فهرس الكتاب

ذكر المصطفيات من عابدات العرب وأهل البادية المجهولات الأسماء

ذكر المصطفيات من عابدات العرب وأهل البادية المجهولات الأسماء 936 عابدة من بني عبد القيس عن أبي بكر الهذلي قال: كانت عجوز من بني عبد القيس متعبدة.
فكانت تقول: عاملوا الله على قدر نعمه عليكم وإحسانه إليكم، فإن لم تطيقوا فعلى قدر ستره، فإن لم تطيقوا فعلى الحياء منه فإن لم تطيقوا فعلى الرجاء لثوابه، فإن لم تطيقوا فعلى خوف عقابه.
عن أبي بكر الهذلي قال: كانت عجوز في عبد القيس متعبدة فكان إذا جاء الليل تحرمت ثم قامت إلى المحراب.
وكانت تقول المحب لا يسأم من خدمة حبيبه، فإذا جاء النهار خرجت إلى القبور.
فبلغني أنها عوتبت في كثرة إتيانهاالمقابر، فقالت: إن القلب القاسي إذا جفا لم يلينه إلا رسوم البلى، وإني لآتي القبور فكأني أنظر وقد خرجوا من بين أطباقها، وكأني أنظر إلى تلك الوجوه المتعفرة وإلى تلك الأجسام المتغيرة وإلى تلك الأكفان الدسمة.
فيا له من منظر كريه لو أشربه العباد قلوبهم ما أثكل مرارته للأنفس وأشد إتلافه للأبدان.
937 عابدة أخرى الأصمعي قال: مات ابن لأعرابية فما زالت تبكي حتى خد الدمع في خدها.
ثم استرجعت فقالت: اللهم إنك قد علمت فرط حنو الوالدين على ولدهما فلذلك لم تأمرهما ببره، وقد علمت قدر عقوق الولد لوالديه من أجل ذلك حضضته على طاعتهما، وألزمته برهما.
وقد كان ولدي من البر بوالديه على ما يكون الوالدان بولدهما، فأجره بذلك مني صلاة ولقه سروراً ونضرة.
فقال لها أعرابي: نعم ما دعوت له، لولا أنك شبته من الجزع بما لا يجدي عليه.
فقالت: إذا وقعت الضرورات لم يجر عليها حكم المكتسبات، وجزعي على ابني غير ممكن في الطاقة صرفه، ولا في القدرة منعه، والله ولي عذري بفضله فقد قال عز وجل: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} البقرة.
938 عابدة أخرى أبو عبد الرحمن القرشي، عن رجل من بني ثعلب، قال: شهدت امرأة من أهل البادية توصي ابناً لها وأراد سفراً فقالت: يا بني أوصيك بتقوى الله، فإن قليلها أجدى عليك من كثير عقلك وإياك والنمائم فإنها تزرع الضغائن وتفرق بين المحبين، ومثل لنفسك ما تستحسنهمن غيرك مثالاً ثم اتخذه إماماً واعلم أنه من جمع بين الحياء والسخاء فقد استجاد الحلة إزارها ورداءها.
939 عابدة أخرى الصلت بن حكيم قال: حدثني ابن السماك أن نفراً وردوا على عجوز في بعض البوادي يسألونها بيع شاة.
فقالت: ما كنت لأبيع ابن السبيل شيئاً، ولكن خذوها على ما عند الله، ثم بكى أبو العباس يعني ابن السماك، وقال: رحمها الله فقهت في بدوها.
940 عابدة أخرى أبو بكر الشيرازي قال: تهت في بادية العراق أياماً كثيرةً فلم أجد شيئاً أرتفق به، فلما كان بعد أيام رأيت في الفلا خباء شعر مضروباً فقصدته فإذا بيت وعليه ستر مسبل، فسلمت فردت علي عجوز من داخل الخباء وقالت: يا إنسان من أين أقبلت؟ قلت: من مكة قالت: وأين تريد؟ قلت: الشام.
فقالت: أرى شبح إنسان بطال ألا لزمت زاوية تجلس فيها إلى أن يأتيك اليقين؟ ثم تنظر هذه الكسرة من أين تأكلها؟ ثم قالت: تقرأ القرآن؟ قلت: نعم فقالت: اقرأ علي آخر سورة الفرقان فقرأتها فشهقت وأغمي عليها فلما أفاقت بعد هوي قرأت هي الآيات فأخذت مني قراءتها أخذاً شديداً.
