعْوَى تَكَلَّمَ صَاحِبُهَا وَيَحْتَمِلُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَكَّلَ حُوَيِّصَةَ فِي الدَّعْوَى وَمُسَاعَدَتِهِ أَوْ أُمِرَ بِتَوْكِيلِهِ وَفِي هَذَا فَضِيلَةُ السِّنِّ عِنْدَ التَّسَاوِي فِي الْفَضَائِلِ وَلِهَذَا نَظَائِرُ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ بِهَا فِي الْإِمَامَةِ وَفِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ نَدْبًا وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَولُهُ الْكُبْرَ فِي السِّنِّ مَعْنَاهُ يُرِيدُ الْكُبْرَ فِي السِّنِّ وَالْكُبْرُ مَنْصُوبٌ بِإِضْمَارِ يُرِيدُ وَنَحْوِهَا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لِلْكُبْرِ بِاللَّامِ وَهُوَ صَحِيحٌ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَتَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا فَتَسْتَحِقُّونَ صَاحِبَكُمْ أَوْ قَاتِلَكُمْ) قَدْ يُقَالُ كَيْفَ عُرِضَتِ الْيَمِينُ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْيَمِينُ لِلْوَارِثِ خَاصَّةً وَالْوَارِثُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ خَاصَّةً وَهُوَ أَخُو الْقَتِيلِ.
.
وَأَمَّا الْآخَرَانِ فَابْنَا عَمٍّ لَا مِيرَاثَ لَهُمَا مَعَ الْأَخِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ أَنَّ الْيَمِينَ تَخْتَصُّ بِالْوَارِثِ فَأَطْلَقَ الْخِطَابَ لَهُمْ وَالْمُرَادُ مَنْ تَخْتَصُّ بِهِ الْيَمِينُ وَاحْتَمَلَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا لِلْمُخَاطَبِينَ كَمَا سَمِعَ كَلَامَ الْجَمِيعِ فِي صُورَةِ قَتْلِهِ وَكَيْفِيَّةِ مَا جَرَى لَهُ وَإِنْ كَانَتْ حَقِيقَةُ الدَّعْوَى وَقْتَ الْحَاجَةِ مُخْتَصَّةً بِالْوَارِثِ.
.
وَأَمَّا .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتستحقونقَاتِلَكُمْ أَوْ صَاحِبَكُمْ فَمَعْنَاهُ يَثْبُتُ حَقُّكُمْ عَلَى مَنْ حَلَفْتُمْ عَلَيْهِ وَهَلْ ذَلِكَ الْحَقُّ قِصَاصٌ أَوْ دِيَةٌ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ إِنَّمَا يَجُوزُ لَهُمُ الْحَلِفُ إِذَا عَلِمُوا أَوْ ظَنُّوا ذَلِكَ وَإِنَّمَا عَرَضَ عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَمِينَ إِنْ وُجِدَ فِيهِمْ هَذَا الشَّرْطَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْإِذْنَ لَهُمْ فِي الْحَلِفِ مِنْ غَيْرِ ظَنٍّ وَلِهَذَا قَالُوا كَيْفَ نَحْلِفُ وَلَمْ نَشْهَدْ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا) أَيْ تَبْرَأُ إِلَيْكُمْ مِنْ دَعْوَاكُمْ بِخَمْسِينَ يَمِينًا وَقِيلَ مَعْنَاهُ يُخَلِّصُونَكُمْ مِنَ الْيَمِينِ بِأَنْ يَحْلِفُوا فَإِذَا حَلَفُوا انْتَهَتِ الْخُصُومَةُ وَلَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ وَخَلَصْتُمْ أَنْتُمْ مِنَ الْيَمِينِ وَفِي هَذَا دليل لصحة يمين الكافر والفاسق ويهود مَرْفُوعٌ غَيْرُ مُنَوَّنٍ لَا يَنْصَرِفُ لِأَنَّهُ اسْمُ للقبيلة وَالطَّائِفَةِ فَفِيهِ التَّأْنِيثُ وَالْعَلَمِيَّةُ .
قَوْلُهُ ( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى عَقْلَهُ) أَيْ دِيَتُهُ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قِبَلِهِ وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ عِنْدِهِ فَ.
قَوْلُهُ وَدَاهُ بِتَخْفِيفِ الدَّالِ أَيْ دَفَعَ دِيَتَهُ وَفِي رِوَايَةٍ فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبْطِلَ دَمَهُ فَوَدَاهُ مِائَةً مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ إِنَّمَا وَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطْعًا لِلنِّزَاعِ وَإِصْلَاحًا لِذَاتِ الْبَيْنَ فَإِنَّ أَهْلَ الْقَتِيلِ لَا يَسْتَحِقُّونَ إِلَّا أَنْ يَحْلِفُوا أَوْ يَسْتَحْلِفُوا الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ وَقَدِ امْتَنَعُوا مِنَ الْأَمْرَيْنِ وَهُمْ مَكْسُورُونَ بِقَتْلِ صَاحِبِهِمْ فَأَرَادَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَبْرَهُمْ وَقَطْعَ الْمُنَازَعَةِ وَإِصْلَاحَ ذَاتِ البينبدفع ديته من عنده وقوله فَوَدَاهُ مِنْ عِنْدِهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ خَالِصِ مَالِهِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ صَادَفَ ذَلِكَ عِنْدَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ وَمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ.
.
وَأَمَّا .
قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِنَّهَا غَلَطٌ مِنَ الرُّوَاةِ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ الْمَفْرُوضَةَ لَا تُصْرَفُ هَذَا الْمَصْرِفَ بَلْ هِيَ لِأَصْنَافٍ سَمَّاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا يَجُوزُ صَرْفُهَا مِنْ إِبِلِ الزَّكَاةِ لِهَذَا الْحَدِيثِ فَأَخَذَ بِظَاهِرِهِ.
وَقَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ مَعْنَاهُ اشْتَرَاهُ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ بَعْدَ أَنْ مَلَكُوهَا ثُمَّ دَفَعَهَا تَبَرُّعًا إِلَى أهل القتيل وحكى القاضي عن بعض العلماءأنه يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ فِي مَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَتَأَوَّلَ هذا الحديث عليه وتأوله بعضهم علىأن أولياء القتيل كانوا محتاجين ممن تُبَاحُ لَهُمُ الزَّكَاةُ وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَاطِلٌ لِأَنَّ هَذَا قَدْرٌ كَثِيرٌ لَا يُدْفَعُ إِلَى الْوَاحِدِ الحامل مِنَ الزَّكَاةِ بِخِلَافِ أَشْرَافِ الْقَبَائِلِ وَلِأَنَّهُ سَمَّاهُ دِيَةً وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ دَفَعَهُ مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ مِنَ الزَّكَاةِ اسْتِئْلَافًا لِلْيَهُودِ لَعَلَّهُمْ يُسْلِمُونَ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا يَجُوزُ صَرْفُهَا إِلَى كَافِرٍ فَالْمُخْتَارُ مَا حَكَيْنَاهُ عَنِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ مُرَاعَاةُ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَالِاهْتِمَامُ بِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ وَفِيهِ إِثْبَاتُ الْقَسَامَةِ وَفِيهِ الِابْتِدَاءُ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي فِي الْقَسَامَةِ وَفِيهِ رَدُّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِذَا نَكَلَ الْمُدَّعِي فِي الْقَسَامَةِ وَفِيهِ جَوَازُ الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ وَسَمَاعُ الدَّعْوَى فِي الدِّمَاءِ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ الْخَصْمِ وَفِيهِ جَوَازُ الْيَمِينِ بِالظَّنِّ وَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ وَفِيهِ أَنَّ الْحُكْمَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ يَكُونُ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ) هَذَا مِمَّا يَجِبُ تَأْوِيلُهُ لِأَنَّ الْيَمِينَ إِنَّمَا تَكُونُ عَلَى الْوَارِثِ خَاصَّةً لَا على غيره من القبيلةوتأويله عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّ مَعْنَاهُ يُؤْخَذُ مِنْكُمْ خَمْسُونَ يَمِينًا وَالْحَالِفُ هُمُ الْوَرَثَةُ فَلَا يَحْلِفُ أَحَدٌ مِنَ الْأَقَارِبِ غَيْرُ الْوَرَثَةِ يَحْلِفُ كُلُّ الْوَرَثَةِ ذُكُورًا كَانُوا أَوْ إِنَاثًا سَوَاءٌ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قال أبو ثور وبن الْمُنْذِرِ وَوَافَقَنَا مَالِكٌ فِيمَا إِذَا كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً.
.
وَأَمَّا فِي الْعَمْدِ فَقَالَ يَحْلِفُ الْأَقَارِبُ خَمْسِينَ يَمِينًا وَلَا تَحْلِفُ النِّسَاءُ وَلَا الصِّبْيَانُ وَوَافَقَهُ رَبِيعَةُ وَاللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَدَاوُدُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا فَتَسْتَحِقُّونَ صَاحِبَكُمْ فَجَعَلَ الْحَالِفَ هُوَ الْمُسْتَحِقَّ لِلدِّيَةِ وَالْقِصَاصِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ غير الوارثلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا فَدَلَّ أَنَّ الْمُرَادَ عَلَى حلف مَنْ يَسْتَحِقُّ الدِّيَةَ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَيُدْفَعُ بِرُمَّتِهِ) الرُّمَّةُ بِضَمِّ الرَّاءِ الْحَبْلُ وَالْمُرَادُ هُنَا الْحَبْلُ الَّذِي يُرْبَطُ فِي رَقَبَةِ الْقَاتِلِ وَيُسَلَّمُ فِيهِ إِلَى وَلِيِّ الْقَتِيلِ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ إِنَّ الْقَسَامَةَ يَثْبُتُ فِيهَا الْقِصَاصُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ مَذْهَبِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ وَتَأَوَّلَهُ الْقَائِلُونَ لَا قِصَاصَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يُسَلَّمَ لِيُسْتَوْفَى مِنْهُ الدِّيَةُ لِكَوْنِهَا ثَبَتَتْ عَلَيْهِ وَفِيهِ أَنَّ الْقَسَامَةَ إِنَّمَا تَكُونُ عَلَى وَاحِدٍ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ.
وَقَالَ أَشْهَبُ وَغَيْرُهُ يحلف الأولياء على ما شاء وأولا يقتلوا إلا واحدا وقال الشافعي رضي الله عنه أن ادعوا على جماعة حلفوا عليهم وثبتت عليهم الدية على الصحيح عند الشَّافِعِيُّ وَعَلَى قَوْلٍ أَنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَيْهِمْ وَإِنْ حَلَفُوا عَلَى وَاحِدٍ اسْتَحَقُّوا عَلَيْهِ وَحْدَهُ .
قَوْلُهُ ( فَدَخَلْتُ مِرْبَدًا لَهُمْ يَوْمًا فَرَكَضَتْنِي نَاقَةٌ مِنْ تِلْكَ الْإِبِلِ رَكْضَةً بِرِجْلِهَا) الْمِرْبَدُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْبَاءِ هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ الْإِبِلُ وَتُحْبَسُ وَالرَّبْدُ الْحَبْسُ وَمَعْنَى رَكَضَتْنِي رَفَسَتْنِي وَأَرَادَ بِهَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ ضَبَطَ الْحَدِيثَوَحَفِظَهُ حِفْظًا بَلِيغًا .
قَوْلُهُ ( فَوُجِدَ فِي شَرَبَةٍ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ وَهُوَ حَوْضٌ يَكُونُ فِي أَصْلِ النَّخْلَةِ وَجَمْعُهُ شَرَبٌ كَثَمَرَةٍ وَثَمَرٌ .
قَوْلُهُ ( لَقَدْ رَكَضَتْنِي فَرِيضَةٌ مِنْ تِلْكَ الْفَرَائِضِ) الْمُرَادُ بِالْفَرِيضَةِ هُنَا النَّاقَةُ مِنْ تِلْكَ النُّوقِ الْمَفْرُوضَةِ فِي الدِّيَةِ وَتُسَمَّى الْمَدْفُوعَةَ فِي الزَّكَاةِ أَوْ فِي الدِّيَةِ فَرِيضَةً لِأَنَّهَا مَفْرُوضَةٌ أَيْ مُقَدَّرَةٌ بِالسِّنِّ وَالْعَدَدِ.
.
وَأَمَّا قَوْلُ الْمَازِرِيِّ إِنَّ الْمُرَادَ بِالْفَرِيضَةِ هُنَاالنَّاقَةُ الْهَرِمَةُ فَقَدْ غَلِطَ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ ( فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبْطِلَ دَمَهُ فَوَدَاهُ مِائَةً مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ) هَذَا آخِرُ الْفَوَاتِ الَّذِي لَمْ يَسْمَعْهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُفْيَانَ مِنْ مُسْلِمٍ وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَ أَوَّلِهِ وَقَولُهُ عُقَيْبَ هَذَا حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ حَدَّثَنِي أَبُو لَيْلَى هُوَ أَوَّلُ سَمَاعِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سُفْيَانَ مِنْ مُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ هكذا هو في معظم النسخ وفي نسخة الحافظ بن عَسَاكِرَ أَنَّ آخِرَ الْفَوَاتِ آخِرُ حَدِيثِ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَأَوَّلُ السَّمَاعِ .
قَوْلُهُ عَقِبَهُ حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ .
قَوْلُهُ ( وَطُرِحَ فِي عَيْنٍ أَوْ فَقِيرٍ) الْفَقِيرُ هُنَا عَلَى لَفْظِ الْفَقِيرِ فِي الْآدَمِيِّينَ وَالْفَقِيرُهُنَا الْبِئْرُ الْقَرِيبَةُ الْقَعْرُ الْوَاسِعَةُ الْفَمُ وَقِيلَ هُوَ الْحَفِيرَةُ الَّتِي تَكُونُ حَوْلَ النَّخْلِ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ وَإِمَّا أَنْ يُؤْذَنُوا بِحَرْبٍ) مَعْنَاهُ إِنْ ثَبَتَ الْقَتْلُ عَلَيْهِمْ بِقَسَامَتِكُمْ فَإِمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ أَيْ يَدْفَعُوا إِلَيْكُمْ دِيَتَهُ وَإِمَّا أَنْ يُعْلِمُونَا أَنَّهُمْ مُمْتَنِعُونَ مِنَ الْتِزَامِ أَحْكَامِنَا فَيُنْتَقَضُوَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَدَاوُدَ وَهُوَ قول الشافعي في القديم وروى عن بن الزُّبَيْرِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ أَبُو الزِّنَادِ قُلْنَا بِهَا وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَافِرُونَ إِنِّي لَأَرَى أَنَّهُمْ أَلْفُ رَجُلٍ فَمَا اخْتَلَفَ مِنْهُمُ اثْنَانِ.
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْهِ لَا يَجِبُ بِهَا الْقِصَاصُ وَإِنَّمَا تَجِبُ الدِّيَةُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَعُثْمَانَ اللَّيْثِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَرُوِيَ أيضا عن أبي بكر وعمر وبن عَبَّاسٍ وَمُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ يَحْلِفُ فِي الْقَسَامَةِ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ يَحْلِفُ الْوَرَثَةُ وَيَجِبُ الْحَقُّ بِحَلِفِهِمْ خَمْسِينَ يَمِينًا وَاحْتَجُّوا بِهَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِالِابْتِدَاءِ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي وَهُوَ ثَابِتٌ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ صِحَاحٍ لَا تَنْدَفِعُ قَالَ مَالِكٌ الَّذِي أَجْمَعَتْ عليه الأئمة قديما وحديثا أن المدعين يبدؤن فِي الْقَسَامَةِ وَلِأَنَّ جَنَبَةَ الْمُدَّعِي صَارَتْ قَوِيَّةً بِاللَّوْثِ قَالَ الْقَاضِي وَضَعَّفَ هَؤُلَاءِ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى الِابْتِدَاءَ بِيَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ قَالَ أَهْلُ الْحَدِيثِ هَذِهِ الرِّوَايَةُ وَهْمٌ مِنَ الرَّاوِينَ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ الِابْتِدَاءَ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي وَلَمْ يَذْكُرْ رَدَّ الْيَمِينِ وَلِأَنَّ مَنْ رَوَى الِابْتِدَاءَ بِالْمُدَّعِينَ مَعَهُ زِيَادَةٌ وَرِوَايَاتُهَا صِحَاحٌ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ مَشْهُورَةٍ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهَا وَلَا تُعَارِضُهَا رِوَايَةُ مَنْ نَسِيَ.
وَقَالَ كُلُّ مَنْ لَمْ يُوجِبِ الْقِصَاصَ وَاقْتَصَرَ عَلَى الدِّيَةِ يَبْدَأُ بِيَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ إِلَّا الشَّافِعِيَّ وَأَحْمَدَ فَقَالَا بِقَوْلِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي فَإِنْ نَكَلَ رُدَّتْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ قِصَاصٌ وَلَا دِيَةٌ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى حَتَّى تَقْتَرِنَ بِهَا شُبْهَةٌ يُغَلَّبُ الظَّنُّ بِهَا وَاخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الشُّبْهَةِ الْمُعْتَبَرَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَسَامَةِ وَلَهَا سَبْعُ صُوَرٍ الْأُولَى أَنْ يَقُولَ الْمَقْتُولُ فِي حَيَاتِهِ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ وَهُوَ قَتَلَنِي أَوْ ضَرَبَنِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ أَثَرٌ أَوْ فَعَلَ بِي هَذَا مِنْ إِنْفَاذِ مَقَاتِلِي أَوْ جَرَحَنِي وَيَذْكُرُ الْعَمْدَ فَهَذَا مُوجِبٌ لِلْقَسَامَةِ عِنْدَ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ وَادَّعَى مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ مِمَّا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا قَالَ الْقَاضِي وَلَمْ يَقُلْ بِهَذَا مِنْ فُقَهَاءِ الأمصار غيرهما ولا روى عن غيرهما وخالف فِي ذَلِكَ الْعُلَمَاءَ كَافَّةً فَلَمْ يَرَ أَحَدٌ غيرهما في هذا أقسامه وَاشْتَرَطَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وُجُودَ الْأَثَرِ وَالْجُرْحِ فِي كَوْنِهِ قَسَامَةً وَاحْتَجَّمَالِكٌ فِي ذَلِكَ بِقَضِيَّةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقَوْلِهِ تَعَالَى فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الموتى قَالُوا فَحَيِيَ الرَّجُلُ فَأَخْبَرَ بِقَاتِلِهِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُ مَالِكٍ أَيْضًا بِأَنَّ تِلْكَ حَالَةٌ يُطْلَبُ بهَا غَفْلَةُ النَّاسِ فَلَوْ شَرَطْنَا الشَّهَادَةَ وَأَبْطَلْنَا قَوْلَ الْمَجْرُوحِ أَدَّى ذَلِكَ إِلَى إِبْطَالِ الدِّمَاءِ غَالِبًا قَالُوا وَلِأَنَّهَا حَالَةٌ يَتَحَرَّى فِيهَا الْمَجْرُوحُ الصِّدْقَ وَيَتَجَنَّبُ الْكَذِبَ وَالْمَعَاصِيَ وَيَتَزَوَّدُ الْبِرَّ وَالتَّقْوَى فَوَجَبَ قَبُولُ قَوْلِهِ وَاخْتَلَفَ الْمَالِكِيَّةُ فِي أَنَّهُ هَلْ يُكْتَفَى فِي الشَّهَادَةِ عَلَى قَوْلِهِ بِشَاهِدٍ أَمْ لابد مِنَ اثْنَيْنِ الثَّانِيَةُ اللَّوْثُ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ عَلَى مُعَايَنَةِ الْقَتْلِ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ وَمِنَ اللَّوْثِ شَهَادَةُ الْعَدْلِ وَحْدَهُ وَكَذَا قول جماعة ليسوا عدولا الثالثة إِذَا شَهِدَ عَدْلَانِ بِالْجُرْحِ فَعَاشَ بَعْدَهُ أَيَّامًا ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُفِيقَ مِنْهُ قَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ هُوَ لَوْثٌ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حنيفة رضي الله عنه لاقسامة هُنَا بَلْ يَجِبُ الْقِصَاصُ بِشَهَادَةِ الْعَدْلَيْنِ الرَّابِعَةُ يُوجَدُ الْمُتَّهَمُ عِنْدَ الْمَقْتُولِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ أَوْ آتِيًا مِنْ جِهَتِهِ وَمَعَهُ آلَةُ الْقَتْلِ وعليه أثره من لطخ دم وغيره وَلَيْسَ هُنَاكَ سَبْعٌ وَلَا غَيْرُهُ مِمَّا يُمْكِنُ إِحَالَةُ الْقَتْلِ عَلَيْهِ أَوْ تَفَرَّقَ جَمَاعَةٌ عَنْ قَتِيلٍ فَهَذَا لَوْثٌ مُوجِبٌ لِلْقَسَامَةِ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ الْخَامِسَةُ أَنْ يَقْتَتِلَ طَائِفَتَانِ فَيُوجَدُ بَيْنَهُمَا قَتِيلٌ فَفِيهِ الْقَسَامَةُ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وإسحاق وعن مالك رواية لإقسامه بَلْ فِيهِ دِيَةٌ عَلَى الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى إِنْ كَانَ مِنْ أَحَدِ الطَّائِفَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِمَا فَعَلَى الطَّائِفَتَيْنِ دِيَتُهُ السَّادِسَةُ يُوجَدُ الْمَيِّتُ فِي زَحْمَةِ النَّاسِ قَالَ الشَّافِعِيُّ تَثْبُتُ فِيهِ الْقَسَامَةُ وَتَجِبُ بِهَا الدِّيَةُ.
