فهرس الكتاب

ذكر المصطفين من عباد السواحل

ذكر المصطفين من عباد السواحل 901 عابد بسيراف سعيد بن ثعلبة الوراق قال: بينا أنا ذات ليلة مع رجل من العابدين على الساحل بسيراف فأخذ في البكاء، فلم يزل يبكي حتى خفنا طلوع الفجر، ولم يتكلم بشيء.
ثم قال: جرمي عظيم، وعفوك كثير، فاجمع بين جرمي وعفوك يا كريم.
قال: فتصارخ الناس من كل ناحية.
902 عابد آخر أحمد بن فارس قال: حدثني أبو بكر الكتاني قال: كنت أنا وأبو سعيد الخراز، وعباس بن المهتدي، وآخر، نسير بالشام على ساحل البحر.
إذا شاب يمشي معه محبرة ظننا أنه من أصحاب الحديث.
فقال له أبو سعيد: يا فتى على أي طريق تسير؟ فقال: ليس أعرف إلا طريقين: طريق الخاصة وطريق العامة.
فأما طريق العامة الذي أنتم عليه.
وأما طريق الخاصة فباسم الله.
وتقدم إلى البحر ومشى حيالنا على الماء فلم نزل نراه حتى غاب عن أبصارنا.
903 عابد آخر عباد، أبو عتبة الخواص، قال: حدثني رجل من الزهاد ممن يسيح في الجبال قال: لم تكن لي همة في شيء من الدنيا ولا لذة إلا في لقياهم، يعني الأبدال والزهاد.
قال فبينا أنا ذات يوم على ساحل من سواحل البحر ليس يسكنه الناس ولا ترقى إليه السفن إذا أنا رجل قد خرج من تلك الجبال.
فلما رآني هرب وجعل يسعى واتبعته أسعى خلفه فسقط على وجهه وأدركته، فقلت: ممن تهرب رحمك الله؟ فلم يكلمني.
فقلت: إني أريد الخير فعلمني.
فقال: عليك بلزوم الحق حيث كنت، فوالله ما أنا بحامد لنفسي فأدعوك إلى مثل عملها.
ثم صاح صيحة فسقط ميتاً فمكثت لا أدري كيف أصنع به؟ قال: وهجم الليل علينا فتنحيت فنمت ناحية عنه.
فرأيت في منامي أربعة نفر هبطوا عليه من السماء على خيل فحفروا له وكفنوه وصلوا عليه ثم دفنوه.
فاستيقظت فزعاً للذي رأيت.
فذهبت عني وسنة النوم بقية الليل.
فلما أصبحت انطلقت إلى موضعه فلم أره فيه.
فلم أزل أطلب أثره وأنظره حتى رأيت قبراً جديداً فظننت أنه القبر الذي رأيت في منامي.
904 عابد آخر أبو عبد الرحمن المغازلي قال: قال رجل ببلاد الشام في بعض تلك السواحل: لو بكى العابدون على الإشفاق حتى لم يبق في أجسادهم جارحة إلا أدت ما فيها من الدم والودك دموعاً جارية، وبقيت الأبدان يبساً خالية تتردد فيها الأرواح إشفاقاً ووجلاً من يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت.
لكانوا محقوقين بذلك.
ثم غشي عليه.
905 عابد آخر إسرافيل قال: سمعت ذا النون يقول: سمعت بعض المتعبدين بساحل بحر الشام يقول: إن لله تعالى عباداً عرفوه بيقين من معرفته فشمروا وقصدوا إليه، احتملوا فيه المصائب لما يرجون عنده من الرغائب، صحبوا الدنيا بالأشجان، وتنعموا فيها بطول الأحزان، فما نظروا إليها بعين راغب، ولا تزودوا منها إلا كزاد الراكب، خافوا البيات فأسرعوا، ورجوا النجاة فأزمعوا، بذلوا مهج أنفسهم في رضا سيدهم، نصبوا الآخرة نصب أعينهم، وأصغوا إليها بآذان قلوبهم، فلو رأيتهم رأيت قوماً ذبلاً شفاههم، خمصاً بطونهم، حزينة قلوبهم، ناحلة أجسامهم، باكية أعينهم، لم يصحبهم التعليل والتسويف وقنعوا من الدنيا بقوات طفيف، لبسوا من اللباس أطماراً بالية، وسكنوا من البلاد قفراً خالية، وهربوا من الأوطان، واستبدلوا الوحدة من الأخدان، فلو رأيتهم لرأيت قوماً قد ذبحهم الليل بسكاكين السهر، وفصل الأعضاء منهم بخناجر التعب، خمصاً لطول السرى، شعثاً لفقد الكرى، قد وصلوا الكلال بالكلال، وتأهبوا للنقلة والارتحال.
906 عابد آخر محمد بن إبراهيم الأخرم قال: خرجت من مصر وأنا على ساحل البحر، فرأيت امرأة خرجت من برية.
فقلت: إلى أين يا أمة الله؟ قالت: إلى صومعة ها هنا لي فيها ابن، فمشيت معها فسمعت صوتاً من صومعة يقول: ومشتاق وليس له قرار ... نفور ليس يملكه العذار ومؤنس قلبه ليل طويل ... يلذ به ويوحشه النهار قضى وطراً به فأفاد علماً ... فنهمته التعبد والفرار ألا صبراً على دنياك صبراً ... فكل أمورها فيها اعتبار فقلت لها: منذ كم صار ابنك ها هنا؟ قالت: منذ وهبته منه وقبله مني.
907 جماعة من العباد في السواحل عن عبد الرحمن بن زيد قال: لم أر مثل قوم رأيتهم.
هجمنا مرة على نفر من العباد في بعض سواحل البحر، فتفرقوا حين رأونا فبتنا تلك الليلة وارفينا في تلك الجزيرة، ما كنت أسمع عامة الليل إلا الصراخ والتعوذ من النار.
فلما أصبحنا طلبناهم واتبعنا آثارهم فلم نر منهم أحداً.