فهرس الكتاب

أبو مسلم الخولاني

745 أبو مسلم الخولاني واسمه عبد الله بن ثوب.
طرحه الأسود العنسي المتنبي باليمن في النار فلم تضره فكان يشبه بالخليل عليه السلام.
عن شرحبيل بن مسلم الخولاني قال: تنبأ الأسود بن قيس العنسي باليمن فأرسل إلى أبي مسلم فقال له: أتشهد أن محمداً رسول الله؟ قال: نعم، قال: فتشهد أني رسول الله؟ قال: ما أسمع قال: أتشهد أن محمداً رسول الله؟ قال: نعم.
قال: فتشهد أني رسول الله؟ قال: ما أسمع.
قال: فأمر بنار عظيمة فأججت وطرح فيها أبو مسلم فلم تضره فقال له أهل مملكته: إن تركت هذا في بلادك أفسدها عليك.
فأمره بالرحيل فقدم المدينة وقد قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر.
فقام إلى سارية من سواري المسجد يصلي فبصر به عمر بن الخطاب، فقال: من أين الرجل؟ قال: من اليمن قال: فما فعل عدو الله بصاحبنا الذي حرقه بالنار فلم تضره؟ قال: ذاك عبد الله بن ثوب.
قال: نشدتك بالله عز وجل أنت هو؟ قال: اللهم نعم.
قال: فقبل ما بين عينيه، ثم جاء به حتى أجلسه بينه وبين أبي بكر وقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني في أمة محمد صلى الله عليه وسلم من فعل به كما فعل بإبراهيم خليل الرحمن، عليه السلام.
عن علقمة بن مرثد قال: انتهى الزهد إلى ثمانية من التابعين منهم أبو مسلم الخولاني، فإنه لم يكن يجالس أحداً يتكلم في شيء من أمر الدنيا إلا تحول عنه، فدخل ذات يوم المسجد فنظر إلى نفر قد اجتمعوا فرجا أن يكونوا على ذكر الله تعالى، فجلس إليهم وإذا بعضهم يقول: قدم غلامي فأصاب كذا وكذا.
وقال آخر: جهزت غلامي، فنظر إليهم وقال: سبحان الله أتدرون ما مثلي ومثلكم؟ كمثل رجل أصابه مطر غزير وابل فالتفت فإذا هو مبصراعين عظيمين فقال: لو دخلت هذا البيت حتى يذهب هذا المطر، فدخل فإذا البيت لا سقف له.
جلست إليكم وأنا أرجو أن تكونوا على ذكر وخير فإذا أنتم أصحاب دنيا، قال: وقال له قائل، حين كبر ورق: لو قصرت عن بعض ما تصنع.
فقال: أرأيتم لو أرسلتم الخيل في الحلبة ألستم تقولون لفارسها دعها وارفق بها حتى إذا رأيتم الغاية لم تستبقوا منها شيئاً؟ قالوا: بلى، قال: فإني قد أبصرت الغاية وإن لكل ساعة غاية، وغاية كل ساعة الموت، فسابق ومسبوق.
أبو بكر بن أبي مريم قال: حدثني عطية بن قيس أن ناساً من أهل دمشق أتوا أبا مسلم الخولاني في منزله وهو غاز بأرض الروم، فوجدوه قد احتقر في فسطاطه جوبة ووضع في الجوبة نطعاً وأفرغ فيه ماء يتصلق فيه وهو صائم، فقالوا له: ما يحملك على الصيام وأنت مسافر وقد رخص لك في الفطر في السفر؟ فقال: لو حضر قتال لأفطرت وتقويت للقتال، إن الخيل لا تجري إلى الغايات وهي بدن إنما تجري وهي ضمر، إن بين أيدينا أياماً لها نعمل.
عن شرحبيل بن مسلم أن رجلين أتيا أبا مسلم الخولاني في منزله فقال بعض أهله: هو في المسجد، فأتياه فوجداه يركع فانتظرا انصرافه وأحصيا ركوعه، فأحصى أحدهما أنه ركع ثلثمائة والآخر أربعمائة قبل أن ينصرف فقالا له: يا أبا مسلم كنا قاعدين خلفك ننتظرك، قال أما إني لو علمت مكانكما لانصرفت إليكما، وما كان لكما أن تحفظا علي صلاتي، فأقسم لكما إن كثرة السجود خير ليوم القيامة.
حميد قال: قال أبو مسلم الخولاني: ما عملت عملاً أبالي من رآه إلا أن يخلو الرجل بأهله أو يقضي حاجة غائط.
محمد بن زياد عن أبي مسلم أنه كان إذا غزا أرض الروم فمروا بنهر قال: أجيزوا بسم الله.
قال: ويمر بين أيديهم.
قال: فيمرون بالنهر الغمر، فربما لم يبلغ من الدواب إلا إلى الركب، أو بعض ذلك أو قريباً من ذلك، فإذا جازوا قال للناس: هل ذهب لكم من شيئ؟ من ذهب له شيء فأنا له ضامن.
قال: فألقى بعضهم مخلاة عمداً فلما جازوا قال الرجل: مخلاتي وقعت في النهر.
قال له: اتبعني، فإذا المخلاة تعلقت ببعض أعواد النهر.