وَقَالَ مَالِكٌ هُوَ هدر وقال الثوري واسحاق تجب دية فِي بَيْتِ الْمَالِ وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ عُمَرَ وعلى السابعة أَنْ يُوجَدَ فِي مَحَلَّةِ قَوْمٍ أَوْ قَبِيلَتِهِمْ أَوْ مَسْجِدِهِمْ فَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَدَاوُدُ وَغَيْرُهُمْ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ هَذَا قَسَامَةٌ بَلِ الْقَتْلُ هَدَرٌ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْتُلُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ وَيُلْقِيهِ فِي مَحَلَّةِ طَائِفَةٍ لِيُنْسَبَ إِلَيْهِمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلَّةِ أعدائه لا يغالطهم غَيْرُهُمْ فَيَكُونُ كَالْقِصَّةِ الَّتِي جَرَتْ بِخَيْبَرَ فَحَكَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقَسَامَةِ لِوَرَثَةِ الْقَتِيلِ لِمَا كَانَ بَيْنَ الْأَنْصَارِ وَبَيْنَ الْيَهُودِ مِنَ الْعَدَاوَةِ وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ سِوَاهُمْ وَعَنْ أَحْمَدَ نَحْوَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَمُعْظَمُ الْكُوفِيِّينَ وُجُودُ الْقَتِيلِ فِي الْمَحَلَّةِ وَالْقَرْيَةِ يُوجِبُ الْقَسَامَةَ وَلَا تَثْبُتُ الْقَسَامَةُ عِنْدَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنَ الصُّوَرِ السَّبْعِ السَّابِقَةِ إِلَّا هُنَا لِأَنَّهَا عِنْدَهُمْ هِيَ الصُّورَةُ الَّتِي حَكَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا بِالْقَسَامَةِ وَلَا قَسَامَةَ عِنْدَهُمْ إِلَّا إِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ وَبِهِ أَثَرٌ قَالُوا فَإِنْ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي الْمَسْجِدِ حَلَفَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ وَوَجَبَتِ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَذَلِكَ إِذَا ادَّعَوْا عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وُجُودُالْقَتِيلِ فِي الْمَحَلَّةِ يُوجِبُ الْقَسَامَةَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَثَرٌ وَنَحْوُهُ عَنْ دَاوُدَ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ ( فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَتَكَلَّمُ قَبْلَ صَاحِبِهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبِّرِ الْكُبْرُ فِي السِّنِّ فَصَمَتَ وَتَكَلَّمَ صَاحِبَاهُ وَتَكَلَّمَ مَعَهُمَا) مَعْنَى هَذَا أَنَّ الْمَقْتُولَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَلَهُ أَخٌ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَلَهُمَا ابْنَا عَمٍّ وَهُمَا مُحَيِّصَةُ وَحُوَيِّصَةُ وَهُمَا أَكْبَرُ سِنًّا مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَلَمَّا أَرَادَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَخُو الْقَتِيلِ أَنْ يَتَكَلَّمَ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبِّرْ أَيْ يَتَكَلَّمُ أَكْبَرُ مِنْكَ وَاعْلَمْ أَنَّ حَقِيقَةَ الدَّعْوَى إِنَّمَا هِيَ لِأَخِيهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَا حَقَّ فِيهَا لِابْنَيْ عَمِّهِ وَإِنَّمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَكَلَّمَ الْأَكْبَرُ وَهُوَ حُوَيِّصَةُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنِ الْمُرَادُ بِكَلَامِهِ حَقِيقَةَ الدَّعْوَى بَلْ سَمَاعَ صُورَةِ الْقِصَّةِ وَكَيْفَ جَرَتْ فَإِذَا أَرَادَ حَقِيقَةَ الدَّعْوَى تَكَلَّمَ صَاحِبُهَا وَيَحْتَمِلُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَكَّلَ حُوَيِّصَةَ فِي الدَّعْوَى وَمُسَاعَدَتِهِ أَوْ أُمِرَ بِتَوْكِيلِهِ وَفِي هَذَا فَضِيلَةُ السِّنِّ عِنْدَ التَّسَاوِي فِي الْفَضَائِلِ وَلِهَذَا نَظَائِرُ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ بِهَا فِي الْإِمَامَةِ وَفِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ نَدْبًا وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَولُهُ الْكُبْرَ فِي السِّنِّ مَعْنَاهُ يُرِيدُ الْكُبْرَ فِي السِّنِّ وَالْكُبْرُ مَنْصُوبٌ بِإِضْمَارِ يُرِيدُ وَنَحْوِهَا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لِلْكُبْرِ بِاللَّامِ وَهُوَ صَحِيحٌ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَتَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا فَتَسْتَحِقُّونَ صَاحِبَكُمْ أَوْ قَاتِلَكُمْ) قَدْ يُقَالُ كَيْفَ عُرِضَتِ الْيَمِينُ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْيَمِينُ لِلْوَارِثِ خَاصَّةً وَالْوَارِثُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ خَاصَّةً وَهُوَ أَخُو الْقَتِيلِ.
.
وَأَمَّا الْآخَرَانِ فَابْنَا عَمٍّ لَا مِيرَاثَ لَهُمَا مَعَ الْأَخِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ أَنَّ الْيَمِينَ تَخْتَصُّ بِالْوَارِثِ فَأَطْلَقَ الْخِطَابَ لَهُمْ وَالْمُرَادُ مَنْ تَخْتَصُّ بِهِ الْيَمِينُ وَاحْتَمَلَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا لِلْمُخَاطَبِينَ كَمَا سَمِعَ كَلَامَ الْجَمِيعِ فِي صُورَةِ قَتْلِهِ وَكَيْفِيَّةِ مَا جَرَى لَهُ وَإِنْ كَانَتْ حَقِيقَةُ الدَّعْوَى وَقْتَ الْحَاجَةِ مُخْتَصَّةً بِالْوَارِثِ.
.
وَأَمَّا .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتستحقونقَاتِلَكُمْ أَوْ صَاحِبَكُمْ فَمَعْنَاهُ يَثْبُتُ حَقُّكُمْ عَلَى مَنْ حَلَفْتُمْ عَلَيْهِ وَهَلْ ذَلِكَ الْحَقُّ قِصَاصٌ أَوْ دِيَةٌ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ إِنَّمَا يَجُوزُ لَهُمُ الْحَلِفُ إِذَا عَلِمُوا أَوْ ظَنُّوا ذَلِكَ وَإِنَّمَا عَرَضَ عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَمِينَ إِنْ وُجِدَ فِيهِمْ هَذَا الشَّرْطَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْإِذْنَ لَهُمْ فِي الْحَلِفِ مِنْ غَيْرِ ظَنٍّ وَلِهَذَا قَالُوا كَيْفَ نَحْلِفُ وَلَمْ نَشْهَدْ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا) أَيْ تَبْرَأُ إِلَيْكُمْ مِنْ دَعْوَاكُمْ بِخَمْسِينَ يَمِينًا وَقِيلَ مَعْنَاهُ يُخَلِّصُونَكُمْ مِنَ الْيَمِينِ بِأَنْ يَحْلِفُوا فَإِذَا حَلَفُوا انْتَهَتِ الْخُصُومَةُ وَلَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ وَخَلَصْتُمْ أَنْتُمْ مِنَ الْيَمِينِ وَفِي هَذَا دليل لصحة يمين الكافر والفاسق ويهود مَرْفُوعٌ غَيْرُ مُنَوَّنٍ لَا يَنْصَرِفُ لِأَنَّهُ اسْمُ للقبيلة وَالطَّائِفَةِ فَفِيهِ التَّأْنِيثُ وَالْعَلَمِيَّةُ .
قَوْلُهُ ( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى عَقْلَهُ) أَيْ دِيَتُهُ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قِبَلِهِ وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ عِنْدِهِ فَ.
قَوْلُهُ وَدَاهُ بِتَخْفِيفِ الدَّالِ أَيْ دَفَعَ دِيَتَهُ وَفِي رِوَايَةٍ فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبْطِلَ دَمَهُ فَوَدَاهُ مِائَةً مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ إِنَّمَا وَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطْعًا لِلنِّزَاعِ وَإِصْلَاحًا لِذَاتِ الْبَيْنَ فَإِنَّ أَهْلَ الْقَتِيلِ لَا يَسْتَحِقُّونَ إِلَّا أَنْ يَحْلِفُوا أَوْ يَسْتَحْلِفُوا الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ وَقَدِ امْتَنَعُوا مِنَ الْأَمْرَيْنِ وَهُمْ مَكْسُورُونَ بِقَتْلِ صَاحِبِهِمْ فَأَرَادَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَبْرَهُمْ وَقَطْعَ الْمُنَازَعَةِ وَإِصْلَاحَ ذَاتِ البينبدفع ديته من عنده وقوله فَوَدَاهُ مِنْ عِنْدِهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ خَالِصِ مَالِهِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ صَادَفَ ذَلِكَ عِنْدَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ وَمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ.
.
وَأَمَّا .
قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِنَّهَا غَلَطٌ مِنَ الرُّوَاةِ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ الْمَفْرُوضَةَ لَا تُصْرَفُ هَذَا الْمَصْرِفَ بَلْ هِيَ لِأَصْنَافٍ سَمَّاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا يَجُوزُ صَرْفُهَا مِنْ إِبِلِ الزَّكَاةِ لِهَذَا الْحَدِيثِ فَأَخَذَ بِظَاهِرِهِ.
وَقَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ مَعْنَاهُ اشْتَرَاهُ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ بَعْدَ أَنْ مَلَكُوهَا ثُمَّ دَفَعَهَا تَبَرُّعًا إِلَى أهل القتيل وحكى القاضي عن بعض العلماءأنه يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ فِي مَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَتَأَوَّلَ هذا الحديث عليه وتأوله بعضهم علىأن أولياء القتيل كانوا محتاجين ممن تُبَاحُ لَهُمُ الزَّكَاةُ وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَاطِلٌ لِأَنَّ هَذَا قَدْرٌ كَثِيرٌ لَا يُدْفَعُ إِلَى الْوَاحِدِ الحامل مِنَ الزَّكَاةِ بِخِلَافِ أَشْرَافِ الْقَبَائِلِ وَلِأَنَّهُ سَمَّاهُ دِيَةً وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ دَفَعَهُ مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ مِنَ الزَّكَاةِ اسْتِئْلَافًا لِلْيَهُودِ لَعَلَّهُمْ يُسْلِمُونَ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا يَجُوزُ صَرْفُهَا إِلَى كَافِرٍ فَالْمُخْتَارُ مَا حَكَيْنَاهُ عَنِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ مُرَاعَاةُ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَالِاهْتِمَامُ بِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ وَفِيهِ إِثْبَاتُ الْقَسَامَةِ وَفِيهِ الِابْتِدَاءُ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي فِي الْقَسَامَةِ وَفِيهِ رَدُّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِذَا نَكَلَ الْمُدَّعِي فِي الْقَسَامَةِ وَفِيهِ جَوَازُ الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ وَسَمَاعُ الدَّعْوَى فِي الدِّمَاءِ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ الْخَصْمِ وَفِيهِ جَوَازُ الْيَمِينِ بِالظَّنِّ وَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ وَفِيهِ أَنَّ الْحُكْمَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ يَكُونُ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ) هَذَا مِمَّا يَجِبُ تَأْوِيلُهُ لِأَنَّ الْيَمِينَ إِنَّمَا تَكُونُ عَلَى الْوَارِثِ خَاصَّةً لَا على غيره من القبيلةوتأويله عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّ مَعْنَاهُ يُؤْخَذُ مِنْكُمْ خَمْسُونَ يَمِينًا وَالْحَالِفُ هُمُ الْوَرَثَةُ فَلَا يَحْلِفُ أَحَدٌ مِنَ الْأَقَارِبِ غَيْرُ الْوَرَثَةِ يَحْلِفُ كُلُّ الْوَرَثَةِ ذُكُورًا كَانُوا أَوْ إِنَاثًا سَوَاءٌ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قال أبو ثور وبن الْمُنْذِرِ وَوَافَقَنَا مَالِكٌ فِيمَا إِذَا كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً.
.
وَأَمَّا فِي الْعَمْدِ فَقَالَ يَحْلِفُ الْأَقَارِبُ خَمْسِينَ يَمِينًا وَلَا تَحْلِفُ النِّسَاءُ وَلَا الصِّبْيَانُ وَوَافَقَهُ رَبِيعَةُ وَاللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَدَاوُدُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا فَتَسْتَحِقُّونَ صَاحِبَكُمْ فَجَعَلَ الْحَالِفَ هُوَ الْمُسْتَحِقَّ لِلدِّيَةِ وَالْقِصَاصِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ غير الوارثلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا فَدَلَّ أَنَّ الْمُرَادَ عَلَى حلف مَنْ يَسْتَحِقُّ الدِّيَةَ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَيُدْفَعُ بِرُمَّتِهِ) الرُّمَّةُ بِضَمِّ الرَّاءِ الْحَبْلُ وَالْمُرَادُ هُنَا الْحَبْلُ الَّذِي يُرْبَطُ فِي رَقَبَةِ الْقَاتِلِ وَيُسَلَّمُ فِيهِ إِلَى وَلِيِّ الْقَتِيلِ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ إِنَّ الْقَسَامَةَ يَثْبُتُ فِيهَا الْقِصَاصُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ مَذْهَبِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ وَتَأَوَّلَهُ الْقَائِلُونَ لَا قِصَاصَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يُسَلَّمَ لِيُسْتَوْفَى مِنْهُ الدِّيَةُ لِكَوْنِهَا ثَبَتَتْ عَلَيْهِ وَفِيهِ أَنَّ الْقَسَامَةَ إِنَّمَا تَكُونُ عَلَى وَاحِدٍ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ.
وَقَالَ أَشْهَبُ وَغَيْرُهُ يحلف الأولياء على ما شاء وأولا يقتلوا إلا واحدا وقال الشافعي رضي الله عنه أن ادعوا على جماعة حلفوا عليهم وثبتت عليهم الدية على الصحيح عند الشَّافِعِيُّ وَعَلَى قَوْلٍ أَنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَيْهِمْ وَإِنْ حَلَفُوا عَلَى وَاحِدٍ اسْتَحَقُّوا عَلَيْهِ وَحْدَهُ .
قَوْلُهُ ( فَدَخَلْتُ مِرْبَدًا لَهُمْ يَوْمًا فَرَكَضَتْنِي نَاقَةٌ مِنْ تِلْكَ الْإِبِلِ رَكْضَةً بِرِجْلِهَا) الْمِرْبَدُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْبَاءِ هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ الْإِبِلُ وَتُحْبَسُ وَالرَّبْدُ الْحَبْسُ وَمَعْنَى رَكَضَتْنِي رَفَسَتْنِي وَأَرَادَ بِهَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ ضَبَطَ الْحَدِيثَوَحَفِظَهُ حِفْظًا بَلِيغًا .
قَوْلُهُ ( فَوُجِدَ فِي شَرَبَةٍ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ وَهُوَ حَوْضٌ يَكُونُ فِي أَصْلِ النَّخْلَةِ وَجَمْعُهُ شَرَبٌ كَثَمَرَةٍ وَثَمَرٌ .
قَوْلُهُ ( لَقَدْ رَكَضَتْنِي فَرِيضَةٌ مِنْ تِلْكَ الْفَرَائِضِ) الْمُرَادُ بِالْفَرِيضَةِ هُنَا النَّاقَةُ مِنْ تِلْكَ النُّوقِ الْمَفْرُوضَةِ فِي الدِّيَةِ وَتُسَمَّى الْمَدْفُوعَةَ فِي الزَّكَاةِ أَوْ فِي الدِّيَةِ فَرِيضَةً لِأَنَّهَا مَفْرُوضَةٌ أَيْ مُقَدَّرَةٌ بِالسِّنِّ وَالْعَدَدِ.
.
وَأَمَّا قَوْلُ الْمَازِرِيِّ إِنَّ الْمُرَادَ بِالْفَرِيضَةِ هُنَاالنَّاقَةُ الْهَرِمَةُ فَقَدْ غَلِطَ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ ( فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبْطِلَ دَمَهُ فَوَدَاهُ مِائَةً مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ) هَذَا آخِرُ الْفَوَاتِ الَّذِي لَمْ يَسْمَعْهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُفْيَانَ مِنْ مُسْلِمٍ وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَ أَوَّلِهِ وَقَولُهُ عُقَيْبَ هَذَا حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ حَدَّثَنِي أَبُو لَيْلَى هُوَ أَوَّلُ سَمَاعِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سُفْيَانَ مِنْ مُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ هكذا هو في معظم النسخ وفي نسخة الحافظ بن عَسَاكِرَ أَنَّ آخِرَ الْفَوَاتِ آخِرُ حَدِيثِ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَأَوَّلُ السَّمَاعِ .
قَوْلُهُ عَقِبَهُ حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ .
قَوْلُهُ ( وَطُرِحَ فِي عَيْنٍ أَوْ فَقِيرٍ) الْفَقِيرُ هُنَا عَلَى لَفْظِ الْفَقِيرِ فِي الْآدَمِيِّينَ وَالْفَقِيرُهُنَا الْبِئْرُ الْقَرِيبَةُ الْقَعْرُ الْوَاسِعَةُ الْفَمُ وَقِيلَ هُوَ الْحَفِيرَةُ الَّتِي تَكُونُ حَوْلَ النَّخْلِ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ وَإِمَّا أَنْ يُؤْذَنُوا بِحَرْبٍ) مَعْنَاهُ إِنْ ثَبَتَ الْقَتْلُ عَلَيْهِمْ بِقَسَامَتِكُمْ فَإِمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ أَيْ يَدْفَعُوا إِلَيْكُمْ دِيَتَهُ وَإِمَّا أَنْ يُعْلِمُونَا أَنَّهُمْ مُمْتَنِعُونَ مِنَ الْتِزَامِ أَحْكَامِنَا فَيُنْتَقَضُوَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَدَاوُدَ وَهُوَ قول الشافعي في القديم وروى عن بن الزُّبَيْرِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ أَبُو الزِّنَادِ قُلْنَا بِهَا وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَافِرُونَ إِنِّي لَأَرَى أَنَّهُمْ أَلْفُ رَجُلٍ فَمَا اخْتَلَفَ مِنْهُمُ اثْنَانِ.
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْهِ لَا يَجِبُ بِهَا الْقِصَاصُ وَإِنَّمَا تَجِبُ الدِّيَةُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَعُثْمَانَ اللَّيْثِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَرُوِيَ أيضا عن أبي بكر وعمر وبن عَبَّاسٍ وَمُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ يَحْلِفُ فِي الْقَسَامَةِ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ يَحْلِفُ الْوَرَثَةُ وَيَجِبُ الْحَقُّ بِحَلِفِهِمْ خَمْسِينَ يَمِينًا وَاحْتَجُّوا بِهَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِالِابْتِدَاءِ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي وَهُوَ ثَابِتٌ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ صِحَاحٍ لَا تَنْدَفِعُ قَالَ مَالِكٌ الَّذِي أَجْمَعَتْ عليه الأئمة قديما وحديثا أن المدعين يبدؤن فِي الْقَسَامَةِ وَلِأَنَّ جَنَبَةَ الْمُدَّعِي صَارَتْ قَوِيَّةً بِاللَّوْثِ قَالَ الْقَاضِي وَضَعَّفَ هَؤُلَاءِ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى الِابْتِدَاءَ بِيَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ قَالَ أَهْلُ الْحَدِيثِ هَذِهِ الرِّوَايَةُ وَهْمٌ مِنَ الرَّاوِينَ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ الِابْتِدَاءَ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي وَلَمْ يَذْكُرْ رَدَّ الْيَمِينِ وَلِأَنَّ مَنْ رَوَى الِابْتِدَاءَ بِالْمُدَّعِينَ مَعَهُ زِيَادَةٌ وَرِوَايَاتُهَا صِحَاحٌ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ مَشْهُورَةٍ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهَا وَلَا تُعَارِضُهَا رِوَايَةُ مَنْ نَسِيَ.
وَقَالَ كُلُّ مَنْ لَمْ يُوجِبِ الْقِصَاصَ وَاقْتَصَرَ عَلَى الدِّيَةِ يَبْدَأُ بِيَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ إِلَّا الشَّافِعِيَّ وَأَحْمَدَ فَقَالَا بِقَوْلِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي فَإِنْ نَكَلَ رُدَّتْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ قِصَاصٌ وَلَا دِيَةٌ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى حَتَّى تَقْتَرِنَ بِهَا شُبْهَةٌ يُغَلَّبُ الظَّنُّ بِهَا وَاخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الشُّبْهَةِ الْمُعْتَبَرَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَسَامَةِ وَلَهَا سَبْعُ صُوَرٍ الْأُولَى أَنْ يَقُولَ الْمَقْتُولُ فِي حَيَاتِهِ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ وَهُوَ قَتَلَنِي أَوْ ضَرَبَنِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ أَثَرٌ أَوْ فَعَلَ بِي هَذَا مِنْ إِنْفَاذِ مَقَاتِلِي أَوْ جَرَحَنِي وَيَذْكُرُ الْعَمْدَ فَهَذَا مُوجِبٌ لِلْقَسَامَةِ عِنْدَ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ وَادَّعَى مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ مِمَّا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا قَالَ الْقَاضِي وَلَمْ يَقُلْ بِهَذَا مِنْ فُقَهَاءِ الأمصار غيرهما ولا روى عن غيرهما وخالف فِي ذَلِكَ الْعُلَمَاءَ كَافَّةً فَلَمْ يَرَ أَحَدٌ غيرهما في هذا أقسامه وَاشْتَرَطَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وُجُودَ الْأَثَرِ وَالْجُرْحِ فِي كَوْنِهِ قَسَامَةً وَاحْتَجَّمَالِكٌ فِي ذَلِكَ بِقَضِيَّةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقَوْلِهِ تَعَالَى فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الموتى قَالُوا فَحَيِيَ الرَّجُلُ فَأَخْبَرَ بِقَاتِلِهِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُ مَالِكٍ أَيْضًا بِأَنَّ تِلْكَ حَالَةٌ يُطْلَبُ بهَا غَفْلَةُ النَّاسِ فَلَوْ شَرَطْنَا الشَّهَادَةَ وَأَبْطَلْنَا قَوْلَ الْمَجْرُوحِ أَدَّى ذَلِكَ إِلَى إِبْطَالِ الدِّمَاءِ غَالِبًا قَالُوا وَلِأَنَّهَا حَالَةٌ يَتَحَرَّى فِيهَا الْمَجْرُوحُ الصِّدْقَ وَيَتَجَنَّبُ الْكَذِبَ وَالْمَعَاصِيَ وَيَتَزَوَّدُ الْبِرَّ وَالتَّقْوَى فَوَجَبَ قَبُولُ قَوْلِهِ وَاخْتَلَفَ الْمَالِكِيَّةُ فِي أَنَّهُ هَلْ يُكْتَفَى فِي الشَّهَادَةِ عَلَى قَوْلِهِ بِشَاهِدٍ أَمْ لابد مِنَ اثْنَيْنِ الثَّانِيَةُ اللَّوْثُ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ عَلَى مُعَايَنَةِ الْقَتْلِ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ وَمِنَ اللَّوْثِ شَهَادَةُ الْعَدْلِ وَحْدَهُ وَكَذَا قول جماعة ليسوا عدولا الثالثة إِذَا شَهِدَ عَدْلَانِ بِالْجُرْحِ فَعَاشَ بَعْدَهُ أَيَّامًا ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُفِيقَ مِنْهُ قَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ هُوَ لَوْثٌ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حنيفة رضي الله عنه لاقسامة هُنَا بَلْ يَجِبُ الْقِصَاصُ بِشَهَادَةِ الْعَدْلَيْنِ الرَّابِعَةُ يُوجَدُ الْمُتَّهَمُ عِنْدَ الْمَقْتُولِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ أَوْ آتِيًا مِنْ جِهَتِهِ وَمَعَهُ آلَةُ الْقَتْلِ وعليه أثره من لطخ دم وغيره وَلَيْسَ هُنَاكَ سَبْعٌ وَلَا غَيْرُهُ مِمَّا يُمْكِنُ إِحَالَةُ الْقَتْلِ عَلَيْهِ أَوْ تَفَرَّقَ جَمَاعَةٌ عَنْ قَتِيلٍ فَهَذَا لَوْثٌ مُوجِبٌ لِلْقَسَامَةِ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ الْخَامِسَةُ أَنْ يَقْتَتِلَ طَائِفَتَانِ فَيُوجَدُ بَيْنَهُمَا قَتِيلٌ فَفِيهِ الْقَسَامَةُ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وإسحاق وعن مالك رواية لإقسامه بَلْ فِيهِ دِيَةٌ عَلَى الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى إِنْ كَانَ مِنْ أَحَدِ الطَّائِفَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِمَا فَعَلَى الطَّائِفَتَيْنِ دِيَتُهُ السَّادِسَةُ يُوجَدُ الْمَيِّتُ فِي زَحْمَةِ النَّاسِ قَالَ الشَّافِعِيُّ تَثْبُتُ فِيهِ الْقَسَامَةُ وَتَجِبُ بِهَا الدِّيَةُ.
وَقَالَ مَالِكٌ هُوَ هدر وقال الثوري واسحاق تجب دية فِي بَيْتِ الْمَالِ وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ عُمَرَ وعلى السابعة أَنْ يُوجَدَ فِي مَحَلَّةِ قَوْمٍ أَوْ قَبِيلَتِهِمْ أَوْ مَسْجِدِهِمْ فَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَدَاوُدُ وَغَيْرُهُمْ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ هَذَا قَسَامَةٌ بَلِ الْقَتْلُ هَدَرٌ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْتُلُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ وَيُلْقِيهِ فِي مَحَلَّةِ طَائِفَةٍ لِيُنْسَبَ إِلَيْهِمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلَّةِ أعدائه لا يغالطهم غَيْرُهُمْ فَيَكُونُ كَالْقِصَّةِ الَّتِي جَرَتْ بِخَيْبَرَ فَحَكَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقَسَامَةِ لِوَرَثَةِ الْقَتِيلِ لِمَا كَانَ بَيْنَ الْأَنْصَارِ وَبَيْنَ الْيَهُودِ مِنَ الْعَدَاوَةِ وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ سِوَاهُمْ وَعَنْ أَحْمَدَ نَحْوَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَمُعْظَمُ الْكُوفِيِّينَ وُجُودُ الْقَتِيلِ فِي الْمَحَلَّةِ وَالْقَرْيَةِ يُوجِبُ الْقَسَامَةَ وَلَا تَثْبُتُ الْقَسَامَةُ عِنْدَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنَ الصُّوَرِ السَّبْعِ السَّابِقَةِ إِلَّا هُنَا لِأَنَّهَا عِنْدَهُمْ هِيَ الصُّورَةُ الَّتِي حَكَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا بِالْقَسَامَةِ وَلَا قَسَامَةَ عِنْدَهُمْ إِلَّا إِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ وَبِهِ أَثَرٌ قَالُوا فَإِنْ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي الْمَسْجِدِ حَلَفَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ وَوَجَبَتِ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَذَلِكَ إِذَا ادَّعَوْا عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وُجُودُالْقَتِيلِ فِي الْمَحَلَّةِ يُوجِبُ الْقَسَامَةَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَثَرٌ وَنَحْوُهُ عَنْ دَاوُدَ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ ( فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَتَكَلَّمُ قَبْلَ صَاحِبِهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبِّرِ الْكُبْرُ فِي السِّنِّ فَصَمَتَ وَتَكَلَّمَ صَاحِبَاهُ وَتَكَلَّمَ مَعَهُمَا) مَعْنَى هَذَا أَنَّ الْمَقْتُولَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَلَهُ أَخٌ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَلَهُمَا ابْنَا عَمٍّ وَهُمَا مُحَيِّصَةُ وَحُوَيِّصَةُ وَهُمَا أَكْبَرُ سِنًّا مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَلَمَّا أَرَادَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَخُو الْقَتِيلِ أَنْ يَتَكَلَّمَ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبِّرْ أَيْ يَتَكَلَّمُ أَكْبَرُ مِنْكَ وَاعْلَمْ أَنَّ حَقِيقَةَ الدَّعْوَى إِنَّمَا هِيَ لِأَخِيهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَا حَقَّ فِيهَا لِابْنَيْ عَمِّهِ وَإِنَّمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَكَلَّمَ الْأَكْبَرُ وَهُوَ حُوَيِّصَةُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنِ الْمُرَادُ بِكَلَامِهِ حَقِيقَةَ الدَّعْوَى بَلْ سَمَاعَ صُورَةِ الْقِصَّةِ وَكَيْفَ جَرَتْ فَإِذَا أَرَادَ حَقِيقَةَ الدَّعْوَى تَكَلَّمَ صَاحِبُهَا وَيَحْتَمِلُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَكَّلَ حُوَيِّصَةَ فِي الدَّعْوَى وَمُسَاعَدَتِهِ أَوْ أُمِرَ بِتَوْكِيلِهِ وَفِي هَذَا فَضِيلَةُ السِّنِّ عِنْدَ التَّسَاوِي فِي الْفَضَائِلِ وَلِهَذَا نَظَائِرُ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ بِهَا فِي الْإِمَامَةِ وَفِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ نَدْبًا وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَولُهُ الْكُبْرَ فِي السِّنِّ مَعْنَاهُ يُرِيدُ الْكُبْرَ فِي السِّنِّ وَالْكُبْرُ مَنْصُوبٌ بِإِضْمَارِ يُرِيدُ وَنَحْوِهَا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لِلْكُبْرِ بِاللَّامِ وَهُوَ صَحِيحٌ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَتَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا فَتَسْتَحِقُّونَ صَاحِبَكُمْ أَوْ قَاتِلَكُمْ) قَدْ يُقَالُ كَيْفَ عُرِضَتِ الْيَمِينُ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْيَمِينُ لِلْوَارِثِ خَاصَّةً وَالْوَارِثُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ خَاصَّةً وَهُوَ أَخُو الْقَتِيلِ.
.
وَأَمَّا الْآخَرَانِ فَابْنَا عَمٍّ لَا مِيرَاثَ لَهُمَا مَعَ الْأَخِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ أَنَّ الْيَمِينَ تَخْتَصُّ بِالْوَارِثِ فَأَطْلَقَ الْخِطَابَ لَهُمْ وَالْمُرَادُ مَنْ تَخْتَصُّ بِهِ الْيَمِينُ وَاحْتَمَلَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا لِلْمُخَاطَبِينَ كَمَا سَمِعَ كَلَامَ الْجَمِيعِ فِي صُورَةِ قَتْلِهِ وَكَيْفِيَّةِ مَا جَرَى لَهُ وَإِنْ كَانَتْ حَقِيقَةُ الدَّعْوَى وَقْتَ الْحَاجَةِ مُخْتَصَّةً بِالْوَارِثِ.
.
وَأَمَّا .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتستحقونقَاتِلَكُمْ أَوْ صَاحِبَكُمْ فَمَعْنَاهُ يَثْبُتُ حَقُّكُمْ عَلَى مَنْ حَلَفْتُمْ عَلَيْهِ وَهَلْ ذَلِكَ الْحَقُّ قِصَاصٌ أَوْ دِيَةٌ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ إِنَّمَا يَجُوزُ لَهُمُ الْحَلِفُ إِذَا عَلِمُوا أَوْ ظَنُّوا ذَلِكَ وَإِنَّمَا عَرَضَ عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَمِينَ إِنْ وُجِدَ فِيهِمْ هَذَا الشَّرْطَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْإِذْنَ لَهُمْ فِي الْحَلِفِ مِنْ غَيْرِ ظَنٍّ وَلِهَذَا قَالُوا كَيْفَ نَحْلِفُ وَلَمْ نَشْهَدْ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا) أَيْ تَبْرَأُ إِلَيْكُمْ مِنْ دَعْوَاكُمْ بِخَمْسِينَ يَمِينًا وَقِيلَ مَعْنَاهُ يُخَلِّصُونَكُمْ مِنَ الْيَمِينِ بِأَنْ يَحْلِفُوا فَإِذَا حَلَفُوا انْتَهَتِ الْخُصُومَةُ وَلَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ وَخَلَصْتُمْ أَنْتُمْ مِنَ الْيَمِينِ وَفِي هَذَا دليل لصحة يمين الكافر والفاسق ويهود مَرْفُوعٌ غَيْرُ مُنَوَّنٍ لَا يَنْصَرِفُ لِأَنَّهُ اسْمُ للقبيلة وَالطَّائِفَةِ فَفِيهِ التَّأْنِيثُ وَالْعَلَمِيَّةُ .
قَوْلُهُ ( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى عَقْلَهُ) أَيْ دِيَتُهُ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قِبَلِهِ وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ عِنْدِهِ فَ.
قَوْلُهُ وَدَاهُ بِتَخْفِيفِ الدَّالِ أَيْ دَفَعَ دِيَتَهُ وَفِي رِوَايَةٍ فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبْطِلَ دَمَهُ فَوَدَاهُ مِائَةً مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ إِنَّمَا وَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطْعًا لِلنِّزَاعِ وَإِصْلَاحًا لِذَاتِ الْبَيْنَ فَإِنَّ أَهْلَ الْقَتِيلِ لَا يَسْتَحِقُّونَ إِلَّا أَنْ يَحْلِفُوا أَوْ يَسْتَحْلِفُوا الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ وَقَدِ امْتَنَعُوا مِنَ الْأَمْرَيْنِ وَهُمْ مَكْسُورُونَ بِقَتْلِ صَاحِبِهِمْ فَأَرَادَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَبْرَهُمْ وَقَطْعَ الْمُنَازَعَةِ وَإِصْلَاحَ ذَاتِ البينبدفع ديته من عنده وقوله فَوَدَاهُ مِنْ عِنْدِهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ خَالِصِ مَالِهِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ صَادَفَ ذَلِكَ عِنْدَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ وَمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ.
.
وَأَمَّا .
قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِنَّهَا غَلَطٌ مِنَ الرُّوَاةِ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ الْمَفْرُوضَةَ لَا تُصْرَفُ هَذَا الْمَصْرِفَ بَلْ هِيَ لِأَصْنَافٍ سَمَّاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا يَجُوزُ صَرْفُهَا مِنْ إِبِلِ الزَّكَاةِ لِهَذَا الْحَدِيثِ فَأَخَذَ بِظَاهِرِهِ.
وَقَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ مَعْنَاهُ اشْتَرَاهُ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ بَعْدَ أَنْ مَلَكُوهَا ثُمَّ دَفَعَهَا تَبَرُّعًا إِلَى أهل القتيل وحكى القاضي عن بعض العلماءأنه يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ فِي مَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَتَأَوَّلَ هذا الحديث عليه وتأوله بعضهم علىأن أولياء القتيل كانوا محتاجين ممن تُبَاحُ لَهُمُ الزَّكَاةُ وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَاطِلٌ لِأَنَّ هَذَا قَدْرٌ كَثِيرٌ لَا يُدْفَعُ إِلَى الْوَاحِدِ الحامل مِنَ الزَّكَاةِ بِخِلَافِ أَشْرَافِ الْقَبَائِلِ وَلِأَنَّهُ سَمَّاهُ دِيَةً وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ دَفَعَهُ مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ مِنَ الزَّكَاةِ اسْتِئْلَافًا لِلْيَهُودِ لَعَلَّهُمْ يُسْلِمُونَ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا يَجُوزُ صَرْفُهَا إِلَى كَافِرٍ فَالْمُخْتَارُ مَا حَكَيْنَاهُ عَنِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ مُرَاعَاةُ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَالِاهْتِمَامُ بِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ وَفِيهِ إِثْبَاتُ الْقَسَامَةِ وَفِيهِ الِابْتِدَاءُ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي فِي الْقَسَامَةِ وَفِيهِ رَدُّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِذَا نَكَلَ الْمُدَّعِي فِي الْقَسَامَةِ وَفِيهِ جَوَازُ الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ وَسَمَاعُ الدَّعْوَى فِي الدِّمَاءِ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ الْخَصْمِ وَفِيهِ جَوَازُ الْيَمِينِ بِالظَّنِّ وَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ وَفِيهِ أَنَّ الْحُكْمَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ يَكُونُ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ) هَذَا مِمَّا يَجِبُ تَأْوِيلُهُ لِأَنَّ الْيَمِينَ إِنَّمَا تَكُونُ عَلَى الْوَارِثِ خَاصَّةً لَا على غيره من القبيلةوتأويله عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّ مَعْنَاهُ يُؤْخَذُ مِنْكُمْ خَمْسُونَ يَمِينًا وَالْحَالِفُ هُمُ الْوَرَثَةُ فَلَا يَحْلِفُ أَحَدٌ مِنَ الْأَقَارِبِ غَيْرُ الْوَرَثَةِ يَحْلِفُ كُلُّ الْوَرَثَةِ ذُكُورًا كَانُوا أَوْ إِنَاثًا سَوَاءٌ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قال أبو ثور وبن الْمُنْذِرِ وَوَافَقَنَا مَالِكٌ فِيمَا إِذَا كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً.
.
وَأَمَّا فِي الْعَمْدِ فَقَالَ يَحْلِفُ الْأَقَارِبُ خَمْسِينَ يَمِينًا وَلَا تَحْلِفُ النِّسَاءُ وَلَا الصِّبْيَانُ وَوَافَقَهُ رَبِيعَةُ وَاللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَدَاوُدُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا فَتَسْتَحِقُّونَ صَاحِبَكُمْ فَجَعَلَ الْحَالِفَ هُوَ الْمُسْتَحِقَّ لِلدِّيَةِ وَالْقِصَاصِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ غير الوارثلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا فَدَلَّ أَنَّ الْمُرَادَ عَلَى حلف مَنْ يَسْتَحِقُّ الدِّيَةَ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَيُدْفَعُ بِرُمَّتِهِ) الرُّمَّةُ بِضَمِّ الرَّاءِ الْحَبْلُ وَالْمُرَادُ هُنَا الْحَبْلُ الَّذِي يُرْبَطُ فِي رَقَبَةِ الْقَاتِلِ وَيُسَلَّمُ فِيهِ إِلَى وَلِيِّ الْقَتِيلِ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ إِنَّ الْقَسَامَةَ يَثْبُتُ فِيهَا الْقِصَاصُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ مَذْهَبِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ وَتَأَوَّلَهُ الْقَائِلُونَ لَا قِصَاصَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يُسَلَّمَ لِيُسْتَوْفَى مِنْهُ الدِّيَةُ لِكَوْنِهَا ثَبَتَتْ عَلَيْهِ وَفِيهِ أَنَّ الْقَسَامَةَ إِنَّمَا تَكُونُ عَلَى وَاحِدٍ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ.
وَقَالَ أَشْهَبُ وَغَيْرُهُ يحلف الأولياء على ما شاء وأولا يقتلوا إلا واحدا وقال الشافعي رضي الله عنه أن ادعوا على جماعة حلفوا عليهم وثبتت عليهم الدية على الصحيح عند الشَّافِعِيُّ وَعَلَى قَوْلٍ أَنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَيْهِمْ وَإِنْ حَلَفُوا عَلَى وَاحِدٍ اسْتَحَقُّوا عَلَيْهِ وَحْدَهُ .
قَوْلُهُ ( فَدَخَلْتُ مِرْبَدًا لَهُمْ يَوْمًا فَرَكَضَتْنِي نَاقَةٌ مِنْ تِلْكَ الْإِبِلِ رَكْضَةً بِرِجْلِهَا) الْمِرْبَدُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْبَاءِ هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ الْإِبِلُ وَتُحْبَسُ وَالرَّبْدُ الْحَبْسُ وَمَعْنَى رَكَضَتْنِي رَفَسَتْنِي وَأَرَادَ بِهَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ ضَبَطَ الْحَدِيثَوَحَفِظَهُ حِفْظًا بَلِيغًا .
قَوْلُهُ ( فَوُجِدَ فِي شَرَبَةٍ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ وَهُوَ حَوْضٌ يَكُونُ فِي أَصْلِ النَّخْلَةِ وَجَمْعُهُ شَرَبٌ كَثَمَرَةٍ وَثَمَرٌ .
قَوْلُهُ ( لَقَدْ رَكَضَتْنِي فَرِيضَةٌ مِنْ تِلْكَ الْفَرَائِضِ) الْمُرَادُ بِالْفَرِيضَةِ هُنَا النَّاقَةُ مِنْ تِلْكَ النُّوقِ الْمَفْرُوضَةِ فِي الدِّيَةِ وَتُسَمَّى الْمَدْفُوعَةَ فِي الزَّكَاةِ أَوْ فِي الدِّيَةِ فَرِيضَةً لِأَنَّهَا مَفْرُوضَةٌ أَيْ مُقَدَّرَةٌ بِالسِّنِّ وَالْعَدَدِ.
.
