فهرس الكتاب

أويس بن عامر بن جرير بن مالك القرني

398 أويس بن عامر بن جرير بن مالك القرني وقال علقمة بن مرثد: أويس بن أنيس: وقيل أويس بن الحليس.
عن أسير بن جابر قال: كان عمر بن الخطاب إذا أتت عليه أمداد أهل اليمن سألهم: هل فيكم أويس بن عامر؟ حتى أتى على أويس فقال: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم.
قال: من مراد ثم قرن؟ قال: نعم.
قال: كان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم؟ قال نعم قال: لك والدة؟ قال نعم.
قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، وله والدة هو بها بار لو أقسم على الله عز وجل لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل" فاستغفر لي، فاستغفر له.
فقال عمر رضي الله عنه ورحمه الله: أين تريد؟ قال: الكوفة.
فقال: ألا أكتب لك إلى عاملها فيستوصي بك قال: لأن أكون في غبر الناس أحب إلي.
قال: فلما كان من العام المقبل حج رجل من أشرافهم فوافق عمر فسأله عن أويس: كيف تركته؟ قال: تركته رث الهيئة قليل المتاع.
فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يأتي عليك أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن، كان به برص فبرأ إلا موضع درهم، له والدة هو بها بر لو أقسم على الله عز وجل لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل".
فلما قدم الكوفة أتى أويساً فقال: استغفر لي.
فقال: أنت أحدث عهداً بسفر صالح، فاستغفر لي، لقيت عمر؟ قال: نعم.
فاستغفر له.
ففطن له الناس فانطلق على وجهه.
قال أسير: وكسوته برداً فكان إذا رآه إنسان عليه قال: من أين لأويس هذا البرد؟ انفرد بإخراج هذا الحديث مسلم.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل يحب من خلقه الأصفياء الأخفياء الأبرياء الشعثة رؤوسهم المغبرة وجوههم، الخمصة بطونهم، الذين إذا استأذنوا على الأمراء لم يؤذن لهم، وإن خطبوا المتنعمات لم ينكحوا، وإن غابوا لم يفتقدوا، وإن طلعوا لم يفرح بطلعتهم، وإن مرضوا لم يعادوا، وإن ماتوا لم يشهدوا ".
قالوا: يا رسول الله كيف لنا برجل منهم؟ قال: "ذاك أويس القرني".
قالوا: وما أويس القرني؟ قال: "أشهل ذو صهوبة، بعيد ما بين المنكبين معتدل القامة آدم شديد الأدمة ضارب بذقنه إلى صدره، رام ببصره إلى موضع سجوده، واضع يمينه على شماله يتلو القرآن، يبكي على نفسه، ذو طمرين لا يؤبه له متزر بإزار صوف ورداء صوف، مجهول في أهل الأرض، معروف في السماء، لو أقسم على الله لأبر قسمه، ألا وإن تحت منكبه الأيسر لمعة بيضاء، ألا وإنه إذا كان يوم القيامة قيل للعباد: ادخلوا الجنة، ويقال لأويس قف فاشفع، فيشفعه الله عز وجل في مثل ربيعة ومضر.
يا عمر، يا علي إذا أنتما لقيتماه فاطلبا إليه أن يستغفر لكما يغفر الله لكما".
قال: فمكثا يطلبانه عشر سنين لا يقدران عليه.
فلما كان في آخر السنة التي هلك فيها عمر قام على أبي قبيس فنادى بأعلى صوته: يا أهل الحجيج من اليمن أفيكم أويس؟ فقام شيخ كبير طويل اللحية فقال: إنا لا ندري ما أويس؟ ولكن ابن أخ لي يقال له أويس وهو أخمل ذكراً وأقل مالاً وأهون أمراً من أن نرفعه إليك، وإنه ليرعى إبلنا، حقير بين أظهرنا.
فعمى عليه عمر كأنه لا يريده وقال: ابن أخيك هذا أبحر منا هو! قال نعم.
قال: أين يصاب؟ قال: أراك عرفات.
