فهرس الكتاب

محمد بن ادريس الامام الشافعي

220 محمد بن ادريس الامام الشافعي رضي الله عنه يكنى ابا عبد الله عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكيم قال: قال الشافعي: ولدت بغزّة سنة خمسين ومائةُ وحملت إلى مكة وأنا ابن سنتين.
قال: وأخبرني غيره عن الشافعي قال: لم يكن لي مال فكنت اطلب العلم في الحداثة اذهب إلى الديوان استوهب الظهور اكتب فيها.
وعن حسين الكرابيسي قال: سمعت الشافعي يقول: كنت امرءاً أكتب الشعر وآتي البوادي فأسمع منهم، وقدمت مكة وخرجت وأنا اتمثل بشعر للبيد وأضرب وحشىْ قدمي بالسوط فضربني رجل من ورائي من الحجبة فقال: رجل من قريش ثم ابن المطلب رضي من دينه ودنياه ان يكون معلما ما الشعر؟ الشعر إذا استحكمت فيه قعدت معلما، تفقه يُعْلِكَ الله.
قال: فنفعني الله بكلام ذلك الحجبي ورجعت الى مكة وكتبت عن ابن عيينة ما شاء الله ان اكتب ثم كنت اجالس مسلم بن خالد الزنجي ثم قدمت على مالك فكتبت موطاة فقلت له يا ابا عبد الله اقرا عليك فقال يا ابن اخي تاتي برجل يقرؤه علي وتسمع فقلت اقرا عليك فتسمع الى كلامي فقال اقرا فلما سمع قرات عليه حتى بلغت كتابالسير قال لي اطوه يا ابن أخي تفقه تعل.
وعن محمد بن اسماعيل الحميري عن ابيه قال كان الشافعي يطلب اللغة العربية والشعر وكان كثيرا ما يخرج الى البدو فيحمل ما فيه من الادب.
فبيما هو يوما في حي من احياء العرب جاء إليه بدوي فقال له ما تقول في امرأة تحيض يوما وتطهريوما قال ما ادري قال يا ابن اخي الفريضة اولى بك من النافلة فقال له انما اريد هذا لذاك وعليه قد عزمت وبالله التوفيق ثم خرج الى مالك بن انس.
وعن الحميدي عن الشافعي قال كنت يتيما في حجر امي ولم يكن معها ما تعطي المعلم وكان المعلم قد رضي مني ان اخلفه اذا قام فلما ختمت القرآن دخلت المسجد فكنت أجالس العلماء فأحفظ الحديث والمسألة فكنت أنظر إلى العظم يلوح فاكتب فيه الحديث والمسالة وكانت لنا جرة عظيمة فاذا امتلا العظم تركته في الجرة وفي رواية اخرى فامتلا من ذلك حبان.
وعن اسماعيل بن يحيى قال سمعت الشافعي يقول حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين وحفظت الموطا وانا ابن عشر سنين.
وعن الإمام أحمد بن حنبل أنه قال يروى في الحديث ان الله تعالى يبعث على راس كل مائة سنة من يصحح لهذه الامة دينها فنظرنا في المائة الاولى فإذا هو عمر بن عبد العزيز ونظرنا في المائة الثانية فنراه الشافعي.
وقال مسلم بن خالد الزنجي للشافعي يا أبا عبد الله أفت الناس آن والله ان تفتي وهو ابن دون عشرين سنة.
وعن عبد الله بن احمد بن حنبل قال قلت لابي يا ابة أي رجل كان الشافعي؟ سمعتك تكثر من الدعاء له فقال يا بني كان الشافعي كالشمس للدنيا وكالعافية للناس فانظر هل لهذين من خلف او عوض؟ وعن الميموني قال سمعت احمد بن حنبل يقول ستة ادعوهم في السحر احدهم الشافعي.
وعن ابن راهويه قال كنت مع احمد بمكة فقال لي تعال حتى اريك رجلا لم تر عيناك مثله فاراني الشافعي.
وعن يونس بن عبد الاعلى قال سمعت الشافعي وحضر ميتا فلما سجينا عليه نظر إليه وقال اللهم بغناك عنه وفقره اليك اغفر له.
وعن الربيع بن سليمان قال سمعت الشافعي يقول ما اوردت الحق والحجة على احد فقبلهما مني الا هبته واعتقدت مودته ولا كابرني على الحق احد ودافع الحجة الا سقط من عيني.
وعن احمد بن خالد الخلال قال سمعت محمد بن ادريس الشافعي يقول ما ناظرت احدا فاحببت ان يخطىء.
وعن الحسين الكرابيسي يقول سمعت الشافعي يقول ما ناظرت احدا قط الا احببت ان يوفق ويسدد ويعان ويكون عليه رعاية من الله وحفظ وما ناظرت احدا الا ولم ابال بين الله الحق على لساني أو لسانه.
الربيع بن سليمان قال سمعت الشافعي يقول اشد الاعمال ثلاثة الجود من قلة والورع في خلوة وكلمة الحق عند من يرجى ويخاف.
