هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3232 وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، وَابْنُ بَشَّارٍ ، وَاللَّفْظُ لِابْنِ الْمُثَنَّى ، قَالَا : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ فِرَاسٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ ذَكْوَانَ ، يُحَدِّثُ عَنْ زَاذَانَ ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ ، دَعَا بِغُلَامٍ لَهُ فَرَأَى بِظَهْرِهِ أَثَرًا ، فَقَالَ لَهُ : أَوْجَعْتُكَ ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ : فَأَنْتَ عَتِيقٌ ، قَالَ : ثُمَّ أَخَذَ شَيْئًا مِنَ الْأَرْضِ ، فَقَالَ : مَا لِي فِيهِ مِنَ الْأَجْرِ مَا يَزِنُ هَذَا ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : مَنْ ضَرَبَ غُلَامًا لَهُ حَدًّا لَمْ يَأْتِهِ ، أَوْ لَطَمَهُ ، فَإِنَّ كَفَّارَتَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ ، وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، ح وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ، كِلَاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ فِرَاسٍ ، بِإِسْنَادِ شُعْبَةَ ، وَأَبِي عَوَانَةَ ، أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَهْدِيٍّ ، فَذَكَرَ فِيهِ حَدًّا لَمْ يَأْتِهِ ، وَفِي حَدِيثِ وَكِيعٍ : مَنْ لَطَمَ عَبْدَهُ ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْحَدَّ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3232 وحدثنا محمد بن المثنى ، وابن بشار ، واللفظ لابن المثنى ، قالا : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن فراس ، قال : سمعت ذكوان ، يحدث عن زاذان ، أن ابن عمر ، دعا بغلام له فرأى بظهره أثرا ، فقال له : أوجعتك ؟ قال : لا ، قال : فأنت عتيق ، قال : ثم أخذ شيئا من الأرض ، فقال : ما لي فيه من الأجر ما يزن هذا ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من ضرب غلاما له حدا لم يأته ، أو لطمه ، فإن كفارته أن يعتقه ، وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا وكيع ، ح وحدثني محمد بن المثنى ، حدثنا عبد الرحمن ، كلاهما عن سفيان ، عن فراس ، بإسناد شعبة ، وأبي عوانة ، أما حديث ابن مهدي ، فذكر فيه حدا لم يأته ، وفي حديث وكيع : من لطم عبده ، ولم يذكر الحد
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن زاذان أن ابن عمر دعا بغلام له فرأى بظهره أثرًا، فقال له: أوجعتك؟ قال: لا.
قال: فأنت عتيق.
قال: ثم أخذ شيئًا من الأرض، فقال: ما لي فيه من الأجر ما يزن هذا.
إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من ضرب غلامًا له حدًا لم يأته أو لطمه فإن كفارته أن يعتقه.


المعنى العام

كانت المجتمعات قبل الإسلام طبقتين، طبقة الأسياد، وطبقة العبيد، طبقة الأسياد ولها كل حقوق الحياة والعزة والكرامة، وطبقة العبيد الأذلين، الذين يسامون الخسف والقهر، وإن كانوا في الصورة أحرارًا، طبقة الجبابرة، وطبقة الضعفاء، فجاء الإسلام بقانونه الخالد من فوق سبع سموات، بقول الله تعالى: { { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم } } [الحجرات: 13] جاء الإسلام والرق منتشر بين أهل الأرض، نتيجة الحروب والإغارات، ثم البيع والشراء، وما كان الإسلام ليمتنع عن استرقاق أعدائه، ماداموا يسترقون أبناءه إذا هزم، لكنه بعد أن يسترق أعداءه يفتح للأرقاء باب الحرية بالكفارات والتطوع بالعتق وفضله وبالكتابة والتدبير وبغير ذلك من منافذ الحرية، ثم حض الأسياد على حسن معاملة العبيد، فمنع ضرب العبيد، حتى قال صلى الله عليه وسلم من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته أن يعتقه واستجاب بعض الصحابة، فأعتق عبده إذا ضربه، لكن البعض كان يرى هذا العتق تفضلاً وإحسانًا، فلم يكن ينفذه، فكان صلى الله عليه وسلم حين يبلغه ضرب عبد أو أمة يأمر الضاربين بأن يعتقوها، فإذا اعتذروا بحاجتهم الشديدة إلى خدمتها، أمرهم أن يستخدموها، فإذا استغنوا عنها أعتقوها، وكان إذا رأى سيدًا يضرب غلامه.
عنفه، وحذره انتقام الله لعبده، فإن الله أقدر على من يضرب عبده قدرة أعلى من قدرة السيد على عبده، وإنه تعالى يتوعد من يضرب عبده بلفحة شديدة من النار.

