هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
2806 حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ ، وَاللَّفْظُ لِعَبْدٍ ، قَالَا : أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ ، أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، خَرَجَ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إِلَى الْيَمَنِ ، فَأَرْسَلَ إِلَى امْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ بِتَطْلِيقَةٍ كَانَتْ بَقِيَتْ مِنْ طَلَاقِهَا ، وَأَمَرَ لَهَا الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ ، وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ بِنَفَقَةٍ ، فَقَالَا لَهَا : وَاللَّهِ مَا لَكِ نَفَقَةٌ إِلَّا أَنْ تَكُونِي حَامِلًا ، فَأَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَذَكَرَتْ لَهُ قَوْلَهُمَا ، فَقَالَ : لَا نَفَقَةَ لَكِ ، فَاسْتَأْذَنَتْهُ فِي الِانْتِقَالِ ، فَأَذِنَ لَهَا ، فَقَالَتْ : أَيْنَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَقَالَ : إِلَى ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ وَكَانَ أَعْمَى ، تَضَعُ ثِيَابَهَا عِنْدَهُ وَلَا يَرَاهَا ، فَلَمَّا مَضَتْ عِدَّتُهَا أَنْكَحَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا مَرْوَانُ ، قَبِيصَةَ بْنَ ذُؤَيْبٍ يَسْأَلُهَا عَنِ الْحَدِيثِ ، فَحَدَّثَتْهُ بِهِ ، فَقَالَ مَرْوَانُ : لَمْ نَسْمَعْ هَذَا الْحَدِيثَ إِلَّا مِنِ امْرَأَةٍ ، سَنَأْخُذُ بِالْعِصْمَةِ الَّتِي وَجَدْنَا النَّاسَ عَلَيْهَا ، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ ، حِينَ بَلَغَهَا قَوْلُ مَرْوَانَ : فَبَيْنِي وَبَيْنَكُمُ الْقُرْآنُ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ } الْآيَةَ ، قَالَتْ : هَذَا لِمَنْ كَانَتْ لَهُ مُرَاجَعَةٌ ، فَأَيُّ أَمْرٍ يَحْدُثُ بَعْدَ الثَّلَاثِ ؟ فَكَيْفَ تَقُولُونَ : لَا نَفَقَةَ لَهَا إِذَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا ؟ فَعَلَامَ تَحْبِسُونَهَا ؟
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
2806 حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، وعبد بن حميد ، واللفظ لعبد ، قالا : أخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، أن أبا عمرو بن حفص بن المغيرة ، خرج مع علي بن أبي طالب إلى اليمن ، فأرسل إلى امرأته فاطمة بنت قيس بتطليقة كانت بقيت من طلاقها ، وأمر لها الحارث بن هشام ، وعياش بن أبي ربيعة بنفقة ، فقالا لها : والله ما لك نفقة إلا أن تكوني حاملا ، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكرت له قولهما ، فقال : لا نفقة لك ، فاستأذنته في الانتقال ، فأذن لها ، فقالت : أين يا رسول الله ؟ فقال : إلى ابن أم مكتوم وكان أعمى ، تضع ثيابها عنده ولا يراها ، فلما مضت عدتها أنكحها النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد ، فأرسل إليها مروان ، قبيصة بن ذؤيب يسألها عن الحديث ، فحدثته به ، فقال مروان : لم نسمع هذا الحديث إلا من امرأة ، سنأخذ بالعصمة التي وجدنا الناس عليها ، فقالت فاطمة ، حين بلغها قول مروان : فبيني وبينكم القرآن ، قال الله عز وجل : { لا تخرجوهن من بيوتهن } الآية ، قالت : هذا لمن كانت له مراجعة ، فأي أمر يحدث بعد الثلاث ؟ فكيف تقولون : لا نفقة لها إذا لم تكن حاملا ؟ فعلام تحبسونها ؟
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: أن أبا عمرو بن حفص بن المغيرة خرج مع علي بن أبي طالب إلى اليمن.
فأرسل إلى امرأته فاطمة بنت قيس بتطليقة كانت بقيت من طلاقها.
وأمر لها الحارث بن هشام وعياش بن أبي ربيعة بنفقة فقالا لها: والله! ما لك نفقة إلا أن تكوني حاملاً.
فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له قولهما.
فقال لا نفقة لك فاستأذنته في الانتقال فأذن لها.
فقالت: أين يا رسول الله؟ فقال إلى ابن أم مكتوم وكان أعمى.
تضع ثيابها عنده ولا يراها.
فلما مضت عدتها أنكحها النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد.
فأرسل إليها مروان قبيصة بن ذؤيب يسألها عن الحديث.
فحدثته به.
فقال مروان: لم نسمع هذا الحديث إلا من امرأة.
سنأخذ بالعصمة التي وجدنا الناس عليها.
فقالت فاطمة، حين بلغها قول مروان: فبيني وبينكم القرآن.
قال الله عز وجل ( لا تخرجوهن من بيوتهن) الآية.
قالت: هذا لمن كانت له مراجعة.
فأي أمر يحدث بعد الثلاث؟ فكيف تقولون: لا نفقة لها إذا لم تكن حاملاً؟ فعلام تحسبونها ؟

المعنى العام

شرع الله العدة للمتوفى عنها زوجها، وللمطلقة طلاقًا رجعيًا أو طلاقًا بائنًا لأمرينا: الأول: استبراء رحمها والتأكد من أنها غير حامل إن كانت حائلاً، وعدم سقى ولده بماء غيره إن كانت حاملاً.
الثاني: احترام رباط الزوجية وقدسيته والالتزام بصيانة آثاره مدة محددة حتى لو وثقنا بعدم الحمل وبراءة الرحم.

