5590 - وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ: حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، حَدَّثَنَا عَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ الكِلاَبِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ الأَشْعَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَامِرٍ أَوْ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ، وَاللَّهِ مَا كَذَبَنِي: سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ، يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ، وَالخَمْرَ وَالمَعَازِفَ، وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ، يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ، يَأْتِيهِمْ - يَعْنِي الفَقِيرَ - لِحَاجَةٍ فَيَقُولُونَ: ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدًا، فَيُبَيِّتُهُمُ اللَّهُ، وَيَضَعُ العَلَمَ، وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ "
ش (الحر) الفرج وأصله الحرح والمعنى أنهم يستحلون الزنا
(المعازف) آلات اللهو
(علم) جبل أو هو رأس الجبل
(يروح عليهم) أي راعيهم
(بسارحة) بغنم
(فيبيتهم الله) يهلكهم في الليل
(يضع العلم) يدك الجبل ويوقعه على رؤوسهم
(يمسخ) يغير خلقتهم
(قردة وخنازير) يحتمل أن يكون هذا على الحقيقة ويقع في آخر الزمان ويحتمل المجاز وهو تبدل أخلاقهم ونفوسهم
[5590] قَوْلُهُ وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ هَكَذَا فِي جَمِيعِ النُّسَخِ مِنَ الصَّحِيحِ مِنْ جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ مَعَ تَنَوُّعِهَا عَنِ الْفَرَبْرِيِّ وَكَذَا مِنْ رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ وَحَمَّادِ بْنِ شَاكِرٍ وَذَهَلَ الزَّرْكَشِيُّ فِي تَوْضِيحِهِ فَقَالَ مُعْظَمُ الرُّوَاةِ يَذْكُرُونَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْبُخَارِيِّ مُعَلَّقًا وَقَدْ أَسْنَدَهُ أَبُو ذَرٍّ عَنْ شُيُوخِهِ فَقَالَ قَالَ الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِدْرِيسَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْحَدِيثُ صَحِيحًا عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَبِذَلِك يرد على بن حَزْمٍ دَعْوَاهُ الِانْقِطَاعَ اه وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ خَطَأٌ نَشَأَ عَنْ عَدَمِ تَأَمُّلٍ وَذَلِكَ أَنَّ الْقَائِلَ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِدْرِيسَ هُوَ الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ شَيْخُ أَبِي ذَرٍّ لَا الْبُخَارِيُّ ثُمَّ هُوَ الْحُسَيْنُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَزِيَادَةِ التَّحْتَانِيَّةِ السَّاكِنَةِ وَهُوَ الْهَرَوِيُّ لَقَبُهُ خُرَّمٌ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَهُوَ مِنَ الْمُكْثِرِينَ وَإِنَّمَا الَّذِي وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ مِنَ الْفَائِدَةِ أَنَّهُ اسْتَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رِوَايَةِ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ إِلَى هِشَامٍ عَلَى عَادَةِ الْحُفَّاظِ إِذَا وَقَعَ لَهُمُ الْحَدِيثُ عَالِيًا عَنِ الطَّرِيقِ الَّتِي فِي الْكِتَابِ الْمَرْوِيِّ لَهُمْ يُورِدُونَهَا عَالِيَةً عَقِبَ الرِّوَايَةِ النَّازِلَةِ وَكَذَلِكَ إِذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ أَسَانِيدِ الْكِتَابِ الْمَرْوِيِّ خَلَلٌ مَا مِنَ انْقِطَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ وَكَانَ عِنْدَهُمْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ سَالِمًا أَوْرَدُوهُ فَجَرَى أَبُو ذَرٍّ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ فَرَوَى الْحَدِيثَ عَنْ شُيُوخِهِ الثَّلَاثَةِ عَنِ الْفَرَبْرِيِّ عَنِ الْبُخَارِيِّ قَالَ وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ سِيَاقِهِ قَالَ أَبُو ذَرٍّ حَدَّثَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ النَّضْرَوِيُّ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِدْرِيسَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ بِهِ وَأَمَّا دَعْوَى بن حَزْمٍ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا فَقَدْ سَبَقَهُ إِلَيْهَا بن الصَّلَاحِ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ فَقَالَ التَّعْلِيقُ فِي أَحَادِيثَ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ قُطِعَ إِسْنَادُهَا وَصُورَتُهُ صُورَةُ الِانْقِطَاعِ وَلَيْسَ حُكْمُهُ حُكْمَهُ وَلَا خَارِجًا مَا وُجِدَ ذَلِكَ فِيهِ مِنْ قَبِيلِ الصَّحِيحِ إِلَى قَبِيلِ الضَّعِيفِ وَلَا الْتِفَاتٌ إِلَى أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ الظَّاهِرِيِّ الْحَافِظِ فِي رَدِّ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَامِرٍ وَأَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَكُونَنَّ فِي أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ الْحَدِيثَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَوْرَدَهُ قَائِلًا قَالَ هِشَامُ بْنُ عمار وَسَاقه بِإِسْنَادِهِ فَزعم بن حَزْمٍ أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ فِيمَا بَيْنَ الْبُخَارِيِّ وَهِشَامٍ وَجَعَلَهُ جَوَابًا عَنِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ عَلَى تَحْرِيمِ الْمَعَازِفِ وَأَخْطَأَ فِي ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ مَعْرُوفُ الِاتِّصَالِ بِشَرْطِ الصَّحِيحِ وَالْبُخَارِيُّ قَدْ يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ قَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ الْحَدِيثَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ كِتَابِهِ مُسْنَدًا مُتَّصِلًا وَقَدْ يَفْعَلُ ذَلِكَ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي لَا يَصْحَبُهَا خَلَلُ الِانْقِطَاعِ اه وَلَفظ بن حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى وَلَمْ يَتَّصِلْ مَا بَيْنَ البُخَارِيّ وَصدقَة بن خَالِد وَحكى بن الصَّلَاحِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ الَّذِي يَقُولُ الْبُخَارِيُّ فِيهِ قَالَ فُلَانٌ وَيُسَمِّيشَيْخًا مِنْ شُيُوخِهِ يَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْإِسْنَادِ الْمُعَنْعَنِ وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْحُفَّاظِ أَنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِيمَا يَتَحَمَّلُهُ عَنْ شَيْخِهِ مُذَاكَرَةً وَعَنْ بَعْضِهِمُ أَنَّهُ فِيمَا يَرْوِيهِ مُنَاوَلَةً وَقَدْ تَعَقَّبَ شَيخنَا الْحَافِظ أَبُو الْفضل كَلَام بن الصَّلَاحِ بِأَنَّهُ وَجَدَ فِي الصَّحِيحِ عِدَّةَ أَحَادِيثَ يَرْوِيهَا الْبُخَارِيُّ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ قَائِلًا قَالَ فُلَانٌ وَيُورِدُهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِوَاسِطَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ الشَّيْخِ قُلْتُ الَّذِي يُورِدُهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَنْحَاءٍ مِنْهَا مَا يُصَرِّحُ فِيهِ بِالسَّمَاعِ عَنْ ذَلِكَ الشَّيْخِ بِعَيْنِهِ إِمَّا فِي نَفْسِ الصَّحِيحِ وَإِمَّا خَارِجَهُ وَالسَّبَبُ فِي الْأَوَّلِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ أَعَادَهُ فِي عِدَّةِ أَبْوَابٍ وَضَاقَ عَلَيْهِ مَخْرَجُهُ فَتَصَرَّفَ فِيهِ حَتَّى لَا يُعِيدَهُ عَلَى صُورَةٍ وَاحِدَةٍ فِي مَكَانَيْنِ وَفِي الثَّانِي أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى شَرْطِهِ إِمَّا لِقُصُورٍ فِي بَعْضِ رُوَاتِهِ وَإِمَّا لِكَوْنِهِ مَوْقُوفًا وَمِنْهَا مَا يُورِدُهُ بِوَاسِطَةٍ عَنْ ذَلِكَ الشَّيْخِ وَالسَّبَبُ فِيهِ كَالْأَوَّلِ لَكِنَّهُ فِي غَالِبِ هَذَا لَا يَكُونُ مُكْثِرًا عَنْ ذَلِكَ الشَّيْخِ وَمِنْهَا مَا لَا يُورِدُهُ فِي مَكَانٍ آخَرَ مِنَ الصَّحِيحِ مِثْلُ حَدِيثِ الْبَابِ فَهَذَا مِمَّا كَانَ أَشْكَلَ أَمْرُهُ عَلَيَّ وَالَّذِي يَظْهَرُ لِيَ الْآنَ أَنَّهُ لِقُصُورٍ فِي سِيَاقِهِ وَهُوَ هُنَا تَرَدُّدُ هِشَامٍ فِي اسْمِ الصَّحَابِيِّ وَسَيَأْتِي مِنْ كَلَامِهِ مَا يُشِيرُ إِلَى ذَلِكَ حَيْثُ يَقُولُ إِنَّ الْمَحْفُوظَ أَنَّهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ وَسَاقَهُ فِي التَّارِيخِ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ كَذَلِكَ وَقَدْ أَشَارَ الْمُهَلَّبُ إِلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَأَمَّا كَوْنُهُ سَمِعَهُ مِنْ هِشَامٍ بِلَا وَاسِطَةٍ وَبِوَاسِطَةٍ فَلَا أَثَرَ لَهُ لِأَنَّهُ لَا يَجْزِمُ إِلَّا بِمَا يَصْلُحُ لِلْقَبُولِ وَلَا سِيَّمَا حَيْثُ يَسُوقُهُ مَسَاقَ الِاحْتِجَاج وَأما قَول بن الصَّلَاحِ أَنَّ الَّذِي يُورِدُهُ بِصِيغَةِ قَالَ حُكْمُهُ حُكْمُ الْإِسْنَادِ الْمُعَنْعَنِ وَالْعَنْعَنَةُ مِنْ غَيْرِ الْمُدَلِّسِ مَحْمُولَةٌ عَلَى الِاتِّصَالِ وَلَيْسَ الْبُخَارِيُّ مُدَلِّسًا فَيَكُونُ مُتَّصِلا فَهُوَ بحث وَافقه عَلَيْهِ بن مَنْدَهْ وَالْتَزَمَهُ فَقَالَ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ قَالَ وَهُوَ تَدْلِيسٌ وَتَعَقَّبَهُ شَيْخُنَا بِأَنَّ أَحَدًا لَمْ يَصِفِ الْبُخَارِيَّ بِالتَّدْلِيسِ وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ مُرَادَ بن مَنْدَهْ أَنَّ صُورَتَهُ صُورَةُ التَّدْلِيسِ لِأَنَّهُ يُورِدُهُ بِالصِّيغَةِ الْمُحْتَمَلَةِ وَيُوجَدُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَاسِطَةٌ وَهَذَا هُوَ التَّدْلِيسُ بِعَيْنِهِ لَكِنِ الشَّأْنُ فِي تَسْلِيمِ أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ مِنْ غَيْرِ الْمُدَلِّسِ لَهَا حُكْمُ الْعَنْعَنَةِ فَقَدْ قَالَ الْخَطِيبُ وَهُوَ الْمَرْجُوعُ إِلَيْهِ فِي الْفَنِّ أَنَّ قَالَ لَا تُحْمَلُ عَلَى السَّمَاعِ إِلَّا مِمَّنْ عُرِفَ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ يَأْتِي بِهَا فِي مَوْضِعِ السَّمَاعِ مِثْلُ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَعْوَرِ فَعَلَى هَذَا فَفَارَقَتِ الْعَنْعَنَةُ فَلَا تُعْطَى حُكْمَهَا وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَثَرُهَا مِنَ التَّدْلِيسِ وَلَا سِيَّمَا مِمَّنْ عُرِفَ مِنْ عَادَتِهِ أَنْ يُورِدَهَا لِغَرَضٍ غَيْرِ التَّدْلِيسِ وَقَدْ تَقَرَّرَ عِنْدَ الْحُفَّاظِ أَنَّ الَّذِي يَأْتِي بِهِ الْبُخَارِيُّ مِنَ التَّعَالِيقِ كُلِّهَا بِصِيغَةِ الْجَزْمِ يَكُونُ صَحِيحًا إِلَى مَنْ عَلَّقَ عَنْهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ شُيُوخِهِ لَكِنِ إِذَا وُجِدَ الْحَدِيثُ الْمُعَلَّقُ مِنْ رِوَايَةِ بَعْضِ الْحُفَّاظِ مَوْصُولًا إِلَى مَنْ عَلَّقَهُ بِشَرْطِ الصِّحَّةِ أَزَالَ الْإِشْكَالَ وَلِهَذَا عَنَيْتُ فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ بِهَذَا النَّوْعِ وَصَنَّفَتْ كِتَابَ تَعْلِيقِ التَّعْلِيقِ وَقَدْ ذَكَرَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَفِي كَلَامِهِ عَلَى عُلُومِ الْحَدِيثِ أَنَّ حَدِيثَ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ جَاءَ عَنْهُ مَوْصُولًا فِي مُسْتَخْرَجِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ فَقَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ فَقَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ نَجْدَةَ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ بِسَنَدِهِ انْتَهَى وَنُنَبِّهُ فِيهِ عَلَى مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الطَّبَرَانِيَّ أَخْرَجَ الْحَدِيثَ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ عَنْ مُوسَى بْنِ سَهْلٍ الْجُوَيْنِيِّ وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ هِشَامٍ وَالْمُعْجَمُ الْكَبِيرُ أَشْهَرُ مِنْ مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ فَعَزْوُهُ إِلَيْهِ أَوْلَى وَأَيْضًا فَقَدِ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي مُسْتَخْرَجِهِ عَلَى الْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيِّ وَمِنْ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ الْبَاغَنْدِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ هِشَام وَأخرجه بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَطَّانِ عَنْ هِشَامٍ ثَانِيهُمَا قَوْلُهُ إِنَّ أَبَا دَاوُدَ أَخْرَجَهُ يُوهِمُ أَنَّهُ عِنْدَ أَبِي دَاوُدبِاللَّفْظِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ النِّزَاعُ وَهُوَ الْمَعَازِفُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْخَمْرَ الَّذِي وَقَعَتْ تَرْجَمَةُ الْبُخَارِيِّ لِأَجَلِهِ فَإِنَّ لَفْظَهُ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ حَدَّثَنَا عَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ غَنْمٍ الْأَشْعَرِيَّ يَقُولُ حَدَّثَنِي أَبُو عَامِرٍ أَوْ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ وَاللَّهِ مَا كَذَبَنِي أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَذَكَرَ كَلَامًا قَالَ يُمْسَخُ مِنْهُمْ قِرَدَةٌ وَخَنَازِيرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ نَعَمْ سَاقَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ الْحَدِيثَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ رِوَايَةِ دُحَيْمٍ عَنْ بِشْرِ بْنِ بَكْرٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فَقَالَ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ الْحَدِيثُ قَوْلُهُ حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ هُوَ الدِّمَشْقِيُّ مِنْ مَوَالِي آلِ أَبِي سُفْيَانَ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثُ وَآخَرُ تَقَدَّمَ فِي مَنَاقِبِ أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ عَنْهُ أَيْضًا عَنْ زَيْدِ بْنِ وَاقِدٍ وَصَدَقَةَ هَذَا ثِقَةٌ عِنْدَ الْجَمِيعِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بن أَحْمد عَن أَبِيه ثِقَة بن ثِقَةٍ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ أَثْبَتُ مِنَ الْوَلِيدِ بن مُسلم وَذهل شَيخنَا بن الملقن تبعا لغيره فَقَالَ ليته يَعْنِي بن حزم أعل الحَدِيث بِصَدقَة فَإِن بن الْجُنَيْدِ رَوَى عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَرَوَى الْمَرْوَزِيُّ عَنْ أَحْمَدَ ذَلِكَ لَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ وَلَمْ يَرْضَهُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الشَّيْخُ خَطَأٌ وَإِنَّمَا قَالَ يَحْيَى وَأَحْمَدُ ذَلِكَ فِي صَدَقَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السَّمِينِ وَهُوَ أَقْدَمُ مِنْ صَدَقَةَ بْنِ خَالِدٍ وَقَدْ شَارَكَهُ فِي كَوْنِهِ دِمَشْقِيًّا وَفِي الرِّوَايَةِ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ كَزَيْدِ بْنِ وَاقِدٍ وَأَمَّا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ فقد قدمت قَول أَحْمد فِيهِ وَأما بن مَعِينٍ فَالْمَنْقُولُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ كَانَ صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ أَحَبَّ إِلَى أَبِي مُسْهِرٍ مِنَ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ وَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ يَحْيَى بْنِ حَمْزَةَ وَنَقَلَ مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالح عَن بن مَعِينٍ أَنَّ صَدَقَةَ بْنَ خَالِدٍ ثِقَةٌ ثُمَّ إِنَّ صَدَقَةَ لَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ بَلْ تَابَعَهُ عَلَى أَصْلِهِ بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ كَمَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ حَدَّثَنَا عَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ هُوَ شَامِيٌّ تَابِعِيٌّ قَوَّاهُ أَبُو حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ وَمَاتَ سَنَةَ عَشْرٍ وَمِائَةٍ وَقِيلَ بَعْدَ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ وَلَا لِشَيْخِهِ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثُ وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ شَامِيُّونَ قَوْلُهُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ النُّون بن كُرَيْبِ بْنُ هَانِئٍ مُخْتَلَفٌ فِي صُحْبَتِهِ قَالَ بن سَعْدٍ كَانَ أَبُوهُ مِمَّنْ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صُحْبَةُ أَبِي مُوسَى وَذكر بن يُونُسَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ كَانَ مَعَ أَبِيهِ حِينَ وَفَدَ وَأَمَّا أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حُفَّاظِ الشَّامِ فَقَالُوا أَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَلْقَهُ وَقَدَّمَهُ دُحَيْمٌ على الصنَابحِي وَقَالَ بن سَعْدٍ أَيْضًا بَعَثَهُ عُمَرُ يُفَقِّهُ أَهْلَ الشَّامِ وَوَثَّقَهُ الْعِجْلِيُّ وَآخَرُونَ وَمَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ وَوَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنَ الزِّيَادَةِ عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ قَيْسٍ قَالَ قَامَ رَبِيعَةُ الْجُرَشِيُّ فِي النَّاسِ فَذَكَرَ حَدِيثًا فِيهِ طُولٌ فَإِذَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ فَقَالَ يَمِينًا حَلَفْتُ عَلَيْهَا حَدَّثَنِي أَبُو عَامِرٍ أَوْ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ وَاللَّهِ يَمِينًا أُخْرَى حَدَّثَنِي أَنَّهُ سَمِعَ وَفِي رِوَايَةِ مَالِكِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ مَعَنَا رَبِيعَةُ الْجُرَشِيُّ فَذَكَرُوا الشَّرَابَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَوْلُهُ حَدَّثَنِي أَبُو عَامِرٍ أَوْ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ هَكَذَا رَوَاهُ أَكْثَرُ الْحُفَّاظِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ بِالشَّكِّ وَكَذَا وَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ رِوَايَةِ بِشْرِ بْنِ بَكْرٍ لَكِنْ وَقَعَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ بِشْرِ بْنِ بَكْرٍ حَدَّثَنِي أَبُو مَالك بِغَيْر شكّ وَوَقع عِنْد بن حِبَّانَ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ هِشَامٍ بِهَذَا السَّنَدِ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَامِرٍ وَأَبَا مَالِكٍ الْأَشْعَرِيَّيْنِ يَقُولَانِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ كَذَا قَالَ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الْمَحْفُوظُ هُوَ الشَّكُّ فَالشَّكُّ فِي اسْمِ الصَّحَابِيِّ لَا يَضُرُّ وَقَدْ أَعَلَّهُ بذلك بن حزم وَهُوَ مَرْدُود وأعجب مِنْهُ أَن بن بَطَّالٍ حَكَى عَنِ الْمُهَلَّبِ أَنَّ سَبَبَ كَوْنِ الْبُخَارِيِّ لَمْ يَقُلْ فِيهِ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ وُجُودُ الشَّكِّ فِي اسْمِ الصَّحَابِيِّ وَهُوَ شَيْءٌ لَمْ يُوَافَقْ عَلَيْهِ وَالْمَحْفُوظُ رِوَايَةُ الْجَمَاعَةِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَمَّنِأَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي مَالِكٍ أَوْ أَبِي عَامِرٍ عَلَى الشَّكِّ أَيْضًا وَقَالَ إِنَّمَا يُعْرَفُ هَذَا عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ انْتَهَى وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمد وبن أَبِي شَيْبَةَ وَالْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَشْرَبَنَّ أُنَاسٌ مِنَ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا تَغْدُو عَلَيْهِمُ الْقِيَانُ وَتَرُوحُ عَلَيْهِمُ الْمَعَازِفُ الْحَدِيثَ فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ الشَّكَّ فِيهِ مِنْ عَطِيَّةَ بْنِ قَيْسٍ لِأَنَّ مَالِكَ بْنَ أَبِي مَرْيَمَ وَهُوَ رَفِيقُهُ فِيهِ عَنْ شَيْخِهِمَا لَمْ يَشُكَّ فِي أَبِي مَالِكٍ عَلَى أَنَّ التَّرَدُّدَ فِي اسْمِ الصَّحَابِيِّ لَا يَضُرُّ كَمَا تَقَرَّرَ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ فَلَا الْتِفَاتَ إِلَى مَنْ أَعَلَّ الْحَدِيثَ بِسَبَبِ التَّرَدُّدِ وَقَدْ تَرَجَّحَ أَنَّهُ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ وَهُوَ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ قَوْلُهُ وَاللَّهِ مَا كَذَبَنِي هَذَا يُؤَيِّدُ رِوَايَةَ الْجَمَاعَةِ أَنَّهُ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ لَا عَنِ اثْنَيْنِ قَوْله يسْتَحلُّونَ الْحر ضَبطه بن نَاصِرٍ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمَكْسُورَةِ وَالرَّاءِ الْخَفِيفَةِ وَهُوَ الْفَرْجُ وَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ الرِّوَايَاتِ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَلَمْ يَذْكُرْ عِيَاضٌ وَمَنْ تَبِعَهُ غَيره وَأغْرب بن التِّينِ فَقَالَ إِنَّهُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ بِالْمُعْجَمَتَيْنِ وَقَالَ بن الْعَرَبِيِّ هُوَ بِالْمُعْجَمَتَيْنِ تَصْحِيفٌ وَإِنَّمَا رُوِّينَاهُ بِالْمُهْمَلَتَيْنِ وَهُوَ الْفرج وَالْمعْنَى يسْتَحلُّونَ الزِّنَا قَالَ بن