فهرس الكتاب

ذكر المصطفين من عباد خراسان والمشرق الذين لم تعرف أسماؤهم

ذكر المصطفين من عباد خراسان والمشرق الذين لم تعرف أسماؤهم ... ذكر المصطفين من عباد خراسان والمشرق الذين لم تعرف بلادهم ولا أسماؤهم.
717 عابد صالح بن عبد الكريم قال: أتى رجل من إخوان فضيل من أهل خراسان فجلس إلى فضيل في المسجد الحرام فحدثه قال: فقام الخراساني يطوف، فسرقت منه دنانير، ستين أو سبعين، قال: فخرج الخراساني يبكي، فقال له فضيل: مالك؟ قال: سرقت الدنانير، قال: عليها تبكي؟ قال: لا، قال الخراساني: مثلتني وإياه بين يدي الله عز وجل فأشرفت على إدحاض حجته فبكيت رحمة له.
718 عابد آخر صالح بن أحمد قال: جئت يوماً إلى المنزل فقيل لي: قد وجه أبوك أمس في طلبك.
فقلت: وجهت في طلبي؟ فقال: جاءني رجل أمس كنت أحب أن تراه، بينا أنا قاعد في نحر الظهيرة إذا أنا برجل يسلم بالباب وكأن قلبي ارتاح فقمت ففتحت الباب فإذا أنا رجل عليه فروة وعلى أم رأسه خرقة، ما تحت فروته قميص ولا معه ركوة ولا جراب ولا عكاز، قد لوحته الشمس، فقلت: ادخل.
فدخل الدهليز فقلت: من أين أقبلت؟ قال: من ناحية المشرق، أريد بعض هذه السواحل ولولا مكانك ما دخلت هذا البلد إلا نويت السلام عليك.
قال: قلت: على هذه الحال؟ قال نعم، ما الزهد في الدنيا؟ قلت: قصر الأمل.
قال: وجعلت أعجب منه، فقلت في نفسي: ما عندي ذهب ولا فضة، فدخلت البيت فأخذت أربعة أرغفة وخرجت إليه فقلت: ما عندي ذهب ولا فضة وإنما هذا من قوتي.
قال: أويسرك أن أقبل ذلك يا أبا عبد الله؟ قلت: نعم.
فأخذها فوضعها تحت حضنه وقال: أرجو أن تكفيني هذه زادي إلى الرقة.
أستودعك الله.
فلم أزل قائماً أنظر إليه إلى أن خرج.
وكان يذكره كثيراً.
719 عابد آخر أحمد بن علي الأخميمي قال: كنا ذات يوم عند ذي النون، وقد ذكر كرامات الله عز وجل لأوليائه، فقال بعض من حضره: أنت رأيت منهم أحداً يا أبا الفيض؟ فقال ذو النون: كان عندي فتى من أهل خراسان أعجمي بقي عندي في المسجد سبعة أيام لا يطعم الطعام، وكنت أعرض عليه الطعام فيأبى، فبينا نحن جلوس ذات يوم دخل سائل يطلب شيئاً، فقال لهالخراساني: لو قصدت الله عز وجل دون خلقه أغناك، فقال السائل: ما لي هذا المكان، فقال له الخراساني: أي شيء تريد؟ فقال: ما سد فاقتي وستر عورتي.
فقام الخراساني إلى المحراب وصلى ركعتين ثم أتاه بثوب جديد وطبق فيه فاكهة وأعطاه السائل.
قال ذو النون: فقلت له: يا عبد الله لك هذا الجاه عند الله عز وجل وأنت منذ سبعة أيام لم تطعم شيئاً؟ فجثا على ركبتيه وقال: يا أبا الفيض، كيف نبسط الألسن بالمسألة والقلوب ممتلئة بأنوار الرضا عنه؟.
قال ذو النون: فقلت له: فالراضون لا يسألون شيئاً.
