فهرس الكتاب

أم الدرداء

ذكر المصطفيات من عابدات الشام 819 أم الدرداء واعلم أن أم الدرداء اثنتان: فالكبرى تسمى خيرة بنت أبي حدرد، زوجة أبي الدرداء، لها صحبة ورواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويقال إنها ماتت قبل أبي الدرداء.
وأم الدرداء الصغرى: اسمها هجيمة بنت حيي الوصابية، قبيلة من حمير، وهي زوجة أبي الدرداء أيضاً.
ويقال فيها جهيمة وهي التي خطبها معاوية بعد موت أبي الدرداء فأبت أن تتزوجه.
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: الكبرى لها صحبة، وروت عن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أحاديث، والصغرى لا صحبة لها، روت عن أبي الدرداء وكلتاهما زوجة أبي الدرداء.
وقال أبو القاسم الطبري: يروي عن الصغرى: إسماعيل بن عبد الله بن أبي المهاجر، وزيد بن أسلم، وطلحة ابن عبد الله بن كريز، وصفوان بن عبد الله بن صفوان، وعثمان بن حيان الدمشقي، وسالم بن أبي الجعد، ويونس بن ميسرة بن حلبس.
قلت: وكان لأبي الدرداء بنت تسمى الدرداء، وليست من هذه ولا من هذه، بل من امرأة أخرى على ما ذكر محمد بن سعد.
وقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث صفوان بن عبد الرحمن قال: قدمت الشام فأتيت أبا الدرداء في منزله فلم أجده ووجدت أم الدرداء فقالت: أتريد الحج العام: فقلت: نعم.
قالت: فادع لنا بخير فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: "دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل".
قال: فخرجت إلى السوق فلقيت أبا الدرداء فقال لي مثل ذلك يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أخرجه مسلم في كتاب الدعاء.
وأخرج متصلاً به ليدل على أن الحديث من روايتها عن أبي الدرداء، من حديث طلحة بن عبد الله ابن كريز، قال: حدثتني أم الدرداء قالت: حدثني سيدي، يعني أبا الدرداء، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من دعا لأخيه بظهر الغيب قال الملك الموكل به: ولك بمثل".
قال أبو عبد الله محمد بن أبي نصر الحميدي: قال أبو بكر البرقاني: وهذه أم الدرداء الصغرى التي روت هذا الحديث وليس لها صحبة ولا سماع من النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من مسند أبي الدرداء.
فأما أم الدرداء الكبرى فلها صحبة وليس لها في الكتابين حديث والله أعلم.
قلت: فإذ قد كشفنا عن هاتين الكنيتين على ما يوجبه النظر في النقل فالأخبار التي نوردها عن الصغرى لا عن الكبرى والله أعلم.
عبد الله بن أحمد قال: حدثتني خديجة أم محمد، وكانت تجيء إلى أبي تسمع منه ويحدثها، قالت: حدثنا إسحاق الأزرق قال: حدثنا المسعودي عن عون بن عبد الله قال: كنا نجلس إلى أم الدرداء فنذكر الله عندها فقالوا: لعلنا قد أمللناك قال: تزعمون أنكم قد أمللتموني؟ فقد طلبت العبادة في كل شيء فما وجدت شيئاً أشفى لصدري ولا أحرى أن أصيب به الذي أريد من مجالس الذكر.
عن عون بن عبد الله قال كنا نأتي أم الدرداء فنذكر الله عندها.
قال: فاتكأت ذات يوم.
فقيل لها: لعلنا أن نكون قد أمللناك يا أم الدرداء، فجلست فقالت: رعمتم أنكم قد أمللتموني؟ فقد طلبت العبادة بكل شيء فما وجدت أشفى لصدري ولا أحرى أن أدرك منه ما أريد من مجالسة أهل الذكر.
عن إبراهيم بن أبي عبلة قال: قلت لأم الدرداء ادعي لنا قالت: أو بلغت أنا ذلك؟.
عن ميمون بن مهران قال: ما دخلت على أم الدرداء في ساعة صلاة إلا وجدتها مصلية.
يونس بن ميسرة بن حلبس قال: كنا نحضر أم الدرداء وتحضرها نساء متعبدات يقمن الليل كله حتى إن أقدامهن قد انتفخت من طول القيام.
شيخ من بني تميم قال: حدثني هزان قال: قالت لي أم الدرداء: يا هزان هل تدري ما يقول الميت على سريره؟ فقلت: لا.
قالت: فإنه يقول يا أهلاه ويا جيراناه وياحملة سريراه، لا تغرنكم الدنيا كما غرتني، ولا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بي فإن أهلي لا يحملون عني من وزري شيئاً، ولو حاجوني عند الجبار لحجوني.
ثم قالت أم الدرداء الدنيا أسحر لقلوب العابدين من هاروت وماروت، وما آثرها عبد قط إلا أضرعت خده.
عن أبي عمران الأنصاري قال: كنت أقود دابة أم الدرداء فيما بين بيت المقدس ودمشق فقالت لي: يا سليمان أسمع الجبال وما وعدها الله عز وجل فأرفع صوتي بهذه الآية: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ....
} الكهف: 47.
سعيد بن عبد العزيز قال: أشرفت أم الدرداء على وادي جهنم ومعها إسماعيل بن عبيد الله فقالت: يا إسماعيل اقرأ فقرأ: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَالا تُرْجَعُونَ} المؤمنون فخرت أم الدرداء على وجهها وخر إسماعيل على وجهه فما رفعا رؤوسهما حتى ابتل ما تحت وجوههما من دموعهما.
عن خالد بن ذكوان قال: أخبرتني أمي أن ابنة لأبي الدرداء توفيت فصلت عليها أم الدرداء ثم رجعت فدعت بالمجمر فوضعته تحت ثيابها ثم ناولتنيه.
وقال يحيى بن معين: ماتت الدرداء قبل أم الدرداء، فلام دفنتها قالت: اذهبي إلى ربك وأذهب إلى ربي.
فدخلت المسجد.
عن ميمون بن مهران قال: خطب معاوية أم الدرداء فأبت أن تزوجه وقالت سمعت أبا الدرداء يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "المرأة في آخر أزواجها" أو قال: "لآخر أزواجها" أو كما قال ولست أريد بأبي الدرداء بدلاً.
عن شهر بن حوشب، عن أم الدرداء قالت: إنما الوجل في قلب ابن آدم كاحتراق السعفة، أما تجد لها قشعريرة؟ قال: بلى.
قالت: فادع الله إذا وجدت ذلك، فإن الدعاء يستجاب عند ذلك.