فهرس الكتاب

باب ذكر نبينا محمد صلى الله عليه و سلم

1 باب ذكر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وذكر نسبه.
عن عمر بن حفص السَّدوسي قال: هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصّي بن كلاب بن مُرّة بن كعب بن لؤيّ بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار.
وأم رسول الله.
صلى الله عليه وسلم آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زُهرة بن كلاب بن مُرّة.
قلت: وأما نزار فهو ابن معدّ بن أدّ بن أُدَد بن الهميسع بن حمل بن النبت بن قيدار بن إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليه السلام.
ذكر طهارة آبائه وشرفهم: عن واثلة بن الأسقع أن النبي.
صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عز وجل اصطفى من ولد إبراهيم: إسماعيل، واصطفى من بني إسماعيل: كنانة واصطفى من بني كنانة: قريشاً، واصطفى من قريش: بني هاشم2، واصطفاني من بني هاشم".
ذكر تزويج عبد الله بن عبد المطلب آمنة بنت وهب3: كان عبد المطلب قد خطب آمنة لابنه عبد الله، فزوجها إياه فبقي معها مدة وجرت له قصة قبل حملها برسول الله.
صلى الله عليه وسلم: عن أبي فياض الخثعمي، قال: مّر عبد الله بن عبد المطلب بامرأة من خَثعم يقال لها "فاطمة بنت مرّ "، وكانت من أجمل الناس وأشبه وأعفه، وكانت قد قرأت الكتب، وكان شباب قريش يتحدثون إليها فرأت نور النبوة في وجه عبد الله فقالت: يا فتى: من أنت؟ فأخبرها.
فقالت: هل لك أن تقع علي وأعطيك مائة من الإبل؟ فنظر إليها وقال: أما الحَرام فالممات دونه ... والحِلّ لا حلٌ فأستبينه فكيف بالأمر الذي تنوينه ثم مضى إلى امرأته آمنة فكان معها.
ثم ذكر الخثعمية وجمالها وما عرضت عليه فأقبل إليها فلم يرَ منها من الإقبال عليه اخراً كما رآه منها أولاً، فقال: هل لك فيما قلت لي؟ فقالت: "قد كان ذلك مرةً فاليوم لا "، فذهبت مثلاً.
وقالت: أيّ شيء صنعت بعدي؟ قال: وقعت على زوجتي آمنةبنت وهب قالت: والله إني لست بصاحبه زينة ولكني رأيت نور النبوة في وجهك فأردت أن يكون ذلك في، فأبى الله إلا أن يجعله حيث جعله.
وبلغ شباب قريش ما عرضت على عبد الله بن عبد المطلب وتأبّيه لها فذكروا ذلك لها فأنشأت تقول: إني رأيت مَخيلةً عَرضت ... فتلألأتْ بحنَاتِم القَطْر فلمائها نور يضيء له ... ما حوله كإضاءة الفجر فرأيته شرفاً أبوء به ... ما كلّ قادحِ زَنده يُوري لله ما زُهْرية سلبت ... ثوبيك ما سلبت وما تدري وقالت أيضاً: بني هاشم ما غادرت من أخيكم ... أمينةُ إذ للباه يعتلجان كما غادر المصباحُ بعد خبوّه ... فتائلَ قد ميثت له بدهان وما كلّ ما يحوي الفتى من تلاده ... لحزمٍ ولا ما فاته لِتَواني فأجمل إذا طالبت أمراً فانه ... سيكفيكه جَدّان يصطرعان سيكفيكه إما يد مقفعلّة ... وإما يد مبسوطة ببنان ولما قضت منه أمينة ما قضت ... نبا بصري عنه وكَلَّ لساني1 وقد روى أبو صالح عن ابن عباس أن هذه المرأة من بني أسد بن عبد العزىّ وهي أخت ورقة بن نوفل وكذلك قال ابن إسحاق وقال: هي أم قتال.
وقال عروة في اخرين: هي قتيلة بنت نوفل، أخت ورقة2.
وروى جرير بن حازم عن أبي يزيد المدائني: أن عبد الله لما مر على الخثعمية رأت بين عينيه نوراً ساطعاً إلى السماء، فقالت: هل لك فيَّ؟ قال: نعم، حتى أرمي الجمرة.
فانطلق فرمى الجمرة، ثم أتى امرأته آمنة.
ثم ذكر الخثعمية فأتاها فقالت: هل أتيت امرأة بعدي؟ قال: نعم، آمنة.
قالت: فلا حاجة لي فيك، إنك مررت وبين عينيك نور ساطع إلى السماء، فلما وقعت عليها ذهب فأخبرها انها حملت بجيد أهل الأرض1.
ذكر حمل آمنة برسول الله صلى الله عليه وسلم: روى يزيد بن عبد الله بن وهب بن زمعة عن عمته قالت: كنا نسمع أن آمنة لما حملت برسول الله.
صلى الله عليه وسلم كانت تقول: ما شعرت أني حملت ولا وجدت له ثقلاً كما تجد النساء إلا أني أنكرت رفع حيضي وأتاني آتٍ وأنا بين النوم واليقظة فقال: هل شعرت أنك حملت؟ فكأني أقول: ما أدري.
فقال: إنك قد حملت بسيد هذه الامة ونبيها، وذلك يوم الاثنين.
قالت: فكان ذلك مما يقّن عندي الحمل.
فلما دنت ولادتي أتاني ذلك فقال: قولي أعيذه بالواحد الصمد من شر كل حاسد.
ذكر وفاة عبد الله: قال محمد بن كعب: خرج عبد الله بن عبد المطلب في تجارة إلى الشام مع جماعة من قريش، فلما رجعوا مروا بالمدينة وعبد الله مريض فقال: أتخلف عند أخوالي بني عدي بن النجار.
فقام عندهم شهراً ومضى أصحابه فقدموا مكة، فأخبروا عبد المطلب فبعث إليه ولده الحارث فوجده قد توفي ودُفن في دار النابغة وهو رجل من بني عدي، فرجع إلى أبيه فأخبروه فوجد عليه وجداً شديداً ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ حمْل.
ولعبد الله يوم توفي خمس وعشرون سنة2.
وقد روي عن عوانة بن الحكم أن عبد الله توفي بعد ما أتى على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية وعشرون شهراً، وقيل سبعة أشهر.
والقول الأول أصح وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان حملاً يومئذ.
وترك عبد الله أم أيمن وخمسة أجمال وقطعة غنم فورث رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك وكانت أم أيمن تحتضنه.
ذكر مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتفقوا على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد يوم الإثنين في شهر ربيع الأول عام الفيل واختلفوا فيما مضى من ذلك الشهر لولادته على أربعة أقوال أحدها: أنه ولد ليلتين خلتا منه، والثاني: لثمان خلون منه، والثالث: لعشر خلون منه، والرابع: لاثنتي عشرة خلت منه.
وروى محمد بن سعد عن جماعة من أهل العلم أن آمنة قالت: لقد علقت به فما وجدت له مشقة، وأنه لما فصل عنها خرج له نور أضاء له ما بين المشرق والمغرب ووقع إلى الأرض معتمداً على يديه.
وقال عكرمة: لما ولدته وضعته برمة فانقلعت عنه، قالت: فنظرت إليه فإذا هو قد شق بصره ينظر إلى السماء1.
وقال العباس بن عبد المطلب: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم مختوناً مسروراً، فأعجب ذلك عبد المطلب وحظي عنده وقال: ليكونّن لابني هذا شأن من شأن، فكان له شأن.
وروى يزيد بن عبد الله بن وهب عن عمته: أن آمنة لما وضعت رسول الله.
صلى الله عليه وسلم أرسلت إلى عبد المطلب، فجاءه البشر وهو جالس في الحجْر، فأخبرته بكل ما رأت وما قيل لها وما أُمرت به فأخذه عبد المطلب فأدخله الكعبة وقام عندها يدعو الله ويشكر ما أعطاه وروي أنه قال يومئذ: الحمد لله الذي أعطاني ... هذا الغلام الطيب الأردان قد ساد في المهد على الغلمان ... أعيذه بالله ذي الأركان حتى أراه بالغ البنيان ... أعيذه من شر ذي شنآن من حاسد مضطرب العيان2 وفي حديث العباس بن عبد المطلب أنه قال: يا رسول الله إني أريد أن أمتدحك.
قال: "قل لا يفضض الله فاك" 3: فأنشأ يقول: من قبلها طِبْتَ في الظّلال وفي ... مستودعٍ حيث يُخصف الورق ثم هبطتَ البلادَ لا بشر ... أنت ولا مضغة ولا علق بل نطفة تركب السفين وقد ... ألجم نسراً وأهله الغرق تنقَل من صالب إلى رحم ... إذا مضى عالم بدا طبق حتى إذا احتوى بيتك المهيمن من ... خندق علياءَ تحتها النطق وأنت لمّا ولدت أشرقتِ ... الأرض وضاءت بنورك الأفق فنحن من ذلك الضياء، وفي ... النور، وسُبْلِ الرشاد نخترق ذكر أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم: عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: قال رسول الله.
صلى الله عليه وسلم "لي خمسة أسماء، أنا محمد وأحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب1" رواه البخاري مسلم.
وفي أفراد مسلم من حديث أبي موسى قال: سمّى لنا رسول الله.
صلى الله عليه وسلم نفسه فقال: " انا محمد وأحمد والمقفّي والماحي والحاشر ونبي التوبة والمَلْحَمة" 2 وفي لفظ نبي الرحمة.
وقد ذكر أبو الحسين بن فارس اللغوي3 أن لنبينا صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر اسماً، محمد وأحمد والماحي والحاشر والعاقب والمقفي ونبي الرحمة ونبي التوبة والملحمة والشاهد والمبشر والنذير والسراج المنير والضحوك والقتّال والمتوكل والفاتح والأمين والخاتم والمصطفى والنبي والرسول، والأمي، والقُثَم.
والماحي: الذي يُمحى به الكفر، والحاشر: الذي يحشر الناس على قدميه أي يقدمهم وهم خلفه، والعاقب: آخر الأنبياء، والمقفي: بمعنى العاقب لأنه تبع الأنبياء، وكل شيء تبع شيئاً فقد قفّاه.
والملاحم: الحروب والضحوك: صفته في التوراة.
قال ابن فارس: وإنما قيل له الضحوك لأنه كان طيب النفس فكهاً، وقال: إني لأمزح.
والقُثَم من معنيين: أحدهما من القَثْم وهو الإعطاء، يقال قَثَم له من العطاء يقثم إذا أعطاه.
وكان عليه السلام أجود بالخير من الريح الهبابة والثاني: من القَثْم هو الجمع يقال للرجل الجَموع للخير قَثوم وقُثَم والله أعلم.
ذكر من أرضعه: قالت برّة بنت أبي تجرأة1: أول من أرضع رسول الله.
صلى الله عليه وسلم ثُويبة بلبن ابنٍ لها، يقال له مسروح، أياماً قبل أن تُقِدم حليمة.
وكانت قد أرضعت قبله حمزة بن عبد المطلب، وأرضعت بعده سلمة بن عبد الأسد، ثم أرضعته حليمة بنت عبد الله السعدية2.
وعن حليمة ابنة الحارث، أم رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أرضعته، السعدية قالت: خرجت في نسوةٍ من بني سعد بن بكر بن هوازن نلتمس الرضعاء بمكة فخرجت على أتانٍ لي قَمْراء قد أدَمَّتْ بالرَّكْب قالت: وخرجنا في سنة شهباء لم تبق لنا شيئاً أنا وزوجي الحارث بن عبد العزّى، وقالت: ومعنا شارف لنا والله إنْ تبض علينا بقطرة من لبن، ومعي صبي لنا والله ما ننام ليلنا من بكائه ما في ثديي لبنٍ يغنيه ولا في شارِفنا من لبنٍ يغذّيه، إلا أنّا نرجو الخصب والفرج.
فلما قدمنا مكة لم تبق منا امرأة إلا عرض عليها رسول الله.
صلى الله عليه وسلم فتأباه، وإنما كنا نرجو الكرامة في رضاعةِ من نُرضع له، من والد المولود، وكان يتيماً صلى الله عليه وسلم فقلنا ما عسى أن تفعل بنا أمه؟ فكنا نأبى حتى لم تبق من صواحباتي امرأة إلا أخذت رضيعاً، غيري.
قالت: فكرهت أن أرجع ولم آخذ شيئاً وقد أخذ صواحباتي.
فقلت لزوجي الحارث: والله لأرجعن إلى ذلك اليتيم فلآخذنّه.
قالت: فأتيته فأخذته ثم رجعت به إلى رحلي.
قالت: فقال لي زوجي: قد أخذتِه؟ قلت نعم، وذلك أني لم أجد غيره.
قال: قد أصبت عسى أن يجعل الله فيه خيراً.
قالت: والله ما هو إلا أن وضعته في حجري فأقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن فشرب حتى روي، وشرب أخوه حتى روي، وقام زوجي الحارث إلى شارِفنا من الليل فإِذا هي تحلب علينا ما شئنا، فشرب حتى روي، وشربت حتى رويت.
قالت فبتنا بخير ليلة شِباعاً رِواءً.
قالت: فقال زوجي: والله يا حليمةُ ما أراك إلا قد أصبت نسمةً مباركةً، قد نام صبياناً وقد رِوينا ورَوِيا.
قالت: ثم خرجنا.
قالت: فو الله لخرجت أتاني أمام الركب قد قطعتهم حتى ما يتعلق بها منهم أحد، حتى إنهم ليقولون: ويحكِ يا بنت الحارث، كفّي علينا، أليست هذه أتانك التي خرجت عليها؟ فأقول بلى والله.
فيقولون: إن لها لشأناً.
حتى قدمنا منازلنا من حاضر منازل بني سعد بن بكر.
قالت: فقدمنا على أجدب أرض الله.
قالت: فوالذي نفس حليمة بيده إن كانوا ليسرحون أغنامهم إذا أصبحوا، وأسرح راعي غنمي وتروح غنمي حفلاً بطاناً وتروح أغنامهم جياعاً هالكة مالها من لبن، فنشرب ما شئنا من اللبن وما من الحاضر من أحد يحلب قطرة ولا يجدها.
قالت: فيقولون لرعاتهم: ويلكم ألا تسرحون حيث يسرح راعي غنم حليمة؟ فيسرحون في الشِّعْب الذي تسرح فيه غنمي وتروح أغنامهم جياعاً مالها من لبن وتروح غنمي حفلاً لبناً.
قالت: وكان يشب في اليوم شباب الصبي في شهر، ويشب في الشهر شباب الصبي في سنة.
قالت، فبلغ سنين وهو غلام جفر.
قالت: فقدمنا به على أمه فقلت لها أو قال لها زوجي: دعي ابني فلنرجع به فإِنا نخشى عليه وباء مكة قالت: ونحن أضنّ شيء به لِما رأينا من بركته صلى الله عليه وسلم فلم نزل به حتى قالت: ارجعا به.
قالت: فمكث عندنا شهرين.
قالت: فبينما هو يلعب يوماً من الأيام هو وأخوه خلف البيت إذا جاء أخوه يشتد فقال لي ولأبيه: أدركا أخي القرشي فقد جاءه رجلان فأضجعاه فشقّا بطنه قالت فخرجت وخرج أبوه يشتد نحوه فانتهينا إليه وهو قائم منتقع لونه فاعتنقتُه واعتنقه أبوه وقال: مالك يا بني؟ قال: أتاني رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاني فشقّا بطني، والله ما أدري ما صنعا.
قالت: فاحتملناه فرجعنا به.
قالت يقول زوجي: والله يا حليمة ما أرى الصبي إلا قد أصيب.
فانطلقي فلنرده إلى أمه قبل أن يظهر به ما نتخوف عليه.
قالت فرجعنا به إلى أمه، فقالت ما ردّكما به فقد كنتما حريصين عليه؟ فقلنا: لا والله إلا أنا كفلناه وادينا الذي علينا من الحق فيه، ثم تخوفنا عليه الأحداث فقلنا: يكون عند أمه قالت: فوالله ما زالت عند أمه فقالت: والله ما ذاك بكما فأخبراني خبركما وخبره.
قالت: فوالله مازالت بنا حتى أخبرناها خبره.
قالت أتخوفتما عليه؟ لا والله إن لإبني هذا شانا ألا أخبركما عنه: إني حملت به فلم احمل حملا قط هو أخفمنه ولا اعظم بركة منه، لقد وضعته فلم يقع كما يقع الصبيان، لقد وقع واضعاً يده في الأرض رافعا رأسه إلى السماء.
دعاه والْحقا بشأنكما1.
قال الشيخ: وظاهر هذا الحديث يدل أن آمنة حملت غير رسول الله.
(؛ وقد قال الوقدي: لا يعُرف عند أهل العلم أن آمنة وعبد الله وَلَدا غير رسول الله.
فأما حليمة: فهي بنت أبي ذؤيب واسمه عبد الله بن الحارث بن شحنة بن جابر السعدية، قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تزوج خديجة، فشكت إليه جَدب البلاد فكلّم خديجة فأعطتها أربعين شاة وأعطتها بعيراً، ثم قدمت عليه بعد النبوة فأسلمت وبايعت وأسلم زوجها الحارث بن عبد العزّى.
قال محمد بن المنكدر: استأذنتِ امرأة على النبي صلى الله عليه وسلم وقد كانت أرضعته، فلما دخلت قال أمي أمي، وعمد الى ردائه فبسطه لها فجلست عليه.
قأما ثُويبة فهي مولاة أبي لهب ولا نعلم أحداً ذكر أنها أسلمت غير ما حكى أبو نعيم الأصفهاني أن بعض العلماء قال: قد اختلف في إسلامها.
وروى الواقدي عن جماعة من أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكرمْ ثويبة ويصلها وهي بمكة، فلما هاجر كان يبعث إليها بكسوةٍ وصلة، فجاءه خبرها سنة سبع مرجعَه من خيبر أنها توفيت.
عن عروة قال: كانت ثويبة لأبي لهب وأعتقها فأرضعت النبي صلى الله عليه وسلم فلما مات أبو لهب رآه بعض أهله في النوم، قال ماذا لقيت يا أبا لهب؟ فقال ما رأيت بعدكم روحاً غير أني سقيت في هذه مني بعتقي ثويبة.
قال وأشار إلى بين الإبهام والسبابة.
قال الشيخ: وقد جاء حديث شرح صدره صلى الله عليه وسلم في الصحيح.
وعن أنس بن مالك أن رسول الله.
صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل صلى الله عليه وسلم وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه فشق عن قلبه، فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة فقال: هذا حظ الشيطان منك ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم لأمه ثم أعاده في مكانه.
قال: وجاء الغلمان يسعون إلى أمه، يعني ظئره، فقالوا ان محمدا قد قتل.
فاستقبلوه وهو منتقع اللون.
قال أنس: وقد كنت أرى أثر المخيط في صدره.
صلى الله عليه وسلم1.
انفرد بإخراجه مسلم.
وقد ذكرنا أن حليمة أعادته إلى أمه بعد سنتين وشهرين وقال ابن قتيبة: لبث فيهم خمس سنين.
ذكر وفاة أمه آمنة: لما ردته حليمة أقام رسول الله.
صلى الله عليه وسلم عند أمه آمنة إلى أن بلغ ست سنين ثم خرجت به إلى المدينة إلى أخواله بني عدي بن النجار تزورهم به ومعها أم ايمن تحضنه.
فأقامت عندهم شهرا ثم رجعت به إلى مكة فتوفيت بالأبواء فقبرها هنالك فلما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالابواء في عمرة الحديبية زار قبرها وبكى2.
واخرج مسلم في أفراده من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: استأذنت ربي أن استغفر لأمي فلم يأذن لي واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي3.
