فهرس الكتاب

عابد آخر من أهل المدينة

194 عابد آخر عن محمد بن المنكدر قال كانت لي سارية في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم اجلس اصلي إليها بالليل فقحط أهل المدينة سنة فخرجوا يستقون فلم يسقوا فلما كان من الليل صليت عشاء الآخرة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جئت فتساندت إلى ساريتي فجاء رجل اسود تعلوه صفرة متزر بكساء وعلى رقبته كساء اصغر منه.
أي رب خرج أهل حرم نبيك يستسقون فلم تسقهم فأنا اقسم عليك لما سقيتهم.
قال ابن المنكدر فقلت مجنون قال فما وضع يده حتى سمعت الرعد ثم جاءت السماء بشيء من المطر أهمني الرجوع إلى أهلي فلما سمع المطر حمد الله بمحامد لم اسمع يمثلها قط قال ثم قال ومن أنا وما أنا حيث استجبت إلي ولكن عذت بحمدك وعذت بطولك ثم قام فتوشح بكسائه الذي كان متزرا به وألقى الكساء الآخر الذي كان على ظهره في رجليه ثم قام فلم يزل قائما يصلي حتى إذا أحسن الصبح سج سجد وأوتر وصلى ركعتي الصبح ثم أقيمت صلاة الصبح فدخل في الصلاة مع الناس ودخلت معه فلما سلم الإمام قام فخرج وخرجت خلفه حتى انتهى إلى باب المسجد فخرج يرفع ثوبه ويخوض الماء فخرجت خلفه رافعا ثوبي أخوض الماء فلم ادر أين ذهب.
فلما كانت الليلة الثانية صليت العشاء في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جئت إلى ساريتي فتوسدت إليها وجاء فقام فتوشح بكسائه وألقى الكساء الآخر الذي كان على ظهره في رجليه وقام يصلي فلم يزل قائما حتى إذا خشى الصبح سجد ثم أوتر ثم صلى ركعتي الفجر وأقيمت الصلاة فدخل مع الناس في الصلاة ودخلت معه فلما سلم الإمام خرج من المسجد وخرجت خلفه فجعل يمشي وابتعه حتى دخل دارا قد عرفتها من دور المدينة ورجعت إلى المسجد.
فلما طلعت الشمس وصليت خرجت حتى أتيت الدار فإذا أنا به قاعد يخرز وإذا هوإسكاف فلما راني عرفني وقال أبا عبد الله مرحبا ألك حاجة تريد أن اعمل لك خفا فجلست فقلت الست صاحبي بارحة الأولى فاسود وجهه وصاح بي وقال ابن المنكدر ما أنت وذاك قال وغضب قال ففرقت والله منه وقلت اخرج من عنده الآن.
فلما كان في الليلة الثالثة صليت العشاء الآخرة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أتيت ساريتي فتساندت إليها فلم يجيء قال قلت أنا لله ما صنعت فلما أصبحت جلست في المسجد حتى طلعت الشمس ثم خرجت حتى أتيت الدار التي كان فيها فإذا باب البيت مفتوح وإذا ليس في البيت شيء فقال لي أهل الدار يا أبا عبد الله ما كان بينك وبين هذا أمس قلت ما له قالوا لما خرجت من عنده أمس بسط كساءه في وسط البيت ثم لم يدع في بيته جلدا ولا قالبا إلا وضعه في كسائه ثم حمله ثم خرج فلم ندر أين ذهب؟ قال محمد بن المنكدر فما تركت بالمدينة دارا اعلمها إلا طلبته فيها فلم أجده رحمه الله.