غَزْوَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم الْخَنْدَقَ
1671 ثُمَّ غَزْوَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم الْخَنْدَقَ وَهِيَ غَزْوَةُ الأَحْزَابِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ خَمْسٍ مِنْ مُهَاجَرِهِ. قَالُوا : لَمَّا أَجْلَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم بَنِي النَّضِيرِ سَارُوا إِلَى خَيْبَرَ فَخَرَجَ نَفَرٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ وَوُجُوهِهِمْ إِلَى مَكَّةَ فَأَلَّبُوا قُرَيْشًا وَدَعَوْهُمْ إِلَى الْخُرُوجِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم ، وَعَاهَدُوهُمْ وَجَامَعُوهُمْ عَلَى قِتَالِهِ وَوَعَدُوهُمْ لِذَلِكَ مَوْعِدًا ، ثُمَّ خَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِمْ فَأَتَوْا غَطَفَانَ وَسُلَيْمًا فَفَارَقُوهُمْ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ ، وَتَجَهَّزَتْ قُرَيْشٌ وَجَمَعُوا أَحَابِيَشَهُمْ وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنَ الْعَرَبِ فَكَانُوا أَرْبَعَةَ آلاَفٍ ، وَعَقَدُوا اللِّوَاءَ فِي دَارِ النَّدْوَةِ وَحَمَلَهُ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، وَقَادُوا مَعَهُمْ ثَلاَثَمِائَةِ فَرَسٍ وَكَانَ مَعَهُمْ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةِ بَعِيرٍ ، وَخَرَجُوا يَقُودُهُمْ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ ، وَوَافَتْهُمْ بَنُو سُلَيْمٍ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ ، وَهُمْ سَبْعُمِائَةٍ يَقُودُهُمْ سُفْيَانُ بْنُ عَبْدِ شَمْسٍ حَلِيفُ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ ، وَهُوَ أَبُو أَبِي الأَعْوَرِ السُّلَمِيِّ الَّذِي كَانَ مَعَ مُعَاوِيَةَ بِصِفِّينَ ، وَخَرَجَتْ مَعَهُمْ بَنُو أَسَدٍ يَقُودُهُمْ طَلْحَةُ بْنُ خُوَيْلِدٍ الأَسَدِيُّ ، وَخَرَجَتْ فَزَارَةُ فَأَوْعَبَتْ ، وَهُمْ أَلْفُ بَعِيرٍ يَقُودُهُمْ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ ، وَخَرَجَتْ أَشْجَعُ وَهُمْ أَرْبَعُمِائَةٍ يَقُودُهُمْ مَسْعُودُ بْنُ رُخَيْلَةَ ، وَخَرَجَتْ بَنُو مُرَّةَ وَهُمْ أَرْبَعُمِائَةٍ يَقُودُهُمُ الْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ ، وَخَرَجَ مَعَهُمْ غَيْرُهُمْ. وَقَدْ رَوَى الزُّهْرِيُّ ؛ أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ عَوْفٍ رَجَعَ بِبَنِي مُرَّةَ فَلَمْ يَشْهَدِ الْخَنْدَقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ ، وَكَذَلِكَ رَوَتْ بَنُو مُرَّةَ ، وَالأَوَّلُ أَثْبَتُ أَنَّهُمْ قَدْ شَهِدُوا الْخَنْدَقَ مَعَ الْحَارِثِ بْنِ عَوْفٍ ، وَهَجَاهُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فَكَانَ جَمِيعُ الْقَوْمِ الَّذِينَ وَافُوا الْخَنْدَقَ مِمَّنْ ذُكِرَ مِنَ الْقَبَائِلِ عَشَرَةُ آلاَفٍ ، وَهُمُ الأَحْزَابُ وَكَانُوا ثَلاَثَةَ عَسَاكِرٍ وَعِنَاجُ الأَمْرِ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ ؛ فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم فُصُولُهُمْ مِنْ مَكَّةَ نَدَبَ النَّاسَ ، وَأَخْبَرَهُمْ خَبَرَ عَدُوِّهِمْ وَشَاوَرَهُمْ فِي أَمْرِهِمْ فَأَشَارَ عَلَيْهِ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ بَالْخَنْدَقِ ، فَأَعْجَبَ ذَلِكَ الْمُسْلِمِينَ وَعَسْكَرَ بِهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم إِلَى سَفْحِ سَلْعٍ وَجَعَلَ سَلْعًا خَلْفَ ظَهْرِهِ وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَئِذٍ ثَلاَثَةُ آلاَفٍ ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ عَبْدَ اللهِ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ ثُمَّ خَنْدَقَ عَلَى الْمَدِينَةِ ،وَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يَعْمَلُونَ مُسْتَعْجِلِينَ يُبَادِرُونَ قُدُومَ عَدُوِّهِمْ عَلَيْهِمْ ، وَعَمِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم مَعَهُمْ بِيَدِهِ لِيُنَشِّطَ الْمُسْلِمِينَ ، وَوَكَّلَ بِكُلِّ جَانِبٍ مِنْهُ قَوْمًا فَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ يَحْفِرُونَ مِنْ نَاحِيَةِ رَاتِجٍ إِلَى ذُبَابٍ ، وَكَانَتِ الأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ مِنْ ذُبَابٍ إِلَى جَبَلِ بَنِي عُبَيْدٍ ، وَكَانَ سَائِرُ الْمَدِينَةِ مُشَبَّكًا بِالْبُنْيَانِ فَهِيَ كَالْحِصْنِ ، وَخَنْدَقَتْ بَنُو عَبْدِ الأَشْهَلِ عَلَيْهَا مِمَّا يَلِي رَاتِجٍ إِلَى خَلْفِهَا حَتَّى جَاءَ الْخَنْدَقُ مِنْ وَرَاءِ الْمَسْجِدِ ، وَخَنْدَقَتْ بَنُو دِينَارٍ مِنْ عِنْدِ جُرْبَا إِلَى مَوْضِعِ دَارِ ابْنِ أُبَيٍّ الْجَنُوبُ الْيَوْمَ ، وَفَرَغُوا مِنْ حَفْرِهِ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ، وَرَفَعَ الْمُسْلِمُونَ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ فِي الآطَامِ . وَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم يَوْمَ الاِثْنَيْنِ لِثَمَانِي لَيَالٍ مَضَيْنَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ ، وَكَانَ يَحْمِلُ لِوَاءَهُ ، لِوَاءَ الْمُهَاجِرِينَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ ، وَكَانَ يَحْمِلُ لِوَاءَ الأَنْصَارِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ، وَدَسَّ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ حُيَيَّ بْنَ أَخْطَبَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ يَسْأَلُهُمْ أَنْ يَنْقُضُوا الْعَهْدَ الَّذِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم وَيَكُونُوا مَعَهُمْ عَلَيْهِ ، فَامْتَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ أَجَابُوا إِلَيْهِ ، وَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم فَقَالَ : حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ . قَالَ : وَنَجَمَ النِّفَاقُ وَفَشِلَ النَّاسُ وَعَظُمَ الْبَلاَءُ وَاشْتَدَّ الْخَوْفُ وَخِيفَ عَلَى الذَّرَارِيِّ وَالنِّسَاءِ ، وَكَانُوا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم وَالْمُسْلِمُونَ وِجَاهَ الْعَدُوِّ لاَ يَزُولُونَ غَيْرَ أَنَّهُمْ يَعْتَقِبُونَ خَنْدَقَهُمْ وَيَحْرُسُونَهُ. وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم يَبْعَثُ سَلَمَةَ بْنَ أَسْلَمَ فِي مِئَتَيْ رَجُلٍ ، وَزَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فِي ثَلاَثِمِائَةِ رَجُلٍ يَحْرُسُونَ الْمَدِينَةَ وَيُظْهِرُونَ التَّكْبِيرَ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَخَافُ عَلَى الذَّرَارِيِّ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ ،وَكَانَ عَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ عَلَى حَرَسِ قُبَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم مَعَ غَيْرِهِ مِنَ الأَنْصَارِ يَحْرُسُونَهُ كُلَّ لَيْلَةٍ ، فَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَتَنَاوَبُون بَيْنَهُمْ ، فَيَغْدُو أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ فِي أَصْحَابِهِ يَوْمًا وَيَغْدوُ َخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ يَوْمًا وَيَغْدو عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ يَوْمًا وَيَغْدُو هُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ يَوْمًا وَيَغْدُو ضِرَارُ بْنُ الْخَطَّابِ الْفِهْرِيُّ يَوْمًا ، فَلاَ يَزَالُونَ يُجِيلُونَ خَيْلَهُمْ وَيَتَفَرَّقُونَ مَرَّةً وَيَجْتَمِعُونَ أُخْرَى وَيُنَاوِشُونَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم وَيُقَدِّمُونَ رُمَاتَهُمْ فَيَرْمُونَ ، فَرَمَى حِبَّانُ بْنُ الْعَرِقَةِ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ بِسَهْمٍ فَأَصَابَ أَكْحَلَهُ ، فَقَالَ : خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْعَرِقَةِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم : عَرَّقَ اللَّهُ وَجْهَكَ فِي النَّارِ ، وَيُقَالُ : الَّذِي رَمَاهُ أَبُو أُسَامَةَ الْجُشَمِيُّ . ثُمَّ أَجْمَعَ رُؤَسَاؤُهُمْ أَنْ يَغْدُوا يَوْمًا فَغَدَوْا جَمِيعًا وَمَعَهُمْ رُؤَسَاءُ سَائِرِ الأَحْزَابِ وَطَلَبُوا مَضِيقًا مِنَ الْخَنْدَقِ يُقْحِمُونَ مِنْهُ خَيْلَهُمْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم وَأَصْحَابِهِ فَلَمْ يَجِدُوا ذَلِكَ ، وَقَالُوا : إِنَّ هَذِهِ لَمَكِيدَةٌ مَا كَانَتِ الْعَرَبُ تَصْنَعُهَا ؛ فَقِيلَ لَهُمْ : إِنَّ مَعَهُ رَجُلاَّ فَارِسِيًّا أَشَارَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ . قَالُوا : فَمِنْ هُنَاكَ إِذًا ، فَصَارُوا إِلَى مَكَانٍ ضَيِّقٍ أَغْفَلَهُ الْمُسْلِمُونَ فَعَبَرَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ وَنَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَضِرَارُ بْنُ الْخَطَّابِ وَهُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ وَعَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدٍّ ، فَجَعَلَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدٍّ يَدْعُو إِلَى الْبَرَازِ وَيَقُولُ : وَلَقَدْ بَحِحْتُ مِنَ النِّدَا ... ءِ لِجَمْعِهِمْ هَلْ مِنْ مُبَارِزٍ؟ وَهُوَ ابْنُ تِسْعِينَ سَنَةً ، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : أَنَا أُبَارِزُهُ يَا رَسُولَ اللهِ ، فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم سَيْفَهُ وَعَمَّمَهُ ، وَقَالَ : اللَّهُمَّ أَعِنْهُ عَلَيْهِ ، ثُمَّ بَرَزَ لَهُ ، وَدَنَا أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ وَثَارَتْ بَيْنَهُمَا غَبَرَةً وَضَرَبَهُ عَلِيٌّ فَقَتَلَهُ وَكَبَّرَ ، فَعَلِمْنَا أَنَّهُ قَدْ قَتَلَهُ وَوَلَّى أَصْحَابُهُ هَارِبِينَ وَظَفَرَتْ بِهِمْ خُيُولُهُمْ . وَحَمَلَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ عَلَى نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بِالسَّيْفِ فَضَرَبَهُ فَشَقَّهُ اثْنَيْنِ ثُمَّ اتَّعَدُوا أَنْ يَغْدُوا مِنَ الْغَدِ فَبَاتُوا يُعَبِّئُونَ أَصْحَابَهُمْ وَفَرَّقُوا كَتَائِبَهُمْ وَنَحَوْا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم كَتِيبَةً غَلِيظَةً فِيهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَقَاتَلُوهُمْ يَوْمَهُمْ ذَلِكَ إِلَى هُوِيٍّ مِنَ اللَّيْلِ مَا يَقْدِرُونَ أَنْ يَزُولُوا مِنْ مَوْضِعِهِمْ ،وَلاَ صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم وَلاَ أَصْحَابُهُ ظُهْرًا وَلاَ عَصْرًا وَلاَ مَغْرِبًا وَلاَ عِشَاءً ، حَتَّى كَشَفَهُمُ اللَّهُ فَرَجَعُوا مُتَفَرِّقِينَ إِلَى مَنَازِلِهِمْ وَعَسْكَرِهِمْ ، وَانْصَرَفَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى قُبَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم. وَأَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ عَلَى الْخَنْدَقِ فِي مِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَكَرَّ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي خَيْلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَطْلُبُونَ غِرَّةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، فَنَاوَشُوهُمْ سَاعَةً وَمَعَ الْمُشْرِكِينَ وَحْشِيٌّ ، فَزَرَقَ الطُّفَيْلَ بْنَ النُّعْمَانِ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ بِمِزْرَاقِهِ فَقَتَلَهُ ، وَانْكَشَفُوا وَصَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم إِلَى قُبَّتِهِ ، فَأَمَرَ بِلاَلاَّ فَأَذَّنَ وَأَقَامَ الظُّهْرَ فَصَلَّى ، ثُمَّ أَقَامَ بَعْدَ كُلِّ صَلاَةٍ إِقَامَةً إِقَامَةً وَصَلَّى هُوَ وَأَصْحَابُهُ مَا فَاتَهُمْ مِنَ الصَّلَوَاتِ ، وَقَالَ : شَغَلُونَا عَنِ الصَّلاَةِ الْوُسْطَى ، يَعْنِي الْعَصْرَ ، مَلأَ اللَّهُ أَجْوَافَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا . وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ قِتَالٌ جَمِيعًا حَتَّى انْصَرَفُوا إِلاَّ أَنَّهُمْ لاَ يَدَعُونَ يَبْعَثُونَ الطَّلاَئِعَ بِاللَّيْلِ يَطْمَعُونَ فِي الْغَارَةِ . وَحُصِرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم وَأَصْحَابُهُ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حَتَّى خَلَصَ إِلَى كُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمُ الْكَرْبُ ، فَأَرَادَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم أَنْ يُصَالِحَ غَطَفَانَ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُمْ ثُلُثَ الثَّمَرَةِ وَيُخَذِّلُوا بَيْنَ النَّاسِ وَيَنْصَرِفُوا عَنْهُ فَأَبَتْ ذَلِكَ الأَنْصَارُ فَتَرَكَ مَا كَانَ أَرَادَ مِنْ ذَلِكَ . وَكَانَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ الأَشْجَعِيُّ قَدْ أَسْلَمَ فَحَسُنَ إِسْلاَمُهُ فَمَشَى بَيْنَ قُرَيْشٍ وَقُرَيْظَةَ وَغَطَفَانَ وَأَبْلَغَ هَؤُلاَءِ عَنْ هَؤُلاَءِ كَلاَمًا وَهَؤُلاَءِ عَنْ هَؤُلاَءِ كَلاَمًا يُرِي كُلَّ حِزْبٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ يَنْصَحُ لَهُ فَقَبِلُوا قَوْلَهُ وَخَذَّلَهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم ، وَاسْتَوْحَشَ كُلُّ حِزْبٍ مِنْ صَاحِبِهِ ، وَطَلَبَتْ قُرَيْظَةُ مِنْ قُرَيْشٍ الرَّهْنَ حَتَّى يَخْرُجُوا فَيُقَاتِلُوا مَعَهُمْ فَأَبَتْ ذَلِكَ قُرَيْشٌ وَاتَّهَمُوهُمْ ، وَاعْتَلَّتْ قُرَيْظَةُ عَلَيْهِمْ بِالسَّبْتِ وَقَالُوا : لاَ نُقَاتِلُ فِيهِ لأَنَّ قَوْمًا مِنَّا عَدُوا فِي السَّبْتِ فَمُسِخُوا قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ . فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ : أَلاَ أُرَانِي أَسْتَعِينُ بِإِخْوَةِ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ . وَبَعَثَ اللَّهُ الرِّيحَ لَيْلَةَ السَّبْتِ فَفَعَلَتْ بِالْمُشْرِكِينَ وَتَرَكَتْ لاَ تُقِرُّ لَهُمْ بِنَاءً وَلاَ قِدْرًا .وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ إِلَيْهِمْ لَيَأْتِيَهُ بِخَبَرِهِمْ ، وَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم يُصَلِّي تِلْكَ اللَّيْلَةَ ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ : يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنَّكُمْ لَسْتُمْ بِدَارِ مُقَامٍ ، لَقَدْ هَلَكَ الْخُفُّ وَالْحَافِرُ وَأَجْدَبَ الْجَنَابُ وَأَخْلَفَتْنَا بَنُو قُرَيْظَةَ ،وَلَقَدْ لَقِينَا مِنَ الرِّيحِ مَا تَرَوْنَ فَارْتَحِلُوا فَإِنِّي مُرْتَحِلٌ ؛ وَقَامَ فَجَلَسَ عَلَى بَعِيرِهِ ، وَهُوَ مَعْقُولٌ ، ثُمَّ ضَرَبَهُ فَوَثَبَ عَلَى ثَلاَثِ قَوَائِمَ فَمَا أَطْلَقَ عِقَالَهُ إِلاَّ بَعْدَمَا قَامَ . وَجَعَلَ النَّاسُ يَرْحَلُونَ وَأَبُو سُفْيَانَ قَائِمٌ حَتَّى خَفَّ الْعَسْكَرُ ، فَأَقَامَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي مِئَتَيْ فَارِسٍ سَاقَةً لِلْعَسْكَرِ وَرِدْءًا لَهُمْ مَخَافَةَ الطَّلَبِ ، فَرَجَعَ حُذَيْفَةُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ كُلِّهِ. وَأَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم وَلَيْسَ بِحَضْرَتِهِ أَحَدٌ مِنَ الْعَسَاكِرِ قَدِ انْقَشَعُوا إِلَى بِلاَدِهِمْ ، فَأَذِنَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم لِلْمُسْلِمِينَ فِي الاِنْصِرَافِ إِلَى مَنَازِلِهِمْ ، فَخَرَجُوا مُبَادِرِينَ مَسْرُورِينَ بِذَلِكَ ، وَكَانَ فِيمَنْ قُتِلَ أَيْضًا فِي أَيَّامِ الْخَنْدَقِ أَنَسُ بْنُ أَوْسِ بْنِ عَتِيكٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ قَتَلَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ سَهْلٍ الأَشْهَلِيُّ وَثَعْلَبَةُ بْنُ عَنَمَةَ بْنِ عَدِيِّ بْنِ نَابِيءٍ قَتَلَهُ هُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ ، وَكَعْبُ بْنُ زَيْدٍ مِنْ بَنِي دِينَارٍ قَتَلَهُ ضِرَارُ بْنُ الْخَطَّابِ ، وَقُتِلَ أَيْضًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ عُثْمَانُ بْنُ مُنَبِّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ ، وَحَاصَرَهُمُ الْمُشْرِكُونَ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً ، وَانْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ لِسَبْعِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةَ سَنَةَ خَمْسٍ.
1673 أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ ، أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ؛ أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم ، كَانُوا يَقُولُونَ وَهُمْ يَحْفِرُونَ الْخَنْدَق : نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا ... عَلَى الْجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم يَقُولُ : اللَّهُمَّ إِنَّ الْخَيْرَ خَيْرُ الآخِرَهْ ... فَاغْفِرْ لِلأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ وَأُتِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم بِخُبْزِ شَعِيرٍ عَلَيْهِ إِهَالَةٌ سَنِخَةٌ ، فَأَكَلُوا مِنْهَا ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم : إِنَّمَا الْخَيْرُ خَيْرُ الآخِرَةِ.
1678 أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ الْكِلاَبِيُّ ، أَخْبَرَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَبِي حَسَّانَ ، عَنْ عُبَيْدَةَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ؛ أَنَّهُمْ لَمْ يُصَلُّوا يَوْمَ الأَحْزَابِ الْعَصْرَ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ ، أَوْ قَالَ : آبَتِ الشَّمْسُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم : اللَّهُمَّ امْلأْ بُيُوتَهُمْ نَارًا كَمَا حَبَسُونَا عَنِ الصَّلاَةِ الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ ، أَوْ قَالَ : آبَتِ الشَّمْسُ . قَالَ : فَعَرَفْنَا أَنَّ صَلاَةَ الْوُسْطَى هِيَ الْعَصْرُ.
1686 أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الْحَنَفِيُّ الْبَصْرِيُّ ، أَخْبَرَنَا كَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ ، قَالَ : دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم فِي مَسْجِدِ الأَحْزَابِ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ وَيَوْمَ الثُّلاَثَاءِ وَيَوْمَ الأَرْبِعَاءِ ، فَاسْتُجِيبَ لَهُ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ ، فَعَرَفْنَا الْبِشْرَ فِي وَجْهِهِ ، قَالَ جَابِرٌ : فَلَمْ يَنْزِلْ بِي أَمْرٌ مُهِمٌّ غَائِظٌ إِلاَّ تَوَخَّيْتُ تِلْكَ السَّاعَةِ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ ، فَدَعَوْتُ اللَّهَ فَأَعْرِفُ الإِجَابَةَ.
1679 أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ ، أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ عَاصِمٍ ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ ، عَنْ عَلِيٍّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم يَوْمَ الْخَنْدَقِ : مَا لَهُمْ مَلأَ اللَّهُ قُبُورَهُمْ نَارًا كَمَا شَغَلُونَا عَنْ صَلاَةِ الْوُسْطَى ، وَهِيَ الْعَصْرُ.
