فهرس الكتاب

صلة بن أشيم العدوي

489 صلة بن أشيم العدوي يكنى أبا الصهباء.
ثابت البناني قال: كان صلة بن أشيم يخرج إلى الجبان فيتعبد فيها فكان يمر عليه شباب يلهون ويلعبون.
فيقول لهم: أخبروني عن قوم أرادوا سفراً فحادوا النهار عن الطريق وباتوا بالليل، متى يقطعون سفرهم؟ قال: فكان كذلك يمر بهم فيعظهم.
فيمر بهم ذات يوم فقال لهم هذه المقالة.
فقال شاب منهم: يا قوم إنه والله ما يعني بهم غيرنا، نحن بالنهار نلهو وبالليل ننام.
ثم اتبع صلة فلم يزل يختلف معه إلى الجبان ويتعبد معه حتى مات.
حماد بن زيد قال: حدثنا ثابت أن صلة وأصحابه مر بهم فتى يجر ثوبه فهم أصحاب صلة أن يأخذوه بألسنتهم أخذاً شديداً فقال صلة: دعوني أكفكم أمره.
فقال: يا ابن أخي إن لي إليك حاجة.
قال: وما حاجتك؟ قال أن ترفع إزارك.
قال: نعم ونعمى عين.
فرفع إزاره.
فقال صلة لأصحابه: هذا كان أمثل مما أردتم، لو شتمتموه لشتمكم.
حماد بن سلمة قال: أنبأ ثابت أن أخاً لصلة بن أشيم مات فجاء رجل وهو يطعم.
فقال: يا أبا الصهباء إن أخاك مات، فقال: هلم فكل قد نعي لنا، ادن فكل.
فقالك والله ما سبقني إليك أحد، فمن نعاه؟ قال: يقول الله عز وجل: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} الزمر: 30.
عن معاذة قالت: كان أبو الصهباء يصلي حتى ما يستطيع أن يأتي فراشه إلا زحفاً.
حماد بن جعفر بن زيد أن أباه أخبره قال: خرجنا في غزاة إلى كابل، وفي الجيش صلة بن أشيم فنزل الناس عند العتمة.
فقلت: لأرمقن عمله فأنظر ما يذكر الناس من عبادته.
فصلى العتمة ثم اضطجع فالتمس غفلة الناس حتى قلت هدأت العيون، وثب فدخل غيضة قريباً منه ودخلت في أثره فتوضأ ثم قام يصلي.
قال: وجاء أسد حتى دنا منه.
قال فصعدت في شجرة.
قال: فتراه التفت؟ أو عده جرذاً.
حتى سجد فقلت: الآن يفترسه فجلس ثم سلم فقال: أيها السبع اطلب الرزق من مكان آخر.
فولى وإن له لزئيراً تصدع الجبال منه.
فما زال كذلك.
فلما كان عند الصبح جلس فحمد الله عز وجل بمحامد لم أسمع بمثلها إلا ما شاء الله.
ثم قال: اللهم إني أسألك أن تجيرني من النار، أو مثلي يجترئ أن يسلك الجنة؟ ثم رجع فأصبح كأنه بات على الحشايا وأصبحت وبي من الفترة شيء الله به عليم.
قال: فلما دنوا من أرض العدو قال الأمير: لا يشذن أحد من العسكر.
قال فذهبت بغلته بثقلها فأخذ يصلي.
فقالوا له: إن الناس قد ذهبوا فمضى ثم قال: دعوني أصلي ركعتين.
فقالوا: الناس قد ذهبوا.
قال إنهما خفيفتان.
قال: فدعا ثم قال: اللهم إني أقسم عليك أن ترد بغلتي وثقلها.
قال: فجاءت حتى قامت بين يديه.
قال: فلما لقينا العدو وحمل هو وهشام بن عامر فصنعا بهم طعناً وضرباً وقتلاً.
فكسر ذلك العدو فقالوا: رجلان من العرب صنعا بنا هذا فكيف لو قاتلونا؟ فأعطوا المسلمين حاجتهم.
عن أبي السليل: أن صلة بن أشيم حدثه قال: كنت أسير على دابة لي إذ جعت جوعاً شديداً فلم أجد أحداً يبيعني طعاماً وجعلت أتحرج أن أصيب من أحد من الطريق شيئاً.
فبينما أنا أسير حسبت أنه قال: أدعو ربي عز وجل وأستطعمه.
إذ سمعت وجبة من خلفي فالتفت فإذا أنا بمنديل أبيض فنزلت عن دابتي فأخذت الثوب فإذا فيه دوخلة ملأى رطباً.
قال: فأخذته وركبت دابتي فأكلت منه حتى شبعت وأدركني المساء فنزلت إلى راهب في دير له فحدثته الحديث.
قال: فاستطعمني من الرطب فأطعمته رطباً: ثم إني مررت على ذلك الراهب فإذا نخلات حسان حمال فقال: إنهن لمن رطباتك التي أطعمتني.
وجاء بالثوب إلى أهله فكانت امرأته تريه الناس.
عن رجل من بني عدي قال: لما أهديت معاذة إلى صلة أدخله ابن أخيه الحمام ثم أدخله بيتاً مطيباً فقام يصلي فقامت فصلت.
فلم يزالا يصليان حتى برق الفجر.
قال: فأتيته فقلت: أي عم أهديت إليك ابنة عمك الليلة فقمت تصلي وتركتها؟ فقال: أدخلتني أمس بيتاً أذكرتني به النار، ثم أدخلتني بيتاً أذكرتني به الجنة، فما زالت فكرتي فيهما حتى أصبحت.
عن جعفر بن زيد العبدي أن صلة بن أشيم قال لمعاذة: ليكن شعارك الموت فإنك لا تبالين على يسر أصبحت من الدنيا أم على عسر.
عن الحسن قال: مات أخ لنا فصلينا عليه.
فلما وضع في قبره ومد عليه الثوب جاء صلة بن أشيم فأخذ بناحية الثوب ثم نادى: يا فلان ابن فلان: فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة ... وإلا فإني لا إخالك ناجيا قال: فبكى وأبكى الناس.
عن ابن عون قال: قال رجل لصلة بن أشيم: ادع الله عز وجل لي قال: رغبك الله عز وجل فيما يبقى، وزهدك فيما يفنى، ووهب لك اليقين الذي لا يسكن إلا إليه ولا يعول في الدين إلا عليه.
عن ثابت البناني: أن صلة بن أشيم كان في مغزى له ومعه ابن له فقال: أي بني تقدم فقاتل حتى أحتسبك.
فحمل فقاتل حتى قتل رحمه الله.
ثم تقدم فقتل.
فاجتمعت النساء عند امرأته معاذة العدوية فقالت: مرحباً، إن كنتن جئتن لتهنئنني فمرحباً بكم وإن كنتن جئتن لغير ذلك فارجعن.
لقي صلة بن أشيم جماعة من الصحابة، وأسند عن ابن عباس وغيره.
وقتل شهيداً في أول إمرة الحجاج على العراق.