حَدِيثُ أَنْطُونِسَ السَّائِحِ وَمَوَاعِظُهُ وَأَمْثَالُهُ

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

حَدِيثُ أَنْطُونِسَ السَّائِحِ وَمَوَاعِظُهُ وَأَمْثَالُهُ

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

مَوْضُوعُ كِتَابِ أَنْطُونْيُوسَ السَّائِحِ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا : ثُمَّ إِنَّا وَجَدْنَا فِيمَا وَضَعَ الْأَوَّلُونَ مِنْ حِكَمِهِمْ وَضَرَبُوا مِنْ أَمْثَالِهِمْ كِتَابًا فِيهِ حِكَمٌ وَأَمْثَالٌ تَحْدُو ذَا اللُّبِّ عَلَى رَفْضِ الْعَاجِلَةِ وَتَحُثُّهُ عَلَى الْأَخْذِ بِالْوَثِيقَةِ فِي الْعَمَلِ لِلْآجِلَةِ وَهُوَ الْكِتَابُ الَّذِي يُنْسَبُ إِلَى أَنْطُونِسَ السَّائِحِ فَقَالَ فِيمَا يَذْكُرُونَ .

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

وَصِيَّةُ مَلِكٍ كَانَ مَلِكٌ بَعْدَ زَمَانِ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُقَالُ لَهُ أَنْطُونِسُ عَاشَ ثَلَاثَمِائَةِ سَنَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ بَعَثَ إِلَى ثَلَاثَةِ نَفَرٍ مِنْ عُظَمَاءِ أَهْلِ مِلَّتِهِ وَأَفَاضِلِهِمْ فَقَالَ لَهُمْ : فَقَدْ نَزَلَ بِي مَا تَرَوْنَ ، وَأَنْتُمْ رُءُوسُ أَهْلِ مَمْلَكَتِكُمْ وَأَفَاضِلُهُمْ ، وَلَا أَعْرِفُ أَحَدًا أَوْلَى بِتَدْبِيرِ رَعِيَّتِكُمْ مِنْكُمْ ، وَقَدْ كَتَبْتُ لَكُمْ عَهْدًا جَعَلْتُهُ إِلَى سِتَّةِ نَفَرٍ مِنْكُمْ مِنْ أَخْيَارِكُمْ لِيَخْتَارُوا رَجُلًا مِنْهُمْ لِتَدْبِيرِ مُلْكِكُمْ ، وَالذَّبِّ عَنْ رَعِيَّتِكُمْ ، فَسَلِّمُوا ذَلِكَ لِمَنِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ مَلَؤُكُمْ ، وَإِيَّاكُمْ وَالِاخْتِلَافَ ، فَتُهْلِكُونَ أَنْفُسَكُمْ وَرَعِيَّتَكُمْ ، قَالُوا : بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْنَا بِطُولِ مُدَّتِكَ ، وَيَمْنَعُ رَعِيَّتَكَ فَقْدَ سِيَاسَتِكَ قَالَ : دَعُوا هَذِهِ الْمَقَالَةَ ، وَأَقْبِلُوا عَلَى مَا وَصَفْتُ لَكُمْ مِنْ هَذَا الْعَهْدِ الَّذِي فِيهِ قِوَامُ أَمْرِكُمْ ، وَصَلَاحُ دِينِكُمْ ، فَإِنَّ الْمَوْتَ لَا بُدُّ مِنْهُ ، فَلَمْ تَمُرَّ بِهِمْ لَيْلَةٌ حَتَّى هَلَكَ

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

اخْتِلَافٌ عَلَى الْمُلْكِ فَدَبَّ أُولَئِكَ الثَّلَاثَةُ نَفَرٍ إِلَى السِّتَّةِ الَّذِينَ جَعَلَ إِلَيْهِمُ اخْتِيَارَ الْمَلِكِ ، فَصَارَ كُلُّ رَجُلَيْنِ مِنَ السِّتَّةِ يَدْعُوَانِ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الثَّلَاثَةِ ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ حُكَمَاؤُهُمْ وَأَهْلُ الرَّأْيِ مِنْهُمْ قَالُوا : يَا مَعْشَرَ السِّتَّةِ الَّذِينَ جُعِلَ إِلَيْهِمُ الِاخْتِيَارُ ، قَدِ افْتَرَقَتْ كَلِمَتُكُمْ ، وَاخْتَلَفَ رَأْيُكُمْ ، وَبِحَضْرَتِكُمُ الْيَوْمَ رَجُلٌ أَفْضَلُ أَهْلِ زَمَانِكُمْ مِمَّنْ لَا يُتَّهَمُ فِي حُكْمِهِ ، وَمِمَّنْ يُرْجَى الْيُمْنُ وَالْبَرَكَةُ فِي اخْتِيَارِهِ ، فَمَنْ أَشَارَ إِلَيْهِ مِنْكُمْ سَلَّمْتُمْ هَذَا الْأَمْرَ لَهُ