قال: فركب عمر وعلي سراعاً إلى عرفات فإذا هو قائم يصلي إلى شجرة والإبل حولهترعى.
فشدا خماريهما ثم أقبلا إليه فقالا: السلام عليك ورحمة الله فخفف أويس الصلاة ثم قال: السلام عليكما ورحمة الله.
قالا: من الرجل؟ قال: راعي إبل وأجير قوم.
قالا: لسنا نسألك عن الرعاية ولا عن الإجارة ما اسمك؟ قال: عبد الله.
قالا: قد علمنا أن أهل السموات والأرض كلهم عبيد الله ما اسمك الذي سمتك أمك؟ قال: يا هذان ما تريدان إلي؟ قالا: وصف لنا محمد صلى الله عليه وسلم أويساً القرني فقد عرفنا الصهوبة والشهولة وأخبرنا أن تحت منكبك الأيسر لمعة بيضاء فأوضحها لنا، فإن كانت بك فأنت هو.
فأوضح منكبه فإذا اللمعة فابتدراه يقبلانه وقالا: نشهد أنك أويس القرني.
فاستغفر لنا يغفر الله لك.
قال: ما أخص باستغفاري نفسي ولا أحداً من ولد آدم ولكنه في البر والبحر من المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات.
يا هذان قد شهر الله لكما حالي وعرفكما أمري فمن أنتما؟ قال علي عليه السلام: أما هذا فعمر أمير المؤمنين، وأما أنا فعلي بن أبي طالب فاستوى أويس قائماً وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، وأنت يا علي بن أبي طالب، فجزاكما الله عن هذه الأمة خيراً.
قالا: وأنت فجزاك الله عن نفسك خيراً.
فقال له عمر: مكانك يرحمك الله حتى أدخل مكة فآتيك بنفقة من عطائي وفضل كسوة من ثيابي، هذا المكان ميعاد بيني وبينك.
قال ميعاد بيني وبينك لا أراك بعد اليوم، فعرفني ما أصنع بالنفقة وما أصنع بالكسوة؟ أما ترى علي إزاراً من صوف ورداء من صوف؟ متى تراني أخرقهما؟ أما ترى أن نعلي مخصوفتان؟ متى تراني أبليهما؟ إني قد أخذت من رعايتي أربعة دراهم متى تراني آكلها؟ يا أمير المؤمنين إن بين يدي ويديك عقبة كؤوداً لا يجاوزها إلا ضامر مخف مهزول فأخفف رحمك الله.
فلما سمع عمر ذلك ضرب بدرته الأرض ثم نادى بأعلى صوته: ألا ليت عمر لم تلده أمه، يا ليتها كانت عاقراً لم تعالج حملها، ألا من يأخذها بما فيها ولها؟ ثم قال: يا أمير المؤمنين خذ أنت ها هنا حتى آخذ أنا ها هنا.
فولى عمر ناحية مكة وساق أويس إبله فوافى القوم بإبلهم وخلى عن الرعاية وأقبل على العبادة حتى لحق بالله عز وجل.
عن علقمة بن مرثد قال: انتهى الزهد إلى ثمانية منهم أويس القرني، ظن أهله أنه مجنون فبنوا له بيتاً على باب دارهم، فكانت تأتي عليه السنة والسنون لا يرون له وجهاً، وكان طعامه مما يلتقط من النوى فإذا أمسى باعه لإفطاره فإن أصاب حشفة حبسها لإفطاره.
فلما ولي عمر بن الخطاب قال بالموسم: أيها الناس قوموا.
فقاموا.
فقال: اجلسوا، إلا من كان من اليمين: فجلسوا فقال: اجلسوا إلا من كان من مراد.
فجلسوا.
فقال: إلا من كان من قرن.
فجلسوا إلا رجلاً، وكان عم أويس القرني.
فقال له عمر: أقرني أنت؟ قال: نعم، قال: أتعرف أويساً؟ قال: وما تسأل عن ذلك يا أمير المؤمنين؟ فوالله ما فينا أحمق ولا أجن ولا أحوج منه.
