فهرس الكتاب

أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الحيري

677 أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الحيري ولد بالري، إلا أنه خرج إلى نيسابور مع شيخه شاه بن شجاع يزوران أبا حفص النيسابوري فزوجه أبو حفص ابنته وتوطن نيسابور ومات بها.
أبو عمرو بن نجيد قال: كنت أختلف إلى أبي عثمان مدة في وقت شبابي، وكنت قد حظيت عنده.
فقضي من القضاء أني اشتغلت بشيء مما يشتغل به الفتيان، فنقل ذلك إلى أبي عثمان وانقطعت عنه بعد ذلك.
وكنت إذا رأيته في الطريق اختفيت فدخلت يوماً سكة من السكك فخرج علي أبو عثمان من عطفة فلم أجد عنه محيصاً، فتقدمت إليه وأنا دهش متشور.
فقال لي: يا أبا عمرو لا تثقن بمودة من لا يحبك إلا معصوماً.
محمد بن حمدويه الحافظ قال: سمعت أمي تقول: سمعت مريم امرأة أبي عثمان تقول: كنا نؤخر اللعب والضحك والحديث إلى أن يدخل أبو عثمان في ورده من الصلاة فإنه كان إذا دخل الخلوة لم يحس بشيء من الحديث وغيره.
محمد بن نعيم الضبي قال: سمعت أمي تقول: سمعت مريم امرأة أبي عثمان تقول: صادفت من أبي عثمان خلوة فاغتنمتها فقلت: يا أبا عثمان أي عملك أرجى عندك؟ فقال: يا مريم لما ترعرت وأنا بالري كانوا يريدونني على التزويج فأمتنع، فجاءتني امرأة فقالت: يا أبا عثمان قد أحببتك حباً أذهب نومي وقراري، وأنا أسألك بمقلب القلوب وأتسول به إليك أن تتزوج بي.
قلت: ألك والد؟ قالت: نعم، فلان الخياط في موضع كذا وكذا فراسلت أباها أن يزوجها مني ففرح بذلك وأحضرت الشهود فتزوجتها.
فلما دخلت بها وجدتها عوراء عرجاء شوهاء الخلق.
فقلت: اللهم لك الحمد على ما قدرته لي.
وكان أهل بيتي يلومونني على ذلك وأزيدها براً وإكراماً إلى أن صارت بحيث لا تدعني أخرج من عندها.
فتركت حضور المجالس إيثاراً لرضاها وحفظاً لقلبها.
ثم بقيت معها على هذه الحال خمس عشرة سنة وكأني في بعض أوقاتي على الجمر وأنا لا أبدي لها شيئاً من ذلك، إلى أن ماتت فما شيء أرجى عندي من حفظي عليها ما كان في قلبها من جهتي.
أبو عمرو بن حمدان قال: سمعت أبا عثمان الحيري يقول: من أمر السنة على نفسه قولاً وفعلاً نطق بالحكمة، ومن أمر الهوى على نفسه نطق بالبدعة لقوله تعالى: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} النور: 54.
قال ابن حمدان: وقرأت بخط أبي: سمعت أبا عثمان يقول: الخوف من الله يوصلك إليه، والعجب يقطعك عنه، واحتقار الناس في نفسك مرض لا يداوى.
وقال أبو عثمان: حق لمن أعزه الله بالمعرفة أن لا يذل نفسه بالمعصية.
أبو الحسين الوراق قال: سمعت أبا عثمان يقول، وقد سئل عن الصحبة، فقال: الصحبة مع الله عز وجل بحسن الأدب ودوام الهيبة والمراقبة، والصحبة مع الرسول صلى الله عليه وسلم باتباع سنته، ولزوم ظاهر الحكم، والصحبة مع أولياء الله بالاحترام والخدمة، والصحبة مع الأهل والولد بحسن الخلق، والصحبة مع الإخوان بدوام البشر والانبساط ما لم يكن إثماً، والصحبة مع الجهال بالدعاء لهم والرحمة عليهم ورؤية نعمة الله عليك إذ عافاك مما ابتلاهم به.
محمد بن أحمد بن يوسف قال: سمعت أبا عثمان يقول: الذكر الكثير أن تذكر في ذكرك أنك لا تصل إلى ذكره إلا به وبفضله.
عبد الكريم بن هوران قال: سمعت أبا عثمان السلمي يقول: سمعت عبد الله بن محمد الشيرازي يقول: سمعت أبا عثمان يقول: منذ اربعين سنة ما أقامني الله تعالى في حال فكرهته، ولا نقلني إلى غيره فسخطته.
أبو عمرو بن مطر قال: حضرت مجلس أبي عثمان الخيري فخرج ثم قعد على موضعهالذي كان يقعد فيه للتذكير، فسكت حتى طال سكوته فناداه رجل: ترى أن تقول في سكوتك شيئاً؟ فأنشا يقول: وغير تقي بأمر الناس بالتقى ... طبيب يداوي والطبيب مريض فارتفعت الأصوات بالبكاء والضجيج.
عبد الله الرازي قال: لما تغيرت الحال على عثمان وقت وفاته، مزق ابنه أبو بكر قميصاً كان عليه ففتح أبو عثمان عينه وقال: يا بني خلاف السنة في الظاهر من رياء في باطن القلب الباطن.
أسند أبو عثمان عن حمدون القصار، وتوفي يوم الثلاثاء لعشر بقين من ربيع الآخر سنة ثمان وتسعين ومائتين.
انتهى ذكر أهل الري.