عن عثمان بن عطاء عن أبيه قال: قالت امرأة أبي مسلم يعني الخولاني: يا أبا مسلم ليس لنا دقيق.
قال: عندك شيء؟ قالت: درهم بعنا به عزلاً، قال: ابغينيه وهاتي الجراب، فدخل السوق فوقف على رجل يبيع الطعام.
فوقف عليه سائل فقال: يا أبا مسلم تصدق علي، فهرب منه فأتى حانوتاً آخر فتبعه السائل فقال: يا أبا مسلم، فهرب منه فأتى حانوتاً آخر فتبعه السائل فقال: تصدق علي، فلما أضجره أعطاه الدرهم، ثم عمد إلى الجراب فملأه نجارة النجارين مع التراب ثم أقبل إلى باب منزله فنقر الباب وقلبه مرعوب من أهله، فلما فتحت الباب رمى بالجراب وذهب، فلما فتحته إذا هي بدقيق حواري، فعجنت وخبزت.
فلما ذهب من الليل الهوي جاء أبو مسلم لنقر الباب فلما دخل وضعت بين يديه خواناً وأرغفة.
فقال: من أين لكم هذا؟ قالت له يا أبا مسلم من الدقيق الذي جئت به، فجعل يأكل ويبكي.
عن عثمان بن عطاء، عن أبيه قال: كان أبو مسلم الخولاني إذا انصرف من المسجد إلى منزله كبر على باب منزله فتكبر امرأته فإذا كان في صحن داره كبر فتجيبه امرأته، فإذا بلغ إلى باب بيته كبر فتجيبه امرأته فانصرف ذات ليلة فكبر عند باب داره فلم يجبه أحد، فلما كان في الصحن كبر فلم يجبه أحد، فلما كان في باب بيته كبر فلم يجبه أحد، وكان إذا دخل بيته أخذت امرأته رداءه ونعليه ثم أتته بطعامه قال: فدخل فإذا البيت ليس فيه سراج وإذا امرأته جالسة منكسة تنكت بعود معها.
فقال لها مالك؟ فقالت: أنت لك منزلة من معاوية وليس لناخادم فلو سألته فأخدمنا وأعطاك، فقال: اللهم من أفسد امرأتي فأعم بصره، قال: وقد جاءتها امرأة قبل ذلك فقالت: زوجك له منزلة من معاوية فلو قلت له يسأل معاوية أن يخدمه ويعطيه عشتم، قال: فبينا تلك المرأة جالسة في بيتها إذ أنكرت بصرها فقالت: ما لسراجكم طفئ؟ قالوا: لا.
فعرفت ذنبها، فأقبلت إلى أبي مسلم تبكي وتسأله أن يدعو الله عز وجل لها يرد عليها بصرها.
قال: فرحمها أبو مسلم فدعا الله عز وجل لها فرد عليها بصرها.
الحسن قال: قال أبو مسلم الخولاني، وكان ذا أمثال: أرأيتم نفساً إذا أكرمتها وودعتها ونعمتها ذمتني غداً عند الله وإن أنا أهنتها وأنصبتها وأعملتها مدحتني عند الله غداً؟ قالوا: من تيك يا أبا مسلم؟ قال تيك والله نفسي.
عن شرحبيل بن مسلم، عن أبي مسلم الخولاني، أنه كان إذا وقف على خربة قال: يا خربة أين أهلك؟ ذهبوا وبقيت أعمالهم، وانقطعت الشهوة، وبقيت الخطيئة، ابن آدم! ترك الخطيئة أهون من طلب التوبة.
أبو بكر بن أبي الأسود قال: قال أبو مسلم الخولاني: ما طلبت شيئاً من الدنيا قط فولي لي، حتى لقد ركبت مرة حماراً فلم يمش فنزلت عنه وركبه غيري فعدا.
قال: فأريت في منامي كأن قائلاً يقول لي: لا يحزنك ما زوي عنك من الدنيا وإنما يفعل ذلك بأوليائه وأحبائه وأهل طاعته.
قال: فسري عني.
روى شرحبيل بن مسلم، عن عمير بن سيف، أنه سمع أبا مسلم الخولاني يقول: لأن يولد لي مولود يحسن الله عز وجل نباته حتى إذا استوى على شبابه وكان أعجب ما يكون إلي، قبضه مني، أحب إلي من أن تكون لي الدنيا وما فيها.
عن عثمان بن أبي العاتكة قال: كان من أمر أبي مسلم الخولاني أن علق سوطاً في مسجده ويقول: أنا أولى بالسوط من الدواب، فإذا دخلته فترة مشق ساقه سوطاً أو سوطين.
وكان يقول: لو رأيت الجنة عياناً ما كان عندي مستزاد، ولو رأيت النار عياناً ما كان عندي مستزاد.
بلال بن كعب قال: ربما قال الصبيان لأبي مسلم الخولاني: ادع الله أن يحبس علينا هذا الطائر، فيدعو الله عز وجل فيحبسه، فيأخذوه بأيديهم.
أدرك أبو مسلم أبا بكر وعمر، وأسند عن معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت وتوفي في خلافة يزيد بن معاوية كذا قال محمد بن سعد.
وقال البخاري توفي في خلافة معاوية.