غَزْوَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم أُحُدًا

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،    غَزْوَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم أُحُدًا

1630 ثُمَّ غَزْوَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم أُحُدًا يَوْمَ السَّبْتِ لِسَبْعِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ شَوَّالٍ عَلَى رَأْسِ اثْنَيْنِ وَثَلاَثِينَ شَهْرًا مِنْ مُهَاجَرِهِ . قَالُوا : لَمَّا رَجَعَ مَنْ حَضَرَ بَدْرًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى مَكَّةَ وَجَدُوا الْعِيرَ الَّتِي قَدِمَ بِهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ مَوْقُوفَةً فِي دَارِ النَّدْوَةِ ، فَمَشَتْ أَشْرَافُ قُرَيْشٍ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ ، فَقَالُوا : نَحْنُ طَيِّبُو أَنْفُسٍ إِنْ تُجَهِّزُوا بِرِبْحِ هَذِهِ الْعِيرِ جَيْشًا إِلَى مُحَمَّدٍ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ : وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ أَجَابَ إِلَى ذَلِكَ وَبَنُو عَبْدِ مَنَافٍ مَعِي ؛ فَبَاعُوهَا فَصَارَتْ ذَهَبًا فَكَانَتْ أَلْفَ بَعِيرٍ وَالْمَالُ خَمْسِينَ أَلْفَ دِينَارٍ ، فَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِ الْعِير رُؤُوسَ أَمْوَالِهِمْ وَأَخْرَجُوا أَرْبَاحَهُمْ وَكَانُوا يَرْبَحُونَ فِي تِجَارَتِهِمْ لِلدِّينَارِ دِينَارًا وَفِيهِمْ نَزَلَتْ : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} ، وَبَعَثُوا رُسُلَهُمْ يَسِيرُونَ فِي الْعَرَبِ يَدْعُونَهُمْ إِلَى نَصْرِهِمْ ، فَأَوْعَبُوا وَتَأَلَّبَ مَنْ كَانَ مَعَهُمْ مِنَ الْعَرَبِ وَحَضَرُوا ، فَأَجْمَعُوا عَلَى إِخْرَاجِ الظُّعُنِ ، يَعْنِي النِّسَاءَ ، مَعَهُمْ لِيُذَكِّرْنَهُمْ قَتْلَى بَدْرٍ فَيَحْفِزْنَهُمْ فَيَكُونُ أَحَدَّ لَهُمْ فِي الْقِتَالِ . وَكَتَبَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بِخَبَرِهِمْ كُلِّهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم ، فَأَخْبَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم سَعْدَ بْنَ الرَّبِيعِ بِكِتَابِ الْعَبَّاسِ وَأَرْجَفَ الْمُنَافِقُونَ وَالْيَهُودُ بِالْمَدِينَةِ ، وَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ مِنْ مَكَّةَ وَمَعَهُمْ أَبُو عَامِرٍ الْفَاسِقُ ، وَكَانَ يُسَمَّى قَبْلَ ذَلِكَ الرَّاهِبُ ، فِي خَمْسِينَ رَجُلاَّ مِنْ قَوْمِهِ ، وَكَانَ عَدَدُهُمْ ثَلاَثَةُ آلاَفِ رَجُلٍ ، فِيهِمْ سَبْعُمِائَةِ دَارِعٍ ، وَمَعَهُمْ مِائَتَا فَرَسٍ وَثَلاَثَةُ آلاَفِ بَعِيرٍ ، وَالظُّعُنُ خَمْسَ عَشْرَةَ امْرَأَةً.وَشَاعَ خَبَرُهُمْ وَمَسِيرُهُمْ فِي النَّاسِ حَتَّى نَزَلُوا ذَا الْحُلَيْفَةِ فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم عَيْنَيْنِ لَهُ أَنَسًا وَمُؤْنِسًا ابْنَيْ فَضَالَةَ الظَّفَرِيَّيْنِ ، لَيْلَةَ الْخَمِيسِ لِخَمْسِ لَيَالٍ مَضَيْنَ مِنْ شَوَّالٍ ، فَأَتَيَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم بِخَبَرِهِمْ وَأَنَّهُمْ قَدْ خَلُّوا إِبِلَهُمْ وَخَيْلَهُمْ فِي الزَّرْعِ الَّذِي بِالْعُرَيْضِ حَتَّى تَرَكُوهُ لَيْسَ بِهِ خَضْرَاءُ . ثُمَّ بَعَثَ الْحُبَابَ بْنَ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَمُوحِ إِلَيْهِم أَيْضًا فَدَخَلَ فِيهِمْ فَحَزَرَهُمْ وَجَاءَهُ بِعِلْمِهِمْ ، وَبَاتَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فِي عِدَّةِ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ عَلَيْهِمُ السِّلاَحُ فِي الْمَسْجِدِ بِبَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم وَحُرِسَتِ الْمَدِينَةُ حَتَّى أَصْبَحُوا وَرَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم تِلْكَ اللَّيْلَةِ كَأَنَّهُ فِي دِرْعٍ حَصِينَةٍ وَكَأَنَّ سَيْفَهُ ذَا الْفَقَارِ قَدِ انْفَصَمَ مِنْ عِنْدِ ظُبَتِهِ ، وَكَأَنَّ بَقَرًا تُذَبَّحُ وَكَأَنَّهُ مُرْدِفٌ كَبْشًا فَأَخْبَرَ بِهَا أَصْحَابَهُ ، وَأَوَّلَهَا فَقَالَ : أَمَّا الدِّرْعُ الْحَصِينَةُ فَالْمَدِينَةُ ، وَأَمَّا انْفِصَامُ سَيْفِي فَمُصِيبَةٌ فِي نَفْسِي ، وَأَمَّا الْبَقَرُ الْمَذَبَّحُ فَقَتْلٌ فِي أَصْحَابِي ، وَأَمَّا مُرْدِفٌ كَبْشًا فَكَبْشُ الْكَتِيبَةِ يَقْتُلُهُ اللَّهُ إِنَّ شَاءَ اللَّهُ . فَكَانَ رَأْي رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم أَنْ لاَ يَخْرُجَ مِنَ الْمَدِينَةِ لِهَذِهِ الرُّؤْيَا ، فَأَحَبَّ أَنْ يُوَافَقَ عَلَى مِثْلِ رَأْيِهِ فَاسْتَشَارَ أَصْحَابَهُ فِي الْخُرُوجِ فَأَشَارَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ أَنْ لاَ يَخْرُجَ وَكَانَ ذَلِكَ رَأْي الأَكَابِرِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم : امْكُثُوا فِي الْمَدِينَةِ وَاجْعَلُوا النِّسَاءَ وَالذَّرَارِيَّ فِي الآطَامِ . فَقَالَ فَتَيَانٌ أَحْدَاثٌ لَمْ يَشْهَدُوا بَدْرًا فَطَلَبُوا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم الْخُرُوجَ إِلَى عَدُوِّهِمْ وَرَغِبُوا فِي الشَّهَادَةِ ، : اخْرُجْ بِنَا إِلَى عَدُوِّنَا ، فَغَلَبَ عَلَى الأَمْرِ الَّذِين يُرِيدُونَ الْخُرُوجَ ، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم الْجُمُعَةَ بِالنَّاسِ ثُمَّ وَعَظَهُمْ وَأَمَرَهُمْ بِالْجِدِّ وَالْجِهَادِ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ لَهُمُ النَّصْرَ مَا صَبَرُوا وَأَمَرَهُمْ بِالتَّهَيُّؤِ لِعَدُوِّهِمْ فَفَرِحَ النَّاسُ بِالشُّخُوصِ ، ثُمَّ صَلَّى بِالنَّاسِ الْعَصْرَ وَقَدْ حُشِدُوا وَحَضَرَ أَهْلُ الْعَوَالِي ،ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم بَيْتَهُ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَعَمَّمَاهُ وَأَلْبَسَاهُ ، وَصَفَّ النَّاسَ لَهُ يَنْتَظِرُونَ خُرُوجَهُ ، فَقَالَ لَهُمْ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ : اسْتَكْرَهْتُمْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم عَلَى الْخُرُوجِ ، وَالأَمْرُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ فَرَدُّوا الأَمْرَ إِلَيْهِ . فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم قَدْ لَبِسَ لأْمَتَهُ وَأَظْهَرَ الدِّرْعَ وَحَزَّمَ وَسَطَهَا بِمِنْطَقَةٍ مِنْ أَدَمٍ مِنْ حَمَائِلِ السَّيْفِ ، وَاعْتَمَّ وَتَقَلَّدَ السَّيْفَ وَأَلْقَى التُّرْسَ فِي ظَهْرِهِ فَنَدِمُوا جَمِيعًا عَلَى مَا صَنَعُوا ، وَقَالُوا : مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُخَالِفَكَ فَاصْنَعْ مَا بَدَا لَكَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم : لاَ يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ إِذَا لَبِسَ لأْمَتَهُ أَنْ يَضَعَهَا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَعْدَائِهِ فَانْظُرُوا مَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوهُ ، وَامْضُوا عَلَى اسْمِ اللهِ فَلَكُمُ النَّصْرُ مَا صَبَرْتُمْ . ثُمَّ دَعَا بِثَلاَثَةِ أَرْمَاحٍ ، فَعَقَدَ ثَلاَثَةَ أَلْوِيَةٍ فَدَفَعَ لِوَاءَ الأَوْسِ إِلَى أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ ، وَدَفَعَ لِوَاءَ الْخَزْرَجِ إِلَى الْحُبَابِ بْنِ الْمُنْذِرِ وَيُقَالُ : إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ ، وَدَفَعَ لِوَاءَهُ لِوَاءَ الْمُهَاجِرِينَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَيُقَالُ : إِلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ عَبْدَ اللهِ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ ، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم فَرَسَهُ وَتَنَكَّبَ الْقَوْسَ وَأَخَذَ قَنَاةً بِيَدِهِ وَالْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمُ السِّلاَحُ قَدْ أَظْهَرُوا الدُّرُوعَ فِيهِمْ مِائَةُ دَارِعٍ ، وَخَرَجَ السَّعْدَانِ أَمَامَهُ يَعْدُوَانِ : سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَارِعٌ وَالنَّاسُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ . فَمَضَى حَتَّى إِذَا كَانَ بِالشَّيْخَيْنِ ،وَهُمَا أُطْمَانِ كَانَ يَهُودِيٌ وَيَهُودِيةٌ يَقُومَان عَلَيْهِ يَتَحَدَّثَان ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَ بِالشَّيْخَيْنِ ، وَهُمَا فِي طَرْفِ الْمَدِينَةِ ، الْتَفَتَ فَنَظَرَ إِلَى كَتِيبَةٍ خَشْنَاءَ لَهَا زُجَلٌ ، فَقَالَ : مَا هَذِهِ ؟ قَالُوا : حُلَفَاءُ ابْنُ أُبَيٍّ مِنْ يَهُودٍ ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم : لاَ تَسْتَنْصِرُوا بِأَهْلِ الشِّرْكِ عَلَى أَهْلِ الشِّرْكِ . وَعُرِضَ مَنْ عُرِضَ بِالشَّيْخَيْنِ فَرَدَّ مَنْ رَدِّ وَأَجَازَ مَنْ أَجَازَ . وَغَابَتِ الشَّمْسُ وَأَذَّنَ بِلاَلٌ الْمَغْرِبَ فَصَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم بِأَصْحَابِهِ ، وَبَاتَ بِالشَّيْخَيْنِ وَكَانَ نَازِلاَّ فِي بَنِي النَّجَّارِ وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْحَرَسِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ فِي خَمْسِينَ رَجُلاَّ يُطِيفُونَ بِالْعَسْكَرِ . وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ قَدْ رَأَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم حَيْثُ رَاحَ وَنَزَلَ فَاجْتَمَعُوا وَاسْتَعْمَلُوا عَلَى حَرَسِهِمْ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ فِي خَيْلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، وَأَدْلَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم فِي السَّحَرِ وَدَلِيلُهُ أَبُو حَثْمَةَ الْحَارِثِيُّ ، فَانْتَهَى إِلَى أُحُدٍ إِلَى مَوْضِعِ الْقَنْطَرَةِ الْيَوْمَ فَحَانَتِ الصَّلاَةُ ، وَهُوَ يَرَى الْمُشْرِكِينَ فَأَمَرَ بِلاَلاَّ وَأَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ الصُّبْحَ صُفُوفًا.