التِّينِ يُرِيدُ ارْتِكَابَ الْفَرْجِ بِغَيْرِ حِلِّهِ وَإِنْ كَانَ أَهْلُ اللُّغَةِ لَمْ يَذْكُرُوا هَذِهِ اللَّفْظَةَ بِهَذَا الْمَعْنَى وَلَكِنَّ الْعَامَّةَ تَسْتَعْمِلُهُ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ كَمَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَحَكَى عِيَاضٌ فِيهِ تَشْدِيدَ الرَّاءِ وَالتَّخْفِيفُ هُوَ الصَّوَابُ وَقِيلَ أَصْلُهُ بِالْيَاءِ بَعْدَ الرَّاءِ فَحُذِفَتْ وَذَكَرَهُ أَبُو مُوسَى فِي ذَيْلِ الْغَرِيبِ فِي ح ر وَقَالَ هُوَ بِتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَأَصْلُهُ حِرَحٌ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ أَيْضًا وَجَمْعُهُ أَحْرَاحٌ قَالَ وَمِنْهُمْ مَنْ يُشَدِّدُ الرَّاءَ وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ وَتَرْجَمَ أَبُو دَاوُدَ لِلْحَدِيثِ فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ بَابُ مَا جَاءَ فِي الْحِرِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَتِهِ بِمُعْجَمَتَيْنِ وَالتَّشْدِيدِ وَالرَّاجِحُ بِالْمُهْمَلَتَيْنِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَقَعَ فِي الزُّهْدِ لِابْنِ الْمُبَارَكِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ بِلَفْظِ يُوشِكُ أَنْ تَسْتَحِلَّ أُمَّتِي فُرُوجَ النِّسَاءِ وَالْحَرِيرَ وَوَقَعَ عِنْدَ الدَّاوُدِيِّ بِالْمُعْجَمَتَيْنِ ثُمَّ تَعَقَّبَهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنَ الصَّحَابَة لبسوه وَقَالَ بن الْأَثِيرِ الْمَشْهُورُ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ بِالْإِعْجَامِ وَهُوَ ضرب من الأبر يسم كَذَا قَالَ وَقَدْ عُرِفَ أَنَّ الْمَشْهُورَ فِي رِوَايَة البُخَارِيّ بالمهملتين وَقَالَ بن الْعَرَبِيِّ الْخَزُّ بِالْمُعْجَمَتَيْنِ وَالتَّشْدِيدِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَالْأَقْوَى حِلُّهُ وَلَيْسَ فِيهِ وَعِيدٌ وَلَا عُقُوبَةٌ بِإِجْمَاعٍ تَنْبِيهٌ لَمْ تَقَعْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَلَا أَبِي نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ هِشَامٍ بَلْ فِي رِوَايَتِهِمَا يَسْتَحِلُّونَ الْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ وَقَوْلُهُ يسْتَحلُّونَ قَالَ بن الْعَرَبِيِّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى يَعْتَقِدُونَ ذَلِكَ حَلَالا وَيحْتَمل أَن يكون ذَلِك مَجَازًا عَلَى الِاسْتِرْسَالِ أَيْ يَسْتَرْسِلُونَ فِي شُرْبِهَا كَالِاسْتِرْسَالِ فِي الْحَلَالِ وَقَدْ سَمِعْنَا وَرَأَيْنَا مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ وَالْمَعَازِفَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ بَعْدَهَا فَاءٌ جَمْعُ مِعْزَفَةٍ بِفَتْحِ الزَّايِ وَهِيَ آلَاتُ الْمَلَاهِي وَنَقَلَ الْقُرْطُبِيُّ عَنِ الْجَوْهَرِيِّ أَنَّ الْمَعَازِفَ الْغِنَاءُ وَالَّذِي فِي صِحَاحِهِ أَنَّهَا آلَاتُ اللَّهْوِ وَقِيلَ أَصْوَاتُ الْمَلَاهِي وَفِي حَوَاشِي الدِّمْيَاطِيِّ الْمَعَازِفُ الدُّفُوفُ وَغَيْرُهَا مِمَّا يُضْرَبُ بِهِ وَيُطْلَقُ عَلَى الْغِنَاءِ عَزْفٌ وَعَلَى كُلِّ لَعِبٍ عَزْفٌ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَالِكِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ تَغْدُو عَلَيْهِمُ الْقِيَانُ وَتَرُوحُ عَلَيْهِمُ الْمَعَازِفُ قَوْلُهُ وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ بِفَتْحَتَيْنِ وَالْجَمْعُ أَعْلَامٌ وَهُوَ الْجَبَلُ الْعَالِي وَقِيلَ رَأْسُ الْجَبَلِ قَوْلُهُ يَرُوحُ عَلَيْهِمْ كَذَا فِيهِ بِحَذْفِ الْفَاعِلِ وَهُوَ الرَّاعِي بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ إِذِ السَّارِحَةُ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ حَافِظٍ قَوْلُهُ بِسَارِحَةٍ بِمُهْمَلَتَيْنِ الْمَاشِيَةُ الَّتِي تَسْرَحُ بِالْغَدَاةِ إِلَى رَعْيِهَا وَتَرُوحُ أَيْ تَرْجِعُ بِالْعَشِيِّ إِلَى مَأْلَفِهَا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ سَارِحَةَ بِغَيْرِ مُوَحَّدَةٍ فِي أَوَّلِهِ وَلَا حَذْفَ فِيهَا قَوْلُهُ يَأْتِيهِمْ لِحَاجَةٍ كَذَا فِيهِ بِحَذْفِ الْفَاعِلِ أَيْضًا قَالَ الْكِرْمَانِيُّ التَّقْدِيرُ الْآتِي أَوِ الرَّاعِي أَوِ الْمُحْتَاجُ أَوْ الرَّجُلُ قُلْتُ وَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ يَأْتِيهِمْ طَالِبُ حَاجَةٍفَتَعَيَّنَ بَعْضُ الْمُقَدَّرَاتِ قَوْلُهُ فَيُبَيِّتُهُمُ اللَّهُ أَيْ يُهْلِكُهُمْ لَيْلًا وَالْبَيَاتُ هُجُومُ الْعَدُوِّ لَيْلًا قَوْلُهُ وَيَضَع الْعلم أَي يوقعه عَلَيْهِم وَقَالَ بن بَطَّالٍ إِنْ كَانَ الْعَلَمُ جَبَلًا فَيُدَكْدِكُهُ وَإِنْ كَانَ بِنَاء فيهدمه وَنَحْو ذَلِك وَأغْرب بن الْعَرَبِيِّ فَشَرَحَهُ عَلَى أَنَّهُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ اللَّامِ فَقَالَ وَضْعُ الْعِلْمِ إِمَّا بِذَهَابِ أَهْلِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَإِمَّا بِإِهَانَةِ أَهْلِهِ بِتَسْلِيطِ الْفَجَرَةِ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُ وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ يُرِيدُ مِمَّنْ لَمْ يُهْلِكْ فِي الْبَيَاتِ الْمَذْكُورِ أَوْ مِنْ قَوْمٍ آخَرِينَ غَيْرِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ بَيَّتُوا وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ أَنَّ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيّ ويمسخ مِنْهُم آخَرين قَالَ بن الْعَرَبِيِّ يَحْتَمِلُ الْحَقِيقَةَ كَمَا وَقَعَ لِلْأُمَمِ السَّالِفَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كِنَايَةً عَنْ تَبَدُّلِ أَخْلَاقِهِمْ قُلْتُ وَالْأَوَّلُ أَلْيَقُ بِالسِّيَاقِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ وَعِيدٌ شَدِيدٌ عَلَى مَنْ يَتَحَيَّلُ فِي تَحْلِيلِ مَا يَحْرُمُ بِتَغْيِيرِ اسْمِهِ وَأَنَّ الْحُكْمَ يَدُورُ مَعَ الْعِلَّةِ وَالْعِلَّةُ فِي تَحْرِيمِ الْخَمْرِ الْإِسْكَارُ فَمَهْمَا وُجِدَ الْإِسْكَارُ وُجِدَ التَّحْرِيمُ وَلَوْ لَمْ يسْتَمر الِاسْم قَالَ بن الْعَرَبِيِّ هُوَ أَصْلٌ فِي أَنَّ الْأَحْكَامَ إِنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِمَعَانِي الْأَسْمَاءِ لَا بِأَلْقَابِهَا رَدًّا عَلَى مَنْ حَمَلَهُ عَلَى اللَّفْظِ
.
وقال هشام بن عمار: حدثنا صدقة بن خالد، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، حدثنا عطية بن قيس الكلابي، حدثنا عبد الرحمن بن غنم الأشعري، قال: حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري، والله ما كذبني: سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " ليكونن من أمتي أقوام، يستحلون الحر والحرير، والخمر والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب علم، يروح عليهم بسارحة لهم، يأتيهم يعني الفقير لحاجة فيقولون: ارجع إلينا غدا، فيبيتهم الله، ويضع العلم، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة "
ش (الحر) الفرج وأصله الحرح والمعنى أنهم يستحلون الزنا
(المعازف) آلات اللهو
(علم) جبل أو هو رأس الجبل
(يروح عليهم) أي راعيهم
(بسارحة) بغنم
(فيبيتهم الله) يهلكهم في الليل
(يضع العلم) يدك الجبل ويوقعه على رؤوسهم
(يمسخ) يغير خلقتهم
(قردة وخنازير) يحتمل أن يكون هذا على الحقيقة ويقع في آخر الزمان ويحتمل المجاز وهو تبدل أخلاقهم ونفوسهم
[5590] قوله وقال هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد هكذا في جميع النسخ من الصحيح من جميع الروايات مع تنوعها عن الفربري وكذا من رواية النسفي وحماد بن شاكر وذهل الزركشي في توضيحه فقال معظم الرواة يذكرون هذا الحديث في البخاري معلقا وقد أسنده أبو ذر عن شيوخه فقال قال البخاري حدثنا الحسين بن إدريس حدثنا هشام بن عمار قال فعلى هذا يكون الحديث صحيحا على شرط البخاري وبذلك يرد على بن حزم دعواه الانقطاع اه وهذا الذي قاله خطأ نشأ عن عدم تأمل وذلك أن القائل حدثنا الحسين بن إدريس هو العباس بن الفضل شيخ أبي ذر لا البخاري ثم هو الحسين بضم أوله وزيادة التحتانية الساكنة وهو الهروي لقبه خرم بضم المعجمة وتشديد الراء وهو من المكثرين وإنما الذي وقع في رواية أبي ذر من الفائدة أنه استخرج هذا الحديث من رواية نفسه من غير طريق البخاري إلى هشام على عادة الحفاظ إذا وقع لهم الحديث عاليا عن الطريق التي في الكتاب المروي لهم يوردونها عالية عقب الرواية النازلة وكذلك إذا وقع في بعض أسانيد الكتاب المروي خلل ما من انقطاع أو غيره وكان عندهم من وجه آخر سالما أوردوه فجرى أبو ذر على هذه الطريقة فروى الحديث عن شيوخه الثلاثة عن الفربري عن البخاري قال وقال هشام بن عمار ولما فرغ من سياقه قال أبو ذر حدثنا أبو منصور الفضل بن العباس النضروي حدثنا الحسين بن إدريس حدثنا هشام بن عمار به وأما دعوى بن حزم التي أشار إليها فقد سبقه إليها بن الصلاح في علوم الحديث فقال التعليق في أحاديث من صحيح البخاري قطع إسنادها وصورته صورة الانقطاع وليس حكمه حكمه ولا خارجا ما وجد ذلك فيه من قبيل الصحيح إلى قبيل الضعيف ولا التفات إلى أبي محمد بن حزم الظاهري الحافظ في رد ما أخرجه البخاري من حديث أبي عامر وأبي مالك الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحرير والخمر والمعازف الحديث من جهة أن البخاري أورده قائلا قال هشام بن عمار وساقه بإسناده فزعم بن حزم أنه منقطع فيما بين البخاري وهشام وجعله جوابا عن الاحتجاج به على تحريم المعازف وأخطأ في ذلك من وجوه والحديث صحيح معروف الاتصال بشرط الصحيح والبخاري قد يفعل مثل ذلك لكونه قد ذكر ذلك الحديث في موضع آخر من كتابه مسندا متصلا وقد يفعل ذلك لغير ذلك من الأسباب التي لا يصحبها خلل الانقطاع اه ولفظ بن حزم في المحلى ولم يتصل ما بين البخاري وصدقة بن خالد وحكى بن الصلاح في موضع آخر أن الذي يقول البخاري فيه قال فلان ويسميشيخا من شيوخه يكون من قبيل الإسناد المعنعن وحكي عن بعض الحفاظ أنه يفعل ذلك فيما يتحمله عن شيخه مذاكرة وعن بعضهم أنه فيما يرويه مناولة وقد تعقب شيخنا الحافظ أبو الفضل كلام بن الصلاح بأنه وجد في الصحيح عدة أحاديث يرويها البخاري عن بعض شيوخه قائلا قال فلان ويوردها في موضع آخر بواسطة بينه وبين ذلك الشيخ قلت الذي يورده البخاري من ذلك على أنحاء منها ما يصرح فيه بالسماع عن ذلك الشيخ بعينه إما في نفس الصحيح وإما خارجه والسبب في الأول إما أن يكون أعاده في عدة أبواب وضاق عليه مخرجه فتصرف فيه حتى لا يعيده على صورة واحدة في مكانين وفي الثاني أن لا يكون على شرطه إما لقصور في بعض رواته وإما لكونه موقوفا ومنها ما يورده بواسطة عن ذلك الشيخ والسبب فيه كالأول لكنه في غالب هذا لا يكون مكثرا عن ذلك الشيخ ومنها ما لا يورده