فهرس الكتاب

سفيان بن سعيد الثوري

ومن الطبقة السادسة: 443 سفيان بن سعيد الثوري عبد الله بن محمد بن أيوف المخرمي قال: سمعت يزيد بن هارون يقول: أخذ العلم عن سفيان الثوري وهو ابن ثلاثين سنة.
يزيد بن عبد الرحمن بن مصعب قال: سمعت أبي يقول: سمعت سفيان الثوري يقول: لو لم أعلم لكان أقل لحزني.
عن محمد بن يوسف الفريابي قال: قلت لسفيان الثوري: أرى الناس يقولون سفيان الثوري، وأنت تنام الليل.
فقال لي: اسكت، ملاك هذا الأمر التقوى.
يحيى بن أيوب المقابري قال: سمعت علي بن ثابت يقول: رأيت الثوري في طريق مكة فقومت كل شيء عليه، حتى نعليه: درهماً وأربعة دوانق.
يحيى بن أيوب قال: سمعت علي بن ثابت قال: لو لقيت سفيان في طريق مكة ومعك فلسان تريد أن تتصدق بهما وأنت لا تعرف سفيان ظننت أنك ستضعهما في يده.
وما رأيت سفيان في صدر المجلس قط، إنما كان يقعد إلى جانب الحائط ويستند إلى الحائط ويجمع بين ركبتيه، عن علي بن عثام بن علي قال: سمعت أبي قال: سمعت سفيان الثوري يقول: لقد خفت الله خوفاً عجباً لي، كيف لا أموت لكن لي أجل أنا بالغه، ولقد خفت الله خوفاً وددت أنه خفف عني منه ما أخاف أن يذهب عقلي.
عبد الرحمن بن عبد الله قال: قال سفيان إني لأضع يدي على رأسي من الليل إذا سمعت صيحة فأقول: قد جاءنا العذاب.
عن عبثر قال: قام سفيان يصلي قبل الزوال فمر بهذه الآية: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ، فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ} فخرج ناداً فما لحقوه إلا في الحمراء فردوه.
قال السني: وقال عمرو العتابي، عن سفيان: ما من موطن من المواطن أشد علي من سكرة الموت أخاف أن يشدد علي، فاسأل التخفيف فلا أجاب فأفتتن.
يوسف بن أسباط قال: قال لي سفيان، وقد صلينا العشاء الآخرة ناولني المطهرة فناولته فأخذها بيمينه ووضع يساره على خده.
ونمت فاستيقظت وقد طلع الفجر فنظرت فإذا المطهرة بيمينه ويساره على خده، فقلت: يا أبا عبد الله هذا الفجر قد طلع.
قال: لم أزل منذ ناولتني هذه المطهر أتفكر في أمر الآخرة حتى الساعة.
قال يوسف بن أسباط: كان سفيان الثوري إذا أخذ في الفكر بال الدم.
أبو يزيد محمد بن حسان قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: ما عاشرت في الناس رجلاً أرق من سفيان، وكنت أرمقه الليلة بعد الليلة فما كان ينام إلا أول الليل ثم ينتفض فزعاً مرعوباً ينادي: النار النار، شغلني ذكر النار عن النوم والشهوات، ثم يتوضأ ويقول على إثر وضوئه: اللهم إنك عالم بحاجتي غير معلم، وما أطلب إلا فكاك رقبتي من النار، إلهي: إن الجزع قد أرقني وذلك من نعمتك السابغة علي، إلهي: لو كان لي عذر في التخلي ما أقمت مع الناس طرفة عين ثم يقبل على صلاته.
وكان البكاء يمنعه من القراءة حتى إن كنت لا أستطيع سماع قراءته من كثرة بكائه.
وما كنت أقدر أن أنظر إليه استحياء وهيبة منه.
إسحاق بن إبراهيم الحنيني قال: كنا في مجلس الثوري وهو يسأل رجلاً عما يصنع في ليله فيخبره، حتى دار على القوم فقالوا: يا أبا عبد الله قد سألتنا فأخبرناك، فأخبرنا أنت كيف تصنع في ليلك؟ فقال: لها عندي أول الليل نومة تنام ما شاءت لا أمنعها إذا استيقظت فلا أقيلها والله.
صالح بن خليفة الكوفي قال: سمعت سفيان الثوري يقول: إن فجار القراء اتخذوا القرآن إلى الدنيا سلماً.
قالوا: ندخل على الأمراء نفرج عن المكروب ونتكلم في محبوس.
علي بن حمزة ابن أخت سفيان قال: ذهبت ببول سفيان إلى الديراني وكان لا يخرج من باب الدير فأريته فقال: ليس هذا بول حنيفي.
قلت: بلى والله من أفضلهم.
فقال: أنا أجيء معك.
فقلت لسفيان: قد جاء بنفسه.
فقال: أدخله.
فأدخلته فمس وجس عرقه ثم خرج.
فقلت: أي شيء رأيت؟ قال: ما ظننت أن في الحنيفية مثل هذا، هذا رجل قد قطع الحزن كبده.
عبد الرحمن بن مهدي قال: بات سفيان عندي فلما اشتد به الأمر جعل يبكي، فقال له رجل: يا أبا عبد الله أراك كثير الذنوب.
فرفع شيئاً من الأرض فقال: والله لذنوبي أهون عندي من ذا، إني أخاف أن أسلب الإيمان قبل أن أموت.
عبد الرحمن بن مهدي قال ليلة مات سفيان: توضأ تلك الليلة للصلاة ستين مرة فلما كان وجه السحر قال لي: يا ابن مهدي ضع خدي بالأرض فإني ميت يا ابن مهدي ما أشد الموت ما أشد كرب الموت.
قال: فخرجت لأعلم حماد بن زيد وأصحابه فإذا هم قد استقبلوني فقالوا: آجرك الله.
فقلت: من أين علمتم ذلك؟ فقالوا: إنه ما منا أحد إلا أتي البارحة في منامه فقيل له: ألا إن سفيان الثوري قد مات، رحمه الله.
عن أبي أبجر قال: لما حضرت سفيان الوفاة قال: يا ابن أبجر قد نزل ما بي ما قد ترى فانظر من يحضرني، فأتيتهم بقوم فيهم حماد بن سلمة، وكان حماد من أقربهم إلى رأسه.
قال: فتنفس سفيان فقال له حماد أبشر فقد نجوت مما كنت تخاف.
وتقدم على رب كريم قال: فقال: يا أبا سلمة أترى الله أن يغفر لمثلي؟ قال: إي والله الذي لا إله إلا هو: قال: فكأنما سري عنه.
عن عبد الرحمن بن مهدي قال: رأيت سفيان الثوري في المنام فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: لم يكن إلا أن وضعت في اللحد حتى وقفت بين يدي الله عز وجل فحاسبني حساباً يسيراً ثم أمر بي إلى الجنة، فبينا أنا أدور بين أشجارها وأنهارها ولا أسمع حساً ولا حركة، إذ سمعت قائلاً يقول: سفيان بن سعيد.
قال: تحفظ أنك آثرت الله على هواك يوماً، قلت: إي والله.
فأخذتني صواني النثار من جميع الجنة.
قال المؤلف: أدرك سفيان الثوري جماعة من كبار التابعين، وروى عن الأعمش، ومنصور، ومحمد بن المنكدر، وعبد الله بن دينار، وعمرو بن دينار، في خلق لا يحصون.
ومسانيده أكثر من أن تعد، وكان مولده في سنة سبع وتسعين في خلافة سليمان بن عبد الملك.
وتوفي في سنة إحدى وستين ومائة.
وكان مستخفياً بالبصرة في خلافة المهدي.
وكلامه وأخباره كثيرة وإنما اقتصرنا ها هنا على ما ذكرنا منها لأننا قد جمعناها في كتاب يزيد على ثلاثين جزءاً، فكرهنا الإعادة في التصانيف.
والله الموفق.