ولم يكتف الإسلام بحماية العبيد من الضرب والأذى، بل طالب الأسياد بأن يعاملوهم معاملة إخوانهم في الإنسانية، فيطعموهم مما يطعمون، ويلبسوهم مما يلبسون، ولا يكلفوهم من العمل مالاً يطيقون، فإن كلفوهم بما يشق عليهم أعانوهم عليه بأنفسهم وبمن يقدرون عليه من غيرهم، واعتبر مجرد شتمهم أو سبهم خلقًا من أخلاق الجاهلية التي ينبغي البعد عنها.

ثم أخذ يواسي العبيد، ويرفع من شأنهم، إذا هم أخلصوا لأسيادهم، وقاموا بواجباتهم نحوهم على الوجه المطلوب، وإذا هم قاموا بواجباتهم نحو عبادة ربهم، إذا هم أدوا واجبهم في هذين الميدانين كان لهم أجران، وبهذه الفرصة التي أتيحت لهم يمكنهم أن يلقوا ربهم من غير حساب ولا عقاب.

لقد أصبح الأحرار يغبطون العبيد على ما منحهم الإسلام من رعاية وعناية، حتى قال أبو هريرة رضي الله عنه: والذي نفسي بيده.
لولا ميزة الجهاد التي يمتاز بها الحر عن العبد، ولولا الحج الذي يقوم به الحر، ولولا بر أمي ولا أستطيع القيام به لو كنت عبدًا، لولا هذه الثلاث لأحببت أن أكون عبدًا، ولأحببت أن أموت وأنا مملوك.

حقًا.
نال المملوك في الإسلام حقوقًا لم يسبق للبشرية أن عرفتها، ومنح تكريمًا لم يمنح في تاريخ الإنسانية الطويل للخدم من الأحرار.
ونادى الإسلام بتحرير الرقبة قبل أن تنادى به المدينة بألف وأربعمائة عام.
ونادى الإسلام باحترام آدمية الآدمي بدرجة لم تعرفها المدنية، حتى في قرنها العشرين.

فالحمد لله على ما هدانا، والحمد لله على ما أولانا، والحمد لله رب العالمين.

المباحث العربية

( وقد أعتق مملوكًا) بينت الرواية الثانية دوافعه إلى هذا الإعتاق، وفيها دعا بغلام له، فرأى بظهره أثرًا - أي أثرًا لضربه إياه - فقال له: أوجعتك؟ - سؤال تأثر وتأسف وتحسر على أن ضربه - قال: لا.
قال: فأنت عتيق.

( فأخذ من الأرض عودًا أو شيئًا) أي كورقة شجرة جافة، والمقصود شيئًا تافها.

( ما فيه من الأجر ما يسوى هذا) الإشارة إلى العود التافه، ومعنى ما فيه أي ما في عتقي له من الأجر، وما يسوى بفتح الياء وسكون السين وفتح الواو، وفي بعض النسخ ما يساوى وهذه هي اللغة الفصيحة الصحيحة المعروفة، والأولى عدها أهل اللغة في لحن العوام، وأجاب بعض العلماء عن هذه اللفظة بأنها تعتبر من بعض الرواة، لا أن ابن عمر نطق بها، ومعنى كلام ابن عمر أنه ليس في إعتاقه أجر المعتق تبرعًا، وإنما عتقه كفارة لضربه.
أي أجر مقابل بإثم ضربه.

( إلا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) قيل: هو استثناء منقطع، فالمستثنى ليس من جنس المستثنى منه، فإلا بمعنى لكن، وفي الرواية الثانية، إني سمعت.. على الاستئناف التعليلي.
وقيل: الاستثناء متصل من عموم العلل والأسباب، أي ما أعتقته لسبب من الأسباب إلا لسبب سماعي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم.

