شرح تعريف الصحيح لذاته

سبق أن الصحيح لذاته: ما رواه عدل تام الضبط بسند متصل، وسلم من الشذوذ والعلة القادحة. فالعدالة: استقامة الدين والمروءة. فاستقامة الدين: أداء الواجبات، واجتناب ما يوجب الفسق من المحرمات. واستقامة المروءة: أن يفعل ما يحمده الناس عليه من الآداب والأخلاق، ويترك ما يذمّه الناس عليه من ذلك وتعرف عدالة الراوي بالاستفاضة كالأئمة المشهورين: مالك وأحمد والبخاري ونحوهم، وبالنص عليها ممن يعتبر قوله في ذلك. وتمام الضبط: أن يؤدي ما تحمّله من مسموع، أو مرئي على الوجه الذي تحمله من غير زيادة ولا نقص، لكن لا يضر خطأ يسير؛ لأنه لا يسلم منه أحد. ويعرف ضبط الراوي بموافقته الثقات والحفاظ ولو غالباً، وبالنص عليه ممن يعتبر قوله في ذلك. واتصال السند: أن يتلقى كل راو ممن روى عنه مباشرة أو حكماً. فالمباشرة: أن يلاقي من روى عنه فيسمع منه، أو يرى، ويقول: حدثني، أو سمعت، أو رأيت فلاناً ونحوه. والحكم: أن يروي عمن عاصره بلفظ يحتمل السماع والرؤية، مثل: قال فلان، أو: عن فلان، أو: فعل فلان، ونحوه. وهل يشترط مع المعاصرة ثبوت الملاقاة أو يكفي إمكانها؟ على قولين؛ قال بالأول البخاري، وقال بالثاني مسلم. قال النووي عن قول مسلم: أنكره المحققون، قال: وإن كنا لا نحكم على مسلم بعمله في "صحيحه" بهذا المذهب لكونه يجمع طرقاً كثيرة يتعذر معها وجود هذا الحكم الذي جوزه، والله أعلم . ومحل هذا في غير المدلِّس، أما المدلِّس فلا يحكم لحديثه بالاتصال إلا ما صرح فيه بالسماع أو الرؤية. ويعرف عدم اتصال السند بأمرين: أحدهما: العلم بأن المروي عنه مات قبل أن يبلغ الراوي سن التمييز. ثانيهما: أن ينص الراوي أو أحد أئمة الحديث على أنه لم يتصل بمن روى عنه، أو لم يسمع، أو ير منه ما حَدَّث به عنه. والشذوذ: أن يخالف الثقة من هو أرجح منه إما: بكمال العدالة، أو تمام الضبط، وكثرة العدد، أو ملازمة المروي عنه، أو نحو ذلك. مثاله: حديث عبد الله بن زيد في صفة وضوء النبي صلّى الله عليه وسلّم: أنه مسح برأسه بماء غير فضل يده، فقد رواه مسلم بهذا اللفظ من طريق ابن وهب، ورواه البيهقي من طريقه أيضاً بلفظ: أنه أخذ لأذنيه ماء خلاف الماء الذي أخذه لرأسه. ورواية البيهقي شاذة؛ لأن راويه عن ابن وهب ثقة، لكنه مخالف لمن هو أكثر منه. حيث رواه جماعة عن ابن وهب بلفظ رواية مسلم، وعليه فرواية البيهقي غير صحيحة، وإن كان رواتها ثقات؛ لعدم سلامتها من الشذوذ. والعلة القادحة: أن يتبين بعد البحث في الحديث سبب يقدح في قبوله. بأن يتبين أنه منقطع، أو موقوف، أو أن الراوي فاسق، أو سيِّئ الحفظ، أو مبتدع والحديث يقوي بدعته، ونحو ذلك؛ فلا يحكم للحديث بالصحة حينئذٍ؛ لعدم سلامته من العلة القادحة. مثاله: حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: "لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن" . فقد رواه الترمذي وقال: لا نعرفه إلا من حديث إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة ... إلخ. فظاهر الإسناد الصحة، لكن أُعلّ بأن رواية إسماعيل عن الحجازيين ضعيفة، وهذا منها، وعليه فهو غير صحيح لعدم سلامته من العلة القادحة. فإن كانت العلة غير قادحة لم تمنع من صحة الحديث أو حسنه. مثاله: حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: "من صام رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوال كان كصيام الدهر" . فقد رواه مسلم من طريق سعد بن سعيد، وأُعلَّ الحديث به، لأن الإمام أحمد ضعفه. وهذه العلة غير قادحة؛ لأن بعض الأئمة وثّقه، ولأن له متابعاً، وإيراد مسلم له في "صحيحه" يدل على صحته عنده، وأن العلة غير قادحة.