في مكان آخر من الصحيح مثل حديث الباب فهذا مما كان أشكل أمره علي والذي يظهر لي الآن أنه لقصور في سياقه وهو هنا تردد هشام في اسم الصحابي وسيأتي من كلامه ما يشير إلى ذلك حيث يقول إن المحفوظ أنه عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي مالك وساقه في التاريخ من رواية مالك بن أبي مريم عن عبد الرحمن بن غنم كذلك وقد أشار المهلب إلى شيء من ذلك وأما كونه سمعه من هشام بلا واسطة وبواسطة فلا أثر له لأنه لا يجزم إلا بما يصلح للقبول ولا سيما حيث يسوقه مساق الاحتجاج وأما قول بن الصلاح أن الذي يورده بصيغة قال حكمه حكم الإسناد المعنعن والعنعنة من غير المدلس محمولة على الاتصال وليس البخاري مدلسا فيكون متصلا فهو بحث وافقه عليه بن منده والتزمه فقال أخرج البخاري قال وهو تدليس وتعقبه شيخنا بأن أحدا لم يصف البخاري بالتدليس والذي يظهر لي أن مراد بن منده أن صورته صورة التدليس لأنه يورده بالصيغة المحتملة ويوجد بينه وبينه واسطة وهذا هو التدليس بعينه لكن الشأن في تسليم أن هذه الصيغة من غير المدلس لها حكم العنعنة فقد قال الخطيب وهو المرجوع إليه في الفن أن قال لا تحمل على السماع إلا ممن عرف من عادته أنه يأتي بها في موضع السماع مثل حجاج بن محمد الأعور فعلى هذا ففارقت العنعنة فلا تعطى حكمها ولا يترتب عليه أثرها من التدليس ولا سيما ممن عرف من عادته أن يوردها لغرض غير التدليس وقد تقرر عند الحفاظ أن الذي يأتي به البخاري من التعاليق كلها بصيغة الجزم يكون صحيحا إلى من علق عنه ولو لم يكن من شيوخه لكن إذا وجد الحديث المعلق من رواية بعض الحفاظ موصولا إلى من علقه بشرط الصحة أزال الإشكال ولهذا عنيت في ابتداء الأمر بهذا النوع وصنفت كتاب تعليق التعليق وقد ذكر شيخنا في شرح الترمذي وفي كلامه على علوم الحديث أن حديث هشام بن عمار جاء عنه موصولا في مستخرج الإسماعيلي قال حدثنا الحسن بن سفيان حدثنا هشام بن عمار وأخرجه الطبراني في مسند الشاميين فقال حدثنا محمد بن يزيد بن عبد الصمد حدثنا هشام بن عمار قال وأخرجه أبو داود في سننه فقال حدثنا عبد الوهاب بن نجدة حدثنا بشر بن بكر حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر بسنده انتهى وننبه فيه على موضعين أحدهما أن الطبراني أخرج الحديث في معجمه الكبير عن موسى بن سهل الجويني وعن جعفر بن محمد الفريابي كلاهما عن هشام والمعجم الكبير أشهر من مسند الشاميين فعزوه إليه أولى وأيضا فقد أخرجه أبو نعيم في مستخرجه على البخاري من رواية عبدان بن محمد المروزي ومن رواية أبي بكر الباغندي كلاهما عن هشام وأخرجه بن حبان في صحيحه عن الحسين بن عبد الله القطان عن هشام ثانيهما قوله إن أبا داود أخرجه يوهم أنه عند أبي داودباللفظ الذي وقع فيه النزاع وهو المعازف وليس كذلك بل لم يذكر فيه الخمر الذي وقعت ترجمة البخاري لأجله فإن لفظه عند أبي داود بالسند المذكور إلى عبد الرحمن بن يزيد حدثنا عطية بن قيس سمعت عبد الرحمن بن غنم الأشعري يقول حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري والله ما كذبني أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر وذكر كلاما قال يمسخ منهم قردة وخنازير إلى يوم القيامة نعم ساق الإسماعيلي الحديث من هذا الوجه من رواية دحيم عن بشر بن بكر بهذا الإسناد فقال يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف الحديث قوله حدثنا صدقة بن خالد هو الدمشقي من موالي آل أبي سفيان وليس له في البخاري إلا هذا الحديث وآخر تقدم في مناقب أبي بكر وهو من رواية هشام بن عمار عنه أيضا عن زيد بن واقد وصدقة هذا ثقة عند الجميع قال عبد الله بن أحمد عن أبيه ثقة بن ثقة ليس به بأس أثبت من الوليد بن مسلم وذهل شيخنا بن الملقن تبعا لغيره فقال ليته يعني بن حزم أعل الحديث بصدقة فإن بن الجنيد روى عن يحيى بن معين ليس بشيء وروى المروزي عن أحمد ذلك ليس بمستقيم ولم يرضه وهذا الذي قاله الشيخ خطأ وإنما قال يحيى وأحمد ذلك في صدقة بن عبد الله السمين وهو أقدم من صدقة بن خالد وقد شاركه في كونه دمشقيا وفي الرواية عن بعض شيوخه كزيد بن واقد وأما صدقة بن خالد فقد قدمت قول أحمد فيه وأما بن معين فالمنقول عنه أنه قال كان صدقة بن خالد أحب إلى أبي مسهر من الوليد بن مسلم قال وهو أحب إلي من يحيى بن حمزة ونقل معاوية بن صالح عن بن معين أن صدقة بن خالد ثقة ثم إن صدقة لم ينفرد به عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر بل تابعه على أصله بشر بن بكر كما تقدم قوله حدثنا عطية بن قيس هو شامي تابعي قواه أبو حاتم وغيره ومات سنة عشر ومائة وقيل بعد ذلك ليس له في البخاري ولا لشيخه إلا هذا الحديث والإسناد كله شاميون قوله عبد الرحمن بن غنم بفتح المعجمة وسكون النون بن كريب بن هانئ مختلف في صحبته قال بن سعد كان أبوه ممن قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم صحبة أبي موسى وذكر بن يونس أن عبد الرحمن كان مع أبيه حين وفد وأما أبو زرعة الدمشقي وغيره من حفاظ الشام فقالوا أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يلقه وقدمه دحيم على الصنابحي وقال بن سعد أيضا بعثه عمر يفقه أهل الشام ووثقه العجلي وآخرون ومات سنة ثمان وسبعين ووقع عند الإسماعيلي من الزيادة عن عطية بن قيس قال قام ربيعة الجرشي في الناس فذكر حديثا فيه طول فإذا عبد الرحمن بن غنم فقال يمينا حلفت عليها حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري والله يمينا أخرى حدثني أنه سمع وفي رواية مالك بن أبي مريم كنا عند عبد الرحمن بن غنم معنا ربيعة الجرشي فذكروا الشراب فذكر الحديث قوله حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري هكذا رواه أكثر الحفاظ عن هشام بن عمار بالشك وكذا وقع عند الإسماعيلي من رواية بشر بن بكر لكن وقع عند أبي داود من رواية بشر بن بكر حدثني أبو مالك بغير شك ووقع عند بن حبان عن الحسين بن عبد الله عن هشام بهذا السند إلى عبد الرحمن بن غنم أنه سمع أبا عامر وأبا مالك الأشعريين يقولان فذكر الحديث كذا قال وعلى تقدير أن يكون المحفوظ هو الشك فالشك في اسم الصحابي لا يضر وقد أعله بذلك بن حزم وهو مردود وأعجب منه أن بن بطال حكى عن المهلب أن سبب كون البخاري لم يقل فيه حدثنا هشام بن عمار وجود الشك في اسم الصحابي وهو شيء لم يوافق عليه والمحفوظ رواية الجماعة وقد أخرجه البخاري في التاريخ من طريق إبراهيم بن عبد الحميد عمنأخبره عن أبي مالك أو أبي عامر على الشك أيضا وقال إنما يعرف هذا عن أبي مالك الأشعري انتهى وقد أخرجه أحمد وبن أبي شيبة والبخاري في التاريخ من طريق مالك بن أبي مريم عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي مالك الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشربن أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها تغدو عليهم القيان وتروح عليهم المعازف الحديث فظهر بهذا أن الشك فيه من عطية بن قيس لأن مالك بن أبي مريم وهو رفيقه فيه عن شيخهما لم يشك في أبي مالك على أن التردد في اسم الصحابي لا يضر كما تقرر في علوم الحديث فلا التفات إلى من أعل الحديث بسبب التردد وقد ترجح أنه عن أبي مالك الأشعري وهو صحابي مشهور قوله والله ما كذبني هذا يؤيد رواية الجماعة أنه عن غير واحد لا عن اثنين قوله يستحلون الحر ضبطه بن ناصر بالحاء المهملة المكسورة والراء الخفيفة وهو الفرج وكذا هو في معظم الروايات من صحيح البخاري ولم يذكر عياض ومن تبعه غيره وأغرب بن التين فقال إنه عند البخاري بالمعجمتين وقال بن العربي هو بالمعجمتين تصحيف وإنما رويناه بالمهملتين وهو الفرج والمعنى يستحلون الزنا قال بن التين يريد ارتكاب الفرج بغير حله وإن كان أهل اللغة لم يذكروا هذه اللفظة بهذا المعنى ولكن العامة تستعمله بكسر المهملة كما في هذه الرواية وحكى عياض فيه تشديد الراء والتخفيف هو الصواب وقيل أصله بالياء بعد الراء فحذفت وذكره أبو موسى في ذيل الغريب في ح ر وقال هو بتخفيف الراء وأصله حرح بكسر أوله وتخفيف الراء بعدها مهملة أيضا وجمعه أحراح قال ومنهم من يشدد الراء وليس بجيد وترجم أبو داود للحديث في كتاب اللباس باب ما جاء في الحر ووقع في روايته بمعجمتين والتشديد والراجح بالمهملتين ويؤيده ما وقع في الزهد لابن المبارك من حديث علي بلفظ يوشك أن تستحل أمتي فروج النساء والحرير ووقع عند الداودي بالمعجمتين ثم تعقبه بأنه ليس بمحفوظ لأن كثيرا من الصحابة لبسوه وقال بن الأثير المشهور في رواية هذا الحديث بالإعجام وهو ضرب من الأبر يسم كذا قال وقد عرف أن المشهور في رواية البخاري بالمهملتين وقال بن العربي الخز بالمعجمتين والتشديد مختلف فيه والأقوى حله وليس فيه وعيد ولا عقوبة بإجماع تنبيه لم تقع هذه اللفظة عند الإسماعيلي ولا أبي نعيم من طريق هشام بل في روايتهما يستحلون الحرير والخمر والمعازف وقوله يستحلون قال بن العربي يحتمل أن يكون المعنى يعتقدون ذلك حلالا ويحتمل أن يكون ذلك مجازا على الاسترسال أي يسترسلون في شربها كالاسترسال في الحلال وقد سمعنا ورأينا من يفعل ذلك قوله والمعازف بالعين المهملة والزاي بعدها فاء جمع معزفة بفتح الزاي وهي آلات الملاهي ونقل القرطبي عن الجوهري أن المعازف الغناء والذي في صحاحه أنها آلات اللهو وقيل أصوات الملاهي وفي حواشي الدمياطي المعازف الدفوف وغيرها مما يضرب به ويطلق على الغناء عزف وعلى كل لعب عزف ووقع في رواية مالك بن أبي مريم تغدو عليهم القيان وتروح عليهم المعازف قوله ولينزلن أقوام إلى جنب علم بفتحتين والجمع أعلام وهو الجبل العالي وقيل رأس الجبل قوله يروح عليهم كذا فيه بحذف الفاعل وهو الراعي بقرينة المقام إذ السارحة لا بد لها من حافظ قوله بسارحة بمهملتين الماشية التي تسرح بالغداة إلى رعيها وتروح أي ترجع بالعشي إلى مألفها ووقع في رواية الإسماعيلي سارحة بغير موحدة في أوله ولا حذف فيها قوله يأتيهم لحاجة كذا فيه بحذف الفاعل أيضا قال الكرماني التقدير الآتي أو الراعي أو المحتاج أو الرجل قلت وقع عند الإسماعيلي يأتيهم طالب حاجةفتعين بعض المقدرات قوله فيبيتهم الله أي يهلكهم ليلا والبيات هجوم العدو ليلا قوله ويضع العلم أي يوقعه عليهم وقال بن بطال إن كان العلم جبلا فيدكدكه وإن كان بناء فيهدمه ونحو ذلك وأغرب بن العربي فشرحه على أنه بكسر العين وسكون اللام فقال وضع العلم إما بذهاب أهله كما سيأتي في حديث عبد الله بن عمرو وإما بإهانة أهله بتسليط الفجرة عليهم قوله ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة يريد ممن لم يهلك في البيات المذكور أو من قوم آخرين غير هؤلاء الذين بيتوا ويؤيد الأول أن في رواية الإسماعيلي ويمسخ منهم آخرين قال بن العربي يحتمل الحقيقة كما وقع للأمم السالفة ويحتمل أن يكون كناية عن تبدل أخلاقهم قلت والأول أليق بالسياق وفي هذا الحديث وعيد شديد على من يتحيل في تحليل ما يحرم بتغيير اسمه وأن الحكم يدور مع العلة والعلة في تحريم الخمر الإسكار فمهما وجد الإسكار وجد التحريم ولو لم يستمر الاسم قال بن العربي هو أصل في أن الأحكام إنما تتعلق بمعاني الأسماء لا بألقابها ردا على من حمله على اللفظ
.