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

مُشَاوَرَةُ أَنْطُونْيُوسَ السَّائِحِ وَكَانَ فِي جَبَلٍ بِحَضْرَتِهِمْ رَجُلٌ سَائِحٌ يُقَالُ لَهُ أَنْطُونِسُ فِي غَارٍ مَعْرُوفٍ مَكَانُهُ ، قَدْ تَخَلَّى مِنَ الدُّنْيَا وَأَهْلِهَا ، فَاجْتَمَعَتْ كَلِمَتُهُمْ بِالرِّضَا بِمَنْ أَشَارَ إِلَيْهِ السَّائِحُ مِنَ الثَّلَاثَةِ نَفَرٍ ، فَوَكَّلُوا بِالْمَمْلَكَةِ رَجُلًا مِنَ السِّتَّةِ ، وَانْطَلَقَ الثَّلَاثَةُ نَفَرٍ إِلَى ذَلِكَ السَّائِحِ ، فَاقْتَصُّوا عَلَيْهِ قِصَّتَهُمْ ، وَأَعْلَمُوهُ رِضَاهُمْ بِمَنْ أَشَارَ إِلَيْهِ مِنْهُمْ ، فَقَالَ لَهُمُ السَّائِحُ : مَا أَرَانِي انْتَفَعْتُ بِاعْتِزَالِي عَنِ النَّاسِ ، وَإِنِّي وَإِيَّاكُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ كَانَ فِي مَنْزِلٍ غَشِيَهُ الذُّبَابُ فِيهِ ، فَتَحَوَّلَ مِنْهُ إِلَى مَنْزِلٍ يَرْجُو فِيهِ السَّلَامَةَ فَغَشِيَهُ فِيهِ الْأَسَدُ ، فَقَالَ : لَقَدْ كَانَ السَّبُعُ الَّذِي تَنَحَّيْتُ عَنْهُ أَيْسَرَ عَلَيَّ مِنَ السَّبُعِ الَّذِي غَشِيَنِي فِي مَنْزِلِي ، وَمَا هَذَا لِي بَمَنْزِلٍ ، قَالُوا : هَذَا أَمْرٌ دَعَانا إِلَيْهِ أَفَاضِلُ أَهْلِ مَمْلَكَتِكَ رَجَاءَ الْبَرَكَةِ ، وَالرُّشْدِ ، وَالْيُمْنِ فِي رَأْيِكَ ، وَمَا عَلَيْكَ إِلَّا أَنْ تُشِيرَ إِلَى أَفْضَلِنَا فِي نَفْسِكَ فَتُوَلِّيَهُ هَذَا الْأَمْرَ قَالَ : وَمَا عِلْمِي بِأَفْضَلِكُمْ ؟ وَأَنْتُمْ جَمِيعًا تَطْلُبُونَ أَمْرًا وَاحِدًا أَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ ، فَطَمِعَ بَعْضُهُمْ إِنْ هُوَ أَظْهَرَ الْكَرَاهِيَةَ لِلْمَلِكِ أَنْ يُشِيرَ إِلَيْهِ ، فَقَالَ : أَمَّا أَنَا فَغَيْرُ مُشَاحٍ صَاحِبَيَّ هَذَيْنِ ، وَإِنَّ السَّلَامَةَ لَدَيَّ لَفِي اعْتِزَالِ هَذَا الْأَمْرِ .
قَالَ السَّائِحُ : مَا أَظُنُّ صَاحِبَيْكَ يَكْرَهَانِ اعْتِزَالَكَ عَنْهُمَا فَأُشِيرُ إِلَى أَحَدِهِمَا وَأَتْرُكُكَ قَالَ : بَلْ تَخْتَارُ لِأُمَّتِكَ مَنْ بَدَا لَكَ .
قَالَ لَهُ السَّائِحُ : مَا أَرَاكَ إِلَّا قَدْ نَزَعْتَ عَنْ قَوْلِكَ ، وَصِرْتُمُ الْآنَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ ، غَيْرَ أَنِّي سَأَعِظُكُمْ ، وَأَضْرِبُ لَكُمْ أَمْثَالَ الدُّنْيَا ، وَأَمْثَالَكُمْ فِيهَا ، وَأَنْتُمْ أَعْلَمُ وَالْخِيَارُ لِأَنْفُسِكُمْ .