وَانْخَزَلَ ابْنُ أُبَيٍّ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ فِي كَتِيبَةٍ كَأَنَّهُ هَيْقٌ يَقْدُمُهُمْ ، وَهُوَ يَقُولُ : عَصَانِي وَأَطَاعَ الْوِلْدَانَ وَمَنْ لاَ رَأْيَ لَهُ ، وَانْخَزَلَ مَعَهُ ثَلاَثُمِائَةٍ فَبَقِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم فِي سَبْعِمِائَةٍ وَمَعَهُ فَرَسُهُ وَفَرَسٌ لأَبِي بُرْدَةَ بْنِ نَيَارٍ ، وَأَقْبَلَ يَصِفُ أَصْحَابَهُ وَيُسَوِّي الصُّفُوفَ عَلَى رِجْلَيْهِ وَجَعَلَ مَيْمَنَةً وَمَيْسَرَةً وَعَلَيْهِ دِرْعَانِ وَمِغْفَرٌ وَبَيْضَةٌ وَجَعَلَ أُحُدًا خَلْفَ ظَهْرِهِ وَاسْتَقْبَلَ الْمَدِينَةَ وَجَعَلَ عَيْنَيْنِ جَبَلاَّ بِقَنَاةٍ عَنْ يَسَارِهِ وَجَعَلَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ مِنَ الرُّمَاةِ وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللهِ بْنَ جُبَيْرٍ وَأَوْعَزَ إِلَيْهِمْ ، فَقَالَ : قُومُوا عَلَى مَصَافِّكُمْ هَذِهِ فَاحْمُوا ظُهُورَنَا ، فَإِنْ رَأَيْتُمُونَا قَدْ غَنِمْنَا فَلاَ تَشْرَكُونَا وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا نُقْتَلُ فَلاَ تَنْصُرُونَا . وَأَقْبَلَ الْمُشْرِكُونَ قَدْ صَفُّوا صُفُوفَهُمْ وَاسْتَعْمَلُوا عَلَى الْمَيْمَنَةِ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَعَلَى الْمَيْسَرَةِ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ وَلَهُمْ مُجَنَّبَتَانِ مِائَتَا فَرَسٍ وَجَعَلُوا عَلَى الْخَيْلِ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ وَيُقَالُ : عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَعَلَى الرُّمَاةِ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ وَكَانُوا مِائَةَ رَامٍ ، وَدَفَعُوا اللِّوَاءَ إِلَى طَلْحَةَ بْنَ أَبِي طَلْحَةَ ، وَاسْمُ أَبِي طَلْحَةَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ . وَسَأَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم : مَنْ يَحْمِلُ لِوَاءَ الْمُشْرِكِينَ ؟ قِيلَ : عَبْدُ الدَّارِ ، قَالَ : نَحْنُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ مِنْهُمْ ، أَيْنَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ ؟ قَالَ : هَأَنَذَا ، قَالَ : خُذِ اللِّوَاءَ ، فَأَخَذَهُ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ فَتَقَدَّمَ بِهِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم.فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ أَنْشَبَ الْحَرْبَ بَيْنَهُمْ أَبُو عَامِرٍ الْفَاسِقُ ، طَلَعَ فِي خَمْسِينَ مِنْ قَومِهِ فَنَادَى : أَنَا أَبُو عَامِر ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ : لاَ مَرْحَبًا بِكَ وَلاَ أَهْلاَّ يَا فَاسِقُ ، قَالَ : لَقَدْ أَصَابَ قَوْمِي بَعْدِي شَرٌّ وَمَعَهُ عَبِيدُ قُرَيْشٍ ، فَتَرَامَوْا بِالْحِجَارَةِ هُمْ وَالْمُسْلِمُونَ حَتَّى وَلَّى أَبُو عَامِرٍ وَأَصْحَابُهُ ، وَجَعَلَ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ يَضْرِبْنَ بِالأَكْبَارِ وَالدُّفُوفِ وَالْغَرَابِيلِ وَيُحَرِّضْنَ وَيُذَكِّرْنَهُمْ قَتْلَى بَدْرٍ وَيَقُلْنَ : نَحْنُ بَنَاتُ طَارِقْ ... نَمْشِي عَلَى النَّمَارِقْ إِنْ تُقْبِلُوا نُعَانِقْ ... أَوْ تُدْبِرُوا نُفَارِقْ فِرَاقَ غَيْرِ وَامِقْ قَالَ : وَدَنَا الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ وَالرُّمَاةُ يَرْشُقُونَ خَيْلَ الْمُشْرِكِينَ بِالنَّبْلِ فَتَوَلَّى هَوَارِب ، فَصَاحَ طَلْحَةُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ صَاحِبُ اللِّوَاءِ : مَنْ يُبَارِزُ ؟ فَبَرَزَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَالْتَقَيَا بَيْنَ الصَّفَّيْنِ فَبَدَرَهُ عَلِيٌّ فَضَرَبَهُ عَلَى رَأْسِهِ حَتَّى فَلَقَ هَامَتَهُ فَوَقَعَ ، وَهُوَ كَبْشُ الْكَتِيبَةِ فَسُرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم بِذَلِكَ وَأَظْهَرَ التَّكْبِيرَ وَكَبَّرَ الْمُسْلِمُونَ وَشَدُّوا عَلَى كَتَائِبِ الْمُشْرِكِينَ يَضْرِبُونَهُمْ حَتَّى نَغَضَتْ صُفُوفُهُمْ ثُمَّ حَمَلَ لِوَاءَهُمْ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ أَبُو شَيْبَةَ ، وَهُوَ أَمَامَ النِّسْوَةِ يَرْتَجِزُ ، وَيَقُولُ : إِنَّ عَلَى أَهْلِ اللِّوَاءِ حَقَّا ... أَنْ تُخْضَبَ الصَّعْدَةُ أَوْ تَنْدَقَّا وَحَمَلَ عَلَيْهِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ عَلَى كَاهِلِهِ فَقَطَعَ يَدَهُ وَكَتِفَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى مُؤْتَزَرِهِ وَبَدَا سَحْرُهُ ثُمَّ رَجَعَ ، وَهُوَ يَقُولُ : أَنَا ابْنُ سَاقِي الْحَجِيجِ ، ثُمَّ حَمَلَهُ أَبُو سَعْدِ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ فَرَمَاهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فَأَصَابَ حَنْجَرَتَهُ فَأَدْلَعَ لِسَانَهُ إِدْلاَعَ الْكَلْبِ فَقَتَلَهُ ، ثُمَّ حَمَلَهُ مُسَافِعُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ،فَرَمَاهُ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الأَقْلَحِ فَقَتَلَهُ ، ثُمَّ حَمَلَهُ الْحَارِثُ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ فَرَمَاهُ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ فَقَتَلَهُ ثُمَّ حَمَلَهُ كِلاَبُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ فَقَتَلَهُ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ ، ثُمَّ حَمَلَهُ الجُلاَسُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ فَقَتَلَهُ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ ، ثُمَّ حَمَلَهُ أَرْطَاةُ بْنُ شُرَحْبِيلَ فَقَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، ثُمَّ حَمَلَهُ شُرَيْحُ بْنُ قَارِظٍ فَلَسْنَا نَدْرِي مَنْ قَتَلَهُ ، ثُمَّ حَمَلَهُ صُؤَابٌ غُلاَمُهُمْ وَقَالَ قَائِلٌ : قَتَلَهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَقَالَ قَائِلٌ : قَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَقَالَ قَائِلٌ : قَتَلَهُ قُزْمَانُ ، وَهُوَ أَثْبَتُ الْقَوْلِ . فَلَمَّا قُتِلَ أَصْحَابُ اللِّوَاءِ انْكَشَفَ الْمُشْرِكُونَ مُنْهَزِمِينَ لاَ يَلْوُونَ عَلَى شَيْءٍ وَنِسَاؤُهُمْ يَدْعُونَ بِالْوَيْلِ ، وَتَبِعَهُمُ الْمُسْلِمُونَ يَضَعُونَ السِّلاَحَ فِيهِمْ حَيْثُ شَاءُوا حَتَّى أَجْهَضُوهُمْ عَنِ الْعَسْكَرِ ، وَوَقَعُوا يَنْتَهِبُونَ الْعَسْكَرَ وَيَأْخُذُونَ مَا فِيهِ مِنَ الْغَنَائِمِ ، وَتَكَلَّمَ الرُّمَاةُ الَّذِينَ عَلَى