وعنه قال سمعت الشافعي يقول لوددت ان الخلق يتعلمون مني ولا ينسب الي منه شيء وسمعته يقول طلب العلم افضل من صلاة النافلة.
وعن احمد بن عبد الرحمن بن وهب قال سمعت الشافعي يقول طالب العلم يحتاج الى ثلاث احداها حسن ذات اليد والثانية طول عمر والثالثة يكون له ذكاء.
وعن الربيع قال قال الشافعي من طلب الرياسة فرت منه واذا تصدر الحديث فاته علم كثير.
وعن يونس بن عبد الاعلى قال قال لي الشافعي يا يونس اذا بلغك عن صديق لك ما تكرهه فاياك ان تبادره بالعداوة وقطع الولاية فتكون ممن ازال يقينه بشك ولكن القه وقل له بلغني عنك كذا وكذا واحذر ان تسمى له المبلغ فان انكر ذلك فقل له انت اصدق وابر لا تزيدن على ذلك شيئا وان اعترف بذلك ف رأيت له في ذلك وجها لعذر فاقبل منه وان لم تر ذلك فقل له ماذا اردت بما بلغني عنك فان ذكر ماله وجه من العذر فاقبل منه وإن لم تر لذلك وجها لعذر وضاق عليك المسلك فحينئذ اثبتها عليه سيئة ثم انت في ذلك بالخيار ان شئت كافاته بمثله من غير زيادة وان شئت عفوت عنه والعفو اقرب للتقوى وابلغ في الكرم لقول الله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} الشورى: 40 فان نازعتك نفسك بالمكأفاة فافكر فيما سبق له لديك من الاحسان فعدها ثم ابدر له احسانا بهذه السيئة ولا تبخسن باقي احسانه السالف بهذه السيئة فان ذلك الظلم بعينه يا يونس اذا كان لك صديق فشد يديك به فان اتخاذ الصديق صعب ومفارقته سهل.
قال وسمعت الشافعي يقول يا يونس الانقباض عن الناس مكسبه للعدواة والانبساط اليهم مجلبة لقرناء السوء فكن بين المنقبض والمنبسط.
وعن احمد بن الوزير قال ثنا محمد بن ادريس الشافعي قال قبلو السعاية شر من السعاية لان السعاية دلالة والقبول اجازة وليس من دل على شيء كمن اقبل واجاز.
قال وتنقص رجل محمد بن الحسن عند الشافعي فقال له مه لقد تلمظت بمضغة طالما لفظها الكرام.
وعن الربيع بن سليمان قال قال الشافعي استعينوا على الكلام بالصمت وعلى الاستنباط بالفكر.
وعنه قال سمعت الشافعي يقول من ضحك منه في مسالة لم ينسها ابدا.
وعنه قال قال لي الشافعي يا ربيع رضا الناس غاية لا تدرك فعليك بما يصلحك فالزمه فانه لا سبيل الى رضاهم واعلم انه من تعلم القرآن جل في عيون الناس ومن تعلم الحديث قويت حجته ومن تعلم النحو هيب ومن تعلم العربية رق طبعه ومن تعلم الحساب جزل رأيه ومن تعلم الفقه نبل قدره ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه وملاك ذلك كله التقوى.
وعن المزني قال سمعت الشافعي يقول من تعلم القرآن عظمت قيمته ومن نظر في الفقه نبل مقداره ومن تعلم اللغة رق طبعه ومن تعلم الحساب جزل رأيه ومن كتب الحديث قويت حجته ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه.
وعن الربيع بن سليمان قال سمعت الشافعي يقول اللبيب العاقل هو الفطن المتغافل.
وعن ابي الوليد الجارودي قال سمعت الشافعي يقول لو علمت ان الماء البارد ينقص من مروءتي ما شربته.
وعن الربيعي قال سال رجل الشافعي عن سنه قال ليس من المروءة ان يخبر الرجل بسنه سال رجل مالكا عن سنة فقال اقبل على شانك.
قال لنا ابو بكر بن ابي طاهر وجدت في هذه الحكاية زيادة من رواية اخرى: ليس من المروءة ان يخبر الرجل بسنه لانه ان كان صغيرا استحقروه وان كان كبيرا استهرموه.
وعنه قال كان الشافعي قد جزا الليل ثلاثة اجزاء الثلث الاول يكتب والثلث الثاني يصلي والثلث الثالث ينام.
وعنه قال كان للشافعي في رمضان ستون ختمة لا يحسب منها ما يقرأ في الصلاة: ابو بكر النيسابوري قال سمعت الربيع يقول كان الشافعي يختم كل شهر ثلاثين ختمة وفي رمضان ستني ختمة سوى ما يقرأ في الصلاة.
وعن نهشل بن كثير عن ابيه قال دخل الشافعي يوما الى بعض حجر هارون الرشيد ليستاذن له ومعه سراج الخادم اقعده عند ابي عبد الصمد مؤدب اولاد هارون الرشيد.