1684 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الْعَبْدِيُّ عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ أَبِي الْمُسَيَّبِ قَالَ : لَمَّا كَانَ يَوْمُ الأَحْزَابِ حُصِرَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم وَأَصْحَابُهُ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً ، حَتَّى خَلَصَ إِلَى كُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمُ الْكَرْبُ ، وَحَتَّى قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم : اللَّهُمَّ إِنِّي أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ ، اللَّهُمَّ إِنَّكَ إِنْ تَشَأْ لاَ تُعْبَدْ . فَبَيْنَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ أَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم إِلَى عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنِ بْنِ بَدْرٍ : أَرَأَيْتَ إِنْ جَعَلْتُ لَكُمْ ثُلُثَ ثَمَرِ الأَنْصَارِ أَتَرْجِعُ بِمَنْ مَعَكَ مِنْ غَطَفَانَ وَتُخَذِّلُ بَيْنَ الأَحْزَابِ ؟ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عُيَيْنَةُ : إِنْ جَعَلْتَ لِيَ الشَّطْرَ فَعَلْتُ . فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَأَخْبَرَهُمَا بِذَلِكَ ، فَقَالاَ : إِنْ كُنْتَ أُمِرْتَ بِشَيْءٍ فَامْضِ لأَمْرِ اللهِ ، قَالَ : لَوْ كُنْتُ أُمِرْتُ بِشَيْءٍ مَا أَسْتَأْمِرُ بِكُمَا ، وَلَكِنْ هَذَا رَأْيٌ أَعْرِضُهُ عَلَيْكُمَا ، قَالاَ : فَإِنَّا نَرَى أَنْ لاَ نُعْطِيَهُمْ إِلاَّ السَّيْفَ.
1687 أَخْبَرَنَا عَتَّابُ بْنُ زِيَادٍ ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى ، يَقُولُ : دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم يَوْمَ الأَحْزَابِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ : اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ ، سَرِيعَ الْحِسَابِ ، اهْزِمِ الأَحْزَابَ ، اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ.
1672 أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : خَرَجَ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ الْخَنْدَقَ فِي غَدَاةٍ بَارِدَةٍ ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم يَقُولُ : اللَّهُمَّ إِنَّ الْخَيْرَ خَيْرُ الآخِرَهْ ... فَاغْفِرْ لِلأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ فَأَجَابُوهُ : نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا ... عَلَى الْجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدَا.
1680 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ النَّيْسَابُورِيُّ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَوْفٍ ، عَنْ أَبِي جُمُعَةَ ، وَقَدْ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم عَامَ الأَحْزَابِ صَلَّى الْمَغْرِبَ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ : هَلْ عَلِمَ أَحَدٌ مِنْكُمْ أَنِّي صَلَّيْتُ الْعَصْرَ ؟ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ ، مَا صَلَّيْنَاهَا ، فَأَمَرَ الْمُؤَذِّنَ فَأَقَامَ الصَّلاَةَ فَصَلَّى الْعَصْرَ ، ثُمَّ أَعَادَ الْمَغْرِبَ.
{ وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ} فَأَتَى جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَمَعَهُ الرِّيحُ ، فَقَالَ حِينَ رَأَى جِبْرِيلَ : أَلاَ أَبْشِرُوا ، ثَلاَثًا ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الرِّيحَ فَهَتَكَتِ الْقِبَابَ وَكَفَأَتِ الْقُدُورَ وَدَفَنَتِ الرِّحَالَ وَقَطَعَتِ الأَوْتَادَ ، فَانْطَلَقُوا لاَ يَلْوِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : { إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} ، فَرَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم. قَالَ أَبُو بِشْرٍ : وَبَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم لَمَّا رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ غَسَلَ جَانِبَ رَأْسِهِ الأَيْمَنَ وَبَقِيَ الأَيْسَرُ قَالَ : فَقَالَ لَهُ ، يَعْنِي جِبْرِيلَ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم : أَلاَ أَرَاكَ تَغْسِلُ رَأْسَكَ ، فَوَاللَّهِ مَا نَزَلْنَا بَعْدُ ، انْهَضْ ؛ فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم أَصْحَابَهُ أَنْ يَنْهَضُوا إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ.
1676 أَخْبَرَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، قَالَ : كَانَ يَوْمُ الْخَنْدَقِ بِالْمَدِينَةِ قَالَ : فَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ قُرَيْشٍ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ كِنَانَةَ ، وَعُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ غَطَفَانَ ، وَطُلَيْحَةُ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ بَنِي أَسَدٍ ، وَأَبُو الأَعْوَرِ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ ، وَقُرَيْظَةُ كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم عَهْدٌ فَنَقَضُوا ذَلِكَ وَظَاهَرُوا الْمُشْرِكِينَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ :