فهرس الكتاب

أبو غياث المكي مولى جعفر بن محمد

221 ابو غياث المكي مولى جعفر بن محمد ابو حازم المعلى بن سعيد البغدادي قال سمعت ابا جعفر محمد بن جرير الطبري في سنة ثلاثمائة يقول: كنت بمكة سنة اربعين ومائتين فرأيت خراسانيا ينادي: معاشر الحاج من وجد هميانا فيه الف دينار فرده علي اضعف الله له الثواب.
قال فقام إليه شيخ من اهل مكة كبير من موالي جعفر بن محمد فقال له يا خراساني بلدنا فقير اهله شديد حاله ايامه معدودة ومواسمه منتظرة لعله يقع بيد رجل مؤمن يرغب فيما تبذله له حلالا ياخذه ويرده عليك قال الخراساني فكم يريد قال العشر مائة دينار قال لا افعل ولكنا نحيله على الله عز وجل قال وافترقا.
قال ابن جرير فوقع لي ان الشيخ صاحب القريحة والواجد للهميان فاتبعته فكان كماظننت فنزل الى دار مستفلة خلقه الباب والمدخل فسمعته يقول يا لبابة قالت له لبيك ابا غياث قال وجدت صاحب الهميان ينادي عليه مطلقا فقلت له قيده بان تجعل لواجده شيئا فقال كم فقلت عشره فقال لا ولكنا نحيله على الله عز وجل فاي شيء نعمل ولا بد لي من رده فقالت له نقاسي الفقر معك منذ خمسين سنة ولك اربع بنات واختان وانا وامي وانت تاسع القوم اشبعناواكسنا ولعل الله عز وجل يغنيك فتعطيه او يكافئه عنك ويقضيه: فقال لها لست افعل ولا احرق حشاشتي بعد ست وثمانين سنة.
قال ثم سكت القوم وانصرفت فلما ان كان من الغد على ساعات من النهار سمعت الخراساني يقول يا معاشر الحاج وفد الله من الحاضر والبادي من وجد هميانا فيه الف دينار فرده اضعف الله له الثواب قال فقام إليه الشيخ فقال يا خراساني قد قلت لك بالامس ونصحتك وبلدنا والله فقير قليل الزرع والضرع وقد قلت لك ان تدفع الى واجده مائة دينار فلعله ان يقع بيد رجل مؤمن يخاف الله عز وجل فامتنعت فقل له عشرة دنانير منها فيرده عليك ويكون له في العشرة الدنانير ستر وصيانة قال فقال له الخراساني لا نفعل ولكن نحيله على الله عز وجل قال ثم افترقا.
قال الطبري فما اتبعت الشيخ ولاالخراساني وجلست اكتب كتاب النسب للزبير بن بكار فلما كان من الغد سمعت الخراساني ينادي ذلك النداء بعينه فقام إليه الشيخ فقال له يا خراساني قلت لك اول امس العشر منه وقلت لك امس عشر العشر اعط دينار عشر عشر العشر يشتري بنصف دينار قريبة يستفي عليها للمقيمين بمكة بالاجرة وبنصف دينار شاة يحلبها ويجعل ذلك لعياله غذاء قال لا نفعل ولكن نحيله على الله عز وجل.
قال فجذبه الشيخ وقال له تعال خذ هميانك ودعني انام الليل وارحنا من محاسبتك فقال له امش بين يدي فمشى الشيخ وتبعه الخراساني وتبعتهما فدخل الشيخ فما لبث ان خرج وقال ادخل يا خراساني فدخل ودخلت فنبش تحت درجة له مزبلة فاخرج منها الهميان اسود من خرق بخارية غلاظ فقال هذا هميانك فنظر إليه وقال هذا هذا هيماني قال ثم حل راسه من شد وثيق ثم صب المال في حجر نفسه وقلبه مرارا وقال هذه دنانيرنا وامسك فم الهميان بيده الشمال ورد المال بيده اليمنى فيه ثم شده شدا سهلا ووضعه على كتفه ثم اراد الخروج فلما بلغ باب الدار رجع فقال للشيخ يا شيخ مات ابي رحمه الله وترك من هذه ثلاثةالاف دينارفقال لي اخرج ثلثها ففرقه علىاحق الناس عندك وبع رحلي واجعله نفقة لحجتك ففعلت ذلك واخرجت ثلثها الف دينار وشددتها في هذا الهميان وما رأيت منذ خرجت من خراسان الى هاهنا رجلا احق به منك خذه بارك الله لك فيه قال ثم ولى وتركه قال فوليت خلف الخراساني فعدا ابو غياث فلحقني وردني وكان شيخا مشدود الوسط بشريط معصب الحاجبين ذكر ان له ستاً وثمانين سنة فقال لي اجلس فقد رايتك تتبعني في اول يوم وعرفت خبرنا بالامس واليوم سمعت احمد بن يونس اليربوعي يقول سمعت مالكا يقول سمعت نافعا يقول عن عبد الله بن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر وعلي رضي الله عنهما اذا اتاكما الله بهدية بلا مسالة ولا استشراف نفس فاقبلاها ولا ترداها فترد لها على الله عز وجل وهذه هدية من الله والهدية لمن حضر.
ثم قال يا لبابة وفلانة وفلانة فصاح ببناته واخواته وزوجته وامها وقعد واقعدني فصرنا عشرة فحل الهميان وقال ابسطوا حجوركم فبسطت حجري وما كان لهن قميص له حجر يبسطونه فمدوا ايديهم واقبل يعد دينارا دينارا حتى اذا بلغ العاشر الي قال ولك دينار حتى فرغ الهميان وكانت ألفاً فيها الف فاصابني مائة دينار فداخلني من سرور غناهم اشد مما داخلني من سرور صيانتي بالمائة دينار.
فلما اردت الخروج قال لي يا فتى انك لمبارك وما رأيت هذا المال قط ولا املته واني لانصحك انه حلال فاحتفظ به واعلم اني كنت اقوم فاصلي الغداة في هذا القميص الخلق ثم انزعه فيصلين فيه واحدة واحدة ثم اكتسب الى ما بين الظهر والعصر ثم اعود في آخر النهار بما فتح الله عز وجل لي من اقط وتمر وكسيرات ومن بقول نبذت ثم انزعه فيتداولنه فيصلين فيه المغرب وعشاء الاخرة فنفعهن الله بما اخذن ونفعني واياك بما اخذنا ورحم صاحب المال في قبره واضعف ثواب الحامل للمال وشكر له.
قال ابن جرير فودعته وكتبت بها العلم سنتين اتقوت بها واشتري منها الورق واسافر واعطي الاجرة فلما كان بعد سنة ست وخمسين سألت عن الشيخ بمكة فقيل انه مات بعد ذلك بشهور ووجدت بناته ملوكا تحت ملوك وماتت الاختان وامهن وكنت انزل على ازواجهن واولادهن فاحدثهم بذلك فيانسون بين ويكرموني ولقد حدثني محمد بن حيان البجلي في سنة تسعين ومائتين انه ما بقي منهم احد فبارك الله لهم فيما صاروا اليه.