فبكى عمر ثم قال: بك لا به، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يدخل الجنة بشفاعته مثل ربيعة ومضر".
قال هرم بن حيان: فلما بلغني ذلك قدمت الكوفة فلم يكن لي هم إلا طلبه، حتى سقطت عليه جالساً على شاطئ الفرات نصف النهار، يتوضأ.
فعرفته بالنعت الذي نعت لي: فإذا رجل نحيل آدم شديد الأدمة أشعث محلوق الرأس مهيب المنظر، فسلمت عليه فرد علي ونظر إلي، ومددت يدي لأصافحه فأبى أن يصافحني، فقلت: رحمك الله يا أويس وغفر لك، كيف أنت؟ وخنقتني العبرة من حبي إياه ورقتي عليه، لما رأيت من حاله، حتى بكيت وبكى.
قال: وأنت، فحياك الله يا هرم بن حيان، كيف أنت يا أخي؟ من دلك علي؟ قلت: الله.
قال: لا إله إلا الله، {سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً} سورة الإسراء، آية 108.
فقلت: ومن أين عرفت اسمي واسم أبي وما رأيتك قبل اليوم ولا رأيتني؟ قال: {نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ} ، عرفت روحي روحك حين كلمت نفسي نفسك، إن المؤمنين يعرف بعضهم بعضاً ويتحابون بروح الله عز وجل، وإن لم يلتقوا، إن نأت بهم الدار وتفرقت بهم المنازل.
قلت: حدثني رحمك الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إني لم أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن لي معه صحبة بأبي وأمي رسول الله، ولكني قد رأيت رجالاً قد رأوه ولست أحب أن أفتح على نفسي هذا الباب، أن أكون محدثاً أو قاضياً أو مفتياً، في نفسي شغل عن الناس.
فقلت: أي أخي اقرأ علي آيات من كتاب الله عز وجل أسمعها منك، وأوصني بوصية أحفظها عنك، فإني أحبك في الله.
فأخذ بيدي فقال: أعود بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم قال ربي، وأحق القول قول ربي عز وجل، وأصدق الحديث حديث ربي عز وجل، ثم قرأ: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ، مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ} إلى قوله {الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} فشهق شهقة فنظرت إليه وأنا أحسبه قد غشي عليه، ثم قال: يا هرم بنحيان مات أبوك حيان ويوشك أن تموت أنت فإما إلى الجنة وإما إلى النار، ومات أبوك آدم وماتت أمك حواء يا بن حيان، ومات نوح نبي الله، ومات إبراهيم خليل الله، ومات موسى نجي الله، ومات داود خليفة الرحمن، ومات محمد صلى الله عليه وسلم وعلى جميع الأنبياء، ومات أبو بكر خليفة رسول الله، ومات أخي وصديقي عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
فقلت له: يرحمك الله إن عمر لم يمت.
قال: بلى قد نعاه إلي ربي عز وجل، ونعى إلي نفسي، وأنا وأنت في الموتى.
ثم صلى على النبي صلى الله عليه وسلم ودعا بدعوات خفاف ثم قال: هذه وصيتي إياك: كتاب الله ونعي المرسلين ونعي صالح المؤمنين، فعليك بذكر الموت ولا يفارقن قلبك طرفة عين ما بقيت، وأنذر قومك إذا رجعت إليهم وانصح للأمة جميعاً، وإياك أن تفارق الجماعة فتفارق دينك وأنت لا تعلم، فتدخل النار، وادع لي ولنفسك.
ثم قال: اللهم إن هذا زعم أنه يحبني فيك وزارني من أجليك فعرفني وجهه في الجنة وأدخله على دارك، دار السلام، واحفظه ما دام حياً، وأرضه من الدنيا باليسير، واجعله لما أعطيته من نعمك من الشاكرين واجزه عني خيراً.