وَأَمَّا قَوْلُ الْمَازِرِيِّ إِنَّ الْمُرَادَ بِالْفَرِيضَةِ هُنَاالنَّاقَةُ الْهَرِمَةُ فَقَدْ غَلِطَ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ ( فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبْطِلَ دَمَهُ فَوَدَاهُ مِائَةً مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ) هَذَا آخِرُ الْفَوَاتِ الَّذِي لَمْ يَسْمَعْهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُفْيَانَ مِنْ مُسْلِمٍ وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَ أَوَّلِهِ وَقَولُهُ عُقَيْبَ هَذَا حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ حَدَّثَنِي أَبُو لَيْلَى هُوَ أَوَّلُ سَمَاعِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سُفْيَانَ مِنْ مُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ هكذا هو في معظم النسخ وفي نسخة الحافظ بن عَسَاكِرَ أَنَّ آخِرَ الْفَوَاتِ آخِرُ حَدِيثِ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَأَوَّلُ السَّمَاعِ .
قَوْلُهُ عَقِبَهُ حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ .
قَوْلُهُ ( وَطُرِحَ فِي عَيْنٍ أَوْ فَقِيرٍ) الْفَقِيرُ هُنَا عَلَى لَفْظِ الْفَقِيرِ فِي الْآدَمِيِّينَ وَالْفَقِيرُهُنَا الْبِئْرُ الْقَرِيبَةُ الْقَعْرُ الْوَاسِعَةُ الْفَمُ وَقِيلَ هُوَ الْحَفِيرَةُ الَّتِي تَكُونُ حَوْلَ النَّخْلِ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ وَإِمَّا أَنْ يُؤْذَنُوا بِحَرْبٍ) مَعْنَاهُ إِنْ ثَبَتَ الْقَتْلُ عَلَيْهِمْ بِقَسَامَتِكُمْ فَإِمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ أَيْ يَدْفَعُوا إِلَيْكُمْ دِيَتَهُ وَإِمَّا أَنْ يُعْلِمُونَا أَنَّهُمْ مُمْتَنِعُونَ مِنَ الْتِزَامِ أَحْكَامِنَا فَيُنْتَقَضُوَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَدَاوُدَ وَهُوَ قول الشافعي في القديم وروى عن بن الزُّبَيْرِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ أَبُو الزِّنَادِ قُلْنَا بِهَا وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَافِرُونَ إِنِّي لَأَرَى أَنَّهُمْ أَلْفُ رَجُلٍ فَمَا اخْتَلَفَ مِنْهُمُ اثْنَانِ.
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْهِ لَا يَجِبُ بِهَا الْقِصَاصُ وَإِنَّمَا تَجِبُ الدِّيَةُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَعُثْمَانَ اللَّيْثِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَرُوِيَ أيضا عن أبي بكر وعمر وبن عَبَّاسٍ وَمُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ يَحْلِفُ فِي الْقَسَامَةِ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ يَحْلِفُ الْوَرَثَةُ وَيَجِبُ الْحَقُّ بِحَلِفِهِمْ خَمْسِينَ يَمِينًا وَاحْتَجُّوا بِهَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِالِابْتِدَاءِ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي وَهُوَ ثَابِتٌ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ صِحَاحٍ لَا تَنْدَفِعُ قَالَ مَالِكٌ الَّذِي أَجْمَعَتْ عليه الأئمة قديما وحديثا أن المدعين يبدؤن فِي الْقَسَامَةِ وَلِأَنَّ جَنَبَةَ الْمُدَّعِي صَارَتْ قَوِيَّةً بِاللَّوْثِ قَالَ الْقَاضِي وَضَعَّفَ هَؤُلَاءِ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى الِابْتِدَاءَ بِيَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ قَالَ أَهْلُ الْحَدِيثِ هَذِهِ الرِّوَايَةُ وَهْمٌ مِنَ الرَّاوِينَ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ الِابْتِدَاءَ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي وَلَمْ يَذْكُرْ رَدَّ الْيَمِينِ وَلِأَنَّ مَنْ رَوَى الِابْتِدَاءَ بِالْمُدَّعِينَ مَعَهُ زِيَادَةٌ وَرِوَايَاتُهَا صِحَاحٌ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ مَشْهُورَةٍ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهَا وَلَا تُعَارِضُهَا رِوَايَةُ مَنْ نَسِيَ.
وَقَالَ كُلُّ مَنْ لَمْ يُوجِبِ الْقِصَاصَ وَاقْتَصَرَ عَلَى الدِّيَةِ يَبْدَأُ بِيَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ إِلَّا الشَّافِعِيَّ وَأَحْمَدَ فَقَالَا بِقَوْلِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي فَإِنْ نَكَلَ رُدَّتْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ قِصَاصٌ وَلَا دِيَةٌ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى حَتَّى تَقْتَرِنَ بِهَا شُبْهَةٌ يُغَلَّبُ الظَّنُّ بِهَا وَاخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الشُّبْهَةِ الْمُعْتَبَرَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَسَامَةِ وَلَهَا سَبْعُ صُوَرٍ الْأُولَى أَنْ يَقُولَ الْمَقْتُولُ فِي حَيَاتِهِ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ وَهُوَ قَتَلَنِي أَوْ ضَرَبَنِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ أَثَرٌ أَوْ فَعَلَ بِي هَذَا مِنْ إِنْفَاذِ مَقَاتِلِي أَوْ جَرَحَنِي وَيَذْكُرُ الْعَمْدَ فَهَذَا مُوجِبٌ لِلْقَسَامَةِ عِنْدَ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ وَادَّعَى مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ مِمَّا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا قَالَ الْقَاضِي وَلَمْ يَقُلْ بِهَذَا مِنْ فُقَهَاءِ الأمصار غيرهما ولا روى عن غيرهما وخالف فِي ذَلِكَ الْعُلَمَاءَ كَافَّةً فَلَمْ يَرَ أَحَدٌ غيرهما في هذا أقسامه وَاشْتَرَطَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وُجُودَ الْأَثَرِ وَالْجُرْحِ فِي كَوْنِهِ قَسَامَةً وَاحْتَجَّمَالِكٌ فِي ذَلِكَ بِقَضِيَّةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقَوْلِهِ تَعَالَى فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الموتى قَالُوا فَحَيِيَ الرَّجُلُ فَأَخْبَرَ بِقَاتِلِهِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُ مَالِكٍ أَيْضًا بِأَنَّ تِلْكَ حَالَةٌ يُطْلَبُ بهَا غَفْلَةُ النَّاسِ فَلَوْ شَرَطْنَا الشَّهَادَةَ وَأَبْطَلْنَا قَوْلَ الْمَجْرُوحِ أَدَّى ذَلِكَ إِلَى إِبْطَالِ الدِّمَاءِ غَالِبًا قَالُوا وَلِأَنَّهَا حَالَةٌ يَتَحَرَّى فِيهَا الْمَجْرُوحُ الصِّدْقَ وَيَتَجَنَّبُ الْكَذِبَ وَالْمَعَاصِيَ وَيَتَزَوَّدُ الْبِرَّ وَالتَّقْوَى فَوَجَبَ قَبُولُ قَوْلِهِ وَاخْتَلَفَ الْمَالِكِيَّةُ فِي أَنَّهُ هَلْ يُكْتَفَى فِي الشَّهَادَةِ عَلَى قَوْلِهِ بِشَاهِدٍ أَمْ لابد مِنَ اثْنَيْنِ الثَّانِيَةُ اللَّوْثُ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ عَلَى مُعَايَنَةِ الْقَتْلِ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ وَمِنَ اللَّوْثِ شَهَادَةُ الْعَدْلِ وَحْدَهُ وَكَذَا قول جماعة ليسوا عدولا الثالثة إِذَا شَهِدَ عَدْلَانِ بِالْجُرْحِ فَعَاشَ بَعْدَهُ أَيَّامًا ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُفِيقَ مِنْهُ قَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ هُوَ لَوْثٌ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حنيفة رضي الله عنه لاقسامة هُنَا بَلْ يَجِبُ الْقِصَاصُ بِشَهَادَةِ الْعَدْلَيْنِ الرَّابِعَةُ يُوجَدُ الْمُتَّهَمُ عِنْدَ الْمَقْتُولِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ أَوْ آتِيًا مِنْ جِهَتِهِ وَمَعَهُ آلَةُ الْقَتْلِ وعليه أثره من لطخ دم وغيره وَلَيْسَ هُنَاكَ سَبْعٌ وَلَا غَيْرُهُ مِمَّا يُمْكِنُ إِحَالَةُ الْقَتْلِ عَلَيْهِ أَوْ تَفَرَّقَ جَمَاعَةٌ عَنْ قَتِيلٍ فَهَذَا لَوْثٌ مُوجِبٌ لِلْقَسَامَةِ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ الْخَامِسَةُ أَنْ يَقْتَتِلَ طَائِفَتَانِ فَيُوجَدُ بَيْنَهُمَا قَتِيلٌ فَفِيهِ الْقَسَامَةُ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وإسحاق وعن مالك رواية لإقسامه بَلْ فِيهِ دِيَةٌ عَلَى الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى إِنْ كَانَ مِنْ أَحَدِ الطَّائِفَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِمَا فَعَلَى الطَّائِفَتَيْنِ دِيَتُهُ السَّادِسَةُ يُوجَدُ الْمَيِّتُ فِي زَحْمَةِ النَّاسِ قَالَ الشَّافِعِيُّ تَثْبُتُ فِيهِ الْقَسَامَةُ وَتَجِبُ بِهَا الدِّيَةُ.
وَقَالَ مَالِكٌ هُوَ هدر وقال الثوري واسحاق تجب دية فِي بَيْتِ الْمَالِ وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ عُمَرَ وعلى السابعة أَنْ يُوجَدَ فِي مَحَلَّةِ قَوْمٍ أَوْ قَبِيلَتِهِمْ أَوْ مَسْجِدِهِمْ فَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَدَاوُدُ وَغَيْرُهُمْ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ هَذَا قَسَامَةٌ بَلِ الْقَتْلُ هَدَرٌ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْتُلُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ وَيُلْقِيهِ فِي مَحَلَّةِ طَائِفَةٍ لِيُنْسَبَ إِلَيْهِمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلَّةِ أعدائه لا يغالطهم غَيْرُهُمْ فَيَكُونُ كَالْقِصَّةِ الَّتِي جَرَتْ بِخَيْبَرَ فَحَكَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقَسَامَةِ لِوَرَثَةِ الْقَتِيلِ لِمَا كَانَ بَيْنَ الْأَنْصَارِ وَبَيْنَ الْيَهُودِ مِنَ الْعَدَاوَةِ وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ سِوَاهُمْ وَعَنْ أَحْمَدَ نَحْوَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَمُعْظَمُ الْكُوفِيِّينَ وُجُودُ الْقَتِيلِ فِي الْمَحَلَّةِ وَالْقَرْيَةِ يُوجِبُ الْقَسَامَةَ وَلَا تَثْبُتُ الْقَسَامَةُ عِنْدَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنَ الصُّوَرِ السَّبْعِ السَّابِقَةِ إِلَّا هُنَا لِأَنَّهَا عِنْدَهُمْ هِيَ الصُّورَةُ الَّتِي حَكَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا بِالْقَسَامَةِ وَلَا قَسَامَةَ عِنْدَهُمْ إِلَّا إِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ وَبِهِ أَثَرٌ قَالُوا فَإِنْ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي الْمَسْجِدِ حَلَفَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ وَوَجَبَتِ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَذَلِكَ إِذَا ادَّعَوْا عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وُجُودُالْقَتِيلِ فِي الْمَحَلَّةِ يُوجِبُ الْقَسَامَةَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَثَرٌ وَنَحْوُهُ عَنْ دَاوُدَ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ ( فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَتَكَلَّمُ قَبْلَ صَاحِبِهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبِّرِ الْكُبْرُ فِي السِّنِّ فَصَمَتَ وَتَكَلَّمَ صَاحِبَاهُ وَتَكَلَّمَ مَعَهُمَا) مَعْنَى هَذَا أَنَّ الْمَقْتُولَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَلَهُ أَخٌ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَلَهُمَا ابْنَا عَمٍّ وَهُمَا مُحَيِّصَةُ وَحُوَيِّصَةُ وَهُمَا أَكْبَرُ سِنًّا مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَلَمَّا أَرَادَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَخُو الْقَتِيلِ أَنْ يَتَكَلَّمَ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبِّرْ أَيْ يَتَكَلَّمُ أَكْبَرُ مِنْكَ وَاعْلَمْ أَنَّ حَقِيقَةَ الدَّعْوَى إِنَّمَا هِيَ لِأَخِيهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَا حَقَّ فِيهَا لِابْنَيْ عَمِّهِ وَإِنَّمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَكَلَّمَ الْأَكْبَرُ وَهُوَ حُوَيِّصَةُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنِ الْمُرَادُ بِكَلَامِهِ حَقِيقَةَ الدَّعْوَى بَلْ سَمَاعَ صُورَةِ الْقِصَّةِ وَكَيْفَ جَرَتْ فَإِذَا أَرَادَ حَقِيقَةَ الدَّعْوَى تَكَلَّمَ صَاحِبُهَا وَيَحْتَمِلُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَكَّلَ حُوَيِّصَةَ فِي الدَّعْوَى وَمُسَاعَدَتِهِ أَوْ أُمِرَ بِتَوْكِيلِهِ وَفِي هَذَا فَضِيلَةُ السِّنِّ عِنْدَ التَّسَاوِي فِي الْفَضَائِلِ وَلِهَذَا نَظَائِرُ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ بِهَا فِي الْإِمَامَةِ وَفِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ نَدْبًا وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَولُهُ الْكُبْرَ فِي السِّنِّ مَعْنَاهُ يُرِيدُ الْكُبْرَ فِي السِّنِّ وَالْكُبْرُ مَنْصُوبٌ بِإِضْمَارِ يُرِيدُ وَنَحْوِهَا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لِلْكُبْرِ بِاللَّامِ وَهُوَ صَحِيحٌ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَتَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا فَتَسْتَحِقُّونَ صَاحِبَكُمْ أَوْ قَاتِلَكُمْ) قَدْ يُقَالُ كَيْفَ عُرِضَتِ الْيَمِينُ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْيَمِينُ لِلْوَارِثِ خَاصَّةً وَالْوَارِثُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ خَاصَّةً وَهُوَ أَخُو الْقَتِيلِ.
.
وَأَمَّا الْآخَرَانِ فَابْنَا عَمٍّ لَا مِيرَاثَ لَهُمَا مَعَ الْأَخِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ أَنَّ الْيَمِينَ تَخْتَصُّ بِالْوَارِثِ فَأَطْلَقَ الْخِطَابَ لَهُمْ وَالْمُرَادُ مَنْ تَخْتَصُّ بِهِ الْيَمِينُ وَاحْتَمَلَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا لِلْمُخَاطَبِينَ كَمَا سَمِعَ كَلَامَ الْجَمِيعِ فِي صُورَةِ قَتْلِهِ وَكَيْفِيَّةِ مَا جَرَى لَهُ وَإِنْ كَانَتْ حَقِيقَةُ الدَّعْوَى وَقْتَ الْحَاجَةِ مُخْتَصَّةً بِالْوَارِثِ.
.
وَأَمَّا .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتستحقونقَاتِلَكُمْ أَوْ صَاحِبَكُمْ فَمَعْنَاهُ يَثْبُتُ حَقُّكُمْ عَلَى مَنْ حَلَفْتُمْ عَلَيْهِ وَهَلْ ذَلِكَ الْحَقُّ قِصَاصٌ أَوْ دِيَةٌ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ إِنَّمَا يَجُوزُ لَهُمُ الْحَلِفُ إِذَا عَلِمُوا أَوْ ظَنُّوا ذَلِكَ وَإِنَّمَا عَرَضَ عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَمِينَ إِنْ وُجِدَ فِيهِمْ هَذَا الشَّرْطَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْإِذْنَ لَهُمْ فِي الْحَلِفِ مِنْ غَيْرِ ظَنٍّ وَلِهَذَا قَالُوا كَيْفَ نَحْلِفُ وَلَمْ نَشْهَدْ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا) أَيْ تَبْرَأُ إِلَيْكُمْ مِنْ دَعْوَاكُمْ بِخَمْسِينَ يَمِينًا وَقِيلَ مَعْنَاهُ يُخَلِّصُونَكُمْ مِنَ الْيَمِينِ بِأَنْ يَحْلِفُوا فَإِذَا حَلَفُوا انْتَهَتِ الْخُصُومَةُ وَلَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ وَخَلَصْتُمْ أَنْتُمْ مِنَ الْيَمِينِ وَفِي هَذَا دليل لصحة يمين الكافر والفاسق ويهود مَرْفُوعٌ غَيْرُ مُنَوَّنٍ لَا يَنْصَرِفُ لِأَنَّهُ اسْمُ للقبيلة وَالطَّائِفَةِ فَفِيهِ التَّأْنِيثُ وَالْعَلَمِيَّةُ .
قَوْلُهُ ( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى عَقْلَهُ) أَيْ دِيَتُهُ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قِبَلِهِ وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ عِنْدِهِ فَ.
قَوْلُهُ وَدَاهُ بِتَخْفِيفِ الدَّالِ أَيْ دَفَعَ دِيَتَهُ وَفِي رِوَايَةٍ فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبْطِلَ دَمَهُ فَوَدَاهُ مِائَةً مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ إِنَّمَا وَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطْعًا لِلنِّزَاعِ وَإِصْلَاحًا لِذَاتِ الْبَيْنَ فَإِنَّ أَهْلَ الْقَتِيلِ لَا يَسْتَحِقُّونَ إِلَّا أَنْ يَحْلِفُوا أَوْ يَسْتَحْلِفُوا الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ وَقَدِ امْتَنَعُوا مِنَ الْأَمْرَيْنِ وَهُمْ مَكْسُورُونَ بِقَتْلِ صَاحِبِهِمْ فَأَرَادَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَبْرَهُمْ وَقَطْعَ الْمُنَازَعَةِ وَإِصْلَاحَ ذَاتِ البينبدفع ديته من عنده وقوله فَوَدَاهُ مِنْ عِنْدِهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ خَالِصِ مَالِهِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ صَادَفَ ذَلِكَ عِنْدَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ وَمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ.
.
وَأَمَّا .
قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِنَّهَا غَلَطٌ مِنَ الرُّوَاةِ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ الْمَفْرُوضَةَ لَا تُصْرَفُ هَذَا الْمَصْرِفَ بَلْ هِيَ لِأَصْنَافٍ سَمَّاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا يَجُوزُ صَرْفُهَا مِنْ إِبِلِ الزَّكَاةِ لِهَذَا الْحَدِيثِ فَأَخَذَ بِظَاهِرِهِ.
وَقَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ مَعْنَاهُ اشْتَرَاهُ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ بَعْدَ أَنْ مَلَكُوهَا ثُمَّ دَفَعَهَا تَبَرُّعًا إِلَى أهل القتيل وحكى القاضي عن بعض العلماءأنه يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ فِي مَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَتَأَوَّلَ هذا الحديث عليه وتأوله بعضهم علىأن أولياء القتيل كانوا محتاجين ممن تُبَاحُ لَهُمُ الزَّكَاةُ وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَاطِلٌ لِأَنَّ هَذَا قَدْرٌ كَثِيرٌ لَا يُدْفَعُ إِلَى الْوَاحِدِ الحامل مِنَ الزَّكَاةِ بِخِلَافِ أَشْرَافِ الْقَبَائِلِ وَلِأَنَّهُ سَمَّاهُ دِيَةً وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ دَفَعَهُ مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ مِنَ الزَّكَاةِ اسْتِئْلَافًا لِلْيَهُودِ لَعَلَّهُمْ يُسْلِمُونَ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا يَجُوزُ صَرْفُهَا إِلَى كَافِرٍ فَالْمُخْتَارُ مَا حَكَيْنَاهُ عَنِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ مُرَاعَاةُ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَالِاهْتِمَامُ بِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ وَفِيهِ إِثْبَاتُ الْقَسَامَةِ وَفِيهِ الِابْتِدَاءُ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي فِي الْقَسَامَةِ وَفِيهِ رَدُّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِذَا نَكَلَ الْمُدَّعِي فِي الْقَسَامَةِ وَفِيهِ جَوَازُ الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ وَسَمَاعُ الدَّعْوَى فِي الدِّمَاءِ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ الْخَصْمِ وَفِيهِ جَوَازُ الْيَمِينِ بِالظَّنِّ وَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ وَفِيهِ أَنَّ الْحُكْمَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ يَكُونُ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ) هَذَا مِمَّا يَجِبُ تَأْوِيلُهُ لِأَنَّ الْيَمِينَ إِنَّمَا تَكُونُ عَلَى الْوَارِثِ خَاصَّةً لَا على غيره من القبيلةوتأويله عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّ مَعْنَاهُ يُؤْخَذُ مِنْكُمْ خَمْسُونَ يَمِينًا وَالْحَالِفُ هُمُ الْوَرَثَةُ فَلَا يَحْلِفُ أَحَدٌ مِنَ الْأَقَارِبِ غَيْرُ الْوَرَثَةِ يَحْلِفُ كُلُّ الْوَرَثَةِ ذُكُورًا كَانُوا أَوْ إِنَاثًا سَوَاءٌ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قال أبو ثور وبن الْمُنْذِرِ وَوَافَقَنَا مَالِكٌ فِيمَا إِذَا كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً.
