فهرس الكتاب

الربيع بن خثيم الثوري

403 الربيع بن خثيم الثوري يكنى أبا يزيد.
عن سعيد بن مسروق قال: قال عبد الله للربيع بن خثيم: لو رآك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحبك.
عن أبي عبيدة قال: كان عبد الله يقول للربيع: ما رأيتك إلا ذكرت المخبتين.
وكان الربيع إذا أتى عبد الله لم يكن عليه إذن حتى يفرغ كل واحد منهما من صاحبه.
وكان الربيع إذا جاء إلى باب عبد الله يقول للجارية: من بالباب؟ فتقول الجارية ذاك الشيخ الأعمى.
عن حماد بن أبي سليمان قال: كان عبد الله بن مسعود إذا نظر إلى الربيع بن خثيم قال: مرحباً قال: أبا يزيد لو رآك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحبك ولأوسع لك إلى جبنه.
ثم يقول: {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} .
عن علقمة بن مرثد قال: انتهى الزهد إلى ثمانية من التابعين، منهم الربيع بن خثيم.
وكان يقول: أما بعد فأعد زادك وخذ في جهازك، وكن وصي نفسك.
وقيل له: ألا تذكر الناس؟ فقال: ما أنا عن نفسي براض فأتفرغ من ذمها إلى أن أذم الناس، إن الناس خافوا الله في ذنوب الناس وأمنوه على ذنوبهم.
وقيل له حين أصابه الفالج: لو تداويت.
فقال: لقد عرفت أن الدواء حق ولكني ذكرت عاداً وثمود وقروناً بين ذلك كثيراً كانت فيهم الأوجاع وكان لهم الأطباء، فما بقي المداوي ولا المداوى.
أبو حيان، عن أبيه قال: ما سمعت الربيع بن خثيم يذكر شيئاً من أمر الدنيا، إلا أني سمعته يقول: كم للتيم مسجد.
عن إبراهيم التيمي قال: أخبرني من صحب الربيع بن خثيم عشرين عاماً ما سمع منه كلمة تعاب.
عن بكر بن ماعز قال: ما رئي الربيع متطوعاً في مسجد قومه قط إلا مرة واحدة.
سفيان قال: أخبرتني سرية الربيع بن خثيم قالت: كان عمل الربيع كله سراً إن كان ليجيء الرجل وقد نشر المصحف فيغطيه بثوبه.
عن منذر، عن الربيع بن خثيم قال: كل ما لا يبتغى به وجه الله عز وجل يضمحل.
أبو حيان التيمي عن أبيه، قال: ما سمعت الربيع بن خثيم يذكر شيئاً من أمر الدنيا قط.
أحمد بن عبد الله بن مسروق، عن الربيع بن خثيم أنه سرق له فرس أعطي به عشرين ألفاً فقالوا له: ادع الله عليه.
فقال: اللهم إن كان غنياً فاغفر له، وإن كان فقيراً فأغنه.
عن سعيد بن مسروق قال: أصاب الربيع بن خثيم حجر في رأسه فشجه، فجعل يمسح الدم عن وجهه ويقول: اللهم اغفر له فإنه لم يتعمدني.
عن عيسى بن فروخ قال: كان الربيع بن خثيم إذا كان الليل ووجد غفلة الناس خرج إلى المقابر فيقول: يا أهل المقابر كنا وكنتم.
فإذا أصبح فكأنه نشر من قبر.
عن منذر الثوري قال: كان الربيع بن خثيم يقول السرائر التي تختفي على الناس وهي لله بواد، التمسوا دواءهن التمسوا دواءهن.
ثم يقول: وما دواءهن؟ دواءهن أن تتوب فلا تعود.
روى عبد الملك بن الأصبهاني، عمن حدثه عن الربيع بن خثيم أنه قال لأصحابه: تدرونما الداء والدواء والشفاء؟ قالوا: لا.
قال: الداء الذنوب، والدواء الاستغفار، والشفاء أن تتوب فلا تعود.
عن نسير قال: بت بالربيع ذات ليلة فقام يصلي فمر بهذه الآية {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ ... } الآية فمكث ليلته حتى أصبح، ما يجوز هذه الآية إلى غيرها، ببكاء شديد.
حماد الأصم، عمن حدثه عن بعض أصحاب الربيع قال: ربما علمنا شعره عند المساء، وكان ذا وفرة ثم يصبح والعلامة كما هي، فتعلم أن الربيع لم يضع جنبه ليلته على فراشه.