5590 - وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ: حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، حَدَّثَنَا عَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ الكِلاَبِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ الأَشْعَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَامِرٍ أَوْ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ، وَاللَّهِ مَا كَذَبَنِي: سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ، يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ، وَالخَمْرَ وَالمَعَازِفَ، وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ، يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ، يَأْتِيهِمْ - يَعْنِي الفَقِيرَ - لِحَاجَةٍ فَيَقُولُونَ: ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدًا، فَيُبَيِّتُهُمُ اللَّهُ، وَيَضَعُ العَلَمَ، وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ "
ش (الحر) الفرج وأصله الحرح والمعنى أنهم يستحلون الزنا
(المعازف) آلات اللهو
(علم) جبل أو هو رأس الجبل
(يروح عليهم) أي راعيهم
(بسارحة) بغنم
(فيبيتهم الله) يهلكهم في الليل
(يضع العلم) يدك الجبل ويوقعه على رؤوسهم
(يمسخ) يغير خلقتهم
(قردة وخنازير) يحتمل أن يكون هذا على الحقيقة ويقع في آخر الزمان ويحتمل المجاز وهو تبدل أخلاقهم ونفوسهم
[5590] قوله وقال هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد هكذا في جميع النسخ من الصحيح من جميع الروايات مع تنوعها عن الفربري وكذا من رواية النسفي وحماد بن شاكر وذهل الزركشي في توضيحه فقال معظم الرواة يذكرون هذا الحديث في البخاري معلقا وقد أسنده أبو ذر عن شيوخه فقال قال البخاري حدثنا الحسين بن إدريس حدثنا هشام بن عمار قال فعلى هذا يكون الحديث صحيحا على شرط البخاري وبذلك يرد على بن حزم دعواه الانقطاع اه وهذا الذي قاله خطأ نشأ عن عدم تأمل وذلك أن القائل حدثنا الحسين بن إدريس هو العباس بن الفضل شيخ أبي ذر لا البخاري ثم هو الحسين بضم أوله وزيادة التحتانية الساكنة وهو الهروي لقبه خرم بضم المعجمة وتشديد الراء وهو من المكثرين وإنما الذي وقع في رواية أبي ذر من الفائدة أنه استخرج هذا الحديث من رواية نفسه من غير طريق البخاري إلى هشام على عادة الحفاظ إذا وقع لهم الحديث عاليا عن الطريق التي في الكتاب المروي لهم يوردونها عالية عقب الرواية النازلة وكذلك إذا وقع في بعض أسانيد الكتاب المروي خلل ما من انقطاع أو غيره وكان عندهم من وجه آخر سالما أوردوه فجرى أبو ذر على هذه الطريقة فروى الحديث عن شيوخه الثلاثة عن الفربري عن البخاري قال وقال هشام بن عمار ولما فرغ من سياقه قال أبو ذر حدثنا أبو منصور الفضل بن العباس النضروي حدثنا الحسين بن إدريس حدثنا هشام بن عمار به وأما دعوى بن حزم التي أشار إليها فقد سبقه إليها بن الصلاح في علوم الحديث فقال التعليق في أحاديث من صحيح البخاري قطع إسنادها وصورته صورة الانقطاع وليس حكمه حكمه ولا خارجا ما وجد ذلك فيه من قبيل الصحيح إلى قبيل الضعيف ولا التفات إلى أبي محمد بن حزم الظاهري الحافظ في رد ما أخرجه البخاري من حديث أبي عامر وأبي مالك الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحرير والخمر والمعازف الحديث من جهة أن البخاري أورده قائلا قال هشام بن عمار وساقه بإسناده فزعم بن حزم أنه منقطع فيما بين البخاري وهشام وجعله جوابا عن الاحتجاج به على تحريم المعازف وأخطأ في ذلك من وجوه والحديث صحيح معروف الاتصال بشرط الصحيح والبخاري قد يفعل مثل ذلك لكونه قد ذكر ذلك الحديث في موضع آخر من كتابه مسندا متصلا وقد يفعل ذلك لغير ذلك من الأسباب التي لا يصحبها خلل الانقطاع اه ولفظ بن حزم في المحلى ولم يتصل ما بين البخاري وصدقة بن خالد وحكى بن الصلاح في موضع آخر أن الذي يقول البخاري فيه قال فلان ويسميشيخا من شيوخه يكون من قبيل الإسناد المعنعن وحكي عن بعض الحفاظ أنه يفعل ذلك فيما يتحمله عن شيخه مذاكرة وعن بعضهم أنه فيما يرويه مناولة وقد تعقب شيخنا الحافظ أبو الفضل كلام بن الصلاح بأنه وجد في الصحيح عدة أحاديث يرويها البخاري عن بعض شيوخه قائلا قال فلان ويوردها في موضع آخر بواسطة بينه وبين ذلك الشيخ قلت الذي يورده البخاري من ذلك على أنحاء منها ما يصرح فيه بالسماع عن ذلك الشيخ بعينه إما في نفس الصحيح وإما خارجه والسبب في الأول إما أن يكون أعاده في عدة أبواب وضاق عليه مخرجه فتصرف فيه حتى لا يعيده على صورة واحدة في مكانين وفي الثاني أن لا يكون على شرطه إما لقصور في بعض رواته وإما لكونه موقوفا ومنها ما يورده بواسطة عن ذلك الشيخ والسبب فيه كالأول لكنه في غالب هذا لا يكون مكثرا عن ذلك الشيخ ومنها ما لا يورده في مكان آخر من الصحيح مثل حديث الباب فهذا مما كان أشكل أمره علي والذي يظهر لي الآن أنه لقصور في سياقه وهو هنا تردد هشام في اسم الصحابي وسيأتي من كلامه ما يشير إلى ذلك حيث يقول إن المحفوظ أنه عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي مالك وساقه في التاريخ من رواية مالك بن أبي مريم عن عبد الرحمن بن غنم كذلك وقد أشار المهلب إلى شيء من ذلك وأما كونه سمعه من هشام بلا واسطة وبواسطة فلا أثر له لأنه لا يجزم إلا بما يصلح للقبول ولا سيما حيث يسوقه مساق الاحتجاج وأما قول بن الصلاح أن الذي يورده بصيغة قال حكمه حكم الإسناد المعنعن والعنعنة من غير المدلس محمولة على الاتصال وليس البخاري مدلسا فيكون متصلا فهو بحث وافقه عليه بن منده والتزمه فقال أخرج البخاري قال وهو تدليس وتعقبه شيخنا بأن أحدا لم يصف البخاري بالتدليس والذي يظهر لي أن مراد بن منده أن صورته صورة التدليس لأنه يورده بالصيغة المحتملة ويوجد بينه وبينه واسطة وهذا هو التدليس بعينه لكن الشأن في تسليم أن هذه الصيغة من غير المدلس لها حكم العنعنة فقد قال الخطيب وهو المرجوع إليه في الفن أن قال لا تحمل على السماع إلا ممن عرف من عادته أنه يأتي بها في موضع السماع مثل حجاج بن محمد الأعور فعلى هذا ففارقت العنعنة فلا تعطى حكمها ولا يترتب عليه أثرها من التدليس ولا سيما ممن عرف من عادته أن يوردها لغرض غير التدليس وقد تقرر عند الحفاظ أن الذي يأتي به البخاري من التعاليق كلها بصيغة الجزم يكون صحيحا إلى من علق عنه ولو لم يكن من شيوخه لكن إذا وجد الحديث المعلق من رواية بعض الحفاظ موصولا إلى من علقه بشرط الصحة أزال الإشكال ولهذا عنيت في ابتداء الأمر بهذا النوع وصنفت كتاب تعليق التعليق وقد ذكر شيخنا في شرح الترمذي وفي كلامه على علوم الحديث أن حديث هشام بن عمار جاء عنه موصولا في مستخرج الإسماعيلي قال حدثنا الحسن بن سفيان حدثنا هشام بن عمار وأخرجه الطبراني في مسند الشاميين فقال حدثنا محمد بن يزيد بن عبد الصمد حدثنا هشام بن عمار قال وأخرجه أبو داود في سننه فقال حدثنا عبد الوهاب بن نجدة حدثنا بشر بن بكر حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر بسنده انتهى وننبه فيه على موضعين أحدهما أن الطبراني أخرج الحديث في معجمه الكبير عن موسى بن سهل الجويني وعن جعفر بن محمد الفريابي كلاهما عن هشام والمعجم الكبير أشهر من مسند الشاميين فعزوه إليه أولى وأيضا فقد أخرجه أبو نعيم في مستخرجه على البخاري من رواية عبدان بن محمد المروزي ومن رواية أبي بكر الباغندي كلاهما عن هشام وأخرجه بن حبان في صحيحه عن الحسين بن عبد الله القطان عن هشام ثانيهما قوله إن أبا داود أخرجه يوهم أنه عند أبي داودباللفظ الذي وقع فيه النزاع وهو المعازف وليس كذلك بل لم يذكر فيه الخمر الذي وقعت ترجمة البخاري لأجله فإن لفظه عند أبي داود بالسند المذكور إلى عبد الرحمن بن يزيد حدثنا عطية بن قيس سمعت عبد الرحمن بن غنم الأشعري يقول حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري والله ما كذبني أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر وذكر كلاما قال يمسخ منهم قردة وخنازير إلى يوم القيامة نعم ساق الإسماعيلي الحديث من هذا الوجه من رواية دحيم عن بشر بن بكر بهذا الإسناد فقال يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف الحديث قوله حدثنا صدقة بن خالد هو الدمشقي من موالي آل أبي سفيان وليس له في البخاري إلا هذا الحديث وآخر تقدم في مناقب أبي بكر وهو من رواية هشام بن عمار عنه أيضا عن زيد بن واقد وصدقة هذا ثقة عند الجميع قال عبد الله بن أحمد عن أبيه ثقة بن ثقة ليس به بأس أثبت من الوليد بن مسلم وذهل شيخنا بن الملقن تبعا لغيره فقال ليته يعني بن حزم أعل الحديث بصدقة فإن بن الجنيد روى عن يحيى بن معين ليس بشيء وروى المروزي عن أحمد ذلك ليس بمستقيم ولم يرضه وهذا الذي قاله الشيخ خطأ وإنما قال يحيى وأحمد ذلك في صدقة بن عبد الله السمين وهو أقدم من صدقة بن خالد وقد شاركه في كونه دمشقيا وفي الرواية عن بعض شيوخه كزيد بن واقد وأما صدقة بن خالد فقد قدمت قول أحمد فيه وأما بن معين فالمنقول عنه أنه قال كان صدقة بن خالد أحب إلى أبي مسهر من الوليد بن مسلم قال وهو أحب إلي من يحيى بن حمزة ونقل معاوية بن صالح عن بن معين أن صدقة بن خالد ثقة ثم إن صدقة لم ينفرد به عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر بل تابعه على أصله بشر بن بكر كما تقدم قوله حدثنا عطية بن قيس هو شامي تابعي قواه أبو حاتم وغيره ومات سنة عشر ومائة وقيل بعد ذلك ليس له في البخاري ولا لشيخه إلا هذا الحديث والإسناد كله شاميون قوله عبد الرحمن بن غنم بفتح المعجمة وسكون النون بن كريب بن هانئ مختلف في صحبته قال بن سعد كان أبوه ممن قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم صحبة أبي موسى وذكر بن يونس أن عبد الرحمن كان مع أبيه حين وفد وأما أبو زرعة الدمشقي وغيره من حفاظ الشام فقالوا أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يلقه وقدمه دحيم على الصنابحي وقال بن سعد أيضا بعثه عمر يفقه أهل الشام ووثقه العجلي وآخرون ومات سنة ثمان وسبعين ووقع عند الإسماعيلي من الزيادة عن عطية بن قيس قال قام ربيعة الجرشي في الناس فذكر حديثا فيه طول فإذا عبد الرحمن بن غنم فقال يمينا حلفت عليها حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري والله يمينا أخرى حدثني أنه سمع وفي رواية مالك بن أبي مريم كنا عند عبد الرحمن بن غنم معنا ربيعة الجرشي فذكروا الشراب فذكر الحديث قوله حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري هكذا رواه أكثر الحفاظ عن هشام بن عمار بالشك وكذا وقع عند الإسماعيلي من رواية بشر بن بكر لكن وقع عند أبي داود من رواية بشر بن بكر حدثني أبو مالك بغير شك ووقع عند بن حبان عن الحسين بن عبد الله عن هشام بهذا السند إلى عبد الرحمن بن غنم أنه سمع أبا عامر وأبا مالك الأشعريين يقولان فذكر الحديث كذا قال وعلى تقدير أن يكون المحفوظ هو الشك فالشك في اسم الصحابي لا يضر وقد أعله بذلك بن حزم وهو مردود وأعجب منه أن بن بطال حكى عن المهلب أن سبب كون البخاري لم يقل فيه حدثنا هشام بن عمار وجود الشك في اسم الصحابي وهو شيء لم يوافق عليه والمحفوظ رواية الجماعة وقد أخرجه البخاري في التاريخ من طريق إبراهيم بن عبد الحميد عمنأخبره عن أبي مالك أو أبي عامر على الشك أيضا وقال إنما يعرف هذا عن أبي مالك الأشعري انتهى وقد أخرجه أحمد وبن أبي شيبة والبخاري في التاريخ من طريق مالك بن أبي مريم عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي مالك الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشربن أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها تغدو عليهم القيان وتروح عليهم المعازف الحديث فظهر بهذا أن الشك فيه من عطية بن قيس لأن مالك بن أبي مريم وهو رفيقه فيه عن شيخهما لم يشك في أبي مالك على أن التردد في اسم الصحابي لا يضر كما تقرر في علوم الحديث فلا التفات إلى من أعل الحديث بسبب التردد وقد ترجح أنه عن أبي مالك الأشعري وهو صحابي مشهور قوله والله ما كذبني هذا يؤيد رواية الجماعة أنه عن غير واحد لا عن اثنين قوله يستحلون الحر ضبطه بن ناصر بالحاء المهملة المكسورة والراء الخفيفة وهو الفرج وكذا هو في معظم الروايات من صحيح البخاري ولم يذكر عياض ومن تبعه غيره وأغرب بن التين فقال إنه عند البخاري بالمعجمتين وقال بن العربي هو بالمعجمتين تصحيف وإنما رويناه بالمهملتين وهو الفرج والمعنى يستحلون الزنا قال بن التين يريد ارتكاب الفرج بغير حله وإن كان أهل اللغة لم يذكروا هذه اللفظة بهذا المعنى ولكن العامة تستعمله بكسر المهملة كما في هذه الرواية وحكى عياض فيه تشديد الراء والتخفيف هو الصواب وقيل أصله بالياء بعد الراء فحذفت وذكره أبو موسى في ذيل الغريب في ح ر وقال هو بتخفيف الراء وأصله حرح بكسر أوله وتخفيف الراء بعدها مهملة أيضا وجمعه أحراح قال ومنهم من يشدد الراء وليس بجيد وترجم أبو داود للحديث في كتاب اللباس باب ما جاء في الحر ووقع في روايته بمعجمتين والتشديد والراجح بالمهملتين ويؤيده ما وقع في الزهد لابن المبارك من حديث علي بلفظ يوشك أن تستحل أمتي فروج النساء والحرير ووقع عند الداودي بالمعجمتين ثم تعقبه بأنه ليس بمحفوظ لأن كثيرا من الصحابة لبسوه وقال بن الأثير المشهور في رواية هذا الحديث بالإعجام وهو ضرب من الأبر يسم كذا قال وقد عرف أن المشهور في رواية البخاري بالمهملتين وقال بن العربي الخز بالمعجمتين والتشديد مختلف فيه والأقوى حله وليس فيه وعيد ولا عقوبة بإجماع تنبيه لم تقع هذه اللفظة عند الإسماعيلي ولا أبي نعيم من طريق هشام بل في روايتهما يستحلون الحرير والخمر والمعازف وقوله يستحلون قال بن العربي يحتمل أن يكون المعنى يعتقدون ذلك حلالا ويحتمل أن يكون ذلك مجازا على الاسترسال أي يسترسلون في شربها كالاسترسال في الحلال وقد سمعنا ورأينا من يفعل ذلك قوله والمعازف بالعين المهملة والزاي بعدها فاء جمع معزفة بفتح الزاي وهي آلات الملاهي ونقل القرطبي عن الجوهري أن المعازف الغناء والذي في صحاحه أنها آلات اللهو وقيل أصوات الملاهي وفي حواشي الدمياطي المعازف الدفوف وغيرها مما يضرب به ويطلق على الغناء عزف وعلى كل لعب عزف ووقع في رواية مالك بن أبي مريم تغدو عليهم القيان وتروح عليهم المعازف قوله ولينزلن أقوام إلى جنب علم بفتحتين والجمع أعلام وهو الجبل العالي وقيل رأس الجبل قوله يروح عليهم كذا فيه بحذف الفاعل وهو الراعي بقرينة المقام إذ السارحة لا بد لها من حافظ قوله بسارحة بمهملتين الماشية التي تسرح بالغداة إلى رعيها وتروح أي ترجع بالعشي إلى مألفها ووقع في رواية الإسماعيلي سارحة بغير موحدة في أوله ولا حذف فيها قوله يأتيهم لحاجة كذا فيه بحذف الفاعل أيضا قال الكرماني التقدير الآتي أو الراعي أو المحتاج أو الرجل قلت وقع عند الإسماعيلي يأتيهم طالب حاجةفتعين بعض المقدرات قوله فيبيتهم الله أي يهلكهم ليلا والبيات هجوم العدو ليلا قوله ويضع العلم أي يوقعه عليهم وقال بن بطال إن كان العلم جبلا فيدكدكه وإن كان بناء فيهدمه ونحو ذلك وأغرب بن العربي فشرحه على أنه بكسر العين وسكون اللام فقال وضع العلم إما بذهاب أهله كما سيأتي في حديث عبد الله بن عمرو وإما بإهانة أهله بتسليط الفجرة عليهم قوله ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة يريد ممن لم يهلك في البيات المذكور أو من قوم آخرين غير هؤلاء الذين بيتوا ويؤيد الأول أن في رواية الإسماعيلي ويمسخ منهم آخرين قال بن العربي يحتمل الحقيقة كما وقع للأمم السالفة ويحتمل أن يكون كناية عن تبدل أخلاقهم قلت والأول أليق بالسياق وفي هذا الحديث وعيد شديد على من يتحيل في تحليل ما يحرم بتغيير اسمه وأن الحكم يدور مع العلة والعلة في تحريم الخمر الإسكار فمهما وجد الإسكار وجد التحريم ولو لم يستمر الاسم قال بن العربي هو أصل في أن الأحكام إنما تتعلق بمعاني الأسماء لا بألقابها ردا على من حمله على اللفظ
.
