فهرس الكتاب

أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق الحربي

289 أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق الحربي ولد سنة ثمان وتسعين ومائة واصله من مرو وكان إماما في جميع العلوم وله التصانيف الحسان وكان زاهدا في الدنيا وكان يقول صحبت قوما من الكرخ في طلب الحديث فسموني الحربي لان عندهم ان من جاوز قنطرة العتيقة من الحربية.
وعن احمد بن عبد الله بن خالد قال سمعت إبراهيم بن إسحاق الحربي يقول اجمع عقلاء كل أمة انه من لم يجر مع القدر لم يتهن بعيشه كان يكون قميصي انظف قميص وازاري اوسخ ازار ما حدثت نفسي انهما يستويان قط وفرد عقبي مقطوع والآخر صحيح امشي بهما وادور بغداد كلها هذا الجانب وذاك الجانب لا احدث نفسي ان اصلحها وما شكوت إلى أمي ولا إلى أختي ولا إلى امرأتي ولا إلى بناتي قط حمى وجدتها الرجل الذي يدخل غمه على نفسه ولا يغم عياله وكان برأسي شقيقة خمسا واربعين سنة ما أخبرت بها أحداً قط ولي عشر سنين ابصر بفرد عين ما أخبرت به أحدا وأفنيت من عمير ثلاثين سنة برغيفين ان جاءتني بهما أمي أو أختي أكلت والا بقيت جائعا عطشان إلى الليلة الثانية وافنيت ثلاثين سنة من عمري برغيف في اليوم والليلة ان جاءتني امرأتي أو إحدى بناتي به أكلته وإلا بقيت جائعا عطشان إلى الليلة الاخرى والان اكل نصف رغيف وأربع عشرة تمرة ان كانت برنيا أو نيفا وعشرين ان كان دقلا ومرضت ابنتي فمضت امراتي فاقامت عندها شهرا فقام افطاري في هذا الشهر بدرهم ودانقين ونصف دخلت الحمام واشتريت لهم صابونا بدانقين فقام نفقة شهر رمضان كله بدرهم واربعة دوانيق ونصف.
وعن القاسم بن بكير قال سمعت إبراهيم الحربي يقول ما كنا نعرف من هذه الاطبخة شيئا كنت اجيء من عشاء إلى عشاء وقد هيات لي امي باذنجانة مشوية أو لعقة بن أو باقة فجل.
وقال أبو بكر بن علي الخراط كنت يوما جالسا مع إبراهيم بن اسحاق على باب داره فلما ان اصبحنا قال لي يا ابا علي قم إلى شغلك فان عندي فجلة قد اكلت البارحة خضرتها اقوم اتغذى بجزرتها.
وعن ابي عثمان الرازي قال جاء رجل من أصحاب المعتضد إلى إبراهيم الحربي بعشرة آلاف درهم من عند المعتضد يسأله عن أمر أمير المؤمنين يفرق ذلك فرده فانصرف الرسول ثم عاد فقال أن أمير المؤمنين يسألك ان تفرقه في جيرانك فقال عافاك الله هذا مال لم نشغل انفسنا بجمعه فلا نشغلها بتفرقته قل لأمير المؤمنين ان تركتنا والا تحولنا من جوارك.
وعن أبي القاسم الجبلي قال اعتل إبراهيم الحربي علة حتى اشرف على الموت فدخلت إليه يوما فقال لي يا أبا القاسم أنا في أمر عظيم مع ابنتي ثم قال لها قومي اخرجي إلى عملك فخرجت فألقت على وجهها خمارها فقال لها إبراهيم هذا عملك كلميه فقالت لي يا عم نحن في أمر عظيم لا في الدنيا ولا في الآخرة الشهر والدهر ما لنا طعام إلا كسر يابسة وملح وربما عدمنا الملح وبالأمس قد وجه إليه المعتضد مع بدر بألف دينار فلم يأخذها ووجه إليه فلان وفلان فلم يأخذ منهما شيئا وهو عليل.
فالتفت الحربي إليها وتبسم وقال يا بنية إنما خفت الفقر قالت نعم قال انظري إلىتلك الزاوية فنظرت فإذا كتب فقال هناك اثنا عشر ألف جزء لغة وغريب كتبته بخطي إذا مت فوجهي كل يوم بجزء فبيعه بدرهم فمن كان عنده اثنا عشر ألف درهم فليس هو فقير.
