فهرس الكتاب

ربيعة بن أبي عبد الرحمن

183 ربيعة بن أبي عبد الرحمن واسم أبي عبد الرحمن فروخ مولى آل المنكدر، ويكنى ربيعة أبا عثمان.
ويقال أبا عبد الرحمن.
اخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز بالإِسناد عن مشيخة أهل المدينة أن فرّوخاً أبا عبد الرحمن أبا ربيعة خرج في البعوث إلى خراسان أيام بني أمية غازياً وربيعة حمل في بطن أمه وخلف عند زوجته أمّ ربيعة ثلاثين آلف دينار.
فقدم المدينة بعد سبع وعشرين سنة وهو راكب فرساً وفي يده رمح فنزل عن فرسه ثم دفع الباب برمحه فخرج ربيعة فقال له: يا عدو الله أتهجم على منزلي؟ فقال: لا، وقال فروخ: يا عدو الله أنت رجل دخلت على حرمي فتواثبا وتلبّب كل واحد منهما بصاحبه حتى اجتمع الجيران فبلغ مالك بن أنس والمشيخة فأتوا يعينون ربيعة فجعل ربيعة يقول: والله لا فارقتك إلا عند السلطان وجعل فرّوخ يقول: والله لا فارقتك إلا عند السلطان وأنت مع امرأتي.
وكثر الضجيج فلما بصروا بمالك: سكت الناس كلُّهم.
فقال مالك: أيها الشيخ لك سعة في غير هذه الديار.
فقال الشيخ: هي داري وأنا فروخ مولى بني فلان.
فسمعت امرأته كلامه فخرجت فقالت: هذا زوجي، وهذا ابنه الذي خلّفه وأنا حامل به فاعتنقا جميعاً وبكيا فدخل فروخ المنزل فقال: هذا ابني؟ قالت: نعم، قال: فأخرجي المال الذي عندك وهذه معي أربعة آلاف دينار.
فقالت: المال قد دفنته وأنا أخرجه بعد أيام.
فخرج ربيعة إلى المسجد وجلس في حلقته وأتاه مالك بن أنس والحسن بن زيد وابن أبي علي اللهبي والمساحقي وأشراف المدينة وأحدق الناس به فقالت امرأته: اخرج فصلِّ في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج فنظر إلى حلقةٍ وافرة، فأتاه فوقف عليه ففرّجوا له قليلاً ونكس ربيعة رأسه يوهمه انه لم يره فقال: من هذا الرجل؟ فقالوا: هذا ربيعة بن أبي عبد الرحمن، فقال أبو عبد الرحمن: لقد رفع الله ابني.
فرجع إلى منزله فقال لوالدته: لقد رأيت ولدك في حالةٍ ما رأيت أحداً من أهل الفقه والعلم عليها.
فقالت أمه: فأيّما أحب إليك: ثلاثون آلف دينار أو هذا الذي هو فيه من الجاه؟ قال لا والله إلاّ هذا.
قالت فإني أنفقت المال كله عليه قال: فوالله ما ضيَّعته.
وعن ابن زيد قال: مكث ربيعة دهراً طويلاً عابداً يصلي الليل والنهار، فجالس القاسم فنطق بلب وعقل فكان القاسم إذا سئل عن شيء قال: سلوا هذا لربيعة.
وعن يحيى بن سعيد قال: ما رأيت أحداً افطن من ربيعة.
قال الليث: وقال لي عبيد الله بن عمر في ربيعة: هو صاحب معضلاتنا وأعلمنا وأفضلنا.
وعن يحيى بن سعيد أنه قال: ما رأيت أحداً أسَّد عقلاً من ربيعة.
وعن سّوار بن عبد الله قال: ما رأيت أحداً أعلم من ربيعة الرأي قلت: ولا الحسن وابن سيرين؟ قال: ولا الحسن وابن سيرين.
وعن يونس بن يزيد قال: رأيت أبا حنيفة عند ربيعة وكان مجهود أبي حنيفة أن يفهم ما يقول ربيعة.
وعن بكر بن عبد الله الشّرود الصنعاني قال: أتينا مالك بن أنس فجعل يحدثنا عن ربية الرأي فكنا نستزيده من حديث ربيعة.
فقال لنا ذات يوم: ما تصنعون بربيعة؟ هو نائم في ذاك الطاق.
فأتينا ربيعة فانبهناه فقلنا له: أنت ربيعة الذي يحدث عنك مالكٌ؟ قال: نعم.
فقلنا له: كيف حظي بك مالكٌ؟ ولم تحظ أنت بنفسك؟ قال: أما علمتم أن مثقالاً من دولةٍ خير من حمل علمٍ.
قال الشيخ رحمه الله: وكان السفاح قد أقدم عليه ربيعة الانبار ليوليه القضاء فلم يفعل، وعرض عليه العطاء فلم يقبل.
وعن مالك قال: قال لي ربيعة حين أراد الخروج إلى العراق: أن سمعت إني حدثتهم شيئاً أو أفتيتهم فلا تعدّني شيئاً.
فكان كما قال: لمّا قدمها لزم بيته فلم يخرج إليهم ولم يحدثهم بشيء حتى رجع قال مالك: لمّا قدم على أمير المؤمنين أبي العباس أمر له بجائزة فأبى أن يقبلها.
فأعطاه خمسة آلاف درهم ليشتري بها جارية فأبى أن يقبلها.
وعن سفيان قال: كان ربيعة بن أبي عبد الرحمن يوماً جالساً فغطى رأسه ثم اضطجع فبكى فقيل له: ما يبكيك؟ فقال رثاء ظاهر وشهوة خفية.
وعن ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال: لقد رأيت مشيخة المدينة وان لهم لغدائر وعليهم الممصَّر والمورَّد في أيديهم مخاصر، وفي أيدهم آثار الحِنّاء في هيئة الفتيان ودين أحدهم ابعد من الثريا إذا أريد على دينه.
قال الشيخ: قد سمع ربيعة من أنس بن مالك والسائب بن يزيد وعامة التابعين من أهل المدينة.
وروى عنه: مالك والثوري وشعبة والليث بن سعد.
وقال أحمد بن حنبل: ربيعة بن أبي عبد الرحمن ثقة.
وتوفي بالأنبار وقيل بل رجع إلى المدينة فمات بها.
وذلك في سنة ست وثلاثين ومائة.
وعن مالك بن أنس قال: ذهبت حلاوةُ الفقه منذ مات ربيعة بن أبي عبد الرحمن.