ثم قال: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، لا أراك بعد اليوم إن شاء الله تعالى رحمك الله فإني أكره الشهرة، والوحدة أحب إلي لأني كثير الغم ما دمت مع هؤلاء الناس، فلا تسأل عني ولا تطلبني، واعلم أنك مني على بال وإن لم أرك وتراني، واذكرني وادع لي فإني سأدعو لك وأذكرك إن شاء الله، فانطلق أنت ها هنا حتى آخذ أنا ههنا.
فحرصت على أن أمشي معه ساعة فأبى علي ففارقته أبكي ويبكي، فجعلت أنظر إليه حتى دخل بعض السكك.
ثم سألت بعد ذلك وطلبته فلم أجد أحداً يخبرني عنه بشيء، وما أتت علي جمعة إلا وأراه في منامي مرة أو مرتين.
عن أسير بن جابر أن أويساً القرني كان إذا حدث يقع حديثه في قلوبنا موقعاً ما يقع حديث غيره.
عن أسير بن جابر قال: كان محدث بالكوفة يحدثنا، فإذا فرغ من حديثه يقول: تفرقوا.
ويبقى رهط فيهم رجل يتكلم بكلام لا أسمع أحد يتكلم بكلام فأحببته.
ففقدته، فقلتلأصحابي: هل تعرفون رجلاً كان يجالسنا؟ فقال رجل من القوم: نعم أنا أعرفه وذاك أويس القرني.
قلت: وتعرف منزله؟ قال: نعم.
قال: انطلقت معه حتى جئت حجرته خرج إلي فقلت: يا أخي ما حبسك عنا؟ قال: العري.
وكان أصحابه يسخرون به ويؤذونه.
قال: قلت: خذ هذا البرد فالبسه.
قال لا تفعل فإنهم يؤذونني إذا رأوه.
قال: فلم أزل به حتى لبسه.
فخرج عليهم فقالوا: من ترون خدع عن برد هذا.
فجاء فوضعه؟ فقال: أترى؟ قال: فأتيت المجلس فقلت: ما تريدون من هذا الرجل؟ قد آذيتموه، الرجل يعرى مرة ويكتسي مرة.
فأخذتهم بلساني أخذاً شديداً.
قال: فقضي أن أهل الكوفة وفدوا إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فوفد رجل ممن كان يسخر به، فقال عمر: قدم علينا أويس فقلت: أنت أخي لا تفارقني.
فانملس مني فأنبئت أنه قدم عليكم الكوفة.
فأقبل ذلك الرجل حتى دخل عليه فقال: سمعت عمر يقول فيك كذا وكذا فاستغفر لي يا أويس.
قال لا أفعل حتى تجعل لي عليك ألا تسخر بي فيما بعد، وألا تذكر الذي سمعته عن عمر لأحد.
قال أسير: فما لبثنا أن فشا أمره بالكوفة فانملس منهم فذهب.
عمرو بن مرة قال: لما لقي عمر أويساً وظهر عليه هرب فما رئي حتى مات.
عن الشعبي قال: مر رجل من مراد على أويس القرني فقال: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت أحمد الله عز وجل.
قال: كيف الزمان عليك؟ قال: كيف الزمان على رجل إن أصبح ظن أنه لا يمسي، وإن أمسى ظن أنه لا يصبح؟ فمبشر بالجنة أو مبشر بالنار.
يا أخا مراد إن الموت وذكره لم يترك لمؤمن فرحاً، وإن علمه بحقوق الله لم يترك له فضة ولا ذهباً، وإن قيامه لله بالحق لم يترك له صديقاً.
عمار بن سيف الضبي قال: لحق رجل بأويس القرني فسمعه يقول: اللهم إني أعتذر إليك اليوم من كل كبد جائعة، فإنه ليس في بيتي من الطعام إلا ما في بطني، وليس في بيتي من شيء من الرياش إلا ما على ظهري.