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

اغْتِنَامُ الْعُمُرِ وَالتَّوَثُّقُ بِالْعَمَلِ فَأَخْبِرُونِي : هَلْ عَرَفْتُمْ مَدَاكُمْ مِنَ الْمُلْكِ ، وَغَايَتَكُمْ مِنَ الْعُمُرِ ؟ قَالُوا : لَا نَدْرِي ، لَعَلَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا طَرْفَةَ عَيْنٍ قَالَ : فَلِمَ تُخَاطِرُونَ بِهَذِهِ الْغِرَّةِ ؟ قَالُوا : رَجَاءَ طُولِ الْمُدَّةِ قَالَ : كَمْ أَتَتْ عَلَيْكُمْ مِنْ سَنَةٍ ؟ قَالُوا : أَصْغَرُنَا ابْنُ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً ، وَأَكْبَرُنَا ابْنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ : فَاجْعَلُوا أَطْوَلَ مَا تَرْجُونَ مِنَ الْعُمُرِ مِثْلَ سِنِّكُمُ الَّتِي عَمَّرْتُمْ ، قَالُوا : لَسْنَا نَطْمَعُ فِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ، وَلَا خَيْرَ فِي الْعُمُرِ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ : أَفَلَا تَبْتَغُونَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ أَعْمَارِكُمْ مَا تَرْجُونَ مِنْ مُلْكٍ لَا يَبْلَى ، وَنَعِيمٍ لَا يَتَغَيَّرُ ، وَلَذَّةٍ لَا تَنْقَطِعُ ، وَحَيَاةٍ لَا يُكَدِّرُهَا الْمَوْتُ ، وَلَا تُنَغِّصُهَا الْأَحْزَانُ ، وَلَا الْهُمُومُ ، وَلَا الْأَسْقَامُ ؟ قَالُوا : إِنَّا لَنَرْجُو أَنْ نُصِيبَ ذَلِكَ بِمَغْفِرَةِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ قَالَ : قَدْ كَانَ مَنْ أَصَابَهُ الْعَذَابُ مِنَ الْقُرُونِ الْأُولَى يَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا تَرْجُونَ ، وَيُؤَمِّلُونَ مَا تُؤَمِّلُونَ ، وَيُضَيِّعُونَ الْعَمَلَ ، حَتَّى نَزَلَتْ بِهِمُ الْعُقُوبَةُ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ ، فَلَيْسَ يَنْبَغِي لِمَنْ صَدَّقَ بِمَا أَصَابَ الْقُرُونَ الْأُولَى أَنْ يَطْمَعَ فِي رَجَاءٍ بِغَيْرِ عَمَلٍ ، وَيُوشِكُ مَنْ سَلَكَ الْمَفَازَةَ بِغَيْرِ مَاءٍ أَنْ يَهْلِكَ عَطَشًا ، أَرَاكُمْ تَتَّكِلُونَ عَلَى الرَّجَاءِ فِي هَلَاكِ أَبْدَانِكُمْ ، وَلَا تَتَّكِلُونَ عَلَيْهِ فِي صَلَاحِ مَعَايِشِكُمْ ، تُؤَثِّثُونَ لِدَارٍ قَدْ عَرَفْتُمْ مُزَايَلَتَهَا ، وَتَتْرُكُونَ التَّأْثِيثَ لِدَارِ مُقَامِكُمْ ، ثُمَّ قَدْ رَأَيْتُمْ مَدَائِنَكُمُ الَّتِي ابْتَنَيْتُمُوهَا ، وَاعْتَدَتُّمْ فِيهَا الْأَثَاثَ وَالرِّبَاعَ ، لَوْ قِيلَ لَكُمْ : إِنَّهُ سَيَنْزِلُ عَلَيْكُمْ مَلِكٌ بِجُيُوشِهِ وَجُنُودِهِ فَيَعُمُّ أَهْلَهَا بِالْقَتْلِ ، وَبُنْيَانَهَا بِالْهَدْمِ ، هَلْ كُنْتُمْ تَطِيبُونَ نَفْسًا بِالْمُقَامِ فِيهَا ، وَالْبُنْيَانِ بِهَا ؟ قَالُوا : لَا ، قَالَ : فَوَاللَّهِ إِنَّ أَمْرَ هَؤُلَاءِ الْآدَمَيِّينَ لَصَائِرٌ إِلَى هَذَا وَلَكِنِّي أَدُلُّكُمْ عَلَى مَدِينَةٍ آمِنَةٍ سَلِيمَةٍ لَا يُؤْذِيكُمْ فِيهَا جَبَّارٌ ، وَلَا يَغْشُمُكُمْ > فِيهَا وَالٍ ، وَلَا تَعْدِمُكُمْ فِيهَا الثِّمَارُ ، قَالُوا : قَدْ عَرَفْنَا الَّذِي أَرَدْتَ ، فَكَيْفَ وَقَدِ اشْرَأَبَّتْ أَنْفُسُنَا بِحُبِّ الدُّنْيَا ؟ قَالَ : مَعَ الْأَسْفَارِ الْبَعِيدَةِ تَكُونُ الْأَرْبَاحُ الْكَثِيرَةُ ، فَيَا عَجَبًا لِلْجَاهِلِ وَالْعَالِمِ ، كَيْفَ اسْتَوَيَا فِي هَلَاكِ أَنْفُسِهِمَا ؟ أَلَا إِنَّ الَّذِي يَسْرِقُ وَلَا يَعْرِفُ عُقُوبَةَ السَّارِقِ أَعْذَرُ مِنَ السَّارِقِ الْعَارِفِ بِعُقُوبَتِهِ ، وَيَا عَجَبًا لِلْحَازِمِ كَيْفَ لَا يَبْذُلُ مَالَهُ دُونَ نَفْسِهِ فَيَنْجُوَ بِهَا ، فَإِنِّي أَرَى هَذَا الْعَالَمَ يَبْذُلُونَ أَنْفُسَهُمْ دُونَ أَمْوَالِهِمْ ، كَأَنَّهُمْ لَا يُصَدِّقُونَ بِمَا يَأْتِيهِمْ بِهِ أَنْبِيَاؤُهُمْ ، قَالُوا : مَا سَمِعْنَا أَحَدًا مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْمِلَّةِ يُكَذِّبُ بِشَيْءٍ مِمَّا جَاءَتْ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ قَالَ : مِنْ ذَلِكَ اشْتَدَّ عَجَبِي مِنِ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى التَّصْدِيقِ وَمُخَالَفَتِهِمْ فِي الْفِعْلِ ، كَأَنَّهُمْ يَرْجُونَ الثَّوَابَ بِغَيْرِ أَعْمَالٍ