ومن هنا كان من الضروري وضع القواعد الشرعية لهذه المدة، ما للمرأة من حقوق؟ وما عليها من واجبات.
وأول هذه الحقوق سكنها، وهل من حق الزوج أن يخرج مطلقته من مسكن الزوجية؟ وهل من حقها أن تتركه وتسكن خارجه؟ وهل من حقها أن تخرج في عدتها لقضاء حاجاتها ومصالحها؟ أو هي محبوسة على ذكرى زوجها؟ وهل تجب عليه نفقتها مدة العدة وكسوتها؟ أوليس عليه ذلك؟ وهل هناك فرق بين الرجعية والمبتوتة والمتوفى عنها زوجها؟.

لقد كان تشريع هذه الأمور من أخريات التشريعات، وفي السنة الأخيرة من حياته صلى الله عليه وسلم، فلم يتكرر تطبيقها، وإن تكرر لم تحدث مشاكل بين الزوجين، فكان الزوج يرضي مطلقته ويحسن إليها فوق حقها، وكانت الزوجة وأهلها كرماء النفس يتنازلون عن كثير من حقوق الزوجة عند الطلاق، وكانت قصة فاطمة بنت قيس مع زوجها المخزومي هي الأزمة الوحيدة التي رفعت خصومتها للنبي صلى الله عليه وسلم وقضى فيها بحكمه الذي يمكن أن يكون قد روعي فيه ظروف خاصة بفاطمة، وليس تشريعًا عامًا.
ومن هنا اختلف العلماء في مثل قضيتها وكان لكل وجهة، شرحتها في فقه الحديث، وفق الله الجميع لفهم شريعته والعمل على منهاجه وعلى الله قصد السبيل.

المباحث العربية

( عن فاطمة بنت قيس) رضي الله عنها.
بن خالد، من بني محارب بن فهر بن مالك، أخت الضحاك بن قيس الذي ولى العراق ليزيد بن معاوية، كانت من المهاجرات الأول، ولها عقل وجمال، وفي بيتها اجتمع أصحاب الشورى عند قتل عمر بن الخطاب.
توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي في سن السابعة عشرة.
فقصة حديثها قبل ذلك.

( أن أبا عمرو بن حفص طلقها) ويقال له: أبو حفص بن عمرو بن المغيرة المخزومي، وهو ابن عم خالد بن الوليد بن المغيرة.

( طلقها ألبتة) يقال: أبت فلان طلاق امرأته، أي طلقها طلاقًا بائنًا، أي بائنًا ثلاثًا، والبتة المنقطعة التي لا رجعة فيها إلا بعد زوج آخر.
وألبتة بهمزة قطع، وحكي فيها همزة الوصل.

وفي الرواية الرابعة والثالثة عشرة طلقها ثلاثًا وفي الرواية الحادية عشرة والسادسة عشرة طلقني زوجي ثلاثًا وفي ملحق الرواية الخامسة عشرة طلقها طلاقًا باتًا وفي الرواية الثانية والثالثة طلقها زوجها بدون عدد، وفي الرواية السادسة فطلقها آخر ثلاث تطليقات وفي الرواية السابعة أرسل إلى امرأته بتطليقة كانت بقيت من طلاقها قال النووي: فالجمع بين هذه الروايات أنه طلقها قبل هذا طلقتين، ثم طلقها هذه المرة الطلقة الثالثة، فمن روى أنه طلقها مطلقًا، أو طلقها واحدة، أو طلقها آخر ثلاث تطليقات فهو ظاهر، ومن روى البتة فمراده طلقها طلاقًا صارت به مبتوتة بالثلاث - وليس مراده أنه قال لها: أنت طالق البتة - ومن روى ثلاثًا أراد تمام الثلاث.

( وهو غائب) أي في غير مواجهتها، وفي الرواية الرابعة عشرة أرسل إلى زوجي أبو عمرو بن حفص بن المغيرة، عياش بن أبي ربيعة بطلاقي وفي الرواية الرابعة طلقها ثلاثًا، ثم انطلق إلى اليمن والظاهر أنه طلقها وهو عند أهله في المدينة يستعد للرحيل إلى اليمن، مرافقًا لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فطلقها أمام ابني عميه.
الحارث بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، وأرسلهما إليها بالطلاق وبشيء من الشعير والتمر.

( فأرسل إليها وكيله بشعير) أي أنه قبل رحيله وكل وكيلاً يبلغها الطلاق، ويبعث إليها بشيء، فأرسل هذا الوكيل رجلاً بذلك، والظاهر أن الوكيل في ذلك ابن عمه، أو ابنا عمه، الحارث، وعياش، وأنهما ذهبا بنفسيهما إليها، كما في الرواية السابعة، فناقشاها، بعد أن بلغاها الطلاق، وسلماها خمسة آصع من الشعير، وخمسة آصع من التمر، والصاع أربع حفنات بكفي الرجل المعتدل - وطلبا من الخروج من منزل الزوجية.
والمناقشة في الرواية الرابعة عشرة قالت: أما لي نفقة إلا هذا؟ ولا أعتد في منزلكم؟ قالا: لا وفي الرواية الأولى والله ما لك علينا من شيء وفي الرواية السابعة فقالا لها: والله ما لك نفقة إلا أن تكوني حاملاً وفي الرواية الثانية وكان أنفق عليها نفقة دون - بإضافة نفقة إلى دون والدون الرديء الحقير، قال الجوهري: ولا يشتق منه فعل، وبعضهم يقول منه: دان يدون دونًا.
وهي تشير بذلك إلى أصع الشعير والتمر، وفي الرواية الخامسة فأرسلت إلى أهله أبتغي النفقة فالظاهر أنها بعد مناقشة ابني عمه حاولت مع أهله الآخرين.

( فجاءت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له) في الرواية الثانية فلما رأت ذلك قالت: والله لأعلمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن كان لي نفقة أخذت الذي يصلحني - أي أخذتها لتصلحني - وإن لم يكن لي نفقة لم آخذ منه شيئًا أي وأرد إليه أصع الشعير والتمر، وفي الرواية الرابعة عشرة فشددت علي ثيابي، وأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ففي هذه الروايات أنها ذهبت بنفسها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن في الرواية الرابعة فانطلق خالد بن الوليد - وهو ابن عم زوجها - في نفر، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت ميمونة - خالة خالد - فقالوا: إن أبا حفص طلق امرأته ثلاثًا، فهل لها نفقة؟ ولا تعارض، فقد تكون ذهبت بنفسها ترفع شكواها وأجيبت، وذهب أهله بعدها يسألون، وأجيبوا.

( فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ليس لك عليه نفقة) وأمرها أن تعتد خارج بيت الزوجية، أي أن تخرج، وفي الرواية الثانية فقال: لا نفقة لك ولا سكنى وفي الرواية الثالثة لا نفقة لك، فانتقلي وفي الرواية السابعة فقال: لا نفقة لك، فاستأذنته في الانتقال - أي من بيت زوجها - فأذن لها وفي الرواية الثامنة فلم يجعل لي سكنى ولا نفقة وفي الرواية الثالثة عشرة فلم يجعل لها رسول الله صلى الله عليه وسلم سكنى ولا نفقة وفي الرواية الرابعة عشرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كم طلقك؟ قلت: ثلاثًا.
قال: ليس لك نفقة.
اعتدي في بيت ابن عمك.

( فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك) بفتح الشين وكسر الراء، وفي الرواية الرابعة وأمرها أن تنتقل إلى أم شريك، ثم أرسل إليها أن أم شريك يأتيها المهاجرون الأولون وهي قرشية عامرية، قيل: اسمها غزية بالياء والتصغير، وقيل: غزيلة بنت دودان بن عوف بن عمرو.
أسلمت قديمًا بمكة، ثم جعلت تدخل على نساء قريش سرًا، فتدعوهن وترغبهن في الإسلام، حتى ظهر لأهل مكة، فأخذوها، وقالوا لها: لولا قومك لفعلنا بك وفعلنا.
وحبسوها ثلاثًا لا يطعمونها ولا يسقونها، فأطعمها الله وسقاها، وهاجرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ووهبت نفسها إليه بدون مهر.
قيل: فلم يقبلها فعاشت وحدها بالمدينة، وكانت كبيرة السن صالحة رضي الله عنها.

( اعتدي عند ابن أم مكتوم) في الرواية الثالثة فاذهبي إلى ابن أم مكتوم، فكوني عنده.

( فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك) أي فلا يراك، وفي الرواية الثالثة فإنه رجل أعمى، تضعين ثيابك عنده أي فلا يراك، وفي الرواية الرابعة فإنك إذا وضعت خمارك لم يرك وفي الرواية الحادية عشرة انتقلي إلى بيت ابن عمك، عمرو بن أم مكتوم قال النووي: هكذا وقع هنا، وكذا جاء في صحيح مسلم في آخر الكتاب، وزاد، فقال: هو رجل من بني فهر من البطن الذي هي منه، وقال القاضي: المشهور خلاف هذا، وليس هما من بطن واحد، هي من محارب ابن فهر، وهو من بني عامر بن لؤي.
قال النووي: هو ابن عمها مجازًا، يجتمعان في فهر.
واختلف في اسم ابن أم مكتوم، فقيل: عمرو، وقيل: عبد الله، وقيل غير ذلك.

وفي الرواية التاسعة فأذن لي أن أعتد في أهلي يحتمل أن هذا حين استأذنته في الانتقال، ثم أمرها بالانتقال إلى أم شريك، ثم أمرها أخيرًا بالانتقال إلى ابن أم مكتوم.