ذكر ما كان من أمره صلى الله عليه وسلم بعد وفاة أمه آمنة: روى محمد بن سعد عن جماعة من أهل العلم، منهم مجاهد والزهري، أن آمنة لما توفيت قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم جده عبد المطلب وضمه إليه ورق عليه رقة لم يرقها على ولده وقربه وأدناه، وان قوما من بني مدلج قالوا لعبد المطلب: احتفظ به فإنا لم نر قدما أشبه بالقدم التي في المقام منه.
فقال عبد المطلب لأبي طالب: اسمع ما يقول هؤلاء، فكان أبو طالب يحتفظ به فلما حضرت عبد المطلب الوفاة أوصى أبا طالب بحفظه.
ومات عبد المطلب فدفن بالحجون وهو ابن اثنتين وثمانين سنة، وقيل ابن مائة وعشر سنين، ويقال وعشرين سنة4.
وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أتذكر موت عبد المطلب قال: " نعم وأنا يومئذ ابن ثمان سنين".
قالت أم أيمن: رأيت رسول الله.
صلى الله عليه وسلم يومئذ يبكي عند قبر عبد المطلب1 وذكر بعض العلماء أنه كان لرسول الله.
صلى الله عليه وسلم يوم موت عبد المطلب ثماني سنين وشهران وعشرة أيام.
ذكر كفالة أبي طالب للنبي صلى الله عليه وسلم: ذكر جماعة من أهل العلم أنه لما توفي عبد المطلب قبض رسول الله.
صلى الله عليه وسلم أبو طالب، وكان يحبه حبا شديدا ويقدمه على أولاده فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنتي عشرة سنة وشهرين وعشرة أيام ارتحل به أبو طالب تاجرا نحو الشام فنزل "تيماء "فرآه حبر من اليهود يقال له "بحيرا "الراهب2 فقال: من هذا الغلام معك؟ فقال: هو ابن آخي فقال: أشفيقٌ عليه انت؟ قال: نعم.
قال: فوالله لئن قدمت به الشام ليقتلنه اليهود، فرجع به إلى مكة.
حديث بحيرا الراهب: عن داود بن الحصين3، قال: لما خرج أبو طالب إلى الشام وبها راهب يقال له، "بحيرا "في صومعة له، وكان علماء النصارى يكونون في تلك الصومعة يتوارثونها عن كتاب يدرسونه، فلما نزلوا ببحيرا وكانوا كثيرا ما يمرون به لا يكلمهم حتى إذا كان ذلك العام ونزلوا منزلا قريبا من صومعته قد كانوا ينزلونه قبل ذلك كلما مروا، فصنع لهم طعاما ثم دعاهم وإنما حمله على دعائهم أنه رآهم حين طلعوا وغمامةٌ تظلّ رسول الله.
صلى الله عليه وسلم من بين القوم حتى نزلوا تحت الشجرة، ثم نظر إلى تلك الغمامة أظلت تلك الشجرة وأخضلت أغصان الشجرة على النبي صلى الله عليه وسلم حين استظل تحتها، فلما رأى بحيرا ذلك نزل من صومعته وأمر بذلك الطعام فأتي به.
وأرسل إليهم فقال: إني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش وأنا أحب أن تحضرونه كلكم ولا تخلفوا منكم صغيرا ولا كبيرا، حرا ولا عبدا، فإن هذا شيء تكرمونني به.
فقال رجل: إنّ لك لشأناً يا بحيرا.
ما كنت تصنع بنا هذا فما شأنك اليوم؟ قال: فإني أحببت أن أكرمكم فلكم حق.
فاجتمعوا إليه وتخلف رسول الله.
صلى الله عليه وسلم من بين القوم لحداثة سنه ليس في القوم أصغر منه في رحالهم تحت الشجرة، فلما نظر بحيرا إلى القوم فلم ير الصفة التي يعرف ويجدها عنده، وجعل ينظر فلا يرى الغمامة على أحد من القوم، ورآها متخلفة على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال بحيرا: يا معشر قريش لا يتخلفنَّ أحد منكم عن طعامي.
قالوا: ما تخلف أحد إلا غلام هو اصغر القوم سناً في رحالهم.
فقال: أدعوه فليحضر طعامي فما أقبح أن يتخلف رجل واحد مع أني أراه من أنفسكم.
فقال القوم: هو والله أوسطنا نسبا وهو أبن أخي هذا الرجل، يعنون أبا طالب، وهو من ولد عبد المطلب، فقال الحارث بن عبد المطلب: والله إن كان بنا للؤمٌ أن يتخلف ابن عبد المطلب من بيننا.
ثم قام إليه فاحتضنه وأقبل به حتى أجلسه على الطعام، والغمامة تسير على رأسه، وجعل بحيرا يلحظ لحظا شديداً، وينظر إلى أشياء في جسده قد كان يجدها عنده من صفته، فلما تفرقوا عن طعامهم قام إليه الراهب فقال: يا غلام أسألك بحق اللات والعزّى إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه، فقال رسول الله.
صلى الله عليه وسلم: "لا تسألني باللات والعزى، فوالله ما أبغضت شيئاً بغضهما".
قال فبالله إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه، قال: سلني عما بدا لك.
فجعل يسأله عن أشياء من حاله حتى نومه، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره فيوافق ذلك ما عنده، ثم جعل ينظر بين عينيه، ثم كشف عن ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على الصفة التي عنده، فقبّل موضع الخاتم وقالت قريش: إن لمحمدٍ عند هذا الراهب لقدراً، وجعل أبو طالب لما يرى من الراهب يخاف على ابن أخيه، فقال الراهب لأبي طالب: ما هذا الغلام منك؟ قال أبو طالب: ابني.
قال: ما هو بابنك وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حياً.
قال: فابن أخي.
قال فما فعل أبوه؟ قال: هلك وأمه حبلى به، قال: فما فعلت أمه؟ قال: توفيت قريباً.
قال: صدقت ارجع بابن أخيك إلى بلده وأحذر عليه اليهود، فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما أعرف ليبغنه بغياً، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم نجده في كتبنا وما روينا عن آبائنا واعلم أني قد أديت إليك النصيحة.
فلما فرغوا من تجارتهم خرج به سريعاً، وكان رجال من يهود قد رأوا رسول الله.
صلى الله عليه وسلم وعرفوا صفته فأرادوا أن يغتالوه فذهبوا إلى بحيرا فذاكروه أمره فنهاهم أشد النهي وقال لهم: أتجدون صفته؟ قالوا: نعم.
قال: فما لكم إليه سبيل.
فصدقوه وتركوه.
ورجع به أبو طالب فما خرج به سفراً بعد ذلك خوفاً عليه1، قال الشيخ رحمه الله: وما زال.
صلى الله عليه وسلم في صغره افضل الخلق مروءة وأحسنهم خلقاً وأصدقهم حديثاً وأبعدهم من الفحش والأذى حتى سماه قومه الأمين.
ذكر رعيه صلى الله عليه وسلم الغنم.
عن أبي هريرة عن النبي.
صلى الله عليه وسلم قال: "ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم".
فقال أصحابه: وأنت؟ قال: " نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة1".
انفرد بإخراجه البخاري وقد رواه سويد بن سعيد عن عمرو بن أبي يحيى عن جده سعيد بن أحيحة، فقال فيه: " كنت أرعاها لأهل مكة بالقراريط".
قال سويد بن سعيد يعني كلّ شاة بقيراط.
وقال إبراهيم الحربي: القراريط موضع ولم يُرد بذلك القراريطَ من الفضة.
ذكر خروجه صلى الله عليه وسلم إلى الشام مرة أخرى: قد ذكرنا أنه خرج مع أبي طالب وهو ابن اثنتي عشرة سنة فلما بلغ خمسا وعشرين سنة قال له أبو طالب: أنا رجل لا مال لي وقد اشتدّ علينا الزمان، وهذه عِير قومك قد حصر خروجها إلى الشام، وخديجة تبعث رجالاً من قومك، فلو جئتها فعرضت نفسك عليها لأسرعت إليك.
وبلغ خديجة ما قال له أبو طالب فقالت: أنا أعطيك ضعف ما أعطي رجلاً من قومك.
فقال أبو طالب: هذا رزق قد ساقه الله إليك.
فخرج مع غلامها ميسرة: وجعل عمومته يوصون به أهل العير حتى قدِما "بُصْرى "من الشام فنزلا في ظل شجرة، فقال نسطورا الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي.
ثم قال لميسرة: أفي عينيه حمرة؟ قال: نعم لا تفارقه.
فقال: هو نبي، وهو آخر الأنبياء.
ثم باع سلعته فوقع بينه وبين رجل تلاحٍ فقال له: أحلف باللات والعزى.
فقال رسول الله.
صلى الله عليه وسلم ما حلفت بهما قط وإني لأمرؤ أعرض عنهما.
.
فقال الرجل: القول قولك.
وكان ميسرة، إذا كانت الهاجرة واشتد الحرّ، يرى ملكين يظلان رسول الله.
صلى الله عليه وسلم من الشمس.
ودخل رسول الله.
صلى الله عليه وسلم مكة في ساعة الظهيرة وخديجة في عُلِيَّةٍ لها، فرأت رسول الله.
صلى الله عليه وسلم على بعيره، وملكان يظلاّن عليه، فأرته نساءها فعجبن لذلك، ودخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرها بما ربحوا في وجههم فسرّت بذلك، فلما دخل ميسرة أخبرته بما رأت، فقال: قد رأيت هذا منذ خرجنا من الشام، وأخبرها بما قال الراهب1.
ذكر تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة: قالت نفيسة بنت منية2 كانت خديجة بنت خويلد بن أسد بن العزى بن قصي، امرأة حازمة جلدة شريفة، أوسط قريش نسباً وأكثرهم مالاً، وكل قومها كان حريصاً على نكاحها لو قدر على ذلك، وقد طلبوها وبذلوا لها الأموال، فأرسلتني دسيساً إلى محمد بعد أن رجع من الشام، فقلت يا محمد: ما يمنعك أن تزوج؟ فقال: ما بيدي ما أتزوج به، قلت: فإن كفيت ذلك ودعيت إلى الجمال والمال والشرف والكفاءة ألا تجيب؟ قال: فمن هي؟ قلت: خديجة.
قال: وكيف بذلك؟ قلت: علي.
قال: وأنا افعل: فذهبت فأخبرتها، فأرسلت إليه أن أئت لساعة كذا وكذا وأرسلت إلى عمها عمرو بن أسد3 ليزوجها فحضر، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمومته فتزوجها وهو ابن خمس وعشرين سنة، وخديجة يومئذ بنت أربعين سنة.
وقد ذكر بعض العلماء أن أبا طالب حضر العقد ومعه بنو مضر، فقال ابو طالب: الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم، وزرع إسماعيل، وضئضئي معد، وعنصر مضر، وجعلنا حضنة بيته وسواس حرمه، وجعل لنا بيتاً محجوجاً وحرماً آمناً، وجعلنا الحكام على الناس.
ثم إن ابن أخي هذا محمد بن عبد الله لا يوزن به رجل إلا رجح به فإن كان في المال قل، فإن المال ظل زائل وأمر حائل، ومحمد من قد عرفتم قرابته، وقد خطب خديجة بنت خويلد وبذل لها الصداق ما آجله وعاجله من مالي، وهو بعد هذا والله له نبأ عظيم وخطر جليل.
فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم1.
ذكر علامات النبوة في رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يوحى إليه: قال الشيخ: قد ذكرنا أن أمه آمنة رأت عند ولادته نوراً أضاء له المشرق والمغرب وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "رأت أمي نوراً أضاءت له قصور الشام" 2 وقد ذكرنا شق بطنه في صغره وحديث ميسرة والراهب وحديث بحيرا والغمامة التي كانت تظله والأحاديث في هذا كثير، إلا أنا نروم الاختصار فلهذا نحذف.
عن عمرو بن سعيد أن أبا طالب قال: كنت بذي المجاز ومعي ابن أخي يعني النبي صلى الله عليه وسلم فأدركني العطش فشكوت إليه فقال: يا ابن أخي قد عطشت، وما قلت له ذلك وأنا أرى أن عنده شيئاً؛ إلا الجزع.
فثنى وركه ثم نزل فأهوى بعقبه إلى الأرض فإذا بالماء فقال: "اشرب يا عم "فشربت.
وعن ابن عباس قال: أول شيء رأى النبي صلى الله عليه وسلم من النبوة أن قيل له استتر، وهو غلام، فما رئيت عورته من يومئذ.
وقالت بره بنت أبي تجرأة: لما ابتدأه الله تعالى بالنبوة كان إذا خرج لحاجته أبعد حتى لا يرى بيتاً ويفضي إلى الشعاب وبطون الأودية، فلا يمر بحجر ولا شجرة إلا قال: "السلام عليك يا رسول الله" فكان يلتفت عن يمينه وشماله وخلفه فلا يرى أحداً.
وعن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث.
إني لأعرفه الآن" 3 روه الإمام أحمد وانفرد بإخراجه مسلم.
فصل فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمساً وثلاثين سنة شهد بنيان الكعبة وتراضت قريش بحكمه فيها، وكانوا قد اختلفوا فيمن يضع الحجر، فاتفقوا على أن يحكم بينهم أول داخل يدخل المسجد فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: هذا الأمين، فقال: هلموا ثوباً، فوضع الحجر فيه وقال: لتأخذ كل قبيلة بناحية من نواحيه وارفعوه جميعاً، ثم أخذ الحجر بيده فوضعه في مكانه1.
فلما أتت له أربعون سنة ويوم بعثه الله عز وجل وذلك في يوم الاثنين.
ذكر بدء الوحي: روى مسلم في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم الاثنين، فقال: "فيه ولدت وفيه أنزل علي" 2.
وقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: نزل جبرئيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرسالة يوم سبع وعشرين من رجب، هو أول يوم هبط فيه.
وقال ابن إسحق: ابتدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتنزيل في شهر رمضان.
وعن عائشة أنها قالت: أول ما ابتديء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة، وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح.
ثم حبب إليه الخلاء فكان يأتي جبل حراء يتحنث فيه، وهو التعبد الليالي ذوات العدد، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فتزوده لمثلها، حتى فجئه الحق وهو في غار حراء فجاءه الحق فيه فقال: اقرأ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: "ما أنا بقارئ".
قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ.
فقلت: "ما أنا بقارئ" فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} قال: فرجع بها ترجف بوادره حتى دخل على خديجة فقال: "زملوني زملوني" فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال: يا خديجة مالي وأخبرها الخبر.
قال: قد خشيت علي فقالت له: كلا أبشر فوالله لا يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق.
ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي وهو ابن عم خديجة أخي أبيها وكان أمرأ تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العربي، فكتب بالعربية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخاً كبيراً قد عمي، فقالت خديجة: أي ابن عم اسمع من ابن أخيك.
قال ورقة: يا ابن أخي ما ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأى، فقال ورقة: هذا الناموس الذي أنزل على موسى صلى الله عليه وسلم، يا ليتني فيها جذعاً أكون حياً حين يخرج قومك.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أومخرجي هم؟ فقال ورقة: نعم، لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً.
ثم لم ينشب ورقة أن توفي، وفتر الوحي فترة حتى حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا حزناً غدا منه مراراً لكي يتردى من رؤوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي نفسه منه يبدى له جبريل عليه السلام فقال: يا محمد إنك رسول الله حقاً.
فيسكن لذلك جأشه وتقر نفسه صلى الله عليه وسلم فيرجع، فإاذ طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك فإذا أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل عليه السلام فقال مثل ذلك1.
أخرجاه في الصحيحين.
وعن جابر بن عبد الله: قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحدث عن فترة الوحي قال في حديثه: فبينا أنا أمشي: سمعت صوتاً من السماء، فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض، فجئثت منه رعباً فجئت فقلت زملوني.
فدثروني، فأنزل الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} 2 أخرجاه في الصحيحين.
ومعنى فجئثت فرقت يقال رجل مجؤوث.
ذكر كيفية إتيان الوحي إليه صلى الله عليه وسلم: عن عائشة: أن الحارث بن هشام سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقال: يا رسول الله كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحياناً يأتيني في مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي، فيفصم عني وقد وعيت ما قال، وأحياناً يتمثل لي الملك رجلاً فيكلمني فأعي ما يقول"، قالت عائشة: وقد رأيته ينزل عليه في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقاً1 أخرجاه في الصحيحين.
واخرجا من حديث يعلى بني أمية أنه كان يقول لعمر: ليتني أرى رسول الله.
صلى الله عليه وسلم حين ينزل عليه الوحي.
فلما كان النبي صلى الله عليه وسلم في الجِعْرانة جاءه رجل فسأله عن شيء، فجاءه الوحي، فأشار عمر إلى يعلى أن تعالَ، فجاء يعلى فأدخل رأسه فإذا هو محمّر الوجه يغطّ كذلك ساعةً ثم سُرّي عنه.
وعن زيد بن ثابت قال: إني قاعد إلى جنب النبي.
صلى الله عليه وسلم يوماً إذا أوحي إليه وغشيته السكينة ووقع فخذه على فخذي حين غشيته السكينة.
قال زيد: فلا والله ما وجدت شيئاً قط أثقل من فخذ رسول الله.
(ثم سُرّي عنه فقال: "اكتب يا زيد" 2.
وفي أفراد البخاري3 من حديث زيد بن ثابت قال: أملى علي رسول الله.
صلى الله عليه وسلم {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} فجاءه ابن أم مكتوم وهو يمليها علي فقال: والله يا رسول الله لو أستطيع الجهاد لجاهدت.
وكان أعمى.
فأنزل الله عز وجل على رسوله وفخذه على فخذي، فثقلت علي حتى خفت أن ترضّ فخذي، ثم سُرّي عنه فأنزل الله عز وجل: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} .
وقال عبادة بن الصامت: كان رسول الله.
صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي كرب له وتربّد وجهه.
وقال أبو أروى الدوسي: رأيت الوحي ينزل على رسول الله.
صلى الله عليه وسلم وأنه على راحلته فترغو وتفتل يديها حتى أظن أن ذراعها تنفصم، وربما بركت وربما قامت موئدة يديها حتى يسرى عنه من ثقل الوحي، وأنه ليتحدر منه مثل الجُمان.
ذكر رمي الشياطين بالشهب لمبعثه صلى الله عليه وسلم: قال العلماء بالسيّر: رأت قريش النجوم يرمى بها بعد عشرين يوما ًمن مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
عن ابن عباس قال: انطلق رسول الله.
صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ وقد حِيلَ بين الشياطين وبين خبر السماء، وأُرسلت عليهم الشهب فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا: مالكم؟ فقالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء وأرسلت علينا الشهب.
قالوا: ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا ما حدث فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا ما هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء.
قال: فانطلق الذين توجّهوا نحو تِهامة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنخلة وهو عامد إلى سوق عكاظ وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر فلما سمعوا القرآن تسمعوا له فقالوا: هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء.
فهنالك رجعوا إلى قومهم فقالوا {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً، يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً} وأنزل الله على نبيه: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ} 1 أخرجاه في الصحيحين.
وعنه قال: كان الجن يسمعون الوحي فيسمعون الكلمة فيزيدون عليها عشراً فيكون ما سمعوه حقاً وما زادوه باطلاً.
وكانت النجوم لا يرمى بها قبل ذلك، فلما بعث النبي.
صلى الله عليه وسلم كان أحدهم لا يقعد مقعده إلا رمي بشهاب يحرق ما أصاب.
فشكوا ذلك إلى إبليس فقال: ما هذا إلا من أمر قد حدث، فبث جنوده فإذا هم بالنبي صلى الله عليه وسلم يصلي بين جبلي نخلة فأتوه فأخبروه فقال: هذا الذي حدث في الأرض2.
قال الشيخ: وهذا الحديث يدل على أن النجوم لم يرم بها قبل مبعث نبيناصلى الله عليه وسلم وقد روينا عن الزهري أنه قال: قد كان يرمى بها قبل ذلك ولكنها غلظت حين بُعث النبي صلى الله عليه وسلم.
ذكر اعتراف أهل الكتاب بنبوته صلى الله عليه وسلم: قال كعب الأحبار: نجدُ نعت رسول الله في التوراة: محمد بن عبد الله عبدي المختار، مولده مكة، ومهاجره المدينة، لا فظ ولا غليظ ولا صخّاب في الأسواق.
وعن أبي هريرة قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت المدراس فقال: اخرجوا إلي أعلمكم، فقالوا: عبد الله بن صوريا فخلا به رسول الله.
صلى الله عليه وسلم فناشده بدينه وبما أنعم الله به عليهم وأطعمهم من المن والسلوى، وظلّلهم به من الغمام: أتعلم أني رسول الله؟ قال: اللهم نعم، وإن القوم ليعرفون ما أعرف، وإن صفتك ونعتك لمبين في التوراة، ولكنهم حسدوك.
قال: "فما يمنعك أنت؟ " قال: أكره خلاف قومي، وعسى أن يتبعوك ويسلموا فأسلم.
وعن ابن عباس قال: كان يهود قُريظة والنّضير وفَدك وخيبر يجدون صفة النبي صلى الله عليه وسلم عندهم قبل أن يبعث وأن دار هجرته المدينة فلما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت احبار يهود: ولد أحمد الليلة فلما نبيء قالوا: قد نبئ أحمد، يعرفون ذلك ويقرّون به ويصفونه، فما منعهم عن إجابته إلا الحسد والبغي.
وعن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه قال: كان الزبير بن باطا وكان أعلم اليهود يقول: إني وجدت سِفراً كان أبي يختمه عليّ، فيه ذُكر أن أحمد نبيٌّ صفته كذا وكذا فحدث به الزبير بعد أبيه والنبي صلى الله عليه وسلم لم يبعث، فما هو إلا أن سمع بالنبي صلى الله عليه وسلم قد خرج إلى مكة فعمد إلى ذلك السفر فمحاه وكتم شأن النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ليس به.
وعن سلمة بن سلامة بن وقش قال: كان لنا جار من يهود في بني عبد الأشهل، قال: فخرج علينا يوما من بيته قبل أن يبعث النبي.
صلى الله عليه وسلم بيسير، حتى وقف على مجلس بني عبد الأشهل.
قال سلمة: وانا يومئذ أحدثُ من فيه سنّاً عليَّ بردة مضطجعاً فيها بفناء أهلي، فذكر البعث والقيامة والحساب والميزان والجنة والنار، فقال ذلك لقومٍ أهل شرك، أصحاب أوثان لا يرون أن بعثاً كائن بعد الموت.
فقالوا له: ويحك يا فلان ترى هذا كائناً أن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دارٍ فيها الجنة والنار يجزون فيها بأعمالهم؟ قال: نعم والذي يحلف به يود أن له بحظه من تلك النار أعظم تنور في الدنيا يحمونه ثم يدخلونه إياه فيطبقونه عليه، وأن ينجو من تلك النار غداً.
قالوا له: ويحك وما آية ذلك؟ قال: نبي يبعث من نحو هذه البلاد،وأشار بيده نحو مكة واليمن، قالوا: ومتى تراه؟ قال فنظر إلي وأنا من أحدثهم سناً فقال: إن يستنفد هذا الغلام عمره يدركه.
قال سلمة: فو الله ما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله تعالى رسول صلى الله عليه وسلم وهو حي بين أظهرنا، فآمنا به وكفر به بغياً وحسداً، فقلنا: ويلك يا فلان ألست الذي قلت لنا فيه ما قلت؟ قال: بلى وليس به.
ذكر بدء دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى الإسلام: روى عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو من أول ما أنزلت عليه النبوة ثلاث سنين مستخفياً ثم أمر بإظهار الدعاء.
وقال يعقوب بن عتبة: كان أبو بكر وعثمان وسعيد بن زيد وأبو عبيدة بن الجراح يدعون إلى الإسلام سراً، وكان عمر وحمزة يدعوان علانية، فغضبت قريش لذلك.
ذكر طرف من معجزاته صلى الله عليه وسلم: اعلم أن معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرة، ونحن نذكر طرفاً منها: وأكبر معجزاته الدالة على صدقة القرآن العزيز الذي لو اجتمعت الأنس والجن على أن يأتوا بمثله لم يقدروا وكفى به.
عن ابن مسعود قال: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم شقتين حتى نظروا إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اشهدوا" 1.
أخرجاه في الصحيحين والروايات في الصحيح بانشقاق القمر عن ابن عمر وعباس وأنس.
وعن عمران بن حصين قال: كنا في سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنا أسرينا حتى إذا كانا في آخر الليل وقعنا تلك الوقعة، ولا وقعة عند المسافر أحلى منها، قال: فما أيقظنا إلا حر الشمس، وكان أول من استيقظ فلان ثم فلان ثم فلان وكان يسمّيهم أبو رجاء ونسيهم عوف، ثم عمر بن الخطاب الرابع، وكان رسول الله.
صلى الله عليه وسلم إذا نام لم نوقظه حتى يكون هو يستيقظ لانا لا ندري ما يحدث أو ما حدث له في نومه.
فلما أستيقظ عمر ورأى ما أصاب وكان رجلا أجوف جليداً قال فكبر ورفع صوته بالتكبير فما زال يكبر ويرفع صوته حتى استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم شكوا إليه الذي أصابهم فقال: " لا ضير"، أو " لا يضير، ارتحلوا" فارتحل فسار غير بعيد، ثم نزل فدعا بالوضوء فتوضأ، ونودي بالصلاة فصلى بالناس، فلما انتفل من صلاته إذا رجل معتزل لم يصلِّ مع القوم فقال ما منعك يا فلان أن تصلي مع القوم؟ فقال: يا رسول الله أصابتني جنابة ولا ماء.
قال عليك بالصعيد الطيب فانه يكفيك.
ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتكى إليه الناس العطش فنزل فدعا فلانا كان يسميه أبو رجب ونسيه عوف، ودعا علياً عليه السلام فقال: "اذهبا فابغيا الماء" فذهبا فلقيا امرأة بين مزادتين أو سطيحتين من ماء على بعيرها فقالا لها: أين الماء؟ عهدي بالماء أمس هذه الساعة، ونَفَرنا خُلوف.
قال: فقالا لها فانطلقي إذا.
قالت: إلى أين؟ قالا: إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: هذا الذي يقال له الصابئ؟ قالا: هو الذي تعنين فانطلقي.
فجاءا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثاه الحديث، فاستزلوها عن بعيرها، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإناء فأفرغ فيه من أفواه المزادتين أو السطيحتين وأوكى أفواههما وأطلق العزالي ونودي في الناس أن اسقوا واستقوا فسقى من شاء واستقى من شاء، فكان آخر ذلك أن أعطى الذي أصابته الجنابة إناء من ماء فقال: " إذهب فافرغه عليك".
قال، وهي قائمة تنظر: ما يفعل بمائها؟ قال وأيم الله لقد اقلع عنها وإنه ليخيل إلينا أنها أشد ملئة منها حين ابتديء فيها.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اجمعوا لها".
فجمع لها من بين عجوة ودقيقة وسويقة حتى جمعوا لها طعاماً كثيراً وجعلوه في ثوب وحملوه على بعيرها ووضعوا الثوب بين يديها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تعلمين والله ما رزأناك من مائك شيئاً ولكن الله عز وجل هو الذي سقانا".
قالت: فأتت أهلها وقد احتبست عنهم فقالوا: ما حبسك يا فلانة؟ قالت: العجب، لقيني رجلان فذهبا بي إلى هذا الذي يقال له الصابئ ففعل بمائي كذا وكذا، فوالله إنه لأسحر من بين هذه وهذه، وقالت بإصبعها الوسطى والسبابة، فرفعتهما إلى السماء تعني السماء والأرض وإنه لرسول الله حقاً.
قال: فكان المسلمون بعد ذلك يغيرون على ما حولها من المشركين ولا يصيبون الصرم الذي هي منه.
فقالت يوماً لقومها: ما أدري هؤلاء القوم الذين يدعونكم عمداً فهل لكم في الإسلام؟ فأطاعوها فدخلوا في الإسلام1.
أخرجاه في الصحيحين.
وعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بالزوراء فإتي بإناء فيه ماء لا يغمر أصابعه أو قدر ما يواري أصابعه فأمر أصحابه أن يتوضؤا.
فوضع كفه في الماء فجعل الماء ينبع من بين أصابعه وأطراف أصابعه، حتى توضأ القوم قال: فقلنا لأنس: كم كنتم؟ قال: كنا ثلاثمائة1.
أخرجاه في الصحيحين.
وعن جابر قال: عطش الناس يوم الحديبة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة، فتوضأ منها ثم أقبل الناس نحوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما لكم؟ " قالوا: يا رسول الله ليس عندنا ما نتوضأ به ولا نشرب ماء إلا في ركوتك فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده في الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون.
قال: فشربنا وتوضأنا، فقلت لجابر: كم كنتم يومئذ؟ قال: لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا خمس عشرة مائة2.
أخرجاه في الصحيحين.
وعن أنس بن مالك قال: أصابت الناس سنة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر يوم الجمعة إذ قام أعرابي فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم هلك المال وجاع العيال فادع الله لنا أن يسقينا.
فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وما في السماء قزعة فثار سحاب أمثال الجبال ثم لم ينزل عن منبره حتى رأينا المطر يتحدر على لحيته.
قال فمطرنا يومنا ذلك، ومن الغد، ومن بعد الغد، والذي يليه إلى الجمعة الأخرى، فقام ذلك الأعرابي أو رجل غيره فقال: يا رسول الله تهدم البناء وغرق المال، ادع الله لنا.
فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وقال: "اللهم حوالينا ولا علينا" قال: فما جعل يشير بيده إلى ناحية من السماء إلا انفرجت حتى صارت المدينة في مثل الجوبة، حتى سال الوادي وادي قناة شهراً فلم يجيء أحد من ناحية إلا حدث بالجود3، أخرجاه في الصحيحين.
وعن جابر بن عبد الله قال: كان جذع يقوم عليه النبي صلى الله عليه وسلم فلما وضع له المنبر سمعنا للجذع مثل أصوات العشار حتى نزل النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليه4 رواه البخاري.
وقد روى محمد بن سعد عن أشياخ له أن قريشاً لما تكاتبت على بني هاشم حين أبوا أن يدفعوا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا تكاتبوا أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يخالطوهم في شيء ولا يكلموهم فمكثوا ثلاث سنين في شعبهم محصورين، ثم أطلع الله نبيه على أمر صحيفتهم، وأن الآكلة قد أكلت ما كان فيها من جور أو ظلم، وبقي فيه ما كان من ذكر الله.
فذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طالب فقال أبو طالب أحق ما تخبرني به يا ابن أخي؟ قال: "نعم والله".
فذكر ذلك أبو طالب لإخوته وقال: والله ما كذبني قط، قالوا: فما ترى؟ قال: أرى أن تلبسوا أحسن ثيابكم وتخرجوا إلى قريش فنذكر ذلك لهم قبل أن يبلغهم الخبر فخرجوا حتى دخلوا المسجد، فقال أبو طالب: إنا قد جئنا لأمر فأجيبوا فيه.
قالوا: مرحباً بكم وأهلاً.
قال: إن ابن أخي قد أخبرني ولم يكذبني قط أن الله قد سلط على صحيفتكم التي كتبتم الأرضة فلحست كل ما كان فيها من جور أو ظلم أو قطيعة رحم، وبقي فيها كل ما ذكر به الله، فإن كان ابن أخي صادقاً نزعتم عن سوء رأيكم، وإن كان كاذاباً دفعته إليكم فقتلتموه أو استحييتموه إن شئتم.
قالوا أنصفتنا، فأرسلوا إلى الصحيفة فلما فتحوها إذا هي كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسقط في أيدي القوم ثم نكسوا على رؤوسهم، فقال أبو طالب: هل تبين لكم من أولى بالظلم والقطيعة؟ فلم يراجعه أحد منهم، ثم انصرفوا.
ذكر طرف من أخباره بالغائبات صلى الله عليه وسلم: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله" 1 أخرجاه في الصحيحين.
وعنه قال شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر فقال لرجل ممن يدعي الإسلام: " هذا من أهل النار".
فلما حضرنا القتال قاتل الرجل قتالاً شديداً فأصابه جراحة، فقيل: يا رسول الله، الرجل الذي قلت من أهل النار قاتل قتالاً شديداً وقد مات.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النار.
وكاد بعض القوم يرتاب، فبينما هم على ذلك إذ قيل إنه لم يمت ولكن به جراح شديد، فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: " الله أكبر أشهد أني عبد الله ورسوله".
ثم أمر بلالاً فنادى في الناس: "أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة وأن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر" 2 أخرجاه في الصحيحين.
وعن عبد الله بن مسعود قال: انطلق سعد بن معاذ معتمراً فنزل على أمية بن خلف، وكان أمية إذا انطلق إلى الشام فمر بالمدينة نزل على سعد، فقال أمية لسعد انتظر حتى إذا انتصف النهار وغفل الناس انطلقت فطفت.
فبينا سعد يطوف إذا أبو جهل قال: من يطوف بالكعبة؟ فقال أنا سعد.
فقال أبو جهل: تطوف بالكعبة آمناً وقد آويتم محمداً وأصحابه؟ قال: نعم.
فتلاحيا بينهما، فقال أمية لسعد: لا ترفع صوتك على أبي الحكم فإنه سيد أهل الوادي.
ثم قال سعد: والله لئن منعتني أن أطوف بالبيت لأقطعنك متجرك بالشام.
قال: فجعل أمية يقول لسعد: لا ترفع صوتك.
وجعل يمسكه فغضب سعد فقال: دعنا عنك فإني سمعت محمداً صلى الله عليه وسلم يزعم أنه قاتلك.
قال: إياي؟ قال: نعم، قال: والله ما نكذب محمداً إذا حدث.
فرجع إلى امرأته فقال: أما تعلمين ما قال لي أخي اليثربي؟ قالت: وما قال لك؟ قال: زعم أن محمداً يزعم أنه قاتلي، قالت فوالله ما يكذب محمد.
قال: فلما خرجوا إلى بدر وجاء الصريخ قالت له امرأته: أما ذكرت ما قال لك أخوك اليثربي؟ قال: فأراد أن لا يخرج.
فقال له أبو جهل: إنك من أشراف الوادي فسر معنا يوماً أو يومين فسار معهم فقتله الله.
وعن أنس قال: كنا مع عمر بين مكة والمدينة فتراءينا الهلال، وكنت حديد البصر فرأيته، فجعلت أقول لعمر: أما تراه؟ فقال: سأراه وأنا مستلق على فراشي.
ثم خذ يحدثنا عن أهل بدر، قال: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرينا مصارعهم بالأمس، يقول: "هذا مصرع فلان غداً إن شاء الله، وهذا مصرع فلان غداً إن شاء الله".
قال: فجعلوا يصرعون عليها.
قال: قلت والذي بعثك بالحق ما أخطأت رؤيتك، كانوا يصرعون عليها، ثم أمر بهم فطرحوا في بئر فانطلق إليهم فقال: " يا فلان، يا فلان، هل وجدتم ما وعدكم الله حقاً فإني وجدت ما وعدني الله حقاً؟ " فقال عمر: يا رسول الله أتكلم قوماً قد جيفوا فقال: " ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكن لا يستطيعون أن يجيبوا" انفرد بإخراجه مسلم.
ذكر طرف مما لاقى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين وهو صابر: كان أبو طالب يدافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أتت لرسول الله صلى الله عليه وسلم تسع وأربعون سنة وثمانية أشهر وأحد عشر يوماً مات عمه أبو طالب للنصف من شوال في السنة العاشرة من المبعث، وهو ابن بضع وثمانين سنة، وتوفيت بعده خديجة بشهر وخمسة أيام، ويقال بثلاثة أيام فحسب، وهي ابنة خمس وستين سنة، وكانت قريش تكف بعض أذاها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات أبو طالب، فلما مات بالغوا في أذاه، فلما ماتت خديجة أقام بعدها ثلاثةأشهر، ثم خرج هو وزيد بن حارثة إلى الطائف فأقام بها شهراً ثم رجع إلى مكة في جوار المطعم بن عدي وما زال يلقى الشدائد.
وعن عبد الله قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا على قريش غير يوم واحد، فإنه كان يصلي ورهط من قريش جلوس وسلى جزور قريب منه، فقالوا من يأخذ هذا السلى فيلقيه على ظهره؟ قال فقال عقبة بن أبي معيط: أنا.
فأخذه فألقاه على ظهره.
فلم يزل ساجداً حتى جاءت فاطمة صلوات الله عليها فأخذته عن ظهره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم عليك الملأ من قريش، اللهم عليك بعتبة بن ربيعة، اللهم عليك بشيبة بن ربيعة، اللهم عليك بأبي جهل بن هشام، اللهم عليك بعقبة ابن أبي معيط، اللهم عليك بأبي بن خلف أو أمية بن خلف" 1.
قال عبد الله: فلقد رأيتهم قتلوا يوم بدر جميعاً ثم سحبوا إلى القليب غير أبي أو أمية فإنه كان جلاً ضخماً فتقطع أخرجاه في الصحيحين.
وعن عروة إن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حدثته أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم كان أشد عليك من يوم أحد؟ قال: " لقد لقيت من قومك ما لقيت وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً 2" أخرجاه في الصحيحين.
وعنه قال3 قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص: أخبرني بأشد شيء صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: بينا النبي صلى الله عليه وسلم بفناء الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فأخذ بمنكب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولوى ثوبه في عنقه فخنقه به خنقاً شديداً فأقبل أبو بكر فأخذ بمنكبه ودفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ} غافر: 28 .
فصل فلما أتت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خمسون سنة وثلاثة أشهر قدم عليه جن نصيبين فأسلموا.
فلما أتت له إحدى وخمسون سنة وتسعة أشهر أسري به.
ذكر معراجه صلى الله عليه وسلم: عن أنس بن مالك بن صعصعة رضي الله عنهما أن نبي الله صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسري به، قال: "بينما أنا في الحطيم وربما قال في الحجر مضجعاً، إذ أتاني آتٍ فجعل يقول لصاحبه: الأوسط بين الثلاثة.
قال: فأتاني وقعد".
قال: وسمعت قتادة يقول: " فشق ما بين هذه إلى هذه".
قال قتادة: فقلت للجارود وهو إلى جنبي ما يعني به؟ قال: من ثغرة نحره إلى شعرته وسمعته يقول من قصة إلى شعرته، قال: "فاستخرج قلبي، قال فأتيت بطست من ذهب مملوءة إيماناً فغسل قلبي ثم حشى ثم أعيد ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض"، قال: فقال له الجارود: أهو البراق يا أبا حمزة؟ قال: أنس: نعم يقع خطوه عند أقصى بصره.
قال: "فحملت عليه فانطلق بي جبريل صلى الله عليه وسلم حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم قيل: مرحباً به فنعم المجيء جاء، ففتح فلما خلصت فإذا فيها آدم فقال: هذا أبوك آدم فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام ثم قال: مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح.
ثم صعد حتى أتى بي السماء الثانية فاستفتح فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: أو قد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحباً به فنعم المجيء جاء قال: ففتح، فلما خلصت إذا يحيى وعيسى وهما ابنا خاله قال: هذا يحيى وعيسى فسلم عليهما، قال: فسلمت، فردا السلام ثم قالا مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح.
ثم صعد بي حتى إلى السماء الثالثة فاستفتح فقيل: من هذا؟ قال: جبريل قيل: ومن معك؟ قال: محمد قيل: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم قيل: مرحباً به ونعم المجيء جاء.
قال: ففتح، فلما خلصت إذا يوسف، قال: هذا يوسف فسلم عليه، قال فسلمت عليه فرد السلام ثم قال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح.
ثم صعد بي حتى أتى السماء الرابعة فاستفتح فقيل: من هذا؟ قال جبريل قيل: ومن معك: قال: محمد قيل: أوقد أرسل إليه؟ قال نعم.
قيل: مرحباً به ونعم المجيء جاء، قال: ففتح، فلما خلصت إذا إدريس قال: هذا إدريس فسلم عليه، قال: فسلمت عليه فرد السلام ثم قال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح.
قال: ثم صعد حتى أتى السماء الخامسة فاستفتح فقيل: من هذا؟ قال: جبريل قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: أوقد أرسل إليه؟ قال نعم، قيل: مرحباً به ونعم المجيء جاء، قال ففتح، فلما خلصت قال: فإذا أنا بهارون قال: هذا هارون فسلم عليه قال: فسلمت عيله فرد السلام ثم قال مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح.
قال: ثم صعد بي حتى أتى السماء السادسة فاستفتح قيل: من هذا؟ قال جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد قيل أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل مرحباً به ونعم المجيء جاء.
ففتح فلما خلصت قال فإذا أنا بموسى قال: هذا موسى فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام ثم قال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح.
قال: فلما تجاوزت بكى فقيل: وما يبكيك؟ قال أبكي لأن غلاماً بعث بعدي، يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخلها من أمتي.
قال ثم صعد حتى السماء السابعة فاستفتح فقيل من هذا قال جبريل فقيل: من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل: أو قد أرسل إليه قال نعم قيل: مرحباً به ونعم المجيء جاء.
قال: ففتح، فلما خلصت فإذا إبراهيم قال: هذا إبراهيم فسلم عليه.
قال فسلمت عليه فرد السلام ثم قال: مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح.
قال ثم رفعت إلى سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجر وإذا أوراقها مثل اذان الفيلة.
قال: هذه سدرة المنتهي.
قال، فإذا أربعة انهار، نهران باطنان ونهران ظاهران.
قلت: ما هذا يا جبريل قال أما الباطنان فنهران في الجنة، وأما الظاهران فالنيل والفرات.
قال ثم رفع إلى البيت المعمور".
قال قتادة وحدثنا عن أبي هريرة عن النبي.
صلى الله عليه وسلم أنه أُري البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون فيه.
ثم رجع إلى حديث أنس، قال: ثم أتيت باناء من خمر، واناء من لبن، واناء من عسل،قال: فأخذت اللبن قال: هذه الفطرة أنت عليه وأمتك.
قال ثم فرضت علي الصلاة خمسين صلاة كل يوم.
قال: فرجعت فمررت على موسى فقال: بمَ أمرت؟ قلت: أمرت بخمسين صلاة كل يوم.
قال إن أمّتك لا تستطيع خمسين صلاة، وإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك عز وجل وسله التخفيف لأمتك.
قال فرجعت فوضع عني عشراً، فرجعت إلى موسى فقال بما أمرت؟ قلت: بأربعين صلاة كل يوم، قال إن أمتك لا تستطيع أربعين صلاة كل يوم وإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك.
قال: فرجعت فوضع عني عشراً آخر، فرجعت إلى موسى فقال: بما أمرت؟ قلت: أمرت بثلاثين صلاة كل يوم قال إن أمتك لا تستطيع ثلاثين صلاة كل يوم وإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك قال فرجعت فوضع عني عشراً آخر فرجعت إلى موسى فقال: بمَ أمرت؟ قلت: أمرت بعشرين صلاة كل يوم.
قال: إن أمتك لا تستطيع عشرين صلاة كل يوم فإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك عز وجل فاسأله التخفيف لأمتك.
قال: فرجعت فأمرتَ بعشر صلوات كل يوم.
فرجعت إلى موسى فقال: بم أمرت؟ قلت: بعشر صلوات كل يوم قال إن أمتك لا تستطيع عشر صلوات كل يوم وإني خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك عز وجل فاسأله التخفيف لأمتك.
قال: فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم قال إن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم وإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل اشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف إلى أمتك قال قلت: قد سألت ربي حتى استحييت ولكني أرضى وأسلم.
فلما نفذت ناداني منادً قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي" 1 أخرجاه في الصحيحين".
عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله.
صلى الله عليه وسلم: "رأيت ربي تبارك وتعالى" 2 رواه الإمام أحمد.
ذكر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بالهجرة إلى أرض الحبشة: لما اظهر رسول الله.
صلى الله عليه وسلم الإسلام اظهر له المشركون له العداوة فمنعه الله بعمه أبي طالب وأمر أصحابه بالخروج إلى أرض الحبشة وقال لهم إن بها ملكاً لا يظلم الناس ببلاده فتحرزوا عنده حتى يأتيكم الله بفرج منه فهاجر جماعة واستخفى اخرون بإسلامهم وكان جملة من خرج إلى أرض الحبشة ثلاثة وثمانين رجلا وإحدى عشرة امرأة قريشة وسبع غرائب.
فلما سمعوا بمهاجر رسول الله.
صلى الله عليه وسلم إلى المدينة رجع منهم ثلاثة وثلاثون رجلاً وثمان نسوة.
فمات منهم رجلان بمكة، وحبس منهم سبعة، وشهد منهم بدراً أربعة وعشرون.
فلما كانت سنة سبع من الهجرة كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي يدعوه إلى الإسلام فأسلم وكتب إليه أن يزوجه بأم حبيبة وان يبعث إليه من بقي من أصحابه ففعل.
فقدموا المدينة فوجدوا رسول الله.
صلى الله عليه وسلم قد فتح خيبر.
ذكر مقدرا إقامة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد النبوة: اختلفوا في ذلك فروى ربيعة عن أنس، وأبو سلمة عن ابن عباس: أنه أقام عشر سنين.
وهو قول عائشة وسعيد بن لامسيب.
وروي عن ابن عباس أنه أقام خمس عشرة سنة.
عن ابن عباس قال: أقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة خمس عشرة، سبع سنين يرى الضوء ويسمع الصوت، وثماني توحى إليه.
والصحيح ما أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة ثلاث عشرة سنة.
ويحمل قول من قال عشر سنين على مدة إظهار النبوة؛ فإنه لما بعث استخفى ثلاث سنين، ويحمل قول من قال خمس عشرة سنة على مبدأ ما كان يرى قبل النبوة من أعلامها صلى الله عليه وسلم.
ذكر عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه بالموقف على الناس لينصروه: عن جابر بن عبد الله قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه بالموقف ويقول: "ألا رجل يحملني إلى قومه فإن قريشاً منعوني أن أبلغ كلام ربي" 1 رواه الترمذي وعنه قال: مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين يتتبع الناس في منازلهم بعكاظ ومجنة الجنة؟ حتى إن الرجل ليخرج من اليمن أو من مصر كذا قال، فيأتيه قومه فيقولون: إحذر غلام قريش لا يفتنك، ويمشي بين رحالهم وهم يشيرون إليه بالأصابع حتى بعثنا الله له من يثرب فآويناه ونصرناه وصدقناه، فيخرج الرجل منا فيؤمن به ويقرئه القرآن فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه، حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رهط من المسلمين يظهرون الإسلام، ثم ائتمروا جميعاً، فقلنا: حتى متى نترك رسول الله صلى الله عليه وسلم يطرد في جبال مكة ويخاف؟ فرحل إليه منا سبعون رجلاً حتى قدموا عليه في المواسم فواعدناه شعب العقبة واجتمعنا عندها من رجل ورجلين حتى توافقنا فقلنا: يا رسول الله علام نبايعك، قال: "بايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل والنفقة في العسر واليسر وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن تتقوا في الله، ولا تخافوا في الله لومة لائم، وعلى أن تنصروني وتمنعوني إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءك ولكم الجنة".
قال: فقمنا إليه فبايعناه وأخذ بيده أسعد بن زرارة وهو من أصغرهم وقال: رويداً يا أهل يثرب، فأنا لم نضرب أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله، إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة وقتل خياركم وإن تعضكم السيوف، فأما أنتم قوم تصبرون على ذلك وأجركم على الله، وما أنتم قوم تخافون من أنفسكم جبينه فبينوا ذلك فهو أعذر لكم عند الله.
قالوا: أمط عنا يا أسعد فوالله ما ندع هذه البيعة أبداً ولا نسلبها أبداً، قال: فقمنا إليه فبايعناه فأخذ علينا وشرط.
ويعطينا على ذلك الجنة.
ذكر العقبة وكيف جرى1: قال ابن اسخحق: لما أراد الله تعالى إظهار دينه وإعزاز نبيه وإنجاز موعده خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموسم الذي لقيه في النفر من الأنصار فعرض نفسه على قبائل العرب كما كان يصنع في كل موسم، فبينما هو عند العقبة لقي رهطاً من الخزرج فذكروا أنه قال لهم: " ممن أنتم؟ " قالوا له: من الخزرج: قال " أفلا تجلسون أكلمكم؟ " قالوا بلى، فجلسوا معه فدعاهم إلى الله تعالى وعرض عليهم الإسلام وتلا عليهم القرآن، وقد كانوا يسمعون من اليهود أن نبياً مبعوثاً قد أظل زمانه، فقال بعضهم لبعض والله يا قوم إن هذا النبي الذي تعدكم به اليهود فلا يسبقنكم إليه.
فأجابوه وهم فيما يزعمون ستة: أسعد بن زرارة، وعوف بن مالك وهو ابن عفراء، ورافع بن مالك بن العجلان، وقطبة بن عامر بن حديدة، وعقبة بن عامر بن نابى، وجابر بن عبد الله بن رئاب.
فلما انصرفوا إلى بلادهم وقد آمنوا ذكروا لقومهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوهم إلى الإسلام حتى فشا فيهم، فلم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حتى إذا كان العام المقبل أتى الموسم اثنا عشر رجلاً من الأنصار فلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقبة وهي العقبة الأولى، فبايعوه بيعة النساء قبل أن تفترض الحرب، وفيهم عبادة بن الصامت، قال عبادة: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة الأولى على أن لا نشرك بالله شيئاً ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيه في معروف، وذلك قبل أن نفترض الحرب فإن وفيتم بذلك فلكم الجنة وإن غشيتم شيئاً فأمركم إلى الله، إن شاء غفر وإن شاء عذب.
فلما انصرف القوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معهم مصعب بن عمير إلى المدينة يفقه أهلها ويقرهم القرآن، فنزل على أسعد بن زرارة، فكان يسمى بالمدينة المقريء فلم يزل يدعو الناس إلى الإسلام حتى شاع الإسلام، ثم رجع مصعب إلى مكة قبل بيعة العقبة الثانية.
قال كعب بن مالك: خرجنا في الحجة التي بايعنا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقبة مع مشركي قومنا، فواعدنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة أواسط أيام التشريق، ونحن سبعون رجلاً، ومعهم امرتان فلما كانت الليلة التي واعدنا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم نمنا أول الليل مع قومنا فلما استثقل الناس من النوم تسللنا من فراشنا تسلل القطا حتى اجتمعنا بالعقبة فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه عمه العباس ليس معه غيره، فقال العباس: يا معشر الخزرج.
إن محمداً منا حيث قد علمتم، وهو في منعة من قومه وبلاده وقد أبى غلا الانقطاع إليكم فإن كنتم تخشون من أنفسكم خذلاناً فاتركوه في قومه فإنه في منعة من عشيرته وقومه.
فقلنا: قد سمعنا ما قلت، تكلم يا رسول الله، فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا إلى الله ورغب إلى الإسلام وتلا القرآن فأجبناه بالإيمان به والتصديق له وقلنا له: يا رسول خذ لربك ولنفسك، قال: إني أبايعكم على أن تمنعوني مما منعتم منه أبناءكم ونساءمكم، فأجابه البراء بن معرور فقال: نعم والذي بعثك بالحق مما نمنع منه أزرنا، فبايعنا يا رسول الله فنحن والله أهل الحروب وأهل الحلقة ورثناها كابراً عن كابر.
فعرض في الحديث ابو الهيثم بن التيهان فقال: يا رسول الله إن بيننا وبين أقوام جبالاً وإنا قاطعوها، فهل عسيت إن أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ فقال رسول الله: " بل الدم الدم والهدم الهدم أنا منكم وأنتم مني، أسالم من سالمتم وأحارب من حاربتم".
فقال له البراء بن معرور: ابسط يدك يا رسول الله نبايعك.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيباً فأخرجوهم وهم أسعد بن زرارة وعبد الله بن عمرو بن حزام، وسعد بن عبادة، والمنذر بن عمرو، ورافع بن مالك بن العجلان، وعبد الله بن رواحة، وسعد بن الربيع وعبادة بن الصامت، وأسيد بن حضير، وأبو الهيثم بن التيهان، وسعد بن خيثمة.
فأخذ البراء بن معرور بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب عليها فكان أول من بايع وتتابع الناس فبايعوا.
قال ابن اسحق: فلما أيقنت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بويع وأمر أصحابه أن يلحقوا بالمدينة، توامروا بينهم فقالوا: والله لكأنه قد كر عليكم بالرجال فاثبتوه أو اقتلوه أو اخرجوه، فاجتمعوا على قتله، وأتاه جبريل وأمره أن لا يبيت في مكانه الذي يبيت فيه، فبات في غيره فلما أصبح أذن له في الخروج إلى المدينة.
وعن ابن عباس في قوله: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ} الأنفال: 30 قال: تشاورت قريش ليلة بمكة فقال بعضهم: إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق، يريدون النبي صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم: بل اقتلوه، وقال بعضهم بل اخرجوه، فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ذلك فبات علي عليه السلام على فراش النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى لحق بالغار، وبات المشركون يحرسون علياً يحسبونه النبي صلى الله عليه وسلم.
فلما أصبحوا ثاروا إليه فلما رأوا عليا رد الله مكرهم فقالوا: أين صاحبك؟ قال: لا أدري، فاقتفوا أثره.
ذكر هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة: كانت بيعة العقبة في أوسط أيام التشريق وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة لاثنتي ليلة خلت من ربيع الأول.
قال يزيد بن أبي حبيب: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة في صفر وقدم المدينة في ربيع الأول.
قال ابن إسحق: دخلها حين ارتفع الضحى وكادت الشمس تعتدل.
عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين، ولم يمرعلينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشية، فلما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجراً نحو أرض الحبشة حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة هو سيد القارة فقال: أين تريد يا با بكر؟ فقال ابو بكر: أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربي.
قال ابن الدغنة: فإن مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يخرج، أنت تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق فأنا لك جار إرجع واعبد ربك ببلدك فرجع وارتحل معه ابن الدغنة فطاف ابن الدعنة عشية في أشراف قريش فقالهم: إن با بكر لا يخرج مثله ولا يخرج أتخرجون رجلاً يكسب المعدوم ويصل الرحم ويحمل الكل ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق.
فلم تكذب قريش بجوار ابن الدغنة وقالوا لابن الدغنة: مر أبا بكر فليعبد ربه في داره فليصل فيها وليقرأ ما شاء ولا يؤذينا بذلك ولا يستعلن به فأنا نخشى أن يفتن نساءنا وأبناءنا.
فقال ذلك ابن الدغنة لأبي بكر، فلبث أبو بكر بذلك يعبد ربه في داره ولا يستعلن بصلاته ولا يقرأ في غير داره.
ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجداً بفناء داره وكان يصلي فيه ويقرأ القرآن فينقذف عليه نساء المشركين وأبناؤهم وهم يعجبون منه وينظرون إليه.
وكان ابو بكر رجلاً بكاء لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن.
فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين فأرسولا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم فقالوا إنا كنا أجرنا أبا بكر بجوارك على أن يعبد ربه في داره فقد جاوز ذلك فابتنى مسجداً بفناء داره فأعلن بالصلاة والقراءة فيه وإنا قد خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا، فانهه فإن أحب أ، يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل.
وإن أبى إلا أن يعلن بذلك فسله أن يرد إليك ذمتك.
فإنا قد كرهنا أن نخفرك ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان.
قالت عائشة: فأتي ابن الدغنة إلى أبي بكر فقال: قد علمت الذي عاقدت لك عليه، فإما أن تقتصر على ذلك وإما أن ترجع إلي ذمتي فإني لا أحب أن تسمع العرب إني أخفرت في رجل عقدت له، فقال ابو بكر: فإني أردت إليك جوارك وأرضى بجوار الله عز وجل والنبي صلى الله عليه وسلم يومئذ بمكة فقال النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين: "إني أريت دار هجرتكم ذات نخل بين لابتين" وهما الحرتان فهاجر من هاجر قبل المدينة ورجع عامة من كان هاجر بأرض الحبشة إلى المدينة وتجهز ابو بكر قبل المدينة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي".
فقال ابو بكر: وهل ترجو ذلك بأبي أنت.
؟ قال: "نعم".
فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصحبه وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر وهو الخبط أربعة أشهر1.
قال ابن شهاب، قال عروة، قالت عائشة: فبينما نحن جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة قال قائل لأبي بكر: هذا رسول الله متقنعاً في ساعة لم يكن يأتينا فيها، فقال ابو بكر: فداء له أبي وأمي، والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر.
قالت: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذن فأذن له فدخل فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: أخرج من عندك.
فقال ابو بكر: إنما هم أهلك بأبي أنت وأمي يا رسول الله، قال: فإني قد أذن لي في الخروج.
فقال ابو بكر: الصحابة بأبي أنت يا رسول الله.
قال رسول الله نعم.
قال ابو بكر: فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بالثمن".
قالت عائشة: فجهزناهما أحث الجهاز وصنعنا لهما سفرة في جراب فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فربطت به على فم الجراب فبذلك سميت ذات النطاق قالت ثم لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغار في جبل ثور فمكثنا فيه ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر وهو غلام شاب ثقف لقن فيدلج من عندهما بسحر فيصبح مع قريش كبائت فلا يسمع أمراً يكتادان به إلا وعاه، حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى لأبي بكر منحة من غنم فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء فيبيتان في رسل، وهو لبن منحتهما ورضيفهما حتى ينعق بها عامر بن فهيرة بغلس يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث واستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلاً من بني الديل وهو من بني عبد بن عدي هادياً خريتاً والخريت: الماهر بالهداية قد غمس حلفاً في آل العاص بن وائل السهمي وهو على دين كفار قريش فأمناه، فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما صبح ثلاث، وانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل فأخذ بهم طريق السواحل1.
قال ابن شهاب وأخبرني عبد الرحمن بن مالك المدلجي، وهو ابن أخي سراقة ابن جعشم، أن أباه أخبره أنه سمع سراقة بن جعشم يقول: جاءنا كفار قريش يجعلون رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر دية كل واحد منهما لمن قتله أو أسره فبينما أنا جالس في مجلس من مجالس قومي بني مدلج أقبل رجل منهم حتى قام علينا ونحن جلوس فقال: يا سراقة إني قد رأيت آنفاً أسودة بالسواحل أراها محمدا وأصحابه قال سراقة: فعرفت انهم هم فقلت نهم ليسوا بهم ولكنك رأيت فلانا وفلانا انطلقوا بأعيننا، ثم لبثت في المجلس ساعة ثم قمت فدخلت فأمرت جاريتي أن تخرج بفرسي من وراء أكمة فتحبسها علي وأخذت معي رمحي فخرجت به من ظهر البيت فخططت بزّجه الأرض وخفضت عاليهُ حتى اتيت فرسي فركبتها فرفعتها تقرّب بي حتى دنوت منهم فعثرت بي فرسي فخررت عنها فقمت فأهويت يدي إلى كنانتي فاستخرجت منها الأزلام فاستقسمت بها أضرُّهم أم لا فخرج الذي أكره فركبت فرسي، وعصيت الأزلام، تقرب بي حتى إذا سمعت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يلتفت وأبو بكر يكثر الالتفات ساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغتنا الركبتين فخررت عنها ثم زجرتها فنهضت فلم تكد تخرج يديها.
فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها غثان ساطع في السماء مثل الدخان، فاستقسمت بالأزلام فخرج الذي أكره فناديتهم بالأمان فوقفوا فركبت فرسي حتى جئتهم ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: إن قومك قد جعلوا فيك الدية وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم وعرضت عليهم الزاد والمتاع، فلم يرزآني ولم يسألاني إلا أن قال: " أخف عنا".
فسألته أن يكتب لي كتاب أمن، فأمر عامر بن فهيرة فكتب في رقعة من أديم ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن شهاب فأخبرني عروة بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي الزبير في ركب من المسلمين كانوا تجاراً قافلين من الشام فكسا الزبير رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر في ثياب بياض وسمع المسلمين بالمدينة وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة فكانوا يغدون كل غداة إلى الحَرّة فينتظرونه حتى يردهم حرّ الظهيرة فانقلبوا يوماً بعدما أطالوا انتظارهم فلما أووا إلى بيوتهم أوفى رجل من يهود على أطم من آطامهم لأمر ينظر إليه، فبصر برسول الله.
صلى الله عليه وسلم وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب، فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته: يا معاشر العرب هذا جدّكم الذي تنتظرونه فثار المسلمون إلى السلاح فتلقوا رسول الله.
صلى الله عليه وسلم بظهر الحرّة، فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في بني عمر بن عوف، وذلك يوم الاثنين من شهر ربيع الأول فقام أبو بكر للناس، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم صامتاً، فطفق من جاء من الأنصار ممن لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم يحيي أبا بكر حتى أصابت الشمس رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل أبو بكر حتى ظل عليه بردائه، فعرف الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك فلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة، وأسس المسجد الذي أسس على التقوى، وصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ركب راحلته فسار يمشي معه الناس حتى بركت عند مسجد الرسول بالمدينة وهو يصلي فيه يومئذ رجال من المسلمين وكان مربداً للتمر لسهيل وسهل.
غلامين يتيمينفي حجر أسعد بن زرارة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الغلامين فساومهما بالمربد ليتخذه مسجداً"فقالا بل نهبه لك يا رسول الله فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقبله منهما هبة حتى ابتاعه منهما ثم بناه مسجداً وطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل معهم اللبن في بنيانه ويقول: "هذا الحمال لا حمال خيبر ... هذا أبر ربنا وأطهر" ويقول: "اللهم إن الأجر أجر الآخرة ... فاغفر للأنصار والمهاجرة" فتمثل بشعر رجل من المسلمين لم يسم لي.
قال ابن شهاب: ولم يبلغنا في الأحاديث أن رسول الله.
صلى الله عليه وسلم تمثل ببت شعرٍ تام غير هذه الأبيات1.
انفرد باخراجه البخاري.
وعن البراء بن عازب قال اشترى أبو بكر من عازب سرجا بثلاثة عشر درهما قال فقال أبو بكر مر البراء فليحمله إلى منزلي فقال لا حتى تحدثنا كيف صنعت حين خرج رسول الله.
صلى الله عليه وسلم وأنت معه قال فقال أبو بكر خرجنا فادلجنا فاجتثثنا يومنا وليلنا حتى أظهرنا وقام قائم الظهيرة فضربت ببصري هل نرى ظلا نأوي إليه فإذا أنا بصخرة فأويت إليها فإذا بقية ظلها فسويته لرسول الله.
صلى الله عليه وسلم وفرشت له فروة وقلت اضجع يا رسول الله.
صلى الله عليه وسلم فاضجع ثم خرجت انظر هل أرى أحداً من الطلب فإذا أنا براعي غنم فقلت لمن أنت يا غلام فقال لرجل من قريش فسماه فعرفته فقلت هل في غنمك من لبن قال نعم قال قلت هل أنت حالب لي قال نعم فأمرته فاعتقل شاة منها ثم امرته فنفض ضرعها من الغبار ثم أمرته فنفض كفيه من الغبار ومعي أدواة على فمها خرقة فحلب لي كثبة من اللبن فصببت على القدح حتى برد أسفله ثم أتيت رسول الله فوافيته وقد استيقظ فقلت اشرب يا رسول الله فشرب حتى رضيت ثم قلت هل أنى الرحيل فارتحلنا والقوم يطلبوننا فلم يدركنا أحد منهم إلا سراقة بن مالك بن جعشم على فرس له فقلت يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا فقال: {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} حتى إذا دنا منا وكان بيننا وبينه قيد رمح أو رمحين أو ثلاثة قلت يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا وبكيت فقال: لماذا تبكي؟ قال قلت أما والله ما على نفسي أبكي ولكني أبكي عليك، قال فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " اللهم اكفناه بما شئت" فساخت قوائم فرسه إلى بطنها في أرض ووثب عنها وقال يا محمد قد علمت أن هذا عملك فادع الله عز وجل أن ينجيني مما أنا فيه فوالله لأعمين على من ورائي من الطلب وهذه كنانتي فخذ منها سهما فإنك ستمر بإبلي وغنمي في موضع كذا وكذا فخذ منها حاجتك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا حاجة لي فيها" قال: ودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطلق ورجع إلى أصحابه ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه حتى قدمنا المدينة فتلقاه الناس فخرجوا في الطرق وعلى الأناجير واشتد الخدم والصبيان في الطريق: الله أكبر جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء محمد قال: وتنازع القوم أيهم ينزل عليه قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنزل الليلة على بني النجار أخوال عبد المطلب لأكرمهم بذلك" فلما أصبح غدا حيث أمر.
قال البراء بن عازب: أول من قدم علينا ابن أم مكتوم الأعمى أخو بني فهر ثم قدم علينا عمر بن الخطاب في عشرين راكبا فقلنا: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هو على اثري ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر قال البراء: ولم يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قرأت سورا من المفصل.
أخرجاه في الصحيحين.
وعن أنس أن أبا بكر حدثه قال: قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الغار لو أن أحدهم نظر إلى تحت قدميه لأبصرنا تحت قدميه.
فقال أبا بكر: " ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ " 1 أخرجاه في الصحيحين.
حديث أم معبد2.
عن أبي معبد الخزاعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر من مكة إلى المدينة هو وأبو بكر وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر ودليلهم عبد الله بن أُرَيْقِط الليثي فمروا بخيمتي أم معبد الخزاعية وكانت امرأة جلدة برزة تحتبي وتقعد بفناء الخيمة تسقي وتطعم فسألوها تمرا ولحما يشترون فلم يصيبوا عندها شيئا من ذلك فإذا القوم مرملون مسنتون فقالت: والله لو كان عندنا شيء ما أعوزكم القرى فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة في كسر الخيمة فقال: وما هذه الشاة يا أم معبد قالت: هذه شاة خلّفها الجهد عن الغنم فقال: هل بها من لبن؟ قالت: هي أجهد من ذلك.
قال: أتأذنين لي أن أحلبها قالت نعم بأبي وأمي إن رأيت بها حلباً.
فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشاة فمسح ضرعها وذكر اسم الله وقال: اللهم بارك لها في شاتها.
قال فتفاجت ودرت واجترت فدعا باناء لها يُربض الرهط فحلب فيه ثجا حتى غلبه الثمال فسقاها فشربت حتى رويت وسقى أصحابه حتى رووا وشرب رسول الله.
صلى الله عليه وسلم آخرهم وقال: ساقي القوم آخرهم شرباً فشربوا جميعا عللاً بعد نهل حتى اراضوا ثم حلب فيه ثانياً عوداً على بدء فغادره عندها حتى ارتحلوا عنها فقلما لبثت حتى جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزاً حيلاً عجافاً هزلى ما تسأوق مخُّهن قليل لا نقى بهن فلما رأى اللبن عجب فقال: من أين لك هذا والشاة عازبة ولا حلوبة في البيت؟ قالت لا والله إلا أنه مر بنا رجل مبارك كان من حديثه كيت وكيت.
قال: والله إني لأراه صاحب قريش الذي يطلب، صفيه لي يا أم معبد؟ قالت: رأيت رجلا ظاهر الوضاءة متبلج الوجه، حسن الخلق لم تعبه ثجلة، ولم تزر به صعلة وسيم، قسيم، في عينيه دعج، وفي أشفاره وطف، وفي صوته صحل، أحور أكحل، أزجّ أقرن، شديد سواد الشعر، في عنقه سطع، وفي لحيته كثاثة، إذا صمت فعليه الوقار وإذا تكلم سما وعلاه البهاء وكأن منطقه خرزات عقد يتحدرن، حلو المنطق فصل، لا نزر ولا هذر أجهر الناس وأجملهم من بعيد وأحلاهم وأحسنهم من قريب ربعه لا تشنؤه من طول، ولا تقتحمه عين من قصر، غصن بين غصنين، فهو أنظر الثلاثة منظراً وأحسنهم قدراً له رفقاء يحفّون به إذا قال استمعوا لقوله وإن أمر تبادروا إلى أمره محفود محشود لا عابس ولا مفند.
قال هذا والله صاحب قريش الذي ذُكر لنا من أمره ما ذكر ولو كنت وافقته لالتمست أن أصحبه ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا.
وأصبح صوت بمكة عالياً بين السماء والأرض يسمعونه ولا يرى من يقوله وهو يقول: جزى الله ربُّ الناسِ خيرَ جَزَائِه ... رفيقين حلاً خيمتي أم معبد هما نزلا بالبر وارتحلا به ... فافلح من أمسى رفيق محمد فيالَ قصي، ما زوى الله عنكم ... به من فعال لا تجازى وسودد سلوا اختكم عن شاتها وانائها ... فانكم ان تسألوا الشاة تشهد دعاها بشاة حائل فتحلبت ... له بصريح ضرةُ الشاة مزبدفغادره رهناً لديها لحالب ... بدرتها من مصدر ثم مورد فأصبح القوم وقد فقدوا نبيهم، وأخذوا على خيمتي أم معبد حتى لحقوا النبي صلى الله عليه وسلم قال فأجابه حسان بن ثابت يقول: لقد خاب قوم زال عنهم نبيهم ... وقُدِّس من يَسرِي إليه ويغتدي تَرَحَّلَ عن قوم فزالت عقولهم ... وحل على قوم بنور مجَّدد فهل يستوي ضلال قوم تسكعوا ... عمى وهداةٌ يهتدون بمهتد نبي يرى ما لا يرى الناسُ حوله ... ويتلو كتاب الله في كل مشهد فإن قال في يوم مقالة غائب ... فتصديقها في ضحوة اليوم أو غد ليهن أبا بكر سعادةُ جدِِه ... بصحبته، من يسعد الله يسعد ويَهنُ بني كعب مكانُ فتاتهم ... ومقعدها للمسلمين بمرصد قال عبد الملك بن مروان فبلغنا أن أم معبد هاجرت إلى النبي.
صلى الله عليه وسلم وأسلمت.
تفسير غريب للحديث: البرزة: الكبيرة والمرملون الذين نفد زادهم، ومستون من السنة وهي الجدب، وكسر الخيمة: جانبها، والجهد المشقة، وتفاجت: فتحت ما بين رجليها للحلب ويربض الرهط: يثقلهم فيربضوا والثج: السيلان، والثمال: الرغوة، وقوله عللاً بعد نهل، أي مرة بعد اخرى، حتى أراضوا: أي رووا، والحيل: اللواتي لسن بحوامل والنقى المخ، والشاة عازب: أي بعيدة في المرعى، متبلج الوجه مُشرقُهُ، والثجلة: عظيم البطن واسترخاء أسفله: والصعلة: صغر الرأس، والوسيم الحسن، وكذلك القسيم، والدعج السواد في العين، والوطف: الطول في هدب العين، والصّحل كالبحة والأحور: الشديد سواد أصول أهداب العين خلقة، والأزج من الزجج وهو دقه الحاجبين وحسنهما، والأقرن: المقرون الحواجب والسطع: الطول، وقولها "إذا تكلم سما "تريد علا رأسه أو يده وقولها "لا نزر ولا هذر "تريد أنه ليس بقليل ولا كثير، وقولها لا تقتحمه عين من قصر أي لا تحتقره، والمحفود: المخدوم، والمحشود من قولك احتشدت لفلان في كذا إذا أعددت له وجمعت وقولها: ليس بعابس الوجه ولا فيه أثر هرم، والفند الهرم، والصريح الخالص، والضرّة لحم الضرع.
ذكر ما جرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة: قال الزهري: نزل رسول الله.
صلى الله عليه وسلم في بني عمرو بن عوف بقباء، فأقام فيهم بضع عشرة ليلة وقال عروة: مكث بقباء ثلاث ليال، ثم ركب يوم الجمعة فمر على بني سالم فجمع بهم، وكانت أول جمعة صلاها حين قدم المدينة.
ثم ركب في بني سالم قمرت الناقة حتى بركت في بني النجار على دار أبي أيوب الأنصاري فنزل عليه في سفل داره وكان أبو أيوب في العلو حتى ابتنى رسول الله.
صلى الله عليه وسلم مسجداً ومساكنه.
عن عائشة قالت: قدم النبي.
صلى الله عليه وسلم المدينة وهي وبيئة فمرض أبو بكر فكان إذا أخذته الحمى يقول: كل امرئ مصبح في رحله ... والموت أدنى من شراك نعله وكان بلال إذا أخذته الحمى يقول: ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بوادٍ وحولي اذخِرٌ وجليل؟ وهل أرِدن يوماً مياه مجنَّة ... وهل يبدون لي شامة وطفيل؟ اللهم إلعن شيبة بن ربيعة، وأمية بن خلف كما اخرجونا من مكة.
فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لقوا قال: "اللهم حبّب الينا المدينة كحبّنا مكة أو أشد، اللهم صححها وبارك لنا في صاعها ومدها وانقل حماها إلى الجحفة".
قالت فكان المولود يولد بالجحفة فما يبلغ الحلم حتى تصرعه الحمى1 أخرجاه في الصحيحين.
ذكر عمومة رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال ابن السائب: هم أحد عشر الحارث والزبير وأبو طالب وحمزة وأبو لهب والغيداق والمقوّم وضرار والعباس وقثم وجحل، واسم جحل المغيرة وقال غيره هم عشرة ولم يذكر قثم، وقال اسم الغيداق جحل.
ذكر عماته صلى الله عليه وسلم: وهن ستٌ أم حكيم وهي البيضاء وبرّة وعاتكة وصفية وأروى وأميمة، فأما صفية فأسلمت من غير خلاف، وأما عاتكة وأروى فقال محمد بن سعيد: أسلمتا وهاجرتا إلى المدينة.
وقال آخرون: لم تسلم منهن إلا صفية.
ذكر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: خديجة بنت خويلد، وسودة بنت زمعة، وعائشة بنت أبي بكر، وحفصة بنت عمر، وأم سلمة، واسمها هند بنت أبي أمية، أم حبيبة واسمها رملة بنت أبي سفيان، زينب بنت جحش أمها أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت خُزيمة ابن الحارث بن أبي ضرار، صفية بنت حُيي بن أخطبُ، وميمونة بنت الحارث بن حزن.
وقد تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من النساء فلم يدخل بهنَّ وخطب جماعة فلم يتم النكاح، ويقال: إن أم شريك وهبت نفسها للنبي.
ذكر سراري رسول الله صلى الله عليه وسلم: مارية القبطية بعث بها إليه المقوقس، ريحانة بنت زيد، ويقال أنه تزوجها، وقال الزهري: استسرّها ثم اعتقها فلحقت بأهلها وقال أبو عبيدة كان له أربع مارية وريحانة وأخرى جميلة أصابها في السبي، وجارية وهبتها له زينب بنت جحش.
ذكر أولاده صلى الله عليه وسلم: أما الذكور فالقاسم: وبه كان يكنى صلى الله عليه وسلم وهو أول من مات من أولاده وعاش سنتين.
عبد الله: وهو الطاهر والطيب، ولد له في الإسلام.
وقال عروة: ولدت له خديجة: القاسم والطاهر وعبد الله والمطيَّب.
وقال سعيد بن عبد العزيز: كان للنبي صلى الله عليه وسلم.
أربعة غلمة إبراهيم، والقاسم، والطاهر، والمطهر.
قال أبو بكر البرقي: ويقال إن الطاهر هو الطيب وهو عبد الله ويقال إن الطيب والمطيَّب ولدا في بطن، والطاهر والمطهر ولدا في بطن.
إبراهيم أمه مارية القبطية، ولد في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة وتوفي ابن ستة عشر شهراً، وقيل ثمانية عشر شهراً ودُفِن بالبقيع.
الإناث من أولاده صلى الله عليه وسلم: فاطمة عليها السلام ولدت قبل النبوة بخمس سنين زينب تزوجها ابو العاص بن الربيع رقية وأم كلثوم تزوجهما عثمان بن عفان تزوج ام كلثوم بعد رقية.
وجميع أولاده من خديجة رضي الله عنها سوى إبراهيمذكر موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسلم ويكنى أبا رافع أبو رافع آخر والد البهي احمر أسامة بن زيد افلح أنسه ويكنى أبا مسروح أيمن ابن أم أيمن ثوبان ويكنى أبا عبد الله ذكوان ويقال هو مهران وقيل طهمان رافع رباح الأسود زيد بن حارثة زيد بن بولا سابق سالم سلمان الفارسي سليم ويكنى أبا كبشة وقيل اسمه أوس سعيد أبو كندير شقران واسمه صالح ضميرة بن أبي ضميرة عبيد الله بن عبد الغفار فضالة اليماني كيسان مهران ويكنى أبا عبد الرحمن وهو سفينة في قول إبراهيم الحربي وقال غيره اسم سفينة رومان وقيل عيس ومدعم نافع نفيع ويكنى أبا بكرة الثقفي نبيه واقد وردان هشام يسار أبو اثيلة أبو الحمراء أبو السمح أبو ضميرة أبو عبيد واسمه سعيد وقيل عبيد أبو مويهبة أبو واقد.
قال إبراهيم الحربي ليس في موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم عبيد إنما هو أو عبيد وإنما التيمي غلط في الحديث فقال عبيد وذكر ابن ابي خيثمة انهما اثنان عبيد وأبو عبيد.
وفرق الحربي بين رافع وابي رافع فجعلهما اثنين وحكى ابن قتيبة انهما واحد.
وقال ابو بكر بن حزم من غلمان رسول الله صلى الله عليه وسلم كركرة وقال مصعب اهدى إليه المقوقس خصيا اسمه مابورا وذكر محمد بن حبيب الهاشمي من موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم ابو لبابة وأبو لقيط وأبو هند.
ذكر موليات رسول الله صلى الله عليه وسلم: أم أيمن اسمها بركة أميمة خضرة رضوى ريحانة سلمى مارية ميمونة بنت سعد ميمونة بنت ابي عسيب ام ضميرة ام عياش وقيل ام عياش مولاة ابنته رقية.
ذكر مراكبه صلى الله عليه وسلم: كان له فرس يقال له السكب وفرس يقال له المرتجز وهو الذي اشتراه من الأعرابي وشهد فيه خزيمة بن ثابت وربما جعل بعضهم الاسمين لواحد.