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

التَّفَكُّرُ فِي هَلَاكِ الْعَالَمِ قَالُوا : أَخْبِرْنَا كَيْفَ أَوَّلُ مَعْرِفَتِكَ لِلْأُمُورِ مِنْ قِبَلِ الْفِكْرِ ؟ قَالَ : تَفَكَّرْتُ فِي هَلَاكِ الْعَالَمِ فَإِذَا ذَاكَ مِنْ قِبَلِ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ جُعِلَتْ فِيهِنَّ اللَّذَّاتُ ، وَهِيَ أَبْوَابٌ مُرَكَّبَةٌ فِي الْجَسَدِ ، مِنْهَا ثَلَاثَةٌ فِي الرَّأْسِ ، وَوَاحِدٌ فِي الْبَطْنِ ، فَأَمَّا أَبْوَابُ الرَّأْسِ فَالْعَيْنَانِ ، وَالْمِنْخَرَانِ ، وَالْحَنَكُ ، وَأَمَّا بَابُ الْبَطْنِ فَالْفَرْجُ ، فَالْتَمَسْتُ خِفَّةَ الْمَئُونَةِ عَلَيَّ فِي هَذِهِ الْأَبْوَابِ الَّتِي مِنْ قِبَلِهَا دَخَلَ الْبَلَاءُ عَلَى الْعَالَمِ فَوَجَدْتُ أَيْسَرَهَا مَئُونَةً بَابَ الْمِنْخَرَيْنِ ، لِذَّتُهُ يَسِيرَةٌ ، مَوْجُودَةٌ فِي الزَّهْرِ > وَالنَّوْرِ وَالرَّيْحَانِ ، ثُمَّ الْتَمَسْتُ الْخِفَّةَ لِمَئُونَةِ بَابِ الْحَنَكِ فَإِذَا هُوَ طَرِيقٌ لِلْجَسَدِ ، وَغِذَاءٌ لَا قِوَامَ لَهُ إِلَّا بِمَا يُلْقَى فِيهِ ، فَإِذَا تِلْكَ الْمَئُونَةُ إِذَا صَارَتْ فِي الْوِعَاءِ اسْتَوَتْ فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ ، وَرَفَضْتُ مَا عَسِرَ فَصِرْتُ فِيمَا قَطَعْتُ عَنْ نَفْسِي مِنْ مَئُونَةِ الْوِعَاءِ وَلَذَّةِ الْحَنَكِ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ كَانَ يَتَّخِذُ الرَّمَادَ مِنَ الْخَلَنْجِ وَالصَّنْدَلِ وَالْعِيدَانِ الْمُرْتَفِعَةِ ، فَلَمَّا ثَقُلَ عَلَيْهِ مَئُونَةُ ذَلِكَ اتَّخَذَ الرَّمَادَ مِنَ الزُّبْلِ وَالْحَطَبِ الرَّخِيصِ ، فَرَحَى ذَلِكَ عَلَيْهِ ، وَنَظَرْتُ فِي مَئُونَةِ الْفَرْجِ فَإِذَا هُوَ وَالْعَيْنَانِ مَوْصُولَانِ بِالْقَلْبِ ، وَإِذَا بَابُ الْعَيْنِ يَسْقِي الشَّهْوَةَ ، وَهُمَا مُعِينَانِ عَلَى هَلَاكِ الْجَسَدِ ، ثُمَّ تَنْقَطِعُ تِلْكَ اللَّذَّةُ عَلَى طُولِ الْعُمُرِ ، فَهَمَمْتُ بِإِلْقَائِهِمَا عَنِّي وَقُلْتُ : هَلَاكُهُمَا واطِّرَاحُهُمَا أَيْسَرُ عَلَيَّ مِنْ هَلَاكِ جَسَدِي ، وَأَشْفَقْتُ أَنْ يَضُرَّ ذَلِكَ بِجَمِيعِ الْجَسَدِ فَرَوَّيْتُ وَفَكَّرْتُ ، فَلَمْ أَجِدْ لَهُمَا شَيْئًا أَفْضَلَ مِنَ الْعُزْلَةِ عَنِ النَّاسِ ، وَكَانَ مَا بَغَضَّ إِلَيَّ مَنْزِلِي الَّذِي كُنْتُ فِيهِ فِكْرِي فِي مُقَامِي مَعَ مَنْ لَا يَعْقِلُ إِلَّا أَمْرَ دُنْيَاهُ فَاسْتَوْحَشْتُ مِنَ الْمُقَامِ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ ، فَتَنَحَّيْتُ عَنْهُمْ إِلَى هَذَا الْمَنْزِلِ ، فَقُطِعَتْ عَنِّي أَبْوَابُ الْخَطِيئَةِ ، وَحَسَمْتُ نَفْسِي لَذَّاتٍ أَرْبَعًا ، وَقَطَعْتُهُنَّ بِخِصَالٍ أَرْبَعٍ

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

قَطْعُ اللَّذَّاتِ قَالُوا : وَمَا اللَّذَّاتُ ؟ وَبِمَاذَا قَطَعْتَهُنَّ ؟ قَالَ : اللَّذَّاتُ : الْمَالُ ، وَالْبَنُونَ ، وَالْأَزْوَاجُ ، وَالسُّلْطَانُ ، فَقَطَعْتُهُنَّ بِالْهُمُومِ ، وَالْأَحْزَانِ ، وَالْخَوْفِ ، وَبِذِكْرِ الْمَوْتِ الْمُنَغِّصِ لِلَّذَّاتِ ، وَقَطَعْتُ ذَلِكَ أَجْمَعَ بِالْعُزْلَةِ وَتَرْكِ الِاهْتِمَامِ بِأُمُورِ الدُّنْيَا ، فَلَا أَحْزَنُ عَلَى أَحَدٍ هَلَكَ فِيهَا ، وَلَا أَخَافُ إِلَّا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَحْدَهُ , فَمَا خَيْرٌ فِي لَذَّةٍ وَهَذَا الْمَوْتُ يَقْفُوهَا ؟ وَأَيُّ دَارٍ شَرٌّ مِنْ دَارِ الْفَجَائِعِ جِوَارًا ؟ كُونُوا كَرَجُلٍ يُسَافِرُ يَلْتَمِسُ الْفَضْلَ ، فَغَشَى مَدِينَتَهُ الَّتِي خَرَجَ مِنْهَا الْعَدُوُّ ، فَأَصَابُوا أَهْلَهَا بِالْبَلَاءِ فِي أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ، فَسَلِمَ ذَلِكَ الرَّجُلُ فِي مَخْرَجِهِ ، وَحَمِدَ اللَّهَ عَلَى مَا صَرَفَ عَنْهُ ، فَأَنَا مُعْتَزِلٌ فِي مَنْزِلِي هَذَا عَنِ أَهْلِ الْخَطَايَا أَتَذَكَّرُ الْمَوْتِ الَّذِي يَكْرَهُهُ النَّاسُ ، وَأَجِدُ لِذِكْرِهِ حَلَاوَةً لِلِقَاءِ رَبِّي ، وَلَقَدْ عَجِبْتُ لِأَهْلِ الدُّنْيَا ، كَيْفَ يَنْتَفِعُونَ بِلَذَّاتِهَا مَعَ هُمُومِهَا ، وَأْحَزَانِهَا ، وَمَا تُجَرِّعُهُمْ مِنْ مَرَارَتِهَا بَعْدَ حَلَاوَتِهَا .