( فإذا حللت فآذنيني) أي فإذا انقضت عدتك، وحللت للزواج فأعلميني، أي قبل أن تتفقي مع أحد، وفي الرواية الرابعة لا تسبقيني بنفسك أي لا تسبقيني بعد العدة باتخاذ قرار في نفسك بالزواج.
وفي ملحق الرواية الخامسة لا تفوتينا بنفسك أي لا تتزوجي بدون علمنا.

( أما معاوية فصعلوك لا مال له) بضم الصاد وسكون العين، أي فقير.
فقوله لا مال له تأكيد لفقره، وليس المراد نفي أن يكون له مال أصلاً، ولكنه من قبيل: اعتبار القليل في حكم العدم.
وفي الرواية الثالثة عشرة أما معاوية فرجل ترب لا مال له بفتح التاء وكسر الراء، أي كفه والتراب، أي فقير.
وفي الرواية الرابعة عشرة إن معاوية ترب خفيف الحال.

( وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه) قيل: كناية عن كثرة أسفاره، مما يضر بالزوجة، والعاتق ما بين العنق والمنكب، وقيل: معناه أنه يحمل عصاه على كتفه دائمًا ليضرب بها زوجته، ففي الرواية الثالثة عشرة وأما أبو جهم فرجل ضراب للنساء وفي الرواية الرابعة عشرة وأبو الجهم منه شدة على النساء - أو يضرب النساء قال النووي عن هذه الرواية أبو الجهيم بضم الجيم مصغر، والمشهور أنه بفتحها مكبر، وهو المعروف في باقي الروايات وفي كتب الأنساب وغيرها.
وأبو جهم هذا هو ابن حذيفة القرشي العدوي.

( انكحي أسامة بن زيد، فكرهته، ثم قال: انكحي أسامة) فكرهته أي فكرهت نكاحه، لأنه كان مولى، فهو ابن زيد بن حارثة، الذي كان عبدًا لخديجة رضي الله عنها، ثم عبدًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أعتقه وتبناه، ثم زوجه حاضنته أم أيمن، فكان أسامة ابنه، وهي قرشية، وفوق ذلك أن أسامة كان أسود اللون جدًا، وهي تتيه بجمالها.

وفي الرواية الثالثة عشرة ولكن أسامة بن زيد.
فقالت بيدها هكذا.
أسامة.
أسامة أي أشارت بيدها إشارة طرد واحتقار، تلوح بها إلى الأمام، أو إشارة رفض، تلوح بها يمينًا وشمالاً.
تعني: لا.
لا.

( فنكحته، فجعل الله فيه خيرًا، واغتبطت به) قال النووي: ولم تقع لفظة به في أكثر النسخ، واغتبطت بفتح التاء والباء، والغبطة أن يتمنى مثل حال المغبوط من غير إرادة زوال النعمة عنه، يقال: غبطته بما نال، أغبطه، بكسر الباء، غبطًا وغبطة، فاغتبط.
اهـ.
ومعنى فاغتبطت به سعدت به.
وفي ملحق الرواية الخامسة عشرة فتزوجته، فشرفني الله بابن زيد، وكرمني الله بابن زيد قال النووي: وفي بعض النسخ بأبي زيد في الموضعين على أنه كنية، وكلاهما صحيح، فهو أسامة بن زيد، كنيته أبو زيد، ويقال: أبو محمد.

( تضعين ثيابك عنده) عنده متعلق بمحذوف حال من ضمير تضعين وليس متعلقًا بتضعين، إذ ليس المعنى وضع الثياب عنده كأمانة، ولكن المعنى تضعين ثيابك وتكشفي عورتك مادمت عنده، لأنه لا يراك.

( كتبت ذلك من فيها كتابًا) أي كتبت حديثها أخذًا من لسانها بدون واسطة، وكتابًا يستعمل اسمًا لما سطر، ويستعمل مصدرًا بمعنى كتابة، والمراد الثاني، أي كتبت حديثها كتابة ولم أكتف بالسماع.

( فأبى مروان أن يصدقه في خروج المطلقة من بيتها) أي فأبى مروان أن يصدق حديث فاطمة بنت قيس في كونه يخرج المطلقة من بيتها.
وحاصل القصة، وسيأتي بعضها في الرواية السابعة وأخرجها النسائي عن الزهري أن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان طلق امرأته، بنت سعيد بن زيد، البتة، وأمها حزمة بنت قيس، فأمرتها خالتها فاطمة بنت قيس بالانتقال، فسمع ذلك مروان - وهو أمير المدينة - فأنكر، فذكرت أن خالتها أخبرتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفتاها بذلك، فأرسل مروان قبيصة بن ذؤيب إلى فاطمة، يسألها عن ذلك، فذكرت الحديث، ورجع به ابن ذؤيب إلى مروان، فأبى مروان أن يصدقه، وقال - كما في الرواية السابعة - لم نسمع هذا الحديث إلا من امرأة، لن نأخذ به، سنأخذ بالعصمة التي وجدنا الناس عليها [قال النووي: هكذا هو في معظم النسخ بالعصمة بكسر العين، وفي بعضها بالقضية بالقاف والضاد، وهذا واضح، ومعنى الأول: بالثقة والأمر القوي الصحيح] فقالت فاطمة بنت قيس حين بلغها قول مروان - تدافع عن حديثها وفهمها، قالت: فبيني وبينكم القرآن.
قال الله عز وجل { { لا تخرجوهن من بيوتهن } } الآية.
قالت: هذا لمن كانت له مراجعة - أي في المطلقة رجعيًا، لأنها محبوسة على زوجها، تحل له في أي وقت يشاء، فتبقى في بيته، لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا، فيكون قربها منه ووجودها في بيته وفي جواره مساعدًا لرجعتها، أما المطلقة ثلاثًا لا يحدث بينها وبين زوجها أمر، فلم تحبس في بيت من طلقها؟ أليس هذا يؤيد حديثي وأن المطلقة ثلاثًا تعتد وتخرج خارج بيت مطلقها؟

والآية التي تفسرها فاطمة في أول سورة الطلاق، قوله تعالى { { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا } }

والظاهر أن مروان ظل منكرًا حديث فاطمة بعد مناقشتها، يميل إلى عدم العمل به ويرده، حتى جاءته قضية أخرى، هي التي تحدثت عنها الروايات السابعة عشرة والتاسعة عشرة والمتممة للعشرين، وحاصلها: أن يحيى بن سعيد بن العاص - وكان أبوه أمير المدينة لمعاوية قبل مروان - طلق امرأته بنت عبد الرحمن بن الحكم، قيل: اسمها عمرة.
وهي بنت أخي مروان، الذي كان أمير المدينة آنذاك - طلقها ثلاثًا، وأخرجها من بيته، فعاب عروة بن الزبير على يحيى وأهله إخراجها من بيتها.
فاستدلوا على إخراجها بحديث فاطمة بنت قيس، وخروجها - ويبدو أن اعتراض عروة كان أمام مروان، فذهب عروة إلى خالته عائشة يستعيد منها الفتوى التي سمعها من قبل، قال لها: ألم تعلمي أن عمرة بنت عبد الرحمن بن الحكم طلقها زوجها يحيى ألبتة؟ فخرجت، أو أخرجت؟ قالت: بئسما صنعت، وبئسما صنعوا بها.
لم تكن لتخرج من بيتها.
قال: قد اعتمدوا على حديث فاطمة بنت قيس؟ قالت: لا خير لفاطمة بنت قيس في ذكرها لهذا الحديث وتمسكها به، وحقها أن لا تذكره، فقد كانت لها حالة خاصة، من الإساءة إليها أن تنشر، ورجع عروة يقول لمروان: إن عائشة أنكرت ذلك على فاطمة.
وأرسلت عائشة إلى مروان تقول له: اتق الله وارددها إلى بيتها، قال لها: لقد حاولت، لكن أباها أخي عبد الرحمن بن الحكم لم يطعني في ردها لبيتها.
قالت له عائشة: لا يضرك أن لا تذكر حديث فاطمة، فقد كان بها شر استدعى خروجها.
قال مروان: إن كانت فاطمة خرجت لشر فيها فهذه أيضًا بها شر لا يقل عن شر فاطمة.

( دخلنا على فاطمة بنت قيس فأتحفتنا برطب ابن طاب، وسقتنا سويق سلت) إتحاف الضيف ما يقدم له أول نزوله، ورطب ابن طاب اسم لنوع من رطب المدينة، قال النووي: وأنواع تمر المدينة مائة وعشرون نوعًا.
وأما السلت بضم السين وسكون اللام بعدها تاء، حب بين الشعير والحنطة، قيل: طبعه طبع الشعير في البرودة، ولونه قريب من لون الحنطة.

( وأخاف أن يقتحم علي) الاقتحام الهجوم على الشخص بغير إذن.

( فأرادت أن تجد نخلها) يقال: جد يجد وجذ يجذ من باب شد يشد، أي قطع، وجذ النخل جذًا وجذاذًا قطع ثمره وجناه.

فقه الحديث

قال النووي وغيره: اختلف العلماء في المطلقة البائن الحائل - غير الحامل - هل لها النفقة والسكنى مدة العدة؟ أم لا؟ فقال عمر وأبو حنيفة وآخرون: يجب لها السكنى والنفقة، واحتجوا بقوله تعالى: { { واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن } } بعد قوله تعالى: { { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة } } وقوله تعالى: { { أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم } } فهذا أمر بالسكنى، وأما النفقة فلأنها محبوسة عليه وبسببه، لا تتزوج غيره إلا بعد العدة، فالنفقة تابعة للسكنى، ومن حججهم أن القرآن لم يفرق بين مطلقة ومطلقة، فكانت البائن كالرجعية.
وأنكروا حديث فاطمة بنت قيس، وردوه، روى الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عمر رضي الله عنه أنه قال: لا ندع كتاب ربنا - يشير إلى الآيتين السابقتين - وسنة نبينا بقول امرأة، لا ندري حفظت أو نسيت، لها السكنى والنفقة وأخرجه أبو داود بلفظ لا ندري أحفظت؟ أو لا؟ وأخرجه النسائي بلفظ قال عمر لها: إن جئت بشاهدين يشهدان أنهما سمعاه من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وإلا لم نترك كتاب الله لقول امرأة وروايتنا الثانية عشرة مؤيدة لإنكار عمر.

وأنكره أيضًا عائشة وأسامة بن زيد، كما تصرح بذلك روايتنا السابعة عشرة، والمتممة للعشرين.

