فهرس الكتاب

إبراهيم بن أدهم

701 إبراهيم بن أدهم يكنى أبا إسحاق.
يونس بن سليمان البلخي قال: كان إبراهيم بن أدهم من الأشراف وكان أبوه كثير المال والخدم، فخرج إبراهيم يوماً في الصيد مع الغلمان والخدم والجنائب والبزاة.
فبينا إبراهيم في ذلك وهو على فرسه يركضه، إذا هو بصوت من فوقه: يا إبراهيم ما هذا العبث؟ {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} المؤمنون اتق الله وعليك بالزاد ليوم الفاقة.
قال: فنزل عن دابته ورفض الدنيا وأخذ في عمل الآخرة.
بشير بن المنذر قال: كنت إذا رأيت إبراهيم بن أدهم كأنه ليس فيه روح لو نفخته الريح لوقع قد اسود متدرع بعباء.
إبراهيم بن بشار قال: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: ما كان لي مؤونة قط على أصحابي ولا على غيرهم إلا في شيء واحد.
فقلت: أي شيء يا أبا إسحاق؟ فقال: ما كنت أحسن أكري نفسي في الحصادين، فيحتاجون إلى أن يكروني، ويأخذون لي الأجرة، فهذه كانت مؤونتي عليهم.
قال ابن بشار: ومضيت مع إبراهيم بن أدهم إلى مدينة يقال لها طرابلس ومعي رغيفان ما لنا شيء غيرهما وإذا سائل يسأل، فقال لي: ادفع إليه ما معك فتلبثت.
فقال لي: ما لك؟ أعطه، فأعطيته وأنا متعجب من فعله، فقال لي: يا أبا إسحاق إنك تلقى غداً ما لم تلقه قط واعلم أنك تلقى ما أسلفت ولا تلقى ما خلفت.
فمهد لنفسك فإنك لا تدري متى يفجؤك أمر ربك.
قال: فأبكاني كلامه وهون علي الدنيا.
فلما نظر إلي أبكي، قال: هكذا فكن.
قال ابن بشار: وخرجت أنا وإبراهيم بن أدهم، وأبو يوسف الغسولي، وأبو عبد الله السنجاري، نريد الإسكندرية فمررنا بنهر يقال له نهر الأردن فقعدنا تستريح وكان مع أبي يوسف كسيرات يابسات.
فألقاها بين أيدينا فأكلناها وحمدنا الله عز وجل.
فقمت أسعى أتناول ماء لإبراهيم فبادر إبراهيم فدخل النهر حتى بلغ الماء إلى ركبتيه.
فقال بكفيه في الماء فملأهما ثم قال: بسم الله، وشرب الماء ثم قال: الحمد لله، ثم إنه خرج من النهر فمد رجليه ثم قال: يا أبا يوسف لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من النعيم والسرور لجالدونا عليه بالسيوف أيام الحياة، فقلت: يا أبا إسحاق طلب القوم الراحة والنعيم فأخطأوا الطريق المستقيم.
فتبسم وقال: من أين لك هذا الكلام؟ قال ابن بشار: مررنا مع إبراهيم بن أدهم بمقبرة فتقدم إلى قبر فوضع يده عليه ثم قال: رحمك الله يا فلان، ثم تقدم إلى آخر فقال مثل ذلك، فعل ذلك بسبعة من القبور ثم قام قائماً بين تلك القبور فنادى يا فلان يا فلان، بأعلى صوته، لقد متم وخلفتمونا ونحن بكم سريعاً لاحقون.
ثم بكى وغرق في فكره ثم رجع بعد ساعة فأقبل إلينا بوجهه، ودموعه تنحدر كاللؤلؤ الرطب وقال: إخوتي، عليكم بالمبادرة والجد والاجتهاد، سارعوا وسابقوا فإن نعلاً فقدت أختها سريعة اللحاق بها.
شقيق بن إبراهيم قال: بينا نحن ذات يوم عند إبراهيم بن أدهم إذ مر به رجل فقال إبراهيم: أليس هذا فلان؟ فقيل: نعم.
فقال لرجل: أدركه فقل له قال لك إبراهيم: لم لم تسلم؟ فقال له، فقال: والله إن امرأتي وضعت وليس عندي شيء، فخرجت شبه المجنون، قال: فرجعت إلى إبراهيم فقلت له، فقال؛ إنا لله، كيف غفلنا عن صاحبنا حتى نزل به هذاالأمر؟ وقال: يا فلان إيت صاحب البستان فاستسلف منه دينارين، فادخل السوق فاشتر له ما يصلحه بدينار، وادفع الدينار الآخر.
فدخلت السوق فأوقرت بدينار من كل شيء وتوجهت إليه فدققت الباب فقالت امرأته: من هذا؟ قلت: أنا، أردت فلاناً.
قالت: ليس هو ههنا.
قلت: فمري بفتح الباب وتنحي.
قال: ففتحت الباب فأدخلت ما على البعير وألقيته في صحن الدار وناولتها الدينار.
فقالت: على يدي من بعث هذا؟ فقلت: قولي على يد أخيك إبراهيم بن أدهم.
فقالت: اللهم لا تنس هذا اليوم لإبراهيم.
قال شقيق: وقلت لإبراهيم: يا إبراهيم تركت خراسان.
فقال: ما تهنيت بالعيش إلا في بلاد الشام، أفر بديني من شاهق إلى شاهق، ومن جبل إلى جبل، فمن يراني يقول: هو موسوس، ومن يراني يقول: هو جمال، ثم قال لي: يا شقيق لم ينبل عندنا من نبل بالحج والجهاد إنما نبل من كان يعقل ما يدخل جوفه، يعني الرغيفين، من حله، يا شقيق ماذا أنعم الله على الفقراء؟ لا يسألهم يوم القيامة لا عن زكاة ولا عن حج ولا عن جهاد ولا عن صلة رحم، إنما يسأل هؤلاء المساكين، يعني الأغنياء.
