فهرس الكتاب

عامر بن عبد الله

484 عامر بن عبد الله وهو الذي يقال له ابن عبد قيس.
يكنى أبا عمرو.
وقيل أبا عبد الله، من بني تميم.
جعفر قال: سمعت مالك بن دينار يقول: بلغنا أن كعباً رأى عامر بن عبد قيس فقال: من هذا؟ فقالوا: هذا عامر.
فقال: هذا راهب هذه الأمة.
عن علقمة بن مرثد قال: انتهى الزهد إلى ثمانية من التابعين، منهم: عامر بن عبد الله، إن كان ليصلي فيتمثل إبليس في صورة حية فيدخل تحت قميصه حتى يخرج من جيبه فما يمسه.
قيل له: ألا تنحى الحية عنك؟ فقال: إني لأستحيي من الله عز وجل أن أخاف سواه.
فقيل له: إن الجنة لتدرك بدون ما تصنع، وإن النار لتتقى بدون ما تصنع.
فقال: والله لأجتهدن.
ثم والله لأجتهدن، فإن نجوت فبرحمة الله، وإن دخلت النار فبعد جهدي.
فلما احتضر بكى فقيل له: أتجزع من الموت وتبكي؟ فقال: ما لي لا أبكي ومن أحق بذلك مني؟ والله ما أبكي جزعاً من الموت ولا حرصاً على دنياكم، ولكني أبكي على ظمأ الهواجر وقيام ليل الشتاء.
وكان يقول: اللهم في الدنيا الهموم والأحزان، وفي الآخرة العذاب والحساب، فأين الروح والفرح.
عن عبد الله بن غالب بن عامر بن يساف.
قال: سمعت المعلى بن زياد يقول: كان عامر بن عبد الله قد فرض على نفسه في كل يوم ألف ركعة وكان إذا صلى العصر جلس وقد انتفخت ساقاه من طول القيام فيقول: يا نفس، بهذا أمرت ولهذا خلقت، يوشك أن يذهب العناء.
وكان يقول لنفسه: قومي يا مأوى كل سوء فوعزة ربك لأزحفن بك زحوف البعير ولئن استطعت أن لا يمس الأرض من زهمك لأفعلن.
ثم يتلوى كما تتلوى الحية على المقلى.
ثم يقوم فينادي: اللهم إن النار قد منعتني من النوم فاغفر لي.
روى ابن وهب وغيره، يزيد بعضهم على بعض في الحديث، أن عامر بن عبد قيس كان من أفضل العابدين.
ففرض على نفسه كل يوم ألف ركعة يقوم عند طلوع الشمس فلا يزال قائماً إلى العصر.
ثم ينصرف وقد انتفخت ساقاه وقدماه فيقول: يا نفس إنما خلقت للعبادة يا أمارة بالسوء والله لأعملن بك عملاً، لا يأخذ الفراش منك نصيباً.
قال: وهبط وادياً يقال له وادي السباع وفي الوادي عابد حبشي يقال له حممة.
فانفرد عامر في ناحية يصليان، لا هذا ينصرف إلى هذا، ولا هذا ينصرف إلى هذا، أربعين يوماً وأربعين ليلة.
إذا جاء وقت الفريضة صليا ثم أقبلا يتطوعان.
ثم انصرف عامر بعد أربعين يوماً إلى حممة فقال: من أنت يرحمك الله؟ فقال: دعني وهمي.
قال: أقسمت عليك.
قال: أنا حممة.
قال عامر: لئن كنت أنت حممة الذي ذكر لي لأنت أعبد من في الأرض، فأخبرني عن أفضل خصلة.
قال: إني لمقصر ولولا مواقيت الصلاة تقطع علي القيام والسجود لأحببت أن أجعل عمري راكعاً، ووجهي مفترشاً حتى ألقاه، ولكن الفرائض لا تدعني أفعل ذلك فمن أنت يرحمك الله؟ قال: أنا عامر بن عبد قيس.
قال: إن كنت عامراً الذي ذكر لي فأنت أعبد الناس.
فأخبرني بأفضل خصلة قال: إني لمقصر ولكن واحدة عظمت هيبة الله في صدري حتى ما أهاب شيئاً غيره، واكتنفه السباع فأتاه منها فوثب عليه من خلفه فوضع يديه على منكبيه وعامر يتلو هذه الآية {ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ} هود: 103 فلما رأى السبع أنه لا يكترث له ذهب.
فقال حممة: وبالله يا عامر ما هالك ما رأيت؟ قال: إني لأستحيي من الله عز وجل أن أهاب شيئاً غيره.
قال حممة: لولا أن الله تعالى ابتلانا بالبطن فإذا أكلنا لا بد لنا من الحدث ما رآني ربي إلا راكعاً أو ساجداً.
وكان يصلي في اليوم والليلة ثمان مائة ركعة.
وكان يقول: إني لمقصر في العبادة وكان يعاتب نفسه.
المعلى بن إياد القردوسي، عن عامر بن عبد قيس أنه مر بقافلة قد حبسهم الأسد من بين أيديهم على طريقهم، فلما جاء عامر نزل عن دابته فقالوا: يا أبا عبد الله إنا نخاف عليك من الأسد.
فقال: إنما هو كل من كلاب الله عز وجل، إن شاء أن يسلطه سلطه وإن شاء أن يكفه كفه.
فمشى إليه حتى أخذ بيديه أذني الأسد فنحاه على الطريق وجازت القافلة.
وقال إني لأستحيي من ربي تبارك وتعالى أن يرى في قلبي أني أخاف من غيره.
محمد بن فضيل بن غزوان قال: أنبأ أبي قال: كان عامر بن عبد قيس يقول: ما رأيت مثل الجنة نام طالبها، وما رأيت مثل النار نام هاربها، وكان إذا جاء النهار قال: أذهب حر النار النوم فما ينام حتى يمسي، وإذا جاء الليل قال: من خاف أدلج، وعند الصباح يحمد القوم السرى.
سهيل أخو حزم قال: بلغني عن عامر بن عبد قيس أنه كان يقول: أحببت الله عز وجل حباً سهل علي كل مصيبة ورضاني كل قضية، فما أبالي مع حبي إياه ما أصبحت عليه وما أمسيت.
سعيد بن ميمون قال: قيل لامرأة عامر بن عبد قيس، يعني خادمته، كيف كانت عبادة عامر؟ قالت: ما صنعت له طعاماً قط بالنهار، فأكله إلا بالليل، ولا فرشت له فراشاً بالليل فاضطجع عليه إلا بالنهار.
عن الحسن قال: بعث معاوية إلى عبد الله بن عامر أن انظر إلى عامر بن عبد قيس فأحسن إذنه وأكرمه ومره أن يخطب إلى من شاء وأمهر عنه من بيت المال.
قال: فأرسل إليه: إن أمير المؤمنين قد كتب إلي أن أحسن إذنك وأكرمك.
قال: يقول فلان أحوج مني إلى ذلك، يعني رجلاً كان أطال الاختلاف إليهم ولا يؤذن له.
وأمرني أن آمرك أن تخطب إلى من شئت وأمهر عنك من بيت المال.
قال: أنا في الخطبة دائب.
قال: إلى من؟ قال: إلى من يقبل الفلقة والتمرة.
قال: ثم أقبل إلى جلسائه وقال: إني سائلكم فأخبروني: هل منكم من أحد إلا له من قلبه شعبة؟ قالوا: اللهم لا.
قال: هل منكم من أحد إلا لأهله من قلبه شعبة؟ قالوا:اللهم لا.
قال: هل منكم من أحد إلا لولده من من قلبه شعبة؟ قالوا: اللهم لا.
قال: فوالذي نفسي بيده لأن تختلف الأسنة في جوانحي أحب إلي من أن أكون هكذا، أما والله لأجعلن الهم هماً واحداً.
قال الحسن: وفعل.
عبد الله بن عياش، مولى بني جشم، عن أبيه، عن شيخ قد سماه، وكان قد أدرك سبب تسيير عامر بن عبد الله، قال: مر برجل من أعوان السلطان وهو يجر ذمياً والذمي يستغيث.
فأقبل على الذمي فقال: أديت جزيتك؟ قال: نعم.
فأقبل عليه فقال: ما تريد منه؟ قال: أذهب به يكسح دار الأمير.
قال: فأقبل على الذمي فقال: تطيب نفسك له بهذا؟ قال: يشغلني عن صنعتي.
قال: دعه.
قال: لا أدعه.
قال له: دعه، قال: لا أدعه.
قال: فوضع كساءه فقال: لا يخفر دمة محمد صلى الله عليه وسلم وأنا حي.
قال: ثم خلصه منه.
قال فتراقى ذلك حتى كان سبب تسييره.
مالك بن دينار قال: قالت المرأة التي نزل عليها عامر بن عبد الله: مالي أرى الناس ينامون ولا أراك تنام؟ قال: إن ذكر جهنم لا يدعني أن أنام.
عن قتادة قال: سأل عامر بن عبد قيس ربه عز وجل أن يهون عليه الطهور في الشتاء، فكان يؤتى بالماء وله بخار.
وسأل ربه أن ينزع شهوة النساء من قلبه فكان لا يبالي ذكراً لقي أم أنثى؟ وسأل ربه أن يحول بين الشيطان وبين قلبه في الصلاة، فلم يقدر على ذلك.
وقيل له: هذه الأجمة نخاف عليك منها الأسد.
فقال: إني لأستحيي من ربي أن أخشى غيره.
عن المعلى قال: قال عامر بن عبد قيس: أربع آيات من كتاب الله تعالى إذا ذكرتهن لا أبالي على ما أصبحت وأمسيت {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} فاطر: 12 {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ} الأنعام: 17 و {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً} الطلاق: 7 {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} هود: 6 .
عن مالك بن دينار: عن عامر بن عبد قيس أنه كان يقول: إن أشد أهل الجنة فرحاً في الجنة أطولهم حزناً في الدنيا.
أبو مسكين الغداني قال: قال عامر بن عبد قيس: من خاف الله أخاف الله منه كل شيء ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شيء.
عن أبي المتوكل الناجي قال: قال عامر بن عبد قيس: يا أبا المتوكل؟ قلت: لبيك.
قال: عليك بما يرغبك في الآخرة ويزهدك في الدنيا ويقربك إلى لاله عز وجل.
قلت: ما هو؟ فقالك تقصر عن الدنيا همك وتشحذ إلى الآخرة نيتك، وتصدق ذلك بفعلك، فإذا كنت كذلك لم يكن شيء أحب إليك من الموت، ولا شيء أبغض إليك من الحياة.
فقلت: يا أبا عبد الله كنت لا أحسبك تحسن مثل هذا.
فقال: كم من شيء كنت أحسنه وددت أني لا أحسنه وما يغني عني ما أحسن من الخير إذا لم أعمل به.
عن بلال بن سعد أن عامراً كان يشترط على رفقائه أن ينفق عليهم بقدر طاقته.
أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان الداراني يقول: خرج عامر من البصرة إلى الشام ومعه شكوة فيها ماء يتوضأ منه للصلاة ويشرب منه لبناً إذا شاء.
يزيد بن نعامة قال: كان عامر بن عبد قيس إذا أصبح قال: اللهم غدا الناس إلى أسواقهم وأصبح لكل امرئ منهم حاجة وحاجتي إليك يا رب أن تغفر لي.
عن العلاء بن سالم قال: حدثني من صحب عامر بن عبد قيس أربعة أشهر قال: فما رأيته نام بليل ولا نهار حتى فارقته، وكان له رغيفان قد جعل عليهما ودكاً فيتسحر بواحد ويفطر بآخر.
وكان إذا أصبح علمنا القرآن حتى إذا أمكنته الصلاة قام يصلي، فلا يزال يصلي حتى يصلي العصر.
قال: ثم يعلمنا القرآن حتى يمسي فإذا صلى المغرب فهي ليلته حتى يصبح.
عن الحسن قال: كان عامر بن عبد قيس إذا صلى الصبح تنحى في ناحية المسجد فقال: من أقرئه؟ قال: فيأتيه قوم فيقرئهم، حتى إذا طلعت الشمس وأمكنته الصلاة قام يصلي إلى أن ينتصف النهار ثم يرجع إلى منزله فيقيل، ثم يرجع إلى المسجد إذا زالت الشمس فيصلي حتى يصلي الظهر، ثم يصلي إلى العصر فإذا صلى العصر تنحى في ناحية المسجد ثم يقول: من أقرئه؟ قال: فيأتيه قوم فيقرئهم حتى إذا غربت الشمس صلى المغرب ثم يصلي حتى يصلي العشاء الآخرة ثم يرجع إلى منزله فيتناول أحد رغيفيه فيأكل ثم يهجع هجعة خفيفة، ثم يقول.
فإذا أسحر تناول رغيفه الآخر فأكله ثم شرب عليه شربة من ماء ثم يخرج إلى المسجد.
قال خلف: وحدثني بعض أصحابنا قال: كان منصور بن زاذان يفعل هذا كله ويفضل بخصلة: لا يبيت كل ليلة حتى يبل عمامته بدموعه ثم يضعها.
عن أبي العلاء بن عبد الله بن الشخير قال: أخبرني ابن أخي عامر بن عبد قيس أنعامراً كان يأخذ عطاءه فيجعله في طرف ردائه فلا يلقى أحداً من المساكين يسأله إلا أعطاه.
فإذا دخل إلى أهله رمى به إليهم فيعدونها فيجدونها كما أعطيها.
عمارة بن عبد الله العنبري، وابنه، وثابت أبو الفضل، قالوا: ما رأينا عامر بن عبد قيس متطوعاً في مسجدهم قط.
قال وكان آخر من يدخل المسجد، وأول من يخرج منه.
عبد الله بن الشخير قال: كنا نأتي عامر بن عبد الله وهو يصلي في مسجده فإذا رآنا تجوز في صلاته ثم انصرف فقال لنا: ما تريدون؟ وكان يكره أن يرونه يصلي.
عن سحيم مولى بني تميم، قال: جلست إلى عامر بن عبد الله وه يصلي فتجوز في صلاته ثم أقبل علي فقال: أرحني بحاجتك فإني أبادر؟ قلت: وما تبادر؟ قال: ملك الموت رحمك الله؟ قال: فقمت عنه وقام إلى صلاته.
عن أبي عبدة العنبري قال: لما هبط المسلمون المدائن وجمعوا الأقباض أقبل رجل بحق معه فدفعه إلى صاحب الأقباض فقال الذين معه: ما رأينا مثل هذا قط، ما يعدله ما عندنا ولا يقاربه.
فقالوا له: هل أخذت منه شيئاً؟ فقال: أما والله لولا الله ما أتيتكم به فعرفوا أن للرجل شأناً: فقالوا: من أنت؟ فقال: لا والله لا أخبركم لتحمدوني، ولا غيركم ليقرظوني، ولكني أحمد الله وأرضى بثوابه فأتبعوه رجلاً حتى انتهى إلى أصحابه فسأل عنه فإذا هو عامر بن عبد قيس.
أدرك عامر الصدر الأول، وروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لكنه اشتغل بالعبادة عن الرواية.