بَابُ الْخِلَافِ فِي الْعَرَايَا

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

بَابُ الْخِلَافِ فِي الْعَرَايَا حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَلَمْ يَجِدِ الَّذِينَ يُظْهِرُونَ الْقَوْلَ بِالْحَدِيثِ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ مِنَ الشَّبَهِ مَا وَجَدُوا فِي الْمُجْمَلِ مَعَ الْمُفَسَّرِ ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَلْقَوْنَ بِهِمَا قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ لَيْسَ لَهُمْ بَصَرٌ بِمَذَاهِبِهِ ، فَيُشَبِّهُونَ عَلَيْهِمْ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْضَ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا وَرَاءَهُ مِنَ الْمُجْمَلِ مَعَ الْمُفَسَّرِ ، وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ فِي بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ : حَلَالٌ ، فَخَالَفَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ وَوَافَقَنَا ، وَقَالَ : لَا يَجُوزُ لِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ عَادَ صَاحِبُهُ الَّذِي خَالَفَهُ فَقَالَ : لَا بَأْسَ حِنْطَةٍ بِحِنْطَةٍ مَبْلُولَةٍ ، وَإِحْدَاهُمَا أَكْثَرُ ابْتِلَالًا مِنَ الْأُخْرَى ، وَلَا رُطَبٍ بِرُطَبٍ ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى أَنْ أَظْهَرَ الْأَخْذَ بِالْحَدِيثِ جُمْلَةً ، ثُمَّ خَالَفَ مَعْنَاهُ فِيمَا وَصَفْتُ وَقَالَ : وَلَا بَأْسَ بِتَمْرَةٍ بِتَمْرَتَيْنِ ، وَثَلَاثٍ بِأَرْبَعٍ ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يُكَالُ ، فَقِيلَ لَهُ : إِذَا كَانَ التَّمْرُ مُحَرَّمًا إِلَّا كَيْلًا بِكَيْلٍ ، فَكَيْفَ أَجَزْتَ مِنْهُ قَلِيلًا بِأَكْثَرَ ؟ فَإِنْ قَالَ : لَا يُكَالُ ، فَهَكَذَا كُلُّ التَّمْرِ إِذَا فُرِّقَ قَلِيلًا ، وَإِنَّمَا تُجْمَعُ تَمْرَةٌ إِلَى أُخْرَى فَتُكَالُ ، وَفِي نَهْيِ النَّبِيِّ إِلَّا كَيْلًا بِكَيْلٍ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ عَدَدًا بِعَدَدٍ مِثْلِهِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ ، فَقَدْ أَجَزْتُهُ مُتَفَاضِلًا ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ نَهَى عَنْهُ إِلَّا مُسْتَوِيًا بِالْكَيْلِ .
قَالَ الرَّبِيعُ : قَالَ ، يَعْنِي الشَّافِعِيَّ : وَخَالَفُونَا مَعًا فِي الْعَرَايَا فَقَالُوا : لَا نُجِيزُ بَيْعَهَا ، وَقَالُوا : نَرُدُّ إِجَازَةَ بَيْعِهَا بِنَهْيِ النَّبِيِّ عَنِ الْمُزَابَنَةِ ، وَنَهْيِهِ عَنِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ ، وَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي الْمَعْنَيَيْنِ ، فَقِيلَ لِبَعْضِ مَنْ قَالَ هَذَا مِنْهُ : فَإِنْ أَجَازَ إِنْسَانٌ بَيْعَ الْمُزَابَنَةِ بِالْعَرَايَا ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ قَدْ أَجَازَ بَيْعَ الْعَرَايَا ، قَالَ : لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ ، قُلْنَا : هَلِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ إِلَّا كَهِيَ عَلَيْكُمْ فِي أَنْ يُطَاعَ رَسُولُ اللَّهِ ، فَنُحِلُّ مَا أَحَلَّ ، وَنُحَرِّمُ مَا حَرَّمَ ، أَرَأَيْتَ لَوَ أَدْخَلَ عَلَيْكُمْ أَحَدٌ مِثْلَ هَذَا ؟ فَقَالَ : أَنْتُمْ تَقُولُونَ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ : الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنِ ادَّعَى ، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ ، وَتَقُولُونَ : فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنْ لَا يُعْطَى إِلَّا بِبَيِّنَةٍ ، وَمَنْ حَلَفَ بَرِئَ ، لِمَ تَقُولُونَ فِي قَتِيلٍ يُوجَدُ فِي مَحِلَّةٍ : يَحْلِفُ أَهْلُ الْمَحِلَّةِ وَيُغَرَّمُونَ الدِّيَةَ ، فَتُغَرِّمُونَ مَنْ حَلَفَ ، وَتُعْطُونَ مَنْ لَمْ تَقُمْ لَهُ الْبَيِّنَةُ ، أَفَخَالَفْتُمْ حَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنِ ادَّعَى ، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ ؟ قَالُوا : لَا ، وَلَكِنَّهُ جُمْلَةٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْخَاصُّ ، وَلَمَّا وَجَدْنَا عُمَرَ يَقْضِي فِي الْقَسَامَةِ فَيُعْطِي بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ ، وَيُحَلِّفُ وَيُغَرِّمُ ، قُلْنَا : جُمْلَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمُدَّعِي عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ ؛ لِأَنَّ عُمَرَ لَا يَجْهَلُ قَوْلَ النَّبِيِّ وَلَا يُخَالِفُهُ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَقِيلَ لَهُ : أَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ أَدَلُّ عَلَى قَوْلِهِ أَمْ قَوْلُ غَيْرِهِ ؟ قَالَ : لَا ، بَلْ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ أَدَلُّ عَلَى قَوْلِهِ ، قُلْتُ : وَهُوَ الَّذِي زَعَمْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَدَلُّ عَلَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا غَيْرِهِ إِلَّا بِقَوْلِ نَفْسِ الْقَائِلِ ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَقَدْ يَخْفَى عَلَيْنَا قَوْلُهُ ، قَالَ : وَكَيْفَ تَقُولُ ؟ قُلْتُ : أُحِلُّ مَا أَحَلَّ مِنْ بَيْعِ الْعَرَايَا ، وَأُحَرِّمُ مَا حَرَّمَ مِنْ بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ ، وَبَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ سِوَى الْعَرَايَا ، وَأَزْعُمُ أَنْ لَمْ يُرِدْ بِمَا حَرَّمَ مَا أَحَلَّ ، وَلَا بِمَا أَحَلَّ مَا حَرَّمَ ، فَأُطِيعُهُ فِي الْأَمْرَيْنِ ، وَمَا عَلِمْتُكَ إِلَّا عَطَّلْتَ نَصَّ قَوْلِهِ فِي الْعَرَايَا ، وَعَامَّةُ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ النَّهْيُ فِي الْمُزَابَنَةِ رَوَى أَنَّ النَّبِيَّ أَرْخَصَ فِي الْعَرَايَا ، فَلَمْ يَكُنْ لْلتَّوَهُّمِ هَا هُنَا مَوْضِعٌ ، فَنَقُولُ : الْحَدِيثَانِ مُخْتَلِفَانِ ، وَلَقَدْ خَالَفَهُ فِي فُرُوعِ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ ، قَالَ : وَوَافَقَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي جُمْلَةِ قَوْلِنَا فِي بَيْعِ الْعَرَايَا ، ثُمَّ عَادَ فَقَالَ : لَا تُبَاعُ إِلَّا مِنْ صَاحِبِهَا الَّذِي أَعْرَاهَا إِذَا تَأَذَّى بِدُخُولِ الرَّجُلِ عَلَيْهِ بِتَمْرٍ إِلَى الْجُذَاذِ ، قَالَ : فَمَا عَلِمْتُهُ أَحَلَّهَا فَيُحِلُّهَا لِكُلِّ مُشْتَرٍ ، وَلَا حَرَّمَهَا فَيَقُولُ قَوْلَ مَنْ حَرَّمَهَا ، وَزَادَ فَقَالَ : تُبَاعُ بِتَمْرٍ نَسِيئَةً ، وَالنَّسِيئَةُ عِنْدَهُ فِي الطَّعَامِ حَرَامٌ ، وَلَمْ يُذْكَرْ عَنِ النَّبِيِّ وَلَا غَيْرِهِ أَنَّهُ أَجَازَ أَنْ تُبَاعَ بِدَيْنٍ ، فَكَيْفَ جَازَ لِأَحَدٍ أَنْ يَجْعَلَ الدَّيْنَ فِي الطَّعَامِ بِلَا خَبَرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ، وَأَنْ يُحِلَّ بَيْعًا مِنْ إِنْسَانٍ يُحَرِّمُهُ مِنْ غَيْرِهِ ؟ فَشَرَكَهُمْ صَاحِبُنَا فِي رَدِّ بَيْعِ الْعَرَايَا فِي حَالٍ ، وَزَادَ عَلَيْهِمْ إِذَا أَحَلَّهَا إِلَى الْجُذَاذِ ، فَجَعَلَ طَعَامًا بِطَعَامٍ إِلَى أَجَلٍ وَإِلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ ؛ لِأَنَّ الْجُذَاذَ مَجْهُولٌ ، وَالْآجَالُ لَا تَجُوزُ إِلَّا مَعْلُومَةً ، قَالَ : وَالْعَرَايَا الَّتِي أَرْخَصَ رَسُولُ اللَّهِ فِيهَا فِيمَا ذَكَرَ مَحْمُودُ بْنُ لَبِيدٍ قَالَ : سَأَلْتُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَقُلْتُ : مَا عَرَايَاكُمْ هَذِهِ الَّتِي تُحِلُّونَهَا ؟ فَقَالَ : فُلَانٌ وَأَصْحَابُهُ شَكَوْا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ أَنَّ الرُّطَبَ يَحْضُرُ وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ ذَهَبٌ وَلَا وَرِقٌ يَشْتَرُونَ بِهَا ، وَعِنْدَهُمْ فَضْلُ تَمْرٍ مِنْ قُوتِ سَنَتِهِمْ ، فَأَرْخَصَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ أَنْ يَشْتَرُوا الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا مِنَ التَّمْرِ يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،