( من لطم مملوكه أو ضربه) المملوك أعم من العبد والأمة، وهو المراد من الغلام في الرواية الثانية، وإن كان الغلام يشمل الحر والمملوك، يقال: لطمه يلطمه، بفتح الطاء في الماضي، وكسرها في المضارع، ضرب خده، أو صفحه جسده بالكف مبسوطة، والضرب الإصابة والصدم، فبينه وبين اللطم عموم وخصوص، فكل لطم ضرب، ولا عكس، ويطلق الضرب على الجلد، قال تعالى { { وخذ بيدك ضغثًا فاضرب به ولا تحنث } } [ص: 44] وهذا المعنى يناسب قوله في الرواية الثانية من ضرب غلاما له، حدًا لم يأته أي عقابًا لم يأت الغلام ما يناسبه من الجرم.

( عن معاوية بن سويد قال: لطمت مولى لنا) معاوية هذا ابن أحد الإخوة السبعة من بني مقرن - بضم الميم وفتح القاف وكسر الراء المشددة، ابن سويد راوي الرواية الخامسة، والمذكور في الرواية الرابعة، والمراد من المولى المعتق بفتح التاء والمنعم عليه، والمراد منه هنا غلام لهم، يظهر أنهم ملكوه بعد قصة الجارية.

( فهربت) هرب خوفًا من أبيه، حتى يسكن غضبه.

( فدعاه ودعاني) أي دعا الضارب والمضروب، معاوية والعبد.

( ثم قال: امتثل منه) ثم قال الأب للغلام، امتثل من معاوية، أي عاقبه، والطمه قصاصًا بمثل ما لطمك.

( ثم قال) أي ثم قال الأب سويد.

( ليس لنا إلا خادم واحدة) الخادم يطلق على الذكر والأنثى، رقيقًا أو حرًا، ولا يقال: خادمة إلا في لغة قليلة شاذة، والمراد به هنا جارية، ولذلك وصف بالمؤنث واحدة وأعيد الضمير عليها مؤنثًا فلطمها - اعتقوها - غيرها - فليستخدموها - استغنوا عنها - سبيلها أما قوله في الرواية الخامسة وما لنا خادم غير واحد والمراد من الخادم الجارية نفسها، وأعيد الضمير عليها مذكرًا باعتبارها إنسان، وكذلك في فلطمه وأن نعتقه.

( قال: فليستخدموها) في الكلام التفات من المخاطبين أعتقوها إلى فليستخدموها، فإذا استغنوا عنها فليخلوا سبيلها وفليخلوا بضم الياء، وفتح الخاء، وتشديد اللام.

( عن هلال بن يساف) بفتح الياء وكسرها، ويقال أيضًا: أساف.

( عجل شيخ، فلطم خادمًا له) أي تعجل رجل كبير بسبب غضبه، فلطم...، وفي ملحق الرواية الرابعة كنا نبيع البز... فخرجت جارية، فقالت لرجل منا كلمة، فلطمها وفي الرواية الخامسة عن سويد بن مقرن أن جارية له لطمها إنسان والقصة واحدة، وظاهر الروايات التعارض.
فجارية من هي؟ ومن اللاطم؟ ويمكن الجمع بينها باحتمال أن يكون اللاطم أخًا لسويد، كان مع البائعين مشتريًا، والجارية له، ولسويد، فهو الشيخ العجل، وهو الرجل من الرجال المجتمعين للبيع والشراء، وهو الإنسان الذي لطم جارية له، والبز بفتح الباء، نوع من الثياب، ويطلق على السلاح.

( عجز عليك إلا حر وجهها؟) عجز يعجز بفتح الجيم في الماضي، وكسرها في المضارع، يقال: عجز عن كذا إذا ضعف، ولم يقدر عليه، ويقال بكسر الجيم في الماضي، وحر كل شيء أفضله وأرفعه، وحر الوجه بضم الحاء وتشديد الراء صفحته وما رق من بشرته، والاستثناء مفرغ، وحر فاعل عجز.
والمعنى عجزت عن ضربها في مكان ما إلا في وجهها وخدها؟

( أما علمت أن الصورة محرمة؟) صورة الإنسان في وجهه، أي أما علمت أن الوجه، أي ضرب الوجه محرم، ففي الحديث إذا ضرب أحدكم العبد فليجتنب الوجه إكرامًا للوجه، لأن فيه محاسن الإنسان، وأعضاءه المشخصة، وإذا حصل فيه شين أو عيب كان أقبح.

( كنت أضرب غلامًا لي بالسوط) الظاهر أنه كان يضربه بالطريق.

( فسمعت صوتًا من خلفي: اعلم أبا مسعود...) في بقية الرواية فلم أفهم الصوت من الغضب أي لم أنتبه إلى ألفاظه، ولا إلى مصدره، بسبب ما كان يشغلني من الغضب، والظاهر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: اعلم أبا مسعود ثلاث مرات أو أكثر، ليوقفه عن الضرب، يناديه: يا أبا مسعود.
يا أبا مسعود.
يا أبا مسعود، لينتبه إلى المنادى، ويترك ما هو فيه، ولذلك لم يذكر ما يريد أن يعلمه به، إلا بعد أن توقف وانتبه.

( فألقيت السوط من يدي) في ملحق الرواية: فسقط من يدي السوط من هيبته أي ألقى السوط دون شعور كامل، ودون إرادة كاملة، فأشبه السقوط دون إرادة.

( أعوذ باللَّه....
أعوذ برسول اللَّه)
أي ألجأ إلى اللَّه أن يحميني من ضربك.
والظاهر أن الغلام لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف أبي مسعود قال: ألجأ إلى رسول الله أن يحميني.

( أما لو لم تفعل للفحتك النار، أو لمستك النار) أو لشك الراوي في أي الجملتين قيلت.
واللفح الإصابة في الوجه، والمس إصابة الجلد مطلقًا، أي لو لم تعتقه، وتكفر بالعتق عن ضربه لعوقبت بالنار يوم القيامة، وأما بتخفيف الميم حرف استفتاح، مثل ألا تفيد تأكيد الجملة بعدها، وفي بعض النسخ أما والله لو لم تفعل....

( نبي التوبة) وصف بذلك، مع أن الأنبياء جميعًا جاءوا بالتوبة، لأنه صلى الله عليه وسلم جاء بقبول التوبة بالقول والاعتقاد، وكانت توبة من قبلنا بقتل أنفسهم، ويحتمل أن يراد بالتوبة الإيمان، والرجوع عن الكفر إلى الإسلام، وأصل التوبة الرجوع، قاله القاضي.

( عن المعرور بن سويد) بفتح الميم وسكون العين وضم الراء الأولى.

( بالربذة) بفتح الراء والباء والذال، موضع بالبادية، بينه وبين المدينة مسيرة ثلاثة أيام بالراحلة نحو خمسين ميلاً، من جهة مكة، في منطقة ذات عرق، وبها دفن أبو ذر الغفاري رضي الله عنه.

( وعليه برد، وعلى غلامه مثله) البرد بضم الباء وسكون الراء كساء مخطط، يلتحف به، ويؤتزر به، والحلة من بردين، كالبدلة، وفي الرواية الحادية عشرة وعليه حلة.
وعلى غلامه مثلها وفسرت بمعنى: وعليه جزء حلة، وفي رواية فإذا حلة، عليه منها ثوب، وعلى عبده منها ثوب.

( كان بيني وبين رجل من إخواني كلام) أي إخواني في الإسلام، أي كان بيني وبين رجل من المسلمين كلام، أي سباب، قيل: إن الرجل المذكور هو بلال المؤذن، مولى أبي بكر رضي الله عنه.

( وكانت أمه أعجمية، فعيرته بأمه) الأعجمي من لا يفصح باللسان العربي، سواء كان عربيًا أم أعجميًا، وفي الرواية الحادية عشرة أنه ساب رجلاً....
فعيره بأمه فالفاء في فعيره تفسيرية، كأنه فسر السب بالتعيير، والظاهر أنه وقع بينهما سباب، وزاد عليه التعيير، فتكون عاطفة، ويدل على هذا قوله في الرواية العاشرة قلت: من سب الرجال سبوا أباه وأمه.

وفي رواية للبخاري وكانت أمه أعجمية، فنلت منها وفي رواية فقلت له: يا ابن السوداء.

( إنك امرؤ فيك جاهلية) أي هذا التعبير من أخلاق الجاهلية، ففيك خلق من أخلاقهم، وينبغي للمسلم ألا يكون فيه شيء من أخلاقهم.
قال الحافظ ابن حجر: ويظهر لي أن ذلك كان من أبي ذر قبل أن يعرف تحريمه، فكانت تلك الخصلة من خصال الجاهلية باقية عنده، فلهذا قال - كما في ملحق الرواية العاشرة - قلت: على ساعتي هذه من الكبر وفي رواية البخاري على ساعتي هذه من كبر السن؟ قال: نعم كأنه تعجب من خفاء ذلك عليه، مع كبر سنه، فبين له أن هذه الخصلة مذمومة شرعًا، فكان بعد ذلك يساوي غلامه بنفسه احتياطًا.

( هم إخوانكم) هم يعود على المماليك، والمراد من الأخوة الأخوة في الإنسانية، وفي الرواية الحادية عشرة: إخوانكم وخولكم فإخوانكم خبر مبتدأ محذوف، أي هم إخوانكم، أو مبتدأ خبره جعلهم الله تحت أيديكم، والخول بفتح الخاء والواو، عطية الله من النعم والعبيد والإماء وغيرهم من الأتباع والحشم، يقال للواحد والجمع، والذكر والأنثى.

( فإن كلفه ما يغلبه فليبعه) في الملحق الثاني فليعنه عليه قال النووي: الثانية هي الصواب، الموافقة لباقي الروايات.

( للمملوك طعامه وكسوته) كسوته بضم الكاف وكسرها، لغتان، الكسر أفصح، ونبه بالطعام والكسوة على سائر المؤن التي يحتاج إليها العبد.

( إذا صنع لأحدكم خادمه طعامه) خادمه بالرفع، فاعل صنع.

( وقد ولي حره ودخانه) أي تولى طبخه، فأصابه حر ناره، ودخانها، وعند البخاري ولي حره وعلاجه أي تحصيل آلاته، وصناعته.

( فإن كان الطعام مشفوهًا قليلاً) مشفوهًا بفتح الميم وسكون الشين وضم الفاء أصله الذي تكثر عليه الشفاه، حتى يقل، وفسره في الحديث بقوله قليلاً إشارة إلى أن محل الإجلاس أو المناولة ما إذا كان الطعام قليلاً، وإنما كان كذلك، لأنه إذا كان كثيرًا وسع السيد والخادم، فإن القلة مظنة أن لا يفضل منه شيء.

( فليضع في يده منه أكلة أو أكلتين) بضم الهمزة وسكون الكاف وفتح اللام، وهي اللقمة، وأو للتقسيم بحسب حال الطعام، وحال الخادم، والقلة منسوبة إلى من اجتمع عليه، ومقتضى ذلك أن الطعام إذا كان كثيرًا، فإما أن يقعده معه، وإما أن يجعل حظه منه كثيرًا.

( إذا نصح لسيده) أي أخلص خدمته، وقام بما يصلح أموره.

( للعبد المملوك المصلح) المصلح أمر سيده، وأمر ربه.

( ليس عليه حساب، ولا على مؤمن مزهد) بضم الميم وسكون الزاي وكسر الهاء، ومعناه قليل المال، والمراد بهذا الكلام أن العبد إذا أدى حق الله تعالى، وحق مواليه، فليس عليه حساب، لكثرة أجره، وعدم معصيته، قال النووي: وهذا الذي قاله كعب يحتمل أن يكون قد أخذه بتوقيف عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أنه بالاجتهاد، لأن من رجحت حسناته، وأوتي كتابه بيمينه، فسوف يحاسب حسابًا يسيرًا، وينقلب إلى أهله مسرورًا.

( نعما للمملوك أن يتوفى، يحسن عبادة اللَّه، وصحابة سيده) نعما فيها ثلاث لغات، إحداها كسر النون مع إسكان العين، والثانية كسرها، والثالثة فتح النون مع كسر العين، والميم مشددة في جميع ذلك.
وأصله نعم ما، هو، أي نعم شيء هو، فأدغمت الميم في الميم.
قال القاضي: ورواه العذري نعما بضم النون وسكون العين وتنوين الميم، والنعم طيب العيش واتساعه، - أي له مسرة وقرة عين، ويحسن عبادة الله بضم الياء وسكون الحاء، وعبادة منصوب، ومعنى صحابة سيده صحبة سيده.

( ملحوظة) من الرواية الثامنة عشرة، وحتى الرواية الخامسة والعشرين، سبقت مباحثها في كتاب العتق.

( فجزأهم أثلاثًا) جزأهم بتشديد الزاي وتخفيفها، لغتان مشهورتان، ومعناه قسمهم.

( وقال له قولاً شديدًا) أي قال في شأنه قولاً شديدًا، كراهية لفعله، فهو صلى الله عليه وسلم لم يواجهه بالقول الشديد، فقد مات، إنما قال لأجل فعله قولاً شديدًا لأصحابه، تغليظًا عليه، وتنفيرًا من فعله، وفسر هذا القول الشديد بأنه قال: لو علمنا ما صلينا عليه.
أي ما صليت أنا عليه، ولتركتكم تصلون عليه.

( أعتق غلامًا له عن دبر) أي أعتقه في دبره، أي قال له: أنت حر بعد موتي، وسمي هذا تدبيرًا، والعبد مدبرًا، لأن العتق يحصل فيه في دبر الحياة، قال النووي: واسم هذا الرجل الأنصاري أبو مذكور، واسم الغلام المدبر يعقوب.

فقه الحديث

يؤخذ من الأحاديث:

1- من قوله من لطم مملوكه أو ضربه، فكفارته أن يعتقه وكذا في الأحاديث التي بعده، قال العلماء: فيه الرفق بالمماليك، وحسن صحبتهم، وكف الأذى عنهم، وأجمع المسلمون على أن عتقه بهذا ليس واجبًا، وإنما هو مندوب، رجاء كفارة ذنبه، ومما استدلوا به لعدم وجوب إعتاقه حديث سويد بن مقرن -روايتنا الثالثة- فقد أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بإعتاقها، فلما قالوا: ليس لنا خادم غيرها، قال: فليستخدموها، فإذا استغنوا عنها فليخلوا سبيلها فلو كان إعتاقها واجبًا لما قبل اعتذارهم.

قال القاضي عياض: وأجمع العلماء على أنه لا يجب إعتاق العبد لشيء مما يفعله به مولاه، مثل هذا الأمر الخفيف.
قال: واختلفوا فيما كثر من ذلك وشنع، من ضرب مبرح منهك لغير موجب لذلك.
أو حرقه بالنار، أو قطع عضو منه، أو إفساد عضو، أو نحو ذلك، مما فيه مثلة، فذهب مالك وأصحابه والليث إلى عتق العبد على سيده بذلك، ويكون ولاؤه له، ويعاقبه السلطان على فعله، وقال سائر العلماء: لا يعتق عليه.
واختلف أصحاب مالك فيما لو حلق رأس الأمة، أو لحية العبد.

2- وفي الحديث إزالة آثار الظلم، وتعويض المظلوم.

3- وأن المراد من الضرب واللطم الداعي إلى العتق ما كان عنيفًا وبلا ذنب، ويدل على ذلك روايتنا الثانية وفيها من ضرب غلامًا له حدًا لم يأته فلا يدخل الضرب على سبيل التعليم والأدب.

4- ومن روايتنا الثالثة، من فعل سويد، مع ابنه وعبده، تطييب نفس المولى المضروب، والرفق بالموالي، واستعمال التواضع، وإلا فلا يجب القصاص في اللطمة ونحوها، وإنما حقه التعزير واللوم الرادع عن مثل ذلك، لكن سويدًا تبرع، فأمكن العبد من القصاص من سيده.

5- ومن قوله فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعتقها أمر الشركاء بالعتق إذا لزم واحدًا منهم، قال النووي: وهو محمول على أنهم كلهم رضوا بعتقها وتبرعوا به، وإلا فاللطمة إنما كانت من واحد منهم، فسمحوا له بعتقها تكفيرًا لذنبه.
اهـ كذا قال، وليس في الحديث أنهم سمحوا له بعتقها، إنما فيه أمر الشركاء بالعتق، إما لأنهم لم يستنكروا الضرب، فكانوا كفاعليه، وإما لأنها تعتق من مال الضارب وعليه إعطاء الشركاء حقوقهم، كما سبق في العتق.

6- ومن حديث أبي مسعود -روايتنا السادسة والسابعة والثامنة رعاية الرسول صلى الله عليه وسلم لرعيته، ومتابعته لتصرفاتهم، وإصلاح أخطائهم.

7- ورفقه صلى الله عليه وسلم في النصيحة، والحث على الرفق بالمملوك.

8- وتعليله الأوامر والنواهي، لتكون أدعى للانصياع والاتباع، ذلك قوله: اعلم أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام.

9- وفيه حرص الصحابة على الاستجابة لمطالب الشرع، ومبادرتهم بإصلاح خطئهم.

10- ومن روايتنا التاسعة إشارة إلى أنه لا حد على قاذف العبد في الدنيا، وهذا مجمع عليه، لكن يعزر قاذفه، وسواء في هذا كامل الرق والمبعض والمكاتب وأم الولد.
هذا حكمه في الدنيا، أما في الآخرة فيستوفى له الحد من قاذفه، لاستواء الأحرار والعبيد في الآخرة.
قاله النووي.

11- ومن حديث أبي ذر رضي الله عنه روايتنا العاشرة والحادية عشرة أن السب من أخلاق الجاهلية، وعلى المسبوب أن يعفو، فإن كان -ولا بد- أن يرد فبقدر ما سب، ولا يتعرض للأب والأم.

12- أنه يستحب إطعام العبيد مما يأكل الأسياد، وأن يلبسوا مما يلبسون، نعم هذا الأمر على الاستحباب بإجماع المسلمين، وأما فعل أبي ذر، في كسوة غلامه مثل كسوته، فهو عمل بالمستحب، وإنما يجب على السيد نفقة المملوك وكسوته بالمعروف، بحسب البلدان والأشخاص، سواء كان من جنس نفقة السيد ولباسه، أو دونه، أو فوقه، حتى لو قتر السيد على نفسه تقتيرًا خارجًا عن عادة أمثاله، إما زهدًا وإما شحًا، لا يحل له التقتير على المملوك، وإلزامه بموافقته إلا برضاه.

13- وأجمع المسلمون على أنه لا يجوز للسيد أن يكلف العبد ما لا يطيقه، فإن وقع ذلك لزمه إعانته بنفسه أو بغيره.

14- وفيه النهي عن التعيير وتنقيص الآباء والأمهات، وأنه من أخلاق الجاهلية.

15- ومن قوله فليقعده معه فليأكل في روايتنا الثالثة عشرة استحباب الأكل مع الخادم، على قصد التواضع، وعند أحمد فليجلسه معه، فإن لم يجلسه معه فليناوله والمعنى إذا ترفع السيد عن مؤاكلة غلامه فليناوله وعند أحمد بإسناد حسن أمرنا أن ندعوه، فإن كره أحدنا أن يطعم معه، فليطعمه في يده.

16- ومن قوله وقد ولي حره ودخانه في الرواية الثالثة عشرة أن للعين حظًا في المأكول، فينبغي صرفها بإطعام صاحبها من ذلك الطعام، لتسكن نفسه، فيكون أكف لشره.

17- ومن التعبير بالخادم في الرواية الثالثة عشرة أن ذلك لا يختص بالعبد، بل يشمل الخادم الحر، بل هو أولى بالرفق والإحسان والإكرام.

18- وفي هذا الحديث بعامة الحث على مكارم الأخلاق، والمواساة في الطعام، ولا سيما في حق من له به صلة.

19- ومن الرواية الخامسة عشرة فضيلة ظاهرة للمملوك المصلح الناصح لسيده، والقائم بعبادة ربه، وأن له أجرين، لقيامه بالحقين، ولانكساره بالرق.

20- وفضل بر الوالدين، والأم بصفة خاصة، وأراد ببر الأم القيام بمصالحها.

21- وفيه أن المملوك لا جهاد عليه ولا حج، لأنه غير مستطيع.

22- وإن صحبة الأم وخدمتها أولى من حج التطوع، لأن برها فرض، فقدم على التطوع.
قال النووي: ومذهبنا ومذهب مالك أن للأب والأم منع الولد من حجة التطوع، دون حجة الفرض.