وبالغ الطحاوي في تقرير هذا المذهب، فقال: خالفت فاطمة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن عمر روى خلاف ما روت - يشير إلى رواية عن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لها السكنى والنفقة قال المحققون: وهذا منقطع لا تقوم به حجة - فخرج المعنى الذي أنكر عليها عمر خروجًا صحيحًا، وبطل حديث فاطمة، فلم يجب العمل به أصلاً.
اهـ.

المذهب الثاني: مذهب أحمد في أظهر روايتيه وإسحق وأبي ثور وداود وأتباعهم، وهو أنه لا نفقة لها ولا سكنى، وحجتهم ظاهر حديث فاطمة بنت قيس، ونازعوا في تناول الآية المطلقة البائن، واعتمدوا مراجعة فاطمة وتفسيرها للآية الواردة في روايتنا السابعة، وشرحناه قريبًا في المباحث العربية، عند فقرة فأبى مروان أن يصدقه وقالوا: الآية في الرجعية.

المذهب الثالث: مذهب الشافعية والمالكية والجمهور، وهو أن لها السكنى - إلا لسبب شرعي - ولا نفقة لها، وهو قول ابن مسعود وابن عمر وعائشة وسعيد بن المسيب والثوري وأصحاب الرأي وإحدى الروايتين عن أحمد ويستدلون على وجوب السكنى بما استدل به أصحاب المذهب الأول قوله تعالى: { { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن } } وقوله تعالى: { { أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم } } ولم يفرق في المطلقة في هذا بين الرجعية والبائن، فهما سواء في وجوب السكنى.

أما النفقة فقد خصتها الآية بالحامل، حيث يقول جل شأنه في العدة وواجباتها { { واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرًا * ذلك أمر الله أنزله إليكم ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرًا* أسكنوهن } } - أي في العدة المذكورة بأنواعها - { { من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن } } [الطلاق: 4 وما بعدها] .

فمفهوم الآية أن غير الحامل لا نفقة لها، وإلا لم يكن لتخصيصها بالذكر معنى، قالوا: والسياق يفهم أن الآية في غير الرجعية، لأن نفقة الرجعية واجبة وجوبًا ظاهرًا مدة عدتها، ولو لم تكن حاملاً، لأنها زوجة ترثه ويرثها إذا مات أحدهما في العدة، ولا كذلك البائن.

وهؤلاء لا يردون حديث فاطمة بنت قيس، وإنما يوجهونه، كما سيأتي.
أما الحنفية فيقولون عن الآية: إنما قيد النفقة بحالة الحمل ليدل على إيجابها في غير حالة الحمل بطريق الأولى، لأن مدة الحمل تطول غالبًا، فإذا وجبت في المدة الأطول وجبت في المدة الأقصر من باب أولى.
ورد هذا بأنه قياس فاسد، لأن مدة الحمل قد تقصر عن عدة القروء، ولأن قياس الحائل على الحامل يتضمن إسقاط قيد ورد به القرآن الكريم.

فتحصل في حكم السكنى والنفقة مدة العدة للمطلقة ما يأتي:

أولاً: المطلقة طلاقًا رجعيًا لها السكنى والنفقة والكسوة مدة العدة بلا خلاف، حاملاً كانت أو حائلاً، لأنها زوجة ترثه ويرثها إن مات أحدهما أثناء العدة، ولأن الزوجية باقية، والتمكين من الاستمتاع موجود.
وتسكن حيث يختار لها، مادام المسكن يصلح لمثلها، وإن طلقت وهي في مسكن لزمها أن تعتد فيه، ويحرم على الزوج أن يخرجها من مسكنها، ويحرم عليها أن تخرج منه، إلا في الموضع الذي استثناه جل شأنه بقوله { { واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } } أي فيحل إخراجهن، ولو أخرجت أو خرجت دون هذا العذر أثم أو أثمت.
ولا تنقطع العدة.

والفاحشة المبينة هي البذاء على زوجها وعلى أحمائها.
قال عكرمة: في مصحف أبي إلا أن يفحشن عليكم وعن ابن عباس: الفاحشة كل معصية كالزنا والسرقة والبذاء على الأهل، واعترض على هذا بالغيبة ونحوها من المعاصي، فهي لا تبيح الإخراج ولا الخروج.

أما من قال: إن المراد بالفاحشة الزنا، فقد رده ابن العربي، فقال: أما من قال: إنه الخروج للزنا فلا وجه له، لأن ذلك الخروج هو خروج القتل والإعدام، وليس ذلك بمستثنى في حلال ولا حرام.
اهـ.
وقيل: إنه الخروج بغير حق، وتقدير الكلام: لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن شرعًا، إلا أن يخرجن تعديًا وبغير حق.

ثانيًا: المطلقة طلاقًا بائنًا، ثلاثًا أو باتًا، وهي حامل يجب لها السكنى والنفقة قولاً واحدًا، لا نعلم خلافًا في ذلك بين أهل العلم، لقوله تعالى: { { وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن } } فوجب لها السكنى والنفقة إن لم يكن من أجلها فمن أجل ولده الذي تحمله.

