فهرس الكتاب

ابو سليمان الداراني

ومن الطبقة السادسة: 757 أبو سليمان الداراني واسمه عبد الرحمن بن أحمد بن عطية العنسي، ودارياً قرية من قرى دمشق، وقيل ضيعة إلى جنب دمشق.
أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان عبد الرحمن بن أحمد العنسي يقول: مفتاح الدنيا الشبع، ومفتاح الآخرة الجوع، وأصل كل خير في الدنيا والآخرة الخوف من الله، وإن الله يعطي الدنيا من يحب، ومن لا يحب، وإن الجوع عنده في خزائن مدخرة، ولا يعطي إلا من أحب خاصة، ولأن أدع من عشائي لقمة أحب إلي من أن آكلها وأقوم أول الليل إلى آخره.
أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان يقول: لولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا، وما أحب البقاء في الدنيا لتشقيق الأنهار ولا لغرس الأشجار.
أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان يقول: سمعت أبا جعفر يبكي في خطبته يوم الجمعة، فاستقبلني الغضب وحضرتني نية أن أقوم فأعظه بما أعرف من فعله إذا نزل.
قال: فتفكرت أن أقوم إلى الخليفة فأعظه والناس جلوس يرمقوني بأبصارهم.
فيعرض لي تزين فيأمر بي فأقتل على غير تصحيح.
فجلست وسكت.
قال أحمد: وسمعت أبا سليمان يقول: كنت بالعراق أعمل، وأنا بالشام أعرف.
قال أحمد: فحدثت به ابنه سليمان فقال: إنما معرفة أبي بالله تعالى بالشام لطاعته بالعراق، ولو ازداد لله بالشام طاعة لازداد لله معرفة.
ابن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان يقول: كل ما شغلك عن الله عز وجل من أهل ومال أو ولد فهو عليك مشوم.
مسعود بن أبي جميل قال: سمعت أبا سليمان يقول: إنما عصى الله عز وجل من عصاه لهوانهم عليه، ولو كرموا عليه لحجزهم عن معاصيه.
أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان يقول: كلما ارتفعت منزلة القلب كانت العقوبة إليه أسرع.
أحمد بن أبي الحواري قال: قال لي أبو سليمان: من أي وجه أزال العاقل اللائمة عمن أساء إليه؟ قلت: لا أدري، قال: من أنه قد علم أن الله تعالى هو الذي ابتلاه به.
أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان يقول كنت ليلة باردة في المحراب فأفاقني البرد فخبأت إحدى يدي من البرد وبقيت الأخرى ممدودة، فغلبتني عيني فهتف بي هاتف: يا أبا سليمان قد وضعنا في هذه ما أصابها، ولو كانت الأخرى لوضعنا فيها ما أصابها.
فآليت لا أدعو إلا ويداي خارجتان.
أحمد بن أبي الحواري قال: قال لي أبو سليمان الداراني: يا أحمد إني محدثك بحديث فلا تحدث به أحداً حتى أموت: نمت ذات ليلة عن وردي فإذا أنا بحوراء تنبهني وتقول: يا أبا سليمان تنام وأنا أربى لك في الخدور منذ خمسمائة عام؟.
أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان الداراني يقول: بينا أنا ساجد إذ ذهب بي النوم فإذا أنا بها، يعني الحوراء، قد ركضتني برجلها فقالت: حبيبي أترقد عيناك والملك يقظان ينظر إلى المتهجدين في تهجدهم؟ بؤساً لعين آثرت لذة النوم على لذة مناجاة العزيز، قم فقد دنا الفراغ ولقي المحبون بعضهم بعضاً، فما هذا الرقاد؟ حبيبي وقرة عيني، أترقد عيناك وأنا أربي لك في الخدور منذ كذا وكذا؟ فوثبت فزعاً وقد عرقت استحياء من توبيخها إياي وإن حلاوة منطقها لفي سمعي وقلبي.