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

قِصَّةُ صَاحِبِ الْحَيَّةِ وَاشْتَدَّ عَجَبِي مِنْ أَهْلِ الْعُقُولِ مَا يَمْنَعُهُمْ مِنَ النَّظَرِ فِي سَلَامَةِ أَبْدَانِهِمْ ؟ فَإِنَّهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُهْلِكُوا أَنْفُسَهُمْ كَمَا هَلَكَ صَاحِبُ الْحَيَّةِ ، قَالُوا : أَخْبِرْنَا كَيْفَ كَانَ مَثَلُ صَاحِبِ الْحَيَّةِ ؟ قَالَ : زَعَمُوا أَنَّهُ كَانَ فِي دَارِ رَجُلٍ مِنَ النَّاسِ حَيَّةٌ سَاكِنَةٌ فِي جُحْرٍ قَدْ عَرَفُوا مَكَانَهَا ، وَكَانَتْ تِلْكَ الْحَيَّةُ تَبِيضُ كُلَّ يَوْمٍ بَيْضَةً مِنْ ذَهَبٍ وَزْنُهَا مِثْقَالٌ ، فَصَاحِبُ الْمَنْزِلِ مُغْتَبِطٌ مَسْرُورٌ بِمَكَانِ تِلْكَ الْحَيَّةِ ، يَأْخُذُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ جُحْرِهَا بَيْضَةً مِنْ ذَهَبٍ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ إِلَى أَهْلِهِ أَنْ يَكْتُمُوا أَمْرَهَا ، فَكَانَتْ كَذَلِكَ لِأَشْهُرٍ ، ثُمَّ إِنَّ الْحَيَّةَ خَرَجَتْ مِنْ جُحْرِهَا فَأَتَتْ عَنْزًا لِأَهْلِ الدَّارِ حَلُوبًا يَنْتَفِعُونَ بِهَا فَنَهَشَتْهَا فَهَلَكَتِ الْعَنْزُ .
فَجَزِعَ لِذَلِكَ الرَّجُلُ وَأَهْلُهُ ، وَقَالُوا : الَّذِي نَصِيبُ مِنَ الْحَيَّةِ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْعَنْزِ ، وَاللَّهُ يُخْلِفُ ذَلِكَ مِنْهَا .
فَلَمَّا أَنْ كَانَ عِنْدَ رَأْسِ الْحَوْلِ عَدَتْ عَلَى حِمَارٍ لَهُ كَانَ يَرْكَبُهُ فَنَهَشَتْهُ فَقَتَلَتْهُ ، فَجَزِعَ لِذَلِكَ الرَّجُلُ ، وَقَالَ : أَرَى هَذِهِ الْحَيَّةَ لَا تَزَالُ تُدْخِلُ عَلَيْنَا آفَةً ، وَسَنَصْبِرُ لِهَذِهِ الْآفَاتِ مَا لَمْ تَعْدُ الْبَهَائِمَ .
ثُمَّ مَرَّ بِهِمْ عَامَانِ لَا تُؤْذِيهِمُ فَهُمْ مَسْرُورُونَ بِجِوَارِهَا ، مُغْتَبِطُونَ بِمَكَانِهَا ، إِذْ عَدَتْ عَلَى عَبْدٍ كَانَ لِلرَّجُلِ لَمْ يَكُنْ لَهُ خَادِمٌ غَيْرُهُ فَنَهَشَتْهُ وَهُوَ نَائِمٌ ، فَاسْتَغَاثَ الْعَبْدُ بِمَوْلَاهُ فَلَمْ يُغْنِ عَنْهُ شَيْئًا حَتَّى تَفَسَّخَ لَحْمُهُ ، فَجَزِعَ الرَّجُلُ وَقَالَ : أَرَى سُمَّ هَذِهِ الْحَيَّةِ قَاتِلًا لِمَنْ لَسَعَتْهُ ، مَا آمَنُ أَنْ تَلْسَعُ بَعْضَ أَهْلِي .
فَمَكَثَ مَهْمُومًا ، حَزِينًا خَائِفًا أَيَّامًا ، ثُمَّ قَالَ : إِنَّمَا كَانَ سُمُّ هَذِهِ الْحَيَّةِ فِي مَالِي ، وَأَنَا أُصِيبُ مِنْهَا أَفْضَلَ مِمَّا رُزِئْتُ بِهِ ، فَتَعَزَّى بِذَلِكَ عَلَى خَوْفٍ وَوَجَلٍ مِنْ شَرِّ جِوَارِهَا ، ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ إِلَّا أَيَّامًا حَتَّى نَهَشَتِ ابْنَ الرَّجُلِ ، فَارْتَاعَ وَالِدُهُ لِذَلِكَ ، وَدَعَا بِالْخُوَاءِ وَالتِّرْيَاقِ وَغَيْرِهِ فَلَمْ يُغْنِ عَنْهُ شَيْئًا ، وَهَلَكَ الْغُلَامُ ، فَاشْتَدَّ جَزَعُ وَالِدَيْهِ عَلَيْهِ ، وَدَخَلَ عَلَيْهِمَا مَا أَنْسَاهُمَا كُلَّ لَذَّةٍ أَصَابَاهَا مِنَ الْحَيَّةِ ، فَقَالَا : لَا خَيْرَ لَنَا فِي جِوَارِ هَذِهِ الْحَيَّةِ ، وَإِنَّ الرَّأْيَ لَفِي قَتْلِهَا وَالِاعْتِزَالِ عَنْهَا ، فَلَمَّا سَمِعَتِ الْحَيَّةُ ذَلِكَ تَغَيَّبَتْ عَنْهُمْ أَيَّامًا لَا يَرَوْنَهَا وَلَا يُصِيبُونَ مِنْ بَيْضِهَا شَيْئًا ، فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا تَاقَتْ أَنْفُسُهُمَا إِلَى مَا كَانَا يُصِيبَانِ مِنْهَا ، وَأَقْبَلَا عَلَى جُحْرِهَا بِالْبَخُورِ ، وَجَعَلَا يَقُولَانِ : ارْجِعِي إِلَى مَا كُنْتِ عَلَيْهِ وَلَا تَضُرِّينَا وَلَا نَضُرُّكِ ، فَلَمَّا سَمِعَتِ الْحَيَّةُ ذَلِكَ مِنْ مَقَالَتِهِمَا رَجَعَتْ ، فَتَجَدَّدَ لَهُمَا سُرُورٌ عَلَى غُصَّتِهِمَا بِوَلَدِهِمَا ، وَكَانَتْ كَذَلِكَ عَامَيْنِ لَا يُنْكِرُونَ مِنْهَا شَيْئًا ، ثُمَّ دَبَّتِ الْحَيَّةُ إِلَى امْرَأَةِ الرَّجُلِ وَهِيَ نَائِمَةٌ مَعَهُ فَنَهَشَتْهَا ، فَصَاحَتِ الْمَرْأَةُ فَثَارَ زَوْجُهَا يُعَالِجُهَا بِالتِّرْيَاقِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعِلَاجِ فَلَمْ يُغْنِ شَيْئًا ، وَهَلَكَتِ الْمَرْأَةُ ، فَبَقِيَ الرَّجُلُ فَرِيدًا ، وَحِيدًا ، كَئِيبًا ، مُسْتَوْحِشًا ، وَأَظْهَرَ أَمْرَ الْحَيَّةِ لِإِخْوَانِهِ وَأَهْلِ وُدِّهِ ، فَأَشَارُوا عَلَيْهِ بِقَتْلِهَا ، وَقَالُوا : لَقَدْ فَرَّطْتَ فِي أَمْرِهَا حِينَ تَبَيَّنَ لَكَ غَدْرُهَا وَسُوءُ جِوَارِهَا ، وَلَقَدْ كُنْتَ فِي ذَلِكَ مُخَاطِرًا بِنَفْسِكَ ، فَوَلَّى الرَّجُلُ وَقَدْ أَزْمَعَ عَلَى قَتْلِهَا ، لَا يَرَى غَيْرَ ذَلِكَ ، فَبَيْنَمَا هُوَ يَرْصُدُهَا إِذْ طَلَعَ فِي جُحْرِهَا فَوَجَدَ فِيهَا دُرَّةً صَافِيَةً وَزْنُهَا مِثْقَالٌ ، فَلَزِمَهُ الطَّمَعُ ، وَأَتَاهُ الشَّيْطَانُ فَغَرَّهُ ، حَتَّى عَادَ لَهُ سُرُورٌ هُوَ أَشَدُّ مِنْ سُرُورِهِ الْأَوَّلِ ، فَقَالَ : لَقَدْ غَيَّرَ الدَّهْرُ طَبِيعَةَ هَذِهِ الْحَيَّةِ ، وَلَا أَحْسَبُ سُمَّهَا إِلَّا قَدْ تَغَيَّرَ كَمَا تَغَيَّرَ بَيْضُهَا ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَتَعَاهَدُ جُحْرَهَا بِالْكَنْسِ ، وَالْبَخُورِ ، وَرَشِّ الْمَاءِ ، وَالرَّيْحَانِ ، وَكَرُمَتْ عَلَيْهِ الْحَيَّةُ ، وَالْتَذَّ الرَّجُلُ بِذَلِكَ الدُّرِّ الْتِذَاذًا شَدِيدًا ، وَأَعْجَبَهُ ، وَنَسِيَ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِ الْحَيَّةِ فِيمَا مَضَى ، وَعَمَدَ إِلَى مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنَ الذَّهَبِ فَعَمِلَ بِهِ حُقًّا ، فَجَعَلَ ذَلِكَ الدُّرَّ فِيهِ ، وَجَعَلَ مَوْضِعَ ذَلِكَ الْحُقِّ تَحْتَ رَأْسِهِ ، فَبَيْنَمَا هُوَ نَائِمٌ إِذْ دَبَّتِ الْحَيَّةُ فَنَهَشَتْهُ ، فَجَعَلَ يَغُوثُ بِصَوْتٍ عَالٍ ، فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ جِيرَانُهُ ، وَأَقَارِبُهُ ، وَأَهْلُ وُدِّهِ ، فَأَقْبَلُوا عَلَيْهِ بِاللَّوْمِ لَهُ فِيمَا فَرَّطَ مِنْ قَتْلِ الْحَيَّةِ ، فَأَخْرَجَ إِلَيْهِمُ الْحُقَّ فَأَرَاهُمْ مَا فِيهِ ، وَاعْتَذَرَ مِمَّا عَجَّزُوا فِيهِ رَأْيَهُ ، فَقَالُوا : مَا أَقَلَّ غَنَاءَ هَذَا عَنْكَ الْيَوْمَ ، إِذْ صَارَ لِغَيْرِكَ ، وَهَلَكَ الرَّجُلُ ، فَقَالَ إِخْوَانُهُ الَّذِينَ أَشَارُوا عَلَيْهِ بِقَتْلِ الْحَيَّةِ : أَبْعَدَهُ اللَّهُ ، هُوَ قَتَلَ نَفْسَهُ ، وَقَدْ أَشَرْنَا عَلَيْهِ بِقَتْلِ الْحَيَّةِ .
وَلَقَدْ عَجِبْتُ لِأَهْلِ الْعُقُولِ يَعْرِفُونَ الْأَمْرَ الَّذِي ضُرِبَتْ هَذِهِ الْأَمْثَالُ لَهُ وَلَا يَنْتَفِعُونَ بِالْمَعْرِفَةِ ، كَأَنَّهُمْ يَرْجُونَ الثَّوَابَ عَلَى الْمَعْرِفَةِ بِالْقَوْلِ وَالْمُخَالَفَةِ بِالْعَمَلِ