.
وَأَمَّا فِي الْعَمْدِ فَقَالَ يَحْلِفُ الْأَقَارِبُ خَمْسِينَ يَمِينًا وَلَا تَحْلِفُ النِّسَاءُ وَلَا الصِّبْيَانُ وَوَافَقَهُ رَبِيعَةُ وَاللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَدَاوُدُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا فَتَسْتَحِقُّونَ صَاحِبَكُمْ فَجَعَلَ الْحَالِفَ هُوَ الْمُسْتَحِقَّ لِلدِّيَةِ وَالْقِصَاصِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ غير الوارثلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا فَدَلَّ أَنَّ الْمُرَادَ عَلَى حلف مَنْ يَسْتَحِقُّ الدِّيَةَ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَيُدْفَعُ بِرُمَّتِهِ) الرُّمَّةُ بِضَمِّ الرَّاءِ الْحَبْلُ وَالْمُرَادُ هُنَا الْحَبْلُ الَّذِي يُرْبَطُ فِي رَقَبَةِ الْقَاتِلِ وَيُسَلَّمُ فِيهِ إِلَى وَلِيِّ الْقَتِيلِ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ إِنَّ الْقَسَامَةَ يَثْبُتُ فِيهَا الْقِصَاصُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ مَذْهَبِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ وَتَأَوَّلَهُ الْقَائِلُونَ لَا قِصَاصَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يُسَلَّمَ لِيُسْتَوْفَى مِنْهُ الدِّيَةُ لِكَوْنِهَا ثَبَتَتْ عَلَيْهِ وَفِيهِ أَنَّ الْقَسَامَةَ إِنَّمَا تَكُونُ عَلَى وَاحِدٍ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ.
وَقَالَ أَشْهَبُ وَغَيْرُهُ يحلف الأولياء على ما شاء وأولا يقتلوا إلا واحدا وقال الشافعي رضي الله عنه أن ادعوا على جماعة حلفوا عليهم وثبتت عليهم الدية على الصحيح عند الشَّافِعِيُّ وَعَلَى قَوْلٍ أَنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَيْهِمْ وَإِنْ حَلَفُوا عَلَى وَاحِدٍ اسْتَحَقُّوا عَلَيْهِ وَحْدَهُ .
قَوْلُهُ ( فَدَخَلْتُ مِرْبَدًا لَهُمْ يَوْمًا فَرَكَضَتْنِي نَاقَةٌ مِنْ تِلْكَ الْإِبِلِ رَكْضَةً بِرِجْلِهَا) الْمِرْبَدُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْبَاءِ هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ الْإِبِلُ وَتُحْبَسُ وَالرَّبْدُ الْحَبْسُ وَمَعْنَى رَكَضَتْنِي رَفَسَتْنِي وَأَرَادَ بِهَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ ضَبَطَ الْحَدِيثَوَحَفِظَهُ حِفْظًا بَلِيغًا .
قَوْلُهُ ( فَوُجِدَ فِي شَرَبَةٍ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ وَهُوَ حَوْضٌ يَكُونُ فِي أَصْلِ النَّخْلَةِ وَجَمْعُهُ شَرَبٌ كَثَمَرَةٍ وَثَمَرٌ .
قَوْلُهُ ( لَقَدْ رَكَضَتْنِي فَرِيضَةٌ مِنْ تِلْكَ الْفَرَائِضِ) الْمُرَادُ بِالْفَرِيضَةِ هُنَا النَّاقَةُ مِنْ تِلْكَ النُّوقِ الْمَفْرُوضَةِ فِي الدِّيَةِ وَتُسَمَّى الْمَدْفُوعَةَ فِي الزَّكَاةِ أَوْ فِي الدِّيَةِ فَرِيضَةً لِأَنَّهَا مَفْرُوضَةٌ أَيْ مُقَدَّرَةٌ بِالسِّنِّ وَالْعَدَدِ.
.
وَأَمَّا قَوْلُ الْمَازِرِيِّ إِنَّ الْمُرَادَ بِالْفَرِيضَةِ هُنَاالنَّاقَةُ الْهَرِمَةُ فَقَدْ غَلِطَ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ ( فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبْطِلَ دَمَهُ فَوَدَاهُ مِائَةً مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ) هَذَا آخِرُ الْفَوَاتِ الَّذِي لَمْ يَسْمَعْهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُفْيَانَ مِنْ مُسْلِمٍ وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَ أَوَّلِهِ وَقَولُهُ عُقَيْبَ هَذَا حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ حَدَّثَنِي أَبُو لَيْلَى هُوَ أَوَّلُ سَمَاعِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سُفْيَانَ مِنْ مُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ هكذا هو في معظم النسخ وفي نسخة الحافظ بن عَسَاكِرَ أَنَّ آخِرَ الْفَوَاتِ آخِرُ حَدِيثِ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَأَوَّلُ السَّمَاعِ .
قَوْلُهُ عَقِبَهُ حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ .
قَوْلُهُ ( وَطُرِحَ فِي عَيْنٍ أَوْ فَقِيرٍ) الْفَقِيرُ هُنَا عَلَى لَفْظِ الْفَقِيرِ فِي الْآدَمِيِّينَ وَالْفَقِيرُهُنَا الْبِئْرُ الْقَرِيبَةُ الْقَعْرُ الْوَاسِعَةُ الْفَمُ وَقِيلَ هُوَ الْحَفِيرَةُ الَّتِي تَكُونُ حَوْلَ النَّخْلِ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ وَإِمَّا أَنْ يُؤْذَنُوا بِحَرْبٍ) مَعْنَاهُ إِنْ ثَبَتَ الْقَتْلُ عَلَيْهِمْ بِقَسَامَتِكُمْ فَإِمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ أَيْ يَدْفَعُوا إِلَيْكُمْ دِيَتَهُ وَإِمَّا أَنْ يُعْلِمُونَا أَنَّهُمْ مُمْتَنِعُونَ مِنَ الْتِزَامِ أَحْكَامِنَا فَيُنْتَقَضُوَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَدَاوُدَ وَهُوَ قول الشافعي في القديم وروى عن بن الزُّبَيْرِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ أَبُو الزِّنَادِ قُلْنَا بِهَا وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَافِرُونَ إِنِّي لَأَرَى أَنَّهُمْ أَلْفُ رَجُلٍ فَمَا اخْتَلَفَ مِنْهُمُ اثْنَانِ.
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْهِ لَا يَجِبُ بِهَا الْقِصَاصُ وَإِنَّمَا تَجِبُ الدِّيَةُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَعُثْمَانَ اللَّيْثِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَرُوِيَ أيضا عن أبي بكر وعمر وبن عَبَّاسٍ وَمُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ يَحْلِفُ فِي الْقَسَامَةِ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ يَحْلِفُ الْوَرَثَةُ وَيَجِبُ الْحَقُّ بِحَلِفِهِمْ خَمْسِينَ يَمِينًا وَاحْتَجُّوا بِهَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِالِابْتِدَاءِ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي وَهُوَ ثَابِتٌ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ صِحَاحٍ لَا تَنْدَفِعُ قَالَ مَالِكٌ الَّذِي أَجْمَعَتْ عليه الأئمة قديما وحديثا أن المدعين يبدؤن فِي الْقَسَامَةِ وَلِأَنَّ جَنَبَةَ الْمُدَّعِي صَارَتْ قَوِيَّةً بِاللَّوْثِ قَالَ الْقَاضِي وَضَعَّفَ هَؤُلَاءِ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى الِابْتِدَاءَ بِيَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ قَالَ أَهْلُ الْحَدِيثِ هَذِهِ الرِّوَايَةُ وَهْمٌ مِنَ الرَّاوِينَ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ الِابْتِدَاءَ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي وَلَمْ يَذْكُرْ رَدَّ الْيَمِينِ وَلِأَنَّ مَنْ رَوَى الِابْتِدَاءَ بِالْمُدَّعِينَ مَعَهُ زِيَادَةٌ وَرِوَايَاتُهَا صِحَاحٌ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ مَشْهُورَةٍ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهَا وَلَا تُعَارِضُهَا رِوَايَةُ مَنْ نَسِيَ.
وَقَالَ كُلُّ مَنْ لَمْ يُوجِبِ الْقِصَاصَ وَاقْتَصَرَ عَلَى الدِّيَةِ يَبْدَأُ بِيَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ إِلَّا الشَّافِعِيَّ وَأَحْمَدَ فَقَالَا بِقَوْلِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي فَإِنْ نَكَلَ رُدَّتْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ قِصَاصٌ وَلَا دِيَةٌ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى حَتَّى تَقْتَرِنَ بِهَا شُبْهَةٌ يُغَلَّبُ الظَّنُّ بِهَا وَاخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الشُّبْهَةِ الْمُعْتَبَرَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَسَامَةِ وَلَهَا سَبْعُ صُوَرٍ الْأُولَى أَنْ يَقُولَ الْمَقْتُولُ فِي حَيَاتِهِ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ وَهُوَ قَتَلَنِي أَوْ ضَرَبَنِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ أَثَرٌ أَوْ فَعَلَ بِي هَذَا مِنْ إِنْفَاذِ مَقَاتِلِي أَوْ جَرَحَنِي وَيَذْكُرُ الْعَمْدَ فَهَذَا مُوجِبٌ لِلْقَسَامَةِ عِنْدَ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ وَادَّعَى مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ مِمَّا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا قَالَ الْقَاضِي وَلَمْ يَقُلْ بِهَذَا مِنْ فُقَهَاءِ الأمصار غيرهما ولا روى عن غيرهما وخالف فِي ذَلِكَ الْعُلَمَاءَ كَافَّةً فَلَمْ يَرَ أَحَدٌ غيرهما في هذا أقسامه وَاشْتَرَطَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وُجُودَ الْأَثَرِ وَالْجُرْحِ فِي كَوْنِهِ قَسَامَةً وَاحْتَجَّمَالِكٌ فِي ذَلِكَ بِقَضِيَّةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقَوْلِهِ تَعَالَى فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الموتى قَالُوا فَحَيِيَ الرَّجُلُ فَأَخْبَرَ بِقَاتِلِهِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُ مَالِكٍ أَيْضًا بِأَنَّ تِلْكَ حَالَةٌ يُطْلَبُ بهَا غَفْلَةُ النَّاسِ فَلَوْ شَرَطْنَا الشَّهَادَةَ وَأَبْطَلْنَا قَوْلَ الْمَجْرُوحِ أَدَّى ذَلِكَ إِلَى إِبْطَالِ الدِّمَاءِ غَالِبًا قَالُوا وَلِأَنَّهَا حَالَةٌ يَتَحَرَّى فِيهَا الْمَجْرُوحُ الصِّدْقَ وَيَتَجَنَّبُ الْكَذِبَ وَالْمَعَاصِيَ وَيَتَزَوَّدُ الْبِرَّ وَالتَّقْوَى فَوَجَبَ قَبُولُ قَوْلِهِ وَاخْتَلَفَ الْمَالِكِيَّةُ فِي أَنَّهُ هَلْ يُكْتَفَى فِي الشَّهَادَةِ عَلَى قَوْلِهِ بِشَاهِدٍ أَمْ لابد مِنَ اثْنَيْنِ الثَّانِيَةُ اللَّوْثُ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ عَلَى مُعَايَنَةِ الْقَتْلِ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ وَمِنَ اللَّوْثِ شَهَادَةُ الْعَدْلِ وَحْدَهُ وَكَذَا قول جماعة ليسوا عدولا الثالثة إِذَا شَهِدَ عَدْلَانِ بِالْجُرْحِ فَعَاشَ بَعْدَهُ أَيَّامًا ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُفِيقَ مِنْهُ قَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ هُوَ لَوْثٌ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حنيفة رضي الله عنه لاقسامة هُنَا بَلْ يَجِبُ الْقِصَاصُ بِشَهَادَةِ الْعَدْلَيْنِ الرَّابِعَةُ يُوجَدُ الْمُتَّهَمُ عِنْدَ الْمَقْتُولِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ أَوْ آتِيًا مِنْ جِهَتِهِ وَمَعَهُ آلَةُ الْقَتْلِ وعليه أثره من لطخ دم وغيره وَلَيْسَ هُنَاكَ سَبْعٌ وَلَا غَيْرُهُ مِمَّا يُمْكِنُ إِحَالَةُ الْقَتْلِ عَلَيْهِ أَوْ تَفَرَّقَ جَمَاعَةٌ عَنْ قَتِيلٍ فَهَذَا لَوْثٌ مُوجِبٌ لِلْقَسَامَةِ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ الْخَامِسَةُ أَنْ يَقْتَتِلَ طَائِفَتَانِ فَيُوجَدُ بَيْنَهُمَا قَتِيلٌ فَفِيهِ الْقَسَامَةُ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وإسحاق وعن مالك رواية لإقسامه بَلْ فِيهِ دِيَةٌ عَلَى الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى إِنْ كَانَ مِنْ أَحَدِ الطَّائِفَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِمَا فَعَلَى الطَّائِفَتَيْنِ دِيَتُهُ السَّادِسَةُ يُوجَدُ الْمَيِّتُ فِي زَحْمَةِ النَّاسِ قَالَ الشَّافِعِيُّ تَثْبُتُ فِيهِ الْقَسَامَةُ وَتَجِبُ بِهَا الدِّيَةُ.
وَقَالَ مَالِكٌ هُوَ هدر وقال الثوري واسحاق تجب دية فِي بَيْتِ الْمَالِ وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ عُمَرَ وعلى السابعة أَنْ يُوجَدَ فِي مَحَلَّةِ قَوْمٍ أَوْ قَبِيلَتِهِمْ أَوْ مَسْجِدِهِمْ فَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَدَاوُدُ وَغَيْرُهُمْ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ هَذَا قَسَامَةٌ بَلِ الْقَتْلُ هَدَرٌ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْتُلُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ وَيُلْقِيهِ فِي مَحَلَّةِ طَائِفَةٍ لِيُنْسَبَ إِلَيْهِمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلَّةِ أعدائه لا يغالطهم غَيْرُهُمْ فَيَكُونُ كَالْقِصَّةِ الَّتِي جَرَتْ بِخَيْبَرَ فَحَكَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقَسَامَةِ لِوَرَثَةِ الْقَتِيلِ لِمَا كَانَ بَيْنَ الْأَنْصَارِ وَبَيْنَ الْيَهُودِ مِنَ الْعَدَاوَةِ وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ سِوَاهُمْ وَعَنْ أَحْمَدَ نَحْوَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَمُعْظَمُ الْكُوفِيِّينَ وُجُودُ الْقَتِيلِ فِي الْمَحَلَّةِ وَالْقَرْيَةِ يُوجِبُ الْقَسَامَةَ وَلَا تَثْبُتُ الْقَسَامَةُ عِنْدَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنَ الصُّوَرِ السَّبْعِ السَّابِقَةِ إِلَّا هُنَا لِأَنَّهَا عِنْدَهُمْ هِيَ الصُّورَةُ الَّتِي حَكَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا بِالْقَسَامَةِ وَلَا قَسَامَةَ عِنْدَهُمْ إِلَّا إِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ وَبِهِ أَثَرٌ قَالُوا فَإِنْ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي الْمَسْجِدِ حَلَفَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ وَوَجَبَتِ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَذَلِكَ إِذَا ادَّعَوْا عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وُجُودُالْقَتِيلِ فِي الْمَحَلَّةِ يُوجِبُ الْقَسَامَةَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَثَرٌ وَنَحْوُهُ عَنْ دَاوُدَ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ ( فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَتَكَلَّمُ قَبْلَ صَاحِبِهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبِّرِ الْكُبْرُ فِي السِّنِّ فَصَمَتَ وَتَكَلَّمَ صَاحِبَاهُ وَتَكَلَّمَ مَعَهُمَا) مَعْنَى هَذَا أَنَّ الْمَقْتُولَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَلَهُ أَخٌ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَلَهُمَا ابْنَا عَمٍّ وَهُمَا مُحَيِّصَةُ وَحُوَيِّصَةُ وَهُمَا أَكْبَرُ سِنًّا مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَلَمَّا أَرَادَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَخُو الْقَتِيلِ أَنْ يَتَكَلَّمَ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبِّرْ أَيْ يَتَكَلَّمُ أَكْبَرُ مِنْكَ وَاعْلَمْ أَنَّ حَقِيقَةَ الدَّعْوَى إِنَّمَا هِيَ لِأَخِيهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَا حَقَّ فِيهَا لِابْنَيْ عَمِّهِ وَإِنَّمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَكَلَّمَ الْأَكْبَرُ وَهُوَ حُوَيِّصَةُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنِ الْمُرَادُ بِكَلَامِهِ حَقِيقَةَ الدَّعْوَى بَلْ سَمَاعَ صُورَةِ الْقِصَّةِ وَكَيْفَ جَرَتْ فَإِذَا أَرَادَ حَقِيقَةَ الدَّعْوَى تَكَلَّمَ صَاحِبُهَا وَيَحْتَمِلُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَكَّلَ حُوَيِّصَةَ فِي الدَّعْوَى وَمُسَاعَدَتِهِ أَوْ أُمِرَ بِتَوْكِيلِهِ وَفِي هَذَا فَضِيلَةُ السِّنِّ عِنْدَ التَّسَاوِي فِي الْفَضَائِلِ وَلِهَذَا نَظَائِرُ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ بِهَا فِي الْإِمَامَةِ وَفِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ نَدْبًا وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَولُهُ الْكُبْرَ فِي السِّنِّ مَعْنَاهُ يُرِيدُ الْكُبْرَ فِي السِّنِّ وَالْكُبْرُ مَنْصُوبٌ بِإِضْمَارِ يُرِيدُ وَنَحْوِهَا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لِلْكُبْرِ بِاللَّامِ وَهُوَ صَحِيحٌ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَتَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا فَتَسْتَحِقُّونَ صَاحِبَكُمْ أَوْ قَاتِلَكُمْ) قَدْ يُقَالُ كَيْفَ عُرِضَتِ الْيَمِينُ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْيَمِينُ لِلْوَارِثِ خَاصَّةً وَالْوَارِثُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ خَاصَّةً وَهُوَ أَخُو الْقَتِيلِ.
.
وَأَمَّا الْآخَرَانِ فَابْنَا عَمٍّ لَا مِيرَاثَ لَهُمَا مَعَ الْأَخِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ أَنَّ الْيَمِينَ تَخْتَصُّ بِالْوَارِثِ فَأَطْلَقَ الْخِطَابَ لَهُمْ وَالْمُرَادُ مَنْ تَخْتَصُّ بِهِ الْيَمِينُ وَاحْتَمَلَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا لِلْمُخَاطَبِينَ كَمَا سَمِعَ كَلَامَ الْجَمِيعِ فِي صُورَةِ قَتْلِهِ وَكَيْفِيَّةِ مَا جَرَى لَهُ وَإِنْ كَانَتْ حَقِيقَةُ الدَّعْوَى وَقْتَ الْحَاجَةِ مُخْتَصَّةً بِالْوَارِثِ.
.
وَأَمَّا .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتستحقونقَاتِلَكُمْ أَوْ صَاحِبَكُمْ فَمَعْنَاهُ يَثْبُتُ حَقُّكُمْ عَلَى مَنْ حَلَفْتُمْ عَلَيْهِ وَهَلْ ذَلِكَ الْحَقُّ قِصَاصٌ أَوْ دِيَةٌ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ إِنَّمَا يَجُوزُ لَهُمُ الْحَلِفُ إِذَا عَلِمُوا أَوْ ظَنُّوا ذَلِكَ وَإِنَّمَا عَرَضَ عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَمِينَ إِنْ وُجِدَ فِيهِمْ هَذَا الشَّرْطَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْإِذْنَ لَهُمْ فِي الْحَلِفِ مِنْ غَيْرِ ظَنٍّ وَلِهَذَا قَالُوا كَيْفَ نَحْلِفُ وَلَمْ نَشْهَدْ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا) أَيْ تَبْرَأُ إِلَيْكُمْ مِنْ دَعْوَاكُمْ بِخَمْسِينَ يَمِينًا وَقِيلَ مَعْنَاهُ يُخَلِّصُونَكُمْ مِنَ الْيَمِينِ بِأَنْ يَحْلِفُوا فَإِذَا حَلَفُوا انْتَهَتِ الْخُصُومَةُ وَلَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ وَخَلَصْتُمْ أَنْتُمْ مِنَ الْيَمِينِ وَفِي هَذَا دليل لصحة يمين الكافر والفاسق ويهود مَرْفُوعٌ غَيْرُ مُنَوَّنٍ لَا يَنْصَرِفُ لِأَنَّهُ اسْمُ للقبيلة وَالطَّائِفَةِ فَفِيهِ التَّأْنِيثُ وَالْعَلَمِيَّةُ .