أحمد بن أبي الحواري يقول: سمعت أبا سليمان الداراني يقول: ما ضرك في غرك إذا أعقبك ما سرك.
موسى بن عمران قال: سمعت أبا سليمان الداراني يقول: إن النفس إذا جاعت وعطشت صفا القلب ورق، وإذا شبعت ورويت عمي القلب.
موسى بن عمران قال: سمعت أبا سليمان الداراني يقول: ما يسرني أن لي من أول الدنيا إلى آخرها أنفقه في وجوه البر وأني أغفل عن الله عز وجل طرفة عين.
عن أحمد بن أبي الحواري قال: قال سليمان الداراني: لو أن الدنيا كلها في لقمة ثم جاءني أخ لي لأحببت أن أضعها في فيه.
أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان الداراني يقول: إذا كانت الآخرة في القلب جاءت الدنيا تزحمها، وإذا كانت الدنيا في القلب لم تزحمها الآخرة، لأن الآخرة كريمة والدنيا لئيمة.
أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان الداراني يقول: من حسن ظنه بالله عز وجل ثم لا يخاف الله فهو مخدوع.
أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان الداراني يقول: أرجو أن أكون قد رزقت من الرضا طرفاً لو أدخلني النار لكنت بذلك راضياً.
محمد بن هشام قال: سمعت أبا سليمان الداراني يقول: يوحي الله عز وجل إلى جبريل عليه السلام: اسلب عبدي ما رزقته من لذة طاعتي فإن افتقدها فردها عليه، وإن لم يفتقدها فلا تردها عليه أبداً.
أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان الداراني يقول في مناجاته: إنك إن طالبتني بشري طالبتك بكرمك، وإن أخذتني بذنوبي أتيتك بتوحيدك، وإن أسكنتني النار بين أعدائك لأخبرنهم بحبي لك.
أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان يقول: كنت أنظر إلى الأخ من إخواني بالعراق فأعمل على رؤيته شهراً.
وسمعته يقول: إنما الأخ الذي تعظك رؤيته قبل أن يعظك بكلامه.
أحمد بن أبي الحواري قال: بات أبو سليمان ذات ليلة فلما انتصف الليل قام ليتهيأ، فلما أدخل يده في الإناء بقي على حالته حتى انفجر الصبح، وكان وقت الإقامة.
فخشيت أن تفوته الصلاة فقلت: الصلاة يرحمك الله.
فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ثم قال:يا أحمد أدخلت يدي في الإناء فعارضني معارض من سري: هب أنك غسلت بالماء ما ظهر منك فبماذا تغسل قلبك؟ فبقيت متفكراً حتى قلت بالغموم والأحزان فيما يفوتني من الأنس بالله عز وجل.
أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان يقول: ما يسر العاقل أن الدنيا له منذ خلقت إلى أن تفنى، يتنعم فيها حلالاً لا يسأل عنه يوم القيامة وأنه حجب عن الله عز وجل ساعة واحدة، فكيف بمن حجب أيام الدنيا وأيام الآخرة؟.
أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان يقول: ربما مثل لي رأسي بين جبلين من نار، وربما رأيتني أهوي فيها حتى أبلغ قرارها وكيف تهنئ الدنيا من كانت هذه صفته؟ وسمعته يقول: إنما ارتفعوا بالخوف، فإن ضيعوا نزلوا وينبغي لعاقل وإن بلغ أعلى درجة أن يفزع قلبه بأسفل درجة من ذكر الموت والمقابر والبعث.
وقلت لأبي سليمان إني قد غبطت بني إسرائيل.
قال: بأي شيء ويحك؟ قلت: بثمانمائة سنة بأربعمائة ينن حتى يصيروا كالشنان البالية وكالأوتار.