5590 - وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ: حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، حَدَّثَنَا عَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ الكِلاَبِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ الأَشْعَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَامِرٍ أَوْ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ، وَاللَّهِ مَا كَذَبَنِي: سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ، يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ، وَالخَمْرَ وَالمَعَازِفَ، وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ، يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ، يَأْتِيهِمْ - يَعْنِي الفَقِيرَ - لِحَاجَةٍ فَيَقُولُونَ: ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدًا، فَيُبَيِّتُهُمُ اللَّهُ، وَيَضَعُ العَلَمَ، وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ "
ش (الحر) الفرج وأصله الحرح والمعنى أنهم يستحلون الزنا
(المعازف) آلات اللهو
(علم) جبل أو هو رأس الجبل
(يروح عليهم) أي راعيهم
(بسارحة) بغنم
(فيبيتهم الله) يهلكهم في الليل
(يضع العلم) يدك الجبل ويوقعه على رؤوسهم
(يمسخ) يغير خلقتهم
(قردة وخنازير) يحتمل أن يكون هذا على الحقيقة ويقع في آخر الزمان ويحتمل المجاز وهو تبدل أخلاقهم ونفوسهم
[5590] قوله وقال هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد هكذا في جميع النسخ من الصحيح من جميع الروايات مع تنوعها عن الفربري وكذا من رواية النسفي وحماد بن شاكر وذهل الزركشي في توضيحه فقال معظم الرواة يذكرون هذا الحديث في البخاري معلقا وقد أسنده أبو ذر عن شيوخه فقال قال البخاري حدثنا الحسين بن إدريس حدثنا هشام بن عمار قال فعلى هذا يكون الحديث صحيحا على شرط البخاري وبذلك يرد على بن حزم دعواه الانقطاع اه وهذا الذي قاله خطأ نشأ عن عدم تأمل وذلك أن القائل حدثنا الحسين بن إدريس هو العباس بن الفضل شيخ أبي ذر لا البخاري ثم هو الحسين بضم أوله وزيادة التحتانية الساكنة وهو الهروي لقبه خرم بضم المعجمة وتشديد الراء وهو من المكثرين وإنما الذي وقع في رواية أبي ذر من الفائدة أنه استخرج هذا الحديث من رواية نفسه من غير طريق البخاري إلى هشام على عادة الحفاظ إذا وقع لهم الحديث عاليا عن الطريق التي في الكتاب المروي لهم يوردونها عالية عقب الرواية النازلة وكذلك إذا وقع في بعض أسانيد الكتاب المروي خلل ما من انقطاع أو غيره وكان عندهم من وجه آخر سالما أوردوه فجرى أبو ذر على هذه الطريقة فروى الحديث عن شيوخه الثلاثة عن الفربري عن البخاري قال وقال هشام بن عمار ولما فرغ من سياقه قال أبو ذر حدثنا أبو منصور الفضل بن العباس النضروي حدثنا الحسين بن إدريس حدثنا هشام بن عمار به وأما دعوى بن حزم التي أشار إليها فقد سبقه إليها بن الصلاح في علوم الحديث فقال التعليق في أحاديث من صحيح البخاري قطع إسنادها وصورته صورة الانقطاع وليس حكمه حكمه ولا خارجا ما وجد ذلك فيه من قبيل الصحيح إلى قبيل الضعيف ولا التفات إلى أبي محمد بن حزم الظاهري الحافظ في رد ما أخرجه البخاري من حديث أبي عامر وأبي مالك الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحرير والخمر والمعازف الحديث من جهة أن البخاري أورده قائلا قال هشام بن عمار وساقه بإسناده فزعم بن حزم أنه منقطع فيما بين البخاري وهشام وجعله جوابا عن الاحتجاج به على تحريم المعازف وأخطأ في ذلك من وجوه والحديث صحيح معروف الاتصال بشرط الصحيح والبخاري قد يفعل مثل ذلك لكونه قد ذكر ذلك الحديث في موضع آخر من كتابه مسندا متصلا وقد يفعل ذلك لغير ذلك من الأسباب التي لا يصحبها خلل الانقطاع اه ولفظ بن حزم في المحلى ولم يتصل ما بين البخاري وصدقة بن خالد وحكى بن الصلاح في موضع آخر أن الذي يقول البخاري فيه قال فلان ويسميشيخا من شيوخه يكون من قبيل الإسناد المعنعن وحكي عن بعض الحفاظ أنه يفعل ذلك فيما يتحمله عن شيخه مذاكرة وعن بعضهم أنه فيما يرويه مناولة وقد تعقب شيخنا الحافظ أبو الفضل كلام بن الصلاح بأنه وجد في الصحيح عدة أحاديث يرويها البخاري عن بعض شيوخه قائلا قال فلان ويوردها في موضع آخر بواسطة بينه وبين ذلك الشيخ قلت الذي يورده البخاري من ذلك على أنحاء منها ما يصرح فيه بالسماع عن ذلك الشيخ بعينه إما في نفس الصحيح وإما خارجه والسبب في الأول إما أن يكون أعاده في عدة أبواب وضاق عليه مخرجه فتصرف فيه حتى لا يعيده على صورة واحدة في مكانين وفي الثاني أن لا يكون على شرطه إما لقصور في بعض رواته وإما لكونه موقوفا ومنها ما يورده بواسطة عن ذلك الشيخ والسبب فيه كالأول لكنه في غالب هذا لا يكون مكثرا عن ذلك الشيخ ومنها ما لا يورده في مكان آخر من الصحيح مثل حديث الباب فهذا مما كان أشكل أمره علي والذي يظهر لي الآن أنه لقصور في سياقه وهو هنا تردد هشام في اسم الصحابي وسيأتي من كلامه ما يشير إلى ذلك حيث يقول إن المحفوظ أنه عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي مالك وساقه في التاريخ من رواية مالك بن أبي مريم عن عبد الرحمن بن غنم كذلك وقد أشار المهلب إلى شيء من ذلك وأما كونه سمعه من هشام بلا واسطة وبواسطة فلا أثر له لأنه لا يجزم إلا بما يصلح للقبول ولا سيما حيث يسوقه مساق الاحتجاج وأما قول بن الصلاح أن الذي يورده بصيغة قال حكمه حكم الإسناد المعنعن والعنعنة من غير المدلس محمولة على الاتصال وليس البخاري مدلسا فيكون متصلا فهو بحث وافقه عليه بن منده والتزمه فقال أخرج البخاري قال وهو تدليس وتعقبه شيخنا بأن أحدا لم يصف البخاري بالتدليس والذي يظهر لي أن مراد بن منده أن صورته صورة التدليس لأنه يورده بالصيغة المحتملة ويوجد بينه وبينه واسطة وهذا هو التدليس بعينه لكن الشأن في تسليم أن هذه الصيغة من غير المدلس لها حكم العنعنة فقد قال الخطيب وهو المرجوع إليه في الفن أن قال لا تحمل على السماع إلا ممن عرف من عادته أنه يأتي بها في موضع السماع مثل حجاج بن محمد الأعور فعلى هذا ففارقت العنعنة فلا تعطى حكمها ولا يترتب عليه أثرها من التدليس ولا سيما ممن عرف من عادته أن يوردها لغرض غير التدليس وقد تقرر عند الحفاظ أن الذي يأتي به البخاري من التعاليق كلها بصيغة الجزم يكون صحيحا إلى من علق عنه ولو لم يكن من شيوخه لكن إذا وجد الحديث المعلق من رواية بعض الحفاظ موصولا إلى من علقه بشرط الصحة أزال الإشكال ولهذا عنيت في ابتداء الأمر بهذا النوع وصنفت كتاب تعليق التعليق وقد ذكر شيخنا في شرح الترمذي وفي كلامه على علوم الحديث أن حديث هشام بن عمار جاء عنه موصولا في مستخرج الإسماعيلي قال حدثنا الحسن بن سفيان حدثنا هشام بن عمار وأخرجه الطبراني في مسند الشاميين فقال حدثنا محمد بن يزيد بن عبد الصمد حدثنا هشام بن عمار قال وأخرجه أبو داود في سننه فقال حدثنا عبد الوهاب بن نجدة حدثنا بشر بن بكر حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر بسنده انتهى وننبه فيه على موضعين أحدهما أن الطبراني أخرج الحديث في معجمه الكبير عن موسى بن سهل الجويني وعن جعفر بن محمد الفريابي كلاهما عن هشام والمعجم الكبير أشهر من مسند الشاميين فعزوه إليه أولى وأيضا فقد أخرجه أبو نعيم في مستخرجه على البخاري من رواية عبدان بن محمد المروزي ومن رواية أبي بكر الباغندي كلاهما عن هشام وأخرجه بن حبان في صحيحه عن الحسين بن عبد الله القطان عن هشام ثانيهما قوله إن أبا داود أخرجه يوهم أنه عند أبي داودباللفظ الذي وقع فيه النزاع وهو المعازف وليس كذلك بل لم يذكر فيه الخمر الذي وقعت ترجمة البخاري لأجله فإن لفظه عند أبي داود بالسند المذكور إلى عبد الرحمن بن يزيد حدثنا عطية بن قيس سمعت عبد الرحمن بن غنم الأشعري يقول حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري والله ما كذبني أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر وذكر كلاما قال يمسخ منهم قردة وخنازير إلى يوم القيامة نعم ساق الإسماعيلي الحديث من هذا الوجه من رواية دحيم عن بشر بن بكر بهذا الإسناد فقال يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف الحديث قوله حدثنا صدقة بن خالد هو الدمشقي من موالي آل أبي سفيان وليس له في البخاري إلا هذا الحديث وآخر تقدم في مناقب أبي بكر وهو من رواية هشام بن عمار عنه أيضا عن زيد بن واقد وصدقة هذا ثقة عند الجميع قال عبد الله بن أحمد عن أبيه ثقة بن ثقة ليس به بأس أثبت من الوليد بن مسلم وذهل شيخنا بن الملقن تبعا لغيره فقال ليته يعني بن حزم أعل الحديث بصدقة فإن بن الجنيد روى عن يحيى بن معين ليس بشيء وروى المروزي عن أحمد ذلك ليس بمستقيم ولم يرضه وهذا الذي قاله الشيخ خطأ وإنما قال يحيى وأحمد ذلك في صدقة بن عبد الله السمين وهو أقدم من صدقة بن خالد وقد شاركه في كونه دمشقيا وفي الرواية عن بعض شيوخه كزيد بن واقد وأما صدقة بن خالد فقد قدمت قول أحمد فيه وأما بن معين فالمنقول عنه أنه قال كان صدقة بن خالد أحب إلى أبي مسهر من الوليد بن مسلم قال وهو أحب إلي من يحيى بن حمزة ونقل معاوية بن صالح عن بن معين أن صدقة بن خالد ثقة ثم إن صدقة لم ينفرد به عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر بل تابعه على أصله بشر بن بكر كما تقدم قوله حدثنا عطية بن قيس هو شامي تابعي قواه أبو حاتم وغيره ومات سنة عشر ومائة وقيل بعد ذلك ليس له في البخاري ولا لشيخه إلا هذا الحديث والإسناد كله شاميون قوله عبد الرحمن بن غنم بفتح المعجمة وسكون النون بن كريب بن هانئ مختلف في صحبته قال بن سعد كان أبوه ممن قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم صحبة أبي موسى وذكر بن يونس أن عبد الرحمن كان مع أبيه حين وفد وأما أبو زرعة الدمشقي وغيره من حفاظ الشام فقالوا أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يلقه وقدمه دحيم على الصنابحي وقال بن سعد أيضا بعثه عمر يفقه أهل الشام ووثقه العجلي وآخرون ومات سنة ثمان وسبعين ووقع عند الإسماعيلي من الزيادة عن عطية بن قيس قال قام ربيعة الجرشي في الناس فذكر حديثا فيه طول فإذا عبد الرحمن بن غنم فقال يمينا حلفت عليها حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري والله يمينا أخرى حدثني أنه سمع وفي رواية مالك بن أبي مريم كنا عند عبد الرحمن بن غنم معنا ربيعة الجرشي فذكروا الشراب فذكر الحديث قوله حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري هكذا رواه أكثر الحفاظ عن هشام بن عمار بالشك وكذا وقع عند الإسماعيلي من رواية بشر بن بكر