فهرس الكتاب

شعوانة

ذكر المصطفيات من عابدات الأبلة 630 شعوانة معاذ بن الفضل، أبو عون، قال: بكت شعوانة حتى خفنا عليها العمى، فقلنا لها في ذلك، فقالت: أعمى والله في الدنيا من البكاء أحب إلي من أن أحب أحأعمى في الآخرة من النار.
مالك بن ضيغم قال: كان رجل من أهل الأبلة يأتي أبي كثيراً فيذكر له شعوانة وكثرة بكائها فقال له أبي يوماً: صف لي بكاءها.
فقال: يا أبا مالك أصف لك، هي والله تبكي الليل والنهار لا تكاد تفتر قال: ليس عن هذا أسألك، كيف تبتدئ بالبكاء؟ قال: نعم يا أبا مالك تسمع الشيء من الذكر فترى الدموع تنحدر من جفونها كالقطر.
قال: فمجاري الدموع من المآق الذي على الأنف أكثر أم مؤخر العين مما يلي الصدغ؟ قال يا أبا مالك إن دموعها أكثر من أن يعرف هذا من هذا، ما هي إلا أن تسمع الذكر فتجيء عيناها بأربع نجوماً متبادرة جداً.
فبكى أبي وقال: ما أرى الخوف إلا قد أحرق قلبها كله، ثم قال: كان يقال إن كثرة الدموع وقلتها على قدر احتراق القلب، حتى إذا احترق القلب كله لم يشأ الحزين أن يبكي إلا بكى، والقليل من التذكرة يحزنه.
قال مالك بن ضيغم: وقال لي أبي يوماً انطلق مع منبوذ حتى تأتي هذه المرأة الصالحة فتنظر إليها، يعني شعوانة، فانطلقت أنا وأبو همام إلى الأبلة ثم غدونا عليها فدخلنا فسلم علياه منبوذ وقال: هذا ابن أخيك ضيغم.
فرحبت بي وتحفت وقالت مرحباً بابن من لم نره ونحن نحبه، أما والله يا بني إني لمشتاقة إلى أبيك وما يمنعني من إتيانه إلا أني أخاف أن أشغله عن خدمة سيده، وخدمة سيده أولى به من محادثة شعوانة.
قال: ثم قالت: ومن شعوانة؟ وما شعوانة؟ أمة سوداء عاصية.
قال: ثم أخذت في البكاء فلم تزل تبكي حتى خرجنا وتركناها.
يحيى بن بسطام قال: كنت أشهد مجلس شعوانة كثيراً فكنت أرى ما تصنع بنفسها، فقلت لصاحب لي يقال له عمران بن مسلم: لو أتيناها إذا خلت.
قال: فانطلقنا أنا وهو إلى الأبلة فاستأذنا عليها فأذنت لنا فإذا منزل رث الهيئة أثر الجدب عليه بين.
فقال لها صاحبي: لو رفقتبنفسك فقصرت عن هذا البكاء شيئاً كان أقوى لك على ما تريدين.
قال: فبكت ثم قالت: والله لوددت أني أبكي حتى تنفد دموعي، ثم أبكي الدماء حتى لا تبقى في جسدي جارحة فيها قطرة من دم، وأنى لي البكاء؟ قال: فلم تزل تردد ذلك حتى انقلبت حدقتاها، ثم مالت ساقطة مغشياً عليها.
فقمنا فخرجنا وتركناها على تلك الحال.
روح بن سلمة قال: قال لي مضر: ما رأيت أحداً أقوى على كثرة البكاء من شعوانة، ولا سمعت صوتاً قط أحرق لقلوب الخائفين من صوتها إذا هي نشجت ثم نادت: يا موتى وبني الموتى وأخوة الموتى.
قال محمد: وقلت لأبي عمر الضرير: أتيت شعوانة؟ قال: قد شهدت مجلسها مراراً ما كنت أفهم ما تقول من كثرة بكائها.
قلت: فهل تحفظ من كلامها شيئاً؟ قال: ما حفظت من كلامها شيئاً أذكره الساعة إلا شيئاً واحداً، قلت: وما هو؟ قال: سمعتها تقول: من استطاع منكم أن يبكي فليبك وإلا فليرحم الباكي فإن الباكي إنما يبكي لمعرفته بما أتى إلى نفسه.
عن الحارث بن المغيرة قال: كانت شعوانة تنوح بهذين البيتين: يؤمل دنيا لتبقى له ... فوافى المنية قبل الأمل حثيثاً يروَّي أصول الفسيل ... فعاش الفسيل ومات الرجل الحسن بن يحيى قال: كانت شعوانة تردد هذا البيت فتبكي وتبكي النساك معها، تقول: لقد أمن المغرور دار مقامه ... ويوشك يوماً أن يخاف كما أمن عن فضيل بن عياض قال: قدمت شعوانة فأتيتها فشكوت إليها وسألتها أن تدعو بدعاء، فقالت: يا فضيل أما بينك وبين الله ما إن دعوته استجاب لك؟ قال: فشهق الفضيل وخر مغشياً عليه.
عن محمد بن عبد العزيز بن سلمان قال: كانت شعوانة قد كمدت حتى انقطعت عن الصلاة والعبادة فأتاها آت في منامها فقال: أذري جفونك إما كنت شاجية ... إن النياحة قد تشفي الحزينينا جدي وقومي وصومي الدهر دائبة ... فإنما الدوب من فعل المطيعينا فأصبحت فأخذت في الترنم والبكاء وراجعت العمل.
إبراهيم بن عبد الملك قال: قدمت شعوانة وزوجها تمكة فجعلا يطوفان فإذا أكل أو أعياجلس وجلست خلفه فيقول هو في جلوسه: أنا العطشان من حبك لا أروى.
وتقول هي بالفارسية: أنبت لكل داء دواء في الجبال، ودواء المحبين في الجبال لم ينبت.
رضي الله عنها.