فهرس الكتاب

عابد علوي من أهل المدينة

197 عابد علوي من أهل المدينة عن أبي عامر الواعظ قال بينا أنا جالس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءني غلام اسود برقعة فقراتها فإذا فيها مكتوب: بسم الله الرحمن الرحيم متعك الله بمسامرة الفكرة ونعمك بمؤانسة العبرة وأفردك بحب الخلوة يا أبا عامر أنا رجل من إخوانك بلغني قدومك المدينة فسررت بذلك وأحببت زيارتك وبي من الشوق إلى مجالستك والاستماع إلى محادثتك ما لو كان فوقي لأظلني ولو كان تحتي لأقلني فسألتك بالذي حباك بالبلاغة لما ألحفتني جناح التوصل بزيارتك والسلام.
قال أبو عامر فقمت مع الرسول حتى أتى بي إلى قباء فأدخلني منزلا رحبا خربا فقال لي قف ها هنا حتى استأذن لك فوقفت فخرج فقال لي لج فدخلت عليه فإذا ببيت مفرد في الخربة له باب من جريد النخل وإذا بكهل قاعد مستقبل القبلة تخاله من الوله مكروبا ومن الخشية محزوبا قد ظهرت في وجهه أحزانه وذهبت من البكاء عيناه ومرضت أجفانه فسلمت عليه فرد علي السلام ثم تحلل فإذا هو أعمى اعرج مسقام فقال لي يا أبا عامر غسل الله من ران الذنوب قلبك لم يزل قلبي إليك تواقا والى استماع الموعظة منك مشتاقا وبي جرح نغل قد أعيا الواعظين دواؤه واعجز المتطببين شفاؤه وقد وصف لي نفع مراهمك للجراح والألم فلا تال يرحمك الله في إيقاع الترياق وان كان مر المذاق فإني ممن يصبر على ألم الدواء رجاء الشفاء.
قال أبو عامر فنظرت إلى منظر بهرني وسمعت كلاما قطعني فأفكرت طويلا ثم تأتى لي من كلامي ما تأتى وسهل من صعوبته ما منه رق لي فقلت يا شيخ ارم ببصر قلبك في ملكوت السماء واجل سمع معرفتك في سكان الأرجاء فتنتقل بحقيقة إيمانك إلى جنة المأوى فترى ما اعد الله فيها للأولياء ثم تشرف على نار لظى فترى ما اعد الله للأشقياء فشتان ما بين الدارين أليس الفريقان في الأموات سواء؟ قال أبو عامر فإن انه وصاح صيحة وزفر والتوى وقال الله يا أبا عامر وقع دواؤك على دائي وأرجو أن يكون عندك شفائي زدني يرحمك الله قال فقلت له يا شيخ الله عالم بسريرتك مطلع على حقيقتك شاهدك في خلوتك بعينه كنت عند استتارك من خلقه ومبارزته قال فصاح صيحة كصيحته الأولى ثم قال من لفقري من لفاقتي من لذنبي من لخطيئتي أنت لي يا مولاي وإليك منقلبي.
ثم خر ميتا رحمه الله.
قال أبو عامر فأسقط في يدي وقلت ماذا جنيت على نفسي إذ خرجت علي جارية عليها مدرعة من صوف وخمار من صوف قد ذهب السجود بجبهتها وانفها واصفر لطول القيام لونها وتورمت قدماها فقالت أحسنت والله يا حادي قلوب العارفين ومثير أشجان غليل المحزونين لا نسي لا هذا المقام رب العالمين يا أبا عامر هذا الشيخ والدي مبتلى بالسقم منذ عشر سنين صلى حتى اقعد وبكى حتى عممت وكان يتمناك على الله ويقول حضرت مجلس أبي عامر البناني فأحيا موات فكري وطرد وسن نومي وان سمعته ثانيا قتلني فجزاك الله من واعظ ومتعك من حكمتك بما أعطاك.
ثم اكتب على أبيها تقبل عينيه وتبكي وتقول يا أبي أبتاه يا من أعماه البكاء على ذنبه يا أبي يا أبتاه يا من قتله ذكر وعيد ربه ثم علا البكاء والنحيب والاستغفار والدعاء وجعلت تقول يا أبي يا أبتاه يا حليف الحرقة والبكاء يا أبي يا أبتاه يا جليس الابتهال والدعاء يا أبي يا أبتاه يا صريع المذكرين والخطباء يا أبي يا أبتاه يا قتيل الوعاظ والحكماء.
قال أبو عامر فأجبتها وقلت أيها الباكية الحيرى النادبة الثكلى إن أباك نحبه قد قضى وورد دار الجزاء وعاين كل ما عمل وعليه يحصى في كتاب عند ربي لا يضل ربي ولا ينسى فمحسن فله الزلفى أو مسيء فوارد دار من أساء.
فصاحت الجارية كصيحة أبيها وجعلت ترشح عرقا وخرجت مبادرا إلى مسجد المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم وفزعت إلى الصلاة والدعاء والاستغفار والتضرع والبكاء حتى كان عند العصر فجاءني الغلام الأسود فآذنني بجنازتهما فقلت احضر الصلاة عليهما ودفنهم فحضرت وسالت عنهما فقيل لي من ولد الحسين بن علي بن أبي طالب.
قال أبو عامر فما زلت جزعا مما حنيت حتى رايتهما في المنام عليهما حلتان خضراوان فقلت مرحبا بكما وأهلا فما زلت حذار مما وعظتكما به فماذا صنع الله بكما فقال الشيخ: أنت شريكي في الذي نلته ... مستاهلا ذاك أبا عامر وكل من أيقظ ذا غفلة ... فنصف ما يعطاه للأمر من رد عبدا آبقا مذنبا ... كان كمن قد راقب القاهر واجتمعا في دار عدن وفي ... جوار رب سيد غافر