لكن وقع عند أبي داود من رواية بشر بن بكر حدثني أبو مالك بغير شك ووقع عند بن حبان عن الحسين بن عبد الله عن هشام بهذا السند إلى عبد الرحمن بن غنم أنه سمع أبا عامر وأبا مالك الأشعريين يقولان فذكر الحديث كذا قال وعلى تقدير أن يكون المحفوظ هو الشك فالشك في اسم الصحابي لا يضر وقد أعله بذلك بن حزم وهو مردود وأعجب منه أن بن بطال حكى عن المهلب أن سبب كون البخاري لم يقل فيه حدثنا هشام بن عمار وجود الشك في اسم الصحابي وهو شيء لم يوافق عليه والمحفوظ رواية الجماعة وقد أخرجه البخاري في التاريخ من طريق إبراهيم بن عبد الحميد عمنأخبره عن أبي مالك أو أبي عامر على الشك أيضا وقال إنما يعرف هذا عن أبي مالك الأشعري انتهى وقد أخرجه أحمد وبن أبي شيبة والبخاري في التاريخ من طريق مالك بن أبي مريم عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي مالك الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشربن أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها تغدو عليهم القيان وتروح عليهم المعازف الحديث فظهر بهذا أن الشك فيه من عطية بن قيس لأن مالك بن أبي مريم وهو رفيقه فيه عن شيخهما لم يشك في أبي مالك على أن التردد في اسم الصحابي لا يضر كما تقرر في علوم الحديث فلا التفات إلى من أعل الحديث بسبب التردد وقد ترجح أنه عن أبي مالك الأشعري وهو صحابي مشهور قوله والله ما كذبني هذا يؤيد رواية الجماعة أنه عن غير واحد لا عن اثنين قوله يستحلون الحر ضبطه بن ناصر بالحاء المهملة المكسورة والراء الخفيفة وهو الفرج وكذا هو في معظم الروايات من صحيح البخاري ولم يذكر عياض ومن تبعه غيره وأغرب بن التين فقال إنه عند البخاري بالمعجمتين وقال بن العربي هو بالمعجمتين تصحيف وإنما رويناه بالمهملتين وهو الفرج والمعنى يستحلون الزنا قال بن التين يريد ارتكاب الفرج بغير حله وإن كان أهل اللغة لم يذكروا هذه اللفظة بهذا المعنى ولكن العامة تستعمله بكسر المهملة كما في هذه الرواية وحكى عياض فيه تشديد الراء والتخفيف هو الصواب وقيل أصله بالياء بعد الراء فحذفت وذكره أبو موسى في ذيل الغريب في ح ر وقال هو بتخفيف الراء وأصله حرح بكسر أوله وتخفيف الراء بعدها مهملة أيضا وجمعه أحراح قال ومنهم من يشدد الراء وليس بجيد وترجم أبو داود للحديث في كتاب اللباس باب ما جاء في الحر ووقع في روايته بمعجمتين والتشديد والراجح بالمهملتين ويؤيده ما وقع في الزهد لابن المبارك من حديث علي بلفظ يوشك أن تستحل أمتي فروج النساء والحرير ووقع عند الداودي بالمعجمتين ثم تعقبه بأنه ليس بمحفوظ لأن كثيرا من الصحابة لبسوه وقال بن الأثير المشهور في رواية هذا الحديث بالإعجام وهو ضرب من الأبر يسم كذا قال وقد عرف أن المشهور في رواية البخاري بالمهملتين وقال بن العربي الخز بالمعجمتين والتشديد مختلف فيه والأقوى حله وليس فيه وعيد ولا عقوبة بإجماع تنبيه لم تقع هذه اللفظة عند الإسماعيلي ولا أبي نعيم من طريق هشام بل في روايتهما يستحلون الحرير والخمر والمعازف وقوله يستحلون قال بن العربي يحتمل أن يكون المعنى يعتقدون ذلك حلالا ويحتمل أن يكون ذلك مجازا على الاسترسال أي يسترسلون في شربها كالاسترسال في الحلال وقد سمعنا ورأينا من يفعل ذلك قوله والمعازف بالعين المهملة والزاي بعدها فاء جمع معزفة بفتح الزاي وهي آلات الملاهي ونقل القرطبي عن الجوهري أن المعازف الغناء والذي في صحاحه أنها آلات اللهو وقيل أصوات الملاهي وفي حواشي الدمياطي المعازف الدفوف وغيرها مما يضرب به ويطلق على الغناء عزف وعلى كل لعب عزف ووقع في رواية مالك بن أبي مريم تغدو عليهم القيان وتروح عليهم المعازف قوله ولينزلن أقوام إلى جنب علم بفتحتين والجمع أعلام وهو الجبل العالي وقيل رأس الجبل قوله يروح عليهم كذا فيه بحذف الفاعل وهو الراعي بقرينة المقام إذ السارحة لا بد لها من حافظ قوله بسارحة بمهملتين الماشية التي تسرح بالغداة إلى رعيها وتروح أي ترجع بالعشي إلى مألفها ووقع في رواية الإسماعيلي سارحة بغير موحدة في أوله ولا حذف فيها قوله يأتيهم لحاجة كذا فيه بحذف الفاعل أيضا قال الكرماني التقدير الآتي أو الراعي أو المحتاج أو الرجل قلت وقع عند الإسماعيلي يأتيهم طالب حاجةفتعين بعض المقدرات قوله فيبيتهم الله أي يهلكهم ليلا والبيات هجوم العدو ليلا قوله ويضع العلم أي يوقعه عليهم وقال بن بطال إن كان العلم جبلا فيدكدكه وإن كان بناء فيهدمه ونحو ذلك وأغرب بن العربي فشرحه على أنه بكسر العين وسكون اللام فقال وضع العلم إما بذهاب أهله كما سيأتي في حديث عبد الله بن عمرو وإما بإهانة أهله بتسليط الفجرة عليهم قوله ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة يريد ممن لم يهلك في البيات المذكور أو من قوم آخرين غير هؤلاء الذين بيتوا ويؤيد الأول أن في رواية الإسماعيلي ويمسخ منهم آخرين قال بن العربي يحتمل الحقيقة كما وقع للأمم السالفة ويحتمل أن يكون كناية عن تبدل أخلاقهم قلت والأول أليق بالسياق وفي هذا الحديث وعيد شديد على من يتحيل في تحليل ما يحرم بتغيير اسمه وأن الحكم يدور مع العلة والعلة في تحريم الخمر الإسكار فمهما وجد الإسكار وجد التحريم ولو لم يستمر الاسم قال بن العربي هو أصل في أن الأحكام إنما تتعلق بمعاني الأسماء لا بألقابها ردا على من حمله على اللفظ
.
5590 - وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ: حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، حَدَّثَنَا عَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ الكِلاَبِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ الأَشْعَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَامِرٍ أَوْ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ، وَاللَّهِ مَا كَذَبَنِي: سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ، يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ، وَالخَمْرَ وَالمَعَازِفَ، وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ، يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ، يَأْتِيهِمْ - يَعْنِي الفَقِيرَ - لِحَاجَةٍ فَيَقُولُونَ: ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدًا، فَيُبَيِّتُهُمُ اللَّهُ، وَيَضَعُ العَلَمَ، وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ "
ش (الحر) الفرج وأصله الحرح والمعنى أنهم يستحلون الزنا
(المعازف) آلات اللهو
(علم) جبل أو هو رأس الجبل
(يروح عليهم) أي راعيهم
(بسارحة) بغنم
(فيبيتهم الله) يهلكهم في الليل
(يضع العلم) يدك الجبل ويوقعه على رؤوسهم
(يمسخ) يغير خلقتهم
(قردة وخنازير) يحتمل أن يكون هذا على الحقيقة ويقع في آخر الزمان ويحتمل المجاز وهو تبدل أخلاقهم ونفوسهم
[5590] قوله وقال هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد هكذا في جميع النسخ من الصحيح من جميع الروايات مع تنوعها عن الفربري وكذا من رواية النسفي وحماد بن شاكر وذهل الزركشي في توضيحه فقال معظم الرواة يذكرون هذا الحديث في البخاري معلقا وقد أسنده أبو ذر عن شيوخه فقال قال البخاري حدثنا الحسين بن إدريس حدثنا هشام بن عمار قال فعلى هذا يكون الحديث صحيحا على شرط البخاري وبذلك يرد على بن حزم دعواه الانقطاع اه وهذا الذي قاله خطأ نشأ عن عدم تأمل وذلك أن القائل حدثنا الحسين بن إدريس هو العباس بن الفضل شيخ أبي ذر لا البخاري ثم هو الحسين بضم أوله وزيادة التحتانية الساكنة وهو الهروي لقبه خرم بضم المعجمة وتشديد الراء وهو من المكثرين وإنما الذي وقع في رواية أبي ذر من الفائدة أنه استخرج هذا الحديث من رواية نفسه من غير طريق البخاري إلى هشام على عادة الحفاظ إذا وقع لهم الحديث عاليا عن الطريق التي في الكتاب المروي لهم يوردونها عالية عقب الرواية النازلة وكذلك إذا وقع في بعض أسانيد الكتاب المروي خلل ما من انقطاع أو غيره وكان عندهم من وجه آخر سالما أوردوه فجرى أبو ذر على هذه الطريقة فروى الحديث عن شيوخه الثلاثة عن الفربري عن البخاري قال وقال هشام بن عمار ولما فرغ من سياقه قال أبو ذر حدثنا أبو منصور الفضل بن العباس النضروي حدثنا الحسين بن إدريس حدثنا هشام بن عمار به وأما دعوى بن حزم التي أشار إليها فقد سبقه إليها بن الصلاح في علوم الحديث فقال التعليق في أحاديث من صحيح البخاري قطع إسنادها وصورته صورة الانقطاع وليس حكمه حكمه ولا خارجا ما وجد ذلك فيه من قبيل الصحيح إلى قبيل الضعيف ولا التفات إلى أبي محمد بن حزم الظاهري الحافظ في رد ما أخرجه البخاري من حديث أبي عامر وأبي مالك الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحرير والخمر والمعازف الحديث من جهة أن البخاري أورده قائلا قال هشام بن عمار وساقه بإسناده فزعم بن حزم أنه منقطع فيما بين البخاري وهشام وجعله جوابا عن الاحتجاج به على تحريم المعازف وأخطأ في ذلك من وجوه والحديث صحيح معروف الاتصال بشرط الصحيح والبخاري قد يفعل مثل ذلك لكونه قد ذكر ذلك الحديث في موضع آخر من كتابه مسندا متصلا وقد يفعل ذلك لغير ذلك من الأسباب التي لا يصحبها خلل الانقطاع اه ولفظ بن حزم في المحلى ولم يتصل ما بين البخاري وصدقة بن خالد وحكى بن الصلاح في موضع آخر أن الذي يقول البخاري فيه قال فلان ويسميشيخا من شيوخه يكون من قبيل الإسناد المعنعن وحكي عن بعض الحفاظ أنه يفعل ذلك فيما يتحمله عن شيخه مذاكرة وعن بعضهم أنه فيما يرويه مناولة وقد تعقب شيخنا الحافظ أبو الفضل كلام بن الصلاح بأنه وجد في الصحيح عدة أحاديث يرويها البخاري عن بعض شيوخه قائلا قال فلان ويوردها في موضع آخر بواسطة بينه وبين ذلك الشيخ قلت الذي يورده البخاري من ذلك على أنحاء منها ما يصرح فيه بالسماع عن ذلك الشيخ بعينه إما في نفس الصحيح وإما خارجه والسبب في الأول إما أن يكون أعاده في عدة أبواب وضاق عليه مخرجه فتصرف فيه حتى لا يعيده على صورة واحدة في مكانين وفي الثاني أن لا يكون على شرطه إما لقصور في بعض رواته وإما لكونه موقوفا ومنها ما يورده بواسطة عن ذلك الشيخ والسبب فيه كالأول لكنه في غالب هذا لا يكون مكثرا عن ذلك الشيخ ومنها ما لا يورده في مكان آخر من الصحيح مثل حديث الباب فهذا مما كان أشكل أمره علي والذي يظهر لي الآن أنه لقصور في سياقه وهو هنا تردد هشام في اسم الصحابي وسيأتي من كلامه ما يشير إلى ذلك حيث يقول إن المحفوظ أنه عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي مالك وساقه في التاريخ من رواية مالك بن أبي مريم عن عبد الرحمن بن غنم كذلك وقد أشار المهلب إلى شيء من ذلك وأما كونه سمعه من هشام بلا واسطة وبواسطة فلا أثر له