قَوْلُهُ ( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى عَقْلَهُ) أَيْ دِيَتُهُ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قِبَلِهِ وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ عِنْدِهِ فَ.
قَوْلُهُ وَدَاهُ بِتَخْفِيفِ الدَّالِ أَيْ دَفَعَ دِيَتَهُ وَفِي رِوَايَةٍ فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبْطِلَ دَمَهُ فَوَدَاهُ مِائَةً مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ إِنَّمَا وَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطْعًا لِلنِّزَاعِ وَإِصْلَاحًا لِذَاتِ الْبَيْنَ فَإِنَّ أَهْلَ الْقَتِيلِ لَا يَسْتَحِقُّونَ إِلَّا أَنْ يَحْلِفُوا أَوْ يَسْتَحْلِفُوا الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ وَقَدِ امْتَنَعُوا مِنَ الْأَمْرَيْنِ وَهُمْ مَكْسُورُونَ بِقَتْلِ صَاحِبِهِمْ فَأَرَادَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَبْرَهُمْ وَقَطْعَ الْمُنَازَعَةِ وَإِصْلَاحَ ذَاتِ البينبدفع ديته من عنده وقوله فَوَدَاهُ مِنْ عِنْدِهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ خَالِصِ مَالِهِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ صَادَفَ ذَلِكَ عِنْدَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ وَمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ.
.
وَأَمَّا .
قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِنَّهَا غَلَطٌ مِنَ الرُّوَاةِ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ الْمَفْرُوضَةَ لَا تُصْرَفُ هَذَا الْمَصْرِفَ بَلْ هِيَ لِأَصْنَافٍ سَمَّاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا يَجُوزُ صَرْفُهَا مِنْ إِبِلِ الزَّكَاةِ لِهَذَا الْحَدِيثِ فَأَخَذَ بِظَاهِرِهِ.
وَقَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ مَعْنَاهُ اشْتَرَاهُ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ بَعْدَ أَنْ مَلَكُوهَا ثُمَّ دَفَعَهَا تَبَرُّعًا إِلَى أهل القتيل وحكى القاضي عن بعض العلماءأنه يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ فِي مَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَتَأَوَّلَ هذا الحديث عليه وتأوله بعضهم علىأن أولياء القتيل كانوا محتاجين ممن تُبَاحُ لَهُمُ الزَّكَاةُ وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَاطِلٌ لِأَنَّ هَذَا قَدْرٌ كَثِيرٌ لَا يُدْفَعُ إِلَى الْوَاحِدِ الحامل مِنَ الزَّكَاةِ بِخِلَافِ أَشْرَافِ الْقَبَائِلِ وَلِأَنَّهُ سَمَّاهُ دِيَةً وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ دَفَعَهُ مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ مِنَ الزَّكَاةِ اسْتِئْلَافًا لِلْيَهُودِ لَعَلَّهُمْ يُسْلِمُونَ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا يَجُوزُ صَرْفُهَا إِلَى كَافِرٍ فَالْمُخْتَارُ مَا حَكَيْنَاهُ عَنِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ مُرَاعَاةُ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَالِاهْتِمَامُ بِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ وَفِيهِ إِثْبَاتُ الْقَسَامَةِ وَفِيهِ الِابْتِدَاءُ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي فِي الْقَسَامَةِ وَفِيهِ رَدُّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِذَا نَكَلَ الْمُدَّعِي فِي الْقَسَامَةِ وَفِيهِ جَوَازُ الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ وَسَمَاعُ الدَّعْوَى فِي الدِّمَاءِ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ الْخَصْمِ وَفِيهِ جَوَازُ الْيَمِينِ بِالظَّنِّ وَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ وَفِيهِ أَنَّ الْحُكْمَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ يَكُونُ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ) هَذَا مِمَّا يَجِبُ تَأْوِيلُهُ لِأَنَّ الْيَمِينَ إِنَّمَا تَكُونُ عَلَى الْوَارِثِ خَاصَّةً لَا على غيره من القبيلةوتأويله عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّ مَعْنَاهُ يُؤْخَذُ مِنْكُمْ خَمْسُونَ يَمِينًا وَالْحَالِفُ هُمُ الْوَرَثَةُ فَلَا يَحْلِفُ أَحَدٌ مِنَ الْأَقَارِبِ غَيْرُ الْوَرَثَةِ يَحْلِفُ كُلُّ الْوَرَثَةِ ذُكُورًا كَانُوا أَوْ إِنَاثًا سَوَاءٌ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قال أبو ثور وبن الْمُنْذِرِ وَوَافَقَنَا مَالِكٌ فِيمَا إِذَا كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً.
.
وَأَمَّا فِي الْعَمْدِ فَقَالَ يَحْلِفُ الْأَقَارِبُ خَمْسِينَ يَمِينًا وَلَا تَحْلِفُ النِّسَاءُ وَلَا الصِّبْيَانُ وَوَافَقَهُ رَبِيعَةُ وَاللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَدَاوُدُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا فَتَسْتَحِقُّونَ صَاحِبَكُمْ فَجَعَلَ الْحَالِفَ هُوَ الْمُسْتَحِقَّ لِلدِّيَةِ وَالْقِصَاصِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ غير الوارثلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا فَدَلَّ أَنَّ الْمُرَادَ عَلَى حلف مَنْ يَسْتَحِقُّ الدِّيَةَ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَيُدْفَعُ بِرُمَّتِهِ) الرُّمَّةُ بِضَمِّ الرَّاءِ الْحَبْلُ وَالْمُرَادُ هُنَا الْحَبْلُ الَّذِي يُرْبَطُ فِي رَقَبَةِ الْقَاتِلِ وَيُسَلَّمُ فِيهِ إِلَى وَلِيِّ الْقَتِيلِ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ إِنَّ الْقَسَامَةَ يَثْبُتُ فِيهَا الْقِصَاصُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ مَذْهَبِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ وَتَأَوَّلَهُ الْقَائِلُونَ لَا قِصَاصَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يُسَلَّمَ لِيُسْتَوْفَى مِنْهُ الدِّيَةُ لِكَوْنِهَا ثَبَتَتْ عَلَيْهِ وَفِيهِ أَنَّ الْقَسَامَةَ إِنَّمَا تَكُونُ عَلَى وَاحِدٍ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ.
وَقَالَ أَشْهَبُ وَغَيْرُهُ يحلف الأولياء على ما شاء وأولا يقتلوا إلا واحدا وقال الشافعي رضي الله عنه أن ادعوا على جماعة حلفوا عليهم وثبتت عليهم الدية على الصحيح عند الشَّافِعِيُّ وَعَلَى قَوْلٍ أَنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَيْهِمْ وَإِنْ حَلَفُوا عَلَى وَاحِدٍ اسْتَحَقُّوا عَلَيْهِ وَحْدَهُ .
قَوْلُهُ ( فَدَخَلْتُ مِرْبَدًا لَهُمْ يَوْمًا فَرَكَضَتْنِي نَاقَةٌ مِنْ تِلْكَ الْإِبِلِ رَكْضَةً بِرِجْلِهَا) الْمِرْبَدُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْبَاءِ هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ الْإِبِلُ وَتُحْبَسُ وَالرَّبْدُ الْحَبْسُ وَمَعْنَى رَكَضَتْنِي رَفَسَتْنِي وَأَرَادَ بِهَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ ضَبَطَ الْحَدِيثَوَحَفِظَهُ حِفْظًا بَلِيغًا .
قَوْلُهُ ( فَوُجِدَ فِي شَرَبَةٍ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ وَهُوَ حَوْضٌ يَكُونُ فِي أَصْلِ النَّخْلَةِ وَجَمْعُهُ شَرَبٌ كَثَمَرَةٍ وَثَمَرٌ .
قَوْلُهُ ( لَقَدْ رَكَضَتْنِي فَرِيضَةٌ مِنْ تِلْكَ الْفَرَائِضِ) الْمُرَادُ بِالْفَرِيضَةِ هُنَا النَّاقَةُ مِنْ تِلْكَ النُّوقِ الْمَفْرُوضَةِ فِي الدِّيَةِ وَتُسَمَّى الْمَدْفُوعَةَ فِي الزَّكَاةِ أَوْ فِي الدِّيَةِ فَرِيضَةً لِأَنَّهَا مَفْرُوضَةٌ أَيْ مُقَدَّرَةٌ بِالسِّنِّ وَالْعَدَدِ.
.
وَأَمَّا قَوْلُ الْمَازِرِيِّ إِنَّ الْمُرَادَ بِالْفَرِيضَةِ هُنَاالنَّاقَةُ الْهَرِمَةُ فَقَدْ غَلِطَ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ ( فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبْطِلَ دَمَهُ فَوَدَاهُ مِائَةً مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ) هَذَا آخِرُ الْفَوَاتِ الَّذِي لَمْ يَسْمَعْهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُفْيَانَ مِنْ مُسْلِمٍ وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَ أَوَّلِهِ وَقَولُهُ عُقَيْبَ هَذَا حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ حَدَّثَنِي أَبُو لَيْلَى هُوَ أَوَّلُ سَمَاعِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سُفْيَانَ مِنْ مُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ هكذا هو في معظم النسخ وفي نسخة الحافظ بن عَسَاكِرَ أَنَّ آخِرَ الْفَوَاتِ آخِرُ حَدِيثِ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَأَوَّلُ السَّمَاعِ .
قَوْلُهُ عَقِبَهُ حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ .
قَوْلُهُ ( وَطُرِحَ فِي عَيْنٍ أَوْ فَقِيرٍ) الْفَقِيرُ هُنَا عَلَى لَفْظِ الْفَقِيرِ فِي الْآدَمِيِّينَ وَالْفَقِيرُهُنَا الْبِئْرُ الْقَرِيبَةُ الْقَعْرُ الْوَاسِعَةُ الْفَمُ وَقِيلَ هُوَ الْحَفِيرَةُ الَّتِي تَكُونُ حَوْلَ النَّخْلِ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ وَإِمَّا أَنْ يُؤْذَنُوا بِحَرْبٍ) مَعْنَاهُ إِنْ ثَبَتَ الْقَتْلُ عَلَيْهِمْ بِقَسَامَتِكُمْ فَإِمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ أَيْ يَدْفَعُوا إِلَيْكُمْ دِيَتَهُ وَإِمَّا أَنْ يُعْلِمُونَا أَنَّهُمْ مُمْتَنِعُونَ مِنَ الْتِزَامِ أَحْكَامِنَا فَيُنْتَقَضُوَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَدَاوُدَ وَهُوَ قول الشافعي في القديم وروى عن بن الزُّبَيْرِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ أَبُو الزِّنَادِ قُلْنَا بِهَا وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَافِرُونَ إِنِّي لَأَرَى أَنَّهُمْ أَلْفُ رَجُلٍ فَمَا اخْتَلَفَ مِنْهُمُ اثْنَانِ.
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْهِ لَا يَجِبُ بِهَا الْقِصَاصُ وَإِنَّمَا تَجِبُ الدِّيَةُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَعُثْمَانَ اللَّيْثِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَرُوِيَ أيضا عن أبي بكر وعمر وبن عَبَّاسٍ وَمُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ يَحْلِفُ فِي الْقَسَامَةِ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ يَحْلِفُ الْوَرَثَةُ وَيَجِبُ الْحَقُّ بِحَلِفِهِمْ خَمْسِينَ يَمِينًا وَاحْتَجُّوا بِهَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِالِابْتِدَاءِ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي وَهُوَ ثَابِتٌ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ صِحَاحٍ لَا تَنْدَفِعُ قَالَ مَالِكٌ الَّذِي أَجْمَعَتْ عليه الأئمة قديما وحديثا أن المدعين يبدؤن فِي الْقَسَامَةِ وَلِأَنَّ جَنَبَةَ الْمُدَّعِي صَارَتْ قَوِيَّةً بِاللَّوْثِ قَالَ الْقَاضِي وَضَعَّفَ هَؤُلَاءِ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى الِابْتِدَاءَ بِيَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ قَالَ أَهْلُ الْحَدِيثِ هَذِهِ الرِّوَايَةُ وَهْمٌ مِنَ الرَّاوِينَ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ الِابْتِدَاءَ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي وَلَمْ يَذْكُرْ رَدَّ الْيَمِينِ وَلِأَنَّ مَنْ رَوَى الِابْتِدَاءَ بِالْمُدَّعِينَ مَعَهُ زِيَادَةٌ وَرِوَايَاتُهَا صِحَاحٌ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ مَشْهُورَةٍ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهَا وَلَا تُعَارِضُهَا رِوَايَةُ مَنْ نَسِيَ.
وَقَالَ كُلُّ مَنْ لَمْ يُوجِبِ الْقِصَاصَ وَاقْتَصَرَ عَلَى الدِّيَةِ يَبْدَأُ بِيَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ إِلَّا الشَّافِعِيَّ وَأَحْمَدَ فَقَالَا بِقَوْلِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي فَإِنْ نَكَلَ رُدَّتْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ قِصَاصٌ وَلَا دِيَةٌ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى حَتَّى تَقْتَرِنَ بِهَا شُبْهَةٌ يُغَلَّبُ الظَّنُّ بِهَا وَاخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الشُّبْهَةِ الْمُعْتَبَرَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَسَامَةِ وَلَهَا سَبْعُ صُوَرٍ الْأُولَى أَنْ يَقُولَ الْمَقْتُولُ فِي حَيَاتِهِ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ وَهُوَ قَتَلَنِي أَوْ ضَرَبَنِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ أَثَرٌ أَوْ فَعَلَ بِي هَذَا مِنْ إِنْفَاذِ مَقَاتِلِي أَوْ جَرَحَنِي وَيَذْكُرُ الْعَمْدَ فَهَذَا مُوجِبٌ لِلْقَسَامَةِ عِنْدَ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ وَادَّعَى مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ مِمَّا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا قَالَ الْقَاضِي وَلَمْ يَقُلْ بِهَذَا مِنْ فُقَهَاءِ الأمصار غيرهما ولا روى عن غيرهما وخالف فِي ذَلِكَ الْعُلَمَاءَ كَافَّةً فَلَمْ يَرَ أَحَدٌ غيرهما في هذا أقسامه وَاشْتَرَطَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وُجُودَ الْأَثَرِ وَالْجُرْحِ فِي كَوْنِهِ قَسَامَةً وَاحْتَجَّمَالِكٌ فِي ذَلِكَ بِقَضِيَّةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقَوْلِهِ تَعَالَى فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الموتى قَالُوا فَحَيِيَ الرَّجُلُ فَأَخْبَرَ بِقَاتِلِهِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُ مَالِكٍ أَيْضًا بِأَنَّ تِلْكَ حَالَةٌ يُطْلَبُ بهَا غَفْلَةُ النَّاسِ فَلَوْ شَرَطْنَا الشَّهَادَةَ وَأَبْطَلْنَا قَوْلَ الْمَجْرُوحِ أَدَّى ذَلِكَ إِلَى إِبْطَالِ الدِّمَاءِ غَالِبًا قَالُوا وَلِأَنَّهَا حَالَةٌ يَتَحَرَّى فِيهَا الْمَجْرُوحُ الصِّدْقَ وَيَتَجَنَّبُ الْكَذِبَ وَالْمَعَاصِيَ وَيَتَزَوَّدُ الْبِرَّ وَالتَّقْوَى فَوَجَبَ قَبُولُ قَوْلِهِ وَاخْتَلَفَ الْمَالِكِيَّةُ فِي أَنَّهُ هَلْ يُكْتَفَى فِي الشَّهَادَةِ عَلَى قَوْلِهِ بِشَاهِدٍ أَمْ لابد مِنَ اثْنَيْنِ الثَّانِيَةُ اللَّوْثُ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ عَلَى مُعَايَنَةِ الْقَتْلِ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ وَمِنَ اللَّوْثِ شَهَادَةُ الْعَدْلِ وَحْدَهُ وَكَذَا قول جماعة ليسوا عدولا الثالثة إِذَا شَهِدَ عَدْلَانِ بِالْجُرْحِ فَعَاشَ بَعْدَهُ أَيَّامًا ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُفِيقَ مِنْهُ قَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ هُوَ لَوْثٌ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حنيفة رضي الله عنه لاقسامة هُنَا بَلْ يَجِبُ الْقِصَاصُ بِشَهَادَةِ الْعَدْلَيْنِ الرَّابِعَةُ يُوجَدُ الْمُتَّهَمُ عِنْدَ الْمَقْتُولِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ أَوْ آتِيًا مِنْ جِهَتِهِ وَمَعَهُ آلَةُ الْقَتْلِ وعليه أثره من لطخ دم وغيره وَلَيْسَ هُنَاكَ سَبْعٌ وَلَا غَيْرُهُ مِمَّا يُمْكِنُ إِحَالَةُ الْقَتْلِ عَلَيْهِ أَوْ تَفَرَّقَ جَمَاعَةٌ عَنْ قَتِيلٍ فَهَذَا لَوْثٌ مُوجِبٌ لِلْقَسَامَةِ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ الْخَامِسَةُ أَنْ يَقْتَتِلَ طَائِفَتَانِ فَيُوجَدُ بَيْنَهُمَا قَتِيلٌ فَفِيهِ الْقَسَامَةُ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وإسحاق وعن مالك رواية لإقسامه بَلْ فِيهِ دِيَةٌ عَلَى الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى إِنْ كَانَ مِنْ أَحَدِ الطَّائِفَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِمَا فَعَلَى الطَّائِفَتَيْنِ دِيَتُهُ السَّادِسَةُ يُوجَدُ الْمَيِّتُ فِي زَحْمَةِ النَّاسِ قَالَ الشَّافِعِيُّ تَثْبُتُ فِيهِ الْقَسَامَةُ وَتَجِبُ بِهَا الدِّيَةُ.
وَقَالَ مَالِكٌ هُوَ هدر وقال الثوري واسحاق تجب دية فِي بَيْتِ الْمَالِ وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ عُمَرَ وعلى السابعة أَنْ يُوجَدَ فِي مَحَلَّةِ قَوْمٍ أَوْ قَبِيلَتِهِمْ أَوْ مَسْجِدِهِمْ فَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَدَاوُدُ وَغَيْرُهُمْ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ هَذَا قَسَامَةٌ بَلِ الْقَتْلُ هَدَرٌ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْتُلُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ وَيُلْقِيهِ فِي مَحَلَّةِ طَائِفَةٍ لِيُنْسَبَ إِلَيْهِمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلَّةِ أعدائه لا يغالطهم غَيْرُهُمْ فَيَكُونُ كَالْقِصَّةِ الَّتِي جَرَتْ بِخَيْبَرَ فَحَكَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقَسَامَةِ لِوَرَثَةِ الْقَتِيلِ لِمَا كَانَ بَيْنَ الْأَنْصَارِ وَبَيْنَ الْيَهُودِ مِنَ الْعَدَاوَةِ وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ سِوَاهُمْ وَعَنْ أَحْمَدَ نَحْوَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَمُعْظَمُ الْكُوفِيِّينَ وُجُودُ الْقَتِيلِ فِي الْمَحَلَّةِ وَالْقَرْيَةِ يُوجِبُ الْقَسَامَةَ وَلَا تَثْبُتُ الْقَسَامَةُ عِنْدَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنَ الصُّوَرِ السَّبْعِ السَّابِقَةِ إِلَّا هُنَا لِأَنَّهَا عِنْدَهُمْ هِيَ الصُّورَةُ الَّتِي حَكَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا بِالْقَسَامَةِ وَلَا قَسَامَةَ عِنْدَهُمْ إِلَّا إِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ وَبِهِ أَثَرٌ قَالُوا فَإِنْ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي الْمَسْجِدِ حَلَفَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ وَوَجَبَتِ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَذَلِكَ إِذَا ادَّعَوْا عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وُجُودُالْقَتِيلِ فِي الْمَحَلَّةِ يُوجِبُ الْقَسَامَةَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَثَرٌ وَنَحْوُهُ عَنْ دَاوُدَ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ ( فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَتَكَلَّمُ قَبْلَ صَاحِبِهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبِّرِ الْكُبْرُ فِي السِّنِّ فَصَمَتَ وَتَكَلَّمَ صَاحِبَاهُ وَتَكَلَّمَ مَعَهُمَا) مَعْنَى هَذَا أَنَّ الْمَقْتُولَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَلَهُ أَخٌ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَلَهُمَا ابْنَا عَمٍّ وَهُمَا مُحَيِّصَةُ وَحُوَيِّصَةُ وَهُمَا أَكْبَرُ سِنًّا مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَلَمَّا أَرَادَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَخُو الْقَتِيلِ أَنْ يَتَكَلَّمَ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبِّرْ أَيْ يَتَكَلَّمُ أَكْبَرُ مِنْكَ وَاعْلَمْ أَنَّ حَقِيقَةَ الدَّعْوَى إِنَّمَا هِيَ لِأَخِيهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَا حَقَّ فِيهَا لِابْنَيْ عَمِّهِ وَإِنَّمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَكَلَّمَ الْأَكْبَرُ وَهُوَ حُوَيِّصَةُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنِ الْمُرَادُ بِكَلَامِهِ حَقِيقَةَ الدَّعْوَى بَلْ سَمَاعَ صُورَةِ الْقِصَّةِ وَكَيْفَ جَرَتْ فَإِذَا أَرَادَ حَقِيقَةَ الدَّعْوَى تَكَلَّمَ صَاحِبُهَا وَيَحْتَمِلُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَكَّلَ حُوَيِّصَةَ فِي الدَّعْوَى وَمُسَاعَدَتِهِ أَوْ أُمِرَ بِتَوْكِيلِهِ وَفِي هَذَا فَضِيلَةُ السِّنِّ عِنْدَ التَّسَاوِي فِي الْفَضَائِلِ وَلِهَذَا نَظَائِرُ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ بِهَا فِي الْإِمَامَةِ وَفِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ نَدْبًا وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَولُهُ الْكُبْرَ فِي السِّنِّ مَعْنَاهُ يُرِيدُ الْكُبْرَ فِي السِّنِّ وَالْكُبْرُ مَنْصُوبٌ بِإِضْمَارِ يُرِيدُ وَنَحْوِهَا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لِلْكُبْرِ بِاللَّامِ وَهُوَ صَحِيحٌ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَتَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا فَتَسْتَحِقُّونَ صَاحِبَكُمْ أَوْ قَاتِلَكُمْ) قَدْ يُقَالُ كَيْفَ عُرِضَتِ الْيَمِينُ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْيَمِينُ لِلْوَارِثِ خَاصَّةً وَالْوَارِثُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ خَاصَّةً وَهُوَ أَخُو الْقَتِيلِ.