عَيْنَيْنِ وَاخْتَلَفُوا بَيْنَهُمْ وَثَبَتَ أَمِيرُهُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ جُبَيْرٍ فِي نَفَرٍ يَسِيرٍ دُونَ الْعَشَرَةِ مَكَانَهُمْ ، وَقَالَ : لاَ أُجَاوِزُ أَمَرَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم ، وَوَعَظَ أَصْحَابَهُ وَذَكَّرَهُمْ أَمَرَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم فَقَالُوا : لَمْ يُرِدْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم هَذَا ، قَدِ انْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ فَمَا مُقَامُنَا هَاهُنَا ، فَانْطَلَقُوا يَتْبَعُونَ الْعَسْكَرَ يَنْتَهِبُونَ مَعَهُمْ وَخَلَّوُا الْجَبَلَ ، وَنَظَرَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ إِلَى خَلاَءِ الْجَبَلِ وَقِلَّةِ أَهْلِهِ فَكَرَّ بِالْخَيْلِ وَتَبِعَهُ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ فَحَمَلُوا عَلَى مَنْ بَقِيَ مِنَ الرُّمَاةِ فَقَتَلُوهُمْ ، وَقُتِلَ أَمِيرُهُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ جُبَيْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَانْتَقَضَتْ صُفُوفُ الْمُسْلِمِينَ وَاسْتَدَارَتْ رَحَاهُمْ وَحَالَتِ الرِّيحُ فَصَارَتْ دَبُورًا ، وَكَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ صَبًّا . وَنَادَى إِبْلِيسُ لَعَنَهُ اللَّهُ : إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ . وَاخْتَلَطَ الْمُسْلِمُونَ فَصَارُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى غَيْرِ شِعَارٍ وَيَضْرِبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مَا يَشْعُرُونَ بِهِ مِنَ الْعَجَلَةِ وَالدَّهَشِ ، وَقُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ ، فَأَخَذَ اللِّوَاءَ مَلَكٌ فِي صُورَةِ مُصْعَبٍ وَحَضَرَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَوْمَئِذٍ وَلَمْ تُقَاتِلْ وَنَادَى الْمُشْرِكُونَ بِشِعَارِهِمْ : يَا لَلْعُزَّى ، يَا لَهُبَلَ ، وَأَوْجَعُوا فِي الْمُسْلِمِينَ قَتْلاَّ ذَرِيعًا وَوَلَّى مَنْ وَلَّى مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ وَثَبَتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم مَا يَزولُ يَرْمِي عَنْ قَوْسِهِ حَتَّى صَارَتْ شَظَايَا ، وَيَرْمِي بِالْحَجَرِ وَثَبَتَ مَعَهُ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلاَّ : سَبْعَةٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينِ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَسَبْعَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ حَتَّى تَحَاجَزُوا وَنَالُوا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم فِي وِجْهِهِ مَا نَالُوا ، أُصِيبَتْ رَبَاعِيَّتُهُ وَكُلِمَ فِي وَجْنَتَيْهِ وَجَبْهَتِهِ وَعَلاَهُ ابْنُ قَمِيئَةَ بِالسَّيْفِ فَضَرَبَهُ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ وَاتَّقَاهُ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ بِيَدِهِ فَشُلَّتْ إِصْبَعُهُ وَادَّعَى ابْنُ قَمِيئَةَ أَنَّهُ قَدْ قَتَلَهُ وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا رَعَّبَ الْمُسْلِمِينَ وَكَسَرَهُمْ .

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،