وقال احمد بن سليمان القطيعي اضقت اضافة فمضيت إلى إبراهيم الحربي لابثه ما انا فيه فقال لي لا يضيق صدرك فان الله من وراء المعونة اني اضقت مرة إلى ان انتهى امري في الاضافة إلى ان عدم عيالي قوتهم فقالت لي الزوجة هب اني وإياك نصبر فكيف نعمل بهاتين الصبيتين فهات شيئا من كتبك حتى نبيعه أو نرهنه فضننت بذلك فقلت اقترضي لهما شيئا وانظريني بقية اليوم والليلة وكان لي بيت في دهليز داري فيه كتبي وكنت اجلس فيه للنسخ والنظر.
فلما كان في تلك الليلة إذ داق يدق الباب فقلت من هذا فقال رجل من الجيران فقلت ادخل فقال اطفىء السراج حتى ادخل فكببت على السراج شيئا وقلت ادخل فدخل وترك إلى جانبي شيئا وانصرف فكشفت على السراج ونظرت فإذا منديل له قيمة وفيه أنواع من الطعام وكاغذ فيه خمسمائة درهم فدعوت الزوجة وقلت انبهي الصبيان حتى يأكلوا.
ولما كان من الغد قضينا دينا كان علينا من تلك الدراهم وكان وقت مجيء الحاج من خراسان فجلست على بابي من غد تلك الليلة فإذا جمال يقود جملين عليهما حملان ورقا وهو يسال عن منزل إبراهيم الحربي فانتهى إلي فقلت أنا إبراهيم الحربي فحط الحملين وقال هذان الحملان أنفذهما لك رجل من أهل خراسان فقلت من هو فقال قد استحلفني إلا أقول من هو؟ وعن ثعلب قال ما فقدت إبراهيم الحربي من مجلس نحو أو لغة نحو خمسين سنة.
وعن محمد بن صالح الأنماطي قال لا نعلم أن بغداد أخرجت مثل ابراهيم الحربي في الأدب والحديث والفقه والزهد.
وقال أبو الحسن العتكي سمعت إبراهيم الحربي يقول لجماعة عنده من تعدون الغريب في زمانكم هذا فقال واحد منهم الغريب من ناى عن وطنه قال آخر الغريب من فارق أحبابه وقال كل واحد منهم شيئا فقال إبراهيم الغريب في زماننا رجل صالح عاش بين قوم صالحين ان امر بالمعروف آزروه وان نهي عن المنكر اعانوه وان احتاج إلى شيء من الدنيا ما نوه ثم ماتوا وتركوه.
وعن مقاتل بن محمد بن بنان العتكي قال حضرت مع أبي وأخي عند ابن إسحاق يعني إبراهيم الحربي فقال إبراهيم لأبي هؤلاء أولادك قال نعم قال احذر لا يرونك حيث نهاك الله فتسقط من أعينهم.
وعن محمد بن خلف وكيع قال كان لإبراهيم الحربي ابن وكان له إحدى عشرة سنة حفظ القرآن ولقنه من الفقه شيئا كثيرا قال فمات فجئت اعزيه فقال كنت اشتهي موت ابني هذا قال قلت يا با إسحاق أنت عالم الدنيا تقول مثل هذا في صبي قد انجب ولقنته الحديث والفقه؟ قال نعم رأيت في النوم كان القيامة قد قامت وكان الصبيان بايديهم قلال فيها ماء يستقبلون الناس يسقونهم وكان اليوم يوما حارا شديداً حره قال فقلت لاحدهم اسقني من هذا الماء قال فنظر الي وقال ليس انت أبي فقلت أي شيء انتم قال فقال نحن الصبيان الذين متنا في دار الدنيا وخلفنا اباءنا نستقبلهم فنسقيهم الماء قال فلهذا تمنيت موته.
وعن عيسى بن محمد الطوماري قال دخلنا على إبراهيم الحربي وهو مريض وقد كان يحمل ماؤه إلى الطبيب فجاءت الجارية وردت الماء وقالت مات الطبيب فبكى وانشأ يقول: إذا مات المعالج من سقامي ... فيوشك للمعالج ان يموتا وعن علي بن الحسن البزار قال سمعت إبراهيم بن اسحاق الحربي يقول وقد دخل عليه قوم يعودونه فقالوا كيف تجدك يا ابا اسحاق قال اجدني كما قال الشاعر: دب في البلاء سفلا وعلوا ... واراني اموت عضوا فعضوا ذهبت جدتي بطاعة تفسي ... وتذكرت طاعة الله نضوا اسند إبراهيم الحربي عن أبي نعيم الفضل بن دكين وعفان ومسدد واحمد بن حنبل وخلق كثير لا يحصون.
وتوفي ببغداد سنة خمس وثمانين ومائتين وقبره ظاهر يتبرك الناس به رحمه الله.