قال: وعلى ظهره خرقة قد تردى بها وقال: فأتاه رجل فقال له: كيف أصبحت؟ أو كيفأمسيت؟ فقال: أصبحت أحب الله، وأمسيت أحمد الله، وما تسأل عن حال رجل إذا هو أصبح ظن ألا يمسي، وإذا أمسى ظن أنه لا يصبح؟ إن الموت وذكره لم يدع لمؤمن فرحاً، وإن حق الله في مال المسلم، لم يدع له من ماله فضة ولا ذهباً، وإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يدع للمؤمن صديقاً، نأمرهم بالمعروف فيشتمون أعراضنا، ويجدون على ذلك أعواناً من الفاسقين، حتى والله لقد رموني بالعظائم، وأيم الله لا أدع أن أقوم لله فيهم بحقه، ثم أخذ الطريق.
عن قيس بن بشر بن عمرو، عن أبيه قال: كسوت أويساً القرني ثوبين، من العري.
عن مغيرة قال: إن كان أويس القرني ليتصدق بثيابه حتى يجلس عرياناً لا يجد ما يروح فيه إلى الجمعة.
عن أصبغ بن زيد قال: إنما منع أويساً أن يقدم على النبي صلى الله عليه وسلم بره بأمه.
عن أصبغ بن زيد قال: كان أويس القرني إذا أمسى يقول: هذه ليلة السجود فيسجد حتى يصبح، وكان إذا أمسى تصدق بما في بيته من الفضل من الطعام والثياب، ثم يقول: اللهم من مات جوعاً فلا تؤاخذني به، ومن مات عرياناً فلا تؤاخذني به.
الحسن بن عمرو، قال: سمعت بشراً يقول: بلغ من عري أويس أنه جلس في قوصرة.
النضر بن إسماعيل قال: كان أويس القرني يلتقط الكسر من المزابل فيغسلها ويتصدق ببعضها ويأكل بعضها، ويقول: اللهم إني أبرأ إليك من كبد جائع.
قال هرم بن حيان لأويس القرني: أوصني قال: توسد الموت إذا نمت، واجعله نصب عينيك، وإذا قمت فادع الله أن يصلح لك قلبك ونيتك، فلن تعالج شيئاً أشد عليك منهما، بينا قلبك معك ونيتك إذا هو مدبر، وبينا هو مدبر إذا هو مقبل، ولا تنظر في صغر الخطيئة ولكن انظر إلى عظمة من عصيت.
أبو عبد الله الناجي قال: زار هرم بن حيان أويساً، فقال له هرم: يا أويس واصلنا بالزيارة.
فقال أويس: قد وصلتك بما هو انفع لك من الزيارة واللقاء: الدعاء بظهر الغيب، لأن الزيارة واللقاء قد يعرض فيهما التزين والرياء.
قلت: كان أويس مشغولاً بالعبادة عن الرواية، غير أنه قد أرسل الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
حميد بن صالح قال: سمعت أويساً القرني يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "احفظوني في أصحابي، فإن من أشراط الساعة أن يلعن آخر هذه الأمة أولها، وعند ذلك يقع المقت على الأرض وأهلها، فمن أدرك ذلك فليضع سيفه على عاتقه ثم ليلق ربه عز وجل شهيداً فإن لم يفعل فلا يلومن إلا نفسه".
ذكر وفاة أويس القرني: قال المصنف: قد اختلف في وقت موته.
عن عبد الله بن سالم قال: غزونا آذربيجان زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومعنا أويس القرني.
فلما رجعنا مرض علينا فحملناه فلم يستمسك فمات، فنزلنا فإذا قبر محفور وماء مسكوب وكفن وحنوط.
فغسلناه وكفناه وصلينا عليه.
فقال بعضنا لبعض: لو رجعنا فعلمنا قبره، فرحنا فإذا لا قبر ولا أثر.
قال المؤلف: وقد روي أنه عاش بعد ذلك طويلاً.
عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: نادى رجل من أهل الشام يوم صفين: أفيكم أويس القرني؟ قال: قلنا نعم، وما تريد منه؟ قال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أويس القرني خير التابعين بإحسان".
وعطف دابته فدخل مع أصحاب علي عليه السلام.
عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: نادى مناد يوم صفين، أفي القوم أويس القرني؟ فوجد في قتلى علي عليه السلام.
قال المؤلف: هذا هو الصحيح.