.
وَأَمَّا الْآخَرَانِ فَابْنَا عَمٍّ لَا مِيرَاثَ لَهُمَا مَعَ الْأَخِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ أَنَّ الْيَمِينَ تَخْتَصُّ بِالْوَارِثِ فَأَطْلَقَ الْخِطَابَ لَهُمْ وَالْمُرَادُ مَنْ تَخْتَصُّ بِهِ الْيَمِينُ وَاحْتَمَلَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا لِلْمُخَاطَبِينَ كَمَا سَمِعَ كَلَامَ الْجَمِيعِ فِي صُورَةِ قَتْلِهِ وَكَيْفِيَّةِ مَا جَرَى لَهُ وَإِنْ كَانَتْ حَقِيقَةُ الدَّعْوَى وَقْتَ الْحَاجَةِ مُخْتَصَّةً بِالْوَارِثِ.
.
وَأَمَّا .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتستحقونقَاتِلَكُمْ أَوْ صَاحِبَكُمْ فَمَعْنَاهُ يَثْبُتُ حَقُّكُمْ عَلَى مَنْ حَلَفْتُمْ عَلَيْهِ وَهَلْ ذَلِكَ الْحَقُّ قِصَاصٌ أَوْ دِيَةٌ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ إِنَّمَا يَجُوزُ لَهُمُ الْحَلِفُ إِذَا عَلِمُوا أَوْ ظَنُّوا ذَلِكَ وَإِنَّمَا عَرَضَ عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَمِينَ إِنْ وُجِدَ فِيهِمْ هَذَا الشَّرْطَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْإِذْنَ لَهُمْ فِي الْحَلِفِ مِنْ غَيْرِ ظَنٍّ وَلِهَذَا قَالُوا كَيْفَ نَحْلِفُ وَلَمْ نَشْهَدْ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا) أَيْ تَبْرَأُ إِلَيْكُمْ مِنْ دَعْوَاكُمْ بِخَمْسِينَ يَمِينًا وَقِيلَ مَعْنَاهُ يُخَلِّصُونَكُمْ مِنَ الْيَمِينِ بِأَنْ يَحْلِفُوا فَإِذَا حَلَفُوا انْتَهَتِ الْخُصُومَةُ وَلَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ وَخَلَصْتُمْ أَنْتُمْ مِنَ الْيَمِينِ وَفِي هَذَا دليل لصحة يمين الكافر والفاسق ويهود مَرْفُوعٌ غَيْرُ مُنَوَّنٍ لَا يَنْصَرِفُ لِأَنَّهُ اسْمُ للقبيلة وَالطَّائِفَةِ فَفِيهِ التَّأْنِيثُ وَالْعَلَمِيَّةُ .
قَوْلُهُ ( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى عَقْلَهُ) أَيْ دِيَتُهُ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قِبَلِهِ وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ عِنْدِهِ فَ.
قَوْلُهُ وَدَاهُ بِتَخْفِيفِ الدَّالِ أَيْ دَفَعَ دِيَتَهُ وَفِي رِوَايَةٍ فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبْطِلَ دَمَهُ فَوَدَاهُ مِائَةً مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ إِنَّمَا وَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطْعًا لِلنِّزَاعِ وَإِصْلَاحًا لِذَاتِ الْبَيْنَ فَإِنَّ أَهْلَ الْقَتِيلِ لَا يَسْتَحِقُّونَ إِلَّا أَنْ يَحْلِفُوا أَوْ يَسْتَحْلِفُوا الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ وَقَدِ امْتَنَعُوا مِنَ الْأَمْرَيْنِ وَهُمْ مَكْسُورُونَ بِقَتْلِ صَاحِبِهِمْ فَأَرَادَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَبْرَهُمْ وَقَطْعَ الْمُنَازَعَةِ وَإِصْلَاحَ ذَاتِ البينبدفع ديته من عنده وقوله فَوَدَاهُ مِنْ عِنْدِهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ خَالِصِ مَالِهِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ صَادَفَ ذَلِكَ عِنْدَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ وَمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ.
.
وَأَمَّا .
قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِنَّهَا غَلَطٌ مِنَ الرُّوَاةِ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ الْمَفْرُوضَةَ لَا تُصْرَفُ هَذَا الْمَصْرِفَ بَلْ هِيَ لِأَصْنَافٍ سَمَّاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا يَجُوزُ صَرْفُهَا مِنْ إِبِلِ الزَّكَاةِ لِهَذَا الْحَدِيثِ فَأَخَذَ بِظَاهِرِهِ.
وَقَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ مَعْنَاهُ اشْتَرَاهُ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ بَعْدَ أَنْ مَلَكُوهَا ثُمَّ دَفَعَهَا تَبَرُّعًا إِلَى أهل القتيل وحكى القاضي عن بعض العلماءأنه يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ فِي مَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَتَأَوَّلَ هذا الحديث عليه وتأوله بعضهم علىأن أولياء القتيل كانوا محتاجين ممن تُبَاحُ لَهُمُ الزَّكَاةُ وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَاطِلٌ لِأَنَّ هَذَا قَدْرٌ كَثِيرٌ لَا يُدْفَعُ إِلَى الْوَاحِدِ الحامل مِنَ الزَّكَاةِ بِخِلَافِ أَشْرَافِ الْقَبَائِلِ وَلِأَنَّهُ سَمَّاهُ دِيَةً وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ دَفَعَهُ مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ مِنَ الزَّكَاةِ اسْتِئْلَافًا لِلْيَهُودِ لَعَلَّهُمْ يُسْلِمُونَ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا يَجُوزُ صَرْفُهَا إِلَى كَافِرٍ فَالْمُخْتَارُ مَا حَكَيْنَاهُ عَنِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ مُرَاعَاةُ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَالِاهْتِمَامُ بِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ وَفِيهِ إِثْبَاتُ الْقَسَامَةِ وَفِيهِ الِابْتِدَاءُ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي فِي الْقَسَامَةِ وَفِيهِ رَدُّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِذَا نَكَلَ الْمُدَّعِي فِي الْقَسَامَةِ وَفِيهِ جَوَازُ الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ وَسَمَاعُ الدَّعْوَى فِي الدِّمَاءِ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ الْخَصْمِ وَفِيهِ جَوَازُ الْيَمِينِ بِالظَّنِّ وَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ وَفِيهِ أَنَّ الْحُكْمَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ يَكُونُ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ) هَذَا مِمَّا يَجِبُ تَأْوِيلُهُ لِأَنَّ الْيَمِينَ إِنَّمَا تَكُونُ عَلَى الْوَارِثِ خَاصَّةً لَا على غيره من القبيلةوتأويله عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّ مَعْنَاهُ يُؤْخَذُ مِنْكُمْ خَمْسُونَ يَمِينًا وَالْحَالِفُ هُمُ الْوَرَثَةُ فَلَا يَحْلِفُ أَحَدٌ مِنَ الْأَقَارِبِ غَيْرُ الْوَرَثَةِ يَحْلِفُ كُلُّ الْوَرَثَةِ ذُكُورًا كَانُوا أَوْ إِنَاثًا سَوَاءٌ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قال أبو ثور وبن الْمُنْذِرِ وَوَافَقَنَا مَالِكٌ فِيمَا إِذَا كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً.
.
وَأَمَّا فِي الْعَمْدِ فَقَالَ يَحْلِفُ الْأَقَارِبُ خَمْسِينَ يَمِينًا وَلَا تَحْلِفُ النِّسَاءُ وَلَا الصِّبْيَانُ وَوَافَقَهُ رَبِيعَةُ وَاللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَدَاوُدُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا فَتَسْتَحِقُّونَ صَاحِبَكُمْ فَجَعَلَ الْحَالِفَ هُوَ الْمُسْتَحِقَّ لِلدِّيَةِ وَالْقِصَاصِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ غير الوارثلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا فَدَلَّ أَنَّ الْمُرَادَ عَلَى حلف مَنْ يَسْتَحِقُّ الدِّيَةَ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَيُدْفَعُ بِرُمَّتِهِ) الرُّمَّةُ بِضَمِّ الرَّاءِ الْحَبْلُ وَالْمُرَادُ هُنَا الْحَبْلُ الَّذِي يُرْبَطُ فِي رَقَبَةِ الْقَاتِلِ وَيُسَلَّمُ فِيهِ إِلَى وَلِيِّ الْقَتِيلِ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ إِنَّ الْقَسَامَةَ يَثْبُتُ فِيهَا الْقِصَاصُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ مَذْهَبِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ وَتَأَوَّلَهُ الْقَائِلُونَ لَا قِصَاصَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يُسَلَّمَ لِيُسْتَوْفَى مِنْهُ الدِّيَةُ لِكَوْنِهَا ثَبَتَتْ عَلَيْهِ وَفِيهِ أَنَّ الْقَسَامَةَ إِنَّمَا تَكُونُ عَلَى وَاحِدٍ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ.
وَقَالَ أَشْهَبُ وَغَيْرُهُ يحلف الأولياء على ما شاء وأولا يقتلوا إلا واحدا وقال الشافعي رضي الله عنه أن ادعوا على جماعة حلفوا عليهم وثبتت عليهم الدية على الصحيح عند الشَّافِعِيُّ وَعَلَى قَوْلٍ أَنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَيْهِمْ وَإِنْ حَلَفُوا عَلَى وَاحِدٍ اسْتَحَقُّوا عَلَيْهِ وَحْدَهُ .
قَوْلُهُ ( فَدَخَلْتُ مِرْبَدًا لَهُمْ يَوْمًا فَرَكَضَتْنِي نَاقَةٌ مِنْ تِلْكَ الْإِبِلِ رَكْضَةً بِرِجْلِهَا) الْمِرْبَدُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْبَاءِ هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ الْإِبِلُ وَتُحْبَسُ وَالرَّبْدُ الْحَبْسُ وَمَعْنَى رَكَضَتْنِي رَفَسَتْنِي وَأَرَادَ بِهَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ ضَبَطَ الْحَدِيثَوَحَفِظَهُ حِفْظًا بَلِيغًا .
قَوْلُهُ ( فَوُجِدَ فِي شَرَبَةٍ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ وَهُوَ حَوْضٌ يَكُونُ فِي أَصْلِ النَّخْلَةِ وَجَمْعُهُ شَرَبٌ كَثَمَرَةٍ وَثَمَرٌ .
قَوْلُهُ ( لَقَدْ رَكَضَتْنِي فَرِيضَةٌ مِنْ تِلْكَ الْفَرَائِضِ) الْمُرَادُ بِالْفَرِيضَةِ هُنَا النَّاقَةُ مِنْ تِلْكَ النُّوقِ الْمَفْرُوضَةِ فِي الدِّيَةِ وَتُسَمَّى الْمَدْفُوعَةَ فِي الزَّكَاةِ أَوْ فِي الدِّيَةِ فَرِيضَةً لِأَنَّهَا مَفْرُوضَةٌ أَيْ مُقَدَّرَةٌ بِالسِّنِّ وَالْعَدَدِ.
.
وَأَمَّا قَوْلُ الْمَازِرِيِّ إِنَّ الْمُرَادَ بِالْفَرِيضَةِ هُنَاالنَّاقَةُ الْهَرِمَةُ فَقَدْ غَلِطَ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ ( فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبْطِلَ دَمَهُ فَوَدَاهُ مِائَةً مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ) هَذَا آخِرُ الْفَوَاتِ الَّذِي لَمْ يَسْمَعْهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُفْيَانَ مِنْ مُسْلِمٍ وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَ أَوَّلِهِ وَقَولُهُ عُقَيْبَ هَذَا حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ حَدَّثَنِي أَبُو لَيْلَى هُوَ أَوَّلُ سَمَاعِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سُفْيَانَ مِنْ مُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ هكذا هو في معظم النسخ وفي نسخة الحافظ بن عَسَاكِرَ أَنَّ آخِرَ الْفَوَاتِ آخِرُ حَدِيثِ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَأَوَّلُ السَّمَاعِ .
قَوْلُهُ عَقِبَهُ حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ .
قَوْلُهُ ( وَطُرِحَ فِي عَيْنٍ أَوْ فَقِيرٍ) الْفَقِيرُ هُنَا عَلَى لَفْظِ الْفَقِيرِ فِي الْآدَمِيِّينَ وَالْفَقِيرُهُنَا الْبِئْرُ الْقَرِيبَةُ الْقَعْرُ الْوَاسِعَةُ الْفَمُ وَقِيلَ هُوَ الْحَفِيرَةُ الَّتِي تَكُونُ حَوْلَ النَّخْلِ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ وَإِمَّا أَنْ يُؤْذَنُوا بِحَرْبٍ) مَعْنَاهُ إِنْ ثَبَتَ الْقَتْلُ عَلَيْهِمْ بِقَسَامَتِكُمْ فَإِمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ أَيْ يَدْفَعُوا إِلَيْكُمْ دِيَتَهُ وَإِمَّا أَنْ يُعْلِمُونَا أَنَّهُمْ مُمْتَنِعُونَ مِنَ الْتِزَامِ أَحْكَامِنَا فَيُنْتَقَضُعَهْدُهُمْ وَيَصِيرُونَ حَرْبًا لَنَا وَفِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ يَقُولُ الْوَاجِبُ بِالْقَسَامَةِ الدِّيَةُ دُونَ الْقِصَاصِ .
قَوْلُهُ خَرَجَا إِلَى خَيْبَرَ مِنْ جَهْدٍ أَصَابَهُمْ هُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَهُوَ الشِّدَّةُ وَالْمَشَقَّةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(
[1669] محيصة وحويصة بتَشْديد الْيَاء فيهمَا وتخفيفهما وَالتَّشْدِيد أشهر كبر أَي ليَتَكَلَّم أكبر مِنْك الْكبر فِي السن هُوَ مَنْصُوب بإضمار يُرِيد وَفِي نُسْخَة للكبي بِاللَّامِ أتحلفون أَي الْوَارِث مِنْكُم فتبرئكم يهود أَي تَبرأ إِلَيْكُم من دعواكم وَقيل مَعْنَاهُ يخلصونكم من الْيَمين بِأَن يحلفوا يقسم خَمْسُونَ مِنْكُم على رجل مِنْهُم قَالَ النَّوَوِيّ هَذَا مِمَّا يجب تَأْوِيله لِأَن الْيَمين إِنَّمَا تكون على الْوَارِث خَاصَّة لَا على غَيره من الْقَبِيلَة وَالْمعْنَى يُؤْخَذ مِنْكُم خَمْسُونَ يَمِينا والحالف هم الْوَرَثَة قلت بِخَط الصريفيني يقسم خَمْسُونَ مِنْكُم وَهَذِه وَاضِحَة لَا تحْتَاج الى دَلِيل فَيدْفَع برمتِهِ بِضَم الرَّاء وَهِي الْحَبل الَّذِي يرْبط فِي رَقَبَة الْقَاتِل وَيسلم فِيهِ إِلَى ولي الْقَتِيل فوداه بتَخْفِيف الدَّال أَي دفع دِيَته مربدا بِكَسْر الْمِيم وَفتح الْبَاء الْموضع الَّذِي تحبس فِيهِ الْإِبِل فركضتني أَي رفستني فِي شربة بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَالرَّاء وَهُوَ حَوْض يكون فِي أصل النَّخْلَة فَرِيضَة من تِلْكَ الْفَرَائِض أَي نَاقَة من تِلْكَ النوق الْمَفْرُوضَة فِي الدِّيَة قَالَ النَّوَوِيّ وَأما قَول الْمَازرِيّ المُرَاد بالفريضة الهرمة فقد غلطوه فِيهِ من إبل الصَّدَقَة قَالَ النَّوَوِيّ قَالَ بعض الْعلمَاء هَذِه الْجُمْلَة غلط من الروَاة لِأَن الصَّدَقَة الْمَفْرُوضَة لَا تصرف هَذَا الْمصرف بل هِيَ لأصناف سَمَّاهَا الله تَعَالَى.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي من أَصْحَابنَا يجوز صرفهَا من إبل الصَّدَقَة لهَذَا الحَدِيث فَأخذ بِظَاهِرِهِ.
وَقَالَ جُمْهُور أَصْحَابنَا وَغَيرهم مَعْنَاهُ اشْتَرَاهَا من أهل الصَّدَقَة بعد أَن ملكوها ثمَّ دَفعهَا تَبَرعا إِلَى أهل الْقَتِيل أَو فَقير بِلَفْظ الْفَقِير من الْآدَمِيّين وَهِي الْبِئْر الْقَرِيبَة القعر الواسعة الْفَم وَقيل الحفرة الَّتِي تكون حول النّخل
[ سـ
:3259 ... بـ
:1669]
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ يَحْيَى وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ يَحْيَى وَحَسِبْتُ قَالَ وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّهُمَا قَالَا خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلِ بْنِ زَيْدٍ وَمُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ زَيْدٍ حَتَّى إِذَا كَانَا بِخَيْبَرَ تَفَرَّقَا فِي بَعْضِ مَا هُنَالِكَ ثُمَّ إِذَا مُحَيِّصَةُ يَجِدُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ قَتِيلًا فَدَفَنَهُ ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ وَحُوَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ وَكَانَ أَصْغَرَ الْقَوْمِ فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لِيَتَكَلَّمَ قَبْلَ صَاحِبَيْهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبِّرْ الْكُبْرَ فِي السِّنِّ فَصَمَتَ فَتَكَلَّمَ صَاحِبَاهُ وَتَكَلَّمَ مَعَهُمَا فَذَكَرُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقْتَلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ فَقَالَ لَهُمْ أَتَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا فَتَسْتَحِقُّونَ صَاحِبَكُمْ أَوْ قَاتِلَكُمْ قَالُوا وَكَيْفَ نَحْلِفُ وَلَمْ نَشْهَدْ قَالَ فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا قَالُوا وَكَيْفَ نَقْبَلُ أَيْمَانَ قَوْمٍ كُفَّارٍ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى عَقْلَهُ
ذَكَرَ مُسْلِمٌ حَدِيثَ حُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ بِاخْتِلَافِ أَلْفَاظِهِ وَطُرُقِهِ حِينَ وَجَدَ مُحَيِّصَةُ ابْنَ عَمِّهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ قَتِيلًا بِخَيْبَرَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَوْلِيَائِهِ : تَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا ، وَتَسْتَحِقُّونَ صَاحِبَكُمْ أَوْ قَاتِلَكُمْ ، وَفِي رِوَايَةٍ : ( تَسْتَحِقُّونَ قَاتِلَكُمْ أَوْ صَاحِبَكُمْ ) .