لأنه لا يجزم إلا بما يصلح للقبول ولا سيما حيث يسوقه مساق الاحتجاج وأما قول بن الصلاح أن الذي يورده بصيغة قال حكمه حكم الإسناد المعنعن والعنعنة من غير المدلس محمولة على الاتصال وليس البخاري مدلسا فيكون متصلا فهو بحث وافقه عليه بن منده والتزمه فقال أخرج البخاري قال وهو تدليس وتعقبه شيخنا بأن أحدا لم يصف البخاري بالتدليس والذي يظهر لي أن مراد بن منده أن صورته صورة التدليس لأنه يورده بالصيغة المحتملة ويوجد بينه وبينه واسطة وهذا هو التدليس بعينه لكن الشأن في تسليم أن هذه الصيغة من غير المدلس لها حكم العنعنة فقد قال الخطيب وهو المرجوع إليه في الفن أن قال لا تحمل على السماع إلا ممن عرف من عادته أنه يأتي بها في موضع السماع مثل حجاج بن محمد الأعور فعلى هذا ففارقت العنعنة فلا تعطى حكمها ولا يترتب عليه أثرها من التدليس ولا سيما ممن عرف من عادته أن يوردها لغرض غير التدليس وقد تقرر عند الحفاظ أن الذي يأتي به البخاري من التعاليق كلها بصيغة الجزم يكون صحيحا إلى من علق عنه ولو لم يكن من شيوخه لكن إذا وجد الحديث المعلق من رواية بعض الحفاظ موصولا إلى من علقه بشرط الصحة أزال الإشكال ولهذا عنيت في ابتداء الأمر بهذا النوع وصنفت كتاب تعليق التعليق وقد ذكر شيخنا في شرح الترمذي وفي كلامه على علوم الحديث أن حديث هشام بن عمار جاء عنه موصولا في مستخرج الإسماعيلي قال حدثنا الحسن بن سفيان حدثنا هشام بن عمار وأخرجه الطبراني في مسند الشاميين فقال حدثنا محمد بن يزيد بن عبد الصمد حدثنا هشام بن عمار قال وأخرجه أبو داود في سننه فقال حدثنا عبد الوهاب بن نجدة حدثنا بشر بن بكر حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر بسنده انتهى وننبه فيه على موضعين أحدهما أن الطبراني أخرج الحديث في معجمه الكبير عن موسى بن سهل الجويني وعن جعفر بن محمد الفريابي كلاهما عن هشام والمعجم الكبير أشهر من مسند الشاميين فعزوه إليه أولى وأيضا فقد أخرجه أبو نعيم في مستخرجه على البخاري من رواية عبدان بن محمد المروزي ومن رواية أبي بكر الباغندي كلاهما عن هشام وأخرجه بن حبان في صحيحه عن الحسين بن عبد الله القطان عن هشام ثانيهما قوله إن أبا داود أخرجه يوهم أنه عند أبي داودباللفظ الذي وقع فيه النزاع وهو المعازف وليس كذلك بل لم يذكر فيه الخمر الذي وقعت ترجمة البخاري لأجله فإن لفظه عند أبي داود بالسند المذكور إلى عبد الرحمن بن يزيد حدثنا عطية بن قيس سمعت عبد الرحمن بن غنم الأشعري يقول حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري والله ما كذبني أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر وذكر كلاما قال يمسخ منهم قردة وخنازير إلى يوم القيامة نعم ساق الإسماعيلي الحديث من هذا الوجه من رواية دحيم عن بشر بن بكر بهذا الإسناد فقال يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف الحديث قوله حدثنا صدقة بن خالد هو الدمشقي من موالي آل أبي سفيان وليس له في البخاري إلا هذا الحديث وآخر تقدم في مناقب أبي بكر وهو من رواية هشام بن عمار عنه أيضا عن زيد بن واقد وصدقة هذا ثقة عند الجميع قال عبد الله بن أحمد عن أبيه ثقة بن ثقة ليس به بأس أثبت من الوليد بن مسلم وذهل شيخنا بن الملقن تبعا لغيره فقال ليته يعني بن حزم أعل الحديث بصدقة فإن بن الجنيد روى عن يحيى بن معين ليس بشيء وروى المروزي عن أحمد ذلك ليس بمستقيم ولم يرضه وهذا الذي قاله الشيخ خطأ وإنما قال يحيى وأحمد ذلك في صدقة بن عبد الله السمين وهو أقدم من صدقة بن خالد وقد شاركه في كونه دمشقيا وفي الرواية عن بعض شيوخه كزيد بن واقد وأما صدقة بن خالد فقد قدمت قول أحمد فيه وأما بن معين فالمنقول عنه أنه قال كان صدقة بن خالد أحب إلى أبي مسهر من الوليد بن مسلم قال وهو أحب إلي من يحيى بن حمزة ونقل معاوية بن صالح عن بن معين أن صدقة بن خالد ثقة ثم إن صدقة لم ينفرد به عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر بل تابعه على أصله بشر بن بكر كما تقدم قوله حدثنا عطية بن قيس هو شامي تابعي قواه أبو حاتم وغيره ومات سنة عشر ومائة وقيل بعد ذلك ليس له في البخاري ولا لشيخه إلا هذا الحديث والإسناد كله شاميون قوله عبد الرحمن بن غنم بفتح المعجمة وسكون النون بن كريب بن هانئ مختلف في صحبته قال بن سعد كان أبوه ممن قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم صحبة أبي موسى وذكر بن يونس أن عبد الرحمن كان مع أبيه حين وفد وأما أبو زرعة الدمشقي وغيره من حفاظ الشام فقالوا أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يلقه وقدمه دحيم على الصنابحي وقال بن سعد أيضا بعثه عمر يفقه أهل الشام ووثقه العجلي وآخرون ومات سنة ثمان وسبعين ووقع عند الإسماعيلي من الزيادة عن عطية بن قيس قال قام ربيعة الجرشي في الناس فذكر حديثا فيه طول فإذا عبد الرحمن بن غنم فقال يمينا حلفت عليها حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري والله يمينا أخرى حدثني أنه سمع وفي رواية مالك بن أبي مريم كنا عند عبد الرحمن بن غنم معنا ربيعة الجرشي فذكروا الشراب فذكر الحديث قوله حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري هكذا رواه أكثر الحفاظ عن هشام بن عمار بالشك وكذا وقع عند الإسماعيلي من رواية بشر بن بكر لكن وقع عند أبي داود من رواية بشر بن بكر حدثني أبو مالك بغير شك ووقع عند بن حبان عن الحسين بن عبد الله عن هشام بهذا السند إلى عبد الرحمن بن غنم أنه سمع أبا عامر وأبا مالك الأشعريين يقولان فذكر الحديث كذا قال وعلى تقدير أن يكون المحفوظ هو الشك فالشك في اسم الصحابي لا يضر وقد أعله بذلك بن حزم وهو مردود وأعجب منه أن بن بطال حكى عن المهلب أن سبب كون البخاري لم يقل فيه حدثنا هشام بن عمار وجود الشك في اسم الصحابي وهو شيء لم يوافق عليه والمحفوظ رواية الجماعة وقد أخرجه البخاري في التاريخ من طريق إبراهيم بن عبد الحميد عمنأخبره عن أبي مالك أو أبي عامر على الشك أيضا وقال إنما يعرف هذا عن أبي مالك الأشعري انتهى وقد أخرجه أحمد وبن أبي شيبة والبخاري في التاريخ من طريق مالك بن أبي مريم عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي مالك الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشربن أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها تغدو عليهم القيان وتروح عليهم المعازف الحديث فظهر بهذا أن الشك فيه من عطية بن قيس لأن مالك بن أبي مريم وهو رفيقه فيه عن شيخهما لم يشك في أبي مالك على أن التردد في اسم الصحابي لا يضر كما تقرر في علوم الحديث فلا التفات إلى من أعل الحديث بسبب التردد وقد ترجح أنه عن أبي مالك الأشعري وهو صحابي مشهور قوله والله ما كذبني هذا يؤيد رواية الجماعة أنه عن غير واحد لا عن اثنين قوله يستحلون الحر ضبطه بن ناصر بالحاء المهملة المكسورة والراء الخفيفة وهو الفرج وكذا هو في معظم الروايات من صحيح البخاري ولم يذكر عياض ومن تبعه غيره وأغرب بن التين فقال إنه عند البخاري بالمعجمتين وقال بن العربي هو بالمعجمتين تصحيف وإنما رويناه بالمهملتين وهو الفرج والمعنى يستحلون الزنا قال بن التين يريد ارتكاب الفرج بغير حله وإن كان أهل اللغة لم يذكروا هذه اللفظة بهذا المعنى ولكن العامة تستعمله بكسر المهملة كما في هذه الرواية وحكى عياض فيه تشديد الراء والتخفيف هو الصواب وقيل أصله بالياء بعد الراء فحذفت وذكره أبو موسى في ذيل الغريب في ح ر وقال هو بتخفيف الراء وأصله حرح بكسر أوله وتخفيف الراء بعدها مهملة أيضا وجمعه أحراح قال ومنهم من يشدد الراء وليس بجيد وترجم أبو داود للحديث في كتاب اللباس باب ما جاء في الحر ووقع في روايته بمعجمتين والتشديد والراجح بالمهملتين ويؤيده ما وقع في الزهد لابن المبارك من حديث علي بلفظ يوشك أن تستحل أمتي فروج النساء والحرير ووقع عند الداودي بالمعجمتين ثم تعقبه بأنه ليس بمحفوظ لأن كثيرا من الصحابة لبسوه وقال بن الأثير المشهور في رواية هذا الحديث بالإعجام وهو ضرب من الأبر يسم كذا قال وقد عرف أن المشهور في رواية البخاري بالمهملتين وقال بن العربي الخز بالمعجمتين والتشديد مختلف فيه والأقوى حله وليس فيه وعيد ولا عقوبة بإجماع تنبيه لم تقع هذه اللفظة عند الإسماعيلي ولا أبي نعيم من طريق هشام بل في روايتهما يستحلون الحرير والخمر والمعازف وقوله يستحلون قال بن العربي يحتمل أن يكون المعنى يعتقدون ذلك حلالا ويحتمل أن يكون ذلك مجازا على الاسترسال أي يسترسلون في شربها كالاسترسال في الحلال وقد سمعنا ورأينا من يفعل ذلك قوله والمعازف بالعين المهملة والزاي بعدها فاء جمع معزفة بفتح الزاي وهي آلات الملاهي ونقل القرطبي عن الجوهري أن المعازف الغناء والذي في صحاحه أنها آلات اللهو وقيل أصوات الملاهي وفي حواشي الدمياطي المعازف الدفوف وغيرها مما يضرب به ويطلق على الغناء عزف وعلى كل لعب عزف ووقع في رواية مالك بن أبي مريم تغدو عليهم القيان وتروح عليهم المعازف قوله ولينزلن أقوام إلى جنب علم بفتحتين والجمع أعلام وهو الجبل العالي وقيل رأس الجبل قوله يروح عليهم كذا فيه بحذف الفاعل وهو الراعي بقرينة المقام إذ السارحة لا بد لها من حافظ قوله بسارحة بمهملتين الماشية التي تسرح بالغداة إلى رعيها وتروح أي ترجع بالعشي إلى مألفها ووقع في رواية الإسماعيلي سارحة بغير موحدة في أوله ولا حذف فيها قوله يأتيهم لحاجة كذا فيه بحذف الفاعل أيضا قال الكرماني التقدير الآتي أو الراعي أو المحتاج أو الرجل قلت وقع عند الإسماعيلي يأتيهم طالب حاجةفتعين بعض المقدرات قوله فيبيتهم الله أي يهلكهم ليلا والبيات هجوم العدو ليلا قوله ويضع العلم أي يوقعه عليهم وقال بن بطال إن كان العلم جبلا فيدكدكه وإن كان بناء فيهدمه ونحو ذلك وأغرب بن العربي فشرحه على أنه بكسر العين وسكون اللام فقال وضع العلم إما بذهاب أهله كما سيأتي في حديث عبد الله بن عمرو وإما بإهانة أهله بتسليط الفجرة عليهم قوله ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة يريد ممن لم يهلك في البيات المذكور أو من قوم آخرين غير هؤلاء الذين بيتوا ويؤيد الأول أن في رواية الإسماعيلي ويمسخ منهم آخرين قال بن العربي يحتمل الحقيقة كما وقع للأمم السالفة ويحتمل أن يكون كناية عن تبدل أخلاقهم قلت والأول أليق بالسياق وفي هذا الحديث وعيد شديد على من يتحيل في تحليل ما يحرم بتغيير اسمه وأن الحكم يدور مع العلة والعلة في تحريم الخمر الإسكار فمهما وجد الإسكار وجد التحريم ولو لم يستمر الاسم قال بن العربي هو أصل في أن الأحكام إنما تتعلق بمعاني الأسماء لا بألقابها ردا على من حمله على اللفظ
.