ثم قالت: يا إنسان اقرأها ثانية فقرأتها فلحقها مثل ما لحقها في الأول، وصبرت أكثر من ذلك ولم تفق، فقلت: أستكشف حالها ماتت أم لا؟ فتركت البيت على حاله ومشيت أقل من نصف ميل فأشرفت على واد فيه أعراب فأقبل إلي غلامان معهما جارية، فقال أحد الغلامين: يا إنسان أتيت البيت في الفلاة؟ قلت: نعم، قال: وتقرأ القرآن؟ قلت: نعم.
قال: قتلت العجوز ورب الكعبة.
فمشيت مع الغلامين حتى أتينا البيت فدخلت الجارية فكشفت عنها فإذا هي ميتة.
فأعجبني خاطر الغلام فقلت للجارية: من هذان الغلامان؟ فقالت: هذان جعافرة وهذه أختهم منذ ثلاثين سنة ما تستأنس بكلام الناس، إذا نزلنا تواري بيتها في الفلاة تأكل في كل ثلاثة أيام أكلة وشربة.
941 عابدة أخرى عن هشام، يعني ابن حسان، قال خرجنا حجاجاً فنزلنا منزلاً في بعض الطريق فقرأ رجل كان معنا هذه الآية {لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ} الحجر فسمعت امرأة فقالت: أعد رحمك الله.
فأعادها.
فقالت: خلفت لي في البيت سبعة أعبد أشهدكم أنهم أحرار، لكل باب واحد منهم.
942 عابدة أخرى مسمع قال: قالت امرأة من العرب ذات عقل ودين: سبحانك إلهي، إمهالك المذنبين أطمعهم في حسن عفوك عنهم، سبحانك إلهي، لم يزل قلبي يشهد برضاك لمن نال عفوك، سبحانك إلهي تفضلاً منك وامتناناً على خلقك.
943 عابدة أخرى ابن عائشة قال: نظرت أعرابية إلى فتى حسن الوجه بضه فقالت إني لأرى وجهاً ما غضنه بدد وضوء السحر.
944 عابدة أخرى الأصمعي قال: قال أعرابي: خرجت في ليلة ظلماء فإذا أنا بجارية كأنها علم، فأردتها فقالت: ويلك أما لك زاجر من عقل إذ لم يكن لك ناه من دين؟ فقلت: إيها والله ما يرانا إلا الكواكب.
فقالت: وأين مكوكبها؟ 945 عابدة أخرى محمد بن سلام الجمحي قال: سمعت خارجة بن زياد، رجلاً من بني سليم، يذكر قال: هويت امرأة من الحي فكنت أتبعها إذا خرجت إلى المسجد فعرفت ذلك مني فقالت لي ذات ليلة: ألك حاجة؟ قلت: نعم.
قالت: وما هي؟ قلت: مودتك قالت: دع ذلك ليوم التغابن قال: فأبكتني والله فما عدت إلى ذلك.
946 عابدة أخرى بلغنا عن أبان بن تغلب أنه قال: رأيت أعرابية تمرض ابناً لها وهو لما به.
فلما فاظ أغمضته ثم تنحت عن مقعدها عند رأسه ورجعت إلى مجلسها تجاهه فقالت: يا فلان ما حق من ألبس العافية وأسبغت عليه النعمة وأطيلت له النظرة أن يعجز عن التوثق لنفسه قبل حل عقدته والحلول بعقوبته، والحيال بينه وبين نفسه قال: فأجابها أعرابي: إنا لم نزل نسمع أن الجزع إنما هو للنساء فلا يجز عن رجل بمصيبة بعدك ولقد كرم صبرك، وما أشبهت النساء.
فأقبلت عليه بوجهها ثم قالت: ما ميز رجل بين الصبر والجزع إلا أصاب بينهما منهجين بعيدي التفاوت في حاليهما، أما الصبر فحسن العلانية محمود العاقبة، وأما الجزع فغير معوض مع مأثمه، ولو كانا رجلين في صورة، كان أولاهما بالغلبة وحسن الصورة مع كرم الطبيعة في عاجله من الدين وآجله من الثواب، وكفى ما وعد الله عز وجل فيه لمن ألهمه إياه.
انتهى ذكر أهل البوادي.