قال: ما ظننت إلا أنك قد جئت بشيء، لا والله لا يريد الله عز وجل منا أن تيبس جلودنا على عظامنا ولا يريد منا إلا صدق النية فيما عنده، هذا إذا صدق في عشرة أيام نال ما نال ذاك في عمره.
وسمعت أبا سليمان، وذكر له رجل، فقال: لقد وقع على قلبي ولكن صف لي حاله.
فقلت: إنه نشأ في الصوف والقرآن وأكل الملة.
فقال: قد كنت أحب أن يكون ممن وجد طعم الدنيا ثم تركها، لأنه إذا وجد طعمها ثم تركها لم يغتر بها، وإذا كان ممن لم يجد طعمها لم آمن عليه إذا وجد طعمها أن يرجع إليها.
وسمعت أبا سليمان يقول: لأهل الطاعة في ليلهم ألذ من أهل اللهو بلهوهم، ولولا اللل ما أحببت البقاء في الدنيا.
وسمعت أبا سليمان يقول: لو لم يبك العاقل فيما بقي من عمره إلا على لذة ما فاته من الطاعة فيما مضى، كان ينبغي له أن يبكيه حتى يموت.
أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان يقول: ما عمل داود عليه السلام عملاً قط كان أنفع له من خطيئته، ما زال منها خائفاً هارباً حتى لحق بربه عز وجل.
قال: ورأيت أبا سليمان أراد أن يلبي فغشي عليه.
فلما أفاق قال: يا أحمد بلغني أن الرجل إذا حج من غير حله فقال: لبيك اللهم لبيك، قال له الرب: لا لبيك ولا سعديك حتى ترد ما في يديك، فما يؤمنني أن يقال لي هذا؟ ثم لبى.
وسمعت أبا سليمان يقول: أقمت عشرين سنة لم أحتلم.
فدخلت مكة فأحدثت بها حدثاً، فما أصبحت حتى احتلمت.
فقلت له: فأي شيء كان ذلك الحدث؟ قال: تركت صلاة العشاء في المسجد الحرام في الجماعة، والاحتلام عقوبة.
وسمعته يقول: حيل بيني وبين قيام الليل قال أحمد: كان الذكر يغلب عليه وإني لأمرض فأعرف الذنب الذي أمرض به.
وسمعته يقول: ما حجوا ولا رابطوا ولا جاهدوا إلا فراراً من البيت، وما يرون ما تقر به أعينهم إلا في البيت.
أحمد بن أبي الحواري قال: قال أبو سليمان: لو اجتمع الخلق جميعاً على أن يضعوني كاتضاعي عند نفسي ما قدروا على ذلك.
أحمد بن أبي الحواري قال: قال أبو سليمان الداراني: من صفي صفي له ومن كدر كدر عليه.
أخبرنا ابن ناصر قال: أنبأ علي بن خلف قال: أنبأ أبو عبد الرحمن السلمي قال: أنبأ عبد الله بن محمد الرازي قال أنبأ إسحاق بن إبراهيم بن أبي حسان الأنماطي.
قال: سمعت أبا سليمان يقول: من أحسن في نهاره كوفئ في ليله، ومن أحسن في ليله كوفئ في نهاره، ومن صدق في ترك الشهوة ذهب الله بها من قلبه، والله أكرم من أن يعذب قلباً بشهوة تركت له.
الجنيد قال: قال أبو سليمان الداراني: ربما يقع في قلبي النكتة من نكت القوم أياماً فلا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين: الكتاب والسنة.
أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان يقول: وقد دخلت عليه وهو يبكي، فقلت له: ما يبكيك؟ فقال لي: يا أحمد ولم لا أبكي، وإذا جن الليل ونامت العيون، وخلا كل حبيب بحبيبه، وافترش أهل المحبة أقدامهم، وجرت دموعهم على خدودهم، وقطرت في محاريبهم، أشرف الجليل سبحانه، فنادى جبريل عليه السلام بعيني من تلذذ بكلامي، فلم لا ينادي فيهم ما هذا البكاء؟ هل رأيتم حبيباً يعذب أحبابه؟ أم كيف يجمل بي أن أعذب قوماً إذا جنهم الليل تملقوني، فبي حلفت إذا وردوا علي القيام لأكشفن لهم عن وجهي الكريم حتى ينظروا إلي وأنظر إليهم.
أحمد بن أبي الحواري قال: قال لي أبو سليمان: ليس العبادة عندنا أن تصف قدميك وغيرك يفت لك، ولكن ابدأ برغيفيك فأحرزهما ثم تعبد، ولا خير في قلب يتوقع قرع الباب يتوقع إنساناً يجيئه يعطيه شيئاً.
قال: وقلت لأبي سليمان: سهرت ليلة في ذكر النساء إلى الصباح.
قال: فتغير وجهه وغضب علي وقال: ويحك أما استحييت منه؟ يراك ساهراً في ذكر النساء؟ ولكن كيف تستحيي ممن لا تعرف.
قال: وسمعت أبا سليمان يقول: إذا لذت لك القراءة فلا تركع ولا تسجد، وإذا لذ لك السجود فلا تركع ولا تقرأ، الزم الأمر الذي يفتح لك فيه.
وسمعت أبا سليمان يقول: من كان يومه مثل أمس فهو في نقصان وسمعت أبا سليمان يقول: ما أتي من إبليس وقارون وبلعم إلا أن أصل نياتهم غش فرجعوا إلى الغش الذي في قلوبهم، والله أكرم من أن يمن على عبد بصدق ثم يسلبه إياه.
أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان الداراني يقول: إذا ذكرت الخطيئة لم أحب الموت وقلت: أبقى لعلي أتوب.
أبو عمران، موسى بن عيسى الجصاص قال: قال أبو سليمان رد سبيل العجب بمعرفة النفس، وتخلص إلى إجمام القلب بقلة الخلطاء، وتعرض لرقة القلب بمجالسة أهل الخوف، واستجلب نور القلب بدوام الحزن، والتمس باب الحزن بدوام الفكرة، والتمس وجوه الفكرة في الخلوات، وتحرز من إبليس بمخالفة هواك، وتزين الله بالإخلاص والصدق في الأعمال، وتعرض للعفو بالحياء منه والمراقبة، واستجلب زيادة النعم بالشكر، واستدم النعم بخوف زوالها، ولا عمل كطلب السلامة، ولا سلامة كسلامة القلب، ولا عقل كمخالفة الهوى، ولا فقر كفقر القلب، ولا غنى كغنى النفس، ولا قوة كرد الغضب، ولا نور كنور اليقين، ولا يقين كاستصغار الدنيا، ولا معرفة كمعرفة النفس، ولا نعمة كالعافية من الذنوب، ولا عافية كمساعدة التوفيق، ولا زهد كقصر الأمل، ولا حرص كالمنافسة في الدرجات، ولا طاعة كأداء الفرائض، ولا تقوى كاجتناب المحارم، ولا عدم كعدم العقل، ولا فضيلة كالجهاد، ولا جهاد كمجاهدة النفس، ولا ذل كالطمع، ومن لم يحسن رعاية نفسه أسرع به هواه إلى الهلكة، ولا ينفع الهالك نجاة المعصوم، ومرارة التقوى اليوم حلاوة في ذلك اليوم، والهالك من هلك في آخر سفره وقد قارب المنزل، والخاسر من أبدى للناس صالح عمله وبارز بالقبيح من هو أقرب إليه من حبل الوريد.
أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان يقول: وسأله رجل فقال: يا أبا سليمانما أقرب ما تقرب به إليه؟ ثم قال: مثلي يسأل عن هذا؟ أقرب ما تقرب به إليه أن يطلع من قلبك على أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو.
وسمعت أبا سليمان يقول: ربما أقمت في الآية الواحدة خمس ليال ولولا أني أدع الفكر فيها ما جزتها أبداً ولربما جاءت الآية من القرآن تطير العقل فسبحان الذي رده إليهم، قال أحمد: وقلت لأبي سليمان: إن فلاناً وفلاناً لا يقعان على قلبي.
قال: ولا على قلبي، ولكن لعلنا أتينا من قلبي وقلبك فليس فينا خير وليس نحب الصالحين.
أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان يقول: إذا اعتقدت النفوس ترك الآثام جالت في الملكوت وعادت بطرائف الحكمة من غير أن يؤدي إليها عالم علماً.
قلت سمع أبو سليمان الداراني الحديث الكثير ولقي سفيان الثوري وغيره، ولكنه اشتغل بالتعبد عن الرواية إلا أنني وجدت له ثلاثة أحاديث مسندة: الحديث الأول: أبو سليمان الداراني قال: سمعت علي بن الحسن بن أبي الربيع الزاهد يقول: سمعت إبراهيم ابن أدهم يذكر عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى قبل الظهر أربعاً غفر له ذنوب يومه ذلك" 1.
قال الخطيب: لا أحفظ لأبي سليمان حديثاً مسنداً غيره.
الحديث الثاني: أبو سليمان الداراني قال: أنبأ علي بن الحسن بن أبي الربيع قال حدثنا إبراهيم بن أدهم قال: سمعت محمد بن عجلان يذكر عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من تواضع لله عز وجل رفعه الله" 2.
الحديث الثالث: أبو سليمان الداراني قال: حدثني شيخ بساحل دمشق يقال له علقمة بن يزيد بن سويد الأزدي قال: حدثني أبي عن جدي سويد بن الحارث قال: وفدت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة من قومي، فلما دخلنا عليه وكلمنا أعجبه ما رأى من سمتنا وزينا.
فقال: "ما أنتم؟ " قلنا مؤمنون، فتبسم وقال: "إن لكل قول حقيقة فما حقيقة قولكم وإيمانكم؟ " قال سويد: قلنا خمس عشرة خصلة: خمس منها أمرتنا رسلك أن نؤمن بها، وخمس منها أمرتنا رسلك أن نعمل بها، وخمس منها تخلفنا بها في الجاهلية، فنحن عليها إلا أن تكره منها شيئاً.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما الخمس التي أمرتكم رسلي أن تؤمنوا بها؟ " قلنا: أمرتنا رسلك أن نؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت.
قال: "وما الخمس التي أمرتكم أن تعملوا بها؟ " قلنا: أمرتنا رسلك أن نقول: لا إله إلا الله ونقيم الصلاة ونؤتي الزكاة ونصوم رمضان ونحج البيت من استطاع إليه سبيلا.
قال: "وما الخمس التي تخلقتم بها أنتم في الجاهلية؟ " قلنا: الشكر عند الرجاء، والصبر عند البلاء، والصدق في مواطن اللقاء، والرضا بمر القضاء، والصبر عند شماتة الأعداء.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "علماء حكماء كادوا من صدقهم أن يكونوا أنبياء".
ثم قال صلى الله عليه وسلم: "وأنا أزيدكم خمساً فتتم لكم عشرون خصلة: إن كنتم كما تقولون فلا تجمعوا ما لا تأكلون، ولا تبنوا ما لا تسكنون، ولا تنافسوا في شيء أنتم عنه تزولون، واتقوا الله الذي إليه ترجعون وعليه تعرضون، وارغبوا فيما عليه تقدمون وفيه تخلدون".
قال أبو سليمان: وقال لي علقمة بن يزيد: فانصرف القوم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وحفظوا وصيته وعملوا بها، ولا والله يا أبا سليمان ما بقي من أولئك النفر ولا من أولادهم أحد غيري.
قال وما بقي إلا أيام قلائل ثم مات رحمه الله.
توفي أبو سليمان الداراني سنة خمس ومائتين وقال أبو عبد الرحمن السلمي سنة خمس عشرة.
والأول أصح.