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

قِصَّةُ صَاحِبِ الْكَرْمِ وَيْلٌ لِأَصْحَابِ الْمَعْرِفَةِ الَّذِينَ لَوْ قَصُرَتْ عَنْهُمْ عُقُولُهُمْ لَكَانَ أَعْذَرَ لَهُمْ ، وَيْلٌ لَهُمْ ، وَيْلٌ لَهُمْ ، لَوْ قَدْ أَصَابَهُمْ مَا أَصَابَ صَاحِبَ الْكَرْمِ .
قَالُوا : وَكَيْفَ كَانَ مَثَلُ صَاحِبِ الْكَرْمِ ؟ قَالَ أَنْطُونِسُ : زَعَمُوا أَنَّهُ كَانَ رَجُلٌ لَهُ كَرْمٌ وَاسِعٌ ، كَثِيرُ الْعِنَبِ ، مُتَّصِلُ الشَّجَرِ ، مُثْمِرٌ ، فَاسْتَأْجَرَ لِكَسْحِ الْكَرْمِ وَحِفْظِهِ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ ، وَوَكَّلَ كُلَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ بِنَاحِيَةٍ مَعْلُومَةٍ ، وَأَمَرَهُ بِحِفْظِ نَاحِيَتِهِ وَكَسْحِهَا ، وَقَالَ لَهُمْ : كُلُوا مِنَ الْعِنَبِ مَا شِئْتُمْ ، وَكُفُّوا عَنْ هَذِهِ الثِّمَارِ فَلَا تَقْرَبُوهَا فَتَحِلَّ بِكُمْ عُقُوبَتِي ، وَاعْلَمُوا أَنِّي مُتَفَقِّدٌ عَمَلَكُمْ وَنَاظِرٌ فِيهِ ، فَإِيَّاكُمْ وَالتَّعَدِّيَ لِمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ ، فَتُوجِبُونَ عَلَى أَنْفُسِكُمُ الْعُقُوبَةَ .
فَأَقْبَلَ أَحَدُهُمْ عَلَى حِفْظِ مَا أُمِرَ بِهِ مِنَ الْكَرْمِ وَكَسْحِهِ وَنَزْعِ الْعُشْبِ مِنْهُ ، وَقَنَعَ بِأَكْلِ الْعِنَبِ ، وَكَفَّ عَنْ أَكْلِ الْفَاكِهَةِ الَّتِي نُهِيَ عَنْهَا .
وَأَقْبَلَ الثَّانِي عَلَى مِثْلِ صَنِيعِ صَاحِبِهِ الْأَوَّلِ حِينًا ، ثُمَّ تَاقَتْ نَفْسُهُ إِلَى أَكْلِ الثِّمَارِ فَتَنَاوَلَهَا .
وَأَقْبَلَ الثَّالِثُ عَلَى أَكْلِ الثِّمَارِ ، وَتَرَكَ الْعَمَلَ ، فَضَاعَتْ نَاحِيَتُهُ وَفَسَدَتْ .
وَقَدِمَ صَاحِبُ الْكَرْمِ لِيَنْظُرَ إِلَى كَرْمِهِ ، وَيَتَفَقَّدَ مَا عَمِلَ أُجَرَاؤُهُ ، فَبَدَأَ بِالنَّظَرِ فِي عَمَلِ الْأَوَّلِ فَرَأَى عَمَلًا حَسَنًا ، وَتَوْقِيرًا ، وَكَفًّا عَمَّا نَهَاهُ عَنْهُ ، فَحَمِدَهُ وَأَعْطَاهُ فَوْقَ أَجْرِهِ ، فَانْقَلَبَ رَاضِيًا ، مُغْتَبِطًا ، مَسْرُورًا .
وَنَظَرَ فِي عَمَلِ الثَّانِي فَرَأَى عَمَلًا حَسَنًا ، وَرَأَى فِي الثِّمَارِ فَسَادًا قَبِيحًا ، فَقَالَ : مَا هَذَا الْفَسَادُ الَّذِي أَرَى ؟ قَالَ : أَكَلْتُ مِنْ هَذِهِ الثِّمَارِ قَالَ : أَوَلَمْ أَنْهَكَ عَنْ ذَلِكَ ؟ قَالَ : بَلَى ، وَلَكِنْ رَجَوْتُ عَفْوَكَ إِلَيَّ وَإِحْسَانَكَ قَالَ : ذَاكَ لَوْ لَمْ أَكُنْ تَقَدَّمْتُ إِلَيْكَ فِي الْكَفِّ عَنْ أَكْلِ الثِّمَارِ ، وَلَكِنِّي لَسْتُ أَعْتَدِي عَلَيْكَ فِي الْعُقُوبَةِ إِلَّا بِمَا أَذْنَبْتَ .
وَنَظَرَ فِي عَمَلِ الثَّالِثِ فَإِذَا هُوَ قَدْ أَضَاعَ الْكَرْمَ ، وَأَكَلَ الثِّمَارَ ، فَقَالَ لَهُ : وَيْحَكَ مَا هَذَا ؟ قَالَ : هُوَ مَا تَرَى قَالَ : أَرَى عَمَلًا قَبِيحًا ، وَفَسَادًا كَثِيرًا ، وَسَأَبْلُغُ مِنْ عُقُوبَتِكَ مَا أَنْتَ أَهْلُهُ .
فَلَمَّا عَرَضَ أَمْرَ هَؤُلَاءِ الْأُجَرَاءِ عَلَى النَّاسِ قَالُوا : الْأَوَّلُ نِعْمَ الْأَجِيرُ كَانَ ، وَقَدْ أَحْسَنَ إِلَيْهِ صَاحِبُ الْكَرْمِ وَأَعْطَاهُ أَفْضَلَ مِنْ أَجْرِهِ .
وَقَالُوا لِلثَّانِي : عَمِلَ الْأَحْمَقُ وَلَمْ يُتِمَّ عَمَلَهُ ، لَوْ صَبَرَ عَمَّا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ أَكْلِ الثِّمَارِ لَأَصَابَ مِنْ صَاحِبِ الْكَرْمِ مِثْلَ مَا أَصَابَ صَاحِبُهُ .
وَقَالُوا لِلثَّالِثِ : بِئْسَ الْأَجِيرُ ، ضَيَّعَ مَا أُمِرَ بِهِ ، ثُمَّ أَكَلَ مَا نُهِيَ عَنْهُ ، فَهُوَ أَهْلٌ لَمَا لَقِيَ مِنْ شَرٍّ .
فَهَكَذَا أَعْمَالُكُمْ يَا مَعْشَرَ الْحُكَمَاءِ فِي الَّذِي يَصِيرُ إِلَى مَا صَارَ إِلَيْهِ هَؤُلَاءِ الْأُجَرَاءُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي تُجْزَى فِيهِ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا عَمِلَتْ

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،