ثالثًا: المطلقة طلاقًا بائنًا، ثلاثًا أو باتًا، وهي غير حامل فيها خلاف بين العلماء.
قيل: لها السكنى والنفقة، وقيل: ليس لها سكنى ولا نفقة، وقيل: لها السكنى وليس لها نفقة.

رابعًا: المتوفى عنها زوجها إن كانت غير حامل فلا نفقة لها بالإجماع، وإن كانت حاملاً فالأصح عند الشافعية أنه لا نفقة لها كالحائل، وقيل: تجب لها النفقة كالمطلقة الحامل.
أما السكنى فالأصح عند الشافعية وجوب السكنى.

والذي تستريح إليه النفس بخصوص حديث فاطمة بنت قيس:

( أ) أنه صحيح، لا مجال لرده، فقد أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما، بطرق كثيرة بلغت حد الشهرة، وقيل: حد التواتر.

( ب) وأنه بخصوص نفقة المطلقة طلاقًا بائنًا صريح في أنها لا نفقة لها، ولم تشر رواية من رواياته إلى أنها كانت تستحق النفقة فلم يحكم لها بها لسبب من الأسباب، بل بعض الروايات تعرضت إلى أنه لا نفقة لها، ولم تتعرض للسكنى، ففي الرواية الأولى أن شكواها من وكيل زوجها كان من أجل النفقة، حيث أنكر حقها في النفقة، وأرسل إليها نفقة دون، وأنها ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ليس لك عليه نفقة إذن السكنى كان أمرها مقررًا، لم تكن سببًا في الخصومة، وأصرح من الرواية الأولى في أن الخصومة كانت من أجل النفقة قولها في الرواية الثانية إن كان لي نفقة أخذت الذي يصلحني، وإن لم تكن لي نفقة لم آخذ منه شيئًا وفي الرواية الثالثة لا نفقة لك وفي الرواية الرابعة فقال لها أهله: ليس لك علينا نفقة.
ولما ذهب أهله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه عن نفقتها ولم يسألوه عن سكناها، وكان جوابه لهم: ليست لها نفقة وفي الرواية الخامسة تقول فأرسلت إلى أهله.
أبتغي النفقة وفي الرواية السابعة فقالا لها: والله ما لك نفقة إلا أن تكوني حاملا، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت له قولها؟ فقال: لا نفقة لك.

( ج) وأن موضوع السكنى في حديث فاطمة كان له ظروف خاصة جعلها تخرج من بيتها، وتعتد خارج مسكنها، من هذه الظروف أنها هي التي طلبت الانتقال، وكأنها تنازلت عن هذا الحق بعد ثبوته، ففي الرواية السابعة فاستأذنته في الانتقال؟ فأذن لها، فقالت: أين يا رسول الله؟ قال....
إلخ وفي الرواية التاسعة فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أعتد في أهلي أي هي التي استأذنت في الخروج، وفي الرواية الحادية عشرة فأردت النقلة، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: انتقلي... إلخ ومن هذه الظروف أن بيت الزوجية كان في مكان موحش، تخشى على نفسها فيه، فطلبت النقلة منه.
ففي الرواية الثامنة عشرة وأخاف أن يقتحم علي؟ قال: فأمرها فتحولت.

ومن هذه الظروف أنها كانت امرأة خشنة لسنة بذيئة بذاءة تبيح لوكيل زوجها أن يخرجها من مسكنها، تشير إلى هذا عائشة في روايتنا السابعة عشرة والتاسعة عشرة والمتممة للعشرين، إذ تقول ما لفاطمة بنت قيس خير في أن تذكر هذا الحديث أي لأن الشخص لا ينبغي له أن يذكر شيئًا عليه فيه غضاضة، وروي عن عائشة أنها قالت لفاطمة بنت قيس: اتقي الله، فإنك تعلمين لم أخرجت؟ وفي كتاب أبي داود قال سعيد بن المسيب عن فاطمة بنت قيس: تلك امرأة فتنت الناس، واستطالت على أحمائها بلسانها، فأمرها عليه الصلاة والسلام أن تنتقل.
ودافع الشوكاني في نيل الأوطار عنها، ونفى فحش لسانها حيث ارتضاها رسول الله صلى الله عليه وسلم لحبه وابن حبه أسامة بن زيد، وحقق بعض العلماء القضية، فقال: البذاء المنسوب لفاطمة لم يكن موجهًا لزوجها، بل كان موجهًا لأحمائها، وهذا أمر غير مستبعد من أي امرأة مطلقة، تحس بشخصيتها، لا سيما إذا كان البذاء مجرد المخاشنة في القول، والاستعلاء على نساء الأحماء، والحدة في اللهجة والصوت.

وكأن فاطمة - بعد بيان هذه الظروف - تحكي قرار عدم إسكانها، وأنه حكم لها بعدم السكن، أي في النهاية، وربما فهمته حكمًا عامًا لكل النساء، ولم تفهمه خاصًا بها لظروفها.
ويمكن حمل جميع الروايات على هذا بدون تعسف، فأولى المذاهب بالاختيار مذهب الشافعية والجمهور.

ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم

1- يؤخذ من قوله في الرواية الأولى طلقها البتة وهو غائب أن الطلاق يقع في غيبة المرأة.

