يُوسُفُ الرَّازِيُّ
يُوسُفُ الرَّازِيُّ وَمِنْهُمُ الْمُتَخَلِّي مِنْ رُؤْيَةِ النَّاسِ الْمُتَحَلِّي بِالْإِخْلَاصِ خِيفَةَ رَبِّ النَّاسِ تَارِكٌ لِلتَّزَيُّنِ وَالتَّصَنُّعِ مَفَارِقٌ لِلتَّلَوُّنِ وَالتَّمَتُّعِ أَبُو يَعْقُوبَ يُوسُفُ بْنُ الْحُسَيْنِ الرَّازِيُّ ، كَانَ وَحِيدًا فَرِيدًا وَعَلَى الْمُتَنَطِّعِينَ شَدِيدًا صَحِبَ ذَا النُّونِ الْمِصْرِيَّ ، وَأَبَا تُرَابٍ النَّخْشَبِيَّ ، وَأَبَا سَعِيدٍ الْخَزَّازَ |
15421 سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ مُوسَى ، يَقُولُ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَلِيٍّ الطُّوسِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ الرَّازِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ يُوسُفَ بْنَ الْحُسَيْنِ ، يَقُولُ : عَلِمَ الْقَوْمُ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَاهُمْ فَاسْتَحْيُوا مِنْ نَظَرِهِ أَنْ يُرَاعُوا شَيْئًا سِوَاهُ وَمَنْ ذَكَرَ اللَّهَ بِحَقِيقَةِ ذِكْرِهِ نَسِيَ ذِكْرَ غَيْرِهِ ، وَمَنْ نَسِيَ ذِكْرَ كُلِّ شَيْءٍ فِي ذِكْرِهِ حَفِظَ عَلَيْهِ كُلَّ شَيْءٍ إِذْ كَانَ اللَّهُ لَهُ عِوَضًا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ |
15422 قَالَ : وَقَالَ رَجُلٌ لِيُوسُفَ : دُلَّنِي عَلَى طَرِيقِ الْمَعْرِفَةِ فَقَالَ : أَرِ اللَّهَ الصِّدْقِ مِنْكَ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِكَ بَعْدَ أَنْ تَكُونَ مُوَافِقًا لِلْحَقِّ وَلَا تَرْقَ إِلَيَّ حَيْثُ لَمْ يَرْقَ بِكَ فَتَزِلَّ قَدَمُكَ فَإِنَّكَ إِذَا رَقَيْتَ سَقَطَتْ وَإِذَا رَقِيَ بِكَ لَمْ تَسْقُطْ ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَتْرُكَ الْيَقِينَ لِمَا تَرْجُوهُ ظَنًّا |
15423 سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحُسَيْنِ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الرَّازِيَّ ، يَقُولُ : قَالَ يُوسُفُ بْنُ الْحُسَيْنِ : عَارَضَنِي بَعْضُ النَّاسِ فِي كَلَامٍ وَقَالَ لِي : لَا تَسْتَدْرِكْ مُرَادَكَ مِنْ عِلْمِكَ إِلَّا أَنْ تَتُوبَ ، فَقُلْتُ مُجِيبًا لَهُ : لَوْ أَنَّ التَّوْبَةَ تَطْرُقُ بَابِي مَا أَذِنْتُ لَهَا عَلَى أَنِّي أَنْجُو بِهَا مِنْ رَبِّي ، وَلَوْ أَنَّ الصِّدْقَ وَالْإِخْلَاصَ كَانَا لِي عَبْدَيْنِ لَبِعْتُهُمَا زُهْدًا مِنِّي فِيهِمَا لِأَنِّي إِنْ كُنْتُ عِنْدَ اللَّهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ سَعِيدًا مَقْبُولًا لَمْ أَتَخَلَّفْ بِاقْتِرَافِ الذُّنُوبِ وَالْمَآثِمِ وَإِنْ كُنْتُ عِنْدَهُ شَقِيًّا مَخْذُولًا لَمْ تُسْعِدْنِي تَوْبَتِي وِإِخْلَاصِي وَصِدْقِي ، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَنِي إِنْسَانًا بِلَا عَمَلٍ وَلَا شَفِيعٍ كَانَ لِي إِلَيْهِ وَهَدَانِي لِدِينِهِ الَّذِي ارْتَضَاهُ وَمَنْ يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ الْآيَةَ ، { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ } الْآيَةَ ، فَاعْتِمَادِي عَلَى فَضْلِهِ وَكَرَمِهِ أَوْلَى بِي إِنْ كُنْتُ حُرًّا عَاقِلًا مِنَ اعْتِمَادِي عَلَى أَفْعَالِي الْمَدْخُولَةِ وَصِفَاتِي الْمَعْلُولَةِ لِأَنَّ مُقَابَلَةَ فَضْلِهِ وَكَرَمِهِ بِأَفْعَالِنَا مِنْ قِلَّةِ الْمَعْرِفَةِ بِالْكَرِيمِ الْمُتَفَضِّلِ |
15424 سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الرَّازِيَّ ، بِنَيْسَابُورَ يَقُولُ : قَالَ يُوسُفُ بْنُ الْحُسَيْنِ : فِي الدُّنْيَا طُغْيَانَانِ طُغْيَانُ الْعِلْمِ وَطُغْيَانُ الْمَالِ ، وَالَّذِي يُنْجِيكَ مِنْ طُغْيَانِ الْعِلْمِ الْعِبَادَةُ وَالَّذِي يُنْجِيكَ مِنْ طُغْيَانِ الْمَالِ الزُّهْدُ فِيهِ وَقَالَ : بِالْأَدَبِ يُفْهَمُ الْعِلْمُ وَبِالْعِلْمِ يَصِحُّ الْعَمَلُ وَبِالْعَمَلِ تُنَالُ الْحِكْمَةُ وَبِالْحِكْمَةِ يُفْهَمُ الزُّهْدُ وَيُوَّفْقُ لَهُ وَبِالزُّهْدِ تُتْرَكُ الدُّنْيَا وَبِتَرْكِ الدُّنْيَا يُرْغَبُ فِي الْآخِرَةِ وَبِالرَّغْبَةِ فِي الْآخِرَةِ يُنَالُ رِضَا اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ |
15425 سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الرَّازِيَّ ، يَقُولُ : قَالَ يُوسُفُ بْنُ الْحُسَيْنِ : إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ قَدْ أَقَامَكَ لِطَلَبِ شَيْءٍ وَهُوَ يَمْنَعُكَ ذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنَّكَ مُعَذَّبٌ وَقَالَ : يَتَوَلَّدُ الْإِعْجَابُ بِالْعَمَلِ مِنْ نِسْيَانِ رُؤْيَةِ الْمِنَّةِ فِيمَا يُجْرِي اللَّهُ لَكَ مِنَ الطَّاعَاتِ |
15427 سَمِعْتُ أَبَا الْفَضْلِ أَحْمَدَ بْنَ أَبِي عِمْرَانَ الْهَرَوِيَّ يَقُولُ : سَمِعْتُ مَنْصُورَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْهَرَوِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ يَتِيمَكَ الرَّازِيَّ ، يَقُولُ : لَمَّا وَرَدَ كِتَابُ يُوسُفَ بْنِ الْحُسَيْنِ عَلَى الْجُنَيْدِ اشْتَهَيْتُ أَنْ أَرَاهُ مِنْ حُسْنِ كَلَامِهِ فَخَرَجْتُ مِنْ بَغْدَادَ زَائِرًا لَهُ فَلَمَّا جِئْتُ الرِّيَّ سَأَلْتُ عَنْ دَارِ يُوسُفَ فَقَالُوا : أَيْشِ تَعْمَلُ بِهِ ؟ هُوَ رَجُلٌ زِنْدِيقٌ فَسَأَلْتُ حَتَّى دُلِلْتُ عَلَيْهِ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَلَمَّا وَقَعَتْ عَيْنِي عَلَيْهِ امْتَلَأْتُ هَيْبَةً مِنْ رُؤْيَتِهِ وَكَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ مُصْحَفٌ يَقْرَأُ فِيهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ لِي : مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ ؟ قُلْتُ : مِنْ بَغْدَادَ ، قَالَ : وَإِلَى أَيِّ شَيْءٍ جِئْتَ ؟ قُلْتُ : زَائِرًا إِلَيْكَ فَقَالَ لِي : لَوْ قَالَ لَكَ بِحُلْوَانَ أَوْ بِقُرَمَيْسِينَ أَوْ بِهَمَدَانَ رَجُلٌ تُقِيمُ عِنْدِي حَتَّى أَقُومَ بِكِفَايَتِكَ فأَشْتَرِي لَكَ جَارِيَةً وَدَارًا ، كَانَ ذَلِكَ يَمْنَعُكَ مِنْ زِيَارَتِي ؟ قُلْتُ : مَا ابْتُلِيتُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا وَلَوْ كَانَ بَدَا لِي لَا أَدْرِي كَيْفَ كُنْتُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ؟ قَالَ : أُعِيذُكَ بِاللَّهِ ، أَنْتَ كَيِّسٌ ، عَسَى تَقُولُ شَيْئًا ، قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : غَنِّ لِي فَابْتَدَأْتُ فَقُلْتُ : رَأَيْتُكَ تَبْنِي دَائِبًا فِي قَطِيعَتِي وَلَوْ كُنْتَ ذَا حَزْمٍ لَهَدَّمْتَ مَا تَبْنِي كَأَنِّي بِكُمْ وَاللُّبْثُ أَفْضَلُ قَوْلِكُمْ أَلَا لَيْتَنَا نَبْنِي إِذَا اللُّبْثُ لَا يُغْنِي قَالَ : فَبَكَى حَتَّى ابْتَلَّ الْمُصْحَفُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ : يَا بُنَيَّ أَلُومُ أَهْلَ الرِّيِّ أَنْ يَقُولُوا : يُوسُفُ بْنُ الْحُسَيْنِ زِنْدِيقٌ ، أَنَا مِنَ الْغَدَاةِ ، أَقْرَأُ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا أَبْكِي ، وَقُلْتُ : أَنْتَ ذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ أَبْصِرْ أَيَّ شَيْءٍ وَقَعَ ؟ |
15428 سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ عَلِيَّ بْنَ هَارُونَ صَاحِبَ الْجُنَيْدِ يَقُولُ : قَرَأْتُ فِي جَوَابِ يُوسُفَ بْنِ الْحُسَيْنِ إِلَى الْجُنَيْدِ : مَنْ تَفَتَّتَ عِذَارُهُ وَانْقَطَعَ حِزَامَهُ وَسَاحَ فِي مَفَاوِزِ الْخَطَرَاتِ يُلَاحِظُ عَنْهَا أَحْكَامَ السَّعَادَاتِ يَقُولُ فِي حِدَائِهِ : كَيْفَ السَّبِيلُ إِلَى مَرْضَاةِ مَنْ غَضِبَا مِنْ غَيْرِ جُرْمٍ وَلَمْ نَعْرِفْ لَهُ سَبَبَا وَأَقُولُ : لَتَعْرِفُ نَفْسِي قُدْرَةَ الْخَالِقِ الَّذِي يُدَبِّرُ أَمْرَ الْخَلْقِ وَهُوَ شَكُورُ وَأَشْكُرُكُمْ فِي السِّرِّ وَالْجَهْرِ دَائِبًا وَإِنْ كَانَ قَلْبِي فِي الْوَثَاقِ أَسِيرَا |
15429 قَالَ : وَسَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ أَبِي الْحَوَارِيِّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيَّ ، يَقُولُ : لَيْسَ أَعْمَالُ الْخَلْقِ بِالَّذِي تُرْضِيهِ وَلَا تُسْخِطُهُ إِنَّمَا رَضِيَ عَنْ قَوْمٍ ، فَاسْتَعْمَلَهُمْ بِأَعْمَالِ الرِّضَا وَسَخِطَ عَلَى قَوْمٍ فَاسْتَعْمَلَهُمْ بِأَعْمَالِ السَّخَطِ ، وَإِنِّي رُبَّمَا تَمَثَّلْتُ بِهَذِهِ الْأَبْيَاتِ : يَا مُوقِدَ النَّارِ فِي قَلْبِي بِقُدْرَتِهِ لَوْ شِئْتَ أَطْفَأَتْ عَنْ قَلْبِي بِكَ النَّارَ لَا عَارَ إِنْ مُتُّ مِنْ شَوْقِي وَمِنْ حُزْنِي عَلَى فِعَالِكَ بِي لَا عَارَ لَا عَارَ |