فهرس الكتاب

الليث بن سعد

835 الليث بن سعد يكنى أبا الحارث، مولى لقيس.
ولد سنة ثلاث وتسعين، واستقل بالفتوى والكرم بمصر.
أبو صالح قال: كنا على باب مالك بن أنس فامتنع علينا.
فقلنا: ليس يشبه صاحبنا قال: فسمع مالك كلامنا فأدخلنا عليه فقال لنا: من صاحبكم؟ قلنا: الليث بن سعد.
فقال: تشبهوني برجل كتبنا إليه في قليل عصفر نصبغ به ثياب صبياننا وثياب جيراننا فأنفذ إلينا ما صبغنا به ثيابنا وثياب صبياننا وثياب جيراننا وبعنا الفضلة بألف دينار؟.
محمد بن موسى الصائغ قال: سمعت منصور بن عمار يقول: تكلمت في جامع مصر يوماً فإذا رجلان قد وقفا على الحلقة فقالا: أجب الليث.
فدخلت عليه فقال: أنت المتكلم في المسجد؟ قلت: نعم: قال رد علي الكلام الذي تكلمت به.
فأخذت في ذلك المجلس بعينه.
فرق وبكى حتى رحمته.
ثم قال: ما اسمك؟ قلت: منصور، قال: ابن من؟ قلت: ابن عمار.
قال: أنت أبو السري؟ قلت: نعم.
قال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى رأيتك.
ثم قال: يا جارية.
فجاءت فوقفت بين يديه فقال لها: جيئي بكيس كذا وكذا فجاءت بكيس فيه ألف دينار فقال: يا أبا السري خذ هذا إليك وصن هذا الكلام أن تقف به على أبواب السلاطين، ولا تمدحن أحداً من المخلوقين بعد مدحتك لرب العالمين، ولك علي في كل سنة مثلها.
فقلت: رحمك الله إن الله قد أحسن إلي وأنعم.
قال: لا ترد علي شيئاً أصلك به، فقبضتها وخرجت.
قال: لا تبطئ علي، فلما كان في الجمعة الثانية أتيته فقال لي: اذكر شيئاً فتكلمت، فبكا وكثر بكاؤه فلما أردت أن أقوم قال: انظر ما في ثني هذه الوسادة وإذا خمسمائة دينار.
فقلت: عهدي بصلتك بالأمس.
قال: لا تردن علي شيئاً أصلك به.
متى رأيتك؟ قلت: الجمعة الداخلة.
قال: كأنك فتت عضواً من أعضائي.
فلما كانت الجمعة الداخلة أتيته مودعاً فقال لي: خذ في شيء أذكرك به، فتكلمت، فبكا وكثر بكاؤه.
ثم قال لي: يا منصور انظر ما في ثني الوسادة، إذا ثلثمائة دينار قد أعدها للحج.
ثم قال: يا جارية هاتي ثياب إحرام منصور، فجاءت بإزار فيه أربعون ثوباً.
قلت: رحمك الله أكتفي بثوبين.
فقال لي: أنت رجل كريم ويصحبك قوم فأعطهم.
وقال للجارية التي تحمل الثياب معه: وهذه الجارية لك.
سليم بن منصور قال: سمعت أبي يقول: دخلت على الليث بن سعد يوماً فإذا على رأسه خادم، فغمزه فخرج، ثم ضرب الليث بيده إلى مصلاة فاستخرج من تحته كيساً فيه ألف دينار، ثم رمى بها إلي.
ثم قال: يا أبا السري لا تعلم ابني فتهون عليه.
الحسن بن عبد العزيز قال: قال لي الحارث بن مسكين اشترى قوم من الليث بن سعد ثمرة استغلوها فاستقالوه فأقالهم.
ثم دعا بخريطة فيها أكياس فأمر لهم بخمسين ديناراً، فقال له الحارث ابنه في ذلك، فقال: اللهم غفراً إنهم كانوا قد أملوا فيها أملاً فأحببت أن أعوضهم عن أملهم بهذا.
سعيد الآدم قال مررت بالليث بن سعد فتنحنح لي فرجعت إليه، فقال لي يا سعيد خذ هذا الفنداق، فاكتب لي فيه من يلزم المسجد ممن لا بضاعة له ولا غلة.
قال: فقلت: جزاك الله خيراً يا أبا الحارث.
وأخذت منه الفنداق ثم صرت إلى المنزل، فلما صليت أوقدت السراج وكتبت بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ثم قلت: فلان بن فلان.
ثم قلت: فلان.
فبينا أنا على ذلك إذ أتاني آت فقال: ها الله يا سعيد تأتي إلى قوم عاملوا الله عز وجل سراً فتكشفهم لآدمي؟ مات الليث ومات شعيب بن الليث، أليس مرجعهم إلى الله الذي عاملوه؟ قال فقمت ولم أكتب شيئاً، فلما أصبحت أتيت الليث بن سعد فلما رآني تهلل وجهه فناولته الفنداق فنشره فأصاب فيه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
ثم ذهب ينشره.
فقلت له: ما فيه غير ما كتبت فقال لي: يا سعيد وما الخبر؟ فأخبرته بصدق عما كان.
فصاح صيحة، فاجتمع عليه الخلق فقالوا: يا أبا الحارث أليس خيراً؟ فقال: ليس إلا خير.
ثم أقبل علي فقال: يا سعيد تبينتها وحرمتها صدقت مات الليث أليس مرجعهم إلى الله؟.
قال علي بن محمد: سمعت مقدام بن داود يقول: سعيد الآدم هذا يقال إنه من الأبدال، وقد كان رآه مقدام.
عبد الملك بن يحيى بن بكير قال: سمعت أبي يقول: وصل الليث بن سعد ثلاثة أنفس بثلاثة آلاف دينار: احترقت دار ابن لهيعة فبعث إليه بألف دينار، وحج فأهدى إليه مالك بن أنس رطباً على طبق فرد إليه على الطبق ألف دينار، ووصل منصور بن عمار بألف دينار، وقال: لا يسمع بهذا ابني فتهون عليه، فبلغ ذلك شعيب بن الليث فوصله بألف دينار إلا ديناراً، وقال: إنما نقصتك هذا الدينار لئلا أساوي الشيخ في العطية.
محمد بن رمح قال: كان دخل الليث بن سعد في كل سنة ثمانين ألف دينار وما وجب الله تعالى عليه زكاة قط.
سليم بن منصور قال: سمعت أبي يقول: كان الليث بن سعد يستغل في كل سنة خمسين ألف دينار فيحول عليه الحول وعليه دين.
أسند الليث عن خلق كثير من التابعين كعطاء، ونافع، وأبي الزبير، والزهري.
وقيل إنه أدرك نيفاً وخمسين تابعياً.
وتوفي يوم الجمعة لأربع عشرة ليلة بقيت من شعبان من سنة خمس وسبعين ومائة ودفن بعد الجمعة.