2- ومن قوله أرسل إليها وكيله جواز الوكالة في أداء الحقوق.
قال النووي: وقد أجمع العلماء على هذين الحكمين.

3- ومن قوله تلك امرأة يغشاها أصحابي جواز زيارة الرجال للنساء الأجانب ما لم تكن فتنة ولا خلوة.

4- وكثرة التردد على الصالحين.

5- ومن رجوعه صلى الله عليه وسلم عن أن تعتد في بيت أم شريك حرصه صلى الله عليه وسلم على رفع الحرج عن الأمة وفي كل تشريع، إذ رأى صلى الله عليه وسلم أن على فاطمة من الاعتداد عندها حرجًا، من حيث إنه يلزمها التحفظ من نظرهم إليها، ونظرها إليهم وانكشاف شيء منها، وفي التحفظ من هذا مع كثرة دخولهم وترددهم مشقة ظاهرة.

6- ومن أمره لها بالاعتداد عند ابن أم مكتوم أخذ بعض الناس جواز نظر المرأة إلى الأجنبي، بخلاف نظره إليها.
قال النووي: وهذا قول ضعيف، بل الصحيح الذي عليه جمهور العلماء وأكثر الصحابة أنه يحرم على المرأة النظر إلى الأجنبي، كما يحرم عليه النظر إليها، لقوله تعالى { { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم....
وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن
}
}
[النور: 30، 31] لأن الفتنة مشتركة، وكما يخاف الافتتان بها تخاف الافتتان به، ويدل عليه من السنة حديث نبهان مولى أم سلمة عن أم سلمة أنها كانت هي وميمونة عند النبي صلى الله عليه وسلم فدخل ابن أم مكتوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: احتجبا منه.
فقالتا: إنه أعمى، لا يبصر؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أفعمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه؟ وهذا الحديث حسن.
رواه أبو داود والترمذي وغيرهما، وقال الترمذي: هو حديث حسن، ولا يلتفت إلى قدح من قدح فيه بغير حجة معتمدة.

ثم قال النووي: وأما حديث فاطمة بنت قيس مع ابن أم مكتوم فليس فيه إذن لها بالنظر إليه، بل فيه أنها تأمن عنده من نظر غيرها لها، وهي مأمورة بغض بصرها، فيمكنها الاحتراز عن النظر بلا مشقة، بخلاف مكثها في بيت أم شريك.
اهـ.

7- ومن قوله فإذا حللت فآذنيني جواز التعريض بخطبة البائن.
قال النووي: وهو الصحيح عندنا.

8- ومن قوله صلى الله عليه وسلم عن أبي جهم: لا يضع عصاه عن عاتقه جواز استعمال الكناية.

9- ومن قوله عن معاوية: إنه صعلوك جواز ذكر الإنسان الغائب بما فيه من العيوب التي يكرهها إذا كان على وجه النصيحة.

10- ومن قوله عن معاوية: لا مال له نفي الشيء مع وجود قليله على سبيل المجاز واعتبار القليل في حكم العدم، فإن أبا جهم كان يضع العصا عن عاتقه في حال نومه وأكله، ومعاوية كان له ثوب يلبسه وغير ذلك من المال القليل.

11- ومن قوله انكحي أسامة بن زيد جواز الإشارة بنكاح شخص علم دينه وفضله وحسن طرائقه.

12- وجواز الخطبة على الخطبة إذا لم يحصل للأول إجابة، لأنها أخبرته أن معاوية وأبا جهم خطباها.

13- واستحباب إرشاد الإنسان إلى مصلحته، وإن كرهها، وتكرار ذلك عليه، لتكراره انكحي أسامة بعد قولها فكرهته.

14- وقبول نصيحة أهل الفضل، والانقياد إلى إشارتهم، وأن عاقبتها محمودة.

15- وجواز نكاح غير الكفء، إذا رغبت به الزوجة والولي، لأن فاطمة قرشية، وأسامة من الموالي.

16- والحرص على مصاحبة أهل الفضل والتقوى وإن دنت أنسابهم.

17- ومن إنكار عائشة على فاطمة؛ جواز إنكار المفتي على مفت آخر، خالف النص، أو عمم ما هو خاص.

18- ومن إتحاف أم شريك لزوارها؛ استحباب إتحاف الزائر وإكرامه بطيب الطعام والشراب، سواء كان المضيف رجلاً أو امرأة.

19- ومن خروج فاطمة من منزل الزوجية؛ جواز خروج المطلقة ثلاثًا من بيتها لعذر.

20- ومن الرواية الواحدة والعشرين جواز خروج المعتدة البائن للحاجة.
قال النووي: ومذهب مالك والثوري والليث والشافعي وأحمد وآخرين جواز خروجها في النهار للحاجة، وكذلك عن هؤلاء يجوز لها الخروج في عدة الوفاة، ووافقهم أبو حنيفة في عدة الوفاة، وقال في البائن: لا تخرج ليلاً ولا نهارًا.
اهـ.
أما المطلقة رجعيًا فلا تخرج إلا بإذن زوجها.

21- وفيه استحباب الصدقة من التمر عند جذاذه.

22- واستحباب الهدية منه.

23- واستحباب التعريض لصاحب التمر بفعل ذلك.

24- والتذكير بالمعروف والبر.

واللَّه أعلم