فهرس الكتاب

ذكر المصطفين من عباد مصر المجهولي الأسماء

ذكر المصطفين من عباد مصر المجهولي الأسماء 843 عابد يوسف بن الحسين قال: كنت قاعداً بين يدي ذي النون وحوله ناس، وهو يتكلم عليهم، والناس يبكون، وشاب يضحك.
فقال له ذو النون: ما لك أيها الشاب؟ الناس يبكون وأنت تضحك.
فأنشأ يقول: كلهم يعبدون من خوف نار ... ويرون النجاة حظاً جزيلا ليس لي في الجنان والنار رأي ... أنا لا أبتغي بحبي بديلاً فقيل له: فإذا طردك فماذا تفعل؟ فأنشأ يقول: فإذا لم أجد من الحب وصلاً ... رمت في النار منزلاً ومقيلا ثم أزعجت أهلها ببكائي ... بكرة في ضرامها وأصيلا معشر المشركين نوحوا علي ... أنا عبد أحببت مولى جليلا لم أكن في الذي ادعيت محقاً ... فجزاني به العذاب الطويلا يوسف بن الحسين قال: كان شاب يحضر مجلس ذي النون بن إبراهيم المصري مدة.
ثم انقطع عنه زماناً.
ثم حضر عنده وقد اصفر لونه ونحل جسمه وظهرت آثار العبادة والاجتهاد عليه فقال ذي النون: يا فتى، ما الذي أكسبتك خدمة مولاك واجتهادك من المواهب التي منحك بها فوهبها لك واختصك بها؟ فقال الفتى: يا أستاد وهل رأيت عبداً اصطنعه مولاه من بين عبيده واصطفاه وأعطاه مفاتيح الخزائن ثم أسر إليه سراً أيحسن أن يفشي ذلك السر؟ ثم أنشأ يقول: من شاوروه فأبدى السر مجتهداً ... لم يأمنوه على الأسرار ما عاشا وباعدوه فلم يسعد بقربهم ... وأبدلوه من الإيناس إيحاشا لا يصطفون مذيعاً بعض سرهم ... حاشا ودادهم من ذالكم حاشا844 عابد آخر عبد الملك بن هاشم قال: قلت لذي النون صف لنا من خيار من رأيت فذرفت عيناه وقال: ركبنا مرة البحر نريد جدة، معنا فتى من أبناء نيف وعشرين سنة قد ألبس ثوباً من الهيبة، فكنت أحب أكلمه فلم أستطع فبينا نراه مصلياً نراه قارئاً ونراه مسبحاً.
إلى أن رقد ذات يوم ووقعت في المركب تهمة فجعل الناس يفتش بعضهم بعضاً إلى أن بلغوا إلى الفتى النائم.
فقال صاحب الصرة: لم يكن أحد أقرب إلي من هذا الفتى النائم.
فلما سمعت ذلك قمت فأيقظته، فما كلمني حتى توضأ للصلاة وصلى أربع ركعات، ثم قال: يا فتى ما تشاء؟ فقلت: إن تهمة وقعت في المركب وإن الناس لم يزل يفتش بعضهم بعضاً حتى بلغوا إليك فالتفت إلي صاحب الصرة فقال: أكما يقول: فقال: نعم لم يكن أحد أقرب إلي منك، فرفع الفتى يديه يدعو وخفت على أهل المركب من دعائه فيخيل إلينا أن كل حوت في البحر، قد خرجت في فم كل حوت درة، فقام الفتى إلى جوهرة في في حوت فأخذها فألقاها إلى صاحب الصرة وقال: في هذه عوض مما ذهب منك وأنت في حل.
وقد رويت لنا هذه الحكاية على وجه آخر: يوسف بن الحسين قال: لما استأنست بذي النون المصري قلت: أيها الشيخ ما كان بدو شأنك وما أنت فيه؟ قال: كنت شاباً صاحب لهو ولعب، ثم إني تبت وتركت ذلك كله وخرجت حاجاً إلى بيت الله الحرام ومعي بضيعة فركبت في المركب مع تجار من مصر، وركب معنا شاب صبيح كأنه يشرق وجهه.
فلما توسطنا فقد صاحب المركب كيساً فيه مال، فأمر بحبس المركب وفتش من فيه وأتعبهم.
فلما وصلوا إلى الشاب ليفتش، وثب وثبة من المركب حتى جلس على موج من أمواج البحر، وقام له الموج سرير على مثال وهو جالس عليه ننظر إليه من المركب.
ثم قال: يا مولاي إن هؤلاء اتهموني وإني أقسم يا حبيب قلبي أن تأمر كل دابة في هذا المكان أن تخرج رؤوسها وفي أفواهها جوهر.
قال ذو النون: فما تم كلامه حتى رأينا دواب البحر أمام المركب وحواليه قد أخرجت رؤوسها وفي فم كل واحدة منها جوهر مضيء يتلألأ ويلمع، ثم وثب الشاب من الموج إلى البحر وجعل يتبختر على متن الماء ويقول {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} حتى غاب عن عيني.
845 عابد آخر حكيم من الحكماء قال: مررت بعريش من مصر وأنا أريد الرباط، فإذا أنا برجل في مظلة قد ذهبت عيناه ويداه ورجلاه، وبه أنواع البلاء وهو يقول: الحمد لله حمداً يوافي محامد خلقك بما أنعمت علي وفضلتني على كثير ممن خلقت تفضيلاً.
فقلت: لأنظرن أشيء علمه أم ألهمه الله إلهاماً؟ فقلت: على أي نعمة من نعمه تحمده؟ أم على أي فضيلة تشكره؟ فوالله ما أرى شيئا من البلاء إلا وهو بك، فقال: ألا ترى ما قد صنع بي؟ فوالله لو أرسل السماء علي ناراً فأحرقتني، وأمر الجبال فدكدتني، وأمر البحار فغرقتني ما ازددت له إلا حمداً وشكراً وإن لي إليك حاجة: بنية لي كانت تخدمني وتتعاهدني عند إفطاري انظر هل تحس بها؟ وقال عبد الوهاب بني كان لي فقلت: والله إني لأرجو أن يكون لي في قضاء حاجة هذا العبد الصالح قربة إلى الله عز وجل.
فخرجت أطلبها بين تلك الرمال فإذا السبع قد أكلها.
فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، من أين آتي هذا العبد الصالح أخبره بموت ابنته؟ فأتيته فقلت له: أنت أعظم عند الله منزلة أم أيوب عليه السلام؟ ابتلاه الله في ماله وولده وأهله وبدنه حتى صار عرضاً للناس؟ فقال: لا بل أيوب.
قلت: فإن ابنتك التي أمرتني أن أطلبها أصبتها وإذا السبع قد أكلها.
فقال: الحمد لله الذي لم يخرجني من الدنيا وفي قلبي منها شيء.
فشهق شهقة فمات.
فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، من يعينني على غسله ودفنه؟ فإذا أنا بركب يريدون الرباط، فأشرت إليهم فأقبلوا إلي فأخبرتهم بالذي كان من أمره فغسلناه وكفناه ودفناه في مظلته تلك، ومضى القوم.
وبت ليلتي في مظلته آنساً به حتى إذا مضى من الليل قد ثلثه إذا أنا به في روضة خضراء، وإذا عليه حلتان خضراوان، وهو قائم يتلو القرآن.
فقلت ألست صاحبي بالأمس؟ فقال: بلى.
فقلت: فما صيرك إلى ما أرى؟ قال: وردت من الصابرين على درجة لم ينالوها إلا بالصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء.
846 عابد آخر عمرو بن عثمان المكي قال: لقيت رجلاً بين قرى مصر يدور.
فقلت: ما لي أراك لا تقر بمكان؟ قال: وكيف يقر مطلوب؟ فقلت له: أو ليس أنت في قبضته في كل مكان؟ قال: بلى، ولكن أخاف أن أستوطن الأوطان فيأخذني على غرة الاستيطان مع المغرورين.
847 عابد آخر أبو بكر المصري قال: خرجت من عينونة أريد الرملة.
فبينا أنا أمشي إذا بفقير يمشي حافي القدمين حاسر الرأس، وعليه خرقتان متزر بإحداهما مرتد بالأخرى ليس معه زاد ولا ركوة فقلت في نفسي لو كان مع هذا ركوة وحبل، فإذا ورد الماء توضأ وصلى كان خيراً له.
فلحقت به وقد اشتدت الهاجرة فقلت له: يا فتى لو جعلت هذه الخراقة التي على كتفيك على رأسك تتوقى بها الشمس كان خيراً لك، فسكت ومشى، فلما كان بعد ساعة قلت له: أنت حاف، أي شيء ترى في نعل تلبسها ساعة وأنا ساعة؟ فقال: أراك كثير الفضول لم تكتب الحديث؟ قلت: بلى.
قال: فلم تكتب عن النبي صلى الله عليه وسلم "إن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" فسكت ومشى.
وعطشت وأنا على ساحل البحر فالتفت إلي فقال: أنت عطشان؟ فقلت: لا.
فمشى ساعة وقد كظني العطش ثم التفت إلي فقال: أنت عطشان؟ فقلت: نعم، وما تقدر أن تعمل في مثل هذا الموضع؟ فأخذ الركوة مني ودخل البحر وعرف الماء وجاءني به، وقال: اشرب.
فشربت ماء أعذب من ماء النيل وأصفى لوناً وفيه حشيش، فقلت في نفسي هذا ولي الله ولكني أدعه حتى إذا وافينا المنزل سألته الصحبة.
فوقف وقال: أيما أحب إليك تمشي أو أمشي؟ فقلت: إن تقدم فاتني ولكن أتقدم أنا وأجلس في بعض المواضع، فإذا جاء سألته الصحبة.
فقال: يا أبا بكر إن شئت تقدم واجلس وإن شئت تأخر فإنك لا تصحبني، ومضى وتركني، دخلت المنزل وكان لي به صديق وعندهم عليل فقلت لهم: رشوا عليه من هذا الماء.
فرشوا عليه فبرأ وسألتهم عن الشخص فقالوا: ما رأيناه.
848 عابد آخر عبد العزيز بن عمير قال: كان في خرابات القبائل بمصر رجل مجذوم وكان شاب من أهل مصر يختلف إليه ويتعاهده ويغسل خرقه ويخدمه.
فتقرأ فتى من أهل مصر فقال للذي كان يخدمه: إنه بلغني أنه يعرف اسم الله الأعظم فأنا أحب أن أجيء معك إليه فأتاه فسلم عليه وقال: يا عم إنه بلغني أنك تعرف اسم الله الأعظم فلو سألته أن يكشف ما بك؟ فقال: يا بن أخي، هو الذي أبلاني فأنا أكره أن أراده.