فقال سراج للشافعي يا ابا عبد الله هؤلاء اولاد امير المؤمنين وهذا مؤدبهم فلو اوصيته بهم فاقبل عليه فقال ليكن اول ما تبدا به من اصلاح اولاد امير المؤمنين اصلاحك نفسك فان اعينهم معقودة بعينك فالحسن عندهم ما تستحسنه والقبيح عندهم ما تكرهه علمهم كتاب الله ولا تكرههم عليه فيملوه ولا تتركهم منه فيهجروه ثم روهم من الشعر اعفه ومن الحديث اشرفه ولا تخرجهم من علم الى غيره حتى يحكموه فان ازدحام الكلام في السمع مضلة للفهم.
وقال الحميدي قدم الشافعي مرة من اليمن ومعه عشرون الف دينار فضرب خيمته خارجا من مكة فما قام حتى فرقها كلها.
وعن المزني قال سمعت الشافعي يقول من نظف ثوبه قل همه ومن طاب ريحه زاد عقله.
وعن الربيع بن سليمان قال سمعت الشافعي يقول لن يجفو فعل من يصفو.
وعنه قال سمعت الشافعي يقول وساله رجل عن مسالة فقال روي فيها كذا وكذا عنالنبي صلى الله عليه وسلم فقال له السائل يا ابا عبد الله تقول به فرأيت الشافعي اعد وانتفض وقال يا هذا أي ارض تقلني واي سماء تظلني اذا رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا فلم اقل به نعم على السمع والبصر.
قال وسمعت الشافعي وقد روى حديثا فقال له بعض من حضر تاخذ بهذا؟ فقال اذا رويت عن رسوله الله صلى الله عليه وسلم حديثا صحيحا فلم اخذ به فانا اشهدكم ان عقلي قد ذهب ومد يديه.
وعنه قال سمعت الشافعي يقول اذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا بسنة رسول الله ودعوا ما قلت.
وعن أبي بيان الاصبهاني قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقلت يا رسول الله محمد بن ادريس الشافعي ابن عمك هل نفعته بشيء أو خصصته بشيء فقال نعم سألت الله ألا يحاسبه فقلت بماذا يا رسول الله قال انه كان يصلي علي صلاة لم يصل بمثل تلك الصلاة احد فقلت وما تلك الصلاة يا رسول الله قال كان يصلي علي اللهم صل على محمد كلما ذكره الذاكرون وصل على محمد كلما غفل عنه الغافلون.
قال المصنف اخبرنا محمد بن ابي منصور قال قرات في كتاب محمد بن طاهر النيسابوري بخطه للشافعي رضي الله عنه: ان امرأ وجد اليسار فلم يصب ... حمدا ولا شكرا لغير موفق الجد يدني كل شيء شاسع ... والجد يفتح كل باب مغلق فاذا سمعت بأن مجدوداً حوى ... عودا فأثمر في يديه فصدق واذا سمعت بان محروما اتى ... ماء ليشربه فغاض فحقق ومن الدليل على القضاء وكونه ... بؤس اللبيب وطيب عيش الاحمق وعن المزني قال دخلت على الشافعي في علته التي مات فيها فقلت كيف اصبحت فقال اصبحت من الدنيا راحلا ولاخواني مفارقا ولكاس المنية شاربا ولسوء اعمالي ملاقيا وعلى الله تعالى واردا فلا ادري روحي تصير الى الجنة فاهنئها او الى النار فاعزيها؟ ثم بكى وانشأ يقول: ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي ... جعلت الرجا مني لعفوك سلما تعاظمني ذنبي فلما قرنته ... بعفوك ربي كان عفوك اعظما ومازلت ذا عفو عن الذنب لم تزل ... تجود وتعفو منه وتكرماسمع الشافعي رضي الله عنه من مالك بن انس وابراهيم بن سعد وسفيان بن عيينة وعبد العزيز الدراوردي ومسلم بن خالد الزنجي في خلق كثير.
وحدث عنه احمد بن حنبل وغيره من العلماء.
وتوفي سنة اربع ومائتين.
الربيع بن سليمان قال توفي الشافعي ليلة الجمعة بعد العشاء الاخرة آخر يوم من رجب ودفناه يوم الجمعة فانصرفنا فرأينا هلال شعبان سنة اربع ومائتين.
وعن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال ولد الشافعي في سنة خمسين ومائة ومات في آخر يوم من رجب سنة اربع ومائتين عاش اربعا وخمسين.
وعن الربيع قال كنا جلوسا في حلقه الشافعي بعد موته بيسير فوقف علينا اعرابي فسلم ثم قال لنا اين قمر هذه الحلقة وشمسها؟ فقلنا توفي رحمه الله.
فبكى بكاء شديدا ثم قال رحمه الله وغفر له فلقد كان يفتح ببيانه منغلق الحجة ويسد على خصمه واضح المحجبة ويغسل من العار وجوها مسودة ويوسع بالراي ابوابا منسدة ثم انصرف.
وعنه قال رأيت الشافعي بعد وفاته بالمنام فقلت يا ابا عبد الله ما صنع الله بك قال اجلسني على كرسي من ذهب ونثر علي اللؤلؤ الرطب والسلام.