أحمد بن داود قال: مر يزيد بإبراهيم بن أدهم وهو ينظر كرماً، فقال: ناولنا من هذا العنب، قال: ما أذن لي صاحبه.
قال: فقلت السوط فجعل يقنع رأسه.
فطأطأ إبراهيم رأسه وقال: اضرب رأساً طالما عصى الله عز وجل فأعجز الرجل عنه.
علي بن بكار قال: كنا جلوساً بالمصيصة وعندنا إبراهيم بن أدهم، فقدم رجل من خراسان فقال: أيكم إبراهيم بن أدهم؟ فقال القوم: هذا، قال: إن إخوتك بعثوني إليك فلما سمع ذكر إخوته قام فأخذ بيديه فنحاه فقال: ما جاء بك؟ فقال: أنا مملوكك، معي فرس وبغلة وعشرة آلاف درهم بعث بها إليك إخوتك.
فقال: إن كنت صادقاً فأنت حر، وما معك لك، اذهب فلا تخبر أحداً.
فذهب.
يحيى بن الكدير بن أسود الكلابي من أهل عسقلان قال: كان إبراهيم بن أدهم أجيراً في بستان لي سنة أبتذله فيما يبتذل الأجير.
فزارني إخوان لي في بستاني فقلت لإبراهيم: إيتنا برمان حلو.
فجاء برمان لم نحمده.
فقلت له: أنت في هذه البستان منذ سنة لا تعرف موضع الجيد الحلو من الحامض؟ قال: فأي موضع هو من البستان؟ فوصفته له فأنكرت أمره، وإذا رجل قد أقبل على نجيب يسأل عن إبراهيم بن أدهم.
فأخبر بمكانه عندي.
فنزل إليه فرأيته قدقبل يديه وعظمه.
فقال له إبراهيم: ما جاء بك؟ فقال: مات بعض مواليك فجئتك بميراثه ثلاثين ألف ردهم.
فقال: ما لكم وأتباعي؟ فقال الرجل: قد تعنيت من بلخ فاقبلها مني.
فقال للرجل: ابسط إزارك، وصب عليه ما معك.
ففعل، فقال إبراهيم: اقسمه ثلاثة أقسام.
فقسمه.
فقال: ثلث لك لعنائك من بلخ إلى ها هنا وثلث اقسمه على المساكين ببلخ، وثلث أنت يا يحيى اقسمه في مساكين أهل عسقلان.
أبو سليمان الداراني قال: صلى إبراهيم بن أدهم خمس عشرة صلاة بوضوء واحد.
عن مخلد بن الحسين قال: ما انتبهت من الليل إلا أصبت إبراهيم بن أدهم يذكر الله فأغتم ثم أتعزى بهذه {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} المائدة: 54.
عبد الملك بن سعد الدمشقي قال: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: أعربنا الكلام فما نلحن، ولحنا في الأعمال فما نعرب.
عبد الله بن الفرج العابد قال: اطلعت على إبراهيم بن أدهم بالشام في بستان وهو نائم وعند رأسه أفعى في فيها طاقة نرجس تذب عنه.
موسى بن طريف قال: ركب إبراهيم بن أدهم البحر فأخذتهم ريح عاصف فأشرفوا على الهلكة فلف إبراهيم رأسه في عباءة ونام.
فقالوا له: ما ترى ما نحن فيه من الشدة؟ فقال: ليس ذا شدة.
قالوا: ما الشدة؟ قال: الحاجة إلى الناس.
ثم قال: اللهم أريتنا قدرتك فأرنا عفوك.
فصار البحر كأنه قدح زيت.
خلف بن تميم قال: كنت عند أبي رجاء الهروي في مسجده فأتى رجل على فرس فنزل فسلم عليه وودعه.
فأخبرني أبو رجاء عنه أنه كان مع إبراهيم بن أدهم في سفينة في غزاة في البحر، فعصفت عليهم الريح وأشرفوا على الغرق فسمعوا في البحر هاتفاً يهتف بأعلى صوته: تخافون وفيكم إبراهيم؟.
إبراهيم بن عبد الله بن محمد البلخي، عن إبراهيم بن أدهم قال: وجدت يوماً راحة فطاب قلبي لحسن صنيع الله بي فقلت: اللهم إن كنت أعطيت أحداً من المحبين لك ما سكنت به قلوبهم قبل لقائك فأعطني ذلك لفقد أضر بي القلق، قال إبراهيم: فرأيت الله تعالى في النوم، فوقفني بين يديه وقال لي: يا إبراهيم ما استحييت مني؟ تسألني أن أعطيك ما تسكن به قلبك قبل لقائي، وهل يسكن قلب المشتاق إلى غير حبيبه؟ أم هل يستريح الحب إلى غير من اشتاق إليه؟ فقلت: يا رب تهت في حبك فلم أدر ما أقول.
اقتصرنا من أخبار إبراهيم على هذا القدر لأنا قد وضعنا كتاباً جمعنا فيه أخباره فكرهنا الإعادة في التصانيف.
وقد روى إبراهيم عن جماعة من التابعين: كأبي إسحاق السبيعي وأبي حازم وقتادة ومالك بن دينار وأبان والأعمش وغيرهم، وقد روى عن خلق من تابعي التابعين إلا أنه شافه بعض من روى عنه، وأرسل الرواية عن بعض، وتوفي بالجزيرة، فحمل إلى صور فدفن هنالك.