فهرس الكتاب

إبراهيم بن أحمد بن إسماعيل الخواص

675 إبراهيم بن أحمد بن إسماعيل الخواص يكنى أبا إسحاق.
أصله من سر من رأى، لكنه أقام بالري ومات بها.
جعفر بن محمد الخلدي في كتابه قال: سمعت إبراهيم الخواص يقول: سلكت البادية إلى مكة سبعة عشر طريقاً فيها طريق من ذهب، وطريق من فضة.
أبو مسلم السقاء قال: سمعت بعض أصحابنا يحكي عن إبراهيم الخواص أنه قال: كان لي وقت فترة، فكنت أخرج كل يوم إلى شط نهر كبير كان حواليه الخوص، وكنت أقطع شيئاً من ذلك وأسفه قفافاً وأطرحه في ذلك النهر فأتسلى بذلك وكأني كنت مطالباً به، فجرى وقتي على ذلك أياماً كثيرة فتفكرت يوماً وقلت: أمضي خلف ما أطرحه من الماء من القفاف لأنظر أين تذهب فمضيت على شاطئ النهر ساعات ولم أعمل ذلك اليوم فإذا عجوز قاعدة على شط النهر تبكي، قلت: ما لك تبكين؟ فقالت: لي خمسة من الأيتام مات أبوهم فأصابني الفقر والشدة فأتيت يوماً هذا الموضع فجاء على رأس الماء قفاف من الخوص فأخذتها وبعتها وأنفقت عليهم، وأتيت اليوم الثاني والثالث والقفاف تجيء على رأس الماء فكنت آخذها وأبيعها، واليوم ما جاءت.
قال إبراهيم: فرفعت يدي إلى السماء وقلت: اللهم لو علمت أن لي خمسة من العيال لزدت في العمل.
وقلت للعجوز: لا تغتمي فإني الذي كنت أعمل ذلك.
فمضيت معها فكانت فقيرة فقمت بأمرها وبأمر عيالها سنين.
أو كما قال.
محمد بن زياد المقيم بكلواذي وكان قد بكى حتى ذهبت عيناه.
قال: سألت إبراهيم الخواص عن أعجب ما رآه في البادية فقال: كنت ليلة من الليالي في البادية فنمت على حجر فإذا أنا بشيطان قد جاء وقال: قم من ها هنا.
فقلت: اذهب.
فقال: إني أرفسك فتهلك.
فقلت: افعل ما شئت.
فرفسني فوقعت رجله علي كأنها خرقة، فقال: أنت ولي الله، من أنت؟ قلت: أنا إبراهيم الخواص.
قال: صدقت.
ثم قال: يا إبراهيم معي حلال وحرام، فأما الحلال فرمان من الجبل المباح، وأما الحرام فحيتان، مررت على صيادين وهما يصطادان فتخاونا فأخذت الخيانة فكل أنت الحلال ودع الحرام.
حامد الأسود قال: كنت مع إبراهيم الخواص في سفر فدخلنا إلى بعض الغياض فلما أدركنا الليل إذا بالسباع قد أحاطت بنا فجزعت لرؤيتها وصعدت إلى شجرة، ثم نظرت إلى إبراهيم وقد استلقى على قفاه فأقبلت السباع تلحسه من قرنه إلى قدميه، وهو لا يتحرك.
ثم أصبحنا وخرجنا إلى منزل آخر وبتنا في مسجد فرأيت بقة وقعت على وجه إبراهيم فلسعته، فقال: أخ.
فقلت: يا أبا إسحاق أي شيء هذا التأوه؟ أين أنت من البارحة؟ فقال: ذاك حال كنت فيه بالله، وهذا حال أنا فيه بنفسي.
علي بن محمد الحلواني قال: كان إبراهيم الخواص جالساً في مسجد الري وعنده جماعة إذ سمع ملاهي من الجيران، فاضطرب من ذلك من كان في المسجد وقالوا: يا أباإسحاق ما ترى؟ فخرج إبراهيم من المسجد نحو الدار التي فيها المنكر فلما بلغ طرف الزقاق إذا كلب رابض فلما قرب منه إبراهيم نبح عليه وقام في وجهه.
فرجع إبراهيم إلى المسجد وتفكر ساعة ثم قام مبادراً وخرج فمر على الكلب فبصبص الكلب له فلما قرب من باب الدار خرج إليه شاب حسن الوجه وقال: أيها الشيخ لم انزعجت؟ كنت وجهت ببعض من عندك فأبلغ كل ما تريد، وعلي عهد الله وميثاقه لا شربت أبداً وكسر الجميع ما كان عنده من الشراب وآلته وصحب أهل الخير ولزم العبادة، ورجع إبراهيم إلى مسجده فلما جلس سئل عن خروجه في أول مرة ورجوعه، ثم خروجه في الثانية وما كان من أمر الكلب، فقال: نعم، إنما نبح علي الكلب لفساد كان قد دخل علي في عقد بيني وبين الله لم أنتبه له في الوقت، فلما رجعت إلى الموضع ذكرته فاستغفرت الله عز وجل منه.
ثم خرجت الثانية فكان ما رأيتم، وهكذا كل من خرج لإزالة منكر فتحرك عليه شيء من المخلوقات فلفساد عقد بينه وبين الله عز وجل، فإذا وقع الأمر على الصحة لم يتحرك عليه شيء.
أبو بكر بن محمد بن عبد الله الأنصاري قال: سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن أحمد الخواص يقول: من لم يصبر لم يظفر، وإن لإبليس وثاقين ما أوثق بنو آدم بأوثق منهما: خوف الفخر والطمع.
الأزدي قال: سمعت إبراهيم الخواص يقول: دواء القلب خمسة أشياء: قراءة القرآن بالتدبر، وخلاء البطن، وقيام الليل، والتضرع عند السحر، ومجالسة الصالحين.
وقال: على قدر إعزاز المرء لأمر الله يلبسه الله من عزه، ويقيم له العز في قلوب المؤمنين.
جعفر بن محمد الخلدي قال: سمعت إبراهيم الخواص يقول: من لم تبك الدنيا عليه لم تضحك الآخرة إليه.
خير النساج قال: سمعت إبراهيم الخواص وقد رجع من سفره، وكان غاب عني سنين، فقلت له: ما الذي أصابك في سفرك؟ فقال: عطشت عطشاً شديداً حتى سقطت من شدة العطش فإذا أنا بماء قد رش على وجهي فلما أحسست ببرده فتحت عيني فإذا برجل حسن الوجه والزي، وعليه ثياب خضر، على فرس أشهب فسقاني حتى رويت، ثم قال: ارتدف خلفي وكنت بالحاجر.
فلما كان بعد ساعة قال: أي شيء ترى؟ قلت: المدينة.
فقال انزلواقرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام وقل: أخوك الخضر يسلم عليك، وقد رويت لنا هذه الحكاية من طريق آخر وفيها: قل له: رضوان يقرأ عليك السلام كثيراً.
عمر بن سفيان المنبجي قال: اجتاز بنا إبراهيم الخواص فقلت له: حدثني بأعجب ما رأيت في أسفارك.
قال: لقيني الخضر فسألني الصحبة فخشيت أن يفسد علي سر توكلي بسكوني إليه، ففارقته.
محمد بن عبد الله الرازي قال: مرض إبراهيم الخواص بالري في مسجد الجامع وكان به علة القيام.
وكان إذا قام يدخل الماء ويغتسل ويعود إلى المسجد فيركع ركعتين.
فدخل مرة ليغتسل فخرجت روحه وتوفي وسط الماء.
قلت: كان الخواص من أقران الجنيد والثوري، وصحب أبا عبد الله المغربي، ولا نعرف له مسنداً.
وتوفي في جامع الري إحدى وتسعين ومائتين، ويقال سنة أربع وثمانين، وتولى أمره في غسله ودفنه يوسف بن الحسين الرازي.