جِمَاعُ أَبْوَابِ الْأَحْدَاثِ الَّتِي يدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الطَّهَارَةِ مِنْهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ
جِمَاعُ أَبْوَابِ الْأَحْدَاثِ الَّتِي يدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الطَّهَارَةِ مِنْهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَاتِّفَاقُ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ : حُمِلَ فَرْضُ الطَّهَارَةِ مَأْخُوذٌ إِمَّا مِنْ كِتَابٍ وَإِمَّا مِنْ سُنَّةٍ وَإِمَّا مِنَ اتِّفَاقِ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ . فَأَمَّا مَا عَلِمْتُهُ مَأْخُوذًا مِنَ الْكِتَابِ فَهُوَ يَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : فَوَجْهٌ مِنْهَا يُوجِبُ الِاغْتِسَالَ ، وَوَجْهٌ مِنْهَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ ، وَوَجْهٌ ثَالِثٌ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى وُجُوبِ الطَّهَارَةِ مِنْهُ وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الطَّهَارَةِ الَّتِي تَجِبُ فِيهِ . وَأَمَّا مَا عَلِمْتُهُ مَأْخُوذًا مِنَ السُّنَّةِ فَهُوَ يَفْتَرِقُ عَلَى وَجْهَيْنِ : وَجْهٌ مِنْهُ يُوجِبُ الِاغْتِسَالَ ، وَوَجْهٌ مِنْهُ يُوجِبُ الْوُضُوءَ ، فَالْوَجْهُ الَّذِي يَجِبُ الْوُضُوءُ مِنْهُ يَفْتَرِقُ عَلَى أَوْجُهٍ ثَلَاثٍ : فَمِنْهَا مَا يَجِبُ بِخَارِجٍ يَخْرُجُ مِنْ جَسَدِ الْمَرْءِ ، وَمِنْهَا مَا يَجِبُ بِالطَّعَامِ يَنَالُهُ دُونَ سَائِرِ الْأَطْعِمَةِ ، وَمِنْهَا مَا يُوجِبُهُ زَوَالُ الْعَقْلِ بِالنَّوْمِ . وَأَمَّا مَا عَلِمْتُهُ مَأْخُوذًا مِنَ اتِّفَاقِ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ فَهُوَ يَفْتَرِقُ عَلَى وَجْهَيْنِ : وَجْهٌ يُوجِبُ الِاغْتِسَالَ ، وَوَجْهٌ يُوجِبُ الْوُضُوءَ ، وَيَبْقَى نَوْعَانِ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ جَسَدِ ابْنِ آدَمَ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى تَرْكِ وُجُوبِ الْوُضُوءِ مِنْ أَحَدِهِمَا ، وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الطَّهَارَةِ مِنَ النَّوْعِ الثَّانِي . وَتَبْقَى أَبْوَابٌ سِوَى مَا ذَكَرْنَاهُ يَدْفَعُ كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ تَكُونَ أَحْدَاثًا تَنْقُضُ الطَّهَارَةَ ، وَيَدِّعِي آخَرُونَ أَنَّهَا أَحْدَاثٌ تَنْقُضُ الطَّهَارَةَ ، وَأَنَا ذَاكِرٌ تِلْكَ الْأَبْوَابِ بَعْدَ فَرَاغِي مِمَّا ابْتَدَأْتُ بِذِكْرِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ . |
ذِكْرُ وُجُوبِ الِاغْتِسَالِ الْمَأْخُوذِ فَرْضُهُ مِنَ الْكِتَابِ قَالَ اللَّهُ جَلَّ ذَكَرَهُ : { وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا } . قَالَ أَبُو بَكْرٍ : فَأَوْجَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الِاغْتِسَالَ مِنَ الْجَنَابَةِ وَدَلَّتِ السُّنَنُ الثَّابِتَةُ عَلَى مِثْلِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ . وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ قَالَ : وَأَخْبَرَنِي الرَّبِيعُ قَالَ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَكَانَ مَعْرُوفًا فِي لِسَانِ الْعَرَبِ أَنَّ الْجَنَابَةَ الْجِمَاعُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ الْجِمَاعِ مَاءٌ دَافِقٌ ، وَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي حَدِّ الزِّنَا وَإِيجَابِ الْمَهْرِ وَغَيْرِهِ ، وَكُلُّ مَنْ خُوطِبَ بِأَنَّ فُلَانًا أَجْنَبَ مِنْ فُلَانَةٍ عَقَلَ أَنَّهُ أَصَابَهَا . |
ذِكْرُ وُجُوبِ الِاغْتِسَالِ مِنَ الْمَحِيضِ قَالَ اللَّهُ جَلَّ ذَكَرَهُ : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ } الْآيَةَ ، وَجَاءَتِ الْأَخْبَارُ الثَّابِتَةُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى وُجُوبِ الِاغْتِسَالِ عَلَى الْحَائِضِ إِذَا طَهُرَتْ . وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى ذَلِكَ وَسَأَذْكُرُ الْأَخْبَارَ فِي هَذَا الْبَابِ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ . |
ذِكْرُ مَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ مِمَّا عَلِمْتُهُ مَأْخُوذًا مِنْ ظَاهِرِ الْكِتَابِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ } . وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ خُرُوجَ الْغَائِطِ مِنَ الدُّبُرِ حَدَثٌ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ . أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ :حدثنا الْأَثْرَمُ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ : { أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ } : كِنَايَةٌ عَنْ حَاجَةِ ذِي الْبَطْنِ ، وَالْغَائِطِ : الْفَيْحُ مِنَ الْأَرْضِ الْمُتَصَوِّبُ وَهُوَ أَعْظَمُ مِنَ الْوَادِي . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : أَصْلُ الْغَائِطِ الْمَكَانُ الْمُطْمَئِنُّ مِنَ الْأَرْضِ إِلَّا أَنَّ الْعَرَبَ إِذَا طَالَتِ صُحْبَةُ الشَّيْءِ لِلشَّيْءِ سَمَّتْهُ بِاسْمِهِ ، مِنْ ذَلِكَ تَسْمِيَتُهُمْ مَسْحَ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ تَيَمُّمًا وَإِنَّمَا التَّيَمُّمُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ التَّعَمُّدُ لِلشَّيْءِ ، قَالَ اللَّهُ جَلَّ ذَكَرَهُ : { فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا } يَعْنِي تَعَمَّدُوا الصَّعِيدَ ، أَلَا تَرَاهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : { فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ } فَكَثُرَ فِي هَذَا الْكَلَامِ حَتَّى صَارَ عِنْدَ النَّاسِ التَّيَمُّمُ هُوَ التَّمَسُّحُ نَفْسُهُ وَكَذَلِكَ الْغَائِطُ لَمَّا كَثُرَ قَوْلُهُمْ ذَهَبْتُ إِلَى الْغَائِطِ وَذَهَبَ فُلَانٌ إِلَى الْغَائِطِ وَجَاءَ مِنَ الْغَائِطِ سَمُّوا رَجِيعَ الْإِنْسَانِ الْغَائِطَ . |
ذِكْرُ الْوَجْهِ الثَّالِثِ الَّذِي أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى وُجُوبِ الطَّهَارَةِ مِنْهُ وَهُوَ الْمُلَامَسَةُ وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الطَّهَارَةِ الَّتِي يَجِبُ فِيهِ قَالَ اللَّهُ جَلَّ ذَكَرَهُ : أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا الْآيَةَ . أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمُلَامَسَةَ حَدَثٌ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ . وَاخْتَلَفُوا فِي الْلَمَسِ وَفِيمَا يَجِبُ عَلَى مَنْ لَمَسَ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ : الْمُلَامَسَةُ الْجِمَاعُ ، كَذَلِكَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ ، قَالَ : الْمُلَامَسَةُ وَالْمُبَاشَرَةُ وَالْإِفْضَاءُ وَالرَّفَثُ وَالْجِمَاعُ نِكَاحٌ ، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَنَّى . وَرُوِّينَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ : اللَّمْسُ الْجِمَاعُ ، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَنَّى عَنْهُ . وَهَذَا قَوْلُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ . |
6 قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ ، قَالَ : حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ، قَالَ : حدثنا هُشَيْمٌ ، عَنْ أَشْعَثَ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ عَلِيٍّ ، قَالَ : اللَّمْسُ هُوَ الْجِمَاعُ وَلَكِنَّ اللَّهَ كَنَّى عَنْهُ |
7 قَالَ : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، قَالَ : حدثنا الْحَجَّاجُ ، قَالَ : حدثنا حَمَّادٌ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : الْمُلَامَسَةُ وَالْمُبَاشَرَةُ وَالْإِفْضَاءُ وَالرَّفَثُ وَالْجِمَاعُ نِكَاحٌ وَلَكِنَّ اللَّهَ كَنَّى |
8 قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى قَالَ : حدثنا عَلِيُّ بْنُ عُثْمَانَ اللَّاحِقِيُّ ، قال حدثنا دَاوُدُ بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : الْمُلَامَسَةُ هُوَ الْجِمَاعُ |
9 قَالَ : حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ ، قَالَ : حدثنا أَبُو بَكْرٍ ، قَالَ : حدثنا حَفْصٌ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ حَبِيبٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، { أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ } قَالَ : هُوَ الْجِمَاعُ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : اللَّمْسُ مَا دُونَ الْجِمَاعِ ، كَذَلِكَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ : مَنْ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ أَوْ جَسَّهَا بِيَدِهِ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ |
10 قَالَ : أنا الرَّبِيعُ ، قَالَ : أنا الشَّافِعِيُّ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا مَالِكٌ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ سَالِمٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : قُبْلَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَجَسُّهَا بِيَدِهِ مُلَامَسَةٌ ، فَمَنْ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ أَوْ جَسَّهَا بِيَدِهِ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ |