فهرس الكتاب

حبيب أبو محمد الفارسي

536 حبيب أبو محمد الفارسي كان مجاب الدعوى حضر مجلس الحسن فتأثر بموعظته فخرج عما كان يملك.
يونس بن محمد قال: سمعت مشيخة يقولون: وكان الحسن يجلس في مجلسه الذي يذكر فيه في كل يوم، وكان حبيب أبو محمد يجلس في مجلسه الذي يأتيه فيه أهل الدنيا والتجار وهو غافل عما فيه الحسن لا يلتفت إلى شيء من مقالته.
إلى أن التفت إليه يوماً فذكره الحسن بالجنة وخوفه من النار فانصرف من عنده فلم يزل في تبديد ماله حتى لم يبق له شيء ثم جعل بعد يستقرض على الله.
قال يونس: وجاء رجل إلى أبي محمد فشكا إليه ديناً عليه فقال: اذهب فاستقرض وأنا أضمن.
فأتى رجلاً فأقرضه خمس مائة درهم وضمنها أبو محمد.
ثم جاء الرجل فقال: يا أبا محمد دراهمي، فقد أضر بي حبسها.
فقال: نعم غداً.
فتوضأ أبو محمد ودخل المسجد ودعا الله تعالى.
وجاء الرجل فقال له: اذهب فإن وجدت في المسجد شيئاً فخذه.
فذهب فإذا في المسجد صروة فيها خمس مائة درهم فذهب فوجدها تزيد على خمس مائة فرجع إليه فقال: يا أبا محمد تلك الدراهم تزيد.
فقال اذهب فهي لك، من وزنها وزنها راجحة.
جعفر بن سليمان قال: سمعت حبيباً يقول: أتانا سائل وقد عجنت عمرة وذهبت تجيء بنار تخبزه فقلت للسائل: خذ العجين فاحتمله.
فجاءت عمرة فقالت: أين العجين؟ فقلت: ذهبوا به يخبزونه.
قال: فلما أكثرت علي أخبرتها فقالت: سبحان الله لا بد لنا من شيء نأكله قال: فإذا رجل قد جاء بجفنة عظيمة مملوءة خبزاً ولحماً.
فقالت عمرة: ما أسرع ما ردوه عليك قد خبزوه وجعلوا معه لحماً.
جعفر قال: كان حبيب أبو محمد رقيقاً من أكثر الناس بكاء.
فبكى ذات ليلة كثيراً فقالت عمرة بالفارسية: لم تبكي يا أبا محمد؟ فقال لها حبيب: دعيني فإني أريد أن أسلك طريقاً لم أسلكه قبل.
قال: وسمعت حبيباً يقول والله إن الشيطان ليلعب بالقراء كما يلعب الصبيان بالجوز.
ولو أن الله دعاني يوم القيامة فقال: يا حبيب فقلت: لبيك، فقال: جئني بصلاة يوم أو صوم يوم أو ركعة أو سجدة أو تسبيحة اتقيت عليها من إبليس أن يكون طعن فيها طعنة فأفسدها، ما استطعت.
وسمعت حبيباً يقول: لا تقعدوا فراغاً فإن الموت يليكم.
جميل أبو علي قال: قال حبيب: إن من سعادة المرء إذا مات ماتت معه ذنوبه.
خلف بن الوليد قال: اشترى حبيب الفارسي نفسه من ربه أربع مرات بأربعين ألف درهم.
أخرج بدرة فقال: يا رب اشتريت منك نفسي بهذه.
ثم أخرج بدرة أخرى فقال: إلهي إن كنت قبلت تلك فهذه شكر لها.
ثم أخرج الثالثة فقال: إلهي إن كنت لم تقبل الأولى والثانية فاقبل هذه.
ثم أخرج الرابعة فقال: إلهي إن كنت قبلت الثالثة فهذه شكر لها.
أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان الداراني يقول: كان حبيب أبو محمد يأخذ متاعاً من التجار يتصدق به فأخذ مرة فلم يجد شيئاً يعطيهم فقال: يا رب كأنه، أي ينكسر وجهي عندهم فدخل فإذا هو بجوالق من شعر كأنه نصب من أرض البيت إلى قريب السقف مملوءاً دراهم فقال: يا رب ليس أريد هذا، فأخذ حاجته وترك البقية.
مسلم بن إبراهيم قال: إن رجلاً أتى حبيباً فقال: إن لي عليك ثلاثمئة درهم قال: من أين؟ قال: لي عليك ثلاثمئة درهم.
قال حبيب: اذهب إلى غد.
فلما كان من الليل توضأ وصلى وقال: اللهم إن كان صادقاً فأد إليه وإن كان كاذباً فابتله في بدنه.
قال: فجيء بالرجل من غد قد حمل وقد ضرب شقه الفالج.
فقال: ما لك؟ قال: أنا الذي جئتك بالأمس، لم يكن لي عليك شيء وإنما قلت يستحيي من الناس فيعطيني.
