فهرس الكتاب

ذكر المصطفين من عباد الجن

1030 ذكر المصطفين من عباد الجن سهل بن عبد الله قال: كنت ناحية ديار عاد إذ رأيت مدينة من حجر منقور، في وسطها قصر من حجارة، منقورة سقوفه وأبوابه تأويه الجن، فدخلت معتبراً فإذا شيخ عظيم الخلق يصلي نحو الكعبة وعليه جبة صوف فيها طراوة، فلم أتعجب من عظم خلقه كتعجبي من طراوة جبته، فسلمت عليه فرد علي السلام وقال: يا سهل إن الأبدان لا تخلق الثياب وإنما تخلقها روائح الذنوب ومطاعم السحت، وإن هذه الجبة علي منذ سبعمائة سنة بها لقيت عيسى بن مريم ومحمداً صلى الله عليه وسلم فآمنت به.
فقلت له: من أنت؟ قال: أنا الذي نزلت فيك: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ} الجن: 1.
سلمة بن شبيب قال: عزمت على النقلة إلى مكة فبعت داري، فلما فرغتها وسلمتها وقفتعلى بابها فقلت: يا أهل الدار جاورناكم فأحسنتم جوارنا جزاكم الله خيراً، وقد بعنا الدار ونحن على النقلة إلى مكة فعليكم السلام ورحمة الله.
قال: فأجابني من الدار مجيب فقال: وأنتم جزاكم الله خيراً ما رأينا منكم إلا خيراً ونحن على النقلة أيضاً، فإن الذي اشترى الدار رافضي يشتم أبا بكر وعمر رضي الله عنهما.
سري بن إسماعيل يذكر عن يزيد الرقاشي أن صفوان بن محرز المازني كان إذا قام إلى تهجده من الليل قام معه سكان داره من الجن، فصلوا بصلاته واستمعوا لقراءته.
قال السري فقلت ليزيد: وأنى علم؟ قال: كان إذا قام سمع لهم ضجة فاستوحش لذلك فنودي: لا ترع أبا عبد الله فإنما نحن إخوانك نقوم للتهجد كما تقوم فنصلي بصلاتك، قال: فكأنه أنس بعد ذلك إلى حركتهم.
يحيى بن عبد الرحمن العصري قال: حدثتني امرأة خليد عن خليد قال: كنت قائماً أصلي فقرأت هذه الآية {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} الأنبياء: 35 فرددتها مراراً، فناداني مناد من ناحية البيت: كم تردد هذه الآية؟ فلقد قتلت بها أربعة نفر من الجن لم يرفعوا رؤوسهم إلى السماء حتى ماتوا من تردادك هذه الآية.
قالت: فوله خليد بعد ذلك ولهاً شديداً.
وأنكرناه حتى كأنه ليس الذي كان.
مهدي بن ميمون قال: كان واصل مولى أبي عيينة جاراً لي، وكان يسكن في غرفة، فكنت أسمع قراءته من الليل، وكان لا ينام من الليل إلا يسيراً، قال: فغاب غيبة إلى مكة وكنت أسمع القراءة من غرفته على نحو من صوته كأني لا أنكر من الصوت شيئاً.
قال: وباب الغرفة مغلق، فلم يلبث أن قدم من سفره فذكرت له ذلك، فقال: وما أنكرت من ذلك؟ هؤلاء سكان الدار يصلون بصلاتنا ويسمعون لقراءتنا.
قال: قلت: أفتراهم؟ قال لا.
ولكني أحس بهم وأسمع تأمينهم عند الدعاء، وربما غلب علي النوم فيوقظوني.
قال القرشي: وحدثني خلف قال: كان فتى من أهل الكوفة متعبداً يقال له عرفجة، وكان يحيي الليل صلاة.
قال: فاستزاره بعض إخوانه ذات ليلة فاستأذن أمه في زيارته فأذنت له: قالت العجوز: فلما كان الليل إذا أنا في منامي برجال قد وقفوا علي فقالوا: يا أم عرفجة! لم أذنت لإمامنا الليلة؟ أبو عمران التمار قال: غدوت يوماً قبل الفجر إلى مسجد الحسن الحفري فإذا باب المسجد مغلق، وإذا الحسن جالس يدعو، وإذا ضجة في المسجد وجماعة يؤمنون على دعائه،فجلست على باب المسجد حتى فرغ من دعائه ثم قام فأذن وفتح باب المسجد فدخلت فلم أجد في المسجد أحداً، فلما أصبح وتفرق من عنده قلت له: يا أبا سعيد إني والله رأيت عجباً، قال: وما رأيت؟ فأخبرته بالذي رأيت وسمعت.
فقال: أولئك جن من أهل نصيبين يجيئون يشهدون معي ختم القرآن كل ليلة جمعة ثم ينصرفون.
محمد بن عبد العزيز بن سلمان العابد قال: كان أبي إذا قام من الليل يتهجد سمعت في الدار جلبة شديدة واستسقاء للماء كثيراً.
قال: فنرى أن الجن كانوا يتيقظون لتهجده فيصلون معه.
سري السقطي قال: بدوت يوماً من الأيام وأنا حدث فطاب وقتي وجن علي الليل وأنا بفناء جبل لا أنيس به فناداني مناد من جوف الجبل: لا تدور القلوب في الغيوب حتى تذوب النفوس من مخافة فوت المحبوب.
قال: فتعجبت وقلت جني يناديني أم إنسي؟ قال: بل جني مؤمن بالله عز وجل ومعي إخواني، قال: قلت فهل عندهم ما عندك؟ قال: نعم وزيادة.
قال: فناداني الثاني منهم: لا تذهب من البدن الفترة إلا بدوام الغربة، قال: فقلت في نفسي: ما أبلغ كلامهم.
فناداني الثالث منهم: من أنس به في الظلام لا يبقى له اهتمام.
قال: فصعقت، فما أفقت إلا برائحة الطيب فإذا أترجة على صدري فشممتها فأفقت فقلت: وصية يرحمكم الله جميعاً؟ فقالوا جميعاً أبى الله أن تحيا به إلا قلوب المتقين، فمن طمع في غير ذلك فقد طمع في غير مطمع، ومن تبع طبيباً مريضاً دامت علته، وودعوني ومضوا وقد أتى علي حين ولا أزال أرى بركة كلامهم موجودة في خاطري.
وبلغني عن أبي الفتح محمد بن محمد الخزيمي قال: قال أبو علي الدقاق: كنت بنيسابور مقيماً للوعظ فظهر بي رمد فاشتقت إلى أولادي فرأيت ليلة من الليالي في المنام كأن شخصاً دخل علي فقال: أيها الشيخ ما يمكنك الرجوع بهذه السرعة فإن جماعة من شباب الجن يحضرون مجلسك ويستمعون منك، وهم بعد في بدو الإرادة فما لم ينتهوا إلى إرادتهم لا يمكنك أن تفارقهم فلعل الله عز وجل أن يحييهم فأصبحت وكأنه ما بعيني رمد.
1031 ومن متعبدات الجن صالح بن عبد الكريم قال: كنت أحب أن ألقى شيئاً من الجن فأكلمه، فرأيت امرأة فتعلقت بها فقلت: عظيني.
قالت: اكتب: تقول غزالة: اشتغل بأولى الأمور بك ولا تغفل عن ساعة إن فاتتك لم تدركها.
آخر كتاب صفة الصفوة، والحمد لله وحده، وصلواته على خير خلقه محمد وآله وصحبه.
كتبه لنفسه، ثم لمن شاء الله يعده، فقير رحمة ربه إبراهيم بن يحيى بن حسن بن طرخان بن تميم العسقلاني الخبيلي، عفا الله عنهم بكرمه، في مدة آخرها يوم الخميس بين الصلاتين بالقاهرة المحروسة بالوراقين، الثاني والعشرين من جمادى الآخرة من سنة سبع وسبعين وستمائة، أحسن الله خاتمتها.
والحمد لله وحده، وسلام على عباده الذين اصطفى.