وفرس يقال له اللزاز وفرس يقال له الظرب وفرس يقال له الورد وفرس يقال النحيف وبعضهم يقول اللحيف باللام وبعضهم يسمي بعض خيله اليعسوب.
وكان له الناقة القصواء وهي الغضباء وهي الجدعاء وبغلة تسمى الشهباء والدلدل وحمار يقال له اليعفورذكر صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم: عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه سمع أنس بن مالك ينعت رسول الله.
صلى الله عليه وسلم فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربعة من القوم ليس بالقصير ولا بالطويل البائن أزهر ليس بالأدم ولا الأبيض الأمهق رجل الشعر ليس بالسبط ولا الجعد القطط بعث على رأس أربعين أقام بمكة عشرا وبالمدينة عشرا وتوفي على رأس ستين ليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء1 أخرجاه في الصحيحين.
وعنه قال ما مسست حريراً ولا ديباجاً الين من كف النبي.
صلى الله عليه وسلم ولا شممت ريحا قطا وعرفا قط اطيب من ريح أو عرف النبي صلى الله عليه وسلم2 "رواه البخاري".
وقال ابو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قلت للربيع بنت معوذ صفي لي رسول الله.
صلى الله عليه وسلم فقتلن لو رأيته ل رأيت الشمس الطالعة3.
قال إبراهيم بن محمد من ولد علي بن ابي طالب قال كان علي رضي الله عنه إذا وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لم يكن بالطويل الممغط ولا بالقصير المتردد كان ربعة من القوم لم يكن بالجعد القطط ولا بالسبط كان جعدا رجلا ولم يكن بالمهطم ولا بالمتكلثم وكان في وجهه تدوير ابيض مشربا ادعج العينين اهدب الاشفار جليل المشاش والكتد اجرد ذو مسربة ششن الكفين والقدمين إذا مشى تقلع كإنما ينحط من صبب وإذا التفت التفت معا بين كتفيه خاتم النبوة وهو خاتم النبيين اجود الناس صدرا واصدق الناس لهجة والينهم عريكة واكرمهم عشرة من راه بديهة هابه ومن خالطه معرفة احبه يقول ناعته لم ار قبله ولا بعده مثله.
صلى الله عليه وسلم4 رواه الترمذي.
وقال5 سمعت أبا جعفر محمد بن الحسين يقول سمعت الاصمعي يقول الممغط الذاهب طولا والمتردد الداخل بعضه في بعض قصرا واما القطط فشديد الجعودة والرجل الذي في شعره حجونة أي تثن قليل والمطهم البادن الكثير اللحم والمتكلثم المدور الوجه والمثرب الذي في بياضه حمرة والادعج الشديد سواد العين والاهدب الطويل الاشفار والكتد مجتمع الكتفين وهو الكاهل والمسربة الشعر الدقيق الذي كانه قضيب من الصدر إلى السرة والششن الغليظ الاصابع من الكفني والقدمين والتقلع المشي بقوة ووالصبب الحدور تقول انحدرنا في صبوب وصبب وقوله جليل المشاش يريد رؤوس المناكب والعشرة الصحبة والعشير الصاحب والبديهة المفاجأة.
وعن الحسن بن علي قال سألت خالي هند بن ابي هالة وكان وصافا عن حلية النبي.
صلى الله عليه وسلم وانا اشتهي ان يصف لي منها شيئا اتعلق به فقال كان رسول الله.
صلى الله عليه وسلم فخما مفخما يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر اطول من المربوع واقصر من المشذب عظيم الهامة رجل الشعر ان انفرقت عقيقته وفرق والا فلا يجاوز شعره شحمة اذنته إذا هو وفرة ازهر اللون واسع الجبين أزج الحواجب سوابغ في غير قرن بينهما عرق يدره الغضب اقنى العرنين له نور يعلوه يحسبه من لم يتامله اشم كث اللحية سهل الخدين ضليع الفم مفلج الأسنان دقيق المسربة كان عنقه جيد دمية في صفاء الفضة معتدل الخلق بادن متماسك سواء البطن والصدر عريض الصدر بعيد ما بين المنكبين ضخم الكراديس أنور المتجرد موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجري كالخيط عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك اشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر طويل الزندين رحب الراحة شثن الكفين والقدمين سابل الاطراف أو قال: سائل الأطراف خمصان الأخمصين مسيح القدمين ينبو عنهما ينبو عنهما الماء أد زال زال قلعا يخطو تكفيا ويمشي هونا ذريع المشية إذا مشى كإنما ينحط من صبب وإذا التفت التفت جميعا خافض الطرف نظره إلى الأرض اطول من نظره إلى السماء جل نظره للملاحظة يسوق أصحابه ويبدر من لقيه بالسلام قلت: فصِف لي منطقه، قال: كان رسول الله.
صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان دائم الفكرة ليست له راحة، طويل السَّكت، لا يتكلم في غير حاجة، يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه، ويتكلم بجوامع الكلم فصلاً، لا فضول ولا تقصير، ليس بالجافي ولا بالمهين، يعظم النعمة وإن دقت ولا يذم منها شيئا غير أنه لم يكن يذم ذواقا ولا يمدحه، ولا تغضبه الدنيا وما كان لها فإذا تعدى الحق لم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له، ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها، إذاأشار أشار بكفه كلها، وإذا تعجب قلبها، وإذا تحدث اتصل بها وضرب براحته اليمنى بطن إبهامها اليسرى، وإذا غضب أعرض وأشاح، جُلَّ ضحكه التبسم.
قال الحسن: فكتمتها الحسين زمانا ثم حدثته بها فوجدته قد سبقني إليه، فسأله عما سألته عنه، ووجدته قد سأل أباه عن مدخله ومخرجه وشكله فلم يدع منه شيئاً.
قال الحسين: سألت أبي عن دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى منزله جزّأ دخوله ثلاثة أجزاء جزءاً لله وجزءاً لنفسه، وجزءاً لأهله، ثم جزأه بينه وبين الناس، فيرد ذلك بالخاصة على العامة ولا يدخر عنهم منه شيئاً، وكان من سيرته في جزء الامة إيثار أهل الفصل باذنه وقسمه على قدر فضلهم في الدين، فمنهم ذو الحاجة ومنهم ذو الحاجتين ومنهم ذو الحوائج، فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما أصلحهم والامة من مسألته عنهم وإخبارهم بالذي ينبغي لهم، ويقول: ليبلّغ الشاهد منكم الغائب، وأبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغها ثَّبت الله قدميه يوم القيامة، لا يذكر عنده إلا ذلك ولا يقبل من أحد غيره، يدخلون روّاءاً ولا يفترقون إلا عن ذواق ويخرجون أدّلة، يعني على الخير.
قال: فسألته عن مخرجه كيف كان يصنع فيه؟ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخزنُ لسانه إلا فيما يعنيه، ويؤلفهم، ولا ينفرهم، ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم، ويحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد منهم بشره ولا خلقه، ويتفقد أصحابه ويسأل الناس عما في ايدي الناس، ويحسن الحسن ويقويه وبقبح القبيح ويوهيه، معتدل الأمر غير مختلف لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يملوا، لكل حالٍ عنده عتاد، لا يقصر عن الحق ولا يجاوزه، الذين يلونه من الناس خيارهم، أفضلهم عنده أعمّهم نصيحةً وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساةً ومؤازرة.
قال: فسألته عن مجلسه، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقوم ولا يجلس إلا على ذكرٍ، وكان إذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ويامر بذلك ويعطي كل جلسائه نصيبهم لا يحسب جليسه أنَّ أحداً اكرم عليه ممن جالسه، ومن سأله حاجة لم يردّه إلا بها أو بميسور من القول، قد وسع الناس بسطه وخلقه فصار لهم أبا وصاروا عنده في الحق سواء، مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات ولا تُؤبن فيه الحرم يتعاطفون فيه بالتقوى متواضعين، يوقرون فيه الكبير، ويرحمون فيه الصغير، ويؤثرون ذا الحاجة ويحفظون الغريب.
قلت: وكيف كانت سيرته في جلسائه؟ فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائم البشر، سهلالخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب ولا فخّاش ولا عيّاب ولا مداح يتغافل عما لا يشتهي، ولا يؤبس منه، ولا يخيب فيه مؤليه، قد ترك نفسه من ثلاث: المراء والإكثار، وما لايعنيه وترك الناس من ثلاث: لا يذم أحداً ولا يعيبه، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه ثوابه وإذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير وإذا سلكت تكلموا تكلموا، لا يتنازعون عنده الحديث، من تكلّم عنده أنصتوا له حتى يفرغ، حديثهم عنده حديث أولهم يضحك مما يضحكون منه، ويتعجب مما يتعجبون منه ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته، حتى إن كان أصحابه ليستجليونهم، ويقول: إذا رأيتم طالب حاجة يطلبها فارفدوه ولا يقبل الثناء إلا من مكافيء، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجوز فيقطعه بنهي أو قيام1"رواه الترمذي".
وقد روى هذا الحديث أبو بكر بن الأنباري فزاد فيه: قال: فسألته عن سكوت رسول الله.
صلى الله عليه وسلم فقال: كان سكوته على أربع، على الحلم والحذر والتقدير، والتفكر، فأما التقدير ففي تسوية النظر والإستماع من الناس، وأما تفكره ففيما يبقى ويفنى، وجمع له الحلم في الصبر، ولا يغضبه شيء ولا يستفزه، وجمع له الحذر في أربع: أخذه بالحسن ليقتدي به، وتركه القبيح ليتناهى عنه واجتهاده الرأي في إصلاح أمته، والقيام لهم فيما جمع لهم من خير الدنيا والاخرة.
تفسير غريب هذا الحديث: الفَخم المفخَّم: هو العظيم المعظَّم في الصدور والعيون.
والمشذّب: الطويل الذي ليس بكثير اللحم، والرَّجلُ الشعر: الذي في شعره تكسُّر، فإذا كان الشعر منبسطاً قيل: شعر سبط وسبط والعقيقة: الشعر المجتمع في الرأس، الأزهر اللون: النير.
وأزجّ الحواجب: أي طويل امتدادهما لوقور الشعر فيهما وحسنه إلى الصدغين.
فأما جمع الحواجب فله وجهان: أحدهما على مذهب من يوقع الجمع على التثنية، والثاني: على أن كل قطعة من الحاجب تسمى حاجباً.
وقوله: أقنى العرنين: القنا أن يكون في عظم الأنف أحديداب في وسطه، والعرنين: الأنف، والأشم: الذي عظم أنفه طويل إلى طرف الأنف، وضليع الفم: كبيره، والعرب تمدح بذلك وتهجو بصغره، والمسرُبة: قد فسرناها في الحديث قبله، والدمية، الصورة وجمعها دُمى.
وقوله بادن متماسك: أي تام خلق الأعضاء ليس بمسترخي اللحم ولا كثيره، وقوله: سواءٌ البطن والصدر، معناه: أن بطنه ضامر وصدره عريض فلهذا ساوى بطنه صدره.
والكراديس: رؤوس العظام.
وقوله: أنور المتجرد: أي نيّر الجسد إذا تجرد من الثياب: والنيّر: الأبيض المشرق.
وقوله: خُمصان: الأخمصين: معناه أن أخمص رجله شديد الارتفاع من الأرض، والأخمص: ما يرتفع من الأرض من وسط باطن الرجل.
قوله: مسيح القدمين: أي ليس بكثير اللحم فيهما وعلى ظاهرهما فلذلك ينبو الماء عنهما، والتقلّع والصَّبب: قد فسرناهما في الحديث قبله.
وقوله ذريع المشية: واسع المشية من غير أن يظهر منه استعجال.
والمهين: الحقير.
ويسوق أصحابه: يقدّمهم بين يديه ومن ورائه يفوق: أراد يفضلهم ديناً وحلماً وكرماً.
وقوله: لكل حال عنده عتاد: أي عدّة، يعني أنه قد اعد للامور اشكالها وقوله يرد بالخاصة على العامة فيه ثلاثة أوجه.
أحدها أنه كان يعتمد على ان الخاصة ترفع علومه وارادته إلى العامة.
والثاني ان المعنى يجعل المجلس للعامة بعد الخاصة فتنوب "الباء" عن "من" و"على" عن "إلى".
والثالث فيرد ذلك بدلا من الخاصة على العامة فتفيد الباء معنى البدل.
والرواد جمع رائد وهو الذي يقدم القوم إلى المنزل يرتاد لهم الكلأ وهو هنا مثل والمعنى انهم ينفعون بما يسمعون من وراءهم والذواق ههنا العلم يذوقون من حلاوته ما يذقون من الطعام وتؤبن فيه الحرم أي تعاب وقوله لا يقبل الثناء الا من مكافيء أي من صح عنده اسلامه حسن موقع ثنائه عليه ومن استشعر منه نفاقا أو ضعفا في دينه الغى ثناءه ولم يحفل به وارفدوه بمعنى أعينوه.
ذكر حسن خلقه صلى الله عليه وسلم: عن أبي عبد الله الجدلي قال قلت لعائشة كيف كان خلق رسول الله.
صلى الله عليه وسلم في أهله قالت كان احسن الناس خلقا لم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا سخابا في الأسواق ولا يجزي بالسيئة مثلها ولكن يعفو ويصفح1 رواه الإمام أحمد.
وعن أنس قال خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي أف ولا لم صنعت ولا ألا صنعت2 رواه البخاري.
وعن سماك قال قلت لجابر بن سمرة اكنت تجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم كان طويل الصمت قليل الضحك وكان أصحابه يذكرون عنده الشعر واشياء من امورهم فيضحكون وربما تبسم3 انفرد باخراجه مسلم.
ذكر تواضعه صلى الله عليه وسلم: عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله.
صلى الله عليه وسلم: " لا تطروني كما اطرت النصارى عيسى ابن مريم فإنما أنا عبده فقولوا عبد الله ورسوله" 4 أخرجه البخاري.
وعن جابر قال جاءني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني ليس براكب بغلا ولا برذونا انفرد بإخراجه البخاري.
وعن أنس قال: "كانت الامة من اماء أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله.
صلى الله عليه وسلم فتنطلق به في حاجتها انفرد باخراجه البخاري وفي بعض الفاظ الصحيح: فتنطلق به حيث شاءت".
وعن الأسود قال قلت لعائشة ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع إذا دخل بيته؟ قالت كان يكون في مهنة أهله فإذا حضرت الصلاة خرج فصلى انفرد بإخراجه البخاري.
وعن البراء قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب ينقل التراب وقد وارى التراب بياض بطنه وهو يقول: والله لولا انت ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا فانزلن سكينة علينا ... وثبت الاقدام ان لاقينا ان الالى قد بغوا علينا ... إذا ارادوا فتنة ابينا أخرجاه في الصحيحين وفي بعض الالفاظ: والله لولا الله ما اهتدينا1 وعن أنس بن مالك قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود المرضى ويشهد الجنازة ويأتي دعوة المملوك ويركب الحمار ولقد رأيته يوما على حمار خطامه ليف.
وعن الحسن أنه ذكر رسول الله.
صلى الله عليه وسلم فقال لا والله ما كانت تغلق دونه الابواب ولا يقوم دونه الحجاب ولا يغدى عليه بالجفان ولا يراح عليه بها ولكنه كان بارزا من أراد أن يلقى نبي الله لقيه وكان يجلس بالأرض ويوضع طعامه بالأرض يلبس الغليظ ويركب الحمار ويردف عبده ويعلف دابته بيده صلى الله عليه وسلم.
ذكر حياته صلى الله عليه وسلم: عن أبي سعيد الخدري قال كان رسول الله.
صلى الله عليه وسلم اشد حياء من العذراء في خدرها وكان إذا كره شيئا عرفناه في وجهه2 أخرجاه في الصحيحين.
وعن أنس بن مالك ان النبي.
صلى الله عليه وسلم رأى على رجل صفرة فكرهها وقال لو امرتم هذا ان يغسل هذه الصفرة".
قال وكان لا يواجه أحداً في وجهه بشيء يكرهه3 رواه الامام أحمد.
ذكر شفقته ومداراته صلى الله عليه وسلم: عن أنس بن مالك ان نبي الله.
صلى الله عليه وسلم قال أني لأدخل الصلاة وأنا أريد أن أطيلها فاسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي مما اعلم من شدة وجد أمه من بكائه4.
أخرجاه في الصحيحين.
وعنه قال: قال رجل للنبي.
صلى الله عليه وسلم: أين أبي؟ قال: "في النار" فلما رأى ما في وجهه قال: "إن أبي وأباك في النار" انفرد بإخراجه مسلم.
وعن عبد الله قال لما كان يوم حنين اثر رسول الله صلى الله عليه وسلم اناسا في القسمة فاعطى "الاقرع بن حابس مائة من الابل واعطى عيينة مثل ذلك واعطى اناسا من اشراف العرب واثرهم يومئذ في القسمة فقال رجل والله ان هذه لقسمة ما عدل فيها وما اريد بها وجه الله قال فقلت والله لأخبرن رسول الله.
صلى الله عليه وسلم قال فاتيته فأخبرته بما قال قال فتغير وجهه حتى كان كالصرف ثم قال من يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله ثم قال رحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر أخرجاه في الصحيحين.
وعن ابي هريرة رضي الله عنه قال جاء الطفيل بن عمرو الدوسي إلى النبي.
صلى الله عليه وسلم فقال ان دوسا قد عصت وابت فادع الله عليهم فاستقبل القبلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفع يديه فقال: "اللهم اهد دوسا وائت بهم اللهم اهد دوسا وائت بهم اللهم اهد دوسا وائت بهم" 1 أخرجاه في الصحيحين.
وعن عبد الله بن عمر أن عبد الله بن أبي2 لما توفي جاء ابنه إلى النبي.
صلى الله عليه وسلم فقال اعطني قميصك اكفنه فيه وصل عليه واستغفر له فاعطاه قميصه وقال اذني اصلي عليه فآذنه فلما اراد ان يصلي جذبه عمر فقال اليس الله نهاك أن تصلي على المنافقين فقال أنا بين خيرتين قال: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} التوبة: 80 فصلى عليه فنزلت هذه الآية: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً} التوبة: 84 أخرجاه في الصحيحين.
وعن عائشة قالت ما ضرب رسول الله.
صلى الله عليه وسلم خادما له قط ولا امرأة له قط وما ضرب بيده الا ان يجاهد في سبيل الله وما نيل منه شيء فانتقمه من صاحبه الا ان تنتهك محارم الله فينتقم لله عز وجل وما عرض عليه امران أحدهما ايسر من الاخر الا أخذ بايسرهما الا ان يكون ماثما فان كان ماثما كان ابعد الناس منه3 أخرجاه في الصحيحين.
ذكر مزاحه ومداعبته صلى الله عليه وسلم: وعن أنس أن رجلا من أهل البادية كان اسمه زاهرا وكان يهدي للنبي.
صلى الله عليه وسلم الهدية من البادية فيجهزه رسول الله.
صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج فقال رسول الله.
صلى الله عليه وسلم "أن زاهرا بادينا ونحن حاضروه1".
وكان رسول الله.
صلى الله عليه وسلم يحبه وكان رجلا دميما.
فأتاه النبي.
صلى الله عليه وسلم وهو يبيع متاعه فاحتضنه من خلفه ولا يبصره الرجل فقال ارسلني من هذا فالتفت فعرف النبي.
صلى الله عليه وسلم فجعل لا يألو ما الصق ظهره ببطن النبي.
صلى الله عليه وسلم حين عرفه وجعل النبي.
صلى الله عليه وسلم يقول من يشتري العبد فقال يا رسول الله إذا والله تجدني كاسدا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لكن عند الله عز وجل لست بكاسد" أو قال: "لكن عند الله أنت غال" رواه الامام أحمد قال لنا محمد بن ابي منصور قال لنا ابو زكريا الدميم بالدال المهملة في الخلق وبالذال المعجمة في الخلق.
وعن عائشة قالت خرجت مع النبي.
صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وأنا جارية لم احمل اللحم ولم أبدن فقال للناس تقدموا ثم قال لي: "تعالي حتى أسابقك" فسابقته فسبقته فسكت عني حتى إذا حملت اللحم وبدنت نسيت خرجت معه في بعض أسفاره فقال للناس تقدموا ثم قال لي: "تعالي حتى أسابقك" فسابقته فسبقني فجعل يضحك ويقول "هذه بتلك" 2 رواه الامام أحمد.
وعن أنس ان النبي.
صلى الله عليه وسلم دخل على ام سليم فرأى أبا عمير حزينا فقا يا ام سليم مابال عمير حزينا قالت يا رسول الله مات نغيره فقال رسول الله.
صلى الله عليه وسلم: "يا أبا عمير ما فعل النغير" 3 "أخرجاه في الصحيحين.
ذكر كرمه وجوده صلى الله عليه وسلم: عن ابن عباس قال كان رسول الله.
صلى الله عليه وسلم اجود الناس وكان اجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل عليه السلام وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله.
صلى الله عليه وسلم اجود بالخير من الريح المرسلة1 أخرجاه في الصحيحين.
وعن أنس ان رسول الله.
صلى الله عليه وسلم لم يكن يسال شيئا على الإسلام الا اعطاه قال فأتاه رجل فساله فأمر له بشاء كثير بين جبلين من شاء الصدقة قال فرجع إلى قومه فقال يا قوم أسلموا فان محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة2 انفرد باخراجه مسلم.
ذكر شجاعته صلى الله عليه وسلم: عن أنس قال كان رسول الله.
صلى الله عليه وسلم احسن الناس وكان اجود الناس وكان اشجع الناس ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق ناس قبل الصوت فتلقاهم رسول الله راجعا وقد سبقهم إلى الصوت وهو على فرس لابي طلحة عري في عنقه السيف وهو يقول لم تراعوالم تراعوا قال وجدناه بحرا أوانه لبحر3 أخرجاه في الصحيحين.
وعن ابي اسحاق قال سألت البراء وساله رجل فقال فررتم عن رسول الله.
صلى الله عليه وسلم فقال البراء ولكن رسول الله.
صلى الله عليه وسلم لم يفر كانت هوازن ناسا رماة وانا لما حملنا عليهم انكشفوا فاكببناعلى الغنائم فاستقبلونا بالسهام ولقد رأيت رسول الله.
صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء وان أبا سفيان بن الحارث أخذ بلجامها وهو يقول: "أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب" 4 أخرجاه في الصحيحين.
ذكر فضلة على الأنبياء وعلو قدره صلى الله عليه وسلم: عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث إلى قوه خاصة وبعثت إلى الناس عامة" 1 أخرجاه في الصحيحين.
وعن ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بعثت بجوامع الكلم ونصرت بالرعب وبينا ان نائم رايتني اتيت بمفاتيح خزائن الأرض فوضعت في يدي" قال ابو هريرة رضي الله عنه فلقد ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتم تنتثلونها2 أخرجاه في الصحيحين.
وعن ابي بن كعب قال كنت في المسجد فدخل رجل فصلى فقرا قراءة انكرتها عليه ثم دخل آخر فقرا قراءة سوى قراءة صاحبه فلما قضينا الصلاة دخلنا جميعا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت ان هذا قرا قراءة انكرتها عليه ودخل آخر فقرا سوى قراءة صاحبه فامرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرءا فحسن النبي صلى الله عليه وسلم شانهما فسقط في نفسي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد غشيني ضرب في صدري ففضت عرقا وكإنما انظر إلى الله عز وجل فرقا فقال لي: "يا ابي ارسل إلي ان أقرأ القرآن على حرف فرددت إليه ان هون على امتي فرد إلي الثانية اقراه على حرفين فرددت إليه ان هون على امتي فرد إلي الثالثة اقراه على سبعة احرف فلك بكل ردة رددتها مسالة تسالنيها فقلت اللهم اغفر لامتي اللهم اغفر لامتي واخرت الثالثة ليوم يرغب إلي الخلق كلهم حتى إبراهيم صلى الله عليه وسلم انفرد" باخراجه مسلم.
وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اتي باب الجنة يوم القيامة فاستفتح فيقول الخازن من انت فاقول محمد فيقول بك امرت لا افتح لأحد قبلك" انفرد باخراجه مسلم.
وعن أنس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا وانا خطيبهم إذا وفدوا وانا مبشرهم إذا يئسوا لواء الحمد بيدي وأنا أكرم ولد ادم على ربي ولا فخر3 رواه الترمذي.
قال ابن الانباري المعنى لا اتبجح بهذه الأوصاف وإنما اقولها شكرا لربي ومنبها امتي على انعامه علي وقال ابن عقيل إنما نفي الفخر الذي هو الكبر الواقع في النفس المنهي عنه الذي قيل فيه {لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} لقمان: 18 ولم ينف فخر التجمل بما ذكره من النعم التي بمثلها يفتخر ومثله قول {لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} القصص: 76 يعني الاشرين ولم يرد الفرح بنعمة الله تعالى.
قال الخطابي ما زلت اسال عن معنى قوله لواء الحمد بيدي حتى وجدته في حديث يروى عن عقبة بن عامر ان أول من يدخل الجنة الحمادون الله على كل حال يعقد لهم لواء فيدخلون الجنة.
وقد روى مسلم في افراده من حديث أنس بن مالك ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أنا أول الناس يشفع يوم القيامة وانا أكثر الانبياء تبعا يوم القيامة وأنا أول من يقرع باب الجنة" 1.
وفي افراده من حديث ابي هريرة عن النبي.
صلى الله عليه وسلم أنه قال: أنا سيد ولد ادم يوم القيامة وأول من ينشق عنه القبر وأول شافع ومشفع2.
وعن جابر بن عبد الله ان عمر بن الخطاب أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقراه على النبي صلى الله عليه وسلم قال فغضب وقال: "امتهوكون فيها يا ابن الخطاب؟ والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية لا تسالوهمعن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به والذي نفسي بيده لو كان موسى حيا ما وسعه إلا أن يتبعني" 3 وراه الامام أحمد.
ذكر مثله ومثل الأنبياء من قبله صلى الله عليه وسلم: عن أبي هريرة قال قال أبو القاسم.
صلى الله عليه وسلم "مثلي ومثل الانبياء من قبلي كمثل رجل ابتنى بيوتا فاحسنها واجملها واكملها الا موضع لبنة من زاوية من زواياها فجعل الناس يطوفون ويعجبهم البنيان فيقولون الا وضعت ههنا لبنة فيتم بنيانك فقال محمد صلى الله عليه وسلم فكنت أنا اللبنة" أخرجاه في الصحيحين4.
ذكر مثله ومثل ما بعثه الله به صلى الله عليه وسلم: عن أبي موسى عن النبي.
صلى الله عليه وسلم قال إن مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قومه فقال يا قوم اني رأيت الجيش بعيني واني أنا النذير العريان فالنجاء فاطاعه طائفة من قومه فادلجوا فانطلقوا على مهلتهم وكذبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم فذلك مثل من أطاعني واتبع ما جئت به ومثل من عصاني وكذب ما جئت به من الحق أخرجاه في الصحيحين1.
ذكر مشي الملائكة من ورائه صلى الله عليه وسلم: عن جابر قال كان أصحاب النبي.
صلى الله عليه وسلم يمشون أمامه إذا خرج ويدعون ظهره للملائكة رواه الامام أحمد2.
ذكر وجوب تقديم محبته على النفس والولد والوالد: عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه ووالده وولده والناس أجمعين" أخرجاه في الصحيحين3.
وعن عبد الله بن هشام قال كنا مع النبي.
صلى الله عليه وسلم وهو أخذ بيد عمر بن الخطاب فقال له عمر يا رسول الله لانت أحب إلي مكل شيء الا نفسي فقال: " لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب اليك من نفسك" فقال له عمر فانه الان والله لانت أحب إلي من نفسي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الان ياعمر" رواه البخاري منفردا4.
ذكر تعظيم الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم وحبهم إياه: عن أنس، قال: لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم والحلاق يحلقه وقد أطاف به أصحابه، فما يريدون أن تقع شعرة إلا في يد رجل: انفرد بإخراجه مسلم5.
وعنه قال، لما كان يوم أحد انهزم الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم مجوّبٌ عليه بحجفة له، وكان أبو طلحة رجلًا رامياً شديد النزْع، كسر يومئذ قوسين أو ثلاثاً، قال: وكان الرجل، يمر معه الجعبة من النبل، فيقول: " انثرها لأبي طلحة".
قال ويشرف النبي صلى الله عليه وسلم ينظر إلى القوم فيقول أبو طلحة: بأبي أنت وأمي لا تُشْرف يُصِبُك سهم من سهام القوم، نحري دون نحرك.
رواه البخاري1.
وفي الصحيحين من حديث أبي جُحَيفة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فخرج بلال بوضوئه، فرأيت الناس يبتدرون ذلك الوضوء فمن أصاب منه شيئاً تمسح به ومن لم يصب منه أخذ من بلل يد صاحبه وخرج النبي صلى الله عليه وسلم وقام الناس فجعلوا يأخذون يده ويمسحون بها وجوههم، فأخذت يده فوضعتها على وجهي فإذا هي أبرد من الثلج وأطيب من ريح المسك2.
وعن أنس، قال: لما كان يوم أحد حاص الناس حَيْصة وقالوا: قتل محمد، حتى كثرت الصوارخ في نواحي المدينة.
قال: فخرَجت امرأة من الأنصار فاستُقبلت بأخيها وأبيها وزوجها وابنها، لا ادري بأيَّهم استقبلت أولاً، فلما مرَّت على آخرهم قالت: من هذا؟ قالوا: هذا أخوك وأبوك وزوجك وابنك.
قالت: فما فعل النبي صلى الله عليه وسلم فيقولون: أمامك، حتى ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت بناحية ثوبه ثم جعلت تقول: بأبي أنت وأمي يا رسول الله لا أبالي إذا سلمتَ من عطبَ.
ذكر عبادة رسول الله صلى الله عليه وسلم واجتهاده: عن علقمة، قال: سألت عائشة أكان: رسول الله.
صلى الله عليه وسلم يخص شيئاً من الأيام؟ قالت: لا، كان عمله ديمةً وأيكم يطيق ماكان رسول لله.
صلى الله عليه وسلم يطيق؟ أخرجاه في الصحيحين3.
وعن كُريب أن ابن عباس أخبره أنه بات عند خالته ميمونة زوج النبي.
صلى الله عليه وسلم قال: فاضطجعت في عرض الوسادة: واضطجع رسول الله.
صلى الله عليه وسلم وأهله في طولها فنام رسول الله.
صلى الله عليه وسلم حتى انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعد بقليل، استيقظ رسول الله.
صلى الله عليه وسلم فجعل يمسح النوم عن وجهه بيده ثم قرأ العشْر الأياتِ الخواتم من سورة آل عمران ثم قام إلى شَنّ معلقة فتوضأ منها فأحسن وضُوءه ثم قام يصلي.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: فقمت فصنعت مثل ما صنع ثم ذهبت فقمت إلى جنبه فوضع رسول الله.
صلى الله عليه وسلم يده اليمنى على رأسي وأخذ بأذني اليمنى يفتلها فصلى ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم أوتر، ثم اضطجع حتى جاءه المؤذن فقام فصلى ركعتين خفيفتين، ثم خرج فصلى الصبح.
أخرجاه في الصحيحين1.
وعن عبد الله بن شَقيق، قال: سألت عائشة رضي الله عنها عن صلاة رسول الله.
صلى الله عليه وسلم من التطوع.
فقالت: كان يصلي قبل الظهر أربعاً في بيتي، ثم يخرج فيصلي بالناس، ثم يرجع إلى بيتي فيصلي ركعتين وكان يصلي بالناس المغرب ثم يرجع إلى بيتي فيصلي ركعتين، وكان يصلي بهم العشاء ثم يدخل بيتي فيصلي ركعتين وكان يصلي من الليل تسع ركعات فيهن الوتر، وكان يصلي ليلاً طويلاً قائماً، وليلاً طويلاً جالساً، فإذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم وإذا قرأ وهو قاعد ركع وسجد وهو قاعد، وكان إذا طلع الفجر صلى ركعتين ثم يخرج فيصلي بالناس صلاة الفجر.
انفرد بإخراجه مسلم2.
وقد اختلفت الرواية في عدد الركعات اللواتي كان رسول الله.
صلى الله عليه وسلم يصليهن بالليل، فقال الترمذي: أقل ما روي عنه تسع ركعات وأكثره ثلاث عشرة مع الوتر.
وقد روي عنه إحدى عشرة ركعة.
قلت: وقد روى البخاري من حديث مسروق قال: سألت عائشة رضي الله عنها عن صلاة رسول الله.
صلى الله عليه وسلم بالليل، فقالت: سبع وتسع وإحدى عشرة، سوى ركعتي الفجر3.
وهذا غير ما قال الترمذي.
وعن حُميد، قال: سئل أنس بن مالك رضي الله عنه عن صلاة رسول الله.
صلى الله عليه وسلم من الليل، فقال: ما كنا نشاء من الليل أن نراه مصلياً إلا رأيناه، وما كنا نشاء أن نراه نائماً إلا رأيناه وكان يصوم من الشهر حتى نقول لا يفطر شيئاً أخرجاه في الصحيحين.
وعن عبد الله، قال: صليّت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فلم يزل قائماً حتى هممت بأمر سوءٍ.
قلنا: ما هممت؟ قال: هممت أن أجلس وأدعه أخرجاه في الصحيحين.
وعن حذيفة، قال: صليّت مع النبي.
صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت: يركع عند المائة.
قال: ثُمّ مضى فقلت: يصلي بها في ركعة فمضى، فقلت: يركع بها ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مترسلاً إذا مرّ بآية فيها تسبيح سبّح، وإذا مرّ بسؤال سأل، وإذا مر بتعوّذ تعوَّذ، ثم ركع فجعل يقول: سبحان ربي العظيم، فكان ركوعه نحواً من قيامه، ثم قال: سمع الله لمن حمده، ثم قام طويلاً قريباً مما ركع، ثم سجد فقال: سبحان ربي الأعلى، فكان سجوده قريباً من قيامه.
انفرد بإخراجه مسلم1.
وسورة النساء في هذا الحديث مقدمة على آل عمران وكذلك هي في مصحف ابن مسعود.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله.
صلى الله عليه وسلم إذا صلى قام حتى تتفطّر رجلاه.
قالت عائشة: يا رسول الله أتصنع هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: يا عائشة، أفلا أكون عبداً شكوراً؟ أخرجاه في الصحيحين2.
ذكر عيشه وفقره صلى الله عليه وسلم: عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اللهم اجعل رزق آل محمد قُوتاً"أخرجاه في الصحيحين3.
وعن أبي حازم، قال: رأيت أبا هريرة يشير بإصبعه مراراً: والذي نفس أبي هريرة بيده ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله ثلاثة أيام تباعاً من خبز حنطة حتى فارق الدنيا1.
أخرجاه في الصحيحين.
وعن عائشة قالت: كان ضجاع النبي صلى الله عليه وسلم ينام عليه بالليل من أَدَمٍ محشوّاً ليفاً.
أخرجاه في الصحيحين2.
وعن سماك بن حرب قال: سمعت النعمان بن بشير يخطب، قال: ذكر عمر ما أصاب الناس من الدنيا فقال: رأيت رسول الله.
صلى الله عليه وسلم ظل اليوم يلتوي ما يجد دَقَلا يملأ بطنه.
انفرد بإخراجه مسلم3.
وعن قَتَادة قال: كنا نأتي أنساً وخبّازه قائم، قال: فقال يوماً: كلوا فما اعلم رسول الله.
صلى الله عليه وسلم رأى رغيفاً مرّققاً ولا شاة سميطاً قط.
انفرد بإخراجه البخاري4.
وعن أبي هريرة أنه مرَّ بقوم وبين أيديهم شاة مصلية، فدعوه فأبى أن يأكل وقال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير.
رواه البخاري.
وروي عن عائشة قالت: ما شبع آل محمد منذ قدم المدينة من طعام البُرّ ثلاث ليال تباعاً حتى قُبض5.
وعن أبي حازم قال: سألت سهل بن سعد فقلت له: هل أكل رسول الله.
صلى الله عليه وسلم النَقِيَّ؟ قال سهل: ما رأى رسول الله النَّقِيَّ من حين ابتعثه الله حتى قبضه الله.
قال: فقلت: كيف كنتم تأكلون الشعير غير منخول؟ قال: كنا نطحنه وننفخه فيطير ما طار، فما بقي ثرَّيناه فأكلناه.
وعن ابن عباس، قال: كان رسول الله.
صلى الله عليه وسلم يبيت الليالي المتتابعة طاوياً وأهله لا يجدون عشاء وكان أكثر خبزهم خبز الشعير.
رواه الترمذي.
وعن جابر قال: لما حفر النبي.
صلى الله عليه وسلم وأصحابه الخندق أصابهم جهد شديد حتى ربط النبي.
صلى الله عليه وسلم على بطنه حجراً من الجوع رواه الإمام أحمد.
وعن عروة أنه سمع عائشة رضي الله عنها تقول كان يمر بنا هلال وهلال ما توقُد في بيت من بيوت رسول الله.
صلى الله عليه وسلم نار قال: قلت: يا خالة فعلى أي شيء كنتم تعيشون؟ قالت: على الأسودين التّمرِ والماء.
رواه الإمام أحمد.
وعن ابن عباس قال: قبض النبي صلى الله عليه وسلم وأن درعه لمرهونة عن رجل من يهود على ثلاثين صاعاً من شعير أخذها رزقاً لعياله1.
رواه الإمام أحمد.
وعن عائشة، قالت، ما رَفع رسول الله.
صلى الله عليه وسلم قطّ غداء لعشاء ولا عشاء قطّ لغداء ولا اتخذ من شيء زوجين، لا قميصين، ولا ردائين، ولا إزارين، ولا من النعال، ولا رئي قطّ فارغا في بيته إما يخصف نعلاً لرجل مسكين أو يخيط ثوباً لأرملة.
وعن أنس بن مالك أن فاطمة عليها السلام جاءت بكسرة خبزٍ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " ما هذه الكسرة يا فاطمة؟ " قالت: قرص خبزتُه فلم تَطب نفسي حتى أتيتك بهذه الكسرة.
فقال: "أما أنه أول طعام دخل فم أبيك منذ ثلاثة أيام" 2.
عدد غزواته وسراياه صلى الله عليه وسلم: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعاً وعشرين غزاة، وقاتل منها في تسع: بدرٍ وأحد، والمُرَيْسِيع والخندق وقريظة، وخيبر، والفتح، وحنين، والطائف، وقيل أنه قاتل في بني النضير، وفي غزاة وادي القرى مُنصَرفهُ من خيبر، وقاتل في الغابة.
ذكر فصاحته صلى الله عليه وسلم: كان رسول الله.
صلى الله عليه وسلم أفصح العرب، وكان يقول: "إن الله عز وجل أدّبني فأحسن أدبي3، ونشأت في بني سعد".
وقال: " بُعثت بجوامع الكلم" 4.
وقد روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال له: يا رسول الله ما بالك أفصحَنا؟ قال: " لأن كلام إسماعيل عليه السلام كان درس فأتى جبريل به عليه السلام فعلمنيه".