فقال له: تعود؟ قال: اللهم إن كان صادقاً فألبسه العافية.
فقام الرجل على الأرض كأن لم يكن به شيء.
عن السري بن يحيى قال: اشترى أبو محمد حبيب طعاماً في مجاعة أصابت الناس فقسمه على المساكين ثم خاط أكيسة فجعلها تحت فراشه ثم دعا الله فجاء أصحاب الطعام يتقاضونه فأخرج تلك الأكيسة فإذا هي مملوءة دراهم فوزنها فإذا هي حقوقهم فدفعها إليهم.
عن السري بن يحيى قال: كان حبيب أبو محمد يرى يوم التروية بالبصرة ويرى يوم عرفة بعرفات.
عن حماد قال: شهدت حبيباً الفارسي يوماً فجاءته امرأة فقالت: يا أبا محمد.
كأنها طلبت منه شيئاً.
فقال لها: كم لك من العيال؟ فقالت: كذا وكذا.
فقام حبيب أبو محمد إلى وضوئه فتوضأ ثم جاء إلى مصلاه فصلى بخضوع وسكون.
فلما فرغ قال: يا رب إن الناس يحسنون ظنهم بي وذاك من سترك علي فلا تخلف ظنهم بي، ثم رفع حصيره فإذا بخمسين درهماً فأعطاه إياها.
ثم قال: يا حماد اكتم ما رأيت حياتي.
عبد الواحد بن زيد قال: كنا عند مالك بن دينار ومعنا محمد بن واسع وحبيب أبو محمد.
فجاء رجل فكلم مالكاً فأغلظ في قسمة قسمها وقال: وضعتها في غير حقها وتتبعت بها أهل مجلسك ومن يغشاك لتكثر غاشيتك وتصرف وجوه الناس إليك.
قال: فبكى مالك وقال: والله ما أردت هذا.
قال: بلى والله لقد أردت هذا.
فجعل مالك يبكي والرجل يغلظ له.
فلما كثر ذلك عليهم رفع حبيب يديه إلى السماء ثم قال: اللهم إن هذا قد شغلنا عن ذكرك فأرحنا منه كيف شئت.
قال: فسقط والله الرجل على وجهه ميتاً فحمل إلى أهله على سرير، وكان يقال: إن أبا محمد مستجاب الدعوة.
أبو قرة محمد بن ثابت قال: قال حبيب أبو محمد: لا قرة عين لمن لم تقر عينه بك، ولا فرح لمن لم يفرح بك.
وعزتك إنك لتعلم أني أحبك.
عبيد الله بن محمد التيمي قال: أصحابنا قالوا: كان حبيب أبو محمد يخلو في بيته ويقول: من لم تقر عينه بك فلا قرت، ومن لم يأنس بك فلا أنس.
إسماعيل بن زكريا.
وكان جاراً لحبيب أبي محمد، قال: كنت إذا أمسيت سمعت بكاءه وإذا أصبحت سمعت بكاءه.
فأتيت أهله فقلت: ما شأنه يبكي إذا أمسى ويبكي إذا أصبح.
قال: فقالت لي: يخاف والله إذا أمسى أن لا يصبح، وإذا أصبح أن لا يمسي.
أبو زكريا قال: قالت امرأة حبيب أبي محمد كان يقول: إن مت اليوم فأرسلي إلى فلان يغسلني وافعلي كذا واصنعي كذا.
فقيل لامرأته أرأى رؤيا؟ قالت: هذا يقوله كل يوم.
عن عبد الواحد بن زيد أن حبيباً أبا محمد جزع جزعاً شديداً عند الموت فجعل يقول بالفارسية: أريد أن أسافر سفراً ما سافرته قط، أريد أن أسلك طريقاً ما سلكته قط، أريد أنأزور سيدي ومولاي وما رأيته قط، أريد أن أشرف على أهوال ما شاهدت مثلها قط، أريد أن أدخل تحت التراب فأبقى تحته إلى يوم القيامة.
ثم أوقف بين يدي الله فأخاف أن يقول لي: يا حبيب هات تسبيحة واحدة سبحتني في ستين سنة لم يظفر بك الشيطان فيها بشيء.
فماذا أقول وليس لي حيلة أقول: يا رب هو ذا قد أتيتك مقبوض اليدين إلى عنقي.
قال عبد الواحد: هذا عبد الله ستين سنة مشتغلاً به ولم يشتغل من الدنيا بشيء قط فأي شيء حالنا؟ واغوثاه بالله.
أحمد بن عبد الله قال: كان حبيب مشغولاً بالتعبد ولا نعرف له حديثاً مسنداً.
قال: وقد قيل أنه أسند عن الحسن وابن سيرين وهو وهم من قائله، فإن حبيباً الذي أسند عنهما حبيب المعلم ويحفظ له حكاية عن الفرزدق.