بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
3005 حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ , عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى , عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ وَقَعَ فِي أَبٍ لِلْعَبَّاسِ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ , فَ لَطَمَهُ الْعَبَّاسُ , فَجَاءَ قَوْمَهُ فَقَالُوا : وَاللَّهِ لَنَلْطِمَنَّهُ كَمَا لَطَمَهُ . فَلَبِسُوا السِّلَاحَ , فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ وَقَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ , أَيُّ أَهْلِ الْأَرْضِ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ ؟ , قَالُوا : أَنْتَ , قَالَ : فَإِنَّ الْعَبَّاسَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ , فَلَا تَسُبُّوا أَمْوَاتَنَا , فَتُؤْذُوا أَحْيَاءَنَا , فَجَاءَ الْقَوْمُ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ , نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ غَضَبِكَ , فَاسْتَغْفِرْ لَنَا فَقَالَ قَائِلٌ : فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ قَوْمَ الْمَلْطُومِ طَلَبُوا الْقِصَاصَ مِنَ اللَّطْمَةِ الَّتِي كَانَتْ مِنَ الْعَبَّاسِ إِلَى صَاحِبِهِمْ , وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ , فَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي اللَّطْمَةِ , وَأَنْتُمْ لَا تَقُولُونَ ذَلِكَ فِي جُمْلَتِكُمْ , وَلَا أَهْلُ الْمَدِينَةِ سِوَاكُمْ . |
3006 وَذَكَرَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ : قَالَ مَالِكٌ : لَا قِصَاصَ فِي اللَّطْمَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى مَا حَدُّهَا قَالَ : وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى خُرُوجِكُمْ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ , لَا إِلَى حَدِيثٍ مِثْلِهِ . فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ : إِنَّا مَا خَرَجْنَا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَلَا تَرَكْنَاهُ , وَمَا هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْنَا فِي دَفْعِنَا الْقِصَاصَ مِنَ اللَّطْمَةِ , بَلْ هُوَ حُجَّةٌ لَنَا فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَوْ كَانَ فِيهَا وَاجِبًا لَأَبَاحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْذَهُ مِمَّنْ وَجَبَ عَلَيْهِ لِمَنْ وَجَبَ لَهُ , وَلَمَا مَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ جَلَالَةُ مَنْزِلَةِ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ , كَمَا لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ فَاطِمَةَ الَّتِي هِيَ إِلَيْهِ أَقْرَبُ مِنَ الْعَبَّاسِ بِأَنْ قَالَ : وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا , وَلَكِنَّهُ لَمْ يَرَ اللَّطْمَةَ الَّتِي كَانَتْ مُوجِبَةً شَيْئًا , فَتَرَكَ لِذَلِكَ أَخْذَ شَيْءٍ بِهَا مِنَ الْعَبَّاسِ لِلَّذِي كَانَ مِنْهُ إِلَيْهِ , وَمَعْقُولٌ فِي نَفْسِ الْفِقْهِ أَنَّ مَنْ أَخَذَ شَيْئًا عَمْدًا يُوجِبُ أَخْذُهُ عَلَيْهِ شَيْئًا , أَنَّهُ إِذَا أَخَذَهُ غَيْرَ عَمْدٍ , وَجَبَ عَلَيْهِ فِي أَخْذِهِ إِيَّاهُ شَيْءٌ , إِمَّا مِثْلُهُ , وَإِمَّا غَيْرُهُ , مِنْ ذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا لَوِ اسْتَهْلَكَ لِرَجُلٍ مَالًا عَلَى خَطَأٍ كَانَ مِنْهُ أَنَّ عَلَيْهِ لَهُ مِثْلَهُ إِنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ , أَوْ قِيمَتَهُ إِنْ كَانَ لَا مِثْلَ لَهُ , وَأَنَّهُ لَوْ قَتَلَهُ عَمْدًا لَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ , وَلَوْ قَتَلَهُ خَطَأً وَجَبَتْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ , فَكَانَ مِثْلَ ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَا مِنَ اللَّطْمَةِ الَّتِي لَمْ تَجْرَحْ , وَلَمْ تُؤَثِّرْ فِي وَجْهِ الْمَلْطُومِ أَثَرًا , لَا شَيْءَ فِيهَا إِذَا كَانَ ذَلِكَ خَطَأً , فَمِثْلُ ذَلِكَ إِذَا كَانَتْ عَمْدًا لَا شَيْءَ فِيهَا , وَلِهَذَا الْمَعْنَى , وَاللَّهُ أَعْلَمُ , تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْخُذَ لِلَّذِي لَطَمَهُ الْعَبَّاسُ مِنَ الْعَبَّاسِ لِلَطْمَتِهِ إِيَّاهُ شَيْئًا مِنْ قَوَدٍ , وَمِنْ غَيْرِهِ . فَقَالَ : فَقَدْ رُوِّيتُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . |
3007 فَذَكَرَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ : أَخْبَرَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى , عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْمَكِّيِّ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ , عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَلِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ , وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ وَلِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ , حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ , حَتَّى اللَّطْمَةُ , قُلْنَا : وَكَيْفَ , وَإِنَّا إِنَّمَا نَأْتِي اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا ؟ قَالَ : بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ قَالَ : فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَأْخُذُ فِي الْآخِرَةِ اللَّطْمَةَ لِمَنْ لَطَمَهَا فِي الدُّنْيَا مِمَّنْ لَطَمَهُ إِيَّاهَا فِيهَا . وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى وُجُوبِ ذَلِكَ , كَانَ عَلَيْهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا . فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ : أَنَّهُ لَا حُجَّةَ عَلَيْنَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا , إِذْ كَانَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ رَفَعَ عَنِ اللَّاطِمِ فِي الدُّنْيَا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ فِي لَطَمَتِهِ فِي الدُّنْيَا شَيْءٌ مِنْ قِصَاصٍ , وَمِنْ غَيْرِهِ لِلَّذِي لَطَمَهَا إِيَّاهُ , إِذْ كَانَ حَدُّهَا غَيْرَ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ , وَالْحُكُومَةُ فِيهَا غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهَا , فَرَفَعَ ذَلِكَ عَنْهُ فِي الدُّنْيَا , وَكَانَ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْآخِرَةِ قَادِرًا عَلَى الْوُقُوفِ عَلَى حَدِّهَا , إِذْ كَانَ فِي الْآخِرَةِ يَتَوَلَّى الْحُكْمَ فِيهَا , وَكَانَ الْمُتَوَلِّي لِلْحُكْمِ فِيهَا غَيْرَهُ مِنْ عِبَادِهِ مِمَّنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ مِنْهَا . فَقَالَ قَائِلٌ : فَقَدْ وَجَدْنَا عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ فِي اللَّطْمَةِ |
3008 فَذَكَرَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ الْكَيْسَانِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ , عَنْ يَحْيَى بْنِ حُصَيْنٍ الْأَحْمَسِيِّ قَالَ : سَمِعْتُ طَارِقَ بْنَ شِهَابٍ قَالَ : لَطَمَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَجُلًا , فَقَالُوا : وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا كَالْيَوْمِ قَطُّ , مَا رَضِيَ أَنْ يَمْنَعَهُ حَتَّى لَطَمَهُ , فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إِنَّ هَذَا أَتَانِي يَسْتَحْمِلُنِي فَحَمَلْتُهُ , ثُمَّ أَتَانِي يَسْتَحْمِلُنِي فَحَمَلْتُهُ , ثُمَّ أَتَانِي يَسْتَحْمِلُنِي فَحَمَلْتُهُ , وَإِذَا يَبِيعُهَا , فَحَلَفْتُ أَنْ لَا أَحْمِلَهُ , ثُمَّ قَالَ : وَاللَّهِ لَأَحْمِلَنَّهُ , ثُمَّ وَاللَّهِ لَأَحْمِلَنَّهُ , ثُمَّ وَاللَّهِ لَأَحْمِلَنَّهُ , ثُمَّ قَالَ : اقْتَصَّ مِنِّي , فَعَفَا الْآخَرُ عَنْهُ |
3009 وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ الرَّقِّيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسَ , عَنْ شُعْبَةَ , عَنْ يَحْيَى بْنِ حُصَيْنٍ الْأَحْمَسِيِّ قَالَ : سَمِعْتُ طَارِقَ بْنَ شِهَابٍ يَقُولُ : لَطَمَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَجُلًا , فَقَالُوا : مَا رَضِيَ أَنْ يَمْنَعَهُ حَتَّى لَطَمَهُ , فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِلرَّجُلِ : اقْتَصَّ مِنِّي , فَعَفَا عَنْهُ الرَّجُلُ فَكَانَ جَوَابُنَا فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ : أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو بَكْرٍ أَبَاحَ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ , لَا بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ , وَلَكِنْ تَوَاضُعٍ مِنْهُ , وَكَرَاهَةٍ لِمَا كَانَ مِنْهُ مِنَ الِاسْتِعْلَاءِ عَلَى غَيْرِهِ بِلَطْمِهِ إِيَّاهُ . |
3010 وَذَكَرَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا بَكَّارُ بْنُ قُتَيْبَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ , عَنْ مُخَارِقٍ , عَنْ طَارِقٍ قَالَ : كَانَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي الْجَزِيرَةِ , فَلَطَمَ ابْنُ أَخٍ لَهُ رَجُلًا , فَقَالَ عَمُّ الرَّجُلِ : إِنَّمَا فَضَّلَ اللَّهُ قُرَيْشًا بِالنُّبُوَةِ , فَأَقَادَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مِنْهُ , فَعَفَا عَنْهُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَقَدْ يَكُونُ أَيْضًا هَذَا كَانَ مِنْ خَالِدٍ تَوَاضُعًا وَأَدَبًا مِنْهُ لِابْنِ أَخِيهِ , وَزَجْرًا مِنْهُ إِيَّاهُ عَنْ مُعَاوَدَتِهِ لِذَلِكَ , وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ عَنْ عُمَرَ مِنْ بَعْدِهِ . |
3011 مَا قَدْ حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مَالِكُ بْنُ يَحْيَى الْهَمْدَانِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ قَالَ : أَخْبَرَنَا الْجُرَيْرِيُّ , عَنْ أَبِي نَضْرَةَ , عَنْ أَبِي فِرَاسٍ : أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ : إِنِّي وَاللَّهِ مَا أَبْعَثُ إِلَيْكُمْ عُمَّالِي لِيَضْرِبُوا أَبْشَارَكُمْ , وَيَأْخُذُوا أَمْوَالَكُمْ , وَلَكِنِّي إِنَّمَا بَعَثْتُهُمْ لِيُعَلِّمُوكُمْ دِينَكُمْ وَسُنَّتَكُمْ , فَمَنْ فَعَلَ بِهِ غَيْرَ ذَلِكَ فَلْيَرْفَعْهُ إِلَيَّ , فَوَاللَّهِ لَأُقِصِّنَّ مِنْهُ , فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ كَانَ رَجُلٌ عَلَى طَائِفَةٍ , فَأَدَّبَ بَعْضَ رَعِيَّتِهِ , إِنَّكَ تُقِصُّ مِنْهُ ؟ فَقَالَ : وَالَّذِي نَفْسُ عُمَرَ بِيَدِهِ , لَأُقِصَّنَّ مِنْهُ , وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقِصُّ مِنْ نَفْسِهِ , ثُمَّ قَالَ : لَا تَضْرِبُوا الْمُسْلِمِينَ فَتُذِلُّوهُمْ , وَلَا تَمْنَعُوهُمْ حُقُوقَهُمْ فَتُكَفِّرُوهُمْ , وَلَا تُجَمِّرُوهُمْ فِي الْغَزْوِ فَتَفْتِنُوهُمْ , وَلَا تُنْزِلُوهُمُ الْغِيَاضَ فَتُضَيِّعُوهُمْ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَكَانَ هَذَا عِنْدَنَا أَيْضًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَاضُعًا مِنْهُ لَا بِوَاجِبٍ , وَمَا كَانَ مِمَّا كَانَ مِنْ عُمَرَ تَأْدِيبًا لِمَنْ أَوْعَدَهُ لِذَلِكَ , وَتَحْذِيرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَأْخُذُ مِنْهُ أَدَبًا مَا أَوْعَدَهُ بِأَخْذِهِ إِيَّاهُ مِنْهُ , وَاللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ . |
3012 حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْجِيزِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هِلَالٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كُنَّا نَقْعُدُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى إِذَا قَامَ قُمْنَا , فَقَامَ يَوْمًا وَقُمْنَا مَعَهُ , حَتَّى لَمَّا بَلَغَ وَسَطَ الْمَسْجِدِ أَدْرَكَهُ الْأَعْرَابِيُّ , فَجَبَذَ بِرِدَائِهِ مِنْ وَرَائِهِ , وَكَانَ رِدَاؤُهُ خَشِنًا , فَحَمَّرَ رَقَبَتَهُ , فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ احْمِلْ لِي عَلَى بَعِيرَيَّ هَذَيْنِ , فَإِنَّكَ لَا تَحْمِلُ لِي مِنْ مَالِكَ , وَلَا مِنْ مَالِ أَبِيكَ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا أَحْمِلُ لَكَ حَتَّى تُقِيدَنِي مِمَّا جَبَذْتَ بِرَقَبَتِي , فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ : وَاللَّهِ لَا أُقِيدُكَ , فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ , كُلَّ ذَلِكَ يَقُولُ : وَاللَّهِ لَا أُقِيدُكَ , فَلَمَّا سَمِعْنَا قَوْلَ الْأَعْرَابِيِّ , أَقْبَلْنَا إِلَيْهِ سِرَاعًا , فَالْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : عَزَمْتُ عَلَى مَنْ سَمِعَ كَلَامِي أَنْ لَا يَبْرَحَ مَقَامَهُ حَتَّى آذَنَ لَهُ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ مِنَ الْقَوْمِ : احْمِلْ لَهُ عَلَى بَعِيرٍ شَعِيرًا , وَعَلَى بَعِيرٍ تَمْرًا , ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : انْصَرِفُوا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَقَالَ قَائِلٌ : مِنْ أَيْنَ وَسِعَكُمُ الْقَوَدُ فِي مِثْلِ مَا ذُكِرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حَتَّى خَالَفْتُمُوهُ جَمِيعًا , لَا إِلَى حَدِيثٍ مِثْلِهِ ؟ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ , أَنَّهُ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْقَوَدُ الَّذِي طَلَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ الْأَعْرَابِيِّ لَمْ يَكُنْ عَلَى مَا تَوَهَّمَهُ مِنَ الْقِصَاصِ , وَلَكِنَّهُ كَانَ عَلَى أَنْ يَعُودَ مُتَوَاضِعًا بِالْبَذْلِ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ مِثْلَ الَّذِي فَعَلَهُ , حَتَّى يَكُونَ بِذَلِكَ عَلَى مِثْلِ مَا يَكُونُ عَلَيْهِ أَهْلُ الْإِسْلَامِ فِي التَّوَاضُعِ عِنْدَ مِثْلِ هَذَا , كَمَا كَانَ مِنْ تَوَاضُعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ الَّذِي ذَكَرْنَا , ثُمَّ مِنْ تَوَاضُعِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الَّذِي رُوِّينَا فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْبَابِ , وَيَكُونُ ذِكْرُهُ الْقَوَدَ عَلَى الِاسْتِعَارَةِ , كَمَا تَسْتَعِيرُ الْعَرَبُ الْكَلِمَةَ لِلْمَعْنَى الَّذِي فِيهَا مِمَّا اسْتَعَارُوهَا مِنْهُ , مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ : هُرَاقَ فُلَانٌ مُهْجَةَ فُلَانٍ , لَيْسَ لِأَنَّ الْمُهْجَةَ مُهْرَاقَةٌ , وَإِنَّمَا الْمُهْرَاقُ الدَّمُ , وَهُوَ مَا وَصَفَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي قِصَّةِ مُوسَى وَصَاحِبِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا مِنْ قَوْلِهِ : { فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ } , فَذَكَرَهُ بِالْإِرَادَةِ , وَالْجِدَارُ لَا إِرَادَةَ لَهُ , وَلَكِنَّهُ كَانَ مِنْهُ مَا يَكُونُ مِنْ ذَوِي الْإِرَادَةِ عِنْدَ إِرَادَتِهِمْ إِلْقَاءَ أَنْفُسِهِمْ إِلَى الْأَرْضِ , فَمِثْلُ ذَلِكَ مَا أَرَادَ مِنَ الْأَعْرَابِيِّ أَنْ يَبْذُلَ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ مِثْلَ الَّذِي يُبْذَلُ بِالْقَوَدِ , وَفِيمَا ذَكَرْنَا مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنْ لَا حُجَّةَ لِهَذَا الْمُتَأَوِّلِ عَلَيْنَا فِيمَا احْتَجَّ بِهِ عَلَيْنَا مِنْ تَأْوِيلِهِ هَذَا , وَاللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ . |