فهرس الكتاب

ضيغم بن مالك

551 ضيغم بن مالك أبو مالك العابد.
أبو أيوب مولى ضيغم بن مالك قال: قال لي ضيغم ليلة: لو أعلم أن رضاه أن أقرض لحمي لدعوت بالمقراض فقرضته.
قال: قال سيار رأيت ضيغماً صلى نهاره أجمع وليله حتى بقي راكعاً لا يقدر أن يسجد فرأيته رفع رأسه إلى السماء ثم قال: قرة عيني، ثم خر ساجداً فسمعته يقول وهو ساجد: إلهي كيف عزفت قلوب الخليقة عنك؟ قال: وربما أصابته الفترة فإذا وجد ذلك اغتسل ثم دخل بيتاً فأغلق بابه وقال: إلهي إليك جئت.
قال: فيعود إلى ما كان من الركوع والسجود.
قال: وسمعت سيار بن حاتم يقولك كان ورد ضيغم كل يوم أربعمائة ركعة.
عبيد الله بن عمر قال: أتيت صاحباً لي يقال له عمران بن مسلم فأراني موضعين مبتلين في مسجده أحدهما بحذاء الآخر فقلت: ما هذا؟ قال: هذا والله من دموع ضيغم البارحة بين المغرب والعشاء وهو راكع.
أزهر بن مروان الرقاشي قال: رأيت ضيغماً العابد وكنت إذا رأيته رأيت رجلاً لا يشبه الناس من الخشوع والضر وطول الحزن.
قال القرشي: وحدثني شيخ يكنى بأبي يعقوب عن سعيد البكاء قال: قال رجل لأم ضيغم: ما أطول حزن ضيغم.
فبكت وقالت: لمثل ما ندب إليه فليحزن، ذهب الحسن وأصحابه بالحزن وهل رأيت يا بني محزوناً.
محمد بن الحسين قال: حدثني مالك بن ضيغم قال: قالت أمه، يعني ضيغماً، ذات يوم: ضيغم! قال: لبيك يا أماه.
قالت: كيف فرحك بالقدوم على الله؟ قال: فحدثني غير واحد من أهله أنه صاح صيحة لم يسمعوه صاح مثلها قط وسقط مغشياً عليه، فجلست العجوز تبكي عند رأسه وتقول: بأبي أنت ما نستطيع أن نذكر بين يديك شيئاً من أمر ربك.
قال: وقالت له يوماً: ضيغم! قال: لبيك يا أماه.
قالت: تحب الموت؟ قال: نعم يا أماه.
قالت: ولم يا بني؟ قال: رجاء خير ما عند الله قال: فبكت العجوز وبكى فتسامع أهل الدار فجلسوا يبكون لبكائهم.
قال: وقالت له يوماً آخر: ضيغم! قال: لبيك يا أماه.
قالت: تحب الموت؟ قال: لا أماه.
قالت: لم يا بني؟ قال: لكثرة تفريطي وغفلتي عن نفسي، قال: فبكت العجوز وبكى ضيغم واجتمع أهل الدار وجعلوا يبكون، وكانت أمه عربية كأنها من أهل البادية.
مالك بن ضيغم قال: حدثني الحكم بن نوح قال: بكى أبوك ليلة من أول الليل إلى آخره لم يسجد فيها سجدة ولم يركع فيها ركعة ونحن معه في البحر، فلما أصبحنا قلنا: يا مالك لقد طالت ليلتك لا مصلياً ولا داعياً، قال: فبكى ثم قال: لو يعلم الخلائق ما يستقبلون غداً ما لذوا بعيش أبداً، والله إني لما رأيت الليل وهوله وشدة سواده ذكرت به الموقف وشدة الأمر هناك، وكل امرئ يومئذ تهمه نفسه: {لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً} قال: ثم شهق ولم يزل يضطرب ما شاء الله.
مالك بن ضيغم قال: حدثتني خالتي حبابة بنت ميمون العتكية قالت: رأيت أباك ضيغماً نزل ذات ليلة من فوق البيت بكوز وقد برد له حتى صبه ثم اكتاز من الحب ماء حاراً فشرب فقلت له بعد ذلك: بأبي أنت قد رأيت الذي صنعت فمم ذاك؟ قال: حانت مني مرة نظرة إلى امرأة فجعلت على نفسي أن لا تذوق الماء البارد أيام الدنيا.
فقلت: أنغص عليها الحياة.
محمد بن مالك بن ضيغم قال: حدثني مولانا أيوب قال: قال لي أبو مالك يوماً: يا أبا أيوب احذر نفسك على نفسك فإني رأيت هموم المؤمنين في الدنيا لا تنقضي، وأيم الله لئن لم تأت الآخرة المؤمن بالسرور لقد اجتمع عليه الأمران: هم الدنيا وشقاء الآخرة.
قال قلت: بأبي أنت وكيف لا تأتيه الآخرة بالسرور وهو ينصب لله في دار الدنيا ويدأب؟ قال: يا أبا أيوب فكيف بالقبول وكيف بالسلامة؟ ثم قال: كم من رجل يرى أنه قد أصلح شأنه، قد أصلح قربانه، قد أصلح همته، قد أصلح عمله، يجمع ذلك يوم القيامة ثم يضرب به وجهه.
يحبى بن بسطام قال: قلت لجار ضيغم: هل سمعت أبا مالك يذكر من الشعر شيئاً؟ قال: ما سمعته يذكر إلا بيتاً واحداً.
قلت: ما هو؟ قال:قد يخزن الورع التقي لسانه ... حذر الكلام وإنه لمفوه سعيد الوراق قال: حدثني ابن ثعلبة، وكان من العابدين، قال: رأيت ضيغماً في منامي بعد موته فقال لي: يا ابن ثعلبة أما صليت علي؟ قال: فذكرت علة كانت، فقال: أما لو كنت صليت علي لقد كنت ربحت رأسك.