23 - راجع ما سبق في كتاب العتق بشأن ما يؤخذ من أحاديث الرواية الثامنة عشرة والتاسعة عشرة، والمتممة للعشرين والواحدة والعشرين والثانية والعشرين والثالثة والعشرين والرابعة والعشرين.

24- ومن الرواية الخامسة والعشرين إثبات القرعة في العتق ونحوه، وأنه إذا أعتق عبيدًا في مرض موته، أو أوصى بعتقهم، ولا يخرجون من الثلث، أقرع بينهم، فيعتق ما يدخل في الثلث بالقرعة.
وإليه ذهب مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وداود وابن جرير والجمهور، وقال أبو حنيفة: القرعة باطلة، لا مدخل لها في ذلك، بل يعتق من كل واحد قسطه، ويستسعى في الباقي.
وهذا مردود بهذا الحديث الصحيح وأحاديث كثيرة، وقد قال بقول أبي حنيفة الشعبي والنخعي وشريح والحسن وحكى أيضًا عن ابن المسيب.

25- وعن الرواية السادسة والعشرين والسابعة والعشرين قال النووي: وفي هذا الحديث دلالة أيضًا لمذهب الشافعي وموافقيه أنه يجوز بيع المدبر قبل موت سيده، لهذا الحديث، قياسًا على الموصي بعتقه، فإنه يجوز بيعه بالإجماع، وممن جوزه عائشة وطاووس وعطاء والحسن ومجاهد وأحمد وإسحق وأبو ثور وداود.
وقال أبو حنيفة ومالك وجمهور العلماء والسلف من الحجازيين والشاميين والكوفيين: لا يجوز بيع المدبر، قالوا: وإنما باعه النبي صلى الله عليه وسلم في دين كان على سيده، وقد جاء في رواية النسائي والدارقطني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: اقض به دينك قالوا: وإنما دفع إليه ثمنه، ليقضي به دينه، وتأوله بعض المالكية على أنه لم يكن له مال غيره، فرد تصرفه.
قال هذا القائل، وكذلك يرد تصرف من تصدق بكل ماله.
قال النووي: وهذا ضعيف باطل والصواب نفاذ تصرف من تصدق بكل ماله.
وقال القاضي عياض: الأشبه عندي أنه فعل ذلك نظرًا لأنه لم يترك لنفسه مالاً.
قال النووي: والصحيح ما قدمناه أن الحديث على ظاهره، وأنه يجوز بيع المدبر، بكل حال، ما لم يمت السيد.
اهـ.

وقال الحافظ ابن حجر: الجواز مطلقًا مذهب الشافعي وأهل الحديث، وقد نقله البيهقي في المعرفة عن أكثر الفقهاء، وعن الحنفية والمالكية تخصيص المنع بمن دبر تدبيرًا مطلقًا، أما إذا قيده، كأن يقول: إن مت من مرضي هذا ففلان حر، فإنه يجوز بيعه، لأنها كالوصية، فيجوز الرجوع فيها، وعن أحمد: يمتنع بيع المدبرة، دون المدبر.
وعن الليث: يجوز بيعه إن شرط على المشتري عتقه، وعن ابن سيرين: لا يجوز بيعه إلا من نفسه، ومال ابن دقيق العيد إلى تقييد الجواز بالحاجة، فقال: من منع مطلقًا كان الحديث حجة عليه، لأن المنع الكلي يناقضه الجواز الجزئي، ومن أجازه في بعض الصور، فله أن يقول: قلت بالحديث في الصورة التي ورد فيها، فلا يلزمه القول به في غير ذلك من الصور.
اهـ.

وتفرع عن حكم بيع المدبر حكم إجزائه في الكفارة.

26- واستدل بالحديث على صحة التدبير، وقد أجمع المسلمون عليه، ثم مذهب الشافعي ومالك والجمهور أنه يحسب عتقه من الثلث، وقال الليث وزفر: هو من رأس المال.

27- وفي الحديث نظر الإمام في مصالح رعيته، وأمره إياهم بما فيه الرفق بهم، وبإبطالهم ما يضرهم من تصرفاتهم التي يمكن فسخها.

28- وفيه بيع الإمام على الناس أموالهم وضياعهم، ويقع ذلك في مال السفيه، أو في وفاء دين الغائب أو إذا امتنع من أداء حق الغير.

واللَّه أعلم