فهرس الكتاب

شقيق بن إبراهيم البلخي

703 شقيق بن إبراهيم البلخي لبث في بطن أمه ستة وثلاثين شهراً يكنى أبا علي.
أحمد بن عبد الله الزاهد قال: قال علي بن محمد بن شقيق: كان لجدي ثلثمائة قرية ولم يكن له كفن يكفن فيه، قدم ذلك كله بين يديه، وثيابه وسيفه إلى الساعة معلق يتبركون به، وكان قد خرج إلى بلاد الترك لتجارة وهو حدث فدخل إلى بيت أصنامهم، فقال لعاملهم: إن هذا الذي أنت فيه باطل، ولهذا الخلق خالق ليس كمثله شيء رازق كل شيء.
فقال له الخادم: ليس يوافق قولك فعلك، فقال له شقيق: كيف؟ قال: زعمت أن لك خالقاً قادراً على كل شيء، وقد تعنيت إلى ها هنا لطلب الرزق.
قال شقيق: فكان سبب زهدي كلام التركي، فرجع فتصدق بجميع ما ملك وطلب العلم.
قال أبو عبد الله: سمعت شقيق بن إبراهيم يقول: خرجت من ثلثمائة ألف درهم وكنت مرابياً ولبست الصوف عشرين سنة وأنا لا أعلم، حتى لقيت عبد العزيز بن أبي رواد، فقال لي: يا شقيق ليس الشأن في أكل الشعير، ولا لباس الصوف والشعر، الشأن في المعرفة، وأن تعبد الله تلا تشرك به.
فقتل: فسر لي هذا؟ قال: يكون جميع ما تعمله لله خالصاً.
ثم تلا: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} الكهف.
محمد بن أبي عمران قال: سمعت حاتماً الأصم يقول: كنا مع شقيق البلخي ونحن مصافوا الترك في يوم لا أرى فيه إلا رؤوساً تندر، وسيوفاً تقطع، فقال لي شقيق ونحن بين الصفين: يا حاتم كيف ترى نفسك في هذا اليوم؟ تراها مثلها في الليلة التي زفت إليك امرأتك؟ فقلت: لا والله.
فقال: لكني والله أرى نفسي في هذا اليوم مثلها في الليلة التي زفت فيها امرأتي.
قال: ثم نام بين الصفين ودرقته تحت رأسه، حتى سمعت غطيطه.
حاتم الأصم قال لي شقيق البلخي: إصحب الناس كما تصحب النار، خذ منفعتها واحذر أن تحرقك.
حاتم قال: سمعت شقيقاً يقول: مثل المؤمن كمثل رجل غرس نخلة وهو يخاف أن تحمل شوكاً ومثل المنافق كمثل رجل زرع شوكاً وهو يطمع أن يحصد تمراً هيهات، كل من عمل حسناً فإن الله لا يجزيه إلا حسناً، ولا ينزل الأبرار منازل الفجار.
أسند شقيق عن عباد بن كثير وغيره، وصحب إبراهيم بن أدهم.
704 حاتم الأصم واختلفوا في اسم أبيه: فقيل حاتم بن عنوان، وقيل حاتم بن يوسف؛ وقيل حاتم بن عنوان بن يوسف.
يكنى أبا عبد الرحمن، وهو مولى للمثنى بن يحيى المحاربي، صحب شقيقاً.
محمد بن أبي عمران قال: سمعت حاتماً الأصم، وسأله رجل على ما بنيت أمرك هذا في التوكل على الله؟ قال: على خصال أربع: علمت أن رزقي لا يأكله غيري فاطمأنت به نفسي، وعلمت أن عملي لا يعمله غيري فأنا مشغول به، وعلمت أن الموت يأتيني بغتة فأنا أبادره، وعلمت أني لا أخلو من عين الله حيث كنت فأنا مستحي منه.
رباح بن الهروي قال: مر عاصم بن يوسف بحاتم الأصم وهو يتكلم في مجلسه فقال: يا حاتم كيف تصلي؟ قال حاتم: أقوم بالأمر، وأمشي بالسكينة، وأدخل بالنية، وأكبر بالعظمة، وأقرأ بالترتيل والتفكر، وأركع بالخشوع، وأسجد بالتواضع، وأسلم بالسنة وأسلمها بالإخلاص إلى الله عز وجل، وأخاف أن لا تقبل مني.
قال تكلم فأنت تحسن تصلي.
عبد الله بن سهل قال: سمعت حاتماً الأصم يقول: اختلفت إلى شقيق ثلاثين سنة، فقال لي يوماً: أي شيء تعلمت؟ فقتل: رأيت رزقي من عند ربي فلم أشتغل إلا بربي، ورأيت أن الله تعالى وكل بي ملكين يكتبان علي كل ما تكلمت به فلم أنطق إلا بالحق، ورأيت أن الخلق ينظرون إلى ظاهري والرب تعالى ينظر إلى باطني، فرأيت مراقبته أولى وأوجب، فسقطت عني رؤية الخلق، ورأيت أن الله مستحثاً يدعو الخلق إليه فاستعددت له متى جاءني لا أحتاج يقتلني، يعني ملك الموت.
فقال لي: يا حاتم ما خاب سعيك.
الحسن بن علي العابد قال: سمعت حاتماً يقول: لو أن صاحب خبر جلس إليك ليكتب كلامك لاحترزت منه، وكلامك يعرض على الله تعالى فلا تحترز.
أبو تراب النخشبي قال: سمعت حاتماً يقول: لي أربع نسوة وتسعة من الأولاد، ما طمع الشيطان أن يوسوس لي في شيء من أرزاقهم.
حامد اللفاف قال: سمعت حاتماً الأصم يقول: ما من صباح إلا والشيطان يقول لي: ما تأكل؟ وما تلبس؟ وأين تسكن؟ فأقول: آكل الموت وألبس الكفن وأسكن القبر.
قال: وقال رجل لحاتم ما تشتهي؟ قال: أشتهي عافية يوم إلى الليل، فقيل له: أليست الأيام كلها عافية؟ قال: إن عافية يومي أن لا أعصي الله فيه.
قال: وقال حاتم: تعهد نفسك في ثلاثة مواضع: إذا عملت فاذكر نظر الله إليك، وإذا تكلمت فاذكر سمع الله إليك، وإذا سكت فاذكر علم الله فيك.
عن علي بن الموفق قال: سمعت حاتماً يقول: لقينا الترك وكان بيننا جولة فرماني تركي بوهق فقلبني عن فرسي ونزل عن دابته فقعد على صدري وأخذ بلحيتي هذه الوافرة وأخرجقال: وسئل أحمد: أي الأعمال أفضل؟ فقال: رعاية السر عن الالتفات إلى شيء غير الله عز وجل.
محمد بن حامد قال: كنت جالساً عند أحمد بن خضرويه وهو في النزع الأخير، وكان قد أتى عليه خمس وتسعون سنة فسئل عن مسألة فدمعت عيناه وقال: يا بني باب كنت أدقه خمساً وتسعين سنة هو ذا يفتح لي الساعة، لا أدري أيفتح لي بالسعادة أو بالشقاوة أنى لي أوان الجواب؟.
وكان قد ركبه من الدين سبعمائة دينار، وحضره غرماؤه فنظر إليهم فقال: اللهم إنك جعلت الرهون وثيقة لأرباب الأموال وأنت تأخذ عنهم وثيقتهم فأد عني.
فدق داق الباب وقال: هذه دار أحمد بن خضرويه؟ فقالوا: نعم.
قال: أين غرماؤه؟ قال: فخرجوا فقضى عنه ثم خرجت روحه.
أسند أحمد بن خضرويه عن محمد بن عبدة المروزي وتوفي سنة أربعين ومائتين.