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ما سمعت كلمة عربية من العرب إلا وقد سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعته يقول: "مات حتْفَ أنفه" وما سمعتها من عربي قبله.
ومعنى هذا أن الميت على فراشه يتنفس حتى ينقضي رمقه.
من كلامه المتقن وأمثاله العجيبة صلى الله عليه وسلم: قوله: "إيّاكم وخَضْرَاءَ الدِمَن "، قيل له: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: " المرأة الحسناء في المنبت السُّوء".
وقوله: "إن مما يُنِبت الربيع لَما يقتل حَبَطا أو يُلِمُّ".
والمعنى: أن الماشية يروقها نبت الربيع فتأكل فوق حاجتها فتهلك.
والحبط: أن تَرِمَ بطونها وتنتفخ، فزجر بهذا الكلام عن فضول الدنيا.
وقوله: "لا يَنتطح فيها عنزان"، ولا يلدغ المؤمن من حُجرٍ مرتين".
وقوله: "هدنة على دخن، وصلح على أقذاء ".
وقوله: "الآن حمي الوطيس".
وقوله: "الناس كأسنان المشط".
و"المرء كثير بأخيه".
و"لا خير في صحبةِ مَن لا يرى لك من الحق مثل ما يرى لنفسه".
وقوله في الخيل: "بطُونها كنز وظهورها حِرْز".
و"خير المال مُهرة مأمورة أو سكة مأبورة".
وقوله للأنصار: "إنكم لَتقُلَّون عند الطمع وتكثرون عند الفزع".
وقوله: "خير المال عن ساهرة لعين نائمة".
و"من بطّأ به عُمله لم يُسرع به نَسبه".
وقوله " حبّك للشيء يُعمي ويُصِمّ وكلّ الصّيد في جوْف الفرا".
"جبِلت القلوب على حبّ من احسن إليها".
و"البلاء موكَّل بالمنطق".
"الناس معادن كمعادن الذهب والفضة".
"ما نحل والد والداً أفضل من أدب حسن".
"زر غبّاً تزدَد حباً".
"الصَّمت حُكمْ وقليلٌ فاعله".
"الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر".
"إنما الأعمال بالنيات".
"نية المؤمن أبلغ من عمله".
"إنكم لن تسعَوا الناس بأموالكم فسَعوهم بأخلاقهم".
"الخلق السيء يفسد العمل كما يفسد الخل العسل".
"المتشبّع بما لم يُعط كلابس ثَوبيْ زور".
"ليس الخبرُ كالمعاينة".
"لا حليم إلا ذو أناة ولا حكيم إلا ذو تجربة".
"الحرب خدعة".
"يا خيلَ الله اركبي".
"إن هذا الدّين مَتين فأوْغل فيه برفق".
"إن المنبت لا أرضاً قطعَ ولا ظهراً أبقى".
"من يشادَّ هذا الدّينَ يغلبه".
"المؤمن مرآة المؤمن".
"الكَيِّس من دان نفسه وعمل لِما بعد الموت والعاجز من أتْبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني".
"ما قل وكفى خير مما كثر وألهى".
"من حُسن إسلام المرء ترك ما لا يَعنيه".
"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلْيقل خيراً أو ليصمت".
"تُنكح المرأة لِمالها ولجمالها ودِينها وحسبها، فعليك بذات الدين تَرِبت يداك".
"الشتاء ربيع المؤمن، قَصُر نهاره فصامه وطال ليْلُه فقامه".
"ليس الشديدَ الذي يغلب الناس ولكن الشديد الذي يغلب نفسه".
"من ضَمِن لي ما بين لحَييْه ورجليه ضمنتُ له الجنة".
"اليد العليا خير من اليد السفلى".
"خير الصدقة ما كان عن ظهر غنىً وأبدا بمن تَعول".
"افضل الصدقة جهدٌ من مُقِل".
"كلمة الحكمة ضالة كل حكيم".
"القناعة مال لا ينفد".
"استغنوا عن الناس ولو بشوص السواك".
"الاقتصاد في النفقة نصف المعيشة، والتودد إلى الناس نصف العقل، وحسن السؤال نصف العلم".
"المؤمن من أمِنه الناس، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه".
"شرّ ما في الرجل شُحّ هالع وجبن خالع".
"أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تَخُن من خانك".
"لا إيمان لمن لا، أمانة له ولا دين لمن لا عهد له".
"حسن العهد من الإيمان".
"جمال الرجل فصاحة لسانه".
"منهومان لا يشعبان: طالبُ علم وطالب دنيا".
"لا فقر أشدَّ من الجهل، ولا مالٍ أعْوَد من العقل، ولا وحشة أشدّ من العجب".
"الذنب لا يُنسى، والبِرّ لا يبلى، والدّيان لا يموت، فكن كما شئت".
"كما تدين تدان".
"الظلم ظلمات يوم القيامة".
"ما جُمع شيء إلى شيء أحسن من حِلْم إلى علم".
"التمسوا الرزق في خبايا الأرض".
"كن في الدنيا كأنك غريب أو كعابر سبيل وعُدَّ نفسك من أهل القبور".
"العفو لا يزيد العبد إلا عزاً، والتواضع لا يزيده إلا رفعة".
"ما نقص مال من صدقة".
"صنائع المعروف تقي مصارع السوء".
"صلة الرحم تزيد في العمر".
"اللهم إني أسألك واقيةً كواقية الوليد".
"اللهم إني أعوذ بك من شرّ فتنة الغنى وشر فتنة الفقر".
"الدنيا عرض حاضر يأكل منه البَرّ والفاجر، والآخرة وعد صادق يحكم فيها ملك قادر فكونوا من أنباء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن كلّ أم يتبعها ولدها".
"أخسر الناس صفقةً من أذهب آخرته بدنيا غيره".
"المجالس بالأمانة".
"إياكم والطمع فإنه فقر حاضر".
"استعينوا على نجاح الحوائج بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود".
"إن من كنوز البرّ كتمان المصائب".
"الدّالّ على الخير كفاعله".
"نعمتان مغبونٌ فيهما كثير من الناس: الصحّة والفراغ".
"الناس كابلٍ مائةٍ لا تجد فيها راحلة".
"ليس شيء أفضل من ألف مثله إلا الإنسان".
"اليمين حِنْث أو ندم".
"لا تُظهر الشماتة لأخيك، فيعافيه الله ويبتليك".
"اليوم الرّهانُ وغداً السبّاق، والغاية الجنة، والهالك من دخل النار".
قلت: ولو ذهبنا نذكر من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم العجيب الوجيز البليغ لطال، إذ كلُّ كلامه يتضمن حِكَماً، وكذلك لو ذهبنا نستقصي آدابه وأخلاقه وأحواله لجاءت مجلدات، وإنما اقتطفنا من كل فن قطفاً، وأشرنا إلى جملةٍ برمزٍ لأن مثل كتابنا هذا لا يتَّسع للبسط.
ذكر وفاته صلى الله عليه وسلم: أبتدأ برسول الله صلى الله عليه وسلم صداع في بيت عائشة، قالت: دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي بديء فيه، فقلت: وارأساه.
فقال: "بل أنا وارأساه " ثم اشتد أمره في بيت ميمونة، واستأذن نساءه أن يمرَّض في بيت عائشة فأذن له1، وكانت مدة علته اثني عشر يوماً، وقيل أربعة عشر.
عن عبيد الله بن عبد الله، قال: دخلتُ على عائشة فقلت لها: ألا تحدثيني عن مرض رسول الله.
صلى الله عليه وسلم قالت: بلى، ثَقُل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " اصلَّي الناس" قلت: لا وهم ينتظرونك يا رسول الله، فقال: "ضعوا لي ماءاً في المخضب" ففعلنا فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمي عليه ثم أفاق فقال: " أصلي الناس" فقلنا: لا وهم ينتظرونك يا رسول الله قالت: والناس عكوف في المسجد ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة قالت: فأرسل رسول الله.
صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر أن يصلي بالناس، فأتاه الرسول فقال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تصلي بالناس فقال أبو بكر، وكان أبو بكر رجلا رقيقا، فقال: يا عمر صلِّ بالناس قال: فقال: أنت أحق بذلك قالت فصلّى بهم أبو بكر تلك الأيام.
ثم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد من نفسه خفة فخرج بين رجلين، أحدهما العباس، لصلاة الظهر وأبو بكر يصلي بالناس فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر فأومأ إليه النبي.
صلى الله عليه وسلم أن لا يتأخر.
وقال لهما: "أجلساني إلى جنبه" فأجلساه إلى جنب أبي بكر وكان أبو بكر يصلي وهو قائم.
فدخلتُ على قال عبيد الله: عبد الله ابن عباس فقلت: له: ألا أعرِض عليك ما حدثتني عائشة عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هات فعرضَت حديثها فما أنكر منه شيئا، غير أنه قال أَسمَّت لك الرجل الذي كان مع العباس؟ قلت: لا.
قال: هو علي أخرجاه في الصحيحين1.
قال ابن حبيب الهاشمي: صلى أبو بكر بالناس في مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع عشرة صلاة، ويقال: ثلاثة أيام.
وعن أنس بن مالك الأنصاري: أن أبا بكر كان يصلي بهم في وجع رسول الله.
صلى الله عليه وسلم الذي توفي فيه، حتى إذا كان يوم الاثنين وهم صفوف في الصلاة كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم ستر الحجرة فنظر ألينا وهو قائم كأن وجهه ورقة مصحف، ثم تبسم رسول الله.
صلى الله عليه وسلم ضاحكاً فبهتنا ونحن في الصلاة من فرح بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونكص أبو بكر على عقيبة ليصل الصف وظن ان رسول الله.
صلى الله عليه وسلم خارج للصلاة، فأشار إليهم رسول الله.
صلى الله عليه وسلم بيده أن أتموا صلاتكم قال: ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرخى الستر قال: فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه ذلك أخرجاه في الصحيحين2.
وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله.
صلى الله عليه وسلم يعوذ بهؤلاء الكلمات: "أذهب الباس رب الناس، أشفِ وأنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقماً".
قالت: فلما ثقل رسول الله.
صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه أخذت بيده فجعلت أمسح بها وأقولها.
قالت: فنزع يده مني وقال: "رب اغفر لي وألحقني بالرفيق الأعلى" قالت: فكان هذا آخر ما سمعت من كلامه.
صلى الله عليه وسلم أخرجاه في الصحيحين1.
وعنهما قالت: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، ويومي وبين سُحري ونحري، فدخل عبد الرحمن بن أبي بكر ومعه سواك رُطْب فنظر إليه فظننت أن له فيه حاجة.
قالت: فأخذته فمضغته ونفضته وطيّبته، ثم دفعته إليه فاستنَّ كأحسن ما رأيته مسْتنّاً قطُّ ثم ذهب يرفعه إلي فسقط في يده، فجعلت أدعو الله عز وجل بدعاء كان يدعو له به جبريل عليه السلام، وكان هو يدعو به إذا مرض فلم يدْعُ به في مرضه ذاك، فرفع بصره إلى السماء وقال: "الرفيق الأعلى، الرفيق الأعلى" يعني وفاضت نفسه، فالحمد لله الذي جمع بين ريقي وريقه في آخر يوم من أيام الدنيا رواه الإمام أحمد2.
وعنها، رضي الله عنها، كانت تقول: "إن من نِعم الله علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في بيتي وفي يومي وبين سَحْري ونحري، وأن الله جمع بين ريقي وريقة عند موته.
دخل علي عبد الرحمن وبيده سواك وأنا مسنده رسول الله.
صلى الله عليه وسلم فرأيته ينظر إليه فعرفت أنه يحب السواك، فقلت: أخذه لك؟ فأشار برأسه أن نعم، فناولته فاشتدَّ عليه فقلت: أليّنة لك؟ فأشار برأسه أن نعم، فليَّنته فأخذه فأمرَّه وبين يديه ركوة أو علبة يشك أبو عمرو فيها ماء، فجعل يدخل يده في الماء فيسمح بها وجهه ويقول: " لا إله إلا الله، إن للموت لَسكراتٍ" ثم نصب يده فجعل يقول: " في الرفيق الأعلى"، حتى قبض ومالت يده".
انفرد بإخراجه البخاري3 والسحْر الرئة وما يتعلق بها.
عن أبي بُردة قال: أخرجت إلينا عائشة رضي الله عنها كساء ملبَّداً وإزاراً غليظاً، فقالت: قُبض رسول الله.
صلى الله عليه وسلم في هذين أخرجاه في الصحيحين.
وعنها رضي الله عنها قالت: ما ترك رسول الله.
صلى الله عليه وسلم ديناراً ولا درهماً ولا شاة ولا بعيراً ولا أوصى بشيء انفرد بإخراجه مسلم4.
عن أبي هريرة أن جبريل أتى النبي.
صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي قبض فيه فقال: "أن الله عز وجل يقرئك السلام ويقول: كيف تجدك؟ قال: أجدني وجعاً يا أمين الله " ثم جاءه من الغد فقال: يا محمد أن الله عز وجل يقرئك السلام ويقول: كيف تجدك قال: "أجدني يا أمين الله وجعاً.
ثم جاءه في اليوم الثالث ومعه ملك الموت فقال: يا محمد إن ربك يقرئك السَلام ويقول كيف تجدك؟ قال: "أجدني يا أمين الله وجعاً مَن هذا معك "؟ قال: هذا ملك الموت عليه السلام، وهذا آخر عهدي بالدنيا بعدك وآخر عهدك بها ولن آسى على هالك من ولد آدم بعدك، ولن أهبط إلى الأرض إلى أحد بعدك أبداً فوجد النبي.
صلى الله عليه وسلم سكْرة الموت وعنده قدح فيه ماء، فكلما وجد سكْرة أخذ من ذلك الماء، فمسح به وجهه ويقول: "اللهمَّ اعنّي على سكرة الموت" 1.
وعن جعفر بن محمد، عن أبيه، قال: قُبض رسول الله.
صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين فمكث ذلك اليومَ وليلة الثلاثاء، ودفن من الليل.
ذكر إعلام أبي بكر الناس بموت رسول الله.
صلى الله عليه وسلم: عن عائشة رضي الله عنها أن أبا بكر أقبل على فرس من مسكنه بالسُّنْح حتى نزل فدخل المسجد فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة فتيمم رسول الله.
صلى الله عليه وسلم وهو مغشّى بثوب حبرة فكشف عن وجهه ثم أكبَّ عليه فقبله وبكى ثم قال: بأبي أنت وأمي، والله لا يجمع الله عليك موْتتين، أما الموتة التي كُتبت عليك فقد مُتَّها.
قال ابن شهاب: وحدثني أبو سلمة عن عبد الله بن عباس أن أبا بكر خرج وعمر ابن الخطاب رضي الله عنهما يكلم الناس، فقال: إجلس يا عمر فأبى عمر أن يجلس، فأقبل الناس إليه وتركوا عمر، فقال أبو بكر: أما بعد، من كان منكم يعبد محمداً.
صلى الله عليه وسلم فإن محمداً قد مات، ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حي لا يموت، قال الله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} إلى قوله: {الشَّاكِرِينَ} آل عمران: 144 .
وقال: والله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر فتلقاها منه الناس كلهم فما اسمع بشرا من الناس إلا يتلوها فأخبرني سعيد بن المسيب أن عمر قال: والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقرت حتى ما تقلني رجلاي وحتى أهويت إلى الأرض حين سمعته تلاها أن النبي.
صلى الله عليه وسلم قد مات.
انفرد بإخراجه البخاري1.
ندب فاطمة عليها السلام عليه صلى الله عليه وسلم: عن أنس رضي الله عنه قال لما ثقل النبي.
صلى الله عليه وسلم جعل يتغشاه فقالت فاطمة عليها السلام واكرب أباه فقال لها: "ليس على أبيك كرب بعد اليوم" فلما مات قالت يا أبتاه أجاب ربا دعاه يا أبتاه من جنة الفردوس مأواه يا أبتاه إلى جبريل ننعاه فلما دفن قالت فاطمة عليها السلام يا أنس أطابت أنفسكم ان تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب انفرد بإخراجه البخاري2.
ذكر مبلغ سنه صلى الله عليه وسلم: عن ابن عباس رضي الله عنه قال أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين وأقام بمكة ثلاث عشر سنة وبالمدينة عشرا وتوفي وهو ابن ثلاث وستين أخرجاه في الصحيحين3.
وقد ذكرنا في حديث ربيعة عن أنس أنه توفي على رأس ستين قال أبو بكر الخطيب من قال ستين قصد أعشار السنين ومن قال ثلاث وستين قصد جميع السنين والإنسان يقول سني أربعون ولعله قد زاد عليها إلا أن الزيادة لم تبلغ عشرا وقد روى عمار مولى بني هاشم عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم توفي وهو ابن خمس وستين وهذا وهم والصحيح الأول.
ذكر غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم: عن ابن عباس رضي الله عنه قال لما اجمع القوم لغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس في البيت الا أهله عمه العباس وعلي بن أبي طالب والفضل بن العباس وقثم بن العباس وأسامة بن زيد وصالح مولاه فلما اجمعوا على غسله نادى من وراء الباب أوس بن خولي الأنصاري وكان بدريا علي بن أبي طالب فقال يا علي نشدتك الله حظنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له علي عليه السلام ادخل فدخل فحضر غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يل من غسله شيئا قال فاسنده علي إلى صدره وعليه قميصه وكان العباس والفضل وقثم يقلبونه مع علي وكان أسامة وصالح يصبان الماء وجعل علي يغسله ولم ير من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء مما يرى من الميت وهو يقول بابي وأمي ما أطيبك حيا وميتا.
حتى إذا فرغوا من غسل رسول الله.
صلى الله عليه وسلم وكان يغسل بالماء والسدر جففوه ثم صنع به ما يصنع بالميت ثم ادرج في ثلاثة أثواب ثوبين أبيضين وبرد حبرة.
قال ثم دعا العباس رجلين فقال ليذهب أحدكما إلى أبي عبيدة بن الجراح وكان أبو عبيدة يضرح لأهل مكة وليذهب الآخر إلى أبي طلحة بن سهل الأنصاري وكان أبو طلحة يلحد لأهل المدينة قال ثم قال العباس حين سرحهما اللهم خر لرسولك قال فذهبا فلم يجد صاحب أبي عبيدة أبا عبيدة ووجد صاحب أبي طلحة أبا طلحة فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم رواه الإمام أحمد1.
وروى جعفر بن محمد قال كان الماء يستنقع في جفون النبي صلى الله عليه وسلم فكان علي يحسوه.
ذكر موضع قبره صلى الله عليه وسلم: عن ابن جريج قال أخبرني أبي أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لم يدروا اين يقبر النبي صلى الله عليه وسلم حتى قال أبو بكر رضي الله عنه سمعت رسول الله يقول لم يقبر نبي إلا حيث يموت فأخروا فراشه وحفروا له تحت فراشه.
ذكر الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم: لما غسل وكفن صلى الله عليه وسلم صلى الناس عليه أفذاذاً لا يؤمهم أحد.
فأما فضل الصلاة عليه باللسان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشراً" انفرد بإخراجه مسلم2.
وعن أنس بن مالك، قالك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشر صلوات، وحط عنه عشر خطيئات" رواه الإمام أحمد3.
وعن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة" رواه الترمذي1.
ذكر بلوغ سلام أمته إليه ورد السلام على من يسلم عليه صلى الله عليه وسلم: عن عبد الله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن لله عز وجل في الأرض ملائكة سياحين يبلغوني من أمتي السلام" رواه الإمام أحمد2.
وروي أيضاً عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من أحد يسلم علي إلا رد الله إلي روحي حتى أرد عليه السلام" 3.
آخر المتعلق بأخبار نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.