فقال: منهم من يسأل من باب الإدلال، ومنهم من يملؤه غنى به، ومنهم من يستخرج المسألة منه عطفه على غيره.
ثم أقيمت الصلاة فصلى معنا العشاء الآخرة وأخذ ركوته وخرج من المسجد كأنه يريد الطهارة.
فلم أره بعد ذلك رضي الله عنه وأرضاه.
720 عابد من وراء النهر عبد الله بن الفرج قال: حدثني إبراهيم بن أدهم بابتدائه كيف كان، قال: كنت يوماً في مجلس لي له منظرة إلى الطريق فإذا أنا بشيخ عليه أطار، وكان يوماً حاراً فجلس في فيء القصر ليستريح فقلت للخادم: اخرج إلى هذا الشيخ فأقرئه مني السلام وسله أن يدخل إلينا فقد أخذ بمجامع قلبي.
فخرج إليه فقام فدخل إلي فسلم فرددت عليه السلام واستبشرت بدخوله؛ وأجلسته إلى جانبي وعرضت عليه الطعام فأبى أن يأكل.
فقلت له: من أين أقبلت؟ فقال: من وراء النهر.
فقتل: أين تريد؟ قال: الحج إن شاء الله.
قال وكان ذلك أول يوم من العشر أو الثاني.
فقلت: في هذا الوقت؟ قال: يفعل الله ما يشاء.
فقلت: فالصحبة؟ فقال: إن أحببت ذلك.
حتى إذا كان الليل قال لي: قم فلبست ما يصلح للسفر وأخذ بيدي وخرجنا من بلخ فمررنا بقرية لنا فلقيني رجل من الفلاحين فأوصيته ببعض ما أحتاج إليه فقدم إلينا خبزاً وبيضاً، وسألنا أن نأكل فأكلنا، وجاء بماء فشربنا ثم قال: بسم الله قم، فأخذ بيدي فجعلنا نسير وأنا أنظر إلى الأرض تجذب من تحتنا كأنها الموج فمررنا بمدينة بعد مدينة فجعل يقول: هذه مدينة كذا، وهذه مدينة كذا، هذه الكوفة، ثم إنه قال لي: الموعد ها هنا في مكانك هذا في الوقت الفلاني، يعني من الليل.
حتى إذا كان الوقت إذا به قد أقبل فأخذ بيدي وقال: بسم الله.
باسم الله.
قال: فجعل يقول: هذا منزل كذا، هذا منزل كذا، وهذا منزل كذا، وهذه فيدور، هذه المدينة.
وأنا أنظر إلى الأرض تجذب من تحتنا كأنها الموج.
فصرنا إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فزرناه ثم فارقني وقال لي: الوعد في الوقت من الليل في المصلى، حتىإذا كان الوقت خرجت فإذا به في المصلى فأخذ بيدي ففعل كفعله في الأولى والثانية حتى أتينا مكة في الليل، ففارقني فقبضت عليه فقلت: الصحبة؟ فقال: إني أريد الشام.
فقتل: أنا معك.
فقال لي: إذا انقضى الحج فالموعد ها هنا عند زمزم.
حتى إذا انقضى الحج إذا أنا به عند زمزم فأخذ بيدي فطفنا بالبيت ثم خرجنا من مكة ففعل كفعله الأول والثاني والثالث، فإذا نحن ببيت المقدس.
فلما دخل المسجد قال لي: عليك السلام أنا على المقام ههنا إن شاء الله تعالى، ثم فارقني فما رأيته بعد ذلك ولا عرفني اسمه.
قال إبراهيم: فرجعت إلى بلدي أسير سير الضعفى منزلاً بعد منزل حتى رجعت إلى بلخ فكان أول أمري.
قلت: قد انتهينا بحمد الله ومنه إلى نهاية المشرق ونحن نعود إلى مركزنا وهو مدينة السلام بغداد فنرتقي إلى ديار الشام والمغرب والله الموفق.