أَمَّا ( حُوَيِّصَةُ وَمُحَيِّصَةُ ) فَبِتَشْدِيدِ الْيَاءِ فِيهِمَا وَبِتَخْفِيفِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ ، وَقَدْ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي ، أَشْهَرُهُمَا : التَّشْدِيدُ ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ : حَدِيثُ الْقَسَامَةِ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الشَّرْعِ ، وَقَاعِدَةٌ مِنْ قَوَاعِدِ الْأَحْكَامِ ، وَرُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ مَصَالِحِ الْعِبَادِ ، وَبِهِ أَخَذَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ الْحِجَازِيِّينَ وَالشَّامِيِّين وَالْكُوفِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى - وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْأَخْذِ بِهِ ، وَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ إِبْطَالُ الْقَسَامَةِ ، وَأَنَّهُ لَا حُكْمَ لَهَا ، وَلَا عَمَلَ بِهَا ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ وَقَتَادَةُ وَأَبُو قِلَابَةَ وَمُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ وَابْنُ عُلَيَّةَ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمْ ، وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ ، وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِهَا فِيمَا إِذَا كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا هَلْ يَجِبُ الْقِصَاصُ بِهَا ؟ فَقَالَ مُعْظَمُ الْحِجَازِيِّينَ : يَجِبُ ، وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ وَأَبِي الزِّنَادِ وَمَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَاللَّيْثِ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَدَاوُدَ ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ .
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، قَالَ أَبُو الزِّنَادِ : قُلْنَا بِهَا وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَافِرُونَ ، إِنِّي لَأَرَى أَنَّهُمْ أَلْفُ رَجُلٍ ، فَمَا اخْتَلَفَ مِنْهُمُ اثْنَانِ ،.
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي أَصَحِّ قَوْلَيْهِ : لَا يَجِبُ بِهَا الْقِصَاصُ ، وَإِنَّمَا تَجِبُ الدِّيَةُ ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَعُثْمَانَ اللَّيْثِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ ، وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَمُعَاوِيَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ .
وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ يَحْلِفُ فِي الْقَسَامَةِ ; فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ : يَحْلِفُ الْوَرَثَةُ ، وَيَجِبُ الْحَقُّ بِحَلِفِهِمْ خَمْسِينَ يَمِينًا ، وَاحْتَجُّوا بِهَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ ، وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِالِابْتِدَاءِ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي ، وَهُوَ ثَابِتٌ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ صِحَاحٍ لَا تَنْدَفِعُ .
قَالَ مَالِكٌ : الَّذِي أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا أَنَّ الْمُدَّعِينَ يَبْدَءُونَ فِي الْقَسَامَةِ ، وَلِأَنَّ جَنَبَةَ الْمُدَّعِي صَارَتْ قَوِيَّةً بِاللَّوْثِ قَالَ الْقَاضِي : وَضَعَّفَ هَؤُلَاءِ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى الِابْتِدَاءَ بِيَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ ، قَالَ أَهْلُ الْحَدِيثِ : هَذِهِ الرِّوَايَةُ وَهْمٌ مِنَ الرَّاوِينَ ; لِأَنَّهُ أَسْقَطَ الِابْتِدَاءَ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي وَلَمْ يَذْكُرْ رَدَّ الْيَمِينِ ، وَلِأَنَّ مَنْ رَوَى الِابْتِدَاءَ بِالْمُدَّعِينَ مَعَهُ زِيَادَةٌ ، وَرِوَايَاتُهَا صِحَاحٌ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ مَشْهُورَةٍ ، فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهَا وَلَا تُعَارِضُهَا رِوَايَةُ مَنْ نَسِيَ.
وَقَالَ : كُلُّ مَنْ لَمْ يُوجِبِ الْقِصَاصَ وَاقْتَصَرَ عَلَى الدِّيَةِ يَبْدَأُ بِيَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ إِلَّا الشَّافِعِيَّ وَأَحْمَدَ فَقَالَا بِقَوْلِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي ، فَإِنْ نَكَلَ رُدَّتْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ .
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ قِصَاصٌ وَلَا دِيَةٌ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى ، حَتَّى تَقْتَرِنَ بِهَا شُبْهَةٌ يُغَلَّبُ الظَّنُّ بِهَا .
وَاخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الشُّبْهَةِ الْمُعْتَبَرَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَسَامَةِ وَلَهَا سَبْعُ صُوَرٍ :
الْأُولَى : أَنْ يَقُولَ الْمَقْتُولُ فِي حَيَاتِهِ : دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ ، وَهُوَ قَتَلَنِي أَوْ ضَرَبَنِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ أَثَرٌ ، أَوْ فَعَلَ بِي هَذَا مِنْ إِنْفَاذِ مَقَاتِلِي أَوْ جَرَحَنِي .
وَيَذْكُرُ الْعَمْدَ فَهَذَا مُوجِبٌ لِلْقَسَامَةِ عِنْدَ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ ، وَادَّعَى مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ مِمَّا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا ، قَالَ الْقَاضِي : وَلَمْ يَقُلْ بِهَذَا مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ غَيْرُهُمَا ، وَلَا رُوِيَ عَنْ غَيْرِهِمَا ، وَخَالَفَا فِي ذَلِكَ الْعُلَمَاءَ كَافَّةً فَلَمْ يَرَ أَحَدٌ غَيْرُهُمَا فِي هَذَا قَسَامَةً ، وَاشْتَرَطَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وُجُودَ الْأَثَرِ وَالْجُرْحِ فِي كَوْنِهِ قَسَامَةً ، وَاحْتَجَّ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ بِقَضِيَّةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقَوْلِهِ تَعَالَى : فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى قَالُوا : فَحَيِيَ الرَّجُلُ فَأَخْبَرَ بِقَاتِلِهِ ، وَاحْتَجَّ أَصْحَابُ مَالِكٍ أَيْضًا بِأَنَّ تِلْكَ حَالَةٌ يُطْلَبُ بهَا غَفْلَةُ النَّاسِ ، فَلَوْ شَرَطْنَا الشَّهَادَةَ وَأَبْطَلْنَا قَوْلَ الْمَجْرُوحِ أَدَّى ذَلِكَ إِلَى إِبْطَالِ الدِّمَاءِ غَالِبًا ، قَالُوا : وَلِأَنَّهَا حَالَةٌ يَتَحَرَّى فِيهَا الْمَجْرُوحُ الصِّدْقَ وَيَتَجَنَّبُ الْكَذِبَ وَالْمَعَاصِيَ ، وَيَتَزَوَّدُ الْبِرَّ وَالتَّقْوَى ، فَوَجَبَ قَبُولُ قَوْلِهِ ، وَاخْتَلَفَ الْمَالِكِيَّةُ فِي أَنَّهُ هَلْ يُكْتَفَى فِي الشَّهَادَةِ عَلَى قَوْلِهِ بِشَاهِدٍ أَمْ لَا بُدَّ مِنَ اثْنَيْنِ .
الثَّانِيَةُ : اللَّوْثُ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ عَلَى مُعَايَنَةِ الْقَتْلِ ، وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ ، وَمِنَ اللَّوْثِ شَهَادَةُ الْعَدْلِ وَحْدَهُ ، وَكَذَا قَوْلُ جَمَاعَةٍ لَيْسُوا عُدُولًا .
وَالثَّالِثَةُ : إِذَا شَهِدَ عَدْلَانِ بِالْجُرْحِ فَعَاشَ بَعْدَهُ أَيَّامًا ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُفِيقَ مِنْهُ ، قَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ : هُوَ لَوْثٌ ،.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : لَا قَسَامَةَ هُنَا بَلْ يَجِبُ الْقِصَاصُ بِشَهَادَةِ الْعَدْلَيْنِ .
الرَّابِعَةُ : يُوجَدُ الْمُتَّهَمُ عِنْدَ الْمَقْتُولِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ أَوْ آتِيًا مِنْ جِهَتِهِ ، وَمَعَهُ آلَةُ الْقَتْلِ ، وَعَلَيْهِ أَثَرُهُ مِنْ لَطْخِ دَمِ غَيْرِهِ ، وَلَيْسَ هُنَاكَ سَبْعٌ وَلَا غَيْرُهُ مِمَّا يُمْكِنُ إِحَالَةُ الْقَتْلِ عَلَيْهِ ، أَوْ تَفَرَّقَ جَمَاعَةٌ عَنْ قَتِيلٍ ، فَهَذَا لَوْثٌ مُوجِبٌ لِلْقَسَامَةِ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ .
الْخَامِسَةُ : أَنْ يَقْتَتِلَ طَائِفَتَانِ فَيُوجَدُ بَيْنَهُمَا قَتِيلٌ ; فَفِيهِ الْقَسَامَةُ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ ، وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ : لَا قَسَامَةَ ; بَلْ فِيهِ دِيَةٌ عَلَى الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى إِنْ كَانَ مِنْ أَحَدِ الطَّائِفَتَيْنِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِمَا فَعَلَى الطَّائِفَتَيْنِ دِيَتُهُ .
السَّادِسَةُ : يُوجَدُ الْمَيِّتُ فِي زَحْمَةِ النَّاسِ ، قَالَ الشَّافِعِيُّ : تَثْبُتُ فِيهِ الْقَسَامَةُ ، وَتَجِبُ بِهَا الدِّيَةُ ،.
وَقَالَ مَالِكٌ : هُوَ هَدَرٌ ،.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَإِسْحَاقُ : تَجِبُ دِيَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ ، وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ .
وَالسَّابِعَةُ : أَنْ يُوجَدَ فِي مَحَلَّةِ قَوْمٍ أَوْ قَبِيلَتِهِمْ أَوْ مَسْجِدِهِمْ ، فَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَدَاوُدُ وَغَيْرُهُمْ : لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ هَذَا قَسَامَةٌ ، بَلِ الْقَتْلُ هَدَرٌ ; لِأَنَّهُ قَدْ يَقْتُلُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ وَيُلْقِيهِ فِي مَحَلَّةِ طَائِفَةٍ لِيُنْسَبَ إِلَيْهِمْ ، قَالَ الشَّافِعِيُّ : إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلَّةِ أَعْدَائِهِ لَا يُخَالِطُهُمْ غَيْرُهُمْ ، فَيَكُونُ كَالْقِصَّةِ الَّتِي جَرَتْ بِخَيْبَرَ ، فَحَكَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقَسَامَةِ لِوَرَثَةِ الْقَتِيلِ ، لِمَا كَانَ بَيْنَ الْأَنْصَارِ وَبَيْنَ الْيَهُودِ مِنَ الْعَدَاوَةِ ، وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ سِوَاهُمْ ، وَعَنْ أَحْمَدَ نَحْوَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ ، .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَمُعْظَمُ الْكُوفِيِّينَ : وُجُودُ الْقَتِيلِ فِي الْمَحَلَّةِ وَالْقَرْيَةِ يُوجِبُ الْقَسَامَةَ ، وَلَا تَثْبُتُ الْقَسَامَةُ عِنْدَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنَ الصُّوَرِ السَّبْعِ السَّابِقَةِ إِلَّا هُنَا لِأَنَّهَا عِنْدَهُمْ هِيَ الصُّورَةُ الَّتِي حَكَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا بِالْقَسَامَةِ ، وَلَا قَسَامَةَ عِنْدَهُمْ إِلَّا إِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ وَبِهِ أَثَرٌ ، قَالُوا : فَإِنْ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي الْمَسْجِدِ حَلَفَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ ، وَوَجَبَتِ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ ، وَذَلِكَ إِذَا ادَّعَوْا عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ ،.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ : وُجُودُ الْقَتِيلِ فِي الْمَحَلَّةِ يُوجِبُ الْقَسَامَةَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَثَرٌ ، وَنَحْوُهُ عَنْ دَاوُدَ ، هَذَا آخرُ كَلَامِ الْقَاضِي ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ : ( فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَتَكَلَّمُ قَبْلَ صَاحِبِهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كَبِّرِ الْكُبْرُ فِي السِّنِّ .
فَصَمَتَ وَتَكَلَّمَ صَاحِبَاهُ وَتَكَلَّمَ مَعَهُمَا ) مَعْنَى هَذَا : أَنَّ الْمَقْتُولَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَلَهُ أَخٌ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَلَهُمَا ابْنَا عَمٍّ ، وَهُمَا مُحَيِّصَةُ وَحُوَيِّصَةُ ، وَهُمَا أَكْبَرُ سِنًّا مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، فَلَمَّا أَرَادَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَخُو الْقَتِيلِ أَنْ يَتَكَلَّمَ ، قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كَبِّرْ " أَيْ يَتَكَلَّمُ أَكْبَرُ مِنْكَ .
وَاعْلَمْ أَنَّ حَقِيقَةَ الدَّعْوَى إِنَّمَا هِيَ لِأَخِيهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَا حَقَّ فِيهَا لِابْنَيْ عَمِّهِ ، وَإِنَّمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَكَلَّمَ الْأَكْبَرُ ، وَهُوَ حُوَيِّصَةُ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنِ الْمُرَادُ بِكَلَامِهِ حَقِيقَةَ الدَّعْوَى ; بَلْ سَمَاعَ صُورَةِ الْقِصَّةِ ، وَكَيْفَ جَرَتْ ، فَإِذَا أَرَادَ حَقِيقَةَ الدَّعْوَى تَكَلَّمَ صَاحِبُهَا ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَكَّلَ حُوَيِّصَةَ فِي الدَّعْوَى وَمُسَاعَدَتِهِ ، أَوْ أُمِرَ بِتَوْكِيلِهِ ، وَفِي هَذَا فَضِيلَةُ السِّنِّ عِنْدَ التَّسَاوِي فِي الْفَضَائِلِ ، وَلِهَذَا نَظَائِرُ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ بِهَا فِي الْإِمَامَةِ وَفِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ نَدْبًا وَغَيْرِ ذَلِكَ .
وَقَوْلُهُ ( الْكُبْرَ فِي السِّنِّ ) مَعْنَاهُ يُرِيدُ الْكُبْرَ فِي السِّنِّ ، وَالْكُبْرُ مَنْصُوبٌ بِإِضْمَارِ " يُرِيدُ " وَنَحْوِهَا .
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ ( لِلْكُبْرِ ) بِاللَّامِ ، وَهُوَ صَحِيحٌ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَتَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا فَتَسْتَحِقُّونَ صَاحِبَكُمْ أَوْ قَاتِلَكُمْ قَدْ يُقَالُ كَيْفَ عُرِضَتِ الْيَمِينُ عَلَى الثَّلَاثَةِ ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْيَمِينُ لِلْوَارِثِ خَاصَّةً وَالْوَارِثُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ خَاصَّةً ، وَهُوَ أَخُو الْقَتِيلِ ،.
وَأَمَّا الْآخَرَانِ فَابْنَا عَمٍّ لَا مِيرَاثَ لَهُمَا مَعَ الْأَخِ ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ أَنَّ الْيَمِينَ تَخْتَصُّ بِالْوَارِثِ ، فَأَطْلَقَ الْخِطَابَ لَهُمْ ، وَالْمُرَادُ مَنْ تَخْتَصُّ بِهِ الْيَمِينُ .
وَاحْتَمَلَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا لِلْمُخَاطَبِينَ كَمَا سَمِعَ كَلَامَ الْجَمِيعِ فِي صُورَةِ قَتْلِهِ ، وَكَيْفِيَّةِ مَا جَرَى لَهُ ، وَإِنْ كَانَتْ حَقِيقَةُ الدَّعْوَى وَقْتَ الْحَاجَةِ مُخْتَصَّةً بِالْوَارِثِ ..
وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَتَسْتَحِقُّونَ قَاتِلَكُمْ أَوْ صَاحِبَكُمْ ) فَمَعْنَاهُ : يَثْبُتُ حَقُّكُمْ عَلَى مَنْ حَلَفْتُمْ عَلَيْهِ ، وَهَلْ ذَلِكَ الْحَقُّ قِصَاصٌ أَوْ دِيَةٌ ؟ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ .
وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ إِنَّمَا يَجُوزُ لَهُمُ الْحَلِفُ إِذَا عَلِمُوا أَوْ ظَنُّوا ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا عَرَضَ عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَمِينَ إِنْ وُجِدَ فِيهِمْ هَذَا الشَّرْطَ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْإِذْنَ لَهُمْ فِي الْحَلِفِ مِنْ غَيْرِ ظَنٍّ ، وَلِهَذَا قَالُوا : كَيْفَ نَحْلِفُ وَلَمْ نَشْهَدْ ؟ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا ) أَيْ تَبْرَأُ إِلَيْكُمْ مِنْ دَعْوَاكُمْ بِخَمْسِينَ يَمِينًا ، وَقِيلَ : مَعْنَاهُ يُخَلِّصُونَكُمْ مِنَ الْيَمِينِ بِأَنْ يَحْلِفُوا ، فَإِذَا حَلَفُوا انْتَهَتِ الْخُصُومَةُ ، وَلَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ ، وَخَلَصْتُمْ أَنْتُمْ مِنَ الْيَمِينِ .
وَفِي هَذَا دَلِيلٌ لِصِحَّةِ يَمِينِ الْكَافِرِ وَالْفَاسِقِ ، وَ ( يَهُودُ ) مَرْفُوعٌ غَيْرُ مُنَوَّنٍ لَا يَنْصَرِفُ ; لِأَنَّهُ اسْمُ الْقَبِيلَةِ وَالطَّائِفَةِ ، فَفِيهِ التَّأْنِيثُ وَالْعَلَمِيَّةُ .
قَوْلُهُ : ( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى عَقْلَهُ ) أَيْ : دِيَتُهُ ، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : ( فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قِبَلِهِ ) وَفِي رِوَايَةٍ : ( مِنْ عِنْدِهِ ) .
فَقَوْلُهُ : ( وَدَاهُ ) بِتَخْفِيفِ الدَّالِ ، أَيْ : دَفَعَ دِيَتَهُ ، وَفِي رِوَايَةٍ : ( فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبْطِلَ دَمَهُ فَوَدَاهُ مِائَةً مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ ) إِنَّمَا وَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطْعًا لِلنِّزَاعِ ، وَإِصْلَاحًا لِذَاتِ الْبَيْنَ ، فَإِنَّ أَهْلَ الْقَتِيلِ لَا يَسْتَحِقُّونَ إِلَّا أَنْ يَحْلِفُوا أَوْ يَسْتَحْلِفُوا الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ ، وَقَدِ امْتَنَعُوا مِنَ الْأَمْرَيْنِ ، وَهُمْ مَكْسُورُونَ بِقَتْلِ صَاحِبِهِمْ ، فَأَرَادَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَبْرَهُمْ وَقَطْعَ الْمُنَازَعَةِ وَإِصْلَاحَ ذَاتِ الْبَيْنِ بِدَفْعِ دِيَتِهِ مِنْ عِنْدِهِ .
قَوْلُهُ : ( فَوَدَاهُ مِنْ عِنْدِهِ ) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ خَالِصِ مَالِهِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ صَادَفَ ذَلِكَ عِنْدَهُ ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ وَمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ : ( مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ ) فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : إِنَّهَا غَلَطٌ مِنَ الرُّوَاةِ ; لِأَنَّ الصَّدَقَةَ الْمَفْرُوضَةَ لَا تُصْرَفُ هَذَا الْمَصْرِفَ ، بَلْ هِيَ لِأَصْنَافٍ سَمَّاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى ،.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا : يَجُوزُ صَرْفُهَا مِنْ إِبِلِ الزَّكَاةِ لِهَذَا الْحَدِيثِ ، فَأَخَذَ بِظَاهِرِهِ ..
وَقَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ : مَعْنَاهُ اشْتَرَاهُ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ بَعْدَ أَنْ مَلَكُوهَا ثُمَّ دَفَعَهَا تَبَرُّعًا إِلَى أَهْلِ الْقَتِيلِ ، وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ فِي مَصَالِحِ الْعَامَّةِ ، وَتَأَوَّلَ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَيْهِ ، وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ أَوْلِيَاءَ الْقَتِيلِ كَانُوا مُحْتَاجِينَ وَمِمَّنْ تُبَاحُ لَهُمُ الزَّكَاةُ ، وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَاطِلٌ ; لِأَنَّ هَذَا قَدْرٌ كَثِيرٌ لَا يُدْفَعُ إِلَى الْوَاحِدِ الْخَامِلِ مِنَ الزَّكَاةِ بِخِلَافِ أَشْرَافِ الْقَبَائِلِ ، وَلِأَنَّهُ سَمَّاهُ دِيَةً ، وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ دَفَعَهُ مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ مِنَ الزَّكَاةِ اسْتِئْلَافًا لِلْيَهُودِ ، لَعَلَّهُمْ يُسْلِمُونَ ، وَهَذَا ضَعِيفٌ ; لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا يَجُوزُ صَرْفُهَا إِلَى كَافِرٍ ، فَالْمُخْتَارُ مَا حَكَيْنَاهُ عَنِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ .
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ : أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ مُرَاعَاةُ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ ، وَالِاهْتِمَامُ بِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ .
وَفِيهِ إِثْبَاتُ الْقَسَامَةِ .
وَفِيهِ الِابْتِدَاءُ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي فِي الْقَسَامَةِ .
وَفِيهِ رَدُّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِذَا نَكَلَ الْمُدَّعِي فِي الْقَسَامَةِ .
وَفِيهِ جَوَازُ الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ ، وَسَمَاعُ الدَّعْوَى فِي الدِّمَاءِ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ الْخَصْمِ .
وَفِيهِ جَوَازُ الْيَمِينِ بِالظَّنِّ وَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ .
وَفِيهِ أَنَّ الْحُكْمَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ يَكُونُ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ .