فهرس الكتاب

ذكر المصطفين من عباد الثغور المجهولي الأسماء

ذكر المصطفين من عباد الثغور المجهولي الأسماء 807 عابد طوسوسي أبو سليمان المغربي قال: كنت أحمل الحطب من الجبل وأتقوت منه، وكان طريقي فيه التوقي والتحري، قال: فرأيت جماعة من البصريين في النوم، منهم الحسن ومالك بن دينار وفرقد السبخي، فسألتهم عن علم حالي فقلت: أنتم أئمة المسلمين دلوني على الحلال الذي ليس لله فيه تبعة ولا للخلق فيه منه، فأخذوا بيدي فأخرجوني من طرسوس إلى مرج فيه خبازي فقالوا لي: هذا الحلال الذي ليس لله عز وجل فيه تبعة ولا للمخلوق فيه منه.
قال: فمكثت آكل منه نصف سنة، ثلاثة أشهر في دار السبيل، وكنت آكله نياً ومطبوخاً فصار لي حديث، فقلت: هذه فتنة.
فخرجت من دار السبيل فكنت آكله ثلاثة أشهر أخر.
فأوجدني الله عز وجل قلباً طيباً حتى قلت: إن كان أهل الجنة بهذا القلب الذي لي فهم والله في شيء طيب، وما كنت آنس بكلام الناس، فخرجت يوماً من باب قلمية إلى صهريج يعرف بالمدنف فجلست عنده فإذا أنا بفتى قد أقبل من ناحية لامش يريد طرسوس وقد بقي معي قطيعات من ثمن الحطب الذي كنت أجيء به من الجبل فقلت: أنا قد قنعت بهذا الخبازي، أعطي هذه القطع هذا الفقير إذا دخل طرسوس اشترى بها شيئاً وأكله، فلما دنا مني أدخلت يدي إلى جيبي حتى أخرج الخرقة فإذا أنا بالفقير قد حرك شفتيه وإذا كل ما حولي من الأرض ذهب يتقد حتى كاد يخطف بصري، ولبسني منه هيبة فجاز ولم أسلم عليه من هيبته.
قال الشيخ أبو بكر: وزادني أبو الفرج بن أبان في هذه الحكاية قال: فقلت له: فرأيته بعد ذلك؟ فقال: نعم، خرجت يوماً خارج طرسوس إذا بالفتى جالس تحت برج من الأبرجة وبين يديه ركوة فيها ماء فسلمت عليه ثم استدعيت منه موعظة فمد رجله فقلب الماء، ثم قال لي: كثرة الكلام تنشف الحسنات كما أنشفت الأرض هذا الماء.
قم يكفيك.
808 عابد آخر علي بن الحسن بن موسى قال: قال رجل: لأمتحنن أهل البلاء.
قال: فدخلت على رجل بطرسوس وقد أكلت الآكلة أطرافه.
فقلت له: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت والله وكل عرقوكل عضو يألم على حدته من الوجع، وإن ذلك لبعين الله أحبه إلي أحبه إلى الله، وما قدر ما أخذ ربي مني؟ وددت أن ربي قطع مني الأعضاء التي اكتسبت بها الإثم، وأنه لم يبق مني إلا لساني يكون له ذاكراً.
قال: فقال له رجل: متى بدأت بك هذه العلة؟ فقال: الخلق كلهم عبيد الله وعياله، فإذا نزلت بالعباد علة فالشكوى إلى الله ليس يشتكى إلى العباد.
809 عابد مصيصي علي بن الحسن قال: كان رجل بالمصيصة ذاهب نصفه الأسفل لم يبق منه إلا روحه في بعض جسده، ضرير على سرير مثقوب فدخل عليه داخل فقال له: كيف أصبحت يا أبا محمد؟ قال: ملك الدنيا، منقطع إلى الله عز وجل ما لي إليه من حاجة إلا أن يتوفاني على الإسلام.
810 عابد من أهل بيروت أبو عبد الرحمن الأزدي قال: كنت أدور على حائط بيروت فمررت برجل متدلي الرجلين في البحر وهو يكبر.
فاتكأت على الشرافة التي إلى جنبه فقلت: يا شاب مالك جالساً وحدك؟ قال: اتق الله ولا تقل لي إلا حقاً، ما كنت قط وحدي منذ ولدتني أمي، إن معي ربي حيث ما كنت، ومعي ملكان يحفظان علي، وشيطان ما يفارقني فإذا عرضت لي حاجة إلى ربي عز وجل سألته إياها ولم أسأله بلساني، فجاءني بها.
ومن المصطفيات من عابدات الثغور: 811 زينب الطبرية هارون بن الحسن قال: سمعت سلماً الخواص يقول: كانت عندنا جارية يقال لها زينب، وكانت تحسن خدمة مولاها، فذهبت أسلم عليها فقالت: يا أبا محمد كنت منذ ليال قائمة أخدم مولاي فغلبتني عيني فسمعت قائلاً يقول: صلاتك نور والعباد رقود ... قومي فصلى للغفور الودود قال: وخرجت يوماً في حاجة فعثرت فانقطع إصبع من أصابعها قال: فاجتمعنا رجالاً ونساء نعزيها في إصبعها، فقالت: يا إخوتي وأخواتي أنساني لذة ثوابها وجعها فوهب الله لي ولكم الرضا والعفو عما مضى، قوموا حتى نخدم من الطريق عليه غداً.