فهرس الكتاب

عابد

ذكر المصطفين من عباد كانوا بمكة لم تعرف أسماؤهم 225 عابد عن عبد الله بن المبارك قال كنت بمكة فاصابهم قحط فخرجوا الى المسجد الحرام يستسقون فلم يسقوا والى جانبي اسود منهوك فقال اللهم انهم قد دعوك فلم تجبهم واني اقسم عليك ان تسقينا قال فوالله ما لبثنا ان سقينا.
قال فانصرف الاسود واتبعته حتى دخل دارا في الخياطين فعلمتها فلما اصبحت اخذت دنانير واتيت الدار فاذا رجل على باب الدار فقلت اردت رب هذه الدار فقال أنا قلت مملوك لك أردت شراءه فقال لي أربعة عشر مملوكاً أخرجهم إليك فأخرجهم فلم يكن منهم.
فقلت له: بقي شيء؟ فقال لي غلام مريض فأخرجه فإذا هو الاسود فقلت بعنيه قال هو لك يا ابا عبد الرحمن فاعطيته اربعة عشر دينارا واخذت المملوك فلما صرنا الى بعض الطريق قال لي يا مولاي أي شيء تصنع بي وانا مريض فقلت لما رأيت عشية امس قال فاتكأ على الحائط فقال اللهم اذ شهرتني فاقبضني اليك قال فخر ميتا قال فانحشر عليه اهل مكة.
وقد رويت لنا هذه الحكاية على صفة اخرى قال ابن المبارك قدمت مكة فاذا الناس قد قحطوا من المطر وهم يستسقون في المسجد الحرام وكنت في الناس مما يلي باب بني شيبة اذ اقبل غلام اسود عليه قطعتا خيش قد اتزر باحداهماوالقى الاخرى على عاتقه فصار في موضع خفي الى جانبي فسمعته يقول الهي اخلقت الوجوه كثرة الذنوب ومساوىء الاعمال وقد منعتنا غيث السماء لتؤدب الخليقة بذلك فاسالك يا حليما ذا اناة يا من لا يعرف عباده منه الا الجميل اسقهم الساعة الساعة.
قال ابن المبارك فلم يزل يقول الساعة الساعة حتى استوت بالغمام واقبل المطر من كل مكان وجلس مكانه يسبح واخذت ابكي اذ قام فاتبعته حتى عرفت موضعه فجئت الى فضيل بن عياض فقال لي ما لي اراك كئيبا فقلت سبقنا إليه غيرنا فتولاه دوننا فقال وما ذاك فقصصت عليه القصة فصاح وسقط وقال ويحك يا ابن المبارك خذني إليه فقلت قد ضاق الوقت وسأبحث عن شأنه.
فلما كان من الغد صليت الغداة وخرجت أريد الموضع فإذا شيخ على الباب قد بسط له وهو جالس فلما رآني عرفني وقال مرحباً بك يا أبا عبد الرحمن حاجتك فقلت له احتجت الى غلام أسود.
قال نعم عندي عدة فاختر ايهم شئت فصاح يا غلام فخرج غلام جلد فقال هذا محمود العاقبة ارضاه لك فقلت ليس هذا حاجتي فما زال يخرج واحدا بعد واحد حتى اخرج الي الغلام فلما بصرت به بدرت عيناي فقال هذا هو قلت نعم قال ليس الى بيعه سبيل قلت ولم قال قد تبركت بموضعه من هذه الدار وذلك انه لا يرزؤني شيئاً قلت ومن اين طعامه وشرابه قال يكسب من فتل الشريط نصف دانق او اقل او اكثر فهو قوته فان باعه في يومه والا طوى ذلك اليوم واخبرني الغلمان عنه انه لا ينام هذا الليل الطويل ولا يختلط باحد منهم مهتم بنفسه وقد احبه قلبي فقلت له انصرف الى سفيان بن عيينة والى فضيل بن عياض بغير قضاء حاجة فقال ان ممشاك عندي كبير خذه بما شئت.
قال فاشتريته فاخذت نحو دار فضيل بن عياض فمشيت ساعة فقال لي يا مولاي فقلت لبيك قال لا تقل لي لبيك فان العبد اولى ان يلبي من المولى.
قلت حاجتك يا حبيبي قال انا ضعيف البدن لا اطيق الخدمة وقد كان لك في غيري سعة وقد أخرج إليك من هو أجلد مني فقلت لا يراني الله استخدمك ولكن اشتري لك منزلا وأزوجك واخدمك انا بنفسي قال فبكى فقلت له ما يبكيك قال انت لم تفعل هذا الا وقد رأيت بعض متصلاتي بالله تعالى والا فلم اخترتني من بين اولئك الغلمان فقلت له ليس أي حاجة الى هذا فقال لي سألتك بالله الا ما أخبرتني فقلت له باجابة دعوتك فقال لي أني أحسبك ان شاء الله تعالى رجلا صالحا ان الله عز وجل خيرة من خلقه لا يكشف شانهم الا لمن أحب من عباده ولا يظهر عليهم الا من قد ارتضى.
ثم قال لي ترى ان تقف علي قليلا فانه قد بقيت علي ركعات من البارحة فقلت هذا منزل فضيل قريب قال لا ههنا احب الى امر الله عز وجل لا يؤخر فدخل من باب الباعة الى المسجد فما زال يصلي حتى اذا اتى على ما اراد التفت الي وقال يا ابا عبد الرحمن هل من حاجة قلت ولم قال لاني اريد الانصراف قلت الى اين قال الى الاخرة قلت لا تفعل دعني اسر بك.
فقال لي انما كانت تطيب الحياة حيث كانت المعاملة بينيوبينه تعالى فاما اذ اطلعت عليها انت فسيطلع عليها غيرك فلا حاجة لي في ذلك ثم خر لوجهه فجعل يقول الهي اقبضني الساعة الساعة الساعة.
فدنوت منه فاذا هو قد مات فوالله ما ذكرته قط الا طال حزني وصغرت الدنيا في عيني رحمه الله.