أبو حيان قال: حدثني أبي قال: كان ربيع بعد ما سقط شقه يهادي بين رجلين إلى مسجد قومه، وكان أصحاب عبد الله يقولون له يا أبا يزيد لقد رخص الله لك لو صليت في بيتك فيقول: إنه كما تقولون، ولكني سمعته ينادي: حي على الفلاح فمن سمع منكم فليجبه ولو زحفاً، ولو حبواً.
عن محمد، عن رجل من أسلم من المبكرين إلى المسجد، قال: كان الربيع ابن خثيم إذا سجد كأنه ثوب مطروح فتجيء العصافير فتقع عليه.
عن بلال بن المنذر قال: قال رجل للربيع: قتل ابن فاطمة فاسترج ثم تلا هذه الآية: {قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} قال: ما تقول؟ قال: ما أقول، إلى الله إيابهم وعليه حسابهم.
عن سفيان قال: بلغنا أن أم الربيع كانت تنادي فتقول: يا بني، يا ربيع، ألا تنام، فيقول: يا أماه من جن عليه الليل وهو يخاف البيات حق له أن لا ينام.
قال: فلما بلغ ورأت ما يلقى من البكاء والسهر نادته فقالت: يا بني لعلك قتلت قتيلاً؟ فقال: نعم يا والدة، قتلت قتيلاً.
فقالت: ومن هذا القتيل يا بني نتحمل على أهله فيعفوك والله لو علموا ما تلقى من البكاء والسهر لقد رحموك.
فيقول: يا والدتي هي نفسي.
مالك بن دينار قال: قالت ابنة الربيع بن خثيم: يا أبتاه ما لي أرى الناس ينامون ولا تنام؟ قال: إن جهنم لا تدعني أنام.
مالك قال: قالت ابنة الربيع بن خثيم: يا أبتاه إني أرى الناس ينامون وأنت لا تنام؟ قال: يا بنية إن أباك يخاف البيات.
الربيع بن منذر قال: سمعت أبي يقول: كان عند الربيع بن حثيم رهط فجاءته ابنته فقال: يا أبتاه أذهب ألعب؟ فقال: اذهبي فقولي خيراً، غير مرة، قال: فقال القوم: أصلحك الله وما عليك أن تقول لها؟ قال: وما علي أن لا يكتب هذا في صحيفتي.
عن أبي حيان، عن أم الأسود قالت: كانت ابنة الربيع بن خثيم تأتيه فتقول: يا أبتاه ائذن لي ألعب.
فيقول: يا بنية، قولي خيراً، قال فتلقنها أمها: قولي: أتحدث فيقول: إني لم أسمع الله رضي لأحد اللعب.
عن سفيان، عن رجل من بني تيم الله، عن أبيه قال: جالست الربيع بن خثيم سنين فما سألني عن شيء مما فيه الناس إلا أنه قال لي مرة: أمك حية؟ كم لكم مسجد؟ عن سعيد الحارثي قال: ضرب الربيع بن خثيم الفالج فطال وجعه فاشتهى لحم دجاج، فكف نفسه أربعين يوماً.
ثم قال لامرأته: اشتهيت لحم دجاج منذ أربعين يوماً فكففت نفسي رجاء أن تكف فأبت فقالت له امرأته: سبحان الله وأي شيء هذا حتى تكف نفسك عنه؟ قد أحله لك.
فأرسلت امرأته إلى السوق فاشترت له دجاجة بدرهم ودانقين فذبحتها وشوتها واختبزت له خبزاً له أصباغ، ثم جاءت بالخوان حتى وضعته بين يديه، فلما ذهب ليأكل قام سائل على الباب فقال: تصدقوا علي بارك الله فيكم، فكف عن الأكل وقال لامرأته: خذي هذا فلفيه وادفعيه إلى السائل، فقالت امرأته: سبحان الله.
فقال: افعلي ما آمرك، قالت: فأنا أصنع ما هو خير له وأحب إليه من هذا.
قال: وما هو؟ قالت: نعطيه ثمن هذا وتأكل أنت شهوتك.
قال: قد أحسنت ائتيني بثمنه.
قال: فجاءت بثمن الدجاجة والخبز والأصباغ فقال: ضعيه على هذا وادفعيه جميعاً إلى السائل.
عن منذر أن الربيع قال لأهله: اصنعوا لي خبيصاً.
قال: وكان يكاد لا يشتهي عليهم شيئاً.
قال: فصنعوه.
قال: فأرسل إلى جار له مصاب، قال: فجعل يأكل ولعابه يسيل قال: فقال أهله: ما يدري هذا ما يأكل.
فقال الربيع: لكن الله عز وجل يدري.
عن خوات بن عبيد الله قال: كان السائل إذا أتى الربيع بن خثيم قال: أطعموه مسكراً فإني أحب السكر.
عن سعيد بن مسروق، عن ربيع بن خثيم أنه كان يلبس قميصاً سنبلانياً أراه ثمن ثلاثة دراهم أو أربعة دراهم قال: فإذا مد كمه يبلغ ظفره، وإذا أرسله بلغ ساعده، وإذا رأى بياضالقميص قال: أي عبيد تواضع لربك، ثم يقول: أي لحميه وأي دميه كيف تصنعان إذا سيرت الجبال ودكت الأرض دكاً وجاء ربك والملك صفاً صفاً؟!!.
عن بكر بن ماعز قال: كان بالربيع بن خثيم خبل من الفالج، فكان يسيل من فيه لعاب.
قال: فمسحته يوماً.
فرآني كرهت ذلك فقال: والله ما أحب أنه بأعتى الديلم على الله عز وجل.
عن حسين، يعني ابن صالح، قال: قيل للربيع بن خثيم: لو جالستنا.
فقال: لو فارق قلبي ذكر الموت ساعة فسد علي.
بشر بن الحارث قال: قال الربيع بن خثيم: أنا بعصافير المسجد آنس مني بأهلي.
عن منذر قال: كان الربيع يكنس الحش بنفسه.
فقيل له: إنك تكفى هذا.
فقال: إني أحب أن آخذ نصيبي من المهنة.
عن أبي وائل قال: خرجنا مع عبد الله بن مسعود، ومعنا الربيع بن خثيم، فمررنا على حداد، فقام عبد الله ينظر حديدة في النار، فنظر الربيع إليها فتمايل ليسقط، فمضى عبد الله حتى أتينا على أتون على شاطئ الفرات فلما رآه عبد الله والنار تلتهب في جوفه قرأ هذه الآية: {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً} إلى قوله: {ثُبُوراً} فصعق الربيع فاحتملناه فجئنا به إلى أهله قال: ثم رابطه عبد الله إلى الظهر فلم يفق، ثم رابطه إلى العصر فلم يفق، ثم رابطه إلى المغرب فلم يفق، ثم إنه أفاق، فرجع عبد الله إلى أهله.
الأعمش قال: مر الربيع بن خثيم في الحدادين فنظر إلى كير فصعق.
قال الأعمش: فمررت بالحدادين لأتشبه به فلم يكن عندي خير.
عن أبي يعلى قال: كان الربيع إذا قيل له: كيف أصبحت يا أبا يزيد؟ قال: أصبحنا ضعفاء مذنبين نأكل أرزاقنا وننتظر آجالنا.
حفص بن عمر قال: كان الربيع بن خثيم لا يعطي السائل أقل من رغيف، ويقول: إني لأستحي أن يرى في ميزاني أقل من رغيف.
سلام بن أبي مطيع قال: كان الربيع بن خثيم إذا أصبح قال: مرحباً بملائكة الله، اكتبوا، بسم الله الرحمن الرحيم، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر.
صالح بن موسى، عن أبيه قال: قال الربيع بن خثيم لرجل لا تلفظ إلا بخير فغن العبد مسئول عن لفظه يحصى ذلك عليه كله {أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ} .
الفضيل بن عياض قال: كان الربيع بن خثيم يقول في دعائه: أشكو إليك حاجة لا يحسن بثها إلا إليك.
أبو سليمان قال: بينما الربيع بن خثيم جالس على باب داره إذ جاءه حجر فصك وجهه، فقال: لقد وعظت يا ربيع.
فقام ودخل وأغلق الباب وما رئي في ذلك المجلس حتى مات.
حفص بن عمر قال: قال الربيع بن خثيم: إذا تكلمت فاذكر سمع الله إليك، وإذا هممت فاذكر علمه بك، وإذا نظرت فاذكر نظره إليك، وإذا تفكرت فاذكر اطلاعه عليك، فإنه يقول تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} .
عن نسير بن ذعلوق، عن الربيع بن خثيم أنه كان يبكي حتى تبل لحيته من دموعه، ثم يقول: أدركنا أقواماً كنا في جنوبهم لصوصا.
أسند الربيع بن خثيم عن ابن مسعود وغيره، وتوفي